تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : متن الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.


ليتيم الشافعي
2009-05-07, 17:07
التدمرية

تحقيق الإثبات للأسماء والصفات
وحقيقة الجمع بين القدر والشرع



تأليف

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

*******

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده

والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

قال الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رحمه الله :

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له

ومن يضلل فلا هادي له ; وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :

فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس ; من الكلام في التوحيد والصفات وفي الشرع والقدر لمسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين وكثرة الاضطراب فيهما . فإنهما مع حاجة كل أحد إليهما ومع أن أهل النظر والعلم والإرادة والعباد : لا بد أن يخطر لهم في ذلك من الخواطر والأقوال ما يحتاجون معه إلى بيان الهدى من الضلال لا سيما مع كثرة من خاض في ذلك بالحق تارة وبالباطل تارات وما يعتري القلوب في ذلك : من الشبه التي توقعها في أنواع الضلالات .

فالكلام في باب التوحيد والصفات : هو من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات والكلام في الشرع والقدر : هو من باب الطلب والإرادة : الدائر بين الإرادة والمحبة وبين الكراهة والبغض : نفيا وإثباتا والإنسان يجد في نفسه الفرق بين النفي والإثبات ; والتصديق والتكذيب وبين الحب والبغض والحض والمنع ; حتى إن الفرق بين هذا

النوع وبين النوع الآخر معروف عند العامة والخاصة ومعروف عند أصناف المتكلمين في العلم كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الإيمان وكما ذكره المقسمون للكلام ; من أهل النظر والنحو والبيان فذكروا أن الكلام نوعان : خبر وإنشاء , والخبر دائر بين النفي والإثبات , والإنشاء أمر أو نهي أو إباحة.

وإذا كان كذلك : فلا بد للعبد أن يثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال وينفي عنه ما يجب نفيه عنه مما يضاد هذه الحال ولا بد له في أحكامه من أن يثبت خلقه وأمره فيؤمن بخلقه المتضمن كمال قدرته وعموم مشيئته ويثبت أمره المتضمن بيان ما يحبه ويرضاه : من القول والعمل ويؤمن بشرعه وقدره إيمانا خاليا من الزلل وهذا يتضمن التوحيد في عبادته وحده لا شريك له : وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل والأول يتضمن التوحيد في العلم والقول كما دل على ذلك سورة { قل هو الله أحد } ودل على الآخر سورة : { قل يا أيها الكافرون } وهما سورتا الإخلاص وبهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر وركعتي الطواف وغير ذلك .
***...يتبع***














(http://[URL]http://www.m5zn.com)

حسناء العابدة
2009-05-08, 14:48
جزاك الله خير الجزاء وثبتك على دينه وطاعته ووفقك لما يحب ويرضى من صالح القول والعمل

taha178
2009-05-08, 14:54
http://www.3z.cc/sml/30/008.gif

بارك الله فيك أخي الحبيب


http://www.3z.cc/sml/30/008.gif

ليتيم الشافعي
2009-05-11, 13:56
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا

ليتيم الشافعي
2009-05-11, 13:58
فأما الأول وهو ( التوحيد في الصفات فالأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله : نفيا وإثباتا ; فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه .
وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد : لا في أسمائه ولا في آياته فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته كما قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } وقال تعالى : { إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم } ! الآية . فطريقتهم تتضمن إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات : إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } . ففي قوله { ليس كمثله شيء } : رد للتشبيه والتمثيل وقوله : { وهو السميع البصير } . رد للإلحاد والتعطيل .
والله سبحانه : بعث رسله ( بإثبات مفصل ونفي مجمل فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل كما قال تعالى { فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا } قال أهل اللغة : { هل تعلم له سميا } أي نظيرا يستحق مثل اسمه . ويقال : مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس ( هل تعلم له سميا مثيلا أو شبيها وقال تعالى { لم يلد ولم يولد } { ولم يكن له كفوا أحد } وقال تعالى : { فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } وقال تعالى : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } وقال تعالى : { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون } { بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم } ؟ وقال تعالى : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا } { الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك } وقال تعالى : { فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون } { أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون } { ألا إنهم من إفكهم ليقولون } { ولد الله وإنهم لكاذبون } { أصطفى البنات على البنين } { ما لكم كيف تحكمون } { أفلا تذكرون } { أم لكم سلطان مبين } { فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين } { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون } { سبحان الله عما يصفون } { إلا عباد الله المخلصين } إلى قوله : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { وسلام على المرسلين } { والحمد لله رب العالمين } . فسبح نفسه عما يصفه المفترون المشركون وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من الإفك والشرك وحمد نفسه ; إذ هو سبحانه المستحق للحمد بما له من الأسماء والصفات وبديع المخلوقات

ليتيم الشافعي
2009-05-19, 12:20
وأما الإثبات المفصل : فإنه ذكر من أسمائه وصفاته ما أنزله في محكم آياته كقوله : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } الآية بكمالها وقوله : { قل هو الله أحد } { الله الصمد } السورة وقوله : { وهو العليم الحكيم } { وهو العليم القدير } { وهو السميع البصير } { وهو العزيز الحكيم } { وهو الغفور الرحيم } { وهو الغفور الودود } { ذو العرش المجيد } { فعال لما يريد } { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } { هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير } وقوله : { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } وقوله : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } الآية وقوله : { رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه } وقوله : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه } وقوله : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } وقوله : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } وقوله : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } وقوله : { وكلم الله موسى تكليما } وقوله : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا } وقوله : { ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون } وقوله { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } وقوله : { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم } { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون } { هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم } . إلى أمثال هذه الآيات والأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أسماء الرب تعالى وصفاته فإن في ذلك من إثبات ذاته وصفاته على وجه التفصيل وإثبات وحدانيته بنفي التمثيل ما هدى الله به عباده إلى سواء السبيل فهذه طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
**يتبع ان شاء الله**

dafyaaz
2009-05-19, 15:04
جزاك الله خير الجزاء وادخلك فسيح جنته

ليتيم الشافعي
2009-05-20, 17:34
وأما من زاغ وحاد عن سبيلهم من الكفار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهمية والقرامطة والباطنية ونحوهم : فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون إلا وجودا مطلقا لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان يمتنع تحققه في الأعيان فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل ; فإنهم يمثلونه بالممتنعات والمعدومات والجمادات ; ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلا يستلزم نفي الذات . فغلاتهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون : لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين وهذا ممتنع في بداهة العقول ; وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول فوقعوا في شر مما فروا منه فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات وقد علم بالاضطرار . أن الوجود لا بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه ; قديم أزلي ; لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم فوصفوه بما يمتنع وجوده فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم . وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم فوصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن لا فيما خرج عنه من الموجودات وجعلوا الصفة هي الموصوف , فجعلوا العلم عين العالم مكابرة للقضايا البديهات وجعلوا هذه الصفة هي الأخرى فلم يميزوا بين العلم والقدرة والمشيئة جحدا للعلوم الضروريات وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم ; فأثبتوا لله الأسماء دون ما تتضمنه من الصفات - فمنهم من جعل العليم والقدير ; والسميع ; والبصير ; كالأعلام المحضة المترادفات ومنهم من قال عليم بلا علم قدير بلا قدرة سميع بصير بلا سمع ولا بصر فأثبتوا الاسم دون ما تضمنه من الصفات والكلام على فساد مقالة هؤلاء وبيان تناقضها
بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول مذكور في غير هذه الكلمات وهؤلاء جميعهم يفرون من شيء فيقعون في نظيره وفي شر منه مع ما يلزمهم من التحريف والتعطيل ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلات وفرقوا بين المختلفات كما تقتضيه المعقولات ; ولكانوا من الذين أوتوا العلم الذين يرون أنما أنزل إلى الرسول هو الحق من ربه ويهدي إلى صراط العزيز الحميد . ولكنهم من أهل المجهولات المشبهة بالمعقولات يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات . وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات : كالحيوان والمعدن والنبات والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع وقد علم بالاضطرار أن المحدث لا بد له من محدث والممكن لا بد له من موجد كما قال تعالى : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ؟ } فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق ولا هم الخالقون لأنفسهم تعين أن لهم خالقا خلقهم .
***يتبع ان شاء الله***

ليتيم الشافعي
2009-05-25, 11:12
وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم : فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه واتفاقهما في اسم عام : لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصيص والتقييد ولا في غيره . فلا يقول عاقل إذا قيل أن العرش شيء موجود وأن البعوض شيء موجود : إن هذا مثل هذا ; لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الاسم المطلق وإذا قيل هذا موجود وهذا موجود : فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره ; مع أن الاسم حقيقة في كل منهما ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمى صفاته بأسماء ; وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ; ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند
الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص : اتفاقهما ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص . فقد سمى الله نفسه حيا فقال : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وسمى بعض عباده حيا ; فقال : { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأن قوله الحي اسم لله مختص به وقوله : { يخرج الحي من الميت } اسم للحي المخلوق مختص به وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ; ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق ولا بد من هذا في جميع أسماء الله وصفاته يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق وما دل عليه بالإضافة والاختصاص : المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه - سبحانه وتعالى
**يتبع**

الأخ سعيد
2009-05-25, 20:54
السلام عليكم :
بارك الله فيك اخي العزيز الشافعي...جزاك الله عنا و عن المنهج الحق بأحسن ما يجازي به عباده الصالحين

ليتيم الشافعي
2009-06-01, 16:27
وفيكم بارك الله وجزاكم الله خيرا.

ليتيم الشافعي
2009-08-02, 21:56
وكذلك سمى الله نفسه عليما حليما وسمى بعض عباده عليما فقال : { وبشروه بغلام عليم } يعني إسحاق وسمى آخر حليما فقال : { فبشرناه بغلام حليم } يعني إسماعيل وليس العليم كالعليم ولا الحليم كالحليم , وسمى نفسه سميعا بصيرا فقال : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا } وسمى بعض عباده سميعا بصيرا فقال : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا } وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير وسمى نفسه بالرءوف الرحيم . فقال : { إن الله بالناس لرءوف رحيم } وسمى بعض عباده بالرءوف الرحيم فقال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } وليس الرءوف كالرءوف ولا الرحيم كالرحيم وسمى نفسه بالملك . فقال : { الملك القدوس } وسمى بعض عباده بالملك فقال { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } { وقال الملك ائتوني به } وليس الملك كالملك . وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن وسمى بعض عباده بالمؤمن فقال : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } وليس المؤمن كالمؤمن وسمى نفسه بالعزيز فقال : { العزيز الجبار المتكبر } وسمى بعض عباده بالعزيز فقال : { قالت امرأة العزيز } وليس العزيز كالعزيز وسمى نفسه الجبار المتكبر وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر قال : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } وليس الجبار كالجبار ولا المتكبر كالمتكبر ونظائر هذا متعددة وكذلك سمى صفاته بأسماء وسمى صفات عباده بنظير ذلك فقال : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } { أنزله بعلمه } وقال : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } وقال : { أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } وسمى صفة المخلوق علما وقوة فقال : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } وقال : { وفوق كل ذي علم عليم } وقال : { فرحوا بما عندهم من العلم } وقال : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } وقال : { ويزدكم قوة إلى قوتكم } وقال : { والسماء بنيناها بأيد } أي بقوة وقال : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } أي ذا القوة وليس العلم كالعلم ولا القوة كالقوة ووصف نفسه بالمشيئة ووصف عبده بالمشيئة فقال : { لمن شاء منكم أن يستقيم } { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } وقال : { إن هذه تذكرة } { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } { وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما } وكذلك وصف نفسه بالإرادة وعبده بالإرادة فقال : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم } ووصف نفسه بالمحبة ووصف عبده بالمحبة فقال : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } وقال : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ووصف نفسه بالرضا ووصف عبده بالرضا فقال : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ومعلوم أن مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد , ولا إرادته مثل إرادته ولا محبته مثل محبته , ولا رضاه مثل رضاه وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار ووصفهم بالمقت فقال : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } وليس المقت مثل المقت وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد كما وصف عبده بذلك فقال : { ويمكرون ويمكر الله } وقال { إنهم يكيدون كيدا } { وأكيد كيدا } وليس المكر كالمكر ولا الكيد كالكيد ووصف نفسه بالعمل فقال : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون } ووصف عبده بالعمل فقال { جزاء بما كانوا يعملون } وليس العمل كالعمل ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة فقال : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا } وقال : { ويوم يناديهم } وقال : { وناداهما ربهما } ووصف عباده بالمناداة والمناجاة فقال : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } وقال : { إذا ناجيتم الرسول } وقال : { إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان } وليس المناداة ولا المناجاة كالمناجاة والمناداة ووصف نفسه بالتكليم في قوله : { وكلم الله موسى تكليما } وقوله : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } وقوله : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } ووصف عبده بالتكليم في قوله : { وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } وليس التكليم كالتكليم ووصف نفسه بالتنبئة ووصف بعض الخلق بالتنبئة فقال : { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } وليس الإنباء كالإنباء ووصف نفسه بالتعليم ووصف عبده بالتعليم فقال : { الرحمن } { علم القرآن } { خلق الإنسان } { علمه البيان } وقال : { تعلمونهن مما علمكم الله } وقال : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وليس التعليم كالتعليم وهكذا وصف نفسه بالغضب فقال : { وغضب الله عليهم ولعنهم } ووصف عبده بالغضب في قوله : { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } وليس الغضب كالغضب ووصف نفسه بأنه استوى على عرشه فذكر ذلك في سبع مواضع من كتابه أنه استوى على العرش ووصف بعض خلقه بالاستواء على غيره في مثل قوله : { لتستووا على ظهوره } وقوله : { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } وقوله : { واستوت على الجودي } وليس الاستواء كالاستواء ووصف نفسه ببسط اليدين فقال : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } ووصف بعض خلقه ببسط اليد في قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } وليس اليد كاليد ولا البسط كالبسط ; وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود : فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه ولا جوده كجودهم ونظائر هذا كثيرة . فلا بد من إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي مماثلته بخلقه فمن قال : ليس لله علم ولا قوة ولا رحمة ولا كلام ولا يحب ولا يرضى ولا نادى ولا ناجى ولا استوى : كان معطلا جاحدا ممثلا لله بالمعدومات والجمادات ومن قال له علم كعلمي أو قوة كقوتي أو حب كحبي أو رضاء كرضاي أو يدان كيداي أو استواء كاستوائي كان مشبها ممثلا لله بالحيوانات ; بل لا بد من إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل ويتبين هذا ( بأصلين شريفين ) ومثلين مضروبين - ولله المثل الأعلى - . و ( بخاتمة جامعة )

ليتيم الشافعي
2009-08-02, 21:59
فصل


فأما الأصلان : فأحدهما أن يقال : ( القول في بعض الصفات كالقول في بعض فإن كان المخاطب ممن يقول : بأن الله حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام مريد بإرادة ويجعل ذلك كله حقيقة وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهته فيجعل ذلك مجازا ويفسره إما بالإرادة وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات فيقال له : لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته بل القول في أحدهما كالقول في الآخر ; فإن قلت : إن إرادته مثل إرادة المخلوقين فكذلك محبته ورضاه وغضبه وهذا هو التمثيل وإن قلت : إن له إرادة تليق به ; كما أن للمخلوق إرادة تليق به قيل لك : وكذلك له محبة تليق به وللمخلوق محبة تليق به وله رضا وغضب يليق به وللمخلوق رضا وغضب يليق به وإن قلت : الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام فيقال له : والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة فإن قلت : هذه إرادة المخلوق قيل لك : وهذا غضب المخلوق وكذلك يلزم القول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته ; إن نفي عنه الغضب والمحبة والرضا ونحو ذلك مما هو من خصائص المخلوقين ; فهذا منتف عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات وإن قال : أنه لا حقيقة لهذا إلا ما يختص بالمخلوقين ; فيجب نفيه عنه قيل له : وهكذا السمع والبصر والكلام والعلم والقدرة فهذا المفرق بين بعض الصفات وبعض يقال له : فيما نفاه كما يقوله هو لمنازعه فيما أثبته فإذا قال المعتزلي : ليس له إرادة ولا كلام قائم به ; لأن هذه الصفات لا تقوم إلا بالمخلوقات فإنه يبين للمعتزلي أن هذه الصفات يتصف بها القديم ولا تكون كصفات المحدثات فهكذا يقول له المثبتون لسائر الصفات من المحبة والرضا ونحو ذلك فإن قال : تلك الصفات أثبتها بالعقل لأن الفعل الحادث دل على القدرة والتخصيص دل على الإرادة والإحكام دل على العلم وهذه الصفات مستلزمة للحياة والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام أو ضد ذلك قال له سائر أهل الإثبات : لك جوابان : أحدهما أن يقال : عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين فهب أن ما سلكت من الدليل العقلي لا يثبت ذلك فإنه لا ينفيه وليس لك أن تنفيه بغير دليل لأن النافي عليه الدليل كما على المثبت والسمع قد دل عليه ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي فيجب إثبات ما أثبته الدليل السالم عن المعارض المقاوم الثاني أن يقال : يمكن إثبات هذه الصفات بنظير ما أثبت به تلك من العقليات فيقال نفع العباد بالإحسان إليهم دل على الرحمة كدلالة التخصيص على المشيئة وإكرام الطائعين يدل على محبتهم وعقاب الكافرين يدل على بغضهم كما قد ثبت بالشهادة والخبر : من إكرام أوليائه وعقاب أعدائه والغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته - وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة - تدل على حكمته البالغة ; كما يدل التخصيص على المشيئة وأولى لقوة العلة الغائية ; ولهذا كان ما في القرآن من بيان ما في مخلوقاته من النعم والحكم : أعظم مما في القرآن من بيان ما فيها من الدلالة على محض المشيئة وإن كان المخاطب ممن ينكر الصفات ويقر بالأسماء كالمعتزلي الذي يقول : إنه حي عليم قدير وينكر أن يتصف بالحياة والعلم والقدرة قيل له : لا فرق بين إثبات الأسماء وإثبات الصفات فإنك إن قلت : إثبات الحياة والعلم والقدرة يقتضي تشبيها أو تجسيما لأنا لا نجد في الشاهد متصفا بالصفات إلا ما هو جسم قيل لك : ولا نجد في الشاهد ما هو مسمى حي عليم قدير إلا ما هو جسم فإن نفيت ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إلا للجسم فانف الأسماء بل وكل شيء لأنك لا تجده في الشاهد إلا للجسم فكل ما يحتج به من نفى الصفات يحتج به نافي الأسماء الحسنى ; فما كان جوابا لذلك كان جوابا لمثبتي الصفات وإن كان المخاطب من الغلاة نفاة الأسماء والصفات وقال لا أقول : هو موجود ولا حي ولا عليم ولا قدير ; بل هذه الأسماء لمخلوقاته إذ هي مجاز لأن إثبات ذلك يستلزم التشبيه بالموجود الحي العليم قيل له : كذلك إذا قلت : ليس بموجود ولا حي ولا عليم ولا قدير كان ذلك تشبيها بالمعدومات وذلك أقبح من التشبيه بالموجودات فإن قال : أنا أنفي النفي والإثبات قيل له : فيلزمك التشبيه بما اجتمع فيه النقيضان من الممتنعات فإنه يمتنع أن يكون الشيء موجودا معدوما أو لا موجودا ولا معدوما ويمتنع أن يكون يوصف ذلك باجتماع الوجود والعدم أو الحياة والموت أو العلم والجهل أو يوصف بنفي الوجود والعدم ونفي الحياة والموت ونفي العلم والجهل فإن قلت إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلا لهما وهذان يتقابلان تقابل العدم والملكة ; لا تقابل السلب والإيجاب فإن الجدار لا يقال له أعمى ولا بصير ولا حي ولا ميت إذ ليس بقابل لهما قيل لك : أولا هذا لا يصح في الوجود والعدم فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء ; فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر وأما ما ذكرته من الحياة والموت والعلم والجهل : فهذا اصطلاح اصطلحت عليه المتفلسفة المشاءون والاصطلاحات اللفظية ليست دليلا على نفي الحقائق العقلية وقد قال الله تعالى : { والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون } { أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } فسمى الجماد ميتا وهذا مشهور في لغة العرب وغيرهم وقيل لك ثانيا : فما لا يقبل الاتصاف بالحياة والموت والعمى والبصر ونحو ذلك من المتقابلات أنقص مما يقبل ذلك - فالأعمى الذي يقبل الاتصاف بالبصر أكمل من الجماد الذي لا يقبل واحدا منهما فأنت فررت من تشبيهه بالحيوانات القابلة لصفات الكمال ووصفته بصفات الجامدات التي لا تقبل ذلك وأيضا فما لا يقبل الوجود والعدم : أعظم امتناعا من القابل للوجود والعدم ; بل ومن اجتماع الوجود والعدم ونفيهما جميعا فما نفيت عنه قبول الوجود والعدم . كان أعظم امتناعا مما نفيت عنه الوجود والعدم وإذا كان هذا ممتنعا في صرائح العقول فذاك أعظم امتناعا ; فجعلت الوجود الواجب الذي لا يقبل العدم هو أعظم الممتنعات وهذا غاية التناقض والفساد وهؤلاء الباطنية منهم من يصرح برفع النقيضين : الوجود والعدم ; ورفعهما كجمعهما . ومن يقول لا أثبت واحدا منهما فامتناعه عن إثبات أحدهما في نفس الأمر لا يمنع تحقق واحد منهما في نفس الأمر وإنما هو كجهل الجاهل وسكوت الساكت الذي لا يعبر عن الحقائق وإذا كان ما لا يقبل الوجود ولا العدم أعظم امتناعا مما يقدر قبوله لهما - مع نفيهما عنه - فما يقدر لا يقبل الحياة ولا الموت ولا العلم ولا الجهل ولا القدرة ولا العجز ولا الكلام ولا الخرس ولا العمى ولا البصر ولا السمع ولا الصمم : أقرب إلى المعدوم الممتنع مما يقدر قابلا لهما - مع نفيهما عنه - وحينئذ فنفيهما مع كونه قابلا لهما أقرب إلى الوجود والممكن وما جاز لواجب الوجود - قابلا - وجب له ; لعدم توقف صفاته على غيره ; فإذا جاز القبول وجب ; وإذا جاز وجود القبول وجب وقد بسط هذا في موضع آخر وبين وجوب اتصافه بصفات الكمال التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه وقيل له أيضا : اتفاق المسميين في بعض الأسماء والصفات : ليس هو التشبيه والتمثيل الذي نفته الأدلة السمعيات والعقليات وإنما نفت ما يستلزم اشتراكهما فيما يختص به الخالق مما يختص بوجوبه أو جوازه أو امتناعه ; فلا يجوز أن يشركه فيه مخلوق ولا يشركه مخلوق في شيء من خصائصه - سبحانه وتعالى وأما ما نفيته فهو ثابت بالشرع والعقل وتسميتك ذلك تشبيها وتجسيما تمويه على الجهال الذين يظنون أن كل معنى سماه مسم بهذا الاسم يجب نفيه ; ولو ساغ هذا لكان كل مبطل يسمي الحق بأسماء ينفر عنها بعض الناس ليكذب الناس بالحق المعلوم بالسمع والعقل وبهذه الطريقة : أفسدت الملاحدة على طوائف الناس عقلهم ودينهم حتى أخرجوهم إلى أعظم الكفر والجهالة وأبلغ الغي والضلالة وإن قال نفاة الصفات : إثبات العلم والقدرة والإرادة مستلزم تعدد الصفات وهذا تركيب ممتنع قيل : وإذا قلتم : هو موجود واجب وعقل وعاقل ومعقول وعاشق ومعشوق ولذيذ وملتذ ولذة . أفليس المفهوم من هذا هو المفهوم من هذا ؟ فهذه معان متعددة متغايرة في العقل وهذا تركيب عندكم وأنتم تثبتونه وتسمونه توحيدا فإن قالوا : هذا توحيد في الحقيقة وليس هذا تركيبا ممتنعا قيل لهم : واتصاف الذات بالصفات اللازمة لها توحيد في الحقيقة ; وليس هو تركيبا ممتنعا وذلك أنه من المعلوم في صريح العقول أنه ليس معنى كون الشيء عالما هو معنى كونه قادرا ولا نفس ذاته هو نفس كونه عالما قادرا ; فمن جوز أن تكون هذه الصفة هي الموصوف فهو من أعظم الناس سفسطة ثم إنه متناقض فإنه إن جوز ذلك جاز أن يكون وجود هذا هو وجود هذا فيكون الوجود واحدا بالعين لا بالنوع وحينئذ فإذا كان وجود الممكن هو وجود الواجب كان وجود كل مخلوق يعدم بعدم وجوده ويوجد بعد عدمه : هو نفس وجود الحق القديم الدائم الباقي الذي لا يقبل العدم وإذا قدر هذا كان الوجود الواجب موصوفا بكل تشبيه وتجسيم وكل نقص وكل عيب ; كما يصرح بذلك ( أهل وحدة الوجود الذين طردوا هذا الأصل الفاسد وحينئذ فتكون أقوال نفاة الصفات باطلة على كل تقدير وهذا باب مطرد فإن كل واحد من النفاة لما أخبر به الرسول من الصفات : لا ينفي شيئا فرارا مما هو محذور إلا وقد أثبت ما يلزمه فيه نظير ما فر منه فلا بد في آخر الأمر من أن يثبت موجودا واجبا قديما متصفا بصفات تميزه عن غيره ولا يكون فيها مماثلا لخلقه فيقال له : هكذا القول في جمع الصفات وكل ما تثبته من الأسماء والصفات : فلا بد أن يدل على قدر تتواطأ فيه المسميات ولولا ذلك لما فهم الخطاب ; ولكن نعلم أن ما اختص الله به وامتاز عن خلقه : أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال .
وهذا يتبين ( بالأصل الثاني وهو أن يقال : ( القول في الصفات كالقول في الذات , فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله . فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات . فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل سائر الصفات فإذا قال السائل : كيف استوى على العرش ؟ قيل له كما قال ربيعة ومالك وغيرهما رضي الله عنهما : الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عن الكيفية بدعة لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر ولا يمكنهم الإجابة عنه وكذلك إذا قال : كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ؟ قيل له : كيف هو ؟ فإذا قال : لا أعلم كيفيته قيل له : ونحن لا نعلم كيفية نزوله إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف وهو فرع له وتابع له ; فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنت لا تعلم كيفية ذاته وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيء فسمعه وبصره وكلامه ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم وهذا الكلام لازم لهم في العقليات وفي تأويل السمعيات : فإن من أثبت شيئا ونفى شيئا بالعقل - إذا - ألزم فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة نظير ما يلزمه فيما أثبته ولو طولب بالفرق بين المحذور في هذا وهذا : لم يجد بينهما فرقا ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض - الذين يوجبون فيما نفوه : إما التفويض ; وإما التأويل المخالف لمقتضى اللفظ - قانون مستقيم . فإذا قيل لهم : لم تأولتم هذا وأقررتم هذا والسؤال فيهما واحد ؟ لم يكن لهم جواب صحيح فهذا تناقضهم في النفي وكذا تناقضهم في الإثبات ; فإن من تأول النصوص على معنى من المعاني التي يثبتها فإنهم إذا صرفوا النص عن المعنى الذي هو مقتضاه إلى معنى آخر : لزمهم في المعنى المصروف إليه ما كان يلزمهم في المعنى المصروف عنه فإذا قال قائل : تأويل محبته ورضاه وغضبه وسخطه : هو إرادته للثواب والعقاب ; كان ما يلزمه في الإرادة نظير ما يلزمه في الحب والمقت والرضا والسخط ولو فسر ذلك بمفعولاته وهو ما يخلقه من الثواب والعقاب فإنه يلزمه في ذلك نظير ما فر منه فإن الفعل لا بد أن يقوم أولا بالفاعل والثواب والعقاب المفعول إنما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه ويسخطه ويبغضه المثيب المعاقب فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا وإن أثبتوه على خلاف ذلك فكذلك الصفات .

أم بدر الدين
2009-09-28, 20:27
بارك الله فيك و أحسن الله اليك .....

rachidh
2009-09-29, 11:19
جزآك الله خيرا جئت بقول الفصل والحق ولكن أكثرهم للحق كارهون

رسول الله في قلبي
2012-09-25, 10:16
بارك الله فيكم

رسول الله في قلبي
2012-09-25, 10:28
بارك الله فيكم وأحسن اليكم

على سنة رسول الله
2012-09-25, 10:45
شكرا على المجهود

على سنة رسول الله
2012-09-25, 11:18
شكرا على المجهود و الاتقان

الجليس الصلح
2012-11-08, 06:56
شكرا على كل ما قدمتم بوركتم

mom147
2012-11-12, 12:12
وكذلك سمى الله نفسه عليما حليما وسمى بعض عباده عليما فقال : { وبشروه بغلام عليم } يعني إسحاق وسمى آخر حليما فقال : { فبشرناه بغلام حليم } يعني إسماعيل وليس العليم كالعليم ولا الحليم كالحليم , وسمى نفسه سميعا بصيرا فقال : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا } وسمى بعض عباده سميعا بصيرا فقال : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا } وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير وسمى نفسه بالرءوف الرحيم . فقال : { إن الله بالناس لرءوف رحيم } وسمى بعض عباده بالرءوف الرحيم فقال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } وليس الرءوف كالرءوف ولا الرحيم كالرحيم وسمى نفسه بالملك . فقال : { الملك القدوس } وسمى بعض عباده بالملك فقال { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } { وقال الملك ائتوني به } وليس الملك كالملك . وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن وسمى بعض عباده بالمؤمن فقال : { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } وليس المؤمن كالمؤمن وسمى نفسه بالعزيز فقال : { العزيز الجبار المتكبر } وسمى بعض عباده بالعزيز فقال : { قالت امرأة العزيز } وليس العزيز كالعزيز وسمى نفسه الجبار المتكبر وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر قال : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } وليس الجبار كالجبار ولا المتكبر كالمتكبر ونظائر هذا متعددة وكذلك سمى صفاته بأسماء وسمى صفات عباده بنظير ذلك فقال : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } { أنزله بعلمه } وقال : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } وقال : { أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة } وسمى صفة المخلوق علما وقوة فقال : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } وقال : { وفوق كل ذي علم عليم } وقال : { فرحوا بما عندهم من العلم } وقال : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } وقال : { ويزدكم قوة إلى قوتكم } وقال : { والسماء بنيناها بأيد } أي بقوة وقال : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } أي ذا القوة وليس العلم كالعلم ولا القوة كالقوة ووصف نفسه بالمشيئة ووصف عبده بالمشيئة فقال : { لمن شاء منكم أن يستقيم } { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } وقال : { إن هذه تذكرة } { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } { وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما } وكذلك وصف نفسه بالإرادة وعبده بالإرادة فقال : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم } ووصف نفسه بالمحبة ووصف عبده بالمحبة فقال : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } وقال : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } ووصف نفسه بالرضا ووصف عبده بالرضا فقال : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ومعلوم أن مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد , ولا إرادته مثل إرادته ولا محبته مثل محبته , ولا رضاه مثل رضاه وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار ووصفهم بالمقت فقال : { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } وليس المقت مثل المقت وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد كما وصف عبده بذلك فقال : { ويمكرون ويمكر الله } وقال { إنهم يكيدون كيدا } { وأكيد كيدا } وليس المكر كالمكر ولا الكيد كالكيد ووصف نفسه بالعمل فقال : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون } ووصف عبده بالعمل فقال { جزاء بما كانوا يعملون } وليس العمل كالعمل ووصف نفسه بالمناداة والمناجاة فقال : { وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا } وقال : { ويوم يناديهم } وقال : { وناداهما ربهما } ووصف عباده بالمناداة والمناجاة فقال : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } وقال : { إذا ناجيتم الرسول } وقال : { إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان } وليس المناداة ولا المناجاة كالمناجاة والمناداة ووصف نفسه بالتكليم في قوله : { وكلم الله موسى تكليما } وقوله : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } وقوله : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } ووصف عبده بالتكليم في قوله : { وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } وليس التكليم كالتكليم ووصف نفسه بالتنبئة ووصف بعض الخلق بالتنبئة فقال : { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } وليس الإنباء كالإنباء ووصف نفسه بالتعليم ووصف عبده بالتعليم فقال : { الرحمن } { علم القرآن } { خلق الإنسان } { علمه البيان } وقال : { تعلمونهن مما علمكم الله } وقال : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وليس التعليم كالتعليم وهكذا وصف نفسه بالغضب فقال : { وغضب الله عليهم ولعنهم } ووصف عبده بالغضب في قوله : { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } وليس الغضب كالغضب ووصف نفسه بأنه استوى على عرشه فذكر ذلك في سبع مواضع من كتابه أنه استوى على العرش ووصف بعض خلقه بالاستواء على غيره في مثل قوله : { لتستووا على ظهوره } وقوله : { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } وقوله : { واستوت على الجودي } وليس الاستواء كالاستواء ووصف نفسه ببسط اليدين فقال : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } ووصف بعض خلقه ببسط اليد في قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } وليس اليد كاليد ولا البسط كالبسط ; وإذا كان المراد بالبسط الإعطاء والجود : فليس إعطاء الله كإعطاء خلقه ولا جوده كجودهم ونظائر هذا كثيرة . فلا بد من إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي مماثلته بخلقه فمن قال : ليس لله علم ولا قوة ولا رحمة ولا كلام ولا يحب ولا يرضى ولا نادى ولا ناجى ولا استوى : كان معطلا جاحدا ممثلا لله بالمعدومات والجمادات ومن قال له علم كعلمي أو قوة كقوتي أو حب كحبي أو رضاء كرضاي أو يدان كيداي أو استواء كاستوائي كان مشبها ممثلا لله بالحيوانات ; بل لا بد من إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل ويتبين هذا ( بأصلين شريفين ) ومثلين مضروبين - ولله المثل الأعلى - . و ( بخاتمة جامعة )



((عجبت من اقوام يدعون العلم، ويملون الى التشبيه بحملهم الاحاديث على ظاهرها،فلو امروها كما جاءت سلموا لان من امر ماجاء ، ومر من غير اعترض فما قال شيء لا له ولا عليه، ولكن قوما قصرت علومهم فرات ان حمل الكلام على غير ظاهره نوع من التعطيل، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا، وماهم الا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته الخنساء فقالت:
اذا هبط الحجاج ارضا مريضة...........تتبع اقصىداءها فشفـــــــــــها
شفاها من الداء العضال الذي بها.........غلام اذا هز القناة شفاهـــــــــا
فلما اتمت القصيدة قال : لكاتبه اقطع لسانها فجاء ذلك الكاتب المغفل بالموسى، فقالت له : ويلك انما قال لك اجزل لها العطاء، ثم ذهبت الى الحجاج فقالت : كاد والله يقطع مقولي.
فكذلك الظاهرية الذين لم يسلمو بالتسليم،فانه من قرأ الايات والاحاديث ولم يزد لم المه وهذه طريقة السلف، فأما من قال الحديث يقتضي كذ، ويحمل على كذ مثل من يقول استوى على العرش بذاته وينزل الى السماء بذاته فهذه زيادة فهمها قائلها من الحس لا من النقل.
ولقد عجبت لرجل اندلسي يقال له ابن عبد البر صنف كتاب التمهيد
فذكر فيه حديث النزول الى السماء الدنيا فقال هذا يدل عن ان الله
تعالى على العرش لانه لولا ذلك لمكان لقوله ينزل معنى.
وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل، لان هذا استسلف من حسه مايعرف من نزول الاجسام فقاس صفة الحق عليه.
فايــــــــــــــــــــــــــن هؤلاء واتباع الاثر؟
ولقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون ثم عابوا المتكلمين.
اعلم ايها الطالب للرشاد ، انه سبق الينا من العقل والنقل اصلان راسخان عليهما مر الاحاديث كلها:
-اما النقل فقوله سبحانه وتعالى((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))ومن فهم هذا لم يحمل وصفا على مايوجبه الحــــــــــــــــــــــــس
-واما العقل فانه قد علم مباينة الصانع من المصنوعات، واستدل على حدوثها بتغيرها ودخول الانفعالات عليها فثبت له قدم الصانع)).1
-1-السيد الفاضل عبد الرحمان بن الجوزي"فقرات من كتاب "صيد الخاطر" ص45 دار الرحاب الجزائر

هل يعتبر الامام فخر السنة عبد الرحمان بن الجوزي معطلا في نصه هذا

لزهر الصادق
2012-11-13, 20:28
منهج أبو الفرج ابن الجوزي




ابن الجوزي رجل واسع الاطلاع كثير التأليف جداً، لكنه قليل التحقيق صاحب أوهام كثيرة. فهو يحتج بروايات موضوعة بكثرة في أكثر كتبه (كصيد الخاطر وغيرها)، لكن ربما ينسب (في كتب أخرى) إلى الوضع أحاديث صحيحة ربما أخرجها مسلم وغيره. مع انحراف في العقيدة وتبديع وتشنيعٍ شديد على أهل السنة، وافتراءٍ على الإمام أحمد بن حنبل.
فقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي في ذيل طبقات الحنابلة (1\144): «ابن الجوزي –رحمه الله– تأثر بشيخه أبو الوفاء علي ابن عقيل الذي كان يتردد على ابن التبان وابن الوليد شيخي المعتزلة. وكان يقرأ عليهما في السر عِلم الكلام. فظهر منه بعض الأحيان انحرافٌ عن السنة وتأوّلٌ لبعض الصفات، إلى أن مات رحمه الله».

ورغم تأثره الواضح بالمعتزلة، فإنه فقد أكثر في كتابه "صيد الخاطر" من ردوده على الإمام الأشعري وأتباعه.
مما دعا علي الطنطاوي الأشعري لأن يتتبع ابن الجوزي في تحقيقه، ويدافع بشدة عن الأشعري، ويشنِّع على ابن الجوزي تعصباً للأشعري. والسبب هو شدة اضطرابه في اعتقاده، بل في سائر علومه. فقد قال بقول أهل التأويل لا سيما في كتابه "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه". وقال بالتفويض في كتابه "تلبيس إبليس". فتأمل كيف يجمع بين النقيضين ويرد على نفسه في موضعٍ آخر حتى لكأنه شخص مختلف.
ولذلك قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4\169): «لم يَثبت على قدم النفي، ولا على قدم الإثبات. بل له من الكلام في الإثبات نظماً ونثراً ما أثبت به كثيراً من الصفات التي أنكرها في هذا المُصنَّف». وقال في "درء التعارض" (9\160): «فيوجد له من المقالات المتناقضة بحسب اختلاف حاله، كما يوجد لأبي حامد (الغزالي) والرازي وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهم».

والأسوء من ذلك أنه أضاف لكل تلك الأوهام ولكل ذلك الإضطراب، لساناً حاداً على غيره من العلماء، مع أنه الأولى بالتشنيع. ومن ذلك مثلاً تهكمه بابن عبد البر الأندلسي الذي هو خير من ملء الأرض من ابن الجوزي فِقهاً في الدين وسُنةً ودِرايةً بالحديث ونقده.
والعجيب أنه هو الذي كان يهاجم الخطيب البغدادي في تطاوله على الأئمة الكبار. وقد عجِبَ سبطُ ابن الجوزي (يوسف بن قزغلي الحنفي الرافضي) من جده إذ تابع الخطيب البغدادي، فقال في "مرآة الزمان": «وليس العجَبُ من الخطيب، فإنه طعن في جماعة من العلماء. وإنما العجبُ من الجدِّ كيف سلك أسلوبه وجاء بما هو أعظم!».

وأما عن علم ابن الجوزي، فلا يخفى كثرة مآثرة ومؤلفاته. ولكن من كان لديه بالعلم والتحقيق العلمي دراية، يعلم أن ابن الجوزي لم يكن من أئمة الفقه ولا الحديث، وإن ألف فيهما ما ألّف. وإنما حصل له ذلك بكثرة اطلاعه وبحثه. قال السيوطي في طبقات الحفاظ (1\480): قال الذهبي في التاريخ الكبير: «لا يُوصَفُ ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه». ورغم كثرة تآليفه في شتى العلوم، فقد ضَعُفَ من ناحية التحقيق في أكثر العلوم التي ألّف فيها، ولا سيما في الحديث. فتجد كلامه مخالفاً كثيراً لكلام حُفّاظِ الحديث. فالمفترض أن تكون كتبه مراجع يستعملها طالب العلم المتمكن الذي يستطيع التمييز بين الصواب و الخطأ، فلا تُنشر على العامة وصغار المتفقّهة.

قال الإمام موفق الدين عن ابن الجوزي: «كان حافظاً للحديث، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة ولا طريقته فيها». وقال عنه الموفق عبد اللطيف: «وكان كثير الغلط فيما يصنفه. فإنه كان يخلو من الكتاب ولا يعتبره». ذكر ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في طبقات علماء الحديث (4\122). فقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (21\378): «هكذا هو: له أوهامٌ وألوانٌ من ترْك المراجعة، وأخذ العِلم من صُحُف». قال الحافظ سيف الدين بن المجد: «هو كثير الوهم جداً، فإن في مشيخته ‏–‏مع صِغرها‏–‏ أوهاماً». وقيل لإبن الأخضر: ألا تجيب عن بعض أوهام بن الجوزي؟ قال: «إنما يُتتبع على من قل غلطه، فأما هذا فأوهامه كثيرة». قال السيف: «ما رأيت أحداً يُعتمد عليه في دينه وعلمه وعقله، راضياً عنه». وقد عابه الكثير من أهل السنة فأصر على بدعته. وعاتبه أبو الفتح بن المني في أشياء. ولما بان تخليطه أخيراً رجع عنه أعيان السنة، وذمّوه وتركوه.

وقال ابن حجر لسان الميزان (2|83) بترجمة ثمامة بن الأشرس البصري بعد قصة:
«دلّت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليلٍ لا ينتقد ما يحدّث به».
قلت: فمثل هذا الرجل لا يوثق بنقله ولا بكلامه.

http://www.ibnamin.com/Manhaj/ibn_jawzi.htm (http://www.ibnamin.com/Manhaj/ibn_jawzi.htm)