المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتاوى العقيدة والتوحيد : في اشتقاق بعض أسماء اللهِ وتعبيد الصفة دون الموصوف


اسماعيل علواني
2009-05-05, 16:56
السلام عليكم
السؤال: قرَّر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في «القواعد المثلى»: أنّ القولَ بأنّ أسماءَ الله كلَّها حُسْنَى معناه أنّ كلَّ اسمٍ مِنْ أسماء الله يتضمَّن صفةً، لكن وقع لي إشكال في بعض الأسماء لم أجد لها صفةً تشتقُّ منها: وهي اسم: «المتين» و«التواب»؟ وهل يجوز التعبيد للصفة بأن يقال: عبد الرحمة، عبد القدرة؟



الجواب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

ﻓ «المتين» اسمٌ من أسماءِ الله تعالى الحُسنى ويَدُلُّ عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58]، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: أقرأني رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنِّي أنا الرزاق ذو القوة المتين»(١- أخرجه أبو داود في كتاب الحروف والقراءات من «سننه»: (3993)، والترمذي في كتاب القراءات من «سننه»، باب ومن سورة الذاريات: (2940)، وأحمد في «مسنده»: (3741)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (6/31)، وشعيب الأرناؤوط في «تحقيقه لمسند أحمد»: (1/394)، والألباني في «صحيح أبي داود»: (3993). )، ونسبة الصفة إلى الموصوف على مراتب، وهذه المرتبة من نسبة الاسم إلى الاسم: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ﴾، وصيغته على وزن فَعِيل ومعناه: الشديد. قاله ابن عباس رضي الله عنهما، أي: شديد الحول والقوّة، أي: الذي لا تتناقص قوّته ولا تَـفتر، وهو مشتقٌّ من «المتن» وهي الشِدَّة والاقتدار، أمّا التوَّاب فهو اسمٌ من أسماء الله الحُسنى ويدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: 104]، ونسبته نسبة الاسم إلى الاسم -أيضًا- ومعناه: التّواب الذي يتوب على عباده فيوفِّقهم للتوبة ويقبل توبتهم كلّما تكرَّرت التوبة تكرَّر القَبول، قال تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ﴾ [التوبة: 118]، واللهُ تَوَّابٌ والعبد تَائبٌ، وهو مشتقٌّ من «التوب أو التوبة»، فالله يوقِعُ في قلب عبدِه التوبة إليه والإنابة إليه، فيقوم بالتوبة وشروطِها، ثمّ يقبل عليه توبته، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: 25].

ولا يخفى أنّ كلَّ اسمٍ من أسمائه الحُسنى مشتقٌّ من صِفة مستقلَّة بمعناها، فَلَه كمالٌ من كلّ اسم سمَّى به نفسَه، ومِن كلِّ صفةٍ اشتقّ منها ذلك الاسم، والتسمية ملازِمة للوصفية، وأمّا الوصفية فقد يوصف الربُّ بصفةٍ ولم يطلق عليه اسم منها، فباب الصفات أوسع من باب التسمية من جهةِ أنّ كلَّ اسمٍ له تعالى فلا بدَّ وأنّه مشتقٌّ من صفةٍ، وأمّا كلّ صفة فلا يجب أن يشتقَّ له اسمٌ منها، لأنّ دلالةَ الصفاتِ على الأسماءِ دلالةٌ لغويةٌ، واشتقاقُ الأسماءِ من الصفات أحكام شرعية فباب دلالة الصفات أوسعُ من باب اشتقاق الأسماء، هذا وإن كانت الصفات تتَّفق مع الأسماء في أن تكون توقيفيَّةً فإنّها تختلف عنها في أنَّ النصَّ ورد بذكر الاسم دون الصفة وهو أخصّ كما تقدَّم، ومن جهة أخرى أنَّ من شرط الأسماء الحُسنى أنّها تقتضي المدح والثناءَ بنفسها بخلاف الصفة فلا بدَّ من إضافتها إلى موصوفها، فاسم «الرحمن» يقتضي إطلاقَ الكمالِ بنفسه دون متعلِّق أو قَيد، بخلاف الرحمة فيلزم إضافتها إلى موصوفها ولذلك لا يجوز تعبيد الصفة دون الاسم ولا الدعاء بالصفة دون الاسم كالقوّة والعزّة والرحمة، فالمتعبِّد بصفة من صفاته لم يكن متعبِّدًا اللهَ عزّ وجلّ الموصوف بجميع الصفات؛ لأنّ الصفة غيرُ الموصوف، فعزّة الله مثلاً ليست هي الله عزّ وجلّ، وقد تقدّم الجواب على جزئية الدعاء بصفة الرحمة على أنّها هي الفاعلة دون الموصوف في فتاوى العقيدة(٢- راجع الفتوى رقم (21).) فليراجعها.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.



الجزائر في: 10 رجب 1426ﻫ
الموافق ﻟ: 15 أوت 2005م



--------------------------------------------------------------------------------

١- أخرجه أبو داود في كتاب الحروف والقراءات من «سننه»: (3993)، والترمذي في كتاب القراءات من «سننه»، باب ومن سورة الذاريات: (2940)، وأحمد في «مسنده»: (3741)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (6/31)، وشعيب الأرناؤوط في «تحقيقه لمسند أحمد»: (1/394)، والألباني في «صحيح أبي داود»: (3993).

٢- راجع الفتوى رقم (21).

السلام على أهل الاسلام



أعانني الله وإياكم لما فيه الخير للأمة الإسلامية

ليتيم الشافعي
2009-05-05, 17:25
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا.

سائلة عفو ربها
2009-05-07, 12:24
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك..جزيت خيرا
موفق لكل خير...