الصفائي
2013-05-18, 08:34
البيضا هي واحدة من ثماني قرى موجودة في محافظة طرطوس، ولاسيما من جهة الجنوب الشرقي لمدينة بانياس تحديداً، ويبلغ عدد سكانها حوالي ستة آلاف نسمة، وتعد من القرى الثائرة التي كان لها بصمة واضحة في الثورة
السورية المباركة. في بداية الثورة المباركة إنتفضت قرية البيضا، وكانت تعد خزان بانياس البشري في
إشعال التظاهرات السلمية و تحريكها، وهذا ما أثار غضب النظام؛ ففي صبيحة يوم الثلاثاء الواقع في 12 / 4/ 2011 إستيقظت القرية على منظر لم تألفه من قبل، حيث تجمعت عشرات السيارات المحملة بالأمن والشبيحة، مع عشرات الدبابات، وقد أحاطت بهم من الجوانب كلها، ثم تقدمت قوات الأمن من محاور القرية جميعها، ثم اقتحموا البيوت،
وسرقوا كل ما تستطيع أن تصل إليه أيديهم من حلي وأثاث وقطع ثمينة، واعتقلوا الشباب من سن 11 حتى 75 سنة، وتم تكبيلهم، وعصب عيونهم، وثم سيقوا إلى الساحة الكبيرة في القرية، وكان ذلك مترافقا مع السباب والشتائم اللاذعة، والضرب القاسي والمشوه، ثم جمُع الناس في ساحة القرية، وكان بعضهم مصفوفًا بجانب بعضهم الآخر،
ولكن كان آخرون فوق بعضهم، الأمر الذي أدى إلى إختناق بعض الناس في الأسفل، ثم جاءت السيارات، وبدأ الجنود بقذف الشباب في الباصات والسيارت، وكأنهم أكياس إسمنت، فكان عذاب ًا آخر للمعتقلين، وبعدها بدأت
السيارات تمضي في طريقها وجميع من فيها مكبل ومعصوب العينين، تتلقاهم الضربات والركلات من كل حدب وصوب، فأُدخلوا إلى القرى العلوية الواحدة تلو الأخرى، وفي كل قرية فصل جديد من المذلة والمهانة والبول
عليهم والشتم، حتى إن بعض النساء في القرى العلوية كانت تقول خذوا 10 آلاف أو 20 ألف وأعطوني خنزير اً واحداً من هؤلاء السنة القتله، إلى أن انتهت الرحلة بهم إلى الفروع الأمنية في طرطوس، وهناك بدأت رحلة جديدة من العذاب والتنكيل، في مشهد أبشع وأقسى.
في صباح اليوم الثاني خرجت نساء البيضا للمطالبة بعودة الرجال، فقطعن الأوتستراد الدولي، وأحدثن إرباكاً في حركة السير، فتدخلت القيادات من أجل إقناعهن بالعودة إلى البيوت، ولكن إرادة النساء كانت أكبر وأقوى، فاستدعوا من يمثل المنطقة لحل تلك الأزمة، وكنت واحداً من خمسة أشخاص تم الاتفاق بيننا وبين القيادات الامنية على أن يخرج الجميع من السجن، ثم يفتح الطريق، وبالفعل خرج الرجال من السجون، ولك أن تتخيل رسم وجوههم
وأجسادهم بعد رحلة 24 ساعة من العذاب والرعب.
تحولت البيضا بعد ذلك إلى ثكنة عسكرية، عاثت فيها قوات الأمن فساد اً، فأصبح أهلها أغلبهم يحتاجون إذنا للدخول والخروج منها، فغشاها الرعب والهلع، بسبب إطاق الرصاص العشوائي تارةً، وإثارة الشائعات بإعادة الكرة
مرة أخرى، واقتحامات البيوت، والسرقات التي كانت تحدث فيها. في صبيحة الخميس 2/ 5/ 2013 ، كانت قرية
البيضا على موعد مع القدر، فقد دخلت قوات الأمن مصحوبة بالدبابات والمدرعات، وعادت صور الاقتحام الأول إلى الأذهان، وحاول كثيرون الهرب من القرية، ولكنهم لم يستطيعوا، فالحصار أطبق على الأحياء جميعها، وأغلقت المداخل. لم تقتحم عصابات الأمن القرية حتى أنهكوها بالرصاص والقذائف، فتدمرت كثير من المنازل على أهلها، ثم دخل الجنود بعض البيوت، ليقوموا بتصفية من بقي من الأحياء داخل بيوتهم، واستشهد خلال ذلك 500 من أهل
المنطقة، ثم بعد ذلك ظننا أن الأمر قد انتهى، ولكن هيهات، فبعد أن قتلوا الرجال أعطوا الأوامر لمن تبقى من النساء والأطفال بمغادرة القرية، فخرجوا هائمين على وجوههم، لا يدرون إلى أين يرحلون، وإلى أية جهة يتوجهون،
فخرجت النساء ليجدن الجثث مذبوحة متفحمة في الطرقات، ولا تدري المرأة أي من هؤلاء أخوها أو والدها أو زوجها بسبب تشوه الجثث. ثم أعاد النظام الكرة على القرية مساءً، فأشعل النيران في كثير من البيوت، بعدئذ بدأت الدبابات والمدافع تقذف القرية بحممها، يساعدهم في ذلك البوارج الحربية المتمركزة في البحر حتى اليوم الثاني الساعة الثانية بعد الظهر، فسويت القرية بالأرض، فبتنا نقول كانت هنا قرية تسمى البيضا.
وبعد أن انتهى النظام من جريمته، حفر القبور الجماعية، ليخفي جريمته، وغسل الشوارع من آثار الدماء، واصطحب القنوات الكاذبة التي أجرت لقاءات مع جنود بهيئات مدنية، ليتحدثوا عن الحياة الطبيعية التي تجري في القرية.
تهدمت مدينة البيضا ومضى أبنائها إلى ربهم يشكون ظلم الجلادين والجزارين أعداء الحرية، ولكن سنعود إلى البيضا، وسنعمرها من جديد، ونرفع عليها علم الكرامة، ونروي لأطفالنا قصص أبطال خرجوا ضد الظلم والطغيان منذ
بداية الثورة، وطالبوا بالحرية فنالوها، ورسموا لباقي مدن وسورية وقراها طريق الكرامة، وتحرروا من عتق الطاغية واستبداده في الدنيا، إلى عدل الرحيم وكرمه في الآخرة. اللهم تقبل إخواننا في عليين، واحشرهم مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
الكاتب عمر حذيفة، صحيفة العهد: http://www.al3ahdnewspaper.com /
السورية المباركة. في بداية الثورة المباركة إنتفضت قرية البيضا، وكانت تعد خزان بانياس البشري في
إشعال التظاهرات السلمية و تحريكها، وهذا ما أثار غضب النظام؛ ففي صبيحة يوم الثلاثاء الواقع في 12 / 4/ 2011 إستيقظت القرية على منظر لم تألفه من قبل، حيث تجمعت عشرات السيارات المحملة بالأمن والشبيحة، مع عشرات الدبابات، وقد أحاطت بهم من الجوانب كلها، ثم تقدمت قوات الأمن من محاور القرية جميعها، ثم اقتحموا البيوت،
وسرقوا كل ما تستطيع أن تصل إليه أيديهم من حلي وأثاث وقطع ثمينة، واعتقلوا الشباب من سن 11 حتى 75 سنة، وتم تكبيلهم، وعصب عيونهم، وثم سيقوا إلى الساحة الكبيرة في القرية، وكان ذلك مترافقا مع السباب والشتائم اللاذعة، والضرب القاسي والمشوه، ثم جمُع الناس في ساحة القرية، وكان بعضهم مصفوفًا بجانب بعضهم الآخر،
ولكن كان آخرون فوق بعضهم، الأمر الذي أدى إلى إختناق بعض الناس في الأسفل، ثم جاءت السيارات، وبدأ الجنود بقذف الشباب في الباصات والسيارت، وكأنهم أكياس إسمنت، فكان عذاب ًا آخر للمعتقلين، وبعدها بدأت
السيارات تمضي في طريقها وجميع من فيها مكبل ومعصوب العينين، تتلقاهم الضربات والركلات من كل حدب وصوب، فأُدخلوا إلى القرى العلوية الواحدة تلو الأخرى، وفي كل قرية فصل جديد من المذلة والمهانة والبول
عليهم والشتم، حتى إن بعض النساء في القرى العلوية كانت تقول خذوا 10 آلاف أو 20 ألف وأعطوني خنزير اً واحداً من هؤلاء السنة القتله، إلى أن انتهت الرحلة بهم إلى الفروع الأمنية في طرطوس، وهناك بدأت رحلة جديدة من العذاب والتنكيل، في مشهد أبشع وأقسى.
في صباح اليوم الثاني خرجت نساء البيضا للمطالبة بعودة الرجال، فقطعن الأوتستراد الدولي، وأحدثن إرباكاً في حركة السير، فتدخلت القيادات من أجل إقناعهن بالعودة إلى البيوت، ولكن إرادة النساء كانت أكبر وأقوى، فاستدعوا من يمثل المنطقة لحل تلك الأزمة، وكنت واحداً من خمسة أشخاص تم الاتفاق بيننا وبين القيادات الامنية على أن يخرج الجميع من السجن، ثم يفتح الطريق، وبالفعل خرج الرجال من السجون، ولك أن تتخيل رسم وجوههم
وأجسادهم بعد رحلة 24 ساعة من العذاب والرعب.
تحولت البيضا بعد ذلك إلى ثكنة عسكرية، عاثت فيها قوات الأمن فساد اً، فأصبح أهلها أغلبهم يحتاجون إذنا للدخول والخروج منها، فغشاها الرعب والهلع، بسبب إطاق الرصاص العشوائي تارةً، وإثارة الشائعات بإعادة الكرة
مرة أخرى، واقتحامات البيوت، والسرقات التي كانت تحدث فيها. في صبيحة الخميس 2/ 5/ 2013 ، كانت قرية
البيضا على موعد مع القدر، فقد دخلت قوات الأمن مصحوبة بالدبابات والمدرعات، وعادت صور الاقتحام الأول إلى الأذهان، وحاول كثيرون الهرب من القرية، ولكنهم لم يستطيعوا، فالحصار أطبق على الأحياء جميعها، وأغلقت المداخل. لم تقتحم عصابات الأمن القرية حتى أنهكوها بالرصاص والقذائف، فتدمرت كثير من المنازل على أهلها، ثم دخل الجنود بعض البيوت، ليقوموا بتصفية من بقي من الأحياء داخل بيوتهم، واستشهد خلال ذلك 500 من أهل
المنطقة، ثم بعد ذلك ظننا أن الأمر قد انتهى، ولكن هيهات، فبعد أن قتلوا الرجال أعطوا الأوامر لمن تبقى من النساء والأطفال بمغادرة القرية، فخرجوا هائمين على وجوههم، لا يدرون إلى أين يرحلون، وإلى أية جهة يتوجهون،
فخرجت النساء ليجدن الجثث مذبوحة متفحمة في الطرقات، ولا تدري المرأة أي من هؤلاء أخوها أو والدها أو زوجها بسبب تشوه الجثث. ثم أعاد النظام الكرة على القرية مساءً، فأشعل النيران في كثير من البيوت، بعدئذ بدأت الدبابات والمدافع تقذف القرية بحممها، يساعدهم في ذلك البوارج الحربية المتمركزة في البحر حتى اليوم الثاني الساعة الثانية بعد الظهر، فسويت القرية بالأرض، فبتنا نقول كانت هنا قرية تسمى البيضا.
وبعد أن انتهى النظام من جريمته، حفر القبور الجماعية، ليخفي جريمته، وغسل الشوارع من آثار الدماء، واصطحب القنوات الكاذبة التي أجرت لقاءات مع جنود بهيئات مدنية، ليتحدثوا عن الحياة الطبيعية التي تجري في القرية.
تهدمت مدينة البيضا ومضى أبنائها إلى ربهم يشكون ظلم الجلادين والجزارين أعداء الحرية، ولكن سنعود إلى البيضا، وسنعمرها من جديد، ونرفع عليها علم الكرامة، ونروي لأطفالنا قصص أبطال خرجوا ضد الظلم والطغيان منذ
بداية الثورة، وطالبوا بالحرية فنالوها، ورسموا لباقي مدن وسورية وقراها طريق الكرامة، وتحرروا من عتق الطاغية واستبداده في الدنيا، إلى عدل الرحيم وكرمه في الآخرة. اللهم تقبل إخواننا في عليين، واحشرهم مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
الكاتب عمر حذيفة، صحيفة العهد: http://www.al3ahdnewspaper.com /