تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العوامل التي تؤثر على التحصيل الدراسي


* ريمة *
2009-05-01, 10:11
1 ـ الحاصل الدراسي ووظيفيّة المدرسة
لقد ظلّ الجدل القائم حول المدرسة يتراوح بين خطّي المحافظة والتجديد في ما يتّصل بصلتها بالمجتمع . ينطوي كلّ قطب جدلي على تباين إتّجاه التأثير بين
المدرسة والمجتمع . فبينما ينتصر دوركايم للوظيفة المحافظة للمدرسة على إعتبار أنّها أداة المجتمع إعادة إنتاج وتثبيت نظامه الإجتماعي عبر التنشئة : أي تكييف التلميذ مع البيئة الإجتماعية . فهو بذلك ينشىء صلة بين الأخلاق مأخوذة في قوّة دمج إجتماعي والتربية ليبرهن على الوظيفة الإجتماعية المنوطة بالمربي. الذي يتمتّع بسلطة أخلاقية تفوقه شخصيا . إنّه وسيلتها دون أن يكون صانعها . تتّجه التيارات الماركسية إلى توصيف الفعل التربوي إنطلا قا من خارج المدرسة دون الخروج عن كونها أداة للمجتمع.
يرى { ألتوسار althusser } أنّ النظام المدرسي هو أحد الأجهزة الإيديولوجية للدولة الذي يؤمّن إستنساخ روابط الإنتاج عبر خلق نموذج تقسيم مستويات التكوين مطابق لنموذج تقسيم العمل السائد في مجتمع معيّن ، ضمن حقبة تاريخية محدّدة ، على أنّ وسيلة المدرسة في صياغة هذا التماهي هي الإكراه الثقافي الذي لا يعنى العنف مثلما الظاهر، بل إخضاع كلّ مكونات وعناصر العملية التعليمية إلى الإيديولوجيا السائدة بعبارة { ألتوسير } أو المحافظة على النفوذ الثقافي للمهيمن ماديّا أو طبقيا بعبارة { باسرون وبورديو} . يصبح معه الفعل التربوي الذي أداته اللغة وعونه الدرّس" ممثّل الثقافة المؤسسية أو هو عامل الإصطفاء الثقافي علم لفرض الثقافة الشرعية أو تكريسها .
تشكّل هذه الثقافة الشرعية أو ما يمكن تسميتها بالأنموذج الثقافي ، في توجّه { بورديو } ، غاية المجهود التربوي . فالعلاقة التربوية هي فعل رسم للعلاقة الإجتماعية : معنى ذلك أنّ اللامساواة في التحصيل الدراسي بين التلاميذ ليست نتاج نهائي لفعل المساواة في الظروف والوضعيات ، الذي يشكّل مضمون الفعل التربوي، بفعل الفروق الطبيعية في الذكاء والإستعدادات ، كما في المقاربة البسيكوـ تربوية . فاللامساواة لا تولّدها المدرسة " بسبب تحيّز حتّى ولو كان لاشعوريا " ، لدى سنيدرز . فهي أداة لإعادة إنتاج اللا مساواة الإجتماعية .
تتّخذ تباينات التحصيل الدراسي بالنظر الى قطبي النجاح والإخفاق معنى الإنتقائية التي هي إوالية المدرسة أو الفعل التربوي لدى بورديو وباسرون ، إذغ كان التطابق هو صفة العلاقة بين المدرسة والمجتمع الطبقي لديهما . لكن ريمون بودون يحيل ذلك ، ضمن نقده لغائية تفكير بورديو ، الى تباينات مستوى العائلة الإجتماعي ـ الثقافي ، في صلة جدلية بمستواها الإجتماعي ـ الإقتصادي . فالوضعية السوسيو ـ ثقافية للأسرة يفرز آليات عدم تكافؤ فرص التعليم للطفل . إنّ التحليل العاملي الذي يبحث عبر تمشّي نظري عام عن العمل المؤثّر وإكتشاق آليات الإستقطاب ضمن العلاقة بين المجتمع والمدرسة زالذي تصبح معه متعدّد الظواهر المعطاة للتحليل تمظهرات لها ولإتّجاهها التحديدي .
فالمقاربة التي تبدو اليوم أكثر من ملحّة للفشل المدرسي وأسبابه أو صلة التحصيل المدرسي بتمثّل التلاميذ لصورتهم المستقبلية ضمن المجتمع، تستدعي تجاوز الماكرو ـ تحليلية الى التناول الميكرو ـ تحليلي لمثل هذه الظواهر ، لقياس مردودية النظام التربوي أو مدى تأثيريته أو تأثّره بما هو خارج عنه . فمثل هذه التناولات المبحثية تمتلك القدرة على خلق إجابات علمية لمشكلات الهوّة الحاصلة بين الأنموذج الثقافي الذي يتضمّنه ويروّج له النظام التربوي بمتعدّد تمظهراته المعرفية والسلوكية والوجدانية والعقائدية ، والأنموذج المغاير أو الموازي كما ينكشف عبر دراسة تمثّلات وتصوّرات وأهداف التلاميذ وصورتهم حول ذواتهم وآفاقه المحدّدة في أهدافهم المعلنة .

نحتاج دائما ، حين نتطلّع إلى الفهم الدقيق والعلمي ، أن لا نقرأ بل نستقرأ الظاهرة . وإستقراء الظواهر يقتضي أوّلا أن نتخلّص من بديهياتنا العامة التي نشترك فيها معا غير الباحث وأن ننقطع عن أخضاعها إلى نمط فكري جاهز . يحاول البحث هذا تعقّل الظواهر المشار لها في علاقة بمتغيرات الجنس والمستوى الثقافي والإجتماعي للعائلة ولكن أيضا عبر تمثّلا ت التلاميذ للمدرسة ولذواتهم ولصورتهم ومواقعهم المستقبلية ضمن المجتمع ، عبر مؤشّر أسميناه بالتطلّع السياسي أو فعل المشاركة السياسي مستقبلا : أي درجة المواطنة المستقرأ من إجاباتهم . بما أنّ التربية ، مهما كان التموقع النظري للبحث ، تؤخذ كأداة تكيّف الفرد مع حياة الجماعة ، عبر دفع المتعلّمين إلى إستبطان معايير وقيم ونماذج المشروع التربوي الذي تشتغل عبره وله المؤسسة المدرسية . معنى ذلك أنّ المدرسة هي حقل تشكّل الذات في قطيعة مع المجتمع في الإتّجاه المعاكس للعلاقة . وهو ما لا نؤمن به ضمن منطلقاتنا البراديقمية ، فما يسميه هاملين " بالضرر الثابت للمؤسّسة المدرسية لعجزها ، على حدّ قوله ، عن تحصيل غاياتها المبرمجة لها ، هو نتاج تضافر عاملي متعدّد الصلات بما هو عام يحيل الى المجتمع بأكمله وبما هو خاص يتّصل بالمؤسّسة المدرسية في حدّ ذاتها .
ذلك أنّ التناول أحادي إتّجاه التأثير ضمن العلاقة بين المدرسة والمجتمع ، لدى { بورديو وباسرون } مثلما المقاربة المؤسسية للنظام التربوي يستبعد ما نسميه بتبادلية التأثير والتأثّر بين المدرسة والمحيط المجتمعي الذي ينفذ اليها عبر لا المتعلّم فحسب بل أيضا المعلّم مهما كانت مدى عونيته التي يستمدّها من إنضباطه للتحديدات الرسمية أو تعليمات المشرفين على سير وإنجاح أهداف المشروع التربوي .
فإذا كانت المدرسة تدفع بما لها من آليات نحو إنجاز المشروع المجتمعي أو بمعنى ابسط هي حقل إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع . فهي المجال أيضا الذي يمارس ضمنه الغير محظوظين إجتماعيا مقاومتهم من أجل التغيير الغائي والنفعي . فالمدرسة وفق هذه الرؤيا هي حقل الفعل في النموذج أيضا ، لكونها تتأثّر بأشكال الرفض والمقاومة التي تبديها الأطراف الغير مهيمنة خارجها ، إذا أردنا أن نعارض التوجّه الأ داتي في تعقّل وفهم طبيعة وظيفة المدرسة . هذا التوجّه لا يجب أن نأخذه في شكله الثابت والنهائي . قد يستمرّ الدور أو تتواصل الصلة بين المدرسة والمجتمع في إ تّجاه تحديدي ما . لكنّ التغيّر وإن كان غير بنيوي فإنّه حاصل في هذا الدور .
نحتاج إلى أن نختبر ونقيس مستويات وأبعاد التبدّلات الجزئية الحاصلة في صلة المدرّس بذاته ونظرته لمكانته ودوره ونظرة المتعلّم والمجتمع والمشروع النموذجي له ، مثلما تتأكّد اليوم الضرورة الملحّة لتبيّن التغيّرات الحاصلة في مستوى تأثيرية المشروع التربوي في تشكّل أنموذج الإنسان الذي تروّج له وتوظّف تبعا لذلك متعدّد الوسائط المادية والإجتماعية والعقائدية والرمزية لترسيخه . تتّخذ هذه التغيّرات تمظهرات عديدة على أصعدة مختلفة . من الضروري تمثّلها عبر مثل هذه البحوث السوسيوـ تربوية التي قد تحمل إجابات عن عديد الظواهر التي تكبح سيرورة تحقّق المشروع التربوي ومن خلفه المجتمعي ، كظواهر اللامساواة أو التفاوت في التحصيل الدراسي وعوامله ومسألة الإخفاق الدراسي وأسبابه .
تتضافر عوامل عديدة لتصنع التفاوت الذي يأتي كنتاج غير مبرمج أو غير مطابق لديموقراطية التعليم . لمذا تخلّف المساواة المتأسّسة على واحدية المقاييس والمعايير و البرامج على الأصعدة الفردية والجماعية وأيضا الجغرافية ، هذه اللامساواة . لقد ظلّ هذا الإشكال الإجرائي مصدر كلّ التعديلات والمشاريع الإصلاحية المتعاقبة . سعت وتسعى هذه التعديلات إلى خلق آليات إمتصاص سعة التفاوت في التحصيل ، معتبرة أن تعديل إتّجاه الفعل التعليمي نحو القدرات المتوسّطة أو دونها وبالتالي مراجعة المعايير ومقاييس التقييم الجزائي ، كفيل بتقليص هوّة التفاوت . تلتقي مثل هذه الحلول مع المقاربة المؤسسية للمدرسة التي تتعقّل النظام التربوي أو الفعل التربوي في قطيعة مع المحيط أي المجتمع. إنّ تساوي الظروف لا يعني أبدا تعادل الحاصل . وبالتالي فإنّ الحلّ لا يستقيم أبدا مع النظرة الجزئية والضيّقة للمدرسة . فالتغيّر في المدرسة هو تمظهر للتغيّر المجتمعي . من هنا يستدعي المشروع التربوي الرؤية السوسيوـ تربوية للعلاقة القائمة بين المدرسة والمحيط المجتمعي الذي تتداخل معه ، لوضع الآليات العلمية للتحكّم في المعادة المذكورة آنفا .
يحصل تمثّل مستويات وأبعاد هذه العلاقة عبر مؤشّرات عديدة ، لعلّ أبرزها وضع الصلة بين التحصيل الدراسي وتصورات المتعلّم للمدرسة وتمثّلاته المستقبلية لذاته المجتمعية ومواقفه ، موضع إختبار سوسيو ـ تربوي لفهم وتعقّل طبيعة العلاقة التي يقيمها المتعلّم الذي هو محور وغاية العملية التربوية ، بين التحصيل الدراسي وذاتيته التي لا يجوز تصوّر خضوعها التام إلى تحديدات الفعل التربوي . تشكّل نتائج البحث هنا مرحلة منهجية توظّف لخلق مقارنة بين أنموذج الإنسان الذي يهدف له المشروع التربوي والأنموذج المبني إستنتاجا من تصورات ومفاهيم وتمثّلات المتعلّمين . تسمح هذه المقارنة بقياس مردودية النظام التربوي ومدى صحّة أو خطأ التمشّيات التربوية والبيداغوجية المعتمدة . لذلك نعتقد بقوّة في جدوى هذا البحث ومنطلقا ته النظرية والبراديقمية .

2 ـ الوضعية الإجتماعية ـ الإقتصادية للعائلة والتحصيل الدراسي
هل للمستوى اإقتصادي ـ الإجتماعي للعائلة تأثير في النتائج الدراسية والطموح الدراسي لأبنائها ؟ لم يعد يشكّل هذا السؤال طرحا إشكاليا يستدعي فرضيات معطاة للإختبار ، بل أضحى معطى تحليليا يقتضيه أيّ تناول مبحثي سوسيوـ تربوي لواقع دراسي ما . غير أنّ آلية الربط بين التحصيل الدراسي في بعديه : النجاح والفشل لنظر الى تصنيفات مادية للأسرة مثلما آلية الربط التبديهي بين الغنى والنجاح والفشل والإحتياج أوعدم الكفاية المادية وبالتالي الدونية الإجتماعية ، هي إضعاف للدقّة والحذر العلمي للبحث . ثمّ إنّ الباحث مدعوّ لا إلى إختبار وجود الصلة ، بل تبيّن مدى ومستويات تأثيرها في حضور عوامل أخرى تلعب دور حقول إعادة تدقيق فهم الصلة وأبعادها . فأن نستند الى التسليم بعاملية مؤثّر ما ضمن أي مقاربة للنجاح والفشل المدرسي ، يصنّف البحث في خانة الدراسات التبريرية لا السوسيولوجية.
يموضع { ريمون بودون } تأثيرية الوضعية الإقتصادية ـ الإجتماعية للعائلة في التحصيل الدراسي ضمن سياق أشمل يتطلّع لإيجاد تفسيرات للامساواة في النتائج الدراسية . فإذا كان الإخفاق المدرسي الذي ليس هو نتاج إخفاق مؤسّسي ( سوء سير المؤسّسة ) بل على العكس ضروري لسير عملها العادي لدى { بودلو BAUDELOT وإيستابليه R ،ESTABLET) ، هو تمظهر لآليات الإقصاء والإنتقاء التي تمارسها المدرسة في سياق إستنساخها للنظام التربوي القائم في منظور بورديو وباسرون. فهي لا تنتج أو هي لا تعبّر عن تحيّز المدرسة لدى { سبندرز G/SNYDERS } . فالمصاعب التي تعاني منها الطبقات المحرومة هي تمظهر للمصاعب التي تواجهها ضمن النظام الإجتماعي لديه .
إنّ ما يدعو إلى الإستناد إلى تمشّي ريمون بودون وإستدعائه ضمن هذا المبحث بالذّات ، هو أنّه يضعنا خارج الجدل الماكروـ سوسيولوجي حول صلة المدرسة بالمجتمع . ذلك أنّ مقاربة عاملية التباين الإقتصادي ـ الإجتماعي للأسرة في التباينات الدراسية لأبنائهم ، متغيّرا رئيسيا ، غير أنّه لا ينبغي لدينا أن يقارب أحاديا أي بمعزل عن علاقته بمتغيّرات عديدة . ذلك لأنّنا إنتهينا في بحثنا إلى تغاير مستوى تأثيرية هذا العامل في حضور متغيرات الجنس والمستوى الثقافي للأب أو الأم ودرجة التماسك الأسري على النتائج الدراسية للأبناء.

يلتقي { ميرتون مع بودون } في إرجاع تباين مستوى الطموح الدراسي لتباين أوضاع الأسر . فالأفراد< يحدّدون طموحاتهم بالرجوع الى المجموعات الإجتماعية التي ينتمون لها ذلك أنّ التباين الدراسي يقابله تغاير لا في الوضعية الإقتصادية ـ الإجتماعية للعائلة
فحسب بل في دلا لة المركز الإجتماعي الذي يتطلّع له التلميذ المتوافق مع مستوى دراسي معيّن والتي تتطابق مع وضعية إقتصادية ـ إجتماعية معيّنة للأسرة لدى { بودون } الذي يطرح الفرضية التالية < إذا بلغ أحد الأفراد مستوى دراسيا يسمح له بتوقّع وضع إجتماعي أعلى من وضع والده فإنّ الفائدة التي يجنيها من سنة دراسية إضافية هي أقلّ أهمية من تلك التي يوليها شخص يحتلّ والده وضعا إجتماعيّا أعلى ، فبالنسبة لهذا الأخير قد لا تكون سنة دراسية إضافية كافية لتؤمّن له وضعا إجتماعيّا يتساوى مع وضع والده > ،يقتضي ذلك إختبار الترابط بين التحصيل الدراسي وتباين وضعيات الأسرة الإقتصادية ـ الإجتماعية .

3 ـ تصوّرات المادّة التعليمية والنتائج الدراسية :
إنّ إثارة موضوع تصوّرات المتعلّمين للمواد التعليمية التي تتمظهر عبر المواقف منها ، هو مبحث نفسي إجتماعي يتّجه إلى إستدعاء السلوكات الفردية والجماعية لفهم الآليات الإجتماعية المؤثّرة في العملية التربوية.
يتّصل السلوك بالتصوّر الذي يتشكّل إستنادا لإطار إجتماعي معيّن . فسلوك الأفراد لا يتحدّد بالخصائص الموضوعية للموقف بل بتصوّر ذلك الموقف لدى { أربيكarbic }) . ولا ينفصل التصوّر الذي يتمظهر في الموقف الفردي عن إطاره الجماعي بإعتبار عنصر الإشتراك الجماعي لديه . يمرّ تصوّر الشخص للآخر عبر تصوّره لذاته . معنى ذلك أنّ تعلّم التلميذ لمادّة من المواد التعليمية وموقفه منها يتأثّر بتصوّره لذاته عبر تلك المادة . ذلك لأنّ الدافعية التي هي محرّك الفعل ، يتموقع أصلها لدى { بوستيك postic } في إنعكاس صورة الذات التي مصدرها الآخرين عبر تلك المادة . تمارس مواقف المتعلّمين من المواد الدراسية والتمثّل التفاضلي لها تأثيرا على التحصيل الدراسي لهم ، على خلاف إعتبار {ferry } اللامساواة في التحصيل نتاج التفاوت العمري ووضع المدرّس في الحياة المدرسية كصاحب سلطة تقييم من وجهة نظر خاصة
ويستند أيّ حكم قيمي تفاضلي أو تمثّل تراتبي للمواد الدراسية لدى المتعلّمين إلى أصل إجتماعي . ذلك أنّ هذا التصوّر يكشف عن سلّم قيم مرجعية موضوع إتّفاق جمعي . فالمتعلّم يتمثّل هذا التقييم أو التوزيع التراتبي للمواد الدراسية كمنطق واقع أو واقع منطقي أي غير قابل للتبرير أو التغيّر وإن تبيّن خطئه أو حتّى وإن أفضى إلى تحصيل دراسي غير مرغوب فيه أو غير متوقّع، وهو ما يضعنا أمام مفهوم القوالب الجاهزة stereotypes ذات الأصل الجماعي في خلفية تكوّن تصوّر المتعلّم ومنه موقفه من المواد الدراسية . يحمل المتعلّمين هذه القوالب الفكرية الجاهزة عبر التنشئة الإجتماعية . وهو ما يستدعي تأثير الأسرة في تشكّل تصورات المتعلّمين للمواد التعليمية وصياغة مواقفهم منها .
يحمل المتعلّمين هذه القوالب الفكرية الجاهزة عبر التنشئة الإجتماعية . وهو ما يستدعي تأثير الأسرة في تشكّل تصورات المتعلّمين للمواد التعليمية وصياغة مواقفهم منها . وقد إستطاع { chambon } تبيان دور القوالب الفكرية المنقولة أسريا للأبناء عبر تبيّن إرتباطها بمعطى الجنس . حيث أنّه وقف على وجود تقسيم جنسي للمواد يقابله تباين في ميولات الجنسين للمواد . ذلك أنّ تصوّر المادة ومدى توافقها مع الإنتماء أو التقسيم الجنسي للمواد ذو المرجعية المجتمعية ، لا ينفصل عن مستوى أداء المتعلّمين . فالنجاح أو الفشل الدراسي في مواد دون أخرى يختلف مدلوله من بيئة إجتماعية إلى أخرى ويتغاير بالنظر لذات المرجعية الإجتماعية ، مدلول النجاح الجملي بالنظر للمدلول المعطى للنجاح أو الفشل في مادة أو أخرى من المواد التعليمية.

4 ـ المكانة الإجتماعية للعائلة وموقف الأبناء من المواد التعليمية :
تؤثّر المكانة الإجتماعية للأسرة في التحصيل الدراسي عبر واسطة اللغة حسب { برنشتاين } (الذي بيّن التبعية المتوازية بين المدوّنة اللغوية والوسط الإجتماعي . وقد صيغت فرضيات عديدة ضمن مختلف البحوث السوسيوـ تربوية المقاربة لهذا المبحث البسيكوـ إجتماعي ضمن إشكالية اللامساواة في النتائج الدراسية ، من هذه الفرضيات التي تثير مؤثّر اللغة ، أنّ الصعوبات الدراسية لأبناء الأسر الأقلّ مكانة إجتماعية ، ناتجة عن كون ضعف مدوّنتهم اللغوية تعيق أو هي تعطّل نموهم المعرفي ومنه نجاحهم الدراسي بإعتبار إعتماد المدرسة المدوّنة المتفوّقة .
وإن كانت هذه الفرضية تثير موضوعات عدّة أهمّها عاملية النظام التربوي وتوجّهاته في حدّ ذاته في التمايز الدراسي بين متعدد الأمكنة الإجتماعية التي ينحدر منها المتعلّمين بإعتبارها تنحاز إلى الأكثر حظّا إجتماعيا الذي يملك بفعل موقعه في النظام الإجتماعي آليات التفوّق الدراسي ، مثلما دور المدرّس في تكريس التمايز الدراسي ، فإنّ أهميتها لدينا تتمظهر في طرحها الإشكالي للعلاقة بين المكانة الإجتماعية ومواقف المتعلّمين الدراسية التي منها في هذا المجال المبحثي لدراستنا ن الموقف من المواد الدراسية التي تستدعي مفهوم الذات المحتّمة le soi obligé بعبارة higgins .
تطرح العلاقة بين الوسط الإجتماعي للمتعلّمين ونتائجهم الدراسية على أصعدة مختلفة . فبرنشتاين مثلا يستدعي الإمكانات التي تحدّد مدى قدرة المتعلّم على التكيّف مع الفعل التعليمي داخل المؤسسة ، والتي هي مكتسبة من الوسط الإجتماعي ، عبر المدوّنة اللغوية المتّصلة بالمكانة الإجتماعية لأسرة المتعلّم ودورها في تحديد درجة النجاح أو الفشل الدراسي . أمّا وحدة البحث الأساسية ضمن هذه الإشكالية السوسيوـ تربوية لدى { جاك لوتراي }) فتتمثّل في العلاقة بين الممارسة التربوية في العائلة ونمو البنى المعرفية للطفل ونتائجه الدراسية ، إنطلاقا من ثلاثة أنماط ممكنة من هذه العلاقة التربوية ضمن الأسر : نمط حادّ ونمط ليّن وآخر لا منتظم .
يلتقي الصعيد المحور لمقاربة تأثيرية الوسط الإجتماعي في تباين مستويات التحصيل الدراسي للمتعلّمين مع أطروحة { بايار وجيلي } اللذين يتّجهان في تعقّل العلاقة عبر تصوّرات ومواقف المتعلّمين المدرسية المنقولة عن الجماعة المرجع ( الأسرة ضمن موقعها داخل النظام الإجتماعي ).
تمارس هذه التصوّرات التي هي مخطّطات للذات schemas du soi لدى {بايار وجيلي } دور المخطّط التوجيهي schema direceur حسب { marcus } وتأثيرا نفسيا ـ إجتماعيا على النتائج الدراسية للأبناء بإعتبار أنّها تبدو كمحدّدات فردية تؤثّر في تفاعل الأبناء المتعلّمين مع وسطهم المدرسي كحقل تفاعل مثلما المجموعات الشكلية التي تنشأ على أساس الإكراه المؤسسي في مقابل عفوية تشكّل المجموعات غير الشكلية ( العائلات ) التي ينتمون لها خارج المدرسة (. ومن بين مؤشّرات فعل تأثير هذه التصوّرات والمواقف ، درجة التفاعل والتكيّف مع أنماط المواد المختلفة الذي يفضي إلى أنماط تمثّل وتعقّل للمواد تتباين إجتماعيا . وهو ما يدفع الى ردّ هذه المحدّدات الفردية إلى أصلها الإجتماعي المستبطن عبر التنشئة الإجتماعية، التي هي < عملية تعلّم وتعليم وتربية >(تشكّل أساس مرجعي ضمن أي عملية تفكير حول العمليات الإجتماعية) ، من قبل الأبناء المتعلّمين الذين يتأثّرون بمعاييرها وإتّجاهاتها ويشاركون أعضائها ذات الميول والدوافع) التي تعبّر عن نمط عيش مجموعة إجتماعية معيّنة يحصل دفع الفرد الى إستبطانه كمدوّنة سلوك تحصر السلوك الممكن في السلوك المقبول في فئة إجتماعية معيّنة.
فعلى خلاف {nimier } الذي طرح في دراسته حول أنماط الصلات بالرياضيات ، فرضية< أنّ تصوّر مادّة ما ليس إجتماعيا صرفا بل يندرج في الدينامية النفسية للشخص الذي يتصوّر> ، فإنّ عديد البحوث( مثل desplats) إنتهت إلى إثبات الصلة الإجتماعية لتصوّر المواد الدراسية وبالتالي الموقف منها ، المتباين بين الجنسين وعلاقته بالآداء أو مستوى التحصيل الدراسي .
لقد شكّلت ظاهرة اللامساواة في التحصيل الدراسي للمتعلّمين مجال تقاطع عديد المرجعيّات الفكرية والتناولات لا العلمية فحسب بل أيضا الصحفية والدراسات الإستشرافية التي تقوم بها السلطة التربوية . من هنا تبدو حساسية التناول السوسيولوجي ، على إعتبار أنّها تمتلك الحصانة الذاتية المتأتية من مناهجها والتي تصنع المسافة الفاصلة بينها وبين العامي والمتداول .
إن أهم ما يمكن أن نذكر به هو أنّ النتائج الدراسية للمتعلّمين ليست نتاجا خالصا للجهد الفردي للتلميذ . تتداخل عوامل عديدة تلعب دور الموجّه أحيانا ودور الكابح في أحيان أخرى . ويلامس تأثير الأرضية السوسيوـ إقتصادية للجماعة المرجع للمتعلّم تصوّراته وتمثّلا ته للمدرسة وللنجاح الدراسي مثلما على تصوّراته ومواقفه من المواد التعليمية وبالتالي وتباعا على نتائجه الدراسية .
وقد إعتبرنا أنّ المكانة الإقتصادية ـ الإجتماعية للعائلة عاملا رئيسيا في تحديد تغاير لا مستويات الفشل والنجاح الدراسي بل يكشف التوزيع الإجتماعي للفشل المدرسي مثلما النجاح عن بنية قدرات وإستعدادات مستقرأة تتطابق مع البنية الطبقية للمجتمع . معنى ذلك أنّ المكانة الإقتصادية ـ الإجتماعية للجماعة المرجع للمتعلّم تتدخّل في تحديد وتوجيه مستويات التحصيل الدراسي بشكل لا مباشر بل عبر توجيه تصوّرات وتمثّلات ومواقف المتعلّمين من المدرسة والمواد وشركائهم في الوضعية التربوية . تصنع المكانة الإجتماعية للمتعلّم مخطّطا توجيهيا لسلوكه التربوي تتوسّط أو هي قناة تواصل وإتّصال المتعلّم بذاته وبالآخرين ضمن العلاقة التربوية . وهو ما نلتقي فيه مع المقاربة البسيكوـ إجتماعية دون الأخذ بمقولاتها التي تتوسّط القول بفردية التأثيرات التي تتصّل بالماضي الطفولي والكوامن اللاشعورية المتدخّلة في تشكيل نمطية التواصل مع متعدّد عناصر الوضعية التربوية ، والأخذ بالأرضية المجتمعية لهذه المؤثّرات .
فإذا كان التفاعل بين شركاء الوضعية التربوية يمارس تأثيرا مباشرا على الحاصل الدراسي للمتعلّمين فليس معنى ذلك إعتبار الشركاء وخاصة المدرّس كما في التناول البسيكو ـإجتماعي أو التضمينات المؤسسية وحالة اللا تجانس التي تفرزها بين شركاء العلاقة التربوية مثلما تقول بذلك المقاربة المؤسسية . ذلك أنّ التفاعل مهما كان حاصله ومدى تأثيريته على الحالة التربوية والتحصيل الدراسي للمتعلّمين ، فهو لا يجعل الفصل أو المدرسة حقل نفسي بقدر ما يكشف الإرتباط العضوي بالأرضية المجتمعية . يضعنا هذا الإرتباط العضوي أمام إنقلاب نوعي في رؤية وتمثّل المتعلّم من فاعل فردي يتلقّى تأثيرات محيطه الإجتماعي عبر آليات نفسية ، الى ممثّل لفاعل جماعي بإمتياز . ممّا يضعف أي رؤية للمتعلّم والتحصيل الدراسي أو الحالة التربوية عموما لا تأخذ بالمضمون المجتمعي لما يبدو فرديّا أو خصوصيا . لقد وضعنا البحث أمام أهمية تعقّل ظاهرة اللامساواة في التحصيل الدراسي كظاهرة كلية لا تعكس كلية المجتمع فحسب بل هي تمظهر من تمظهرات الكلية المجتمعية . مما يعني أنّ الحالة التربوية هي حالة مجتمعية وأنّ المشروع التربوي هو مشروع مجتمعي بالأساس ، لا يجب أن يغيّب في الحلول التي يتضمنها للظواهر التي تفرزها المدرسة ، هذه الحقيقة .
هناك عوامل ثانوية وقفنا في مجريات البحث عن مستويات تأثيرها وكيفيات توجيهها للحالة التربوية وللحاصل الدراسي للمتعلّمين ،مثل أصعدة تتدخّل المكانة الإجتماعية للأسرة في تشكيل مواقف المتعلّمين من المواد التعليمية والعلاقة التحديدية لأنماط المواقف من المواد في تحديد مستويات الفشل والنجاح الدراسي للمتعلّمين .

العابدالكنتي
2009-05-01, 10:54
مشكووووووووووووووووور موضوع قمة الابداع والتميز والمدرسة بحاجة الى مثل هذه المواضيع والطروحات وانا شخصيا بصدد دراسة حول اسباب ضعف التحصيل الدراسي من خلال تدني نتائج الامتحامات الرسمية بولاية تمنراست

امير الجود
2009-05-07, 11:29
بدون شك ان الموضوع هام جدا و يتطلب دراسة معمقة تشمل كل النواحي المحيطة بالمتمدرس
لكن عموما اختي الكريمة لقد اجزت و ابدعت من خلال طرحك الموضوعي بـــــارك الله فيك
فشكرا لك على اختيارك الموفــــق ..مع تمنياتنا بالتوفيق الدائم ان شاء الله

* ريمة *
2009-05-08, 10:43
بارك الله فيكم اخواني

أمجد الجلفـة
2009-05-09, 01:08
مشكووووووووووووووووورة على هذ الفيض من المعلومات الهامة في واحد من اهم مشكلات التربية في الجزائر

* ريمة *
2009-05-09, 20:08
شكرا لكم ................

khadidjahouria
2010-11-14, 16:44
بارك الله فيك ربي يجازيك

حفيظة 1
2010-11-14, 19:30
وهناك عوامل اخرى
البيئة المدرسية شكل القسم ونظافته ومنظره
الاساتذة الاكفاء
التغدية السليمة
جماعة الرفاق
الفروقات الفردية للافراد ومستوى دكاء كل واحد
وعوامل اخرى عديدة
موضوع جمييييييييييييل ومفيد شكراااااااااااااااااااااااااااااا