المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موضوع مميز مُقْتَطَفَـــاتٌ مِنْ كِتَابِ: (إِغَاثَةُ اللّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيْطَانِ) لِلْإِمَامِ اِبْنِ القَيِّمِ


تصفية وتربية
2013-05-08, 13:55
بسم الله الرحمن الرحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فهذه مُقتطفات من كتاب: "إِغَاثَـةُ اللَّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيْطَــانِ" للإمام: اِبن قيِّم الجوزية -رحمه الله-، انتقيْتها لكم وأردتُ وضعها بشكل مُتجدّد في هذا الموضوع حتى تعم الفائِدة.
الكتاب كلّه قيِّم كما هو حـال باقي كُتب الإمام رحمه الله تعالى، ولأنه لا يسعنـا وضعه كاملاً لهذا اِنتقيتُ هذه المجموعة من الفوائِد التي دوّنتها خلال قراءتي للكتـاب ووددتُ مشاركتكم إيّـاها
أسأل الله أن ينفعني وإيّاكم بها ..
أرجو أن تكونوا في المُتابعة كما أرجو أن لا تُفوّتوا فرصة اِقتنـاء الكتاب
والله الموفق والله الهادي للصواب ..
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
قال -رحمه الله تعالى- في تصنيفه للقلوب إلى ثلاثة أقسام: "قلب سليم، وقلب سقيم وقلب ميِّت":
(فالقلب السّليم: هو الذي سَلِمَ من أن يكون لغير الله فيه شِرك بوجهٍ مـا؛ بل خلُصت عبُوديّته لله تعالى: إرادة ومحبّة وتوكلاً وإنـابـة وخشيـة ورجاءً، وخلُصَ عمله لله فإن أحبّ أحبّ في الله وإن أبغَضَ أبغضَ في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منَعَ مَنَعَ لله، ولا يكفيه هذا حتّى يَسْلَمَ من الاِنقيـاد والتّحكيم لكلّ من عدا رسوله ﷺ. فيَعقد قلبه معه عقدًا مُحكمًا على الاِئْتِمَـامِ والاقتِـداءِ بـه وحده دون كلّ أحدٍ في الأقـوال والأعمـال، مِن أقـوال القلب وهي العقائِد وأقـوال اللّسـان وهي الخبَر عمّا في القلب).
إلى أن قـال:
(والقلب الثانـي [القلب الميِّت]: ضد هـذا وهو القلب الميْت الذي لا حيـاة بـه، فهو لا يعرف ربّه ولا يعبد بأمـره وما يُحبّه وبرضـاه؛ بل هو واقِفٌ مع شهواته ولذاذاته ولو كان فيها سخط ربّه وغضبه، فهو لا يُبالي إذا فـاز بشهوتـه وحظه رضي ربّه أم سخط، فهو مُتعبّدٌ لغير الله: حُبًّا وخوفًا ورجاءً ورضًا وسخطًا وتعظيمًا وذُلاً.
إن أحبّ أحبّ لهواه وإن أبغض أبغض لِهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منعَ لِهواه، فهواه آثَرُ عنده وأحبُّ إليـه من رضـا مولاه، فالهوى إمامـه والشّهوة قائِده والجهل سائِقه والغفلة مَرْكَبُهُ، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدُنيوية مغمور، وبِسكرة الهوى وحبِّ العاجلـة مَخمُور يُنادَى إلى الله وإلى الدّار الآخِرة من مكان بعيد، ولا يستجيبُ للنّاصح ويتّبعُ كلّ شيْطان مرِيد. الدُنيـا تُسخطه وتُرضيه، والهوى يصمّه ويَعميه، فهو في الدُنيـا كما قِيل في ليلـى:
عَدُوٌّ لِمَنْ عَادَتْ وسِلْمٌ لِأَهْلِهَا ** وَمَنْ قَرَّبَتْ لَيْلَى أَحَبُّ وَاَقْرَبَا
فَمُخالطة صاحِبِ هذا القلب سَقم، ومُعاشرتُه سم، ومُجالسته هلاك.
والقلب الثّالِث [القلب السّقيم]: قلب لـه حياة وبه علّة فلـه مادتـان، تمده هذه مرّة وهذه أخرى. وهو لِما غلب عليه منهما، ففيه من محبّة الله تعالى والإيمان به والإخلاص لـه، والتوكل عليه: ما هو مادّة حياتـه. وفيه من محبّة الشهوات وإيثارها والحِرص على تحصيلها، والحسد والكِبر والعُجب، وحبّ العلو والفسـاد في الأرض بالرّيـاسـة: ما هو مادّة هلاكه وعَطَبِه. وهو مُمتحنٌ بين داعيَيْن: داعٍ يدعوه إلى الله ورسولـه والدّار الآخرة، وداعٍ يدعوه إلى العاجِلة. وهو إنّما يُجيب أقربهمـا منه بابًا. وأدناهما إليه جِوارًا.
فالقلب الأول حيّ مُخْبِتٌ ليِّن واعٍ، والثّاني يابِسٌ ميِّتٌ، والثّالِث مريـض، فإمّا إلى السلامـة أدنى، وإمّا إلى العطب أدنَى).
ثم قال:
(فلذلك اِنقسمت القلوب إلى هذه الأقسـام الثلاثة:
- فالقلب الصّحيح السّليم: ليس بينه وبين قبول الحق ومحبّته وإيثـاره سوى إدراكه، فهو صحيح الإدراك للحق، تام الانقياد والقبول لـه.
- والقلب الميِّت القاسـي: لا يقبله ولا ينقاد لـه.
- والقلب المريض: إن غَلَبَ عليه مرضه التحق بالميِّتِ القاسي، وإن غَلَبَت عليه صحّته اِلتحق بالسّليم).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif

منقول باختصار وتصرّف يسير
الباب الأول: في انقاسم القلوب إلى صحيح وسقيم وميت
ص: 19-21

تصفية وتربية
2013-05-08, 13:58
قال -رحمه الله تعالى-:
(ولَمّا كان مَرضُ البدنِ خِلافَ صحّته وصلاحه، وهو خُروجه عن اعتدالـه الطبيعي لِفساد يُعرض لـه يفسد بـه إدراكه وحَركته الطبيعية، فإمّـا يذهب إدراكه بالكُليّة كالعمى والصمم والشّلل، وإمّا ينقص إدراكه لضُعفٍ في آلات الإدراكِ مع استقامـة إدراكه، وإمّا يُدرِكُ الأشيـاء على خِلاف ما هي عليه، كما يُدرك الحلو مُرًّا والخبيث طيِّبًا والطيِّب خبيثًا) أهـ
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif

البـاب الثّاني: في ذِكر حقيقة مرض القلب
فصل: في أسباب ومُشخصات مرض البدن والقلب
ص: 26

تصفية وتربية
2013-05-08, 14:16
قال -رحمه الله-:
(مرض القلب نوعـان:
- نوعٌ لا يتألّم به صاحبه في الحـال: وهو النّوع المتقدّم كمرض الجهل ومرض الشُبهات والشّكوك ومرض الشهوات. وهذا النّوع أعظم النوعين ألمًا؛ ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم ...
- والنّوع الثاني: مرض مُؤلِم في الحـال كالهمّ والغمّ والغيط ...
فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية، وهي من جِنس أمراض البدن، وهذه قد لا تُوجِب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت.
وأمّا أمراضه التي لا تزول إلاّ بالأدوبة الإيمانية النبوية فهي التي تُوجِب لـه الشّقاء والعذاب الدائِم إن لم يتداركها بأدويتها المُضادة لها).
إلى أن قال:
(- فالغيظ يُؤلم القلب ودواؤه في شِفاء غيْظه؛ فإن شفاه بحق اِشتفى وإن شفاه بظلم وباطل زادَه مرضًا من حيْثُ ظنّ أنه يشفيه.
- وكذلك الغمّ والهمّ والحزن أمراض للقلب وشفاؤها بأضدادها: من الفرح والسُرور؛ فإن كان ذلك بحق اِشتفى القلب وصحّ وبرِئ من مرضه، وإن كان بباطل توارى ذلك واستتر.
- وكذلك الجهل مرض يُؤلِم القلب، فمن النّاس من يُداويه بِعلوم لا تنفع ويعتقد أنه قد صحّ من مرضه بتلك العُلوم، وهي في الحقيقة إنّما تزيده مرضًا إلى مرضه، لكن اِشتغل القلب بها عن إدراك الألم الكامِن فيه بسبب جهله بالعلوم النّافعة التي هي شرط في صحته وبرئِه.
- وكذلك الشّاك في الشـيء المُرتاب فيه يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين.
- وكذلك يضيق بالجهل والضلال عن طريق رُشده وينشرح بالهدى والعلم).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
منقول باختصار وتصرّف يسير
الباب الثالث: في انقسام أدوية أمراض القلب إلى قسمين: طبيعية وشرعيّة
ص: 28-29

تصفية وتربية
2013-05-08, 14:25
قال -رحمه الله-:
(أصلُ كلّ خير وسعادة للعبدِ بل كلّ حيّ ناطق: كمال حياتـه ونـوره فالحياة والنّور مـادة الخير كلّ، قال تعالى: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورً‌ا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِ‌جٍ مِّنْهَا﴾ [الأنعام: 122]، فجمع بين الأصلين: الحيـاة والنّـــور).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الرّابـع: في أن حياة القلب وإشراقه مـادة كلّ خير فيه وموته وظلمته مادة كلّ شر فيـه
ص: 30

تصفية وتربية
2013-05-08, 15:02
قال -رحمه الله-:
(لمّا كان في القلب قوتان: قوة العِلم والتمييز، وقوّة الإرادة والحُب، كان كماله وصلاحه باستعمـال هاتيْن القوّتين فيما ينفعه ويعود عليـه بصلاحه وسعادته، فكمالته باستعمال قوّة العِلم في إدراك الحق ومعرفته والتمييز بينه وبين البـاطل، وباستعمال قوّة الإرادة والمحبّة في طلب الحق ومحبّته وإيثاره على الباطل، فمن لم يعرف الحق فهو ضال، ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوبٌ عليه، ومن عرفه واتّبعه فهو منعم عليه.
وقد أمرنـا -سبحانه وتعالى- أن نسـألـه في صلاتنـا أن يهدينـا صِراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّاليـن، ولِهذا كان النصارى أخص بالضلال لأنهم أمّة جهل، واليهود أخص بالغضب لأنهم أمّة عِناد [1]، وهذه الأمّة هم المنعم عليهم، ولهذا قال سفيان بن عُيَيْنة: "من فَسَد من عُبّادِنـا ففيه شبه من النّصارى، ومن فَسَد من عُلماءِنـا ففيه شبه من اليهود، لأن النصارى عبدوا بغير عِلم، واليهود عرفوا الحق وعدلوا عنه").

[1]: عرفوا الحق فعاندون واتّبعوا باطلهم.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الخامِس: في أن حياة القلب وصحته لا تحصل إلاّ بأن يكون مُدرِكً للحق مُرِيدًا له مُؤثِرًا له على غير
ص: 34

تصفية وتربية
2013-05-08, 15:21
قال -رحمه الله-:
(وقال: "اللّهم إنّي أسلمتُ نفسي إليك ووجّهتُ وجهي إليك وفوّضتُ أمرِي إليك وألجأتُ ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى إلاّ إليك" [1]
فمنهُ المنجى وإليه الملجأ، وبه الاستعاذة من شرّ ما هو كائِن بمشيئته وقُدرته، فالإعاذة فعله، والمُستعاذ منه فعله أو مفعوله الذي خلقه بمشيئته.
فالأمر كله له والحمد كلّه له والخير كلّه في يديه، لا يُحصي أحدٌ من خلقه ثنـاء عليه بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يُثني عليه كلّ أحدٍ من خلقه، ولهذا كان صلاح العبد وسعادته في تحقيق معنى قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتِحة: 5].
فإنّ العُبوديّة تتضمن لمقصود المطلوب، لكن على أكمل الوجوه، والمُستعان هو الذي يُستعان بـه على المطلوب. فالأول: من معنى ألوهيته، والثاني: من معنى رُبوبيته، فإن الإلـه هو الذي تألهه القلوب: محبّة وإنابة وإجلالاً وإكرامًا وتعظيمًا وذُلاً وخُضوعًا وخوفًا ورجاءًا وتوكلاً، والرّب هو الذي يُربّي عبـده فيُعطيه خلقه ثم يهديه إلى مصالِحه، فلا إلـه إلاّ هو، ولا ربّ إلاّ هو، فكما أن رُبوبيته ما سواه أبطل الباطل فكذلك إلهيّة ما سـواه).

[1]: صحيح: أخرجه البُخاري (247) كتاب الوضوء، ومُسلم (2710) كتاب الذّكر والدُعاء، وسُنن الترمذي (3394) وسُنن أبي داود (5046)، وسُنن الدارمي (2683) من حديث البراء
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلاّ
بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه
وأحب إليه من كل ما سـواه
ص: 37

khaledsayf
2013-05-08, 18:42
http://im26.gulfup.com/3g7x1.gif (http://www.gulfup.com/?Tpujwp)
http://im40.gulfup.com/XPR2X.gif (http://www.gulfup.com/?yKnwce)

تصفية وتربية
2013-05-08, 18:45
قال -رحمه الله-:
(عن عمّار بن يـاسِر: أنّ رسول الله ﷺ كان يدعو: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ، أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ" [1].
فجَمَع في هذا الدُّعـاءِ العظيم القدر بين أطيَب شـيء في الدُّنيـا وهو الشّـوق إلى لِقائِه سبحانه، وأطيَبِ شـيء في الآخرة وهو النّظر إلى وجهه سُبحانـه.


ولمّا كان كمـال ذلك وتمامـه مَوْقوفًا على عدم ما يضر في الدّنيـا ويفتِن في الدّين قال: "فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ".



ولمّا كان كمـال العَبْدِ في أن يكون عالِمًا بالحق مُتّبعًا له مُعلّمًا لِغيْره مُرشِدًا له قال: "وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ".



ولمّا كان الرِّضـا النّافع المُحصِّل للمقصود هو الرّضـا بعد وقوع القضـاء لا قبله، فإن ذلك عزم على الرّضا، فإذا وقَعَ القضـاء انفسَخَ ذلك العـزم سـأل الرّضـا بعده، فإن المقدُور يكتنفه أمران: الاِستخارة قبل وقوعه، والرّضـا بعد وقوعه.

فمن سعادة العبد أن يجمع بينهمـا كما في المُسند وغيره عنه ﷺ: "إنّ مِن سعـادة ابن آدم اِستخارة الله ورضـاه بما قضى الله، وإنّ من شقاوة ابن آدم ترك اِستخارة الله وَسخطه بما قضى الله تعالى" [2].


ولمّا كانت خشية الله عزل وجل رأس كلّ خير في المشهد والمغيب سألـه خَشيته في الغيْبِ والشّهـادة.



ولمّا كان أكثر النّـاس إنّمـا يتكلّم بالحق في رِضـاه فإذا غضِب أخرجه غضبه إلى البّاطِل، وقد يدخله أيضًا رِضـاه في البّاطل سأل الله عز وجل أن يوفّقه لِكلمه الحق في الغضب والرّضـا، ولِهذا قال بعض السّلف: لا تكن ممن إذا رَضِيَ أدخله رِضاه في الباطِل، وإذا غَضِب أخرجه غَضبه من الحق.



ولمّا كان الفقر والغِنى بليّتين ومِحنتين يبتلي الله بهما عبده، ففي الغِنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سـأل الله عز وجل القصد في الحالتيْن، وهو التوسط الذي ليس معه إسـرافٌ ولا تقدير.



ولمّا كان النّعيم نوعين: نوعًا للبدن ونوعًا للقلب، وهو قرّة العيْن وكمالـه بدوامـه واستمـراره جمع بينهمـا في قولـه: "وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ".



ولمّا كانت الزّينة زينتين: زينة البَدَنِ وزِينـة القلب، وكانت زينـة القلب أعظمهمـا قدرًا وأجلّهمـا خطرًا وإذا حَصَلت زينـة البدن على أكمل الوجـوه في العُقبَى سـأل ربّه الزينـة الباطِنـة فقال: "زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ".



ولمّا كان العَيْش في هذه الدّار لا يبرد لأحد كائِن من كان بل هو مَحشوٌّ بالغصص والنكد، ومَحفُوفٌ بالآلام الباطانة والظاهرة سأل بـرد العَيْش بعد المـوت).


[1]: مُسند أحمد (264/4)، وسُنن النسائـي (1305)، وصحيح ابن حبّان (1971) وصحّحه الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع (1301)، وصفة الصلاة (165) والكلم الطيِّب (105).
[2]: ضعيف: أخرجه أحمد (1444)، والترمذي (2151)، والحاكِم في المُستدرك (1903) من طريق محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه عن جدّه، وتابعه عبد الرّحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن إسماعيل فذكره مرفوعًا، ومحمد بن أبي حميد وعبد الرّحمن بن أبي بكر كلاهما ضعيف جدًا لا يصلح حديثهما في الشّواهد ولا في المُتابعات، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نرفعه إلاّ من حديث محمّد بن أبي حميد ويُقال له حمّاد بن أبي حميد، وهو أبو إبراهيم المدني وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث.
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلاّ
بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه
وأحب إليه من كل ما سـواه
ص: 38-39

تصفية وتربية
2013-05-08, 18:55
قال -رحمه الله-:
(ولَيْسَ المقصود بالعبادات والأوامِر المشقّة والكلفة بالقصد الأول وإن وقع ذلك ضِمنًا وتبَعًا في بعضها [1] لأسبـاب اقتضته لا بد منهـا هي من لوازِم هذه النّشـأة فأوامِره سبحانه وحقّه الذي أوجَبَه على عِبـاده وشرائِعه التي شرعها لهم في قُرّة العيـون ولذّة القلُوب ونعِيم الأرواح وسُرورها، وبها شِفاؤها وسعادتُها وفلاحها وكمالها في معاشِها ومعَادِها، بل لا سُرور لها ولا فرح ولا لذّة ولا نعيم في الحقيقة إلاّ بذلك).

[1]: كالإحساس بالجوع والعَطش والحِرمـان من اللّذائِذ في الصيـام مثلاً، أمّا المُوقِن فإحساسـه بِتلك الأشيـاء لا يفوقها لذّة فالإنسان بروحه وعقله لا بإمعائِه وبطنه.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلاّ
بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه
وأحب إليه من كل ما سـواه
ص: 40

تصفية وتربية
2013-05-08, 21:59
قال رحمه الله:
أن تعلّق العبدِ بما سوى الله تعالى مضرّة عليه إذا أخذ منه فوق القدر الزّائِد على حاجته غير مُستعين بـه على طاعته، فإذا نـال من الطّعام والشّراب والنّكاح واللّبـاس فوق حاجته ضره ذلك، ولو أحبّ سوى الله ما أحب فلا بدّ أن يسلبه ويُفارقه، فإن أحبّه لغير الله فلا بدّ أن تضره محبّته ويُعذّب بمحبوبـه إمّا في الدُّنيـا وإمّا في الآخرة. والغالب أنه يُعذّب بـه في الدّارين.

وقال أيضًا:
والمقصود أن من أحبّ شيْئًا سـوى الله عز وجل فالضرر حاصِل لـه بمحبوبـه: إن وجد وإن فَقَدَ فإنه إن فقده عُذّب بفواته وتألّم على قدر تعلّق قلبه به وإن وجده كان ما يحصل لـه من الألم قبل حصولـه ومن النّكد في حـال حصولـه ومن الحسرة عليـه بعد فوته: أضعاف أضعاف ما في حُصوله له من اللّذة.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح
إلاّ بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه

وأحب إليه من كل ما سـواه

ص: 48-49

لؤلؤة الفردوس
2013-05-09, 12:53
http://upload.hawamer.com/show/FO46R78PWHSF7BTJNQ41HR154MQU4B_post-25052-0-27048400-1302364692.gif

تصفية وتربية
2013-05-09, 18:29
قال -رحمه الله-:
لمّا كان الإنسـان بل كلّ حيّ مُتحرّك بالإرادة لا ينفك عن عِلم وإرادة وعمل بتلك الإرادة ولـه مُرادٌ مطلوب وطريق وسبب يوصل إليـه مُعِين عليه. وتارة يكون السّبب منه وتـارة يكون من خارج مُنفصل عنـه. وتارة منه ومن الخـارج؛ فصـار الحيّ مجبولاً على أن يقصد شيئًا ويُريده ويستعين بشـيء ويعتمد عليـه في حُصول مُرادِه.
- والمُراد قِسمـان: أحدهمـا: ما هو مُراد لِنفسه. والثانـي: ما هو مُراد لِغيْره.
- والمُستعان قِسمـان: أحدهمـا: ما هو مُستعان بنفسه. والثانـي: ما هو تبع لـه وآلـه، فهذه أربعـة أمور: مُراد لِنفسه ومُراد لِغيْره ومُستعان بكونـه آلـة وتبعًا للمُستعان بنفسِه.
إلى أن قال:
فالأقسـام الأربعـة: محبُوب لِنفسِه وذاتِه مُستعان بِنفسِه، فهذا أعلى الأقسـام، وليس ذلك إلاّ لله وحده، وكلّ ما سِواه فإنّمـا ينبغي أن يُحبّ تبعًا لِمحبّتِه ويُستعان بـه لكونـه آلـه وسَببًا.
الثانِـي: محبُوبٌ لِغيره ومستعان بـه أيضًا كالمحبوب الذّي هو قادِر على تحصيل غرض مُحبّه.
الثالـث: محبُوبٌ مُستعان عليه بغيْره.
الرّابِع: مُستعان بـه غير محبُوب في نفسِـه.
فإذا عرف ذلك تبيّن من أحق هذه الأقسـام الأربعة بالعُبوديّـة والاستعانـة وأن محبّة غيْره واستعانتـه بـه إن لم تكن وسيلـة إلى محبّتِه واستعانته وإلاّ كانت مضرّة على العبْدِ ومفسدتُها أعظم من مصلحتها والله المُستعان وعليه التّكلان.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب السّادِس: في أنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح
إلاّ بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه
وأحب إليه من كل ما سـواه

ص: 52

تصفية وتربية
2013-05-09, 22:45
نقل رحمه الله عن الرازي قوله:
لقد تأمّلتُ الطُرق الكلاميـة والمناهِج الفلسفية، فما رأيتُها تَشفِي عليلاً ولا تَروي غليلاً ورأيتُ أقربَ الطرقِ طريقة القرآن: أقرأ في الإثبـات: ﴿الرَّ‌حْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْ‌شِ اسْتَوَىٰ﴾ [طه: 5]، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْ‌فَعُهُ﴾ [فاطِر: 10]، وأقرأ في النفي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشـورى: 11]، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: 110] ومن جرّب مِثل تجربتي عرف مِثل معرفتي[1].
[1]: قال الإمام الرازي ذلك في وصيّة له قبل أن يمُوت



http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب السّابِع: في أن القرآن مُتضمّن لأدويـة القلب
وعلاجه من جميع الأمـراض

ص: 54

تصفية وتربية
2013-05-10, 13:47
قال رحمه الله:
ولهذا كان غضّ البصـر عن المحارم يوجب ثلاث فوائِـد عظيمـة الخطر جليلـة القدر:
إحداها: حلاوة الإيمـان ولذّتـه التي هي أحلى وأطيَبُ وألـذ ممّا صرف بصره وتركه لله تعالى فإن من ترك شيئًا لله عوّضه الله عز وجل خيرًا منه والنّفسُ مولعة بِحُبّ النّظر إلى الصـور الجميلـة والعيْن رائِد القلب. فيبعثُ رائِده لنظر ما هنـاك، فإذا أخبره بِحُسن المنظُور إليـه وجمالـه تحرّك اِشتيـاقًا إليـه وكثيرًا ما يَتعَب ويُتعِب رسـولـه ورائِده كما قِيل:
وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا ** لِقَلْبِكَ يَوْمًـا أَتْعَبَتْكَ المَنَاظِرُ
رَاَيْتَ الذّي لاَ كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ ** عَلَيْهِ وَلاَ عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ
فإذا كفّ الرّائِد عن الكشفِ والمُطالعة استراح القلبُ من كلفة الطّلبِ والإرادة، فمن أطلق لحظاته [1] دامت حَسراته. فإن النّظر يُولد المحبّة؛ فتبدأ علاقة يتعلّق بها القلب بالمنظور إليه ثمّ تقوى فتصير صبـابـة ينصب إليـه القلب بِكُلّيته، ثمّ تقوى فتصير غرامًـا يلزم القلب، كلزُوم الغَريم الذّي لا يُفارِق غريمه ثمّ تقوى فتصيرُ عِشقًا، وهو الحبّ المفرط ثم تقوى فتصير شغفًا، وهو الحبّ الذي قد وصل إلى شِغافِ القلب وداخله، ثمّ يقوى فيصير تتيّمًا، والتتيم التعبّد. ومنه تيمـه الحبّ إذا عبده وتيم الله عبد الله.
فيصير القلب عبدًا لمن لا يصلح أن يكون هو عبْدًا لـه، وهذا كلّه جنايـة النّظر فحينئِذٍ يقعُ القلب في الأسـر فيصِير أسيرًا بعد أن كان ملكًا. ومسجونًا بعد أن كان مطلقًا. يتظلّم من الطَرفِ ويشكوه، والطَرفُ يقول: أنـا رائِدُكَ ورسـولُكَ وأنتَ بعثتني وهذا إنّمـا تُبتَلَى به القلوب الفارغـة من حُـبّ الله والإخلاص لـه، فإن القلب لا بدّ لـه من التعلّقِ بمحبُوبٍ فمن لم يكن الله وحده محبوبـه وإلهه ومعبُودَه فلا بدّ أن يتعبّد قلبه لغيْره.
قال تعالى عن يوسف الصدّيق عليه السلام: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يـوسف: 24]، فامرأة العزيـز لمّا كانت مُشرِكة وقعت فيمـا وقعت فيه مع كونها ذات زوْج، ويوسف عليه السّلام لمّا كان مُخلِصًا لله تعالى نَجَا من ذلك مع كونه شـابًـا عزبًـا غَريبًـا مملوكًا.
الفائِدة الثّانيـة في غضّ البَصر: نور القَلبِ وصحّة الفراسة.
قال أبو شجاع الكرماني: "من عمّر ظاهره باتبـاع السُّنّةِ وباطنه بدوام المُراقبة وكفّ نفسـه عن الشهوات وغضّ بصره عن المحارِمِ، واعتاد أكل الحلال لم تُخطِئ لـه فراسة" [2].
وقد ذكر الله سبحانه قصّة قومِ لـوط وما ابتُلوا بـه ثمّ قال بعد ذلك: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحِجر: 75] وهم المُتفرّسـون الذين سلِموا من النّظر المُحرّم والفاحِشـة.
وقال تعالى عقيب أمر للمؤمنين بِغض أبصارِهم وحِفظِ فروجهم: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَأوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النّـور: 35].
وسرّ هذا الخبر: أن الجزاء من جِنسِ العمل؛ فمن غضّ بصره عمّا حرّم الله عزّ وجل عليه عوّضه الله تعالى من جِنسِه ما هو خَيْرٌ منه. فكما أمسكَ نور بصره على المُحرّمات أطلق الله بصيرته وقلبه فرأى بـه ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضّه عن مُحارِمِ الله تعالى. وهذا أمـر يُحِسّه الإنسـان من نفسِه؛ فإنّ القلب كالمرأة والهوى كالصّدإ فيها. فإذا خلُصتِ المرآة من الصّدإِ انطبعت فيها صور الحائِقِ كما هي عليـه. وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومـات فيكون عِلمُه وكلامُه من باب الخرص [3] والظّنون.
الفائِدة الثّالِثـة: قوّة القلبِ وثباتُـه وشجاعته؛ فيُعطيه الله تعالى بقوّته سُلطان النّصرة كما أعطاه بِنوره سُلطان الحُجّة فيجمع لـه بين السّلطانين ويهرب الشّيْطان منه، كما في الأثر: إنّ الذّي يُخالِف هواه يفرق [4] الشيطان من ظلّه [5]، ولِهذا يوجد في المتّبع هواه من ذلّ النّفسِ وضعتها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه؛ فإنّه سُبحانه جعل العزّ لمن أطاعه والذّل لمن عصاه. قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافِقون: 8]، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]، وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطِـر: 10]، أي: من كان يطلب العزّة بطاعة الله: بالكلِم الطيّب والعمل الصّالِح.
وقال بعض السّلف: "النّاس يطلبون العزّ بأبواب المُلوكِ ولا يجدونـه إلاّ في طاعة الله"

[1]: أي نظراته بعينيه إلى ما يحِل لـه.
[2]: أخرجه أبو نَعيم في الحلية (237/10) بإسناده عن شاه الكرماني بن شجاع وكُنيته أبو الفوارس.
[3]: معنى الخرص هنا الباطل.
[4] بمعني يخاف.
[5]: أخرجه أبو نَعيم في الحلية (365/2) من قول مالك بن دينار ولفظه: "من غلّب شهوة الحياة الدنيا فذلك الذّي يفرق الشيطان من ظلّه" وإسناده حسن، ونقله السيوطي في الدرر المنثور (560/3) فقال: وأخرج الحكيم في نوادِر الأصول عن أبي الجوزاء قال: قرأت في الثّورة ... فذكره نحوه.
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّامِن: في زكاة القلب
ص: [56-58]

محطم العمالقة
2013-05-10, 14:41
بـــــــــــوركت يــا أخي

challenge
2013-05-10, 17:05
http://nsa33.casimages.com/img/2013/04/12/130412093025615517.jpg (http://www.casimages.com/img.php?i=130412093025615517.jpg)



http://nsa33.casimages.com/img/2013/04/12/13041209312341640.jpg (http://www.casimages.com/img.php?i=13041209312341640.jpg)

أمّ عبد الودود
2013-05-10, 19:11
أهلا بك يا الغالية
وجزاك الله خيرا وأحسن إليك
وجعل عملك في ميزان حسناتك
وصلت رسالتك أختي وأنا سعيدة بها جدا
وأعتذر لأنني لا أستطيع الرد عليك فأنا مشاركاتي لا تؤهلني
لاستعمال الرسائل للأسف
اليوم بالذات فكرت في ذلك بسبب بعض الردود

تصفية وتربية
2013-05-10, 21:58
قال رحمه الله:
فالقلب الطّاهِر لكمال حياتـه ونوره وتخلّصه من الأدران والخبائِث، لا يشبع من القرآن ولا يتغذّى إلاّ بِحقائِقه ولا يتداوى إلاّ بأدويته، بِخلاف القلب الذي لم يُطهّره الله تعالى فإنّه يتغذّى من الأغذيـة التي تُناسبـه بِحسبِ ما فيه من النّجَس كالبدن العليل المريض الذّي لا تُلائِمه الأغذيـة التي تُلائِم الصحيح.
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب التّاسِع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسِه
ص: 65

تصفية وتربية
2013-05-10, 22:19
قال رحمه الله:
وسألتُ شيخ الإسلام عن معنى دُعاءِ النبّي ﷺ: (اللّهم طهّرني من خطاياي بِالمـاءِ والثّلجِ والبرد) [1] كيف يطهر الخطايا بذلك؟ وما فائِدة التخصيص بذلك؟ وقولـه في لفظ آخر: (والمـاء البـارِد) والحار أبلغ في الانقـاء؟
فقال: الخطايـا تُوجِبُ للقلب حرارة ونَجاسـة وضعفًا فيرتَخى القلب وتضطرم فيه نـار الشّهوة وتُنجّسـه؛ فإن الخَطايـا والذُّنوب لـه بِمنزلـة الحطب الذي يَمد النّار ويُوقدها، ولِهذا كلّمـا كثُرت الخطايـا اِشتدّت نـار القلب وضعفه. والمـاء يغسل الخبث ويُطفئ النّـار؛ فإن كان بـاردًا أورثَ الجِسم صلابـة وقوة، فإن كان معه ثلج وبـرد كان أقوى في التبريد وصلابـة الجِسم وشدّته، فكان أذهب لأثر الخطايـا هذا معنى كلامه وهو مُحتاج إلى مَزيد بيـان شـرح.

[1]: صحيح: أخرجه البخاري (744) ومسلم (476) واللفظ لمسلم النسائِي (895) من حديث أبي هريرة
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب التّاسِع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسِه
ص: 66

تصفية وتربية
2013-05-11, 15:32
قال رحمه الله:
فأمّا نجاسـة الشّرك في نوعـان: نجاسـة مُغلّظة ونجاسـة مُخفّفة.
فالمُغلّظة: الشِّرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، فإنّ الله لا يغفر أن يُشرك به، والمُخفّفة: الشِّرك الأصغر كيسير الرّيـاءِ والتصنّع للمخلوق، والحلف به وخوفه ورجائه، ونجاسـة الشّرك عينية ولهذا جعل سبحانه والشّرك نَجَسًا: بِفتح الجيم: ولم يقل: إنّما المُشرِكون نَجِس بالكسر. فإن النَّجَس عين النجاسـة والنَّجِس: بالكسر هو المُتنجّس.
ص: 68
إلى أن قال:
فالّنفس النجِسة الخبيثة يقوى خُبثهاونَجاستها حتى تبدو على الجسد. والنّفسُ الطيِّبة بِضدّهـا فإذا تجرّدت وخرجت من البدن وجد لهذه كأطيب نفحة مِسك وُجدت على وجه الأرض ولتلك كأنتن ريح جِيفة وُجِدت على وجه الأرض.
ص: 69
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب التّاسِع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسِه
فصل: فيما في الشّرك والزنا واللواط والخبث
ص: 68-69

تصفية وتربية
2013-05-11, 15:39
قال رحمه الله:
فلا تَجِدُ مُشركًا قط إلاّ وهو مُتنقّص لله سبحانه، وإن زَعم أنه يُعظّمه بذلك كما أنّك لا تجِد مُبتدِعًا إلاّ وهو مُتنقّص للرسول ﷺ، وإن زَعم أنه مُعظّم له بتلك البِدعة، فإنّه يزعم أنها خير من السُّنَّة وأوْلى بالصواب، أو يزعم هي السُّنّة إن كان جاهِلاً مُقلّدًا، وإن كان مُستبصِرًا في بِدعته فهو مُشاقٌ لله ورسولـه.
إلى أن قال:
والمقصود أن هاتيْن الطائِفتين هم أهم التنقص في الحقيقة بل هم أعظم النّاسِ تنقصًا، لبّس عليهم الشيْطان حتى ظنّوا أن تنقصهم هو الكمال، ولِهذا كانت البِدعة قرينة الشّرك في كِتاب الله تعالى، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33]، فالإثم والبَغي قرينان، والشّرك والبِدعة قرينان.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب التّاسِع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسِه
فصل: فيما في الشّرك والزنا واللواط والخبث
ص: 71

تصفية وتربية
2013-05-11, 21:32
قال رحمه الله:
فإنّ عِشق الصّور المُحرّمـة نوع تعبّدٍ لها بل هو من أعلى أنـواع التعبّد ولا سِيَمـا إذا استوْلى على القلب وتمكّن منه صار تتيّمًا والتتيم التعبّد، فيصير العاشِق عابِدًا لمعشُوقِه وكثيرًا ما يَغلب حبّه وذِكره والشّوق إليه والسّعي في مرضاته وإيثـار مَحابِّه على حبّ الله وذِكره والسّعي في مرضاتـه، بل كثيرًا ما يذهب ذلك من قلب العاشِق بالكليّة ويصير مُتعلّقا بمعشوقة من الصور كما هو مُشاهد، فيصير المعشُوق هو إلهه من دون الله عزّ وجل، يُقدّم رضـاه وحبّه على رضى الله وحبّه، ويتقرّب إليه ما لا يتقرّب إلى الله، ويُنفِق في مرضاتـه ما لا يُنفِقه في مرضاة الله، ويتجنّب من سَخَطِه ما لا يتجنّب من سَخَطِ الله تعالى، فيصير آثـر عِنده من ربّه: حُبًّا وخُضوعًا وذُلاًّ وسمعًا وطاعة.
ولهذا كان العِشقُ والشّرك متلازمين، وإنما حكى الله سبحانه العِشق عن المُشركين من قوم لـوط وعن اِمرأة العزيز وكانت إذ ذاك مُشرِكة فكُلّمـا قَوى شِرك العبد بُلِيَ بِعشق الصّور وكلّمـا قوى توحيده صُرِف ذلك عنه.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب التّاسِع: في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسِه
فصل: فينجاسـة الذنوب والمعاصي
ص: 72

khaledsayf
2013-05-12, 22:15
http://im26.gulfup.com/3g7x1.gif (http://www.gulfup.com/?Tpujwp)
http://im40.gulfup.com/XPR2X.gif (http://www.gulfup.com/?yKnwce)

تصفية وتربية
2013-05-13, 13:46
قال -رحمه الله-:
وقد اِتّفقَ السّالِكون إلى الله على اختلاف طُرُقهم وتباين سُلوكهم على أنّ النّفسَ قاطِعة بين القلب وبين الوصول إلى الربّ، وأن لا يدخل عليه سُبحانه ولا يوصل إليـه إلاّ بعد إماتتها وتركها بمُخالفتها والظّفر بِها.
فإنّ النّاس على قِسمين: قِسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصـار طوعًا لها تحت أوامِرهـا، وقِسم ظفروا بنفوسِهم فقهروهـا فصـارت صوعًا لهم مُنقادة لأوامِرهم.
إلى أن قال:
وقد وصف سُبحانه النّفس في القرآن بِثلاث صِفات: المُطمئِنّة والأمـارة بالسـوء واللّوامـة.
فاختلف النّـاس: هل النّفسُ واحِدة وهذه أوصـاف لها أم للعبد ثلاث أنفس: نفسٌ مُطمئِنّة ونفسٌ لوّامـة ونفسٌ أمّـارة، فالأول قـول الفُقهاء والمُتكلّمين وجمهور المُفسّرين وقول مُحقّقي الصوفية والثاني قـول كثير من أهل التصوف.
والتحقيق: أنه لا نِزاع بين الفريقين، فإنّهـا واحِدة باعتبار ذاتِها وثلاث باعتبـار صِفاتها، فإذا اعتُبِرت بِنفسِها فهي واحدة، وإن اعتُبِرت مع كلّ صِفة دون الأخرى فهي مُتعدّدة.
إلى أن قال في معنى كل نفس:
فالنّفسُ إذا سَكنت إلى الله واطمأنّت بِذكره وأنابت إليـه واشتاقت إلى لِقائِه وأنست بقُربه فهي مُطمئنّة وهي التي يُقال لها عند الوفاة: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْ‌جِعِي إِلَىٰ رَ‌بِّكِ رَ‌اضِيَةً مَّرْ‌ضِيَّةً﴾ [الفجر: 27-28].

وإذا كانت بِضدّ ذلك فهي أمّـارة بالسّـوءِ تأمُـر صاحِبها بما تهواه: من شهوات الغي واتباع الباطل، فهي مأوى كلّ سـوء وإن أطاعها قـادته إلى كلّ قَبيح ومكروه، وقد أخبر سُبحانه أنّها أمّار بالسوء ولم يقل آمِرة لكثرة ذلك منها، وأنه عادتُها ودأبُها إلاّ إذا رحمها الله وجعلها زاكِية تأمر صاحبها بالخير، فذلك من رحمة الله لا منها، فإنها بذاتها أمّارة بالسّـوء، لأنها خُلِقت في الأصل جاهِلة ظالمة إلاّ من رحمة الله، والعدل والعِلم طارئ عليها بإلهام ربّها وفاطرها لها ذلك، فإذا لم يُلهِمها رُشدها بقيَت على ظلمها وجهلها فلم تكن أمّارة إلاّ بموجِب الجهل والظلم فلولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكت منهم نفس.

وأمّا اللوامـة فاختُلِف في اشتقاق اللفظة هل هي التلوم وهو التلون والتردّد، أو هي من اللوم وعِبارات السّلف تدرو على هذين المعنيين.
إلى أن قال:
والنّفسُ قد تكون تـارة أمّارة وتارة لوّامـة وتارة مُطمئنة، بل في اليـوم الواحِد والسّاعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا، والحُكم للغالِب عليها من أحوالهـا، فكونها مُطمئنّة وصف مدح لها وكونها أمارة بالسوء وصف ذمّ لها، وكونها لوامة ينقسِم إلى المدح والذمّ بحبسب ما تلوم عليه.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الحادي عشر: في عِلاج مرض القلب من استيلاء النّفس عليه
ص: 81-82-83

تصفية وتربية
2013-05-17, 15:44
قال -رحمه الله-:
(ومُحاسبـة النّفسِ نوعـان: نوعٌ قبل العمل ونوعٌ بعـده.
فأمّا النوع الأول: فهو أن يقِف عند أوّل همّه وإرادته ولا يُبادر بالعمل حتى يتبيّن لـه رُجحانه على تركِه.
قال الحسن -رحمه الله-: "رحِم الله عبدًا وقفَ عند همّه فإن كان لله مضى وإن كان لغيْره تأخر" [1]. وشرح هذا بعضهم فقال: إذا تحرّكت النّفس لعمل من الأعمال وهمّ بـه العبد وقفَ أولاً ونظر: هل ذلك العمل مقدُور لــه أو غير مقدُور ولا مُستطاع؟ فإن لم يكون مقدُورًا لم يُقدِم عليه وإن كان مقدُورًا وقفَ وقفة أخرى ونظر: هل فعله خيرٌ له ومن تركه أو تركه خيرٌ له من فعله؟ فإن كان الثاني تركه ولم يُقدِم عليه وإن كان الأول وقفَ وقفة ثالثـة ونظر: هل الباعِث عليه إرادة وجه الله -عزل وجل- وثوابه أو إرادة الجاه والثنـاء والمال من المخلوق؟ فإن كان الثاني لم يُقدِم عليه وإن أفضى به إلى مطلوبـه لئلا تعتاد النّفس الشّرك ويَخِفّ عليها العمل لغير الله، فبقدر ما يَخِف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى حتى يصير أثقل شيء عليها، وإن كان الأول وقفَ وقفة أخرى ونظر: هل هو مُعان عليه وله أعوان يُساعدونه وينصرونه إذا كان العمل مُحتاجًا إلى ذلك أم لا، فإن لم يكن لـه أعوان أمسك عنه كما أمسك النبيّ ﷺ عن الجهاد بمكة حتى صـار لـه شوْكة وأنصـار، وإن وجده مُعانًا عليه فليُقدِم عليه فإنّه منصور ولا يفوتـه النّجاح إلاّ من فوتِ خصلـة من هذه الخِصـال وإلاّ فمع اجتماعها لا يفوته النّجاح.
فهذه أربعة مقامـات يحتاج إلى مُحاسبـة نفسه عليها قبل العمل، فما كلّ ما يُريد العبد فِعله يكون مقدُورًا لـه ولا كلّ ما يكون مقدُورًا لـه يكون فعله خيرًا لـه من تركه ولا كلّ ما يكون فعله خيرًا له من تركه يفعله لله ولا كلّ ما يفعله لله يكون مُعانًا عليه، فإذا حاسب نفسَه على ذلك تبيّن لـه ما يُقدِم عليه وما يُحجِم عنه.
النّوع الثّاني: مُحاسبـة النّفس بعد العمل وهو ثلاثة أنـواع:
أحدها: مُحاسبتها على طاعـة قصّرت فيها من حقّ الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي. وحقّ الله تعالى في الطّاعـة ستّة أمور تقدّمت وهي: الإخلاص في العمل والنصيحة لله فيه ومُتابعة الرّسول فيه وشهود مشهد الإحسـان فيه وشُهود منّة الله عليه وشُهود تقصيره فيه بعد ذلك كلّه. فيُحاسِب نفسه: هل وفّى هذه المقامات حقها وهل أتى بها في هذه الطاعة.
الثّانِي: أن يُحاسِب نفسه على كلّ عمل كان تركه خيرًا لـه من فِعله.
الثّالِث: أن يُحاسِب نفسه على أمر مُباح أو مُعتاد: لِمَ فعله وهل أراد به الله والدّار الآخرة فيكون رابِحًا أو أراد بـه الدّنبـا وعاجِلها فيخسِر ذلك الرّبح ويفوته الظّفرُ بـه).

[1]: ضعيف: أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان (7279) عن الحسن موقوفًا عليه، وفي إسنـاده مؤمل سيّء الحِفظ.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الحادي عشر: في عِلاج مرض القلب من استيلاء النّفس عليه
فصل في مُحاسبة النّفس

ص: 88-89

ْفاطمــــ الزهراء ــــة
2013-05-17, 16:52
جزاك الله خيرا

تصفية وتربية
2013-05-18, 17:05
قال -رحمه الله-:
(وجماع ذلك: أن يُحاسِب نفسه أولاً على الفرائِض، فإن تذكّر فيها نقصًا تداركه إمّـا بِقضـاء أو إصلاح ثم يُحاسِبها على المناهي فإن عَرفَ أنه ارتكبَ منها شيْئًا تداركه بالتوبـة والاستغفار والحَسنـات الماحيـة، ثم يُحاسِب نفسه على الغفلة فإن كان قد غفل عمّا خُلِق لـه تداركه بالذّكر والإقبـال على الله تعالى ثم يُحاسِبها بما تكلّم بـه أو مَشَت إليه رِجلاه أو بطَشت يداه أو سمِعته أذناه [1]: ماذا أرادت بهذا ولمن فعلته وعلى أيّ وجه فعلته ويعلم أنّه لا بد أن ينشر لكلّ حركة وكلمة منه ديوانان: ديوان لمن فعلته وكيف فعلته؛ فالأوّل سؤال عن الإخلاص والثّانِي سؤال عن المُتابعة وقال تعالى: ﴿فَوَرَ‌بِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحِجر: 92-93].
وقال تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْ‌سِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْ‌سَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ﴾ [الأعراف: 6-7]. وقال تعالى: ﴿لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِ‌ينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 8]. فإذا سُئِل الصّادِقون وحُوسِبوا على صدقهم فما الظنّ بالكاذبين؟!)

[1]: بل يُراجِع حواسه كلّها المذكورة قريبًا مثل البطن والفرج وما إليها.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الحادي عشر: في عِلاج مرض القلب من استيلاء النّفس عليه
فصل في مُحاسبة النّفس

ص: 89-90

تصفية وتربية
2013-05-19, 14:21
قال -رحمه الله-:
(وفي مُحاسبـة النّفس عدى مصالح منها: الاطلاع على عيوبها ومن لم يطّلِع على عيْبِ نفسِه لم يُمكنه إزالتـه فإذا اطّلع على عيْبِها مَقتها في ذات الله تعالى).
إلى أن قال: (ومقتُ النّفسِ في ذات الله مِن صِفات الصّدّيقين ويدنو العبد بـه من الله تعالى في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو بالعمل).
ثم قال: (ومن فوائِد مُحاسبـة النّفس أنه يعرِف بذلك حق الله تعالى ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه فإنّ عِبادته لا تكاد تُجدِي عليه وهي قليلـة المنفعة جدًا).
إلى أن قال: (فمُحاسبـة النّفس هو نظر العبد في حقّ الله عليه أولاً ثمّ نظره: هل قام بـه كما ينبغي ثانيًا، وأفضل الفِكر الفكر في ذلك، فإنّه يسير القلب إلى الله ويطرحه بين يديه ذليلاُ خاضِعًا مُنْكسِرًا كسْرًا فيه جبره ومُفتقِرًا فقرًا فيه غِناه وذليلاً ذُلاً فيه عزّه ولو عمِل من الأعمال ما عسـاه أن يعمل فإنّه إذا فاته هذا فالذي فاتـه من البّر أفضل من الذي أتَى).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
باختصار وتصرّف يسير
الباب الحادي عشر: في عِلاج مرض القلب من استيلاء النّفس عليه
فصل في مُحاسبة النّفس

ص: 91-95-96

تصفية وتربية
2013-05-20, 15:57
فائِدة لطيفة في التفسيـر:
الفرق بين قوله تعالى في سورة فصّلت: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: 36] وقوله في سورة الأعراف: ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: 200]
قال -رحمه الله-:
(وقال ههنا: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ فأكّد بإنّ وبضمير الفصل وأتى باللام في: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وقال في الأعراف:﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
وسرّ ذلك -والله أعلم- أنّه حيثُ اقتصر على مُجرّد الاِسم ولم يُؤكّده أريد إثبـات مجرّد الوصف الكافي في الاستعاذة والإخبار بأنّه سُبحانه يسمع ويعلم فيسمَع اِستعاذتكَ فيُجِيبك ويعلم ما تستعيذ منه فيدفعُه عنك، فالسّمع لِكلام المُستعيذ والعِلم بالفعل المُستعاذ منه وبذلك يحصل مقصود الاستعاذة، وهذا المعنى شـامِل للموضعين وامتاز المذكُور في سـورة فصلت بمزيد التأكِيد والتعريف والتخصيص، لأن سِيـاق ذلك بعد إنكاره سُبحانه على الذّين شكّوا في سمعه لقولهم وعلمِه بِهم كما جـاء في الصّحيحين من حديث ابن مسعود قال: اِجتمع عند البيْتِ ثلاثـة نفر قرشيـان وثقفي أو ثقفيان وقرشي، كثير شحم بطُونهم وقليل فِقه قلوبِهم فقالوا: أترون الله يسمعُ ما نقول فقال أحدهم: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينـا فقال الآخر: إن سمِع بعضه سمِع كلّه فأنزل الله -عزّ وجل-: ﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُ‌ونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُ‌كُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّـهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرً‌ا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَ‌بِّكُمْ أَرْ‌دَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِ‌ينَ﴾ [1] [فصّلت: 22-23].
فجـاء التوكيد في قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ في سِيـاق هذا الإنكار: أي هو وحده الذي لـه كمال قوّة السَّمع وإحاطة العِلم لا كما يظنّ بـه أعداؤه الجاهِلون: أنّه لا يسمع إن أخفوا وأنه لا يعلم كثيرًا ممّا يعملون وحسن ذلك أيضًا: أن المأمور بـه في سـورة فصّلت دفع إساءتهم إليـه بإحسـانه إليهم، وذلك أشقّ على النّفوسِ من مُجرّدِ الإعراض عنهم، ولِهذا عقبه بقولـه: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصّلت: 35] فحسن التأكيد جـاء لِحاجة المُستعيذ.
وأيضًا فإن السيـاق ههنا لإثبـاتِ صفـاتِ كمالـه وأدلّة ثبُوتِها وآيـاتِ ربُوبيته وشواهِد توحِيده ولهذا عقب ذلك بقولـه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ‌﴾ [فصّلت: 37].
وبِقولـه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَ‌ى الْأَرْ‌ضَ خَاشِعَةً﴾ [فصّلت: 39] فأتَى بأداة التعرِيف الدّالـة على أنّ من أسمـائِـه: ﴿السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ كما جاءَت الأسمـاء الحُسنـى كلّها مُعرّفة، والذّي في الأعراف في سِيـاق وعيد المُشركين وإخوانهم من الشياطِين ووعد المُستعيذ بأن لـه ربًّـا يسمعُ ويعلم وآلِهة المُشركين التي عبدُوهَـا من دونـه ليس لهم أَعين يُبصرون بهَا ولا آذانٌ يسمَعُون بِهَا، فإنّـه سمِيعٌ علِيم وآلِهتهم لا تَسمع ولا تُبصِر ولا تعلَم، فكيف تُسوونهَا بـه في العِبـادة فعلمت أنه لا يلِيق بِهذا السيـاق غير التنكير كما لا يلِيق بذلك غير التعريف، والله أعلم بأسـرار كلامـه، ولمّا كان المُستعاذ منه في سورة (حم المؤمن) هو شرّ مُجادَلة الكُفّار في آيـاتِه وما ترتّب عليهـا من أفعَالِهم المرئيّة بالبصر قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّـهِ بِغَيْرِ‌ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِ‌هِمْ إِلَّا كِبْرٌ‌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ‌﴾ [غافِر: 56] فإنّه لمّا كان المُستعاذ منه كلامهم وأفعالهم المُشاهدة عيانًا قال: إنه هو السّميع البصِير وهناك المُستعاذ منه غير مُشاهد لنـا فإنّه يرانًا هو وقبيلُه من حيْثُ لا نراه، بل هو معلُومٌ بالإيمـان وإخبـار الله ورسـولـه). أهـ

[1]: صحيح: أخرجه البُخاري (4817) كتاب التفسير، ومُسلِم (2275) كتاب المُنافقين وأحكامهم.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّانِي عشر: في عِلاج مرض القلب بالشّيطان
فصل في الاستعاذة من الشّيْطان

ص: 102-103

تصفية وتربية
2013-05-21, 12:46
قال -رحمه الله-:
(ولمّا كان الغضبُ مركب الشيطان فتتعاون النّفس الغضبيّة والشّيْطان على النّفس المُطمئِنّة التي تأمُر بدفعِ الإسـاءة بالإحسـان أمر أن يُعاونها بالاستعاذة منه، فتمد الاستعاذة النّفس المُطمئِنة فتقوى على مُقاومة جيش النّفس الغَضبيّة ويأتِي مَدد الصّبر الذي يكون النّصر معه وجـاء مَدد الإيمـان والتوكل فأبطَلَ سُلطان الشّيطان: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَ‌بِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: 99].

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّانِي عشر: في عِلاج مرض القلب بالشّيطان
فصل في إبطَال سُلطان الشّيْطان

ص: 104

تصفية وتربية
2013-05-21, 21:09
قال -رحمه الله-:
(السُّبُل التي يسلكُها الإنسـان أربعة لا غير، فإنَّـه تـارة يأخذُ على جِهة يمينه وتـارة على شِمالـه، وتـارة أمامـه وتـارة يرجِع خلفَه فأيّ سبيل سَلَكَها من هذه وجد الشّيطان عليها رصدًا لـه، فإنْ سَلَكَهَا في طاعة وجَدَهُ عليهَا يُثبّطه عنها ويقطعه أو يعوقه ويُثبّطه وإن سَلَكها لِمعصيّة وجدهُ عليهـا حامِلاً وخادِمًا ومًمنّيًّـا ولـو اتفق له الهُبوط إلى أسفل لأتـاه من هُنـاك)
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

ص: 109

تصفية وتربية
2013-05-21, 21:14
قال -رحمه الله-:
(فالنَّفسُ المُبطِلة الخسِيسة تلتذ بالأمانِي الباطلـة والوعود الكاذِبة وتفرحُ بها كما تفرحُ النِّسـاءُ والصِّبيـان ويتحرّكون لها، فالأقـوال الباطِلة مصدرُهـا وعد الشَّيْطان وتمنيَته فإنَّ الشَّيْطـان يُمنِّـي أصحابَها الظَّفرِ بالحقِّ وإدراكِه ويعِدُهُم الوصـول إليـه من غيْر طريقِه فكلّ مُبطِل فله نصيبٌ من قولـه: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَـانُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ [النِّسـاء: 120].

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

ص: 111

سماح 2
2013-05-21, 21:19
شككرااااااااااااااااااااااااااا لك
بااااااااارك الله فيييييييييييك

تصفية وتربية
2013-05-22, 14:44
قال -رحمه الله-:
من كيد الشّيطان للإنسان أنه يُورِده الموارد التي يُخيَّل إليـه أن فيها منفعته ثم يصدره المصادِر التي فيها عطبه ويتخلّى عنه ويسلمه ويقف يسْمتُ بِـه ويضحك منه فيأمُره بالسرقة والزّنـا والقتل ويدل عليه ويفضحه.
قال تعالى: ﴿وإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 48].
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في الشّيطان يُزيّن السـوء للإنسـان
ص: 112

تصفية وتربية
2013-05-22, 21:53
قال -رحمه الله-:
ومِن كيْدِ عدوّ الله تعالى: أنّه يُخوّف المؤمنين من جُندِه وأوليائِه فلا يُجاهِدونهم ولا يَأمرونهم بالمعروف ولا ينهَوْنهم عن المُنكر، وهذا من أعظمِ كيْدِه بأهل الإيمـان وقد أخبرنـا الله سبحانه عنه بهذا فقال: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عِمران: 175].
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في الشّيطان يُزيّن السـوء للإنسـان
ص: 113

imagineshoppingf
2013-05-23, 12:16
بارك الله فيك

تصفية وتربية
2013-05-23, 22:25
قال -رحمه الله-:
(إن الله سُبحانه أنزَلَ لِبَاسيْن: لِباسًا ظاهِرًا يُوارِي العوْرة ويستُرهـا، ولِباسًا باطِنًا من التقوَى يُجمِّل العبد ويستره، فإذا زَال عنه هذا اللّبـاس انكشفت عورتـه الباطِنـة كما تنكشِف عورتـه الظّاهِرة بِنزعِ ما يستُرهـا)
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في مكِيدة الشّيطان لآدم وحـواء
ص: 115

المذنبة التائبة
2013-05-23, 23:28
http://uploads.sedty.com/imagehosting/198442_1289871036.gif

تصفية وتربية
2013-05-24, 14:01
قال -رحمه الله-:
(وهذا باب كيْدِه الأعظم الذي يدخل منه على ابن آدام فإنه يجري منه مجرى الدّم حتى يُصادِف نفسه ويُخالِطه ويسألها عمّا تُحِبه وتُؤثِره، فإذا عرفه استعان بـه على العبد ودخل عليه من هذا البـاب وكذلك علّم إخوانـه وأوليـاءه من الإنـس إذَا أرادوا أغراضهم الفَاسِدة من بعضِهم بَعضًا أن يدخلوا عليهم من البـاب الذي يُحِبّونـه ويهوُونه فإنه بـاب لا يُخذَلُ عن حاجتِه من دَخَلَ مِنه، ومن رَام الدخُول من غيره فالبـاب عليه مسدُود وهو عن طريق مقصَدِه مَصدُود).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في مكِيدة الشّيطان لآدم وحـواء
ص: 115

pharmacie1801.
2013-05-24, 14:06
شكرا على هذه للمقتطفات القيمة من هذا الكتاب المفيد

تصفية وتربية
2013-05-24, 19:21
قال -رحمه الله-:
(ومن كيْدِه العجيب [1] أنه يشـام النّفس [2] حتى يعلم أي القوّتين تغلُب عليها: قوّة الإقدام والشّجاعـة أم قوّة الانكفاف والإحجَـام والمهانـة فإن رأى الغالٍب على النّفسٍ المهانة والإحجام أخذَ في تثبيطه وإضعاف همّتِه وإرادته عن المأمـور بِـه وثقله عليه فهوّن عليـه تركه حتى يتركه جُملـة أو يُقصّر فيـه ويتهاون بـه وإن رأى الغالِب عليه قوّة الإقدام وعلو الهمّة أخذ يُقلّل عنده المأمـور بـه ويُوهِمه أنه لا يكفِيه وأنه يحتاج معه إلى مُبالغة وزيـادة فيُقصِّر بالأول ويتجاوَز بالثّانِـي كما قال بعض السّلف: "مـا أمـر الله تعالى بأمـر إلاّ وللشّيْطان نزغتـان: إمّـا إلى تفريط وتقصِير وإمّا إلى مُجاوزة وغلوّ ولا يُبالي بأيّهمـا ظفر")

[1]: يقصد الشّيطان
[2]: يُحاوِل اِختبـارهـا
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في الإقدام والإحجـام
ص: 118

تصفية وتربية
2013-05-25, 19:13
قال -رحمه الله-:
(فإنّ الخَواطِر والهَواجِس ثلاثة أنـواع: رَحمانيّة وشيْطانيّة ونفسَانيّة كالرُؤيـا فلو بلغ العبدُ من الزّهدِ والعِبـادة ما بلغ فمعه شيطانه ونفسه لا يُفارِقانِه إلى الموْت والشّيطان يَجري منه مجرى الدّم، والعِصمة إنّما هيَ للرُّسُلِ -صلوات الله وسلامـه عليهم- الذّين هُم وسائِط بين الله -عزّ وجل- وبين خَلقه في تبليغ أمرِه ونَهيِه ووعدِه ووعِيده ومن عداهم يُصِيبُ ويُخطِئ وليس بِحُجّة على الخَلقِ).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في كيد للإنسان بالتخلّي عن تحكيم الشّرع
ص: 124

تصفية وتربية
2013-05-26, 16:14
قال -رحمه الله-:
(ومن تأمّلَ هَدي رسـول الله ﷺ وسِيـرته وَجدَه مُناقِضًا لِهَدي هَؤُلاءِ، فإنّـه كان يلبَسُ القَميص تـارة والقبـاء تارة والجُبّة تـارة والإزار تـارة، ويَركَبُ البعِير وَحده ومردفًا لِغيْره ويَركب الفَرسَ مسرجًا وعريانًا ويَركبُ الحِمـار، ويـأكل ما حَضر ويَجلِس على الأرضِ تـارة وعلى الحَصِير تـارة وعلى البِسـاط تـارة ويمشِي وحده تـارة ومع أصحَابِه تـارة، وهَديه عدَم التكلّف والتقيّد بغيْر ما أمـره بـه ربّـه فبَيْن هَديِه وهَدْيِ هؤلاءِ بَوْنٌ بَعِيد).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في كيده للإنسان بلُزم أمور مُخترعة لُزوم الفرائِض
ص: 126-127

تصفية وتربية
2013-05-27, 19:06
قال -رحمه الله-:
(فالفِقه كلّ الفِقه الاقتصـادُ في الدِّيـن والاعتصـام بالسُّنـة)
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في كيده للإنسان بالوسوسة
ص: 132

nafaapharm
2013-05-27, 23:37
شكـــــــــــــــــــراااااااااااااااااا

تصفية وتربية
2013-05-29, 14:34
قال -رحمه الله-:
(وحكى لي من أثِقُ بـه عن مُوسوس عظيم رأيتُه أنا يُكرّر عقد النيّة مِرارًا عديدة فيَشُق على المأمومين مَشقّة كبيرة، فعرض لـه أن حَلَف بالطلاق أن لا يَزيد على تِلك المرّة فلم يدعه إبليس حتّى زاد فرّق بينه وبين امرأته، فأصابه لذلك غمّ شديد وأقامـا متفرقين دهرًا طويلاً حتّى تزوّجت تِلك المرأة برجلٍ آخر وجاءه مِنها ولـد، ثمّ إنه حنَثَ في يمين حلفها ففرّق بينهما ورُدّت إلى الأول بعد أن كاد يتلفُ لِفارقها).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في ذمّ الموسوسين
ص: 134

تصفية وتربية
2013-05-30, 11:38
قال -رحمه الله-:
(قال شيخنا [1]: ومِن هَؤلاءِ من يأتِي بِعشر بِدعٍ لم يفعلها رسول الله ﷺ ولا أحد من أصحابِه واحِدة مِنها؛ فيَقول: أعُوذ بالله من الشّيْطان الرجيم نَويْتُ أُصلِّي صلاة الظهر فريضة الوقت أداء لله تعالى إمامًا أو مأمُومًا أربع ركعاتٍ مُستقبِل القِبلة ثم يُزعِج أعضاءه ويَحنِي جبهته ويُقيم عُروق عُنقه ويَصرخ بالتَكْبِير كأنّـه يُكبِّر على العدو، ولو مَكثَ أحدهم عُمر نوح -عليه السّلام- يُفتِّش هل فعل رسول الله ﷺ أو أحد من أصحابِه شيْئًا من ذلك لمَا ظفَر بِه إلاَّ أن يُجاهِر بالكذِب البَحت، فلو كـان في هذا خير لسَبَقونا إليه ودلُّونا عليه، فإن كان هذا هُدى فقد ضلُّوا عنه وإن كان الذي كانوا عليه هو الهُدى والحق فماذَا بعْدَ الحقِّ إلاَّ الضلال؟!)

[1]: يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في النيّة في الطهارة والصلاة
ص: 137

تصفية وتربية
2013-06-03, 11:42
قال -رحمه الله-:
(وكذلك ذيْلُ المرأة على الصحيح، وقالت اِمرأة لأمّ سلمـة: إنِّي أُطِيل ذيْلِي وأمشِي في المكان القذِر فقالت: قال رسول الله ﷺ: (يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ) [1] رواه أحمد وأبو داود.
وقد رخّصَ النبي ﷺ للمرأة أن ترخي ذيْلها ذِراعًا [2] ومعلوم أنّه يُصِيب القذِر ولم يأمرها بِغسل ذلك بل أفتَاهُنّ بأنّه تُطهِّره الأرض).

[1]: صحيح: أخرجه أبو داود (383)، والتِرمذي (143)، والدارمي (742) وغيرهم من طريق محمّد بن عمارة عن محمّد بن إبراهيم عن أمّ ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أمّ سلمة، وهذا الإسناد فيه ضعف، وله شواهِد، انظر شفاء العي بتخريج مسند الشافعي (50/1) للشيخ أبي عُمير مجدي بن عرفات المصري.
[2]: حسن لغيره: أخرجه أبو داود (4117)، وأحمد (26678)، والنسائي في الكُبرى (9741)، والطبراني في الكبير (840)، وابن حبّان (5451) من طريق نافِع موْلى ابن عمر عن صفيّة بنت أبي عُبيد عن أمّ سلمة، وصفيّة مُختلف في صحبتها والرّاجِح: أنها ليست صحابية ولم يوثقها معتبر، وله شاهِد عند أبي يعلى (3796) عن سويد بن سعيد عن معتمر عن حميد عن أنس، وسويد ضعيف لكنّه مع ما قبله حَسَن.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في ذَيْل المرأة
ص: 146

thegolden
2013-06-03, 12:02
بارك الله فيك اخي الكريم

thegolden
2013-06-03, 12:03
مشكرو على الموضوع القيم

boubabiscuit
2013-06-04, 14:08
بـــــــــــوركت يــا أخي

hassene96
2013-06-04, 17:55
http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQ10lGheQxcvOuprGGiPDWfQpGNK039J m7kDt3-xY0BDRmFDzJ1

تصفية وتربية
2013-06-06, 15:16
قال -رحمه الله-:
(ومِمّا لا تطيب بِـه قُلوب الموسوسين: الصّلاة في النّعال وهي سُنّة رسول الله ﷺ وأصحابِه فِعلاً وأمرًا.
فروى أنس بن مالِك -رضي الله عنه- أنّ رسول الله ﷺ كان يُصلِّي في نعليْه [1]. مُتّفق عليه.
وعن شدّاد بن أوس قال: قال رسول الله ﷺ: (خالِفوا اليهود فإنَّهُم لا يُصلُّون في خِفافهم ولاَ نِعالِهم) [2] رواه أبو داود.
وقِيل للإمام أحمد: أَيُصلِّي الرَّجل في نعليْه؟ فقال: إِي والله.
وترى أهل الوسواس إذا بُلِيَ أحدهم بصلاة في نعليْهِ قَامَ على عقِبيهما كأنَّهُ واقِفٌ على الجمر حتَّى لاَ يُصلِّي فيهما.
وفي حديثٍ عن أبي سعيد الخُدري: (إذَا جاء أحدكم من المسجد فلينظر فإن رأى نعليْه قذرًا قليَمسحه وليُصلّ فيهمـا) [3]).

[1]: صحيح: أخرجه البُخاري (5850) كتاب اللّباس، ومُسلم (555) كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
[2]: أخرجه أبو داود (652)، والبيهقي في الكُبرى (4058)، والحاكِم في المُستدرك (956)، وابن حبّان (2186)، والطبراني في الكبير (7165) من طريق مروان بن معاوية عن هلال بن ميمون عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه، ويعلى بن شداد قال عنه الحافِظ: صدوق ولم أجد أحدًا نصّ على توثيقه إلاّ العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات وصحّحه الألباني في صحيح الجامع (3210).
وصلاة النبّي في النعال ثابتة في صحيح البُخاري (386) من حديث أنس أنه سُئِل: أكان النبّي ﷺ يُصلّي في نعليه؟ قال: نعم.
[3]: صحيح: أخرجه أبو داود (650)، وأحمد (11895)، والبيهقي في الكُبرى (4048)، وعبد بن حميد (880)، والدارمي (1378) من طريق أبي نعامة السّعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد وإسناده صحيح.

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل فيما لا تطِيب به قُلُوب الموسوسين
ص: 146-147

ليلى القسنطينية
2013-06-06, 19:50
جزاك الله خيرا

أمّ عبد الودود
2013-06-06, 22:52
جزاك الله خيراأختي
ا

تصفية وتربية
2013-06-07, 15:18
قال -رحمه الله-:
(وقد روَى الإمام أحمد في مُسنده عنه ﷺ: (بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَمْحَة) [1]. فجمع بين كونِها حنيفية وكونِها سَمحة، فهي حَنيفية في التَّوحيد سَمحة في العمل وضدّ الأمرين: الشِّرك وتحريم الحَلال وهُما اللَّذان ذكرهما النبِّي ﷺ فيمَا يُروَى عن ربِّه تبارك وتعالى أنَّهُ قال: (إنِّي خلقتُ عِبادي حُنفاء وأنَّهُم أتَتْهُم الشَّياطين فاجتَالتهُم عن دِنِهم وحرَّمت عليهم ما أحلَلْتُ لهُم وأمَرتُهم أن يُشرِكُوا بِي ما لم أُنْزل بِه سُلطانًا) [2].
فالشِّرك وتحريم الحَلال قرينان، هُمَا اللَّذان عابَهُما الله تعالى في كِتابه على المُشركين في سُورة الأنعام والأعراف).

[1]: حسَن لغيْره: أخرجه أحمد (22345)، والطبراني في الكبير (7883) من طريق على بن زيد عن القاسِم عن أبي أُمامة، وعلى بن زيد: ضَعيف، والقاسِم: صدُوق يُغرِّب كثيرًا كما قال الحافِظ ابن حجر -رحمه الله-.
وله شاهِد عند البُخاري في الأدب المُفرد (287) من طريق محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عبّاس سُئِل النبِّي ﷺ: أيّ الأديان أحبّ إلى الله -عزّ وجل-؟ قال: (الحَنفيّة السَمحة). ومحمّد بن إسحاق: صدُوق لكنّه مُدلّس وقد عنعنه.
ولهُ شواهِد أخرى انظرها في الصحيحة للألباني -رحمه الله- رقم (881، 1781 حيثُ ذكر لها شَاهِدًا مُرسلاَ، 2924).
[2]: صحيح: أخرجهُ مُسلِم (2865).


http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في طعام أهل الكِتاب ونحوه
ص: 158

عبد الله 31
2013-06-07, 16:26
نفع الله بكم ورفع من قدركم
وجزاكم الله خيرا واحسن اليكم

تصفية وتربية
2013-06-07, 23:02
قال -رحمه الله-:
(وقال ﷺ: (يَحمِلُ من هَذا العِلم مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُوله يَنفُون عنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِين وانتحَال المُبطِلين وتَأويل الجَاهِلِين) [1].
فأخبَر أنَّ الغالِين يُحرِّفُون ما جاء بـه، والمُبطِلون ينتحِلون بباطِلهم غَيْرَ ما كان عليه، والجاهِلون يتأوَّلُونه على غير تأويله، وفسَادُ الإسلام من هؤُلاءِ الطوائِف الثلاث، فلولا أنَّ الله تعالى يُقِيم لدِينِه من ينفِي عنه ذلك لجَرَى عليه مَا جرَى على أديان الأنبيَاء قبلهُ مِن هؤُلاءِ).

[1]: صحيح:أخرجهُ البيْهقي في الكُبرى (20700)، والطبراني في مُسند الشاميين (599)، وتَمام في الفوائِد (899)، وصحّحه الشّيخ الألباني -رحمه الله- في المِشكاة (284)، وصحّحه الشيخ أبو عُميْر مجدي بن عرفَات المصري الأثري.


http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في طعام أهل الكِتاب ونحوه
ص: 160

تصفية وتربية
2013-06-09, 18:20
قال -رحمه الله-:
(ويَنبغِي أن يعلم أنَّ الاحتياط الذِّي يَنفع صاحِبه ويُيِيبه الله عليه: الاحتياط في مُوافقة السُّنّة وترك مُخالفتها فالاحتياط كلّ الاحتياط في ذلك وإلاَّ فما احتاط لِنفسِه من خرج عن السُّنَّة بل تَركَ حقِقية الاحتِياط في ذلك).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في الجواب عمّا احتجّ بِـه أهل الوسواس
ص: 162

لآلئ السّلف
2013-06-09, 18:36
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا أختي على مشاركاتك الطّيبة
جعلها الله في ميزان حسناتك

abedalkader
2013-06-09, 18:39
بارك الله فيك وجزاك خيرا
http://t1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcTCZpcQF5If1wAwzDSg9fruLOujm6l7L 81GSFA9pejqvkyACHMQ-g&t=1

jackin
2013-06-09, 21:52
جزاك الله خيرا وأحسن إليك
وجعل عملك في ميزان حسناتك

تصفية وتربية
2013-06-11, 13:16
قال -رحمه الله-:
(فإنَّ الشُّبُهات ما يشتبِهُ فِيه الحقُّ بالبَاطِل والحَلال بالحرَام على وجه لا يكُون فِيه دلِيل على أحد الجَانِبيْن أو تتعارض الأَمارتان عِندهُ فلا تَتَرجَّح فِي ظنِّه إحداهُما فيَشتبِه عليهِ هذا بِهذا فأَرشَدهُ النبِّي ﷺ إلى تركِ المُشتبِه والعُدول إلى الواضِح الجليّ).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في الجواب عمّا احتجّ بِـه أهل الوسواس
ص: 163

تصفية وتربية
2013-06-14, 14:23
قال -رحمه الله-:
(فدِينُ الله بيْن الغالِي والجَافِي عنه، وخيْرُ النَّاسِ النَّمطُ الأوسط الذِّين ارتفعوا عن تقصِير المُرفطين ولم يلحقُوا بغُلو المُعتدين، وقد جَعَل الله سُبحانه هذه الأُمَّة وسطًا وهي الخيار العَدل لتوسُّطِها بين الطرفيْن المذمُوميْن، والعَدل هو الوَسط بين طرفي الجُور والتَفريط والآفات إنَّما تتطرَّق إلى الأطرافِ والأوساطِ محميَّة بأطرافِها فخِيارُ الأمُور أوسَاطُها، قال الشَّاعِر:
كَانَتْ هِيَ الوَسَطُ المَحْمِيُّ فَاكتَفَتْ *** بِهَا الْحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفًا)
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في عدَمِ الاقتداءِ بالمُسوسين
ص: 177

تصفية وتربية
2013-06-14, 23:13
قال -رحمه الله-:
(وقال شيْخنا [1]: وهذه العِلَّة التي لأجلِها نَهى الشَّارع عن اتِّخَاذِ المَساجِد على القُبور، هِي التِّي أوقت كثيرًا من الأُمَم إما في الشِّرك الأكبر أو فِيما دونه من الشِّرك، فإنَّ النُّفوس قد أَشرَكت بِتماثِيل القوم الصَّلِحين وتَماثِيل من يزعمون أنَّها طلاسِم للكواكِب ونحو ذلك فإنَّ الشِّرك بِقبر الرَّجل الذي يعتقد صلاحه أقربُ إلى النُّفوس من الشِّرك بِخشَبة أو حَجَر، ولِهذا نجِد أهل الشِّرك كثيرًا يتضرَّعُون عِندها ويَخشعون ويَخضعُون ويَعبدُونهم بِقلوبهم عِبادة لا يفعلونها في بُيوتِ الله ولا وقتَ السَّحرِ، ومِنهم من يَسجد لَهَا وأكثرهم يَرجُون من بَركةِ الصَّلاة عِندها والدُّعَاء مَا لا يَرجونَهُ في المَساجِد فلأَجل هذه المَفسدة حَسَم النبِّي ﷺ مادَّتَها حتَّى نَهَى عن الصَّلاة في المَقبرة مُطلقًا وإن لم يقصد المُصلِّي بَركة البُقعة بِصلاتِه كما يَقصُد بَركة المَساجِد، كَمَا نَهَى عن الصَّلاة وقتَ طُلُوع الشَّمسِ وغُرُوبِها؛ لأنها أوقات يَقصد المُشركون الصَّلاة فِيها للشَّمس فنَهَى أُمَّته عن الصَّلاة حِينئِذٍ وإن لم يَقصد المُصلِّي ما قَصَدَه المُشركون سَدًّا للذريعة.
قال: وأمَّا إذَا قَصَد الرَّجل الصَّلاة عِند القُبور مُتبرِّكًا بالصلاة في تِلك البقعة فهَذا عين المُحادَّة لله ولِرسُولِه والمُخالفة لِدِينه وابتِداع دِين لم يأذن بـه الله تعالى، فإنَّ المُسلمين قد أجمَعُوا على ما علِمُوه بالاضطِرار من دِين رسُول الله ﷺ أنَّ الصَّلاة عِند القُبور مَنهي عنها، وأنَّهُ لُعِن من اتَّخَذهَا مَسَاجِد، فمِن أعظم المُحدثات وأسباب الشِّرك: الصَّلاة عِندها واتِّخَاذِها مسَاجِد وبِناء المَساجِد عليها وقد تَواتَرت النُّصوص عن النبِّي ﷺ بالنَّهي عن ذلك والتغلِيظ فِيه فقد صرَّح عامة الطوائِف بالنَّهي عن بِناء المساجِد عليها مُتابعة مِنهم للسُّنة الصحيحة الصَّريحة، وصرَّح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحَابِ مالِك والشَّافِعي بِتحريم ذلك وطائِفة أطلقت الكَراهَة والذِّي ينبغِي أن تُحمل على كراهة التحريم إحسانًا للظنِّ بالعُلمَاء، وأن لا يُظنُّ بِهم أنَّهُم يُجوِّزوا فِعل ما تَواتَر عن رسُول الله ﷺ لُعِن فاعِله والنَّهي عنه ففِي صحِيح مُسلِم عن جُندب بن عبد الله البجلي قال: سمِعتُ رسول الله ﷺ قبل أن يمُوت بِخمسٍ وهو يقول: (إِنِّي أضبْرَاُ إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيل فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَد اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاًَ أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائَهُم مَسَاجِدَ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِك) [2].
وعن عائِشة وعبد الله بن عبّاس قالا: لمَّا نُزِل بِرسُول الله ﷺ طفِقَ يَطرحُ خمِيصةً لهُ على وجهِه فإذا اغتَمَّ كَشفها فقال وهو كذلك: (لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائهِمْ مَسَاجِدَ يَحذر مَا صَنَعُوا) [3] مُتفق عليه.
وفِي الصَّحِحين أيضًا: عن أبي هُريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائهُم مَسَاجِد) [4].
وفِي رواية مُسلِم: (لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اِتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائهِم مَسَاجِد) [5].
فقد نهى عن اتِّخَاذِ القُبُور مَساجِد في آخِر حيَاتِه، ثمَّ إنَّه لعن وهو فِي السِّياق من فِعل ذلك من أهل الكِتاب ليُحذِّر أُمَّته أن يفعلوا ذلك).

[1]: يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
[2]: صحيح: أخرجه مُسلم (532).
[3]: صحيح: أخرجه البُخاري (435، 436)، ومُسلم (531).
[4]: صحيح: أخرجه البُخاري (437)، ومُسلم (530).
[5]: صحيح:أخرجه مُسلم (530).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في وحي الشَّيطان إلى حزبه الفتنة في عِبادة القُبور
ص: 179-180

تصفية وتربية
2013-06-15, 19:14
قال -رحمه الله-:
(وبِالجُملة: فمن له مَعرفة بالشِّركِ وأَسْبابه وذرائِعه، وفهِمَ عن الرَّسُول ﷺ مقاصِده جزَم جزمًا لا يَحتمِلُ النَّقِيض أنَّ هذِه المُبالغة مِنه باللَّعن والنَّهي بِصِيغتَيْه: صِيغة لا تفعلُوا وصِيغة إنِّي أَنْهاكُم ليسَ لأجل النَّجاسَة، بل هُو لأَجل نَجاسَة الشِّرك اللاحِقة بِمن عصَاه وارتَكبَ ما عنه نهاه واتَّبع هواه ولم يَخشَ ربَّه ومولاه، وقلَّ نصِيبُهُ أو عُدِمَ في تَحقِيق شهادة أن لا إله إلاَّ الله، فإنَّ هذا وأمثاله من النبي ﷺ صِيانَة لِحمَى التَّوحِيد أن يلحقه الشِّرك ويَغشَاه وتجريد له وغضبٌ لِربِّه أن يعدِل بِه سِواه فأبَى المُشرِكون إلاَّ مَعصية لأمره وارتكابًا لِنهيِه وغرَّهُم الشَّيطان فقال: بل هذا تعظيم لِقبُور المشايِخ والصَّالِحِين وكُلَّمَا كُنتُم أَشدَّ لهَا تعظيمًا وأشدَّ فِيهم غُلُوًّا كُنتُم بِقُربِهم أسعد ومِن أعدائِهم أبعَد.
ولَعمرُ الله مِن هذا الباب بِعيْنِه دَخلَ على عُبَّادِ يَغُوثَ ويَعُوقَ ونِسر ومِنه دخل عُبَّاد الأصنام مُنذ كانُوا إلى يَومِ القيَامة، فجَمَع المُشرِكُون بين الغُلو فِيهم والطَّعن في طريقتِهم وهَدَى الله أهل التَّوحِيد لِسُلوكِ طريقتهم وإنزالِهم منَازلهم التِّي أنزلهم الله إيَّاها: مِن العُبودية وسلبِ خصَائِص الإلهية عنهم وهذا غاية تعظيهم وطاعتهم.
فأمَّا المُشركون فَعصَوا أمرهُم وتنقصُوهم في صُورة التَّعظِيم لهم).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في وحي الشَّيطان إلى حزبه الفتنة في عِبادة القُبور
ص: 183-184

تصفية وتربية
2013-06-16, 15:50
قال -رحمه الله-:
(ولا رَيْب أنَّ ارتكاب كلّ كبِيرة بَعد الشِّرك أسهلُ إنَّمَا وأَخَفُّ عُقوبة مِن تَعاطي مِثل ذلك فِي دِينه وسُنَّته [1] وهكذا غُيِّرت دِيانات الرُّسُل ولولاَ أنَّ الله أَقَام لِدِينه الأنصَار والأعوان الذَّابِّين عنه لَجرى عليه مَا جرَى على الأديَان قبله).

[1]: يقصد عبادة القُبور واتخاذها أعيادا
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في وحي الشَّيطان إلى حزبه الفتنة في عِبادة القُبور
ص: 187

تصفية وتربية
2013-06-16, 21:55
قال -رحمه الله-:
(ومنْ جَمَعَ بين سُنَّة رسول الله ﷺ في القُبُور ومَا أمَر بِه ونهى عنه ومَا كان عليه أَصحَابه وبين مَا عليه أكثر النَّاسِ اليَّوم رأى أحدُهُمَا مُضادَّا للآخر مُناقِضًا له بِحيثُ لا يَجتمِعان أبدًا).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في وحي الشَّيطان إلى حزبه الفتنة في عِبادة القُبور
ص: 189

تصفية وتربية
2013-06-18, 20:24
قال -رحمه الله-:
(وكان رسُول الله ﷺ قد نَهَى الرِّجال عن زيارة القُبور سدًّا للذريعة، فلمَّا تمكَّنَ التوحِيد في قُلوبِهم أذِن لهم في زيارتِها على الوَجه الذِّي شرعه، ونَهاهُم أن يقُولوا هجرًا فمن زارها على غير الوجه المشرُوع الذِّي يُحبُّه الله ورسُوله فإنَّ زيارته غير مأذُون فِيها ومن أعظم الهَجر: الشِّرك عِندها قولاً وفِعلاً).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في وحي الشَّيطان إلى حزبه الفتنة في عِبادة القُبور
ص: 193

تصفية وتربية
2013-06-19, 22:38
قال -رحمه الله-:
(ومِن أعظم كيد الشَّيطان: أنه ينصب لأهل الشِّرك قبر معظَّم يُعظِّمُه النَّاس، ثُمَّ يَجعله وثنًا يُعبد من دون الله، ثُمَّ يُوحِي إلى أوليائِه: أن من نَهَى عن عِبادتِه واتِّخَاذِه عِيدا وجعله وثنًا فقد تنقصه وهضَم حقَّه، فيَسعى الجاهِلون المُشركون في قتلِه وعُقوبته ويُكفِّرُونه. وذنبه عِند أهل الإشراك: أمره بِما أمَره الله بِه ورسُوله ونَهيه عمَّا نَهى الله عنه ورسُوله: من جعله وثنًا وعِيدًا وإيقاد السرج عليه وبِناء المَساجِد والقِباب عليه وتجصِيصه وإشادته وتقبيله واستلامِه ودُعائِه أو الدُّعَاء بِه أو السَّفر إليه أو الاستغاثة بِه من دُون الله ممَّا قد عُلِم بالاضطِرار من دِين الإسلام أنَّه مُضاد لِما بعث الله بِه رسُوله: من تجريد التَّوحِيد لله وأن لا يُعبد إلاَّ الله، فإذا نَهَى المُوحِّد عن ذلك غضب المُشركون واشمأزَّت قلُوبهم وقالوا: قد تنقص أهل الرُّتب العالية وزَعَم أنَّهم لا حُرمة لهم ولا قدر وسرى ذلك في نُفوسِ الجُهَّال والطّغام [1] وكثيرٌ مِمن يُنسب إلى العِلم والدِّين حتَّى عَادوا أهل التَّوحِيد ورموهم بالعَظَائِم ونَفَّرُوا النَّاس عنهم، ووالوا أهل الشِّركِ وعظَّمُوهم وزعموا أنَّهُم هُم أولياء الله وأنصار دِينه ورسُوله، ويَأبَى الله ذلك فِيمَا كانُوا أولياءه، إن أولياؤه إلاَّ المُتَّبِعون له المُوافقون له العارفُون بِما جاء بِه، الدَّاعُون إليه لا المُتشَبِعون بِما لم يُعطوا لابِسُوا ثِياب الزُّور الذِّين يصدُّون النَّاس عن سُنَّة نبيِّهم ويبغُونَها عِوجًا وهُم يَحسبون أنهم يُحسِنُون صُنعا).

[1]: الطغام: أراذِل النَّاس
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل أعظم مكايد إبليس في الأنصاب والأزلام
ص: 203-204

تصفية وتربية
2013-06-22, 23:45
قال -رحمه الله-:
(فاعلم أنّ القلوب إذا اشتغلت بالبِدع أعرضت عن السُّنن).
وقال -رحمه الله-:
(من أقبلَ على الصَّلواتِ الخمس بوجهِه وقلبِه عارفًا بِما اشتملت عليه من الكلِم الطيِّب والعمل الصَّالِح مُهتمًّا بِها كلَّ الاهتمَام أغنته عن الشِّرك، وكلُّ من قصَّر فِيها أو فِي بعضِها تجِدُ فِيه من الشِّركِ بِحسبِ ذلك ومن أصغى إلى كلام الله بِقلبِه وتدبَّرهُ وتفهَّمهُ أغناهُ الله عن السَّماع الشَّيطانِي الذِّي يصدُّ عن ذِكر الله وعن الصَّلاة ويُنبِتُ النِّفاق في القلب، وكذلك من أصغَى إليه وإلى حديث الرَّسُول ﷺ بكُليَّتِه وحدَّثَ نفسَه باقتِباس الهُدَى والعِلم مِنه لا مِن غيْره أغناه عن البِدع والآراء والتخرُّصَات والشطحَات والخَيَالات التِّي هِي وسَاوس النُّفوس وتخيُّلاتِها ومِن بعد عن ذلك فلابُدَّ له من أن يتعوَّض عنه بِما لا ينفعه كما أنَّ من غمَر قلبه بِمحبة الله تعالى وذكره وخشيته والتوكُّل عليه والإنابة إليه، أغناه ذلك عن مَحبَّة غيره وخشيَتِه والتوكُّل وأغناه أيضًا عن عِشق الصور وإذا خلاً من ذلك صَار عبد هواه، أيُّ شيء استحسَنه ملكه واستبعده، فالمُعرض عن التَوحيد مُشرك شَاءَ أو أبَى، والمُعرض عن السُّنَّة مُبتدِع ضَال شَاءَ أم أبَى، والمُعرض عن محبَّة الله وذِكره، عَبَدَ الصُّور شَاء أم أَبَى والله المُستعان وعليه التُّكلان ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في المُنعم عليهم من اتِّباع الصراط المُستقيم
ص: 204-205

تصفية وتربية
2013-06-23, 21:31
قال -رحمه الله-:
(فليس كُلّ من أجَابَ الله دُعاءه يكُون راضيًّا عنه ولا مُحِبًّا له ولا راضِيًّا بِفعلِه، فإنَّه يُجِيب البرَّ والفاجِر والمُؤمِن والكافِر وكثِيرٌ من النَّاسِ يدعُو دُعاءً يعتدِي فيه أو يشترطُ في دُعائِه، أو يكون مِمَّا لا يَجُوز أن يُسأل فيَحصل له ذلك أو بعضه فيطنُّ أنَّ عمَله صالِحٌ مُرضِي لله ويكون بِمنزلَة مَن أملَى له وأمدَّ بالمَال والبنِين وهو يظنُّ أنَّ الله تعالى يُسارع له في الخيْرات، وقد قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُ‌وا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 44].
فالدُّعَاء قد يكون عِبادة فيُثابُ عليه الدَّاعِي، وقد يكون مسألَة تُقضَى بِه حاجته ويكون مضرَّة عليه إمَّا أن يُعاقب بِما يحصل له، أو تنقص بِه درجته فيقضِي حاجته ويُعاقِبه على ما جرأ عليه من إضاعة حُقوقه واعتداء حُدوده).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في المُنعم عليهم من اتِّباع الصراط المُستقيم
ص: 206

تصفية وتربية
2013-07-06, 14:31
قال -رحمه الله-:
(قال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ﴾ [الأنبِياء: 28]. وقال: ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ [طه: 109].
فأخبرَ أنَّهُ لا يحصل يومئِذٍ شفاعَة تنفعُ إلاّ بعدَ رضا المشفُوعِ له وإذنه للشَّافِع فِيه، فأمَّا المُشرك فإنَّه لا يرتضِيه ولا يرضَى قوله، فلا يأذنُ للشُّفعَاءِ أن يشفعُوا فيه، فإنَّه سُبحانه علَّقها بأمرين: رضا المشفُوعِ له وإذنه للشَّافِع فما لم يوجد مجمُوع الأمريْن لم توجد الشَّفاعَة).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في الفرُوق بين الموحِّدين والمُشركين في زيارة القُبور
ص: 210

تصفية وتربية
2013-07-09, 18:12
قال -رحمه الله-:
(والغِناء أشدّ لهوًا وأعظمُ ضررًا من أحادِيث المُلوك وأخبارهم، فإنَّه رُقية الزِّنا ومنبت النِّفاق وشِركُ الشَّيْطان وخمرة العقل وصدّه عن القرآن وأعظم من صدِّ غيره من الكلام الباطِل لِشدَّة ميْل النُّفوس إليه ورغبتها فيه.
إِذَا عُرف هذا فأهل الغِناء ومُستمِعوه لهم نصِيبٌ من هذا الذَّمِّ بِحسبِ اشتِغالهم بالغناء عن القرآن وإن لم ينالوا جمِيعه، فإنَّ الآيات تضمّنت ذمّ من استبدَل لهو الحدِيث بالقرآن ليُضلَّ عن سبيل الله بِغير عِلم ويتَّخِذها هُزوًا وإذا يُتلَى عليه القرآن ولَّى مُستكبٍرًا كأن لم يسمعه كأنَّ في أُذُنيهِ وقرًا وهو الثقل والصَمَم وإذا علم مِنه شيْئًا استهزأ به فمجمُوع هذا لا يقع إلاَّ مِن أعظم النَّاس كُفرًا، وإن وقَعَ بعضهُ للمُغنِّين ومُستمِعيهم فلهم حِصَّة ونصِيبٌ من هذا الذَّمِّ).
http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في أسماء الغِناء
ص: 226

تصفية وتربية
2013-07-18, 21:28
قال -رحمه الله-:
(قال رجل لابن عبّاس -رضي الله عنهما-: (ما تقول في الغِنَاء أحلالٌ هو أم حرَام؟ فقال: لا أقول حرامًا إلا ما في كِتاب الله، فقال: أفَحلالٌ هو؟ فقال: ولا أقول ذلك. ثُمّ قال له: أَراَيْتَ الحق والباطِل إذا جاءَا يوم القيامَة فأين يكون الغِنَاء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطِل. فقال له ابن عبّاس: اِذهب فقد أفتيْتَ نفسكَ!).
فهذا جواب ابن عبّاس -رضي الله عنهما- عن غِناء الأعراب الذي ليْس فيه مَدح الخمر والزِّنا واللواط والتشبيب بالأجنبيات وأصوات المعازِف والآلات المطربات، فإنَّ غِناء القوم لم يكن فِيه شيءٌ من ذلك ولو شاهدُوا هذا الغِناء لقالوا فيه أعظم قول، فإنَّ مضرَّته وفِتنته فوق مضرَّة شُرب الخمر بكثِير وأعظم من فِتنته.
فمن أبطل الباطِل أن تَأتِي شريعة بإباحته فمن قاسَ هذا على غِناء القوم فقياسه مِن جِنس قياس الربا على البيع والميتة على المذكاة، والتحليل الملعون فاعِله على النِّكاح الذي هو سُنَّة رسول الله ﷺ، وهو أفضل من التخلِّي لنوافِل العِبادة، فلو كان نِكاح التحلِيل جائِزًا في الشَّرع لكَان أفضلُ من قِيام الليل وصِيام التطوع فضلاً أن يعلن فاعِله).

http://dl2.glitter-graphics.net/pub/994/994472v9j970mrxj.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في تسمِيَة الغِناء بالباطِل
ص: 229

تصفية وتربية
2013-10-31, 14:08
قال -رحمه الله-:
(والله سُبحانه لم يُشرّع التصفيق للرجال وقت الحاجَة إليهِ في الصَّلاة إذا نابهم أمر بل أُمِروا بالعُدول عنه إلى التسبيح لِئلا يتشبَّهُوا بالنِّسـاء، فكيف إذا فعلوه لا لِحاجة وقرنُوا بِه أنواعًا من المعاصِي قولاً وفِعلاً؟!).
http://vb.noor-alyaqeen.com/imgcache/16531.imgcache.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم
فصل في تسمِيَة الغِناء بالباطِل
ص: 229

تصفية وتربية
2013-10-31, 14:09
قال -رحمه الله-:
(فلعمر الله كم مِن حُرَّةٍ صارت بالغناء من البَغايَا، وكم مِنْ حُرٍّ أصبحَ عبدًا للصبيان أو الصبَايَا، وكم مِنْ غَيُورٍ تبدَّلَ بِه اسمًا قبيحًا بين البَرايَا، وكم مِن ذي غِنى وثروةٍ أصبَح بِسببِه على الأرض بعد المطارف والحَشايَا، وكم مِنْ مُعافَى تعرَّض له فأمسَى وقد حلَّت بِه أنواع البَلايا، وكم مِن أهدى للمشغُوفِ به من أشجَان وأحزانٍ فلم يَجِد بُدًّا من قَبُول تِلك الهدَايا، وكم جرع مِن غصَّة وأزال من نِعمة وجلَب من نِقمة وذلك مِنه من إحدى العَطايا، وكم خبَّأ لأهلِه من آلام مُنتظرة وغُموم مُتوقعة وهُموم مُستقبلة).
http://vb.noor-alyaqeen.com/imgcache/16531.imgcache.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم

فصل في تسمِيَة الغِناء بالباطِل
ص: 231

تصفية وتربية
2013-11-05, 16:28
قال -رحمه الله-:
(فإن قِيلَ: فمَا وجهُ إنباتِه للنّفاقِ في القلب من بيْن سائِر المعاصِي؟ [1]
قِيل: هذا مِن أدلّ شيء على فِقه الصحابة في أحوال القُلُوب وأعمالِها ومعرفتِهم بأدويَتِها وأدوائِها، وأنّهم أطبَاءُ القُلوبِ دُون المُنحرفِين عن طريقهم الذين داوَوْا أمراض القُلوبِ بأعظمِ أدوائِها فكانوا المداوي من السَّقم بالسَّمٍّ القاتِل، وهكذا والله فعَلُوا بكثِير من الأدوية التي ركّبُوهَا أو بأكثرها فاتّفق قلّة الأطباء وكثرة المرضى وحُدوث أمراض مُزمنة لم تكن في السَّلف والعُدول عن الدواءِ النَّافِع الذي ركّبه الشّارع وميْلُ المَريض إلى ما يُقوٍّي مادة المَرض، فاشتدّ البلاءُ وتفاقم الأمر، وامتلأت الدور والطرقات والأسواق من المرضى وقام كل جهول يطبب الناس.فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنِّفاق ونباتِهِ فِيهِ كنبات الزَّرع بالماء.
فمن خواصّه: أنه يُلهِي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبّره والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدا لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى ويأمُر بِالعفّة ومُجانبة شهوات النفوس وأسباب الغي وينهى عن اتباع خُطوات الشيطانِ، والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه ويهيج النُّفوس إلى شهوات الغىّ فيثير كامنها ويزعج قاطنها ويُحرِّكها إلى كلِّ قبيح ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان وفي تهييجهما على القبائح فَرسَا رهان فإنه صنو الخمر ورضيعه ونائبه وحليفه وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تُنسخ، وهو جاسوس القلب وسارق المروءَة وسُوس العقل، يتغلغل في مكامِن القُلوبِ ويطَّلِعُ على سرائر الأفئدة ويدبُّ إلى محلِّ التَّخيُّل فيُثِيرُ ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة، فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبَهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله وقلَّ حياؤُه وذهبت مروءَتَه وفارقه بَهاؤُه وتخلَّى عنه وقاره وفرح بِه شيطانه وشكا إلى الله تعالى إِيمانَهُ وثقل عليه قرآنه وقال: يارب لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد، فاستحسن ما كان قبل السَّمَاع يستقبحه وأبدَى من سرِّه ما كان يكتمه وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب والزهزهة والفرقعة بالأصابِع، فيَمِيل برأسِه ويهز مِنكبيْه ويضربُ الأرضَ برجليْه ويدقُّ على أمِّ رأسه بيديه ويثب وثبات الدباب، ويدُور دورَان الحِمَار حول الدُولاب، ويُصفِّق بيديه تصفيق النسوان ويخور من الوجد ولا كخُوار الثيران، وتارة يتأوّه تأوّه الحزين وتارة يزعق زعقات المجانين ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول:
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا ** على طيب السماع إلى الصباح
ودارت بيننا كأس الأغاني ** فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا نشاوى ** سرورا والسرور هناك صاحي
إذا نادى أخو اللذات فيه ** أجاب اللهو: حى على السماح
ولم نملك سوى المهجات شيئا ** أرقناها لألحاظ الملاح).

[1]: يُشِيرُ -رحمه الله- إلى الأثر المروّي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (الغِناءُ يُنبِتُ النِّفاقَ في القلبِ).

http://vb.noor-alyaqeen.com/imgcache/16531.imgcache.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم
فصل في كَوْن الغِناء منْبَتُ النِّفاقِ
ص: [232-233]

abedalkader
2013-11-05, 17:32
السلام عليكم
بارك الله فيك وشكرا على المجهود
كان هنا كثير من الاخوة تحفوننا بفوائد قيمة
لكن تعالينا واقترافنا للذنوب واذيتنا لهم تركتهم يغادرون
ويتركون الساحة
كم نحتاج الى مثل هذه المواعظ والالتفاتات
والى اعضاء كانوا نعم الاخوة ونعم الفائدة يقدمون
نفتقدهم حقا
بورك فيك اختنا الكريمة

أنفال1996
2013-11-13, 17:43
أرجوكم أريد تلخيص مقدمة المؤلف في كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان أرجوكم ساعدوني

salim_ned
2013-12-07, 00:57
بارك الله فيك اخي.

هالة قليفط
2014-07-13, 06:20
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

تصفية وتربية
2016-08-22, 19:54
قال -رحمه الله-:
(وقال بعضُ العارفين: السَّماعُ يُورِثُ النِّفاقَ في قومٍ والكَذِبَ في قومٍ والفُجُورَ في قومٍ والرُّعونَةَ في قومٍ، وأكثر ما يُورِثُ عِشقَ الصُّور واستِحسَان الفَواحِشِ، وإدمَانَهُ يُثقل القرآن على القلبِ، ويُكرٍّهه إلى سمَاعِهِ بالخاصيَّة وإن لم يكن هذا نِفاقًا فمَا للنِّفاقِ حقيقة.
وسِرُّ المسألَةِ أنَّهُ قرآن الشَّيطان كما سيأتي فلا يجتمِعُ هو وقرآن الرَّحمن في قلبٍ أبدَا، وأيضًا فإنَّ أسَاسَ النِّفاقِ أن يُخالِفَ الظَّاهِر البَّاطِن وصاحِبُ الغِناء بين أمرينِ: إمَّا أن يتهتَّكَ فيكُون فاجِرًا أو يُظهِر النّسك فيكُونَ مُنافِقًا، فإنَّه يُظهِر الرَّغبَة في اللهِ والدَّار الآخرة وقلبُه يغلِي بالشَّهواتِ ومحبَّةِ ما يكرهُهُ الله ورسُولِه من أصواتِ المعازِفِ وآلاتِ اللًّهوِ، وما يدعُو إليهِ الغِنَاء ويُهيِّجُه، فقلبُه بذلكَ معمورٌ وهو من محبَّة ما يُحبُّه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه قَفْرٌ [1]، وهذا مَحضُ نِفاقٍ)

[1]: الخَلاَءُ من الأرضِ، وجمعُه قِفار "لِسانُ العرَبِ"
http://vb.noor-alyaqeen.com/imgcache/16531.imgcache.gif
الباب الثّالِث عشر: في مَكايِد الشّيطان التي يكِيدُ بها ابن آدم
فصل في كَوْن الغِناء منْبَتُ النِّفاقِ
ص: [233-234]

إيلافْ وَ سلافْ
2016-10-27, 12:37
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك
في ميزان حسناتك