barbaruse
2009-04-28, 11:48
العقيـــــدة
تتناول دراسة العقيدة الإسلامية أركان الإيمان الستة، وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر؛ خيره وشره. وما تفرع عن هذه الأصول من مسائل، وردود على المنحرفين، في قضايا الصفات الربانية، والقرآن، والقدر، وما يلتحق بها من مسائل الإيمان، والكفر، والشرك، والنفاق، والكلام على الصحابة، وكرامات الأولياء، والسحر، والبدعة، ونحوها.
دور العقيدة في حياة الإنسان
العقيدة هي التصديق الجازم بالشيء من غير شك أو ريبة، فهي اليقين عند المؤمنين بها من أصحابها، والعقيدة الصحيحة لا توجد اليوم إلا في الإسلام، وهي التي جاء بها رسل الله- عليهم أفضل الصلاة والتسليم- وهي عقيدة التوحيد الخالص.
والعقيدة الإسلامية فطرة، فطر الله الناس عليها؛ كي تصل بمعتنقيها إلى الملأ الأعلى، وتسمو بهم من معالم الأرض إلى عوالم الكون، وتجعل حياتهم مركبة ذلولاً توصلهم للسعادة والاستقرار في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ويريد الإسلام المؤمن المعتقد، وهو: من عقد على الإيمان قلبه، ووقف عليه عقله ولبه، فسرت أنواره في أعماق سرائره، ونفذت آثاره إلى مطويات ضميره، وبات الإيمان أدخل في نفسه من نفسه، وألصق بمعناه من سائر همه، فالإيمان تصديق جازم مع إذعان واستسلام وانقياد بالعقيدة الصحيحة: تصير كل أعمال المسلم الخالصة لله المستمدة من الشرع الحنيف، منازل ودرجات، يتفاضل بها أصحابها في الحياة، وفي روضات الجنات، ثم لا تقف بهم عند هذا الحد؛ بل ترتفع بهم وترتقي حتى تجعلهم ضمن من قال الله فيهم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة: 22- 23)، وقال فيهم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ) (عبس: 38- 39)، وقال فيهم: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (يونس: 26).
والعقيدة الإسلامية ضرورية للإنسان ضرورة الماء والهواء والطعام؛ إذ هو بدونها ضائع تافه، يفقد ذاته ووجوده، وهي سهلة يسيرة، يسكن لها القلب، وترتاح إليها النفس، وتطمئن بها الروح، ويسعد بها الضمير، قال - تعالى -: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) (الأنعام: 122).
1- الكون معرض إلهي دائم:
والمؤمن يعرف خالقه بآياته المسطورة في الكتاب والثابتة في السنة النبوية الصحيحة والمنشورة في عجائب مخلوقاته، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الذاريات: 20- 21)، إن تنوع مشاهد هذه الأرض، وعجائب هذه المشاهد التي لا تنفد، من وهاد وبطاح، وجبال ووديان، وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان، وتنوع الخلائق التي تعمر هذه الأرض من أعوان لا حصر لها، من نبات وحيوان، وطير وزواحف وإنسان، هذه الخلائق لم يعرف عدد أنواعها وأجناسها، أليست هذه عجائب خلق الله؟ قال - تعالى -: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل: 17).
وإن نظرة الإنسان إلى تركيب جسمه كافية لذلك، فإن عقل الإنسان مكون من ملايين الخطوط وهو يشبه سنترالاً عظيمًا ضخمًا فيه آلاف الموظفين، ونظرة إلى كافة أوعيته وغدده وأجهزته المختلفة، وخلاياه وشعيراته، ومسامه وإفرازاته، إنه لأمر عجيب في التكوين الجسمي، معجز في أسرار هذا الجسد، وفي أسرار هذه النفس يقول الشاعر:
وتزعم أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
وكلما ازداد الإنسان تأملاً في نفسه، التقى بأسرار تحير وتدهش..ولا يسع المسلم إلا أن يقول: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: 191).
2- لا عجب أبدًا!
لذلك لا عجب إذا اهتدى علماء عقلاء من غير المسلمين إلى إثبات هذه الحقيقة وإعلانها على الناس جميعًا:
أ- العالم الذي اكتشف قانون الجاذبية "إسحاق نيوتن" يقول: "لا تشكوا في وجود الله، فإنه مما لا يعقل أن المصادقات وحدها هي قائدة هذا الوجود".
ب- العالم الفرنسي "ديكارت" يقول: "إني مع شعوري بنقص في ذاتي أحس في الوقت نفسه بوجود ذات كاملة، وأراني مضطرًا للاعتقاد بأن هذا الشعور، قد غرسته في ذاتي تلك الذات المتحلية بجميع صفات الكمال وهي ذات الله.
جـ- ويقول "لينيه" في كتابه المسمى "الله في الطبيعة": "إن الله الأزلي الأبدي، العالم بكل شيء والمقتدر على كل شيء، قد تجلى لي في بدائع صنعه، حتى صرت مندهشًا، فأي قدرة وأي حكمة وأي إبداع ذلك الذي أبدعه في مخلوقاته؟
د- ويقول الفلكي الإنجليزي "هرشل": "كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي، لا حد لقدرته، ولا نهاية لها".
فعلماء الرياضة، والفلكيون، والطبيعيون، والجيولوجيون تعاونوا على تشييد صرح العلم، وكلهم يعترف ويقر بعظمة الله ووجوده، والمسلم ليس بحاجة إلى مثل هذه الأقوال، لكنها الحجة الدامغة على الملحدين والمكابرين والمفتونين من العلمانيين والشاكين.
إن المسلم أمامه القرآن العظيم الذي تكفل الله بحفظه، وقد مضى عليه أربعة عشر قرنًا بذلت فيها كل المحاولات للخلاص من القرآن نهائيًّا، ولا أقول تغييره أو تبديله، ثم بعد ذلك هو هو، لم يغيروا أو يبدلوا حرفًا من حروفه؛ لأن الحق يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، وهاهو دين الإسلام تحاك ضده المؤامرات، وتبذل الملايين لصد الناس عنه، ومحاولات التبشير والتنصير والتهويد لا تهدأ ليلاً ولا نهارًا، يتحدى الجميع قول الله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال: 36).
(وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ) (التوبة: 32).
أهمية دراسة العقيدة:
تظهر أهمية دراسة العقيدة الإسلامية من خلال الأمور التالية:
1- أن العقيدة أصل الدين، وأساس دعوة المرسلين. قال - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 25).
2- أن العقيدة الصحيحة شرط لصحة الأعمال وقبولها. قال - تعالى -: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة: 112). وفسادها سبب لردها في الدنيا، وحبوطها في الآخرة. قال - تعالى -: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)(التوبة: من الآية54)، وقال: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) (الفرقان: 23).
3- أن العقيدة الصحيحة سبب لسعادة الدنيا والآخرة. قال - تعالى -: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97). كما أن الإعراض عنها سبب للشقاء في الدنيا والآخرة. قال - تعالى -: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه: 124).
4- أن العقيدة الصحيحة عصمة للدم والمال، وفسادها يوجب إهدارهما. قال - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) متفق عليه.
5- أن العقيدة الصحيحة شرط لحصول النصر والتمكين للأمة، وتحقيق الأمن الاجتماعي. قال - تعالى -: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).
6- أن العقيدة الصحيحة تحرر العقل من الشبهات الفاسدة، والخرافات السخيفة، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء: 174)، وتمنحه القناعة التامة، والاطراد العقلي، السالم من التناقض والخلل، قال - تعالى -: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء: 82). وفقدان هذه العقيدة يورث القلق والحيرة، كما عبر عن ذلك أحد الشعراء الضالين، فقال:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت!! ***ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت *** أصحيح أن بعد الموت بعث ونشور؟
فحياة، فخلود، أم فناء، فدثور ؟! *** أ كلام الناس صدق، أم كلام الناس زور ؟
أصحيح أن بعض الناس يدري ؟؟ *** لست أدري! ولماذا لست أدري؟
لســــــــــت أدري!!!
أما المؤمن فإنه يدري من أين جاء، وإلى أين يسير، وكيف يسير، وما مصير المسير. وقلبه، في أثناء ذلك، بالإيمان معمور، وبالسعادة مغمور. قال بعض الصالحين: (إنه ليمر بي الأوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب).
قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 57).
خصائصها:
أولاً: التوحيد: لله - تعالى -بالعبادة، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع.
ثانياً: التوقيف: فهي ربانية المصدر؛ لا يتجاوز فيها القرآن والحديث، ولا تستمد من رأي أو قياس.
ثالثاً: موافقة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها قبل أن تجتالهم الشياطين.
رابعاً: موافقة العقل الصريح، السالم من الشبهات والشهوات.
خامساً: الشمول: فلا تدع جانباً من جوانب الكون والحياة والإنسان إلا بينته.
سادساً: التشابه: فبعضها يصدق بعضاً، فلا تناقض ولا تفاوت في مفرداتها.
سابعاً: الوسطية: فهي ميزان الاعتدال بين الإفراط والتفريط بين مختلف المقالات.
خصائص العقيدة الإسلامية
لخصائص جمع خصيصة. والخصيصة هي الصفة الحسنة التي يتميز بها الشيء ولا يشاركه فيها غيره.
وخصائص العقيدة الإسلامية كثيرة، نكتفي بذكر ثلاث منها:
1 - أنها عقيدة غيبية:
الغيب: ما غاب عن الحس، فلا يدرك بشيء من الحواس الخمس: السمع والبصر واللمس والشم والذوق.
وعليه فإن جميع أمور ومسائل العقيدة الإسلامية التي يجب على العبد أن يؤمن بها، ويعتقدها غيبي، كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وعذاب القبر ونعيمه، وغير ذلك من أمور الغيب التي يعتمد في الإيمان بها على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أثنى الله - تعالى -على الذين يؤمنون بالغيب، فقال - سبحانه وتعالى - في صدر سورة البقرة: [ ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ]. (البقرة: 2-3).
2 - أنها عقيدة شاملة:
ويتضح شمول العقيدة في الأمور الثلاثة الآتية:
الأول: شمول العبادة، فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
فالعبادة تشمل العبادات القلبية، كالمحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، وتشمل العبادات القولية كالذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة القرآن، وتشمل العبادات الفعلية كالصلاة، والصوم، والحج، وتشمل العبادات المالية، كالزكاة، وصدقة التطوع.
وتشمل كذلك الشريعة كلها، فإن العبد إذا اجتنب المحرمات، وفعل الواجبات والمباحات مبتغياً بذلك وجه الله - تعالى -كان فعله ذلك عبادة يثاب عليها. وسيأتي الكلام على هذه المسألة بشيء من التفصيل عند الكلام على توحيد الألوهية.
الثاني: أنها تشمل علاقة العبد بربه، وعلاقة الإنسان بغيره من البشر، وذلك في مباحث التوحيد بأنواعه الثلاثة، وفي مبحث الولاء والبراء، وغيرها.
الثالث: أنها تشمل حال الإنسان في الحياة الدنيا، وفي الحياة البرزخية (القبر)، وفي الحياة الأخروية.
3 - أنها عقيدة توقيفية:
فعقيدة الإسلام موقوفة على كتاب الله، وما صح من سنة رسوله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -. فليست محلاً للاجتهاد؛ لأن مصادرها توقيفية.
وذلك أن العقيدة الصحيحة لابد فيها من اليقين الجازم، فلابد أن تكون مصادرها مجزوم بصحتها، وهذا لا يوجد إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وعليه فإن جميع المصادر الظنية، كالقياس والعقل البشري لا يصح أن تكون مصادر للعقيدة، فمن جعل شيئاً منها مصدراً للعقيدة فقد جانب الصواب، وجعل العقيدة محلاً للاجتهاد الذي يخطئ ويصيب.
ولذلك ضل من ضل من أهل الكلام كالجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، حينما جعلوا العقل مصدراً من مصادر العقيدة، وقدموه على النصوص الشرعية، حتى أصبح القرآن والسنة عندهم تابعين للعقل البشري، وهذا انحراف عن الصراط المستقيم، واستهانة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتلاعب بعقيدة الإسلام، حيث جعلوها خاضعة لآراء البشر واجتهاداتهم العقلية.
والحق أن العقل مؤيد للنصوص الشرعية، فالعقل الصريح يؤيد النص الصحيح، ولا يعارضه، وما توهمه المعطلة والمؤولة من التعارض بينهما فهو بسبب قصور عقول البشر، ولذلك فإن ما قد يراه أحدهم متعارضاً قد لا يراه الآخر كذلك، وهكذا.
وعليه فإن العقل يعد مؤيداً للنصوص الشرعية في باب العقائد وغيرها، وليس مصدراً من مصادر العقيدة، ولا يجوز أن يستقل بالنظر في أمور الغيب، ولا فيما لا يحيط به علما، والبشر لا يحيطون علماً بالله ولا بصفاته، كما قال - تعالى -:] وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [(طه: 110)
العقيـــدة والأســـرة
فللأسرة وجه آخر سوى العلاقة الزوجية بين الذكر والأنثى. تلكم هي (الذرية) من بنين وبنات. قال - تعالى -: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) النحل: 72. فالذرية الطيبة زينة الحياة (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) الكهف: 46، والاستيلاد مطلب فطري، لأنه امتداد الحياة، وإرث الإنسان. وقد طلب الولد أنبياء الله، - عليهم السلام -: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) آل عمران: 38، وقال: (فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) مريم: 5-6
إن اتصال (العقيدة) بالذرية يبتدئ منذ اللحظة الأولى التي تتشوف النفس الإنسانية إلى حصول الولد، فيدرك الأبوان أن الأمر بيد (الوهاب). قال - تعالى -: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) الشورى: 49-50
فإذا ما تمت الأمنية الأولى تاقت النفس إلى أعلى من ذلك؛ وهو (صلاح الذرية) وأيقنت أن ذلك بيد الله، فسألته (ذريةً طيبة) وأن يجعله (صالحاً) في خُلُقه، وخِلْقته. قال - تعالى -: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به، فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين) الأعراف: 189.
وفي مشهد ختامي أخير، يقف العاقل الرشيد وقفة تبصر، وينظر نظر فاحص إلى الوراء، بعد اكتمال قواه العقلية، والبدنية، متأملاً: (حتى إذا بلغ أشده، وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين) الأحقاف: 15. وهكذا يرى الإنسان أن مشروع العمر، وسيرة الحياة، لا تكتمل إلا بربط السابق (الوالدين) باللاحق (الذرية) ويمسك طرفيها مغتبطاً بنعمة الله عليه، ضارعاً إليه أن يوزعه الشكر، ويرزقه العمل الصالح، والتوبة النصوح.
وهكذا تؤطر (العقيدة) قضية (الذرية) وتجعلها بين (قوسين). وبين مشهد الدعاء بحصولها، ومشهد الدعاء بصلاحها، تدور رحى (التربية) ومعاناة (التأديب). ويجعل الله - تعالى -ذلك منوطاً بالوالدين، ويقرنه بأصول الإيمان، وأسس العقيدة. قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم: 6، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) متفق عليه، وقال: (مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ) رواه الترمذي وأحمد.
والعقيدة الحقة تطالب المربي بالشرع، وتعفيه من القدر! فالأقدار بيد الله، والقلوب بين أصبعين من أصابعه، يقلبها كيف يشاء! فعلى المؤمن أن يوطن نفسه على الرضا بالمقسوم، وحسن الظن بالعليم الحكيم، سيما في هذه المسألة الحساسة التي تلامس حبات القلوب: (ونادى نوح ربه فقال إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) هود: 45-46، فربما كانت (الذرية)، رغم استفراغ الوسع، وبذل الجهد (عمل غير صالح)! كمن قال الله عنه: (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي، وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين) الأحقاف: 17، وربما كانت (الذرية) قرة عين للوالدين، وسبباً لاستمرار عملهما الصالح، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ؛ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ) رواه الترمذي والنسائي.
وما أجمل العاقبة، وأعظم المنة، عند الاجتماع بالذرية في الجنة، قال - تعالى -: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) الطور: 21.
العقيـــدة والجمـــاعة
إن من سمات العقيدة، وخصائص أهل السنة والجماعة، الدعوة إلى الألفة والاجتماع، ونبذ الفرقة والنزاع. قال - تعالى -: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) آل عمران: 103، وقال ذاماً الفرقة وأهلها: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) آل عمران: 105
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المشهور في السنن، من رواية فقيهي الصحابة؛ عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، - رضي الله عنهما -: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) وفي حديث أبي هريرة المرفوع: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً؛ أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم).
لقد جرى في غضون الأسبوع الماضي انعقاد مؤتمر القمة التاسع عشر، للدول العربية، في مدينة الرياض. وأحسب أن جمهور المسلمين، بفطرتهم السليمة، توجهوا إلى الله - تعالى -أن يوفق المجتمعين، وتمنوا أن يتمخض المؤتمر عن وحدة واتفاق وتعاون.
إن انعقاد المؤتمر مكاناً، وزماناً، وحالاً، ليعطي دلالات عدة:
أولها: الحاجة الماسة إلى توحيد كلمة المسلمين، والأمة العربية، أصل الإسلام، ومأرزه، ومأواه، وبقية المسلمين لهم تبع. فقد أضحى التحدي صارخاً ضد العرب والمسلمين، لا تستطيع التزويقات السياسية مواراته.
ثانيها: (الرياض) بيت العروبة، وقلعة السلفية، التي يسمونها (وهابية)، وعاصمة بلاد التوحيد، حاضنة الحرمين الشريفين. ومن ثمَّ فهذا التجمع الكبير، يزعج الشعوبيين الأعاجم، ورعاة البدعة والشرك، فضلاً عن أعداء الإسلام من اليهود، والنصارى، والذين لا يعلمون، ويشعرهم أن هذه الأمة يمكن أن تتعافى، وتتجاوز نزاعاتها الداخلية لتتحد أمام العدو المشترك.
ثالثها: الجراحات الراعفة، في نواحي العالم العربي؛ في فلسطين، والعراق، والصومال، أشبه بالسياط اللاذعة التي تجلد ظهور النيام، وتخرج رؤوس النعام! فما عاد الأمر يحتمل الإغضاء والتلهي، وقد تمادى اللئام حتى لم يبقوا مخرجاً للكرام. وقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين، رئيس المؤتمر، فياضةً بهذه المشاعر المتلاطمة في قلوب العرب والمسلمين.
إن الأمة العربية، وهي لب الأمة الإسلامية، بحاجة ماسة إلى الوحدة والاجتماع. وهي بحاجة أمس إلى أن تعي معايير هذا الاجتماع الصائبة، القابلة للاستمرار. كما أن دعاة الإسلام، أو من تسميهم وسائل الإعلام بـ (الإسلاميين) بحاجة ماسة إلى مراجعة فقه الجماعة، وإنهاء حالة القطيعة، بلْه الخصومة، مع الأنظمة، والاصطفاف صفاً واحداً أمام العدو المشترك، وإنْ باحتمال أخف المفسدتين في سبيل دفع أشدهما. إن حالة الاقتراب، يمكن أن تردم كثيراً من الفجوات التي تخلخل بناء الأمة، وتجسر العلاقة بين مختلف فئاتها، وكل ذلك يندرج تحت المقاصد العامة للشريعة، ويتحقق بالاعتصام بالله، وعدم التفرق، كما أمر: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). والله من وراء القصد.
العقيــــدة والمجتمـــع
فقد سبق الحديث عن (العقيدة والجماعة) باعتبار الأولى أساس الثانية، وسر تكوينها، ومصدر قوتها. وحديثنا اليوم عن تأثير هذه العقيدة في المجتمع الحاضن لها، وفعلها الظاهر والخفي في نفوس أفراده.
حين يصطبغ المؤمن بصبغة الله، يورثه ذلك انجذاباً طبيعياً إلى شاكلته، وميلاً عميقاً إلى شركائه في الإيمان؛ فيحمله ذلك على (الهجرة) إليهم إن كان بعيداً عنهم، وانتماءً إليهم، وانغماساً فيهم، إن كان بين ظهرانيهم. فيشعر المؤمن بالأخوة الإيمانية في قلبه، كما وصف - تعالى -: (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال: 62- 63، وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات: 10. وقد ضرب المؤمنون الأوائل أروع الأمثلة، عند بناء المجتمع الإسلامي الأول، في المدينة، حتى قيل: (ما نزل مهاجرٌ على أنصاري إلا بقرعة). والعجب أن هذه الأخوة الإيمانية لا تنفصم عراها، ولا تنحل عقدتها، حتى لو استزل الشيطان أحد أفرادها فقتل أخاه! قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) البقرة: 178، فسمى القاتل أخاً للمقتول!
وتثمر هذه الأخوة القلبية أداءً اجتماعياً فريداً، لا يقوم على روح التنافس، والتجاذب، والتنافر، بل على التعاون، والتناصح، قال - تعالى -: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة: 2، كما تكسب أفرادها رعايةً للحرمات، وصيانةً للعلاقات، قال - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا! التقوى ههنا! التقوى ههنا! ويشير إلى صدره. بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وعرضه، وماله) رواه مسلم وغيره.
إن تنمية الباعث العقدي، والروح الإيماني، أعظم ضمانات المجتمع الإسلامي، وأقوى أسباب تماسكه ووحدته؛ فهو يصهر الشعوب، والقبائل، والأعراق، واللغات، في رحاب المجتمع الواحد، الذي يعبد الإله الواحد، ويتبع النبي الواحد، ويؤمن بالكتاب الواحد، ويسمع، ويطيع للإمام الواحد، على قلب رجل واحد.
وحين يستقر هذا الاعتقاد، وتسود هذه الثقافة المجتمعية الإيمانية، تتلاشى صور التحزبات الباطلة التي تفصم عرى المجتمع، وتنتقي التصنيفات المحدثة التي تقطع أوصاله، ويبدو الجميع أمةً واحدة، على مراتب متفاوتة في سلم الإيمان والعمل، لكن يسعهم اسم الإيمان، وإن تفاضلوا فيه.
وحين ينظر المرء إلى العقد الاجتماعي الذي يربط الأمم الأخرى يدرك ضحالة غوره، وهشاشة بنائه العقدي المؤسس على روابط نفعية دنيوية، أو عصبيات قومية، قابلةٍ للكسر. وحين يتأمل أرقى صور الأداء لتسيير المجتمع والأمة متمثلةً في (الديموقراطية) الغربية، يبصر ما تفرزه من مشاحنات، ومكائد، ودسائس، وضغائن، وتصفية حسابات للغالب على المغلوب، فيما يسمى بالدولة المدنية الحديثة!
إن العقيدة الصحيحة تبني المجتمع الإسلامي بناءً متيناً، متماسكاً، مشدوداً كالبنيان: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) ثم شبك بين أصابعه. متفق عليه. فما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى إحياء مكنون العقيدة، وما أغناها عن طرائق اليهود والنصارى والذين لا يعلمون. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
كلمات في العقيدة : الإيمان .. بالأحلام
كنا في جلسة عائلية كلها رجال بعد الانتهاء من تناول طعام الغداء.. سألني مشاري..
- عمي.. هل لك في تفسير الأحلام؟
كان بعض الحضور منتبهاً والبعض الآخر منشغلاً.. أردت أن أنتهز فرصة السؤال لأبين قضية في العقيدة.. حصلت على انتباه الغالبية..
- الأحلام.. معظمها أضغاث.. وحتى تلك التي تحمل معاني ودلالات لا ينبغي أن يهتم الإنسان بها إلا لمجرد الاستبشار.. وهذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فقد كان يسأل أصحابه.. >هل رأى أحدكم رؤيا؟ <.. ويفسرها - صلى الله عليه وسلم - له مما أوحى الله إليه.. ودائماً بالخير.. أما في تعليمه لأصحابه، فقد كان يقول: >من رأى منكم خيراً فلا يخبر إلا من يحب.. ومن رأى ما يكره.. فلا يخبر بها أحداً فإنها لا تضره< أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -..
لذا الأولى بالمؤمن ألا يهتم بالأحلام.. ويبحث عن تأويلها ويتأثر بها.. ويقدم أو يحجم بسببها..
- إذن.. لماذا كل هذه الصفحات عن تفسير الأحلام.. والبرامج التلفزيونية والاتصالات.. والرسائل؟!
- أصبحت العملية تجارية.. أصحاب الجرائد تزيد مبيعاتهم.. وأصحاب التلفاز تدر عليهم الدعايات.. والرسائل القصيرة أرباحاً.. ولكن المحزن أن ينزلق بعض الصالحين في هذه القضية.. فإن البعض أصبح يمتهن تفسير الأحلام.. مع أن في الأمر محاذير.. أولها أن تفسير الأحلام من الضرب بالغيب.. وهو أمر لا ينبغي أن يتجرأ عليه أحد.. أما من يرى الرؤيا ويؤمن بها.. فهذا إيمان الأحلام ولا يجوز.. لأن الوحيدين الذين لرؤياهم مكانة شرعية هم الأنبياء.. وكان أول حال للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه أنه يرى الرؤيا.. فتكون مثل فلق الصبح.. أي تحصل كما رآها.. والرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءاً من النبوة.. فالذي يقول: إن رؤياه تتحقق.. إنما يزعم الصلاح!
- وماذا عن كتب التفسير.. والمراجع التي تجعل لكل شيء في الرؤيا معنى.. فيقول.. الماء.. حياة.. والخضرة رزق.. والذهب فتنة.. والحمل.. هم..
- هؤلاء.. يضربون بالغيب.. وليس لهم ذلك.. فتراهم وضعوا معاني من عندهم للأمور الحديثة.. كالهاتف.. والطائرة.. والمختبرات.. والأولى بهم أن يتقوا الله ولا يلبسوا على الناس عقيدتهم.. ولا يشفع لهم أن يقولوا بعد كل تفسير.. والله أعلم..
لأن القاعدة في تفسير الأحلام.. أن يؤولها المرء بخير دائماً.. وإلا فلا يؤول.. كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.. والأولى بمن يرى شيئاً.. إن كان يكرهه.. استعاذ بالله.. ولا يهتم فإنه لن يضره.. وإن رأى خيراً.. فليحمد الله ويستبشر خيراً.. ولا يؤمن بأن شيئاً يضر أو ينفع.. إلا الله - عز وجل -..وهذه الرؤى ليست بشيء..
كلمات في العقيدة الشياطين تأكل .. وتتكاثر
كانت ابنة جاري معنا على مائدة العشاء.. كادت أن تضع اللقمة في فمها بيدها اليسرى..
نبهتها.. فوضعتها باليمنى ثم أكلتها.. شعرت ابنتي بالإحراج..
سألتني.. لتخفف من وطأة الأمر..
- هل صحيح أننا إذا أكلنا باليسار تأكل معنا الشياطين
نعم.. ففي الحديث أن صبياً كان على مائدة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكاد أن يأكل بشماله، فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على يده.. يمنعه.. ثم قال: إن الشيطان أراد أن يستبيح طعامنا بهذا الصبي فإن يدي بيده بين الشيطان أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -
وكان - صلى الله عليه وسلم - يعلم الصبيان فيقول: سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك أي: من الجانب القريب منك، ولا تمد يدك إلى الجانب الآخر البعيد.. إذا كان الطعام من ذات النوع..
سألت ضيفتنا الصغيرة..
- وهل الشياطين تأكل وتنام؟! وتتكاثر؟!
الشياطين.. عالم من الغيب.. لا نستطيع أن نطلع عليه إلا من خلال ما أخبرنا به الله - عز وجل - في كتابه.. أو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة.. فالشياطين هم العصاة من الجن.. وأبوهم إبليس.. والجن خلقوا قبل آدم.. يأكلون.. ويتكاثرون.. ويعيشون أعماراً ثم يموتون.. إلا إبليس.. فإن الله قضي ألا يموت إلى يوم القيامة كما في قوله - تعالى -: (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) ص: 79- 80..
وهم موجودون حولنا.. يروننا.. ويسمعوننا.. وربما باتوا في بيوتنا وأكلوا طعامنا.. إذا نحن دخلنا البيت ولم نذكر اسم الله.. وإذا أكلنا الطعام ولم نذكر اسم الله.. ويهربون من الأماكن التي يقرأ فيها القرآن.. لاسيما سورة البقرة.. ويهربون عند سماع الأذان.. ولكنهم لا يملكون سلطاناً على المؤمنين.. وإنما سلطانهم على الذين يتولنهم.. ويتعاونون معهم.. ويستعينون بهم..
بدا حديثي غريباً على البنتين.. رغم أنهما تجاوزتا الخامسة عشرة
- هل هناك من يتعاون مع الجن أو الشياطين؟! ولماذا؟
- نعم.. بعض الإنس يتعاونون مع الشياطين.. بأن يحققوا لهم ما يريدون من معصية الله.. ويقوم الشياطين بتحقيق ما يريده الإنس من خداع للبشر لأخذ الأموال.. وقد ذكر الله ذلك في سورة الجن، فقال - عز وجل -: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا)الجن: 6..
فهؤلاء المشعوذون والسحرة والدجالون يأتون من الأعمال الشركية ما يرضي الجن فيلقى الشيطان إليهم بعض المعلومات الماضية.. مثل اسم الرجل واسم أمه وما حصل منه في الماضي.. فيظن الساذج من الناس أن هذا المشعوذ يعلم الغيب ويملك شيئاً من النفع.. فيستعين به مقابل أموال.. وهذا كله مما حرمه الله - عز وجل -.. سواء من جانب المشعوذ أو من جانب من أتاه يستشيره.. ويستعين به.. ولذلك حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من إتيان هؤلاء فقال: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"..
- ولكن ياعم.. هل الجن بيننا الآن؟!
- وليكونوا.. أما الشياطين المؤذون فإنهم لن يبيتوا في منزلنا لأنني ذكرت الله عندما دخلت.. والجن الآخرون الصالحون لا شأن لهم بنا.. فإنهم مأمورون بطاعة الله واتباع هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم من الذين سمعوا القرآن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا به.. وآخرون من الجن لم يؤمنوا واتبعوا إبليس وهم يعملون على إغواء بني آدم.. ولكن الله يحفظ عباده من كيدهم وإغوائهم فلا سلطان لهم على الذين آمنوا.. والمؤمن يعلم يقيناً أن الشياطين لا تستطيع إيذاءه مادام في ذكر الله.. وإذا قرأ المعوذتين - حفظه الله - من كل شر..فالمؤمن لا يخاف..بل ولا يعبأ للشياطين.. لأنه في حفظ الله ورعايته.. وإذا أكل أو نام أو خرج إلى عمله أو رجع إلى بيته.. فهو في حفظ الله.. -فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين-.
كلمات في العقيدة .. أسئلة الأطفال
مع بداية (ولاء) عملها مدرسة لرياض الأطفال أصبحنا لا نناديها إلا بلقب (أبلة ولاء)... تأتينا كل يوم بحكايات عن (أطفالها)... تصرفاتهم... شقاوتهم... براءتهم... وأحياناً بذاءة ألفاظ بعضهم...
- سألتني إحداهن... أسئلة متتالية لم أعرف كيف أجيبها... مثلاً... (هل الله له أم؟)... (من ولد الله؟)... (هل لله بيت؟)... (أين يعيش الله؟) وهكذا أسئلة... تهربت من الإجابة...
- ولماذا تهربت من الإجابة... جهلاً أم خوفاً؟
- كلاهما... وخشية أن تقع مشكلات مع ذويها بأن تنقل لهم ما أخذتها به...
- أظن أن من واجبات القائمين على تأهيلكن للتدريس أن يقوموا بإعداد كبير للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها مما يتعلق بخلق الإنسان... ومن أين أتى؟ وكيف يتكون... ؟
- هذه الأسئلة يعطونها لمدرسات المرحلة المتوسطة على ما أظن... كنا في جلسة هادئة... أنا والبنات وأمهن... بعد المغرب وقبل العشاء...
- ابتداء إذا سألك أحد أطفال الروضة تلك الأسئلة فإليك الإجابات... قاطعتني...
- عادة... وأغلبهم لا يسألون هذه الأسئلة ولكن بين كل خمسين طفلاً يأتي أحدهم بأسئلة... لا أدري كيف تخطر على باله... ؟
- وأنت بوصفك (أبلة) عليك أن تجيبي... فاسمعي الإجابة... أولا... إذا سألك (من خلق الله؟)... أجيبي... الله هو خالق كل شيء ولم يخلقه أحد فقد كان - سبحانه وتعالى - موجوداً أصلا... ولم يكن معه شيء... فهو الله ولذلك ولأنه إله فإنه لا يخلقه شيء لأنه لو خلقه أحد لما صار (إلهاً)... الإله هو الذي يخلق ولا (يُخلق)... فلكل شيء عمل ووظيفة وصفة تلازمه.
(الله)... هو الذي خلق كل شيء... وأوجد كل شيء... خلق السموات... والأرض... والشمس والشجر... والبحر... وخلقنا نحن... وخلق أبناءنا... يخلق - سبحانه - كل يوم أشياء جديدة... فهو الوحيد - سبحانه - الذي يخلق... ولا أحد يخلقه... لأنه الوحيد (إله)... ولا (إله) آخر.
شعرت ابنتي أنني أكرر فقاطعتني...
- وماذا عن السؤال الثاني؟ (هل الله له أم)؟
- الإجابة... كلا ليس لله أم... ولا أب... ولا ولد... لأنه (الله)... و(الإله)... لا يكون له أم ولا أب ولا ولد... لو كان له أم لما كان إلهاً... فهو - سبحانه - واحد أحد... (لم يلد ولم يولد)... وليس هناك أحد يشبهه ولا أحد مثله... إنه (فرد)... (واحد)...
- والسؤال الثالث؟
- (هل لله بيت)؟...
الإجابة... كلا... ليس لله - سبحانه - بيت... إنه لا يحتاج إلى بيت... لا يحتاج إلى شيء... لا يأكل ولا يشرب ولا ينام... هو - سبحانه - يتولى شؤون الخلق جميعاً... يطعمهم ولا يحتاج للأكل... ويسقيهم ولا يحتاج للشرب... ويتولى أمورهم ولا يحتاج للراحة ولا للنوم لأنه لا يتعب - سبحانه -... فليس له بيت... وهو - سبحانه - موجود فوق السموات السبع... يرى كل شيء... ويعلم كل شيء... ويسمع كل شيء... ولا يخفى عليه شيء لأنه - سبحانه - هو خالق كل شيء... وهو يملك كل هذه الأشياء فيرعاها... ويعلم كل ما يحيط بها... ودائماً نقول إن (الله)... لا يشبهه شيء... وليس مثله شيء... لأن كل شيء في الكون له مثيل... إلا الله... ولا يوجد إلا إله واحد... فقط واحد...لا يتكرر... ولا يفنى... ولا يتغير... ولا يموت وكل شيء آخر... يموت... ويتكرر... ويفنى... ويتغير... إلا الله - سبحانه -... لأنه (الله)... فهذه صفته...
تتناول دراسة العقيدة الإسلامية أركان الإيمان الستة، وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر؛ خيره وشره. وما تفرع عن هذه الأصول من مسائل، وردود على المنحرفين، في قضايا الصفات الربانية، والقرآن، والقدر، وما يلتحق بها من مسائل الإيمان، والكفر، والشرك، والنفاق، والكلام على الصحابة، وكرامات الأولياء، والسحر، والبدعة، ونحوها.
دور العقيدة في حياة الإنسان
العقيدة هي التصديق الجازم بالشيء من غير شك أو ريبة، فهي اليقين عند المؤمنين بها من أصحابها، والعقيدة الصحيحة لا توجد اليوم إلا في الإسلام، وهي التي جاء بها رسل الله- عليهم أفضل الصلاة والتسليم- وهي عقيدة التوحيد الخالص.
والعقيدة الإسلامية فطرة، فطر الله الناس عليها؛ كي تصل بمعتنقيها إلى الملأ الأعلى، وتسمو بهم من معالم الأرض إلى عوالم الكون، وتجعل حياتهم مركبة ذلولاً توصلهم للسعادة والاستقرار في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ويريد الإسلام المؤمن المعتقد، وهو: من عقد على الإيمان قلبه، ووقف عليه عقله ولبه، فسرت أنواره في أعماق سرائره، ونفذت آثاره إلى مطويات ضميره، وبات الإيمان أدخل في نفسه من نفسه، وألصق بمعناه من سائر همه، فالإيمان تصديق جازم مع إذعان واستسلام وانقياد بالعقيدة الصحيحة: تصير كل أعمال المسلم الخالصة لله المستمدة من الشرع الحنيف، منازل ودرجات، يتفاضل بها أصحابها في الحياة، وفي روضات الجنات، ثم لا تقف بهم عند هذا الحد؛ بل ترتفع بهم وترتقي حتى تجعلهم ضمن من قال الله فيهم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة: 22- 23)، وقال فيهم: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ) (عبس: 38- 39)، وقال فيهم: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (يونس: 26).
والعقيدة الإسلامية ضرورية للإنسان ضرورة الماء والهواء والطعام؛ إذ هو بدونها ضائع تافه، يفقد ذاته ووجوده، وهي سهلة يسيرة، يسكن لها القلب، وترتاح إليها النفس، وتطمئن بها الروح، ويسعد بها الضمير، قال - تعالى -: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) (الأنعام: 122).
1- الكون معرض إلهي دائم:
والمؤمن يعرف خالقه بآياته المسطورة في الكتاب والثابتة في السنة النبوية الصحيحة والمنشورة في عجائب مخلوقاته، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الذاريات: 20- 21)، إن تنوع مشاهد هذه الأرض، وعجائب هذه المشاهد التي لا تنفد، من وهاد وبطاح، وجبال ووديان، وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان، وتنوع الخلائق التي تعمر هذه الأرض من أعوان لا حصر لها، من نبات وحيوان، وطير وزواحف وإنسان، هذه الخلائق لم يعرف عدد أنواعها وأجناسها، أليست هذه عجائب خلق الله؟ قال - تعالى -: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل: 17).
وإن نظرة الإنسان إلى تركيب جسمه كافية لذلك، فإن عقل الإنسان مكون من ملايين الخطوط وهو يشبه سنترالاً عظيمًا ضخمًا فيه آلاف الموظفين، ونظرة إلى كافة أوعيته وغدده وأجهزته المختلفة، وخلاياه وشعيراته، ومسامه وإفرازاته، إنه لأمر عجيب في التكوين الجسمي، معجز في أسرار هذا الجسد، وفي أسرار هذه النفس يقول الشاعر:
وتزعم أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
وكلما ازداد الإنسان تأملاً في نفسه، التقى بأسرار تحير وتدهش..ولا يسع المسلم إلا أن يقول: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: 191).
2- لا عجب أبدًا!
لذلك لا عجب إذا اهتدى علماء عقلاء من غير المسلمين إلى إثبات هذه الحقيقة وإعلانها على الناس جميعًا:
أ- العالم الذي اكتشف قانون الجاذبية "إسحاق نيوتن" يقول: "لا تشكوا في وجود الله، فإنه مما لا يعقل أن المصادقات وحدها هي قائدة هذا الوجود".
ب- العالم الفرنسي "ديكارت" يقول: "إني مع شعوري بنقص في ذاتي أحس في الوقت نفسه بوجود ذات كاملة، وأراني مضطرًا للاعتقاد بأن هذا الشعور، قد غرسته في ذاتي تلك الذات المتحلية بجميع صفات الكمال وهي ذات الله.
جـ- ويقول "لينيه" في كتابه المسمى "الله في الطبيعة": "إن الله الأزلي الأبدي، العالم بكل شيء والمقتدر على كل شيء، قد تجلى لي في بدائع صنعه، حتى صرت مندهشًا، فأي قدرة وأي حكمة وأي إبداع ذلك الذي أبدعه في مخلوقاته؟
د- ويقول الفلكي الإنجليزي "هرشل": "كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي، لا حد لقدرته، ولا نهاية لها".
فعلماء الرياضة، والفلكيون، والطبيعيون، والجيولوجيون تعاونوا على تشييد صرح العلم، وكلهم يعترف ويقر بعظمة الله ووجوده، والمسلم ليس بحاجة إلى مثل هذه الأقوال، لكنها الحجة الدامغة على الملحدين والمكابرين والمفتونين من العلمانيين والشاكين.
إن المسلم أمامه القرآن العظيم الذي تكفل الله بحفظه، وقد مضى عليه أربعة عشر قرنًا بذلت فيها كل المحاولات للخلاص من القرآن نهائيًّا، ولا أقول تغييره أو تبديله، ثم بعد ذلك هو هو، لم يغيروا أو يبدلوا حرفًا من حروفه؛ لأن الحق يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، وهاهو دين الإسلام تحاك ضده المؤامرات، وتبذل الملايين لصد الناس عنه، ومحاولات التبشير والتنصير والتهويد لا تهدأ ليلاً ولا نهارًا، يتحدى الجميع قول الله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال: 36).
(وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ) (التوبة: 32).
أهمية دراسة العقيدة:
تظهر أهمية دراسة العقيدة الإسلامية من خلال الأمور التالية:
1- أن العقيدة أصل الدين، وأساس دعوة المرسلين. قال - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 25).
2- أن العقيدة الصحيحة شرط لصحة الأعمال وقبولها. قال - تعالى -: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة: 112). وفسادها سبب لردها في الدنيا، وحبوطها في الآخرة. قال - تعالى -: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)(التوبة: من الآية54)، وقال: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) (الفرقان: 23).
3- أن العقيدة الصحيحة سبب لسعادة الدنيا والآخرة. قال - تعالى -: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97). كما أن الإعراض عنها سبب للشقاء في الدنيا والآخرة. قال - تعالى -: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه: 124).
4- أن العقيدة الصحيحة عصمة للدم والمال، وفسادها يوجب إهدارهما. قال - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) متفق عليه.
5- أن العقيدة الصحيحة شرط لحصول النصر والتمكين للأمة، وتحقيق الأمن الاجتماعي. قال - تعالى -: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).
6- أن العقيدة الصحيحة تحرر العقل من الشبهات الفاسدة، والخرافات السخيفة، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (النساء: 174)، وتمنحه القناعة التامة، والاطراد العقلي، السالم من التناقض والخلل، قال - تعالى -: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء: 82). وفقدان هذه العقيدة يورث القلق والحيرة، كما عبر عن ذلك أحد الشعراء الضالين، فقال:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت!! ***ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت *** أصحيح أن بعد الموت بعث ونشور؟
فحياة، فخلود، أم فناء، فدثور ؟! *** أ كلام الناس صدق، أم كلام الناس زور ؟
أصحيح أن بعض الناس يدري ؟؟ *** لست أدري! ولماذا لست أدري؟
لســــــــــت أدري!!!
أما المؤمن فإنه يدري من أين جاء، وإلى أين يسير، وكيف يسير، وما مصير المسير. وقلبه، في أثناء ذلك، بالإيمان معمور، وبالسعادة مغمور. قال بعض الصالحين: (إنه ليمر بي الأوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب).
قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 57).
خصائصها:
أولاً: التوحيد: لله - تعالى -بالعبادة، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع.
ثانياً: التوقيف: فهي ربانية المصدر؛ لا يتجاوز فيها القرآن والحديث، ولا تستمد من رأي أو قياس.
ثالثاً: موافقة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها قبل أن تجتالهم الشياطين.
رابعاً: موافقة العقل الصريح، السالم من الشبهات والشهوات.
خامساً: الشمول: فلا تدع جانباً من جوانب الكون والحياة والإنسان إلا بينته.
سادساً: التشابه: فبعضها يصدق بعضاً، فلا تناقض ولا تفاوت في مفرداتها.
سابعاً: الوسطية: فهي ميزان الاعتدال بين الإفراط والتفريط بين مختلف المقالات.
خصائص العقيدة الإسلامية
لخصائص جمع خصيصة. والخصيصة هي الصفة الحسنة التي يتميز بها الشيء ولا يشاركه فيها غيره.
وخصائص العقيدة الإسلامية كثيرة، نكتفي بذكر ثلاث منها:
1 - أنها عقيدة غيبية:
الغيب: ما غاب عن الحس، فلا يدرك بشيء من الحواس الخمس: السمع والبصر واللمس والشم والذوق.
وعليه فإن جميع أمور ومسائل العقيدة الإسلامية التي يجب على العبد أن يؤمن بها، ويعتقدها غيبي، كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وعذاب القبر ونعيمه، وغير ذلك من أمور الغيب التي يعتمد في الإيمان بها على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أثنى الله - تعالى -على الذين يؤمنون بالغيب، فقال - سبحانه وتعالى - في صدر سورة البقرة: [ ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ]. (البقرة: 2-3).
2 - أنها عقيدة شاملة:
ويتضح شمول العقيدة في الأمور الثلاثة الآتية:
الأول: شمول العبادة، فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
فالعبادة تشمل العبادات القلبية، كالمحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، وتشمل العبادات القولية كالذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة القرآن، وتشمل العبادات الفعلية كالصلاة، والصوم، والحج، وتشمل العبادات المالية، كالزكاة، وصدقة التطوع.
وتشمل كذلك الشريعة كلها، فإن العبد إذا اجتنب المحرمات، وفعل الواجبات والمباحات مبتغياً بذلك وجه الله - تعالى -كان فعله ذلك عبادة يثاب عليها. وسيأتي الكلام على هذه المسألة بشيء من التفصيل عند الكلام على توحيد الألوهية.
الثاني: أنها تشمل علاقة العبد بربه، وعلاقة الإنسان بغيره من البشر، وذلك في مباحث التوحيد بأنواعه الثلاثة، وفي مبحث الولاء والبراء، وغيرها.
الثالث: أنها تشمل حال الإنسان في الحياة الدنيا، وفي الحياة البرزخية (القبر)، وفي الحياة الأخروية.
3 - أنها عقيدة توقيفية:
فعقيدة الإسلام موقوفة على كتاب الله، وما صح من سنة رسوله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -. فليست محلاً للاجتهاد؛ لأن مصادرها توقيفية.
وذلك أن العقيدة الصحيحة لابد فيها من اليقين الجازم، فلابد أن تكون مصادرها مجزوم بصحتها، وهذا لا يوجد إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وعليه فإن جميع المصادر الظنية، كالقياس والعقل البشري لا يصح أن تكون مصادر للعقيدة، فمن جعل شيئاً منها مصدراً للعقيدة فقد جانب الصواب، وجعل العقيدة محلاً للاجتهاد الذي يخطئ ويصيب.
ولذلك ضل من ضل من أهل الكلام كالجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، حينما جعلوا العقل مصدراً من مصادر العقيدة، وقدموه على النصوص الشرعية، حتى أصبح القرآن والسنة عندهم تابعين للعقل البشري، وهذا انحراف عن الصراط المستقيم، واستهانة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتلاعب بعقيدة الإسلام، حيث جعلوها خاضعة لآراء البشر واجتهاداتهم العقلية.
والحق أن العقل مؤيد للنصوص الشرعية، فالعقل الصريح يؤيد النص الصحيح، ولا يعارضه، وما توهمه المعطلة والمؤولة من التعارض بينهما فهو بسبب قصور عقول البشر، ولذلك فإن ما قد يراه أحدهم متعارضاً قد لا يراه الآخر كذلك، وهكذا.
وعليه فإن العقل يعد مؤيداً للنصوص الشرعية في باب العقائد وغيرها، وليس مصدراً من مصادر العقيدة، ولا يجوز أن يستقل بالنظر في أمور الغيب، ولا فيما لا يحيط به علما، والبشر لا يحيطون علماً بالله ولا بصفاته، كما قال - تعالى -:] وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [(طه: 110)
العقيـــدة والأســـرة
فللأسرة وجه آخر سوى العلاقة الزوجية بين الذكر والأنثى. تلكم هي (الذرية) من بنين وبنات. قال - تعالى -: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) النحل: 72. فالذرية الطيبة زينة الحياة (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) الكهف: 46، والاستيلاد مطلب فطري، لأنه امتداد الحياة، وإرث الإنسان. وقد طلب الولد أنبياء الله، - عليهم السلام -: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) آل عمران: 38، وقال: (فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) مريم: 5-6
إن اتصال (العقيدة) بالذرية يبتدئ منذ اللحظة الأولى التي تتشوف النفس الإنسانية إلى حصول الولد، فيدرك الأبوان أن الأمر بيد (الوهاب). قال - تعالى -: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) الشورى: 49-50
فإذا ما تمت الأمنية الأولى تاقت النفس إلى أعلى من ذلك؛ وهو (صلاح الذرية) وأيقنت أن ذلك بيد الله، فسألته (ذريةً طيبة) وأن يجعله (صالحاً) في خُلُقه، وخِلْقته. قال - تعالى -: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به، فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين) الأعراف: 189.
وفي مشهد ختامي أخير، يقف العاقل الرشيد وقفة تبصر، وينظر نظر فاحص إلى الوراء، بعد اكتمال قواه العقلية، والبدنية، متأملاً: (حتى إذا بلغ أشده، وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين) الأحقاف: 15. وهكذا يرى الإنسان أن مشروع العمر، وسيرة الحياة، لا تكتمل إلا بربط السابق (الوالدين) باللاحق (الذرية) ويمسك طرفيها مغتبطاً بنعمة الله عليه، ضارعاً إليه أن يوزعه الشكر، ويرزقه العمل الصالح، والتوبة النصوح.
وهكذا تؤطر (العقيدة) قضية (الذرية) وتجعلها بين (قوسين). وبين مشهد الدعاء بحصولها، ومشهد الدعاء بصلاحها، تدور رحى (التربية) ومعاناة (التأديب). ويجعل الله - تعالى -ذلك منوطاً بالوالدين، ويقرنه بأصول الإيمان، وأسس العقيدة. قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم: 6، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) متفق عليه، وقال: (مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ) رواه الترمذي وأحمد.
والعقيدة الحقة تطالب المربي بالشرع، وتعفيه من القدر! فالأقدار بيد الله، والقلوب بين أصبعين من أصابعه، يقلبها كيف يشاء! فعلى المؤمن أن يوطن نفسه على الرضا بالمقسوم، وحسن الظن بالعليم الحكيم، سيما في هذه المسألة الحساسة التي تلامس حبات القلوب: (ونادى نوح ربه فقال إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) هود: 45-46، فربما كانت (الذرية)، رغم استفراغ الوسع، وبذل الجهد (عمل غير صالح)! كمن قال الله عنه: (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي، وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين) الأحقاف: 17، وربما كانت (الذرية) قرة عين للوالدين، وسبباً لاستمرار عملهما الصالح، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ؛ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ) رواه الترمذي والنسائي.
وما أجمل العاقبة، وأعظم المنة، عند الاجتماع بالذرية في الجنة، قال - تعالى -: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) الطور: 21.
العقيـــدة والجمـــاعة
إن من سمات العقيدة، وخصائص أهل السنة والجماعة، الدعوة إلى الألفة والاجتماع، ونبذ الفرقة والنزاع. قال - تعالى -: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) آل عمران: 103، وقال ذاماً الفرقة وأهلها: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) آل عمران: 105
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المشهور في السنن، من رواية فقيهي الصحابة؛ عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، - رضي الله عنهما -: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) وفي حديث أبي هريرة المرفوع: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً؛ أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم).
لقد جرى في غضون الأسبوع الماضي انعقاد مؤتمر القمة التاسع عشر، للدول العربية، في مدينة الرياض. وأحسب أن جمهور المسلمين، بفطرتهم السليمة، توجهوا إلى الله - تعالى -أن يوفق المجتمعين، وتمنوا أن يتمخض المؤتمر عن وحدة واتفاق وتعاون.
إن انعقاد المؤتمر مكاناً، وزماناً، وحالاً، ليعطي دلالات عدة:
أولها: الحاجة الماسة إلى توحيد كلمة المسلمين، والأمة العربية، أصل الإسلام، ومأرزه، ومأواه، وبقية المسلمين لهم تبع. فقد أضحى التحدي صارخاً ضد العرب والمسلمين، لا تستطيع التزويقات السياسية مواراته.
ثانيها: (الرياض) بيت العروبة، وقلعة السلفية، التي يسمونها (وهابية)، وعاصمة بلاد التوحيد، حاضنة الحرمين الشريفين. ومن ثمَّ فهذا التجمع الكبير، يزعج الشعوبيين الأعاجم، ورعاة البدعة والشرك، فضلاً عن أعداء الإسلام من اليهود، والنصارى، والذين لا يعلمون، ويشعرهم أن هذه الأمة يمكن أن تتعافى، وتتجاوز نزاعاتها الداخلية لتتحد أمام العدو المشترك.
ثالثها: الجراحات الراعفة، في نواحي العالم العربي؛ في فلسطين، والعراق، والصومال، أشبه بالسياط اللاذعة التي تجلد ظهور النيام، وتخرج رؤوس النعام! فما عاد الأمر يحتمل الإغضاء والتلهي، وقد تمادى اللئام حتى لم يبقوا مخرجاً للكرام. وقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين، رئيس المؤتمر، فياضةً بهذه المشاعر المتلاطمة في قلوب العرب والمسلمين.
إن الأمة العربية، وهي لب الأمة الإسلامية، بحاجة ماسة إلى الوحدة والاجتماع. وهي بحاجة أمس إلى أن تعي معايير هذا الاجتماع الصائبة، القابلة للاستمرار. كما أن دعاة الإسلام، أو من تسميهم وسائل الإعلام بـ (الإسلاميين) بحاجة ماسة إلى مراجعة فقه الجماعة، وإنهاء حالة القطيعة، بلْه الخصومة، مع الأنظمة، والاصطفاف صفاً واحداً أمام العدو المشترك، وإنْ باحتمال أخف المفسدتين في سبيل دفع أشدهما. إن حالة الاقتراب، يمكن أن تردم كثيراً من الفجوات التي تخلخل بناء الأمة، وتجسر العلاقة بين مختلف فئاتها، وكل ذلك يندرج تحت المقاصد العامة للشريعة، ويتحقق بالاعتصام بالله، وعدم التفرق، كما أمر: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). والله من وراء القصد.
العقيــــدة والمجتمـــع
فقد سبق الحديث عن (العقيدة والجماعة) باعتبار الأولى أساس الثانية، وسر تكوينها، ومصدر قوتها. وحديثنا اليوم عن تأثير هذه العقيدة في المجتمع الحاضن لها، وفعلها الظاهر والخفي في نفوس أفراده.
حين يصطبغ المؤمن بصبغة الله، يورثه ذلك انجذاباً طبيعياً إلى شاكلته، وميلاً عميقاً إلى شركائه في الإيمان؛ فيحمله ذلك على (الهجرة) إليهم إن كان بعيداً عنهم، وانتماءً إليهم، وانغماساً فيهم، إن كان بين ظهرانيهم. فيشعر المؤمن بالأخوة الإيمانية في قلبه، كما وصف - تعالى -: (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال: 62- 63، وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات: 10. وقد ضرب المؤمنون الأوائل أروع الأمثلة، عند بناء المجتمع الإسلامي الأول، في المدينة، حتى قيل: (ما نزل مهاجرٌ على أنصاري إلا بقرعة). والعجب أن هذه الأخوة الإيمانية لا تنفصم عراها، ولا تنحل عقدتها، حتى لو استزل الشيطان أحد أفرادها فقتل أخاه! قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) البقرة: 178، فسمى القاتل أخاً للمقتول!
وتثمر هذه الأخوة القلبية أداءً اجتماعياً فريداً، لا يقوم على روح التنافس، والتجاذب، والتنافر، بل على التعاون، والتناصح، قال - تعالى -: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة: 2، كما تكسب أفرادها رعايةً للحرمات، وصيانةً للعلاقات، قال - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا! التقوى ههنا! التقوى ههنا! ويشير إلى صدره. بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وعرضه، وماله) رواه مسلم وغيره.
إن تنمية الباعث العقدي، والروح الإيماني، أعظم ضمانات المجتمع الإسلامي، وأقوى أسباب تماسكه ووحدته؛ فهو يصهر الشعوب، والقبائل، والأعراق، واللغات، في رحاب المجتمع الواحد، الذي يعبد الإله الواحد، ويتبع النبي الواحد، ويؤمن بالكتاب الواحد، ويسمع، ويطيع للإمام الواحد، على قلب رجل واحد.
وحين يستقر هذا الاعتقاد، وتسود هذه الثقافة المجتمعية الإيمانية، تتلاشى صور التحزبات الباطلة التي تفصم عرى المجتمع، وتنتقي التصنيفات المحدثة التي تقطع أوصاله، ويبدو الجميع أمةً واحدة، على مراتب متفاوتة في سلم الإيمان والعمل، لكن يسعهم اسم الإيمان، وإن تفاضلوا فيه.
وحين ينظر المرء إلى العقد الاجتماعي الذي يربط الأمم الأخرى يدرك ضحالة غوره، وهشاشة بنائه العقدي المؤسس على روابط نفعية دنيوية، أو عصبيات قومية، قابلةٍ للكسر. وحين يتأمل أرقى صور الأداء لتسيير المجتمع والأمة متمثلةً في (الديموقراطية) الغربية، يبصر ما تفرزه من مشاحنات، ومكائد، ودسائس، وضغائن، وتصفية حسابات للغالب على المغلوب، فيما يسمى بالدولة المدنية الحديثة!
إن العقيدة الصحيحة تبني المجتمع الإسلامي بناءً متيناً، متماسكاً، مشدوداً كالبنيان: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) ثم شبك بين أصابعه. متفق عليه. فما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى إحياء مكنون العقيدة، وما أغناها عن طرائق اليهود والنصارى والذين لا يعلمون. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
كلمات في العقيدة : الإيمان .. بالأحلام
كنا في جلسة عائلية كلها رجال بعد الانتهاء من تناول طعام الغداء.. سألني مشاري..
- عمي.. هل لك في تفسير الأحلام؟
كان بعض الحضور منتبهاً والبعض الآخر منشغلاً.. أردت أن أنتهز فرصة السؤال لأبين قضية في العقيدة.. حصلت على انتباه الغالبية..
- الأحلام.. معظمها أضغاث.. وحتى تلك التي تحمل معاني ودلالات لا ينبغي أن يهتم الإنسان بها إلا لمجرد الاستبشار.. وهذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فقد كان يسأل أصحابه.. >هل رأى أحدكم رؤيا؟ <.. ويفسرها - صلى الله عليه وسلم - له مما أوحى الله إليه.. ودائماً بالخير.. أما في تعليمه لأصحابه، فقد كان يقول: >من رأى منكم خيراً فلا يخبر إلا من يحب.. ومن رأى ما يكره.. فلا يخبر بها أحداً فإنها لا تضره< أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -..
لذا الأولى بالمؤمن ألا يهتم بالأحلام.. ويبحث عن تأويلها ويتأثر بها.. ويقدم أو يحجم بسببها..
- إذن.. لماذا كل هذه الصفحات عن تفسير الأحلام.. والبرامج التلفزيونية والاتصالات.. والرسائل؟!
- أصبحت العملية تجارية.. أصحاب الجرائد تزيد مبيعاتهم.. وأصحاب التلفاز تدر عليهم الدعايات.. والرسائل القصيرة أرباحاً.. ولكن المحزن أن ينزلق بعض الصالحين في هذه القضية.. فإن البعض أصبح يمتهن تفسير الأحلام.. مع أن في الأمر محاذير.. أولها أن تفسير الأحلام من الضرب بالغيب.. وهو أمر لا ينبغي أن يتجرأ عليه أحد.. أما من يرى الرؤيا ويؤمن بها.. فهذا إيمان الأحلام ولا يجوز.. لأن الوحيدين الذين لرؤياهم مكانة شرعية هم الأنبياء.. وكان أول حال للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يوحى إليه أنه يرى الرؤيا.. فتكون مثل فلق الصبح.. أي تحصل كما رآها.. والرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءاً من النبوة.. فالذي يقول: إن رؤياه تتحقق.. إنما يزعم الصلاح!
- وماذا عن كتب التفسير.. والمراجع التي تجعل لكل شيء في الرؤيا معنى.. فيقول.. الماء.. حياة.. والخضرة رزق.. والذهب فتنة.. والحمل.. هم..
- هؤلاء.. يضربون بالغيب.. وليس لهم ذلك.. فتراهم وضعوا معاني من عندهم للأمور الحديثة.. كالهاتف.. والطائرة.. والمختبرات.. والأولى بهم أن يتقوا الله ولا يلبسوا على الناس عقيدتهم.. ولا يشفع لهم أن يقولوا بعد كل تفسير.. والله أعلم..
لأن القاعدة في تفسير الأحلام.. أن يؤولها المرء بخير دائماً.. وإلا فلا يؤول.. كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.. والأولى بمن يرى شيئاً.. إن كان يكرهه.. استعاذ بالله.. ولا يهتم فإنه لن يضره.. وإن رأى خيراً.. فليحمد الله ويستبشر خيراً.. ولا يؤمن بأن شيئاً يضر أو ينفع.. إلا الله - عز وجل -..وهذه الرؤى ليست بشيء..
كلمات في العقيدة الشياطين تأكل .. وتتكاثر
كانت ابنة جاري معنا على مائدة العشاء.. كادت أن تضع اللقمة في فمها بيدها اليسرى..
نبهتها.. فوضعتها باليمنى ثم أكلتها.. شعرت ابنتي بالإحراج..
سألتني.. لتخفف من وطأة الأمر..
- هل صحيح أننا إذا أكلنا باليسار تأكل معنا الشياطين
نعم.. ففي الحديث أن صبياً كان على مائدة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكاد أن يأكل بشماله، فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على يده.. يمنعه.. ثم قال: إن الشيطان أراد أن يستبيح طعامنا بهذا الصبي فإن يدي بيده بين الشيطان أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -
وكان - صلى الله عليه وسلم - يعلم الصبيان فيقول: سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك أي: من الجانب القريب منك، ولا تمد يدك إلى الجانب الآخر البعيد.. إذا كان الطعام من ذات النوع..
سألت ضيفتنا الصغيرة..
- وهل الشياطين تأكل وتنام؟! وتتكاثر؟!
الشياطين.. عالم من الغيب.. لا نستطيع أن نطلع عليه إلا من خلال ما أخبرنا به الله - عز وجل - في كتابه.. أو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة.. فالشياطين هم العصاة من الجن.. وأبوهم إبليس.. والجن خلقوا قبل آدم.. يأكلون.. ويتكاثرون.. ويعيشون أعماراً ثم يموتون.. إلا إبليس.. فإن الله قضي ألا يموت إلى يوم القيامة كما في قوله - تعالى -: (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) ص: 79- 80..
وهم موجودون حولنا.. يروننا.. ويسمعوننا.. وربما باتوا في بيوتنا وأكلوا طعامنا.. إذا نحن دخلنا البيت ولم نذكر اسم الله.. وإذا أكلنا الطعام ولم نذكر اسم الله.. ويهربون من الأماكن التي يقرأ فيها القرآن.. لاسيما سورة البقرة.. ويهربون عند سماع الأذان.. ولكنهم لا يملكون سلطاناً على المؤمنين.. وإنما سلطانهم على الذين يتولنهم.. ويتعاونون معهم.. ويستعينون بهم..
بدا حديثي غريباً على البنتين.. رغم أنهما تجاوزتا الخامسة عشرة
- هل هناك من يتعاون مع الجن أو الشياطين؟! ولماذا؟
- نعم.. بعض الإنس يتعاونون مع الشياطين.. بأن يحققوا لهم ما يريدون من معصية الله.. ويقوم الشياطين بتحقيق ما يريده الإنس من خداع للبشر لأخذ الأموال.. وقد ذكر الله ذلك في سورة الجن، فقال - عز وجل -: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا)الجن: 6..
فهؤلاء المشعوذون والسحرة والدجالون يأتون من الأعمال الشركية ما يرضي الجن فيلقى الشيطان إليهم بعض المعلومات الماضية.. مثل اسم الرجل واسم أمه وما حصل منه في الماضي.. فيظن الساذج من الناس أن هذا المشعوذ يعلم الغيب ويملك شيئاً من النفع.. فيستعين به مقابل أموال.. وهذا كله مما حرمه الله - عز وجل -.. سواء من جانب المشعوذ أو من جانب من أتاه يستشيره.. ويستعين به.. ولذلك حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من إتيان هؤلاء فقال: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"..
- ولكن ياعم.. هل الجن بيننا الآن؟!
- وليكونوا.. أما الشياطين المؤذون فإنهم لن يبيتوا في منزلنا لأنني ذكرت الله عندما دخلت.. والجن الآخرون الصالحون لا شأن لهم بنا.. فإنهم مأمورون بطاعة الله واتباع هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم من الذين سمعوا القرآن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا به.. وآخرون من الجن لم يؤمنوا واتبعوا إبليس وهم يعملون على إغواء بني آدم.. ولكن الله يحفظ عباده من كيدهم وإغوائهم فلا سلطان لهم على الذين آمنوا.. والمؤمن يعلم يقيناً أن الشياطين لا تستطيع إيذاءه مادام في ذكر الله.. وإذا قرأ المعوذتين - حفظه الله - من كل شر..فالمؤمن لا يخاف..بل ولا يعبأ للشياطين.. لأنه في حفظ الله ورعايته.. وإذا أكل أو نام أو خرج إلى عمله أو رجع إلى بيته.. فهو في حفظ الله.. -فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين-.
كلمات في العقيدة .. أسئلة الأطفال
مع بداية (ولاء) عملها مدرسة لرياض الأطفال أصبحنا لا نناديها إلا بلقب (أبلة ولاء)... تأتينا كل يوم بحكايات عن (أطفالها)... تصرفاتهم... شقاوتهم... براءتهم... وأحياناً بذاءة ألفاظ بعضهم...
- سألتني إحداهن... أسئلة متتالية لم أعرف كيف أجيبها... مثلاً... (هل الله له أم؟)... (من ولد الله؟)... (هل لله بيت؟)... (أين يعيش الله؟) وهكذا أسئلة... تهربت من الإجابة...
- ولماذا تهربت من الإجابة... جهلاً أم خوفاً؟
- كلاهما... وخشية أن تقع مشكلات مع ذويها بأن تنقل لهم ما أخذتها به...
- أظن أن من واجبات القائمين على تأهيلكن للتدريس أن يقوموا بإعداد كبير للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها مما يتعلق بخلق الإنسان... ومن أين أتى؟ وكيف يتكون... ؟
- هذه الأسئلة يعطونها لمدرسات المرحلة المتوسطة على ما أظن... كنا في جلسة هادئة... أنا والبنات وأمهن... بعد المغرب وقبل العشاء...
- ابتداء إذا سألك أحد أطفال الروضة تلك الأسئلة فإليك الإجابات... قاطعتني...
- عادة... وأغلبهم لا يسألون هذه الأسئلة ولكن بين كل خمسين طفلاً يأتي أحدهم بأسئلة... لا أدري كيف تخطر على باله... ؟
- وأنت بوصفك (أبلة) عليك أن تجيبي... فاسمعي الإجابة... أولا... إذا سألك (من خلق الله؟)... أجيبي... الله هو خالق كل شيء ولم يخلقه أحد فقد كان - سبحانه وتعالى - موجوداً أصلا... ولم يكن معه شيء... فهو الله ولذلك ولأنه إله فإنه لا يخلقه شيء لأنه لو خلقه أحد لما صار (إلهاً)... الإله هو الذي يخلق ولا (يُخلق)... فلكل شيء عمل ووظيفة وصفة تلازمه.
(الله)... هو الذي خلق كل شيء... وأوجد كل شيء... خلق السموات... والأرض... والشمس والشجر... والبحر... وخلقنا نحن... وخلق أبناءنا... يخلق - سبحانه - كل يوم أشياء جديدة... فهو الوحيد - سبحانه - الذي يخلق... ولا أحد يخلقه... لأنه الوحيد (إله)... ولا (إله) آخر.
شعرت ابنتي أنني أكرر فقاطعتني...
- وماذا عن السؤال الثاني؟ (هل الله له أم)؟
- الإجابة... كلا ليس لله أم... ولا أب... ولا ولد... لأنه (الله)... و(الإله)... لا يكون له أم ولا أب ولا ولد... لو كان له أم لما كان إلهاً... فهو - سبحانه - واحد أحد... (لم يلد ولم يولد)... وليس هناك أحد يشبهه ولا أحد مثله... إنه (فرد)... (واحد)...
- والسؤال الثالث؟
- (هل لله بيت)؟...
الإجابة... كلا... ليس لله - سبحانه - بيت... إنه لا يحتاج إلى بيت... لا يحتاج إلى شيء... لا يأكل ولا يشرب ولا ينام... هو - سبحانه - يتولى شؤون الخلق جميعاً... يطعمهم ولا يحتاج للأكل... ويسقيهم ولا يحتاج للشرب... ويتولى أمورهم ولا يحتاج للراحة ولا للنوم لأنه لا يتعب - سبحانه -... فليس له بيت... وهو - سبحانه - موجود فوق السموات السبع... يرى كل شيء... ويعلم كل شيء... ويسمع كل شيء... ولا يخفى عليه شيء لأنه - سبحانه - هو خالق كل شيء... وهو يملك كل هذه الأشياء فيرعاها... ويعلم كل ما يحيط بها... ودائماً نقول إن (الله)... لا يشبهه شيء... وليس مثله شيء... لأن كل شيء في الكون له مثيل... إلا الله... ولا يوجد إلا إله واحد... فقط واحد...لا يتكرر... ولا يفنى... ولا يتغير... ولا يموت وكل شيء آخر... يموت... ويتكرر... ويفنى... ويتغير... إلا الله - سبحانه -... لأنه (الله)... فهذه صفته...