المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التغيير والإصلاح عند أهل السنة والجماعة


أبو عمار
2013-04-19, 16:25
التغيير سنة كونية:

إن التغير سنة الله عز وجل في خلقه،وقد جاء في الحديث عن العرباض بن سارية قال “وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدٌ حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ”.
وفي لفظ ابن ماجه قال : فقال رسول الله : ” قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم ما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمنون كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد”(1).ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم : “ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا”، وهذا معناه حدوث تغير بعد وفاته صلى الله عليه وسلم .ويدل على صحة ما ذكرته لك ما جاء عن سَالِم قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا”(2).
قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) : “قوله : (يصلون جميعا) أي: مجتمعين، وحذف المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات، ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان ؟”(3)، فالتغير حاصل في الأمة، ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم فيما جاء الخبر عن تجديد الدين.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا”(4)، والْمُرَاد مِنْ التَّجْدِيد : إِحْيَاء مَا اِنْدَرَسَ مِنْ الْعَمَل بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَالْأَمْر بِمُقْتَضَاهُمَا وَإِمَاتَة مَا ظَهَرَ مِنْ الْبِدَع وَالْمُحْدَثَات(5)، فالتغير والاختلاف عما كان عليه الأمر الأول حاصل، وعلاجه بالرجوع إلى الدين، وهو الإصلاح.ضوابط الإصلاح عند أهل السنة والجماعة:منهج الإصلاح عند أتباع السلف الصالح : أهل السنة والجماعة مضبوط بخمسة ضوابط وهي التالية :

الضابط الأول :
أن موضوع الإصلاح الأول والأساس هو عبادة الله وتوحيده، وهذه هي دعوة الأنبياء؛ إذ كل نبي أرسله الله إلى قومه بهذا الموضوع، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾[النحل:36].فهذا نوح عليه السلام يقول تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[الأعراف:59].وهذا هود عليه الصلاة والسلام يقول تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾[الأعراف:65].وهذا صالح عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[الأعراف:73].وهذا شعيب عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[الأعراف:85].وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، يقول تبارك وتعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[العنكبوت:16]، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن.عن ابْنَ عَبَّاس يَقُولُ : “لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ”(6)، وهذا هو ما خلق الله تعالى الجن والإنس له، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56].

فالذين يدعون إلى الإصلاح ويجعلون دعوتهم الإصلاحية في القضايا السياسية أو في القضايا الاقتصادية، أو توزيع الثروة، أو نحو ذلك فهؤلاء عملوا عملاً ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو رد عليهم، فمن أراد الإصلاح ولم يجعل هذا هو موضوعه ومقصده، فقد خالف منهج الأنبياء ، وترك ما عليه الإصلاح الشرعي عند أهل السنة والجماعة، وانظر في من يزعم الإصلاح ويتسمى باسمه هذه الأيام، تجده مخالفاً لهذا الضابط اشد المخالفة، فتوزيع الثروة هجيراه ليل نهار، و منازعة الأمر أهله، ديدنه؛فلا شأن له مع هذا الضابط أصلاً، إلا من باب ذر الرماد على العيون كما يقولون!


الضابط الثاني :
الإصلاح يبدأ من الفرد، لا من المجتمع، و لا من الحاكم، و لا من غيره، إنما كل إنسان يبدأ بنفسه، فيصلحها وأدناه فأدناه، والله سبحانه يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ[الرعد: من الآية 11]، فالبدء بالنفس، ثم الأقرب فالأقرب، قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[الشعراء:214].عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَصَدَّقُوا! فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ”(6).فإذا كان هذا في باب الصدقة فما بالك في أمر الإصلاح؟! فطريق الإصلاح يبدأ بالفرد. وصلاح الفرد صلاح الأسرة، وصلاح الأسرة صلاح الحي، وصلاح الحي صلاح البلد، وصلاح البلد صلاح الدولة، وصلاح الدولة صلاح الأمة، وصلاح الأمة صالح الأرض جميعاً، فالبدء بالنفس هو الأساس، فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإن انتهت فأنت حكيم.


الضابط الثالث :
العلم قبل القول والعمل، وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب العلم: “بَاب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾[محمد:19]؛ فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَرَّثُوا الْعِلْمَ مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ.وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28]، وَقَالَ : ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت:43]، ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[الملك:10]، وَقَالَ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[الزمر:9].وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : “مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ”. وَ “إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ”، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾: حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ. وَيُقَالُ الرَّبَّانِيُّ : الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ”.اهـ.والدين مبناه على أصلين:

أن لا نعبد إلا الله.
وأن لا نعبد الله إلا بما شرع.

ومعنى هذا الضابط: أن على داعية الإصلاح أن يحرص تمام الحرص فيما يقوله أو يفعله أن ليكون فيه على ثبت، فيبني ما يصدر منه على يقين من الدليل، فلا يسلك مسلكاً يزعم أنه طريق للإصلاح إلا وهو يعلم أنه مما شرعه الله تعـالى، فلا يخالف فيه السنة، فلا يقف على المنابر يتكلم على ولاة الأمور زاعماً أن هذا إصلاح؛ لأن هذا خلاف ما أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ عن عياض بن غنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من أراد أن ينصح لذي سلطان، فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده، فبخلوا به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه”(7).و لا يستعمل في يسعى إليه من الإصلاح طريق المظاهرات، لأنه ليس من سنة الرسولﷺ و لا من سنة السلف الصالح، وهكذا لا يقول و لا يعمل إلا بعلم، فالعلم قبل القول والعمل.

الضابط الرابع :
أن يكون علمه على منهج السلف الصالح، وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ قَامَ فِينَا فَقَالَ أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا فَقَالَ : “أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَة”(9).فلا سلامة في نهج إلا ما كان عليه الجماعة.وهذا سبيل المؤمنين: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾[النساء:115]، فمن أراد العلم فليلزم سبيل المؤمنين، حتى لا يسلك مسالك أصحاب الفرقة والاختلاف، من الفرق المخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.هذه هي ضوابط الإصلاح، التي إذا خالفها من ادعى الإصلاح إنما كان من المفسدين، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾[البقرة:12].


الضابط الخامس :
أن يتحلى في دعوته بصفات، بينتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية، من ذلك:قول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[النحل:125]، وقال تبارك وتعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾[لقمان:17]،وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ” متفق عليه.

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : “أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا” متفق عليه .

ويتحصل من النصوص أن الصفات الأساسية للداعية هي:

الصفة الأولى:العلم والفقه لما يدعو إليه : يأمر به وينهى عنه!
الصفة الثانية : الرفق أثناء دعوته، وأمره ونهيه! والله عز وجل يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[آل عمران:159].
الصفة الثالثة : الحلم في دعوته، فلا يتعجل و لا يغضب، ويكظم الغيظ!
الصفة الرابعة :الصبر بعد الدعوة، فإن الدعاة يتعرضون للأذى بسبب الدعوة، فعليهم بالصبر!قال ابن تيمية رحمه الله: “الأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر وهو من أفضل الأعمال الصالحة فيجب أن يبتغي به وجه الله وإن يكون مطابقا للأمر، وفي الحديث: من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فينبغي أن يكون:

عليما بما يأمر به. عليما بما ينهى عنه.
رفيقا فيما يأمر به. رفيقا فيما نهى عنه.
حليما فيما يأمر به. حليما فيما ينهى عنه.


فالعلم قبل الأمر والرفق مع الأمر والحلم بعد الأمر؛ فإن لم يكن عالما لم يكن له أن يقفو ما ليس له به علم، وإن كان عالما ولم يكن رفيقا كان كالطبيب الذي لا رفق فيه فيغلظ على المريض فلا يقبل منه، وكالمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد. وقد قال تعالى لموسى وهارون: ﴿فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾[سورة طه: 44]، ثم إذا أمر ونهى فلا بد أن يؤذى في العادة فعليه أن يصبر ويحلم كما قال تعالى: ﴿وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور﴾[سورة لقمان: 17]. وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر”اهـ (10)، وقال رحمه الله: “والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر”اهـ (11) .تمت والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


كتبه
الشيخ أ.د.محمد بن عمر بازمول حفظه الله
جامعة أم القرى
كلية الدعوة وأصول الدين
قسم الكتاب و السنة.


—————————————————–



الهوامش




(1) حديث حسن عن العرباض بن سارية t: أخرجه أحمد فِي المسند (4/ 126، 127)، والدارمي فِي المقدمة, باب اتباع السنة، والترمذي فِي كتاب العلم, باب ما جاء فِي الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم (2676)، وأبو داود فِي كتاب السنة، باب فِي لزوم السنة، حديث رقم (4607)، وابن ماجه فِي المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، حديث رقم (42، 45). والحديث قال الترمذي عقبه: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَى ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ يُكْنَى أَبَا نَجِيحٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حُجْرِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ”اهـ، و صححه العلامة الألباني فِي إرواء الغليل (8/ 107)، حديث رقم (2455).
(2) أخرجه البخـاري في كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة، تحت رقم (650).
(3) فتح الباري (2/138)، وانظر إغائة اللهفان (1/205-207).
(4) أخرجه أبوداود في كتاب الملاحم باب ما جاء في قرن المائة، حديث رقم (4291).
(5) انظر مرقاة المفاتيح (2/169)، عون المعبود (11/260).
(6)أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، حديث رقم (7372)، ومسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء إلى التوحيد وشرائع الإسلام، حديث رقم (19).
(7) أخرجه النسائي في كتاب الزكاة، باب تفسير ذلك، حديث رقم (2535)، وأبوداود في كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم، حديث رقم (1691).
(8) أخرجه أحمد (3/403)، وابن أبي عاصم في كتاب السنة (2/737، تحت رقم 1130). قال محققه : “إسناده صحيح”اهـ.
(9) أخرجه أحمد في المسند (4/102)، و أبو داود في كتاب السنة، باب شرح السنة، حديث رقم (4597)، والآجري في الشريعة (الطبعة المحققة) (1/132، تحت رقم 31). وهو حديث صحيح لغيره. وأشار بعضهم إلى احتمال تواتره. وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/32)، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (204)، وذكر جملة من الأحاديث تشهد له. وانظر نظم المتناثر ص32-34.
(10) منهاج السنة النبوية (5/254ـ 255).
(11) الاستقامة (2/210ـ211). وقارن بمجموع الفتاوى (28/126).

htc.ws
2013-04-19, 21:01
http://im37.gulfup.com/Q94ZQ.gif

http://im33.gulfup.com/RM89f.jpg

فارس العروبة
2013-04-22, 09:02
بارك الله فيك

اكرام1998
2013-04-28, 19:34
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSQF1r9GaodPuQAjetqSVWUX0oEP-2UG8ul7xQcXfvztX0u28YWPA

مراد الأمل
2013-04-29, 20:46
بارك الله فيك

abdellah36
2013-04-30, 15:37
ماذكره كان امرا معلوما و قد سار عليه اهل السنة منذ و فان النبي صلى الله عليه و سلم و الى يومنا هذا يصلحون انفسهم و يصلحون من حولهم بما في ذلك الحاكم و المحكوم ، تارة بالنصح و النصيحة و تارة بالموعظة و الدعوة و تارة بالجهاد و القتال ........


و ما ذكره لا ينافي كون اهل السنة و الجماعة يسعون لاقامة الدولة المسلمة التي تحكم بما انزل الله لا سيما اذا وجدوا من الناس من يؤيدهم و ينصرهم قولا و عملا .......................

و اما ان يقال ان الدعوة قائمة على النصيحة فقط و ان لا وجود للجهاد في هذا العصر او لا مجال لتغيير الحاكم الفاسق الفاجر مع القدرة على ذلك ...فهذا في الحقيقة ابعاد للنجعة و افتراء على الاسلام مما هو بريئ منه ...................

فالنبي صلى الله عليه و سلم دعى للاسلام حتى كان له انصار في المدينة فبايعوه على السمع و الطاعة فهاجر اليهم و اسس دولته فيهم و بهم .......ثم لما اراد المشركون غزوه دافع عن دولته و نصر الحق بالحق حتى اظهره الله عليهم .....و توسعت دولته حتى بلغت ما بلغت .....

عبلة السلفية
2013-05-01, 14:41
طوبا للغرباء
جزاك الله خيرا

عبد الكريم السبكي
2013-05-01, 15:55
التغيير كما يذكر ارباب السلوك والمعرفة يقوم على خمسة انماط
النط الاول :الملاحظة ان تنظر الى هذا الشئ الذي تريد ان تغيره وترسمه في ذهنك
النمط الثاني :التعلم ان تتعلم الشئ الذي تريد ان تصل اليه كما قال النبي صلى الله عليه "انما العلم بالتعلم "
اي تتكلف العلم حتى يصبح سجية وطبع لا يفارقك
النمط الثالث :القرار ان تاخذ القرار على تصميم ذالك الشئ والمسؤلية الكاملة على أداء فعله بحيث لا تتردد
النمط الرابع :الممارسة :ان تمارس أداء الفعل من خلال ماتعلمته ولاحظته وقررت العزم علي

عبد الكريم السبكي
2013-05-01, 15:57
النمط الخامس : المواظبة ان تواضب على ممارسة هذا الفعل حتى يصير هيئة راسخة

أبو عمار
2013-07-13, 19:48
فالذين يدعون إلى الإصلاح ويجعلون دعوتهم الإصلاحية في القضايا السياسية أو في القضايا الاقتصادية، أو توزيع الثروة، أو نحو ذلك فهؤلاء عملوا عملاً ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو رد عليهم، فمن أراد الإصلاح ولم يجعل هذا هو موضوعه ومقصده، فقد خالف منهج الأنبياء ، وترك ما عليه الإصلاح الشرعي عند أهل السنة والجماعة، وانظر في من يزعم الإصلاح ويتسمى باسمه هذه الأيام، تجده مخالفاً لهذا الضابط اشد المخالفة، فتوزيع الثروة هجيراه ليل نهار، و منازعة الأمر أهله، ديدنه؛فلا شأن له مع هذا الضابط أصلاً، إلا من باب ذر الرماد على العيون كما يقولون!

الحضني28
2013-07-17, 10:37
فالذين يدعون إلى الإصلاح ويجعلون دعوتهم الإصلاحية في القضايا السياسية أو في القضايا الاقتصادية، أو توزيع الثروة، أو نحو ذلك فهؤلاء عملوا عملاً ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو رد عليهم، فمن أراد الإصلاح ولم يجعل هذا هو موضوعه ومقصده، فقد خالف منهج الأنبياء ، وترك ما عليه الإصلاح الشرعي عند أهل السنة والجماعة، وانظر في من يزعم الإصلاح ويتسمى باسمه هذه الأيام، تجده مخالفاً لهذا الضابط اشد المخالفة، فتوزيع الثروة هجيراه ليل نهار، و منازعة الأمر أهله، ديدنه؛فلا شأن له مع هذا الضابط أصلاً، إلا من باب ذر الرماد على العيون كما يقولون!


كيف يغير من بفهم السلف فهما خاطئا؟
كيف يغير من يريد إسقاط قرون ماضية على عصور متقدمة؟
كيف يغير من يستهين بالاقتصاد والسياسة بل ولا يفهمها أصلا؟
كيف يغير من يظن رأيه هو الصواب دائما ولا يتحمل رأيا مخالفا أبدا؟
كيف يغير أو يكتب عن التغيير من يحظر عضوا من منتدى لمجرد أن رأيه مخالف؟
كيف نغير ونحن ننحو نحو الأحادية في كل شيئ ...والأحادية قرينة الاستعباد

أبو عمار
2013-11-22, 22:27
كيف يغير من بفهم السلف فهما خاطئا؟
كيف يغير من يريد إسقاط قرون ماضية على عصور متقدمة؟
كيف يغير من يستهين بالاقتصاد والسياسة بل ولا يفهمها أصلا؟
كيف يغير من يظن رأيه هو الصواب دائما ولا يتحمل رأيا مخالفا أبدا؟
كيف يغير أو يكتب عن التغيير من يحظر عضوا من منتدى لمجرد أن رأيه مخالف؟
كيف نغير ونحن ننحو نحو الأحادية في كل شيئ ...والأحادية قرينة الاستعباد

حسبنا الله و نعم الوكيل .

moh140
2013-11-22, 22:36
https://encrypted-tbn2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQ42aJREGUFHSortb68pRMJu2TzwnqhM-DGHnh6O25n_wYQBK1AHw

فقير إلى الله
2013-11-23, 00:16
بارك الله فيكم

نقلت هذا الموضوع سابقا و مع هذا أقول لك بارك اله فيكم لنشركم كلام المشايخ

كل مواضيعي (http://www.djelfa.info/vb/search.php?searchid=10971846)

التغيير و الإصلاح عند أهل السنة (http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=1351091)

moh140
2013-12-07, 20:26
اللّهم إجعل سريرتي خيرٌ من علانيتي وإجعل علانيتي طاهرة وأتني خيراً ممّا تؤتيه الناس من مال وصالح أعمال والولد غير الضال ولا المُضل " آميــــــــــــن

mammar 405
2013-12-09, 08:19
(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )

سفيان الحسن1
2013-12-09, 12:16
السلام عليكم


طيب لو انزلنا ما ذكرت في الواقع

فمن سيكون مثلا في الجزائر صاحب دعوة للتغير

والاصلاح

سؤال بسيط لو تسال اي عامي ستجد الاجابة

السكوت المطلق عن كل المناكير والمفاسد

رغم وجود اساطيل من الدعاة وبحار من الملتزمين

لكن الاوطان تغرق اظن بل اجزم بوجود خللللللللل


سلام

توفيق43
2013-12-16, 23:34
التغيير سنة كونية:

إن التغير سنة الله عز وجل في خلقه،وقد جاء في الحديث عن العرباض بن سارية قال “وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدٌ حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ”.
وفي لفظ ابن ماجه قال : فقال رسول الله : ” قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم ما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمنون كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد”(1).ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم : “ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا”، وهذا معناه حدوث تغير بعد وفاته صلى الله عليه وسلم .ويدل على صحة ما ذكرته لك ما جاء عن سَالِم قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا”(2).
قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) : “قوله : (يصلون جميعا) أي: مجتمعين، وحذف المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات، ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان ؟”(3)، فالتغير حاصل في الأمة، ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم فيما جاء الخبر عن تجديد الدين.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا”(4)، والْمُرَاد مِنْ التَّجْدِيد : إِحْيَاء مَا اِنْدَرَسَ مِنْ الْعَمَل بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَالْأَمْر بِمُقْتَضَاهُمَا وَإِمَاتَة مَا ظَهَرَ مِنْ الْبِدَع وَالْمُحْدَثَات(5)، فالتغير والاختلاف عما كان عليه الأمر الأول حاصل، وعلاجه بالرجوع إلى الدين، وهو الإصلاح.ضوابط الإصلاح عند أهل السنة والجماعة:منهج الإصلاح عند أتباع السلف الصالح : أهل السنة والجماعة مضبوط بخمسة ضوابط وهي التالية :

الضابط الأول :
أن موضوع الإصلاح الأول والأساس هو عبادة الله وتوحيده، وهذه هي دعوة الأنبياء؛ إذ كل نبي أرسله الله إلى قومه بهذا الموضوع، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾[النحل:36].فهذا نوح عليه السلام يقول تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[الأعراف:59].وهذا هود عليه الصلاة والسلام يقول تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾[الأعراف:65].وهذا صالح عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[الأعراف:73].وهذا شعيب عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[الأعراف:85].وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، يقول تبارك وتعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[العنكبوت:16]، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن.عن ابْنَ عَبَّاس يَقُولُ : “لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ”(6)، وهذا هو ما خلق الله تعالى الجن والإنس له، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56].

فالذين يدعون إلى الإصلاح ويجعلون دعوتهم الإصلاحية في القضايا السياسية أو في القضايا الاقتصادية، أو توزيع الثروة، أو نحو ذلك فهؤلاء عملوا عملاً ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو رد عليهم، فمن أراد الإصلاح ولم يجعل هذا هو موضوعه ومقصده، فقد خالف منهج الأنبياء ، وترك ما عليه الإصلاح الشرعي عند أهل السنة والجماعة، وانظر في من يزعم الإصلاح ويتسمى باسمه هذه الأيام، تجده مخالفاً لهذا الضابط اشد المخالفة، فتوزيع الثروة هجيراه ليل نهار، و منازعة الأمر أهله، ديدنه؛فلا شأن له مع هذا الضابط أصلاً، إلا من باب ذر الرماد على العيون كما يقولون!


الضابط الثاني :
الإصلاح يبدأ من الفرد، لا من المجتمع، و لا من الحاكم، و لا من غيره، إنما كل إنسان يبدأ بنفسه، فيصلحها وأدناه فأدناه، والله سبحانه يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ[الرعد: من الآية 11]، فالبدء بالنفس، ثم الأقرب فالأقرب، قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[الشعراء:214].عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَصَدَّقُوا! فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ”(6).فإذا كان هذا في باب الصدقة فما بالك في أمر الإصلاح؟! فطريق الإصلاح يبدأ بالفرد. وصلاح الفرد صلاح الأسرة، وصلاح الأسرة صلاح الحي، وصلاح الحي صلاح البلد، وصلاح البلد صلاح الدولة، وصلاح الدولة صلاح الأمة، وصلاح الأمة صالح الأرض جميعاً، فالبدء بالنفس هو الأساس، فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإن انتهت فأنت حكيم.


الضابط الثالث :
العلم قبل القول والعمل، وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب العلم: “بَاب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾[محمد:19]؛ فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَرَّثُوا الْعِلْمَ مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ.وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28]، وَقَالَ : ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت:43]، ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[الملك:10]، وَقَالَ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[الزمر:9].وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : “مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ”. وَ “إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ”، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾: حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ. وَيُقَالُ الرَّبَّانِيُّ : الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ”.اهـ.والدين مبناه على أصلين:

أن لا نعبد إلا الله.
وأن لا نعبد الله إلا بما شرع.

ومعنى هذا الضابط: أن على داعية الإصلاح أن يحرص تمام الحرص فيما يقوله أو يفعله أن ليكون فيه على ثبت، فيبني ما يصدر منه على يقين من الدليل، فلا يسلك مسلكاً يزعم أنه طريق للإصلاح إلا وهو يعلم أنه مما شرعه الله تعـالى، فلا يخالف فيه السنة، فلا يقف على المنابر يتكلم على ولاة الأمور زاعماً أن هذا إصلاح؛ لأن هذا خلاف ما أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ عن عياض بن غنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من أراد أن ينصح لذي سلطان، فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده، فبخلوا به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه”(7).و لا يستعمل في يسعى إليه من الإصلاح طريق المظاهرات، لأنه ليس من سنة الرسولﷺ و لا من سنة السلف الصالح، وهكذا لا يقول و لا يعمل إلا بعلم، فالعلم قبل القول والعمل.

الضابط الرابع :
أن يكون علمه على منهج السلف الصالح، وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ قَامَ فِينَا فَقَالَ أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا فَقَالَ : “أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَة”(9).فلا سلامة في نهج إلا ما كان عليه الجماعة.وهذا سبيل المؤمنين: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾[النساء:115]، فمن أراد العلم فليلزم سبيل المؤمنين، حتى لا يسلك مسالك أصحاب الفرقة والاختلاف، من الفرق المخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.هذه هي ضوابط الإصلاح، التي إذا خالفها من ادعى الإصلاح إنما كان من المفسدين، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾[البقرة:12].


الضابط الخامس :
أن يتحلى في دعوته بصفات، بينتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية، من ذلك:قول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[النحل:125]، وقال تبارك وتعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾[لقمان:17]،وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ” متفق عليه.

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : “أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا” متفق عليه .

ويتحصل من النصوص أن الصفات الأساسية للداعية هي:

الصفة الأولى:العلم والفقه لما يدعو إليه : يأمر به وينهى عنه!
الصفة الثانية : الرفق أثناء دعوته، وأمره ونهيه! والله عز وجل يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[آل عمران:159].
الصفة الثالثة : الحلم في دعوته، فلا يتعجل و لا يغضب، ويكظم الغيظ!
الصفة الرابعة :الصبر بعد الدعوة، فإن الدعاة يتعرضون للأذى بسبب الدعوة، فعليهم بالصبر!قال ابن تيمية رحمه الله: “الأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر وهو من أفضل الأعمال الصالحة فيجب أن يبتغي به وجه الله وإن يكون مطابقا للأمر، وفي الحديث: من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فينبغي أن يكون:

عليما بما يأمر به. عليما بما ينهى عنه.
رفيقا فيما يأمر به. رفيقا فيما نهى عنه.
حليما فيما يأمر به. حليما فيما ينهى عنه.


فالعلم قبل الأمر والرفق مع الأمر والحلم بعد الأمر؛ فإن لم يكن عالما لم يكن له أن يقفو ما ليس له به علم، وإن كان عالما ولم يكن رفيقا كان كالطبيب الذي لا رفق فيه فيغلظ على المريض فلا يقبل منه، وكالمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد. وقد قال تعالى لموسى وهارون: ﴿فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾[سورة طه: 44]، ثم إذا أمر ونهى فلا بد أن يؤذى في العادة فعليه أن يصبر ويحلم كما قال تعالى: ﴿وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور﴾[سورة لقمان: 17]. وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر”اهـ (10)، وقال رحمه الله: “والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر”اهـ (11) .تمت والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


كتبه
الشيخ أ.د.محمد بن عمر بازمول حفظه الله
جامعة أم القرى
كلية الدعوة وأصول الدين
قسم الكتاب و السنة.


—————————————————–



الهوامش




(1) حديث حسن عن العرباض بن سارية t: أخرجه أحمد فِي المسند (4/ 126، 127)، والدارمي فِي المقدمة, باب اتباع السنة، والترمذي فِي كتاب العلم, باب ما جاء فِي الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم (2676)، وأبو داود فِي كتاب السنة، باب فِي لزوم السنة، حديث رقم (4607)، وابن ماجه فِي المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، حديث رقم (42، 45). والحديث قال الترمذي عقبه: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَى ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وَالْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ يُكْنَى أَبَا نَجِيحٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حُجْرِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ”اهـ، و صححه العلامة الألباني فِي إرواء الغليل (8/ 107)، حديث رقم (2455).
(2) أخرجه البخـاري في كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة، تحت رقم (650).
(3) فتح الباري (2/138)، وانظر إغائة اللهفان (1/205-207).
(4) أخرجه أبوداود في كتاب الملاحم باب ما جاء في قرن المائة، حديث رقم (4291).
(5) انظر مرقاة المفاتيح (2/169)، عون المعبود (11/260).
(6)أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، حديث رقم (7372)، ومسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء إلى التوحيد وشرائع الإسلام، حديث رقم (19).
(7) أخرجه النسائي في كتاب الزكاة، باب تفسير ذلك، حديث رقم (2535)، وأبوداود في كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم، حديث رقم (1691).
(8) أخرجه أحمد (3/403)، وابن أبي عاصم في كتاب السنة (2/737، تحت رقم 1130). قال محققه : “إسناده صحيح”اهـ.
(9) أخرجه أحمد في المسند (4/102)، و أبو داود في كتاب السنة، باب شرح السنة، حديث رقم (4597)، والآجري في الشريعة (الطبعة المحققة) (1/132، تحت رقم 31). وهو حديث صحيح لغيره. وأشار بعضهم إلى احتمال تواتره. وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/32)، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (204)، وذكر جملة من الأحاديث تشهد له. وانظر نظم المتناثر ص32-34.
(10) منهاج السنة النبوية (5/254ـ 255).
(11) الاستقامة (2/210ـ211). وقارن بمجموع الفتاوى (28/126).

انطلاقا من هذه الضوابط نستنتج أن الوهابية لا تتبع منهج أهل السنة و الجماعة في التغيير
الضابط الأول:
عمل الأنبياء على نشر التوحيد ليصل لفردي العامي و الحاكم و لم يفرقوا بينهما
لكن الوهابية فهم يسعون في تكفير أو تفسيق أو تضليل أو اتهام مسلم بشركات و يتغاضون عن اعمل و معتقدات الحاكم و لو نادي و شجع الزوايا و الطريقة و الشرك
و من آليات إلى أوردتها تجد أن الأنبياء يدعون قدومهم دون استثناء
ثم يخطئ من يظن أن دعوته الرسول صلى الله عليه و سلم تنحصر في التوحيد بل دعا للتحاكم لشرعة الله و لن يستطيع احد أن يأتي بدليل واحد يبين فيه أنه صلى الله عليه وسلم دعا العامة للحاكم لشرعة الله دون الحكام
يخطئ من يظن أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يهتم بتقسيم الثروات وو فرض الزكاة دليل على ذلك
يخطئ من يظن أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يهتم بما يجري حوله من أمور سياسية و ما علمه لصلاح حاكم اليمن أو بحرب بين الروم و الفرس الا دليل على اهتمامه بما يجري حوله من قضايا سياسية
الضابط الثاني
الصلاح يبدأ بالرد ثم المجتمع ثم الدولة و يخطئ من قال يجب علينا أن نبقي في إصلاح الفرد إلى الأبد دون البحث عن تهيئة الجو المساعد لتربية الفرد
فالسؤال صلى الله عليه و سلم ارسل صاحبته الحبشة لكي يجدوا مكانا يساعدهم على عبادة ربهم
ثم هاجر إلى المدينة لإقامة المجتمع المسلم
بداية بالرد نعم لكن لا تعنى الجمود و أن لا نعمل اذا امكن الأمر لإيجاد مناخ يساعد على تربية الفرد
و أعجب من الوهابية من ترديد هذا الضابط و اول ما فعله محمد بن عبد الوهاب هو ايجاد سلطان يدعمه و يقبل فكرته
لماذا لم يقل لا لا أريد دعما سياسيا ، اكتفي بتربية الفرد
يتبع أن شاء الله

توفيق43
2013-12-18, 22:29
الضوابط الباقية متفق فيها

قطر الندى13
2013-12-24, 13:18
جزاك الله خيراااااا