احمد بانز
2009-05-02, 13:10
الاشكالية الرابعة
الفن
ماهو الفن؟
الفن (art ) بالمعنى العام هو جملة القواعد المتبعة لتحصيل غاية معينة جمالا كانت او خيرا او منفعة، قاذا كانت هذه الغاية تحقيق الجمال سمي الفن بفن الجمال، واذا كانت غايته تحقيق الخير سمي الفن بفن الاخلاقن واذا كانت غايته تحقيق المنفعة سمي الفن بالصناعة.
اما الفن بالمعنى الخاص فيطلق على جملة الوسائل التي يستعملها الانسان لاثارة الشعور بالجمال، ولذلك يعتبر التصوير والنحت والنقش والتزيين والعمارة والشعر والموسيقى وغيرها فنونا يستخدمها الانسان للأثارة الشعور بالجمال.
الفن عند اليونان كان يعرف بكل نشاط صناعي نافع بصفة عامة ولم يقتصر على الشعر والنحت والموسيقى بل يشمل الصناعات المهنية الاخرى كالنجارة والبناء والحدادة.
يعرف الانجليزي جون استوارت مل الفن بانه (السعي وراء الكمال في الاداء.)
اما تولستوي 1828/1910 فقد ذهب في تعريفه للفن عموما بانه اللغة المعبرة عن الانفعال.
ماهو الجمال؟
الجمال صفة تلحظ في الاشياء فتبعث في النفس الشعور بالسرور والرضا، او هو الصفات التي نلحظها في الاشياء فتحدث في النفس عاطفة خاصة تسمى بعاطفة الجمال. والعلم الذي يبحث في الجمال ومقاييسه ونظرياته يسمى بعلم الجمال ويسمى باللغة الفرنسية بعلم الاستيتيكا esthetique وهو من العلوم المعيارية التي تضع معاييرا مختلفة للجمال وتفاظل بينها وتدعو الانسان الى اختيار الافضل والاصلح منها ولذلك تسمى ايضا بالعلوم الاصلاحية لانها تهدف الى اصلاح الذوق الجمالي لدى الانسان.
ما الفرق بين الفن والجمال؟
الفن اما خلق او اعادة خلق لموجود مادي محسوس، فاذا كانت الطبيعة بكل تفاصيلها موجودات مادية محسوسة فان محاكاتها او اعادة تصويرها او التعبير عنها في شكل لوحات فنية او تماثيل او او نقوش او منحوتات وحتى القصائد الشعرية والاعمال الموسيقية، هي كلها اعمال فنية، فهذه الاخيرة بالرغم من عدم قدرة المرء على لمس التغمات او الكلمات الشعرية، الا انه قادر على لمس الآلة التي صنعت او خلقت هذا العمل سواء كان عودا او قلما.
اما الجمال فهو لا يتعلق بما هو حسي، بل هو متعلق بمسائل وجدانية نفسية شعورية، فهو حالة سيكولوجية ذاتية ناجمة عن شعورالنفس بالسرور والرضا لصفة او صفات تلحظها النفس في الاشياء المحيطة بها. وهذا معناه ان الفن اذا كان ابداعا ماديا محسوسا، فأن الجمال شعور شخص ما بالسرور والرضا تجاه ذلك الابداع.
ما الفرق بين الجمال والجلال؟
الجمال عاطفة انسانية تجاه شيء يحدث في النفس اثر السرور والرضا، اما الجلال فهي صفة للجليل الذي يسمى في الفرنسية ب ( sublime ) وللجليل تعريفات مختلفة منها السامي والرائع الذي يأخذ بمجامع قلوبنا، وهو العظيم الذي يقهرنا والذي يشعرنا بضعفنا وعجزنا، وهو الهائل الذي يخيفنا والذي يولد في نفوسنا الاحساس بالخطر والتوتر.
وللتمييز اكثر بينهما يعتقد الالماني كانط ان الجمال والجلال نوعان يندرجان في جنس واحد، لكنه يرى ان الجمال يتصف بالتناهي(أي محدود لانه شعور بشري) اما الجلال فصفاته غيرمتناهية لانها لانها صفات ربانية غير بشرية. كما ان طبيعة الشيء الجميل برايه هو الانسجام الهاديء بين الذات والموضوع، اما طبيعة الجليل فهي صراع بين قوة العقل وقوة تخيل ذلك الجليل.
وهذا معناه ان الذات في ادراكها للموضوع الجميل تكون في حالة هدوء، في حين انها لاتبلغ هذه الحالة في تأملها للجليل الا بعد مقاومة وصراع عنيف، لان هذا الموضوع يخلق لديها حالة من التهديد او الاستثارة.
مشكلة تفسيرالابداع الفني بين الاسس الذاتية الخاصة والاسس الموضوعية العامة
هل الابداع الفني تجربة ذاتية حميمية ام تجربة اجتماعية موضوعية؟
المقدمة(طرح الاشكال)
ان مشكلة الابداع الفني من أعمق القضايا واعقدها على حد سواء، فهي مسألة عميقة لانها ترتبط بالمواهب الدفينة للفنان والتي انبثق عمله الفني عنها، وهي مسألة معقدة لان عملية الابداع الفني تتداخل فيها العوامل الخاصة بالعامة، ولأهمية هذه المشكلة ونظرا لدرجة عمقها وتعقيدها تشعبت المواقف والآراء بصددها، فانقسم الفلاسفة بشأنه الى رايين احدهما يذهب الى التسليم بان الابداع الفني تجربة ذاتية حميمية اساسها الألهام والعقل ومهارة التدريب، والآخر يسلم بأنه ليس تجربة ذاتية بل هو تجربة موضوعية اساسها المجتمع وظروفه، واذا كانت المشكلة تتطلب منا الخروج برؤية حكيمة نطمئن اليها، فماذا عسانا ان نصنع ؟
الاطروحة الاولى(الابداع الفني تجربة ذاتية حميمية اساسها الالهام والعقل ومهارة التدريب)
الابداع الفني اساسه الألهام
• يتفق الفلاسفة وعلماء النفس والفنانون والنقاد على حد سواء منذ القديم الى يومنا هذا على تفسير الخلق او الابداع الفني بنظرية الالهام، وهي نظرية تفترض موهبة معينة واستعدادا فطريا خاصا يجعل من الفنان شخصية فريدة من نوعها في مجال الفن الذي يبدع فيه، أي يحدث الابداع الفني فجأة ودون تدخل لعقل وأرادة الفنان، فالفنان يشرق عليه الالهام في ومضة دون ارادة او تفكير.وعن هذه الشخصية يصدر الكثير من انواع الخلق الفني، وينتج عن ذلك ان الالهام يصبح المنبع الاساسي لابداعه واجادته، بحيت تخمد وتخبو الى جانبه كل براعة فنية اخرى مهما بلغت من التمكن والمهارة. ويتجلى ذلك بوضوح عند شخصيات فنية عالمية اشتهرت في الشعر والموسيقى كان الالهام اساس شهرتهم.
• تاريخيا يعتبر افلاطون اول من ارسى نظرية الالهام في الابداع الفني منتهيا الى ان الابداع الفني لايخرج عن كونه ثمرة لضرب من الالهام او الوحي الالهي مقررا ان الفنان ما هو الا انسان موهوب اختصته الالهة دون غيره بنعمة الوحي اوالالهام.ولاعلاقة للعملية الابداعية بالتجربة والمعرفة والاجتهاد الشخصي، وليس للفنان أي قوة في تحريك وتطوير العملية الالهامية الخاصة به، وهؤلا يشكلون حلقات وصل بين الالهة والناس الاخرين. وقد تأثر المسرحي والشاعر الانجليزي شيكسبير1564/1616 براي افلاطون واعجب به وايده في تفسير الابداع في الشعر بنظرية الالهام او العبقرية.
• ومن الوقائع الدالة على الالهام يذكر في سيرة الشاعر كوليريدج1772/1834م انه حلم بقصيدة بلغت ابياتها 300بيت في نومه وهي قصيدة(كوبلاي خان) وانه حين استيقظ وعمد الى كتابتها شعر وكأنه واقع تحت تأثير سحر معين يستقي منه هذه الكتابة.
• كمااعتنى الفرنسي دولاكروا1873/1937 في كتابه(سيكولوجية الفن) بتحليل نفسية الفنانين فرد الابداع عندهم الى الالهام بناءا على مقولة ليسينغ1729/1781 القائلة(( ان شرط اقامة علم الجمال على اسس اصيلة هو الاهتمام بالفنانين اولا، لان كل عمل فني تعبير عن ارادة مبدعة.))
مناقشة
لكن الالهام المفاجيء لا يكون الا وليد الاهتمام المسبق بالموضوع والتفكير المضني والمتواصل فيه، أي لايمكن لحالات الالهام المفاجئة ان تظهر الى الوجود ما لم تسبقها جهودا ذاتية متواصلة من طرف الشخص المبدع، فالظروف المناسبة للالهام هي شدة الانصراف الى الموضوع والاستغراق والتأمل فيه وسعة الاطلاع عنه وحرية الذهن من قيود التفكير ومن ضغط القديم.ومجمل القول لا يمكن ان ينبت الالهام من العدم.
الابداع الفني اساسه ارادة العقل
يقول بهذه الاطروحة انصار النظرية العقلية في الابداع الفني ومبررهم في ذلك مايلي:
• الابداع الفني ثمرة المجهود العقلي للفنان، وليس هبة نخبوية مفاجئة من الالهة. فهو ثمرة لقدرة تركيبية هائلة تتمثل في التنظيم والصياغة.
• كما ان تاريخ الفن يظهرنا على ان كثيرا من الاعمال الفنية الممتازة قد تحققت على ايدي فنانين امتازوا بقدرات عقلية امتازت بالهدوء والاتزان والانضباط والاجتهاد الطويل والتفكير الشاق وفي هذا السياق يقول الفرنسي شارل لالو1877/1953 (( الفن انضباط واتزان ينتج عن الهدوء والاتزان وعدم المفاجأة والتدريجية في الفن كما في الاخلاق، فلا يحدث الالهام بأعجوبة فجائية وانما هو راس مال يتجمع تدريجيا.))
• ارجع الالماني كانط الفن الى قوانين مشتقة من قوانا الفكرية الادراكية وهو اول من جعل فكرة الجمال-كانطباع عن الابداع الفني -متعارضة مع فكرة المنفعة.
• كما اخضع الالماني هيجل هو الاخر الفن الى الفكرة المطلقة النابعة من الفكر وقوانينه شانه في ذلك شأن المنطق والطبيعة وفلسفة الروح.
• يقول رودين1840/1917(( ان الفنان يعرف تماما ما يفعل، وينفق وقتا وجهدا في سبك افكاره، وحتى من يقولون بالالهام لا ينكرون السعي والاجتهاد عند الفنان.))
• كما كتب فان غوج van gogh1853/1890 الى احد اصدقائه يقول(( اريدك ان تعلم انه اذا كان ثمة شيء جدير بالتقدير فيما انا بصدد انتاجه، فان هذا الشيء ليس وليد الصدفة او الاتفاق، وانما هو ثمرة لقصد حقيقي.)).
• لقد كان ليونادو دافنشي l.de.vinci 1452/1519 اعظم شخصية بين فناني عصر النهضة في اوروبا وصفه الانجليزي انجلز بانه من عمالقة عصر النهضة في قوة التفكير والمعرفة وقوة الارادة والشخصية لانه كان موسيقيا ويمارس الغناء والعزف ومصمما للمشاريع على اختلافها وكان مصححا للنظريات الرياضية وكان مهندسا معماريا درس جميع العلوم ودرس الرياضيات والهندسة والميكانيكا وعلم طبقات الارض وعلم التشريح، وهو في الاصل كان اديبا وشاعرا وكاتبا وناقدا من الطراز الاول، وهذه ظاهرة يعود الفضل في كل ذلك الى قوة امكانياته العقلية وتميزها.
مناقشة
العقل وحده لا يكفي في عملية الابداع الفني والا اصبح جميع الناس مبدعون.
كما ان الابداع الفني عملية معقدة تتطلب قدرات العقل واستعداد الشخص وظروف المحيط وليس من الحكمة تقديم عامل وتعظيمه وتقزيم آخر.
الاطروحة الثانية( الابداع الفني ليس تجربة ذاتية حميمية بل هو تجربة موضوعية اساسها المجتمع وظروفه)
• تقول بهذه الاطروحة النظرية الاجتماعية بقيادة الفرنسي دوركايم.
• الفن عند الاجتماعيين ظاهرة اجتماعية وليس ظاهرة فردية ذاتية.
• الفنان لا يبدع لنفسه بل يبدع لغيره. أي الفنان يتحسس حاجة الجمهور فيبدع له ما يحتاجه.
• الفنان عند دوركايم لا يعبر عن (انا) بل عن (نحن) أي عن المجتمع بكامله.
الابداع الفني من وجهة نظر اجتماعية قائم على:
• المؤثرات الاجتماعية والعقائدية والبيئة الطبيعية وعلى جنس الفنان أي على ما يرثه الفنان عن قومه من اتجاهات فنية معينة مثل عائلة الموسيقار باخ.
• التيارات الجمالية السائدة ودورها في صياغة الابداع الفني وطبيعته.
• اساليب الصنعة والتقاليد الفنية(أي تقنية الفن) والتراث الفني عبر التاريخ.
• الوعي الجمالي للمجتمع في عصر الفنان: أي ان الجمال ظاهرة من ظواهر الوعي الاجتماعي لدى الناس وهو وعي مشروط بالظروف الاجتماعية والتاريخية المتغيرة التي يمر بها المجتمع.
مناقشة
نعم مما لا ريب فيه ان المجتمع كوجود عام هو الذي يشكل العمل الفني ويحدد قيمته، االا ان الفنان هو الذي يرى ذلك الوجود من خلال ذاته فيحاول ادراك مشاكل المجتمع وتفسيرها والتعبير عنها بلغة ومن زاوية خاصة بذلك الفنان مما يستدعي القول بان الابداع الفني ظاهرة تستقل بذاتها عن المجتمع وذلك حتى في اكثر الاثار الفنية تاثرا بالمجتمع باسم الواقعية او الفن الهادف.
التركيب بين الاطروحتين
يتضح اذن من خلال العرض التحليلي السابق ان التجربة الفنية الذوقية بما تقوم عليه من انفعال للحاسة الجمالية وما تصل اليه من آثار فنية ابداعية، انما تترجم بحق تميز الانسان من حيث هو كائن موهوب وملهم يعمل بعقله وبارادته ليجسد بعده الفردي الحميمي فيها.
كما تستمد التجربة الذوقية الفنية الفردية بابداعاتها الغنية مبرر وجودها مما هو سائد من الموروث الاجتماعي والتاريخي ومن العقيدة الروحية والقيم الانسانية العامة وذلك ضمن التوجه الحضاري العام الذي تنتمي اليه.
الخاتمة(حل المشكلة)
مما سبق عرضه نخلص الى نتيجة وهي ان الابداع الفني كتجربة انسانية ذوقية انما تستند في وجودها الى تركيبة متكاملة بين نظريات العقل والالهام من جهة ونظرية الاكتساب من المجتمع ومن قيمه الدينية والحضارية من جهة اخرى.
الفن
ماهو الفن؟
الفن (art ) بالمعنى العام هو جملة القواعد المتبعة لتحصيل غاية معينة جمالا كانت او خيرا او منفعة، قاذا كانت هذه الغاية تحقيق الجمال سمي الفن بفن الجمال، واذا كانت غايته تحقيق الخير سمي الفن بفن الاخلاقن واذا كانت غايته تحقيق المنفعة سمي الفن بالصناعة.
اما الفن بالمعنى الخاص فيطلق على جملة الوسائل التي يستعملها الانسان لاثارة الشعور بالجمال، ولذلك يعتبر التصوير والنحت والنقش والتزيين والعمارة والشعر والموسيقى وغيرها فنونا يستخدمها الانسان للأثارة الشعور بالجمال.
الفن عند اليونان كان يعرف بكل نشاط صناعي نافع بصفة عامة ولم يقتصر على الشعر والنحت والموسيقى بل يشمل الصناعات المهنية الاخرى كالنجارة والبناء والحدادة.
يعرف الانجليزي جون استوارت مل الفن بانه (السعي وراء الكمال في الاداء.)
اما تولستوي 1828/1910 فقد ذهب في تعريفه للفن عموما بانه اللغة المعبرة عن الانفعال.
ماهو الجمال؟
الجمال صفة تلحظ في الاشياء فتبعث في النفس الشعور بالسرور والرضا، او هو الصفات التي نلحظها في الاشياء فتحدث في النفس عاطفة خاصة تسمى بعاطفة الجمال. والعلم الذي يبحث في الجمال ومقاييسه ونظرياته يسمى بعلم الجمال ويسمى باللغة الفرنسية بعلم الاستيتيكا esthetique وهو من العلوم المعيارية التي تضع معاييرا مختلفة للجمال وتفاظل بينها وتدعو الانسان الى اختيار الافضل والاصلح منها ولذلك تسمى ايضا بالعلوم الاصلاحية لانها تهدف الى اصلاح الذوق الجمالي لدى الانسان.
ما الفرق بين الفن والجمال؟
الفن اما خلق او اعادة خلق لموجود مادي محسوس، فاذا كانت الطبيعة بكل تفاصيلها موجودات مادية محسوسة فان محاكاتها او اعادة تصويرها او التعبير عنها في شكل لوحات فنية او تماثيل او او نقوش او منحوتات وحتى القصائد الشعرية والاعمال الموسيقية، هي كلها اعمال فنية، فهذه الاخيرة بالرغم من عدم قدرة المرء على لمس التغمات او الكلمات الشعرية، الا انه قادر على لمس الآلة التي صنعت او خلقت هذا العمل سواء كان عودا او قلما.
اما الجمال فهو لا يتعلق بما هو حسي، بل هو متعلق بمسائل وجدانية نفسية شعورية، فهو حالة سيكولوجية ذاتية ناجمة عن شعورالنفس بالسرور والرضا لصفة او صفات تلحظها النفس في الاشياء المحيطة بها. وهذا معناه ان الفن اذا كان ابداعا ماديا محسوسا، فأن الجمال شعور شخص ما بالسرور والرضا تجاه ذلك الابداع.
ما الفرق بين الجمال والجلال؟
الجمال عاطفة انسانية تجاه شيء يحدث في النفس اثر السرور والرضا، اما الجلال فهي صفة للجليل الذي يسمى في الفرنسية ب ( sublime ) وللجليل تعريفات مختلفة منها السامي والرائع الذي يأخذ بمجامع قلوبنا، وهو العظيم الذي يقهرنا والذي يشعرنا بضعفنا وعجزنا، وهو الهائل الذي يخيفنا والذي يولد في نفوسنا الاحساس بالخطر والتوتر.
وللتمييز اكثر بينهما يعتقد الالماني كانط ان الجمال والجلال نوعان يندرجان في جنس واحد، لكنه يرى ان الجمال يتصف بالتناهي(أي محدود لانه شعور بشري) اما الجلال فصفاته غيرمتناهية لانها لانها صفات ربانية غير بشرية. كما ان طبيعة الشيء الجميل برايه هو الانسجام الهاديء بين الذات والموضوع، اما طبيعة الجليل فهي صراع بين قوة العقل وقوة تخيل ذلك الجليل.
وهذا معناه ان الذات في ادراكها للموضوع الجميل تكون في حالة هدوء، في حين انها لاتبلغ هذه الحالة في تأملها للجليل الا بعد مقاومة وصراع عنيف، لان هذا الموضوع يخلق لديها حالة من التهديد او الاستثارة.
مشكلة تفسيرالابداع الفني بين الاسس الذاتية الخاصة والاسس الموضوعية العامة
هل الابداع الفني تجربة ذاتية حميمية ام تجربة اجتماعية موضوعية؟
المقدمة(طرح الاشكال)
ان مشكلة الابداع الفني من أعمق القضايا واعقدها على حد سواء، فهي مسألة عميقة لانها ترتبط بالمواهب الدفينة للفنان والتي انبثق عمله الفني عنها، وهي مسألة معقدة لان عملية الابداع الفني تتداخل فيها العوامل الخاصة بالعامة، ولأهمية هذه المشكلة ونظرا لدرجة عمقها وتعقيدها تشعبت المواقف والآراء بصددها، فانقسم الفلاسفة بشأنه الى رايين احدهما يذهب الى التسليم بان الابداع الفني تجربة ذاتية حميمية اساسها الألهام والعقل ومهارة التدريب، والآخر يسلم بأنه ليس تجربة ذاتية بل هو تجربة موضوعية اساسها المجتمع وظروفه، واذا كانت المشكلة تتطلب منا الخروج برؤية حكيمة نطمئن اليها، فماذا عسانا ان نصنع ؟
الاطروحة الاولى(الابداع الفني تجربة ذاتية حميمية اساسها الالهام والعقل ومهارة التدريب)
الابداع الفني اساسه الألهام
• يتفق الفلاسفة وعلماء النفس والفنانون والنقاد على حد سواء منذ القديم الى يومنا هذا على تفسير الخلق او الابداع الفني بنظرية الالهام، وهي نظرية تفترض موهبة معينة واستعدادا فطريا خاصا يجعل من الفنان شخصية فريدة من نوعها في مجال الفن الذي يبدع فيه، أي يحدث الابداع الفني فجأة ودون تدخل لعقل وأرادة الفنان، فالفنان يشرق عليه الالهام في ومضة دون ارادة او تفكير.وعن هذه الشخصية يصدر الكثير من انواع الخلق الفني، وينتج عن ذلك ان الالهام يصبح المنبع الاساسي لابداعه واجادته، بحيت تخمد وتخبو الى جانبه كل براعة فنية اخرى مهما بلغت من التمكن والمهارة. ويتجلى ذلك بوضوح عند شخصيات فنية عالمية اشتهرت في الشعر والموسيقى كان الالهام اساس شهرتهم.
• تاريخيا يعتبر افلاطون اول من ارسى نظرية الالهام في الابداع الفني منتهيا الى ان الابداع الفني لايخرج عن كونه ثمرة لضرب من الالهام او الوحي الالهي مقررا ان الفنان ما هو الا انسان موهوب اختصته الالهة دون غيره بنعمة الوحي اوالالهام.ولاعلاقة للعملية الابداعية بالتجربة والمعرفة والاجتهاد الشخصي، وليس للفنان أي قوة في تحريك وتطوير العملية الالهامية الخاصة به، وهؤلا يشكلون حلقات وصل بين الالهة والناس الاخرين. وقد تأثر المسرحي والشاعر الانجليزي شيكسبير1564/1616 براي افلاطون واعجب به وايده في تفسير الابداع في الشعر بنظرية الالهام او العبقرية.
• ومن الوقائع الدالة على الالهام يذكر في سيرة الشاعر كوليريدج1772/1834م انه حلم بقصيدة بلغت ابياتها 300بيت في نومه وهي قصيدة(كوبلاي خان) وانه حين استيقظ وعمد الى كتابتها شعر وكأنه واقع تحت تأثير سحر معين يستقي منه هذه الكتابة.
• كمااعتنى الفرنسي دولاكروا1873/1937 في كتابه(سيكولوجية الفن) بتحليل نفسية الفنانين فرد الابداع عندهم الى الالهام بناءا على مقولة ليسينغ1729/1781 القائلة(( ان شرط اقامة علم الجمال على اسس اصيلة هو الاهتمام بالفنانين اولا، لان كل عمل فني تعبير عن ارادة مبدعة.))
مناقشة
لكن الالهام المفاجيء لا يكون الا وليد الاهتمام المسبق بالموضوع والتفكير المضني والمتواصل فيه، أي لايمكن لحالات الالهام المفاجئة ان تظهر الى الوجود ما لم تسبقها جهودا ذاتية متواصلة من طرف الشخص المبدع، فالظروف المناسبة للالهام هي شدة الانصراف الى الموضوع والاستغراق والتأمل فيه وسعة الاطلاع عنه وحرية الذهن من قيود التفكير ومن ضغط القديم.ومجمل القول لا يمكن ان ينبت الالهام من العدم.
الابداع الفني اساسه ارادة العقل
يقول بهذه الاطروحة انصار النظرية العقلية في الابداع الفني ومبررهم في ذلك مايلي:
• الابداع الفني ثمرة المجهود العقلي للفنان، وليس هبة نخبوية مفاجئة من الالهة. فهو ثمرة لقدرة تركيبية هائلة تتمثل في التنظيم والصياغة.
• كما ان تاريخ الفن يظهرنا على ان كثيرا من الاعمال الفنية الممتازة قد تحققت على ايدي فنانين امتازوا بقدرات عقلية امتازت بالهدوء والاتزان والانضباط والاجتهاد الطويل والتفكير الشاق وفي هذا السياق يقول الفرنسي شارل لالو1877/1953 (( الفن انضباط واتزان ينتج عن الهدوء والاتزان وعدم المفاجأة والتدريجية في الفن كما في الاخلاق، فلا يحدث الالهام بأعجوبة فجائية وانما هو راس مال يتجمع تدريجيا.))
• ارجع الالماني كانط الفن الى قوانين مشتقة من قوانا الفكرية الادراكية وهو اول من جعل فكرة الجمال-كانطباع عن الابداع الفني -متعارضة مع فكرة المنفعة.
• كما اخضع الالماني هيجل هو الاخر الفن الى الفكرة المطلقة النابعة من الفكر وقوانينه شانه في ذلك شأن المنطق والطبيعة وفلسفة الروح.
• يقول رودين1840/1917(( ان الفنان يعرف تماما ما يفعل، وينفق وقتا وجهدا في سبك افكاره، وحتى من يقولون بالالهام لا ينكرون السعي والاجتهاد عند الفنان.))
• كما كتب فان غوج van gogh1853/1890 الى احد اصدقائه يقول(( اريدك ان تعلم انه اذا كان ثمة شيء جدير بالتقدير فيما انا بصدد انتاجه، فان هذا الشيء ليس وليد الصدفة او الاتفاق، وانما هو ثمرة لقصد حقيقي.)).
• لقد كان ليونادو دافنشي l.de.vinci 1452/1519 اعظم شخصية بين فناني عصر النهضة في اوروبا وصفه الانجليزي انجلز بانه من عمالقة عصر النهضة في قوة التفكير والمعرفة وقوة الارادة والشخصية لانه كان موسيقيا ويمارس الغناء والعزف ومصمما للمشاريع على اختلافها وكان مصححا للنظريات الرياضية وكان مهندسا معماريا درس جميع العلوم ودرس الرياضيات والهندسة والميكانيكا وعلم طبقات الارض وعلم التشريح، وهو في الاصل كان اديبا وشاعرا وكاتبا وناقدا من الطراز الاول، وهذه ظاهرة يعود الفضل في كل ذلك الى قوة امكانياته العقلية وتميزها.
مناقشة
العقل وحده لا يكفي في عملية الابداع الفني والا اصبح جميع الناس مبدعون.
كما ان الابداع الفني عملية معقدة تتطلب قدرات العقل واستعداد الشخص وظروف المحيط وليس من الحكمة تقديم عامل وتعظيمه وتقزيم آخر.
الاطروحة الثانية( الابداع الفني ليس تجربة ذاتية حميمية بل هو تجربة موضوعية اساسها المجتمع وظروفه)
• تقول بهذه الاطروحة النظرية الاجتماعية بقيادة الفرنسي دوركايم.
• الفن عند الاجتماعيين ظاهرة اجتماعية وليس ظاهرة فردية ذاتية.
• الفنان لا يبدع لنفسه بل يبدع لغيره. أي الفنان يتحسس حاجة الجمهور فيبدع له ما يحتاجه.
• الفنان عند دوركايم لا يعبر عن (انا) بل عن (نحن) أي عن المجتمع بكامله.
الابداع الفني من وجهة نظر اجتماعية قائم على:
• المؤثرات الاجتماعية والعقائدية والبيئة الطبيعية وعلى جنس الفنان أي على ما يرثه الفنان عن قومه من اتجاهات فنية معينة مثل عائلة الموسيقار باخ.
• التيارات الجمالية السائدة ودورها في صياغة الابداع الفني وطبيعته.
• اساليب الصنعة والتقاليد الفنية(أي تقنية الفن) والتراث الفني عبر التاريخ.
• الوعي الجمالي للمجتمع في عصر الفنان: أي ان الجمال ظاهرة من ظواهر الوعي الاجتماعي لدى الناس وهو وعي مشروط بالظروف الاجتماعية والتاريخية المتغيرة التي يمر بها المجتمع.
مناقشة
نعم مما لا ريب فيه ان المجتمع كوجود عام هو الذي يشكل العمل الفني ويحدد قيمته، االا ان الفنان هو الذي يرى ذلك الوجود من خلال ذاته فيحاول ادراك مشاكل المجتمع وتفسيرها والتعبير عنها بلغة ومن زاوية خاصة بذلك الفنان مما يستدعي القول بان الابداع الفني ظاهرة تستقل بذاتها عن المجتمع وذلك حتى في اكثر الاثار الفنية تاثرا بالمجتمع باسم الواقعية او الفن الهادف.
التركيب بين الاطروحتين
يتضح اذن من خلال العرض التحليلي السابق ان التجربة الفنية الذوقية بما تقوم عليه من انفعال للحاسة الجمالية وما تصل اليه من آثار فنية ابداعية، انما تترجم بحق تميز الانسان من حيث هو كائن موهوب وملهم يعمل بعقله وبارادته ليجسد بعده الفردي الحميمي فيها.
كما تستمد التجربة الذوقية الفنية الفردية بابداعاتها الغنية مبرر وجودها مما هو سائد من الموروث الاجتماعي والتاريخي ومن العقيدة الروحية والقيم الانسانية العامة وذلك ضمن التوجه الحضاري العام الذي تنتمي اليه.
الخاتمة(حل المشكلة)
مما سبق عرضه نخلص الى نتيجة وهي ان الابداع الفني كتجربة انسانية ذوقية انما تستند في وجودها الى تركيبة متكاملة بين نظريات العقل والالهام من جهة ونظرية الاكتساب من المجتمع ومن قيمه الدينية والحضارية من جهة اخرى.