barbaruse
2009-04-19, 13:22
حرب الإسلام تحت عباءة محاربة الإرهاب
إعداد
د. مازن مطبقاني
أستاذ الاستشراق المشارك بقسم الثقافة الإسلامية
كلية التربية – جامعة الملك سعود
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة
ما أن بدأت عمليات التفجير والتدمير في المملكة العربية السعودية قبل عدة سنوات، وظهر أن المتهمين فيها أشخاص تبدو عليهم ملامح التدين الخارجية من لحى طويلة وثياب قصيرة ويستشهدون بالآيات والأحاديث ونصوص الشرع عامة - على غير فهم لحقيقتها وتفسيرها- لتكون مصدراً لفكرهم وسلوكهم المتطرف حتى انبرت الأقلام تتحدث عن الأحداث وتربطها بالتدين والدين! وهنا قام عدد من الكتّاب للكتابة عن هذه الظاهرة، واندفع بعضهم ليوجهوا سهام نقدهم إلى الإسلام والمؤسسات الدينية في المملكة العربية السعودية بخاصة، وفي العالم الإسلامي بعامة، وأشرعت لهم أبواب الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وتلفاز وإنترنت بالرغم من أن بعضهم لا يملكون الإمكانات والقدرات لما نصبوا أنفسهم للحديث عنه. حتى قيل عن بعضهم "تزببوا قبل أن يتحصرموا". ويلاحظ أن هؤلاء الكتاب ينالون الحضوة من بعض رؤساء التحرير فتقدم لهم التسهيلات وتنشر مقالاتهم التي ينالون عليها أجراً مضاعفاً لما يعطى لغيرهم، وتجد مقالاتهم القبول التام، بينما يضايق من يكتب ضدهم ولا تنشر ردودهم حتى لو كان حق الرد أمراً معترفاً به في الصحافة في العالم أجمع. ولذا نشأت بعض المواقع للرد على هؤلاء مثل موقع الكاشف على سبيل المثال. أما الساحات فمليئة بالردود التي يصل بعضها إلى درجة تكفير هؤلاء وهو أمر لا يصح حتى وإن انحدر الكتاب "التنويريون" إلى السباب والشتم لأن المسلم في طبيعته ليس بسبّاب ولا شتّام كما هي صفة الرسول e (لم يكنe بالسباب ولا الشتام ولا الفاحش البذيء).
هؤلاء الكتاب استغلوا تورط بعض من يطلقون على أنفسهم "إسلاميين" للطعن في الإسلام من النواحي السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والاجتماعية، والتعليمية. فقد كتب أحدهم يطالب بإغلاق مدارس تحفيظ القرآن على سبيل المثال، كما كتب آخر صاباً جام غضبه على موسوعة الأديان والمذاهب الصادرة الندوة العالمية للشباب الإسلامي ما كتب فيها حول الحداثة بخاصة وعن الآخر بعامة. وأنكر آخرون وجود تخصص اسمه الاقتصاد الإسلامي، وانتقدوا البنوك الإسلامية أو المعاملات الإسلامية وغير ذلك، كما انتقد البعض تشريعات الإسلام في مجال المرأة ومن ذلك: الحجاب أو علاقة الرجل بالمرأة عموماً.
يهدف هذا البحث إلى دراسة نماذج من مقالات مجموعة من الكتّاب في الصحافة السعودية للتعرّف إلى حقيقة هذا الهجوم على الإسلام. وسوف يقسم البحث إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول يتناول هذا المبحث أسباب الربط بين من يقومون بالأعمال الإرهابية والإسلام،
المبحث الثاني ويقدم المبحث تعريفاً بالكتّاب الذين تم اختيارهم وخلفياتهم الثقافية والسياسية.
المبحث الثالث: تحليل لبعض النماذج من الكتابات المحاربة للإسلام.
المبحث الأول
أسباب الربط بين الإرهابيين والإسلام
لم يكن الكتّاب السعوديون الذين ظهروا في السنوات الماضية بعد وقوع بعض أحداث التفجيرات في المملكة من أمثال منصور النقيدان أو علي المحمود أو مشهور الذايدي أو حمزة المزيني أو غيرهم هم أول من ربط الإسلام بالإرهاب؟ أن محاربة هؤلاء للإسلام وهم بزعمهم يحاربون الإرهاب لأمر خطير. ومع هذا فإن بعضهم بحكم وجودهم في المملكة العربية السعودية أو حتى في مدينة تعد عند البعض من أكثر المناطق محافظة بل تشدداً أيضاً لا يستطيع إلاّ أن يردد دائماً الإسلام- في نظرهم- دين عظيم وأنهم لا يرون في الإسلام عدواً لهم.
ولكن لأن التاريخ هو المصدر لكثير من هذه التوجهات التي طفت على السطح هذه الأيام فإننا ينبغي أن نعود إلى بداية اهتمام الكتابات الغربية وكذلك التوجهات القومية والبعثية والشيوعية وغيرها بالإسلام والحركات الإسلامية.
فبالنسبة لقوى الاحتلال الأجنبي التي كانت في بعض البلاد العربية الإسلامية كان لها اهتمامها الخاص بالحركات الإسلامية أو الجمعيات الدينية وبخاصة ذات التوجه التحرري. فنجد على سبيل المثال أن دوائر الأمن الفرنسية كانت تكتب تقاريرها عن المشهد السياسي في الجزائر فتأتي (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في قائمة اهتمام تلك التقارير. وكانت تلك التقارير ترى أن الجمعية هي أخطر حركات التحرر السياسي في البلاد. ومن العجيب أن الحركات القومية العلمانية كانت تضم في تلك التقارير ولكنها لم تكن تخيف الجانب الفرنسي. بل ربما أشاروا في بعض تقاريرهم أن التوجهات القومية أو أولئك الذين تفرنسوا لا يثيرون أي خوف حقيقي. أما إصرار السلطات الأمنية الفرنسية أو الاستعمارية عموماً على حرب حركات التحرر الوطني القومية العلمانية فإنما لتعطيهم وهجاً وسمعة ومكانة في المجتمع. وهذا هو ما ذكره محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر) عن الحركات الوطنية العلمانية بأنها كانت حركات موجهة في الأصل ضد الإسلام والقيم الإسلامية، فقد أفرغت المصطلحات الإسلامية من مضمونها الحقيقي ومن أبرز تلك المصطلحات (الجهاد) ضد المحتل بل تحول الأمر إلى نضال قومي من أجل التراب- مع أن التراب له قيمته عند الحركات الإسلامية لكن للجهاد قيم أخرى. ويضيف محمد قطب إن ذلك من خطة الغربيين في أسماه (صناعة الزعيم) وقد فعلوا هذا في تونس وفي الجزائر وفي المغرب وفي غيرها من البلاد العربية الإسلامية.
وكان من أطرف الاتهامات التي توجه إلى كل من يدعو إلى العودة إلى الإسلام في عقيدته الصافية وفي أخلاقه وسلوكه ومعاملاته وتشريعاته إنما هو كاره للأجنبي، ويصفونه بأنه مصاب بالزينوفوبيا (Xenophobia). ولا تتحدث الوثائق عن أن الفرنسيين المحتلين كانوا يعيشون في أحسن الأحياء، ويتقاضون أعلى الأجور، بل إن الفرنسي القادم من فرنسا يتقاضي خمسة وعشرين بالمائة زيادة على راتب الفرنسي أو الجزائري المقيم في الجزائر حين يقومون بالعمل نفسه، وكان الفرنسي إذا استخدم خادماً في بيته سمّاها فاطمة، والخادم اسمه محمد. أما الجزائريين فكانوا يعيشون أسوأ الظروف وقد تحدثت الرسائل العلمية الجامعية عن مجاعات كثيرة حدثت بين الجزائريين في أثناء الاحتلال، بعد كل هذا ألا يحق لهم أن يكرهوا هذا الأجنبي!!!
وفعل الاحتلال الأمر نفسه في بقية البلاد العربية في الاهتمام بالحركات الإسلامية. ففي مصر على سبيل المثال كتب مورو بيرجر عن المجتمع المصري منذ الخمسينيات الميلادية، ثم جاء ميتشل ليكتب عن حركة الإخوان المسلمين وتعددت الكتابات حول الحركة الإسلامية. ومن الأمثلة على الموقف العدائي من الحركات الإسلامية أن برنارد لويس الباحث العالم المستشرق المشهور حين كتب عن مصر وحركة الإخوان المسلمين وأشار إلى حريق القاهرة عام () أو حادثة المنشية، لم يستطع أن يتجاوز الرواية الرسمية لأجهزة جمال عبد الناصر، وكان الأجدر به وهو صاحب الخبرة في الأمور الاستخباراتية أن يشكك في مثل تلك الروايات أو على الأقل أن لا يقبل بها بصفتها مسلّمات.
وفي منتصف الثمانينيات دعا الكونجرس الأمريكي إلى ندوة حضرها عدد من الباحثين المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط ليبحثوا في الحركات الإسلامية أو ما أطلقوا هم عليه "الأصولية" وترجمت هذه البحوث بعد نشرها نشراً محدوداً في مجلة المجتمع الكويتية قبيل حرب الخليج الثانية (1990م)، كما أصدر الباحث الأمريكي الأرمني الأصل ريتشارد هرير دكمجيان دراسة أقرب إلى الدراسات الاستخباراتية بعنوان (الأصولية في العالم العربي). وقد حاولت أن ألخص الصفات التي وصفت هذه الدراسات الحركات الإسلامية بها أو من أطلقوا عليهم "الأصوليين" فكانت هذه الصفات:
"1- العزلة؛ فالأصولي قبل كل شيء فرد يميل إلى العزلة وهذه العزلة إنما هي نتيجة لأبية الأزمة العربية الإسلامية.
2- الاكتمال ( أو النضج) قبل الأوان.
3- الحركية العدوانية: يميل الأصوليون إلى العدوان في تعاملهم مع الكفّار، وغالباً مع النمط السائد من المسلمين كتعويض لحرمانهم في المجتمع ولاعتقادهم بأن كل من ليس في جماعتهم إنما هو ضال.
4- الفاشية: تنطوي شخصية الأصوليين على كثير من الملامح التي تميّز الشخصية الفاشية.
5- عدم التسامح
6- المثالية: يظهر الأصوليون الإسلاميون مؤمنين مخلصين يمثلون أرفع معنى للمثالية.
7- القسوة- الجرأة يبدو على الأصوليين التصلب في الطاعة والتشدد في طرقة الحياة، والاستعداد للكفاح والتضحية.
ولقد وجدت أن وصف الحركات الإسلامية بأنها تدعو إلى مثل هذه الأمور يعود إلى وقت مبكر؛ ففي عام 1948م كتبت صحفيّة يهودية في صحيفة بريطانية (صنداي ميرور) تقول فيها: "إن قادة الحركة الإسلامية يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعاً، وأفضل قانون تحيا عليه شعوب الأرض كلها"(ص 14 عداء اليهود للحركة الإسلامية، زياد محمود علي، دار الفرقان للنشر والتوزيع).
والكتابات التي تؤيد هذه النظرة للإسلاميين أو الحركة الإسلامية أو الاتجاه الإسلامي أكثر من أن تحصى، ولكنّي أضرب المثال بضيف القنصلية الأمريكية قبل أكثر من عشرة أعوام وهو جوزيف كيششيان (كان يعمل في مؤسسة راند) حين قرأ على عدد من أساتذة الجامعات والكتّاب والصحفيين السعوديين جزءاً من بحث يكتبه عن "الأصوليين"، فكان مما ذكره في البحث أن الحركات الإسلامية أو الأصولية إن وصلت إلى الحكم فإنها ستعيد العالم الإسلامي إلى القرون الوسطى من اضطهاد المرأة ومعاملة غير المسلمين معاملة قاسية وسيتوقف تقدم المجتمع أو إنه سوف يتخلف...."
وأنتقل الآن إلى التسعينيات من القرن الماضي وبعد سقوط الشيوعية وتحرر دول أوروبا الشرقية حيث ظهر في الولايات المتحدة عدد من الكتاب أخذوا على عواتقهم تحذير أمريكا مما يزعمون أنه الخطر الجديد بعد نهاية الحرب الباردة، ومن هؤلاء شارلز كروتهامر Charles Krauthammer الذي كتب في 19 فبراير 1990م تحت عنوان كبير "الإسلام يشن حرباً عالمية" ويفسر هذه الحركة بأنها "انتفاضة كونية"، ويزعم الكاتب أن قوة الإسلام "استبدادية وغير متسامحة" (لماذا يخوفون الغرب بالإسلام، مازن مطبقاني، المسلمون العدد 307، 4جمادى الآخرة 1411هـ( 21 ديسمبر 1990م)[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1)
ولم يتوقف الأمر عند كروتهامر فمن الأمثلة على تخويف الغرب من الإسلام الجهود الضخمة للمستشرق الأمريكي برنارد لويس حيث ألقى محاضرة في مكتبة الكونجرس بعنوان (لماذا يكره المسلمون أمريكا؟) في 29 مايو 1990م ثم انتقل ليلقي المحاضرة نفسها في ستانفورد وفي أماكن أخرى.
ويرى آصف حسين أن العداوة للإسلام سبقت هذا الأمر حيث يشير إلى مقولتين إحداهما ليهودي فرنسي والثانية لأحد المؤيدين لحزب المحافظين البريطانيين؛ فقد قال نائب رئيس لجنة اليهود الفرنسيين: "ليس في فرنسا مشكلة عنصرية، وأن المشكلة تجد طُرُقاً للاستمرار بظهور الإسلام" (الجارديان 26 أبريل 1988م)، وأما المقولة البريطانية فقد نشرت في جريدة الجارديان البريطانية في 96 أغسطس 1988م وجاء فيها:" يحب إعادة فتح بريطانيا للبريطانيين، ويجب طرد المسلمين إلى ديارهم إذا لم يستطيعوا أن يعيشوا في بلد يسمح فيه لسلمان رشدي بحرية التعبير عن آرائه". ويعلق آسف حسين على هذه العداوة بقوله: "وفي عالم لم يستطع الغرب فيه السيطرة على الإسلام – ولن يقدر على ذلك- فإن الحكمة تفرض على الغرب أن يحاول التعايش معه، ويعني هذا التعايش محاولة الفهم والاحترام المتبادل من أجل العيش سوياً. ولكن قبل إبداء الرأي في هذه المحاولة لا بد أولاً من فهم الإسلام والشعوب الإسلامية والعالم الإسلامي."(ص 14، صراع الغرب مع الإسلام تأليف آصف حسين وترجمة مازن مطبقاني، المدينة المنورة: الندوة العالمية للشباب الإسلامي/ 1420هـ/2000م)
ومشهد الرعب من الإسلام يظهر في ألمانيا ترصده العديد من البحوث والدراسات، فالمستشرقون والإعلام والسياسيون يصرحون بهذا الرعب حتى يقول البروفيسور إيدو شتانياخ مدير المعهد الألماني للدراسات الشرقية: " الصورة السلبية للإسلام ظاهرة عامة في وسائل الإعلام الألماني وفي المجتمع الألماني على حد سواء"(أديب خضور، صورة العرب في الإعلام الغربي، ص 49 نقلاً عن "صورة الإسلام في وسائل الإعلام الألمانية والمجتمع الألماني" فصل من كتاب (الإعلام العربي-الأوروبي-حوار من أجل المستقبل ص 101).
وقد كتب الدكتور زغلول نجار تحليلاً لكتاب إيان ليسر وجراهام فوللر (الإسلام تحت الحصار ) موضحاً الأسباب التي أدت بالغرب إلى النظر إلى الإسلام على أنه العدو القادم بعد سقوط الشيوعية وانهيار جدار برلين والأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية، وأتى بمقتطفات من كتابات عدد من الباحثين الغربيين. ومن هذه المقتطفات ما جاء على لسان جون كالفن "لقد كسبنا الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ولكن هناك خلافاً قديماً سوف يتجدد ( إن عاجلاً أو آجلاً) بيننا وبين الإسلام ولا ندري من الذي سيكسب المعركة" (ص 23، الإسلام والغرب في كتابات الغربيين)، ونظراً لاتخاذ الإسلام عدواً لهم فقد نشط الغرب فيما يسمّى بالعولمة أو الأمركة أو التغريب بنشر النموذج الغربي حيث دعا الكاتب الأمريكي ماكسويل تيلور Maxwell Taylor " إلى ضرورة التبشير بالنموذج الأمريكي وفرض قيمه (إذا كانت به أية قيمة) على الآخرين بالقوة تحت مسمّى "النظام العالمي الجديد باعتباره النظام الأمثل (في نظره)" (ص 26 زغلول نجار)([2] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2))
إذا أصبح الإسلام مخيفاً لأوروبا والغرب عموماً بهذا الشكل فلماذا يخشى العرب والمسلمون والذين يعيشون في جو إسلامي أو أقرب ما يمكن للجو الإسلامي من الإسلام؟ هل يملكون الأدلة العقلية المنطقية على أن الإسلاميين أو الإسلامويين- كما يطلقون عليهم تهكما واحتقاراً- حين يصلون إلى السلطة – التي هي هدفهم كما يزعمون- سيكونون مستبدين دكتاتوريين حقيقة؟ هل الاستبداد والدكتاتورية مقصورة على أصحاب الاتجاه الإسلامي كما أشار باحث تركي ذات مرة في أثناء حديثه عن الساحة السياسية التركية وأن حزب الرفاه إذا وصل إلى الحكم فإنهم لن يسمحوا لغيرهم أن يشاركهم السلطة؟
وفي ندوة في تونس كان الحديث عن تركياً فأخذ الدكتور عبد الجليل التميمي يضرب بيده على الطاولة مؤكداً أن تركيا لن تسمح مطلقاً لحزب الرفاه أو أي حزب إسلامي خارج من عباءة الرفاه أن يصل إلى الحكم، وأن الشعب التركي أعقل من أن يصوت لهؤلاء ولا بد أن يتدخل الجيش لوقف هذه الكارثة. ولم تمض سنوات على هذه الآراء العجيبة حتى وصل حزب الفضيلة بقيادة رجب طيب أردوغان إلى الحكم رغم أنه كان محكوماً عليه بالسجن فتسلم الحكم عبد الله قل حتى إذا انتهت فترة سجن أردوغان تسلم السلطة وكان منصب عبد الله قل هو وزارة الخارجية، وهاهي السنة الرابعة لهم في السلطة.
ويقول باحث مغربي عن هذا الأمر: "من المعروف أن الإسلاميين متهمون بالإرهاب من جهة والتطرف من جهة أخرى"(الحسين زروق، الإسلاميين ص 25،) وقد أدى هذا الأمر إلى نتائج خطيرة كما يقول الباحث بأن كان اتهام الإسلاميين بالإرهاب "أعطى للدول العربية شرعية وحق ممارسة الإرهاب المضاد وحجب الإرهاب الموجه للشعوب العربية عن الأنظار من جهة أخرى"(المرجع نفسه)
المبحث الثاني
الكتّاب المحاربون للإرهاب بزعمهم
عندما انطلقت البعثات العلمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا قبل أكثر من ثلاثين سنة، كان من أول ما أصيب به معظم الشباب العربي المسلم الصدمة الحضارية التي زلزلت أركان البعض حتى إنه لم يفق منها مطلقاً، ومنهم من كانت الصدمة الحضارية مؤقتة استطاع بعد مدة أن يتغلب عليها ويستعيد رشده، ومنهم من أصابته زمناً طويلاً.
ولكن كيف كانت هذه الصدمة الحضارية؟ رأى البعض أنه جاء من بلد محافظ متمسك بالإسلام وشعائره وقيمه، وأن هذا البلد يعاني من التخلف والجهل والمرض، فلا بد أن يكون التمسك بالإسلام هو السبب. واختلط الطلاب السعوديون بالطلاب القادمين من الدول التي كان يطلق عليها حينذاك "الدول التقدمية" وكانت حرب الستة أيام أو حرب الست ساعات قد أحدثت أزمة نفسية كبرى لدى الجميع فاستغلها بعض الشيوعيين من أمثال صادق جلال العظم ليكتب أن الهزيمة إنما كانت بسب الدين. وكانت القوة الدعائية لدى طلاب الدول المسماة بـ"التقدمية" أقوى، فوصل بعض الطلاب من السعودية إلى درجة الإيمان العميق بالفكر العلماني التغريبي وأن الدين حقيقة هو سبب التخلف. بل إن السخرية بالدين بلغت بأحدهم (كان يعد لدرجة الدكتوراه في التربية عام 1970م) أن يشبّه القرآن الكريم بالشعر الجاهلي، ويشيد بآراء طه حسين وغيره في ضرورة أن نأخذ الحضارة الغربية خيرها وشرها.
وبلغت السخرية بالبعض أن يقترح أن يعطى كل فرد بطاقة ممغنطة لتسجيل أدائه للصلوات في المسجد، وقد برزت هذه الفكرة عندما علِم الطلاب السعوديون في أمريكا في تلك الفترة (1970 وما حولها) أنه سيكون هناك تشديد على حضور الصلاة في المساجد. (وهذا ما قرأت أن تونس تنوي القيام به قريباً) وتحدث أحد الطلاب العرب عن الزواج في بلده فوصفه بعملية البيع والشراء. لقد كان الانبهار بالغرب بل حتى الاستلاب قد وصل إلى درجة لا يمكن تخيلها. وقد لا يلام الطلاب كثيراً الذين جاؤوا من مجتمعات تؤكد على آحادية النظرة إلى حد كبير، وأن ثمة طريقة واحدة للإسلام، وكذلك غياب الرأي الآخر والحرية الفردية.
وهناك من لم يخرج من البلاد العربية الإسلامية ولكنه راعه ما يرى من تقدم علمي وتقني وعمراني واجتماعي في الغرب، وقرأ عن الغرب من خلال الحديث عن أدباء ومفكري أوروبا والغرب عموماً فوقع في نفسه حب القوم، بل إن كلمة الحب قليلة لقد توله بعض هؤلاء بالغرب؛ فأصبح الغرب مقياساً للتقدم والتحضر، فالتنوير هو التنوير الأوروبي والعصور والقرون تقسم وفقاً للتقسيم الأوروبي، والتحضر والتقدم هو ما عند أوربا، والإنسانية والأنسنة هو ما جاء من عندهم. بل إن بعضهم بدون أي دليل عقلي أو نقلي أنكر أن يكون للأمة الإسلامية أي دور حضاري في الحضارة البشرية، فالفتوحات الإسلامية (التي وصفها جوستاف لوبون بأنها أرحم فتوحات عرفها البشر) إنما هي حروب استعمارية في نظر هؤلاء.
ويصف محمد الخير عبد القادر نظرة هؤلاء إلى الغرب وحضارته بأنها نظرة قائمة على الإعجاب بالحضارة الغربية، ولكن هذا الإعجاب أدى بهم إلى "تناول القضايا الإسلامية بأسلوب جاوز حدود الحوار الموضوعي إلى السخرية والتمويه بل الطعن في مقدسات المسلمين.."(اتجاهات حديثة في الفكر العلماني، أم درمان الدار السودانية للكتب ، ص 5)
ويقارن محمد قطب بين "التنويريين" القدامى من أمثال طه حسين ورفاعة رافع الطهطاوي وغيرهم و"التنويريين" المعاصرين فيقول: "نحسب الأجيال الأولى من التنويريين..... كانوا مخلصين، والله أعلم بهم، لم يكن في قلوبهم ذلك الحقد الأسود على الإسلام الذي اكتسبه المتأخرون منهم، الذين يتحدثون عن المسلمين بشماتة ظاهرة لا حياء فيها، ويتحدثون عن الإسلام كأنه العدو الأكبر الذي لا بد من إزالته من الأرض."(ص 33 من كتاب قضية التنوير في العالم الإسلامي، دار الشروق القاهرة،1420 هـ/1999م) ويضيف محمد قطب بأن "التنويريين" المعاصرين " ليسوا حريصين على إنقاذ أمتهم الإسلامية بصفتها تلك بل هم على العكس حريصون على إبعاد هذه الأمة عن الإسلام، باعتبار أن هذا هو العلاج الذي لا علاج غيره لما أصاب الأمة من الأمراض، فهم سابحون مع تيار الغرب برغبة ووعي ويعلمون على وجه التحديد ماذا يريدون"(ص 34)
لكن الجانب الآخر من مواقف هذه الفئة أن بعضها دخل مجال التعليم الديني وتدّين حتى درجة متطرفة، بل عرف عن أحدهم أن رفض مظاهر المدنية الحديثة وسكن في بيت من الطين. واستمر بعضهم في هذا التطرف العجيب حتى أدين بأعمال عنف، أو أدين آخرون بالوقوف في وجه الأنظمة الحاكمة هنا وهناك ودخل بعضهم السجن، فلّما خرج تغيرّت قناعاته وآراؤه تماماً فأخذ يكتب ساخراً من المتدينين أو أصحاب الالتزام الديني أو التنظيمي.
وأود أن أضيف سبباً لهذه العداوة للاتجاه الإسلامي التي يصرح بعضهم بها في المجالس الخاصة ولكن لا يجرؤون على كتابتها وهو ما يملأ قلوبهم غيضاً وحسداً من النجاح الكبير والإقبال الجماهيري على مؤلفات بعض الكتّاب والمشايخ ومن يطلقون عليهم "الإسلامويين" وتجدهم دائمي التحذير من هذه الفئة. فيذكر أحدهم كيف أن كتاب الدكتور عايض القرني (لا تحزن) قد بيع منه مليون نسخة أو زيادة، كما أن أشرطة الكاسيت التي تحمل محاضرات ودروس دينية تباع بأعداد كبيرة، وكذلك حضور المحاضرات والدروس في المساجد يكثر روادها بينما أفضل ليبرالي لا يطمع بحضور محاضراته عدة أشخاص قد لا يتجاوزون أصابع اليد. فهل هذا الجمهور كلُّه غبي أو إن في الأمر سراً يحتاج إلى اكتشاف؟
وقد وقف مستشرق هولندي هو يانسن John Jansen من جامعة ليدن في المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين ليقول بشجاعة ليقول: إن ما أطلق عليه "البديل الليبرالي" قد فشل، وأكد على أن الليبراليين أو العلمانيين يجدون دعماً كبيراً من الجهات الرسمية؛ إذ تطبع كتبهم طباعة فاخرة وتباع بأسعار زهيدة ويمكّن لهم من الظهور في وسائل الإعلام المختلفة وبخاصة الوسائل الأكثر جماهيرية (يجدون مساعدة هائلة ليظهروا في الإنترنت حالياً –كما هو الحال في موقع الدكتور حمزة المزيني وغيره-) ومع ذلك فإن إقبال الجماهير في البلاد العربية على الكتابات الإسلامية والكتب الدينية، وأن الكتاب الإسلامي هو الأول في المبيعات في معارض الكتب التي تقام هنا وهناك.
المبحث الثالث
تحليل لبعض النماذج من الكتابات المحاربة للإسلام
من الصعب على الباحث أن يحصي الكتابات التي ظهرت في السنوات الأخيرة وبخاصة بعد التفجيرات التي هزت الرياض والخبر وغيرها من المدن السعودية أو التفجيرات التي هزت لندن ومدريد وغيرها من عواصم العالم التي انطلقت تحارب الإرهاب. ولكن يمكن تقديم بعض النماذج لهذه الكتابات. وقد تكون النماذج محدودة لطبيعة بحث يقدم في مؤتمر لا يتيح للباحث سوى دقائق معدودة.
وتتنوع هذه الكتابات بين إعجاب شديد بالحضارة الغربية حتى لا ترى حضارة سواها في العالم، أو تتناول المواجهة المزعومة أو الحقيقية مع الغرب فتعلي من شأن القوة المادية للغرب بعامة ولأمريكا بصفة خاصة فترى أن أي تفكير في المواجهة ليس لها أي مبرر بل هي من الخرافة. كما تتناول هذه الكتابات الحديث عن الإسلاميين ومواقفهم من الإبداع والتجديد وتصفهم بالتقليديين. وتتسم هذه الكتابات بكثير من أساليب الشتم والقدح والذم فتطلق على أصحاب الاتجاه الإسلامي بـ "الإسلاموي" وتصفهم بالتحجر والجهل. وتسخر من أي دعوة لتطبيق الإسلام في واقع الحياة أو مبدأ أو مقولة (الإسلام هو الحل) وفيما يأتي بعض هذه النماذج:
·مصطلحات في سبيل محاربة الإرهاب
لاحظت من خلال قراءة عدد من المقالات التي كتبها عدد من الكتّاب في مقالاتهم التي يتناولون بها الإرهاب وفيما يأتي بعض هذه المصطلحات:
1-الصحوي
2-المسلم اللاصحوي
3-أهل الخير
4-السلفية التقليدية
5-سلفية إجرائية سكونية جامدة (تمشي ألف خطوة إلى الوراء قبل أن تمشي خطوة واحدة إلى الأمام)
6-الحراك الاجتماعي
7-المتوضع.
8-التمظهر.
هذه المصطلحات وغيرها لها مدلولات خاصة لدى القوم يستخدمونها بكثرة لتغطي على المعنى الحقيقي الذي يقصدونه أو إنهم يريدون أن يظهروا للقراء سعة علمهم واطلاعهم وعمق ثقافتهم. وكم من مرة رميت بالصحيفة من يدي كراهة إضاعة الوقت في محاولة فهم طلامسهم، ولكني اضطررت من أجل هذا البحث أن أقرأ وأمعن النظر فيما أقرأ لأصل إلى حقيقة تفكيرهم.
·الإعجاب بالحضارة الغربية
يقول محمد علي المحمود أستاذ الأدب العربي بجامعة القصيم والكاتب بصحيفة الرياض:
"تقف التجربة الحضارية الغربية الحديثة كأعظم تجربة حضارية عرفها التاريخ، وكأعظم حضارة مؤثرة فيما يتجاوز محيطها الجغرافي. ومن خلالها خطا الوعي الإنساني خطوات حاسمة؛ تغير بسببها الوعي الإنساني تغيراً نوعياً لم يسبق له أن حلم بمثله، فضلاً عن أن يمارسه واقعاً، وقطع مراحل لم تجر في خاطر إنسان من قبل، فكأنما كانت قبل ذلك مخبأة في رحم الزمان. وهذه حقيقة لا يسع العدو ولا الصديق، ولا البعيد ولا القريب أن يتجاهلها، فضلاً عن أن يجهلها، خاصة في وقت هي من أهم مقومات وجوده.
إن حضارة ما من الحضارات السابقة لم تقدم للبشرية ما قدمته الحضارة الغربية، ولم تغير من أنماط الحياة للغالبية الساحقة من شعوب الأرض كما فعلت هذه الحضارة المعجزة (محمد علي المحمود، الرياض في 2004/07/01م)
نعم تستحق الحضارة الغربية التي بنت وسائل المدنية من سيارات وطائرات وبواخر وغيرها من وسائل التقنية، وأرست قواعد العمل المؤسساتي المنظم. نعم إن الحضارة التي تدعو إلى احترام حرية الفرد وتنادي بحقوق الإنسان تستحق الإعجاب. ولكن سجل هذه الحضارة في غير الجانب المادي يكاد يكون صفراً؛ أليست هذه الحضارة هي التي تسببت في حربين عالميتين خلال أقل من نصف قرن راح ضحيتها عشرات الملايين ودمرت عشرات المدن والقرى؟ أليست هذه هي الحضارة التي اخترعت أسلحة الدمار الشامل ، والأسلحة البيولوجية والكيميائية؟ أليست هذه الحضارة هي حضارات النابالم والقنابل العنقودية. ألا ترفض الولايات المتحدة الأمريكية رائدة الحضارة الغربية اليوم التوقيع على معاهدات نزع الألغام الأرضية، ولم تصادق على عدد من المعاهدات الدولية؟
لسنا في مجال أن نوضح عيوب الحضارة الغربية قديماً أو اليوم ولكن إذا أحببنا الحضارة الغربية وعشقناها فلنعلم أن لها عيوباً، كما علينا أن نتذكر أن غيرها من الحضارات السابقة قد أسهمت في تقدم البشرية تقدماً حقيقياً ليس في مجال التقنية والآلات بل في مجال الفكر والأدب وترقية حياة الإنسان على هذه الأرض؟ هل هو بحاجة إلى أن يعرف ما قدمته الحضارة الإسلامية؟ هل يصعب عليه أن يرجع إلى المراجع التي تتناول هذه القضايا وهي كثيرة.
كما أبدى المحمود حزنه الشديد عندما تعرضت لندن لأعمال إرهابية، ولا شك أن علماء الأمة كتبوا كثيراً في الاعتراض على مثل هذه الأعمال، لكن أن تكون فرصة للحديث عن الحب والعشق والهيام ببريطانيا فأمر يثير التعجب وفيما يلي عبارات المحمود عن لندن "وصل الإرهاب إلى (لندن) قلب العالم المتحضر، إلى ذلك العالم الحي النابض بدماء الحرية والكرامة والإنسانية، لندن، مدينة السلام- بحق- تفيق من سباتها الأمني المضمخ بعبق التاريخ والمعاصرة على النعيب الأصولي، نعيب أعداء السلام وأعداء الإنسان، وصل إليها الإرهاب بعد أن كانت لمدة طويلة –الملجأ الآمن لأسراب الطيور الإرهابية المهاجرة؟
لا نريد أن نذكره ببريطانيا التي زرعت إسرائيل، ولا بريطانيا التي احتلت مصر وعينت القسيس دنلوب ليضع المناهج الدراسية فيها، ولا نريد أن نذكره بكرومر ولا بقتل الفلاحيين المصريين ولا بدانشوار ، ولكن ليتذكر أن بريطانيا شريكة أمريكا في ضرب العراق وأفغانستان، ولو قررت أمريكا أن تضرب أي مكان في العالم فإن بريطانيا ستكون شريكة لها. لماذا الإصرار على هذا الحب العجيب ؟ الذي جعله يقول عن بريطانيا "وفي المملكة المتحدة (بريطانيا) التي أشرق منها نور الحضارة المعاصرة، حيث شق الهُدى (هدى الحضارة الإنسانية) أكمامه، وتهادى موكباً في موكب
·الهزيمة النفسية والدعوة إلى الانهزام
كتب المحمود تحت عنوان (نحن وأمريكا حقيقة القوة)(26/8/2004م) يؤكد على القوة الأمريكية وأن من الخطأ التفكير في المواجهة مع أقوى قوة في العالم وفيما يأتي بعض عباراته: " إن كثيراً من الأيديولوجيات القومية والإسلامية قد أخذت على نفسها مهمة بعض روح العداء للآخر وخاصة الأمريكي، عبر رفع لشعارات الصراع والمعركة! بعيداً عن تقرير حقيقة قوة هذا الآخر وحقيقة احتياجنا إليه." ويضيف في موضع آخر مؤكداً مسألة القوة الأمريكية "كما أن سقوطها العسكري(المستحيل طبعاً في المدى المنظور يفتح الباب على مصراعيه لفوضى عسكرية عالمية، نحن الأضعف في كافة معادلاتها حتى في ظل أحلام الوحدة العربية والإسلامية"
ويمكننا أن نتساءل لماذا هذا الإصرار على تأكيد ضعفنا- مع أنه واقع- وعلى أن أمريكا الأقوى لا يمكن أن تُهزم؟ فهل يمكننا أن نذكر حملة نابليون على مصر وكيف أن المصريين قاموا بأعمال مقاومة كبيرة رغم الفارق الضخم في الإمكانات بين القوتين. ألم يقرأ المحمود وأمثاله مسألة التحدي وإرادة الشعوب؟
·الإرهاب والحرية
إن المطالبة بالحرية مطلب أساسي لكل بشر ومع الحرية الكرامة الحقيقية، ولكن أن ينسب إلى الاتجاه الإسلامي أو "الإسلامويين" أنهم يصادرون الحريات فأمر يحتاج إلى مراجعة دقيقة. ويجد أحد كتاب تيار محاربة الإسلام فرصة لاتهام الإسلاميين أنهم يصادرون حريات غيرهم، ويكثر البكاء على الحرية. ومما قاله في هذا الصدد "إن الإرهاب الفكري –فيما لو حضر بقوة- سيغتصب القيمة الأولى والجوهرية للكائن الإنساني (الحرية)تلك القيمة العليا التي يجب التمسك بها حتى الرمق الأخير لكل إنسان" ويربط ضياع الحرية بالفهم غير السليم للإسلام بقوله :" لأن هذا الصراع قبل أني كون صراعاً بين المؤسسة الأمنية والإرهابيين، هو صراع بين المجتمع بما ينطوي عليه من مكتسبات الحرية والإرهابيين ومنظريهم الذين يسعون لقولبة المجتمع وأطرنته وفق رؤاهم المستمدة من فهمهم الكسيح للدين الإسلامي" (في القضاء على الإرهاب، محمد المحمود، 11/3/2004م)
·قضية المرأة
يريد بعض الكتّاب أن ينتقد الإسلام بأنه لم يقدم لمشكلة المرأة أية حلول أو أن الإسلام هو الذي يضع العراقيل في طريق مشاركة المرأة في المجتمع. ويكتبون بطريقة فيها كثير من الغموض ، وإليك ما كتبه المحمود :" إشكالية المرأة مثلاً، وهي من أعقد الإشكاليات وأشدها إلحاحاً، لم يتقدم الصحوي بأي حل عملي في هذا المضمار" ويوضح الأمر أكثر بقوله: "حين واجه الصحوي إشكاليات المرأة الراهنة التي تتطلب برنامجاً عملياً ظهر تخبطه المرضي، لم تكن المسألة تنظيراً ووعظاً، ولم يعد الحل في تصوير البيت (سجناً)يحوله الخيال بمحض الاقتناع إلى (جنّة). المرأة الآن يحكمها الواقع بضرورياته التي تتنامى يوماً بعد يوم، و (السخرية بها) بأن البيت مملكتها!) لا ينفعها في واقع الحياة شيئاً. اقتاتت المرأة على الوعود زمناً، فلم تخرج من ذلك إلاّ بزيف الوعد الصحوي، وقناعة راسخة، تؤمن بأن الحراك الصحوي حراك ذكوري في مجمل تصوراته"(الصحوي ناظراً ومنظوراً إليه، المحمود، الرياض، 24مارس 2005م)
والمحمود في هذه المقالات وغيرها لا يكتب بالمنهج العلمي فيذكر ما يريد (الصحوي) من المرأة ولا كيف يفكر في هذه القضية، إنه يورد آراء يسقطها على الآخرين ويعتقد أن الجمهور سيقبل هذه الآراء. من قال إن الصحوي أو الإسلام يريد للمرأة أن تقبع في البيت وأنه يوهمها بأنه (الجنة) وليس (السجن). وما الوعد الصحوي الذي يراه المحمود زيفاً؟ هل عمل المرأة في البيت ورعاية الأسرة سجناً حقاً؟ ألم تقرر إحدى الموظفات الكبار في شركة ببسي كولا ذات يوم أن تعود إلى البيت، وقررت غيرها كذلك؟ هل تأثرن بالصحوي ، وهل عند الأمريكيين صحوي ولا صحوي.
·الإسلام والإنسانية
يمارس المحمود هوايته في الطعن في الإسلام والتاريخ الإسلامي، وقد أثاره منظر سيارة نقل تحمل عمّالاً في مدينة سعودية فجعلها فرصة للحديث عن الإنسانية والإنسان، وبكى بدموع غزيرة على غياب الإنسانية في الحضارة الإسلامية. وكتب في هذا يتعجب من انشغال "الإسلامويين" عن "قضية الإنسان" حيث يقول: " متى يشتغل الإسلاموي عن معاركه التي يدخلنا فيها صباح مساء بقضية إسلامية حقيقية، هي: قضية الإنسان ويغيب ما سواه؟
ملحوظة: لم تكتمل كتابة هذا البحث وأرجو أن تتوفر الفرصة لإكماله وقد ظهرت كتب جديدة حول المواجهة مع الليبراليين.
[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1) - وأكاد أزعم أن مقالتي هذه من أولى المقالات التي كتبت في الصحافة السعودية التي تتناول اتخاذ الغرب للإسلام عدواً بعد سقوط الشيوعية والشكر للقس سبايت الذي أرسل لي تلك القصاصة الثمينة. كما أودد أن أشير إلى كتاب قمت بترجمته (وصلني من الدكتور آصف حسين من ليستر ببريطانيا في أثناء الحرب (استغرق وصوله ثلاثة أشهر) وقمت بترجمته وعنوانه (صراع الغرب مع الإسلام) (نشر عام 1420هـ/2000م عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمدينة المنورة .
[2] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2) - كتبت مقالتين باللغة الإنجليزية بعنوان (هل الإسلام تهديد للغرب؟) في صحيفة سعودي جازيتIs Islam really a threat to the West? و
إعداد
د. مازن مطبقاني
أستاذ الاستشراق المشارك بقسم الثقافة الإسلامية
كلية التربية – جامعة الملك سعود
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة
ما أن بدأت عمليات التفجير والتدمير في المملكة العربية السعودية قبل عدة سنوات، وظهر أن المتهمين فيها أشخاص تبدو عليهم ملامح التدين الخارجية من لحى طويلة وثياب قصيرة ويستشهدون بالآيات والأحاديث ونصوص الشرع عامة - على غير فهم لحقيقتها وتفسيرها- لتكون مصدراً لفكرهم وسلوكهم المتطرف حتى انبرت الأقلام تتحدث عن الأحداث وتربطها بالتدين والدين! وهنا قام عدد من الكتّاب للكتابة عن هذه الظاهرة، واندفع بعضهم ليوجهوا سهام نقدهم إلى الإسلام والمؤسسات الدينية في المملكة العربية السعودية بخاصة، وفي العالم الإسلامي بعامة، وأشرعت لهم أبواب الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وتلفاز وإنترنت بالرغم من أن بعضهم لا يملكون الإمكانات والقدرات لما نصبوا أنفسهم للحديث عنه. حتى قيل عن بعضهم "تزببوا قبل أن يتحصرموا". ويلاحظ أن هؤلاء الكتاب ينالون الحضوة من بعض رؤساء التحرير فتقدم لهم التسهيلات وتنشر مقالاتهم التي ينالون عليها أجراً مضاعفاً لما يعطى لغيرهم، وتجد مقالاتهم القبول التام، بينما يضايق من يكتب ضدهم ولا تنشر ردودهم حتى لو كان حق الرد أمراً معترفاً به في الصحافة في العالم أجمع. ولذا نشأت بعض المواقع للرد على هؤلاء مثل موقع الكاشف على سبيل المثال. أما الساحات فمليئة بالردود التي يصل بعضها إلى درجة تكفير هؤلاء وهو أمر لا يصح حتى وإن انحدر الكتاب "التنويريون" إلى السباب والشتم لأن المسلم في طبيعته ليس بسبّاب ولا شتّام كما هي صفة الرسول e (لم يكنe بالسباب ولا الشتام ولا الفاحش البذيء).
هؤلاء الكتاب استغلوا تورط بعض من يطلقون على أنفسهم "إسلاميين" للطعن في الإسلام من النواحي السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والاجتماعية، والتعليمية. فقد كتب أحدهم يطالب بإغلاق مدارس تحفيظ القرآن على سبيل المثال، كما كتب آخر صاباً جام غضبه على موسوعة الأديان والمذاهب الصادرة الندوة العالمية للشباب الإسلامي ما كتب فيها حول الحداثة بخاصة وعن الآخر بعامة. وأنكر آخرون وجود تخصص اسمه الاقتصاد الإسلامي، وانتقدوا البنوك الإسلامية أو المعاملات الإسلامية وغير ذلك، كما انتقد البعض تشريعات الإسلام في مجال المرأة ومن ذلك: الحجاب أو علاقة الرجل بالمرأة عموماً.
يهدف هذا البحث إلى دراسة نماذج من مقالات مجموعة من الكتّاب في الصحافة السعودية للتعرّف إلى حقيقة هذا الهجوم على الإسلام. وسوف يقسم البحث إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول يتناول هذا المبحث أسباب الربط بين من يقومون بالأعمال الإرهابية والإسلام،
المبحث الثاني ويقدم المبحث تعريفاً بالكتّاب الذين تم اختيارهم وخلفياتهم الثقافية والسياسية.
المبحث الثالث: تحليل لبعض النماذج من الكتابات المحاربة للإسلام.
المبحث الأول
أسباب الربط بين الإرهابيين والإسلام
لم يكن الكتّاب السعوديون الذين ظهروا في السنوات الماضية بعد وقوع بعض أحداث التفجيرات في المملكة من أمثال منصور النقيدان أو علي المحمود أو مشهور الذايدي أو حمزة المزيني أو غيرهم هم أول من ربط الإسلام بالإرهاب؟ أن محاربة هؤلاء للإسلام وهم بزعمهم يحاربون الإرهاب لأمر خطير. ومع هذا فإن بعضهم بحكم وجودهم في المملكة العربية السعودية أو حتى في مدينة تعد عند البعض من أكثر المناطق محافظة بل تشدداً أيضاً لا يستطيع إلاّ أن يردد دائماً الإسلام- في نظرهم- دين عظيم وأنهم لا يرون في الإسلام عدواً لهم.
ولكن لأن التاريخ هو المصدر لكثير من هذه التوجهات التي طفت على السطح هذه الأيام فإننا ينبغي أن نعود إلى بداية اهتمام الكتابات الغربية وكذلك التوجهات القومية والبعثية والشيوعية وغيرها بالإسلام والحركات الإسلامية.
فبالنسبة لقوى الاحتلال الأجنبي التي كانت في بعض البلاد العربية الإسلامية كان لها اهتمامها الخاص بالحركات الإسلامية أو الجمعيات الدينية وبخاصة ذات التوجه التحرري. فنجد على سبيل المثال أن دوائر الأمن الفرنسية كانت تكتب تقاريرها عن المشهد السياسي في الجزائر فتأتي (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في قائمة اهتمام تلك التقارير. وكانت تلك التقارير ترى أن الجمعية هي أخطر حركات التحرر السياسي في البلاد. ومن العجيب أن الحركات القومية العلمانية كانت تضم في تلك التقارير ولكنها لم تكن تخيف الجانب الفرنسي. بل ربما أشاروا في بعض تقاريرهم أن التوجهات القومية أو أولئك الذين تفرنسوا لا يثيرون أي خوف حقيقي. أما إصرار السلطات الأمنية الفرنسية أو الاستعمارية عموماً على حرب حركات التحرر الوطني القومية العلمانية فإنما لتعطيهم وهجاً وسمعة ومكانة في المجتمع. وهذا هو ما ذكره محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر) عن الحركات الوطنية العلمانية بأنها كانت حركات موجهة في الأصل ضد الإسلام والقيم الإسلامية، فقد أفرغت المصطلحات الإسلامية من مضمونها الحقيقي ومن أبرز تلك المصطلحات (الجهاد) ضد المحتل بل تحول الأمر إلى نضال قومي من أجل التراب- مع أن التراب له قيمته عند الحركات الإسلامية لكن للجهاد قيم أخرى. ويضيف محمد قطب إن ذلك من خطة الغربيين في أسماه (صناعة الزعيم) وقد فعلوا هذا في تونس وفي الجزائر وفي المغرب وفي غيرها من البلاد العربية الإسلامية.
وكان من أطرف الاتهامات التي توجه إلى كل من يدعو إلى العودة إلى الإسلام في عقيدته الصافية وفي أخلاقه وسلوكه ومعاملاته وتشريعاته إنما هو كاره للأجنبي، ويصفونه بأنه مصاب بالزينوفوبيا (Xenophobia). ولا تتحدث الوثائق عن أن الفرنسيين المحتلين كانوا يعيشون في أحسن الأحياء، ويتقاضون أعلى الأجور، بل إن الفرنسي القادم من فرنسا يتقاضي خمسة وعشرين بالمائة زيادة على راتب الفرنسي أو الجزائري المقيم في الجزائر حين يقومون بالعمل نفسه، وكان الفرنسي إذا استخدم خادماً في بيته سمّاها فاطمة، والخادم اسمه محمد. أما الجزائريين فكانوا يعيشون أسوأ الظروف وقد تحدثت الرسائل العلمية الجامعية عن مجاعات كثيرة حدثت بين الجزائريين في أثناء الاحتلال، بعد كل هذا ألا يحق لهم أن يكرهوا هذا الأجنبي!!!
وفعل الاحتلال الأمر نفسه في بقية البلاد العربية في الاهتمام بالحركات الإسلامية. ففي مصر على سبيل المثال كتب مورو بيرجر عن المجتمع المصري منذ الخمسينيات الميلادية، ثم جاء ميتشل ليكتب عن حركة الإخوان المسلمين وتعددت الكتابات حول الحركة الإسلامية. ومن الأمثلة على الموقف العدائي من الحركات الإسلامية أن برنارد لويس الباحث العالم المستشرق المشهور حين كتب عن مصر وحركة الإخوان المسلمين وأشار إلى حريق القاهرة عام () أو حادثة المنشية، لم يستطع أن يتجاوز الرواية الرسمية لأجهزة جمال عبد الناصر، وكان الأجدر به وهو صاحب الخبرة في الأمور الاستخباراتية أن يشكك في مثل تلك الروايات أو على الأقل أن لا يقبل بها بصفتها مسلّمات.
وفي منتصف الثمانينيات دعا الكونجرس الأمريكي إلى ندوة حضرها عدد من الباحثين المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط ليبحثوا في الحركات الإسلامية أو ما أطلقوا هم عليه "الأصولية" وترجمت هذه البحوث بعد نشرها نشراً محدوداً في مجلة المجتمع الكويتية قبيل حرب الخليج الثانية (1990م)، كما أصدر الباحث الأمريكي الأرمني الأصل ريتشارد هرير دكمجيان دراسة أقرب إلى الدراسات الاستخباراتية بعنوان (الأصولية في العالم العربي). وقد حاولت أن ألخص الصفات التي وصفت هذه الدراسات الحركات الإسلامية بها أو من أطلقوا عليهم "الأصوليين" فكانت هذه الصفات:
"1- العزلة؛ فالأصولي قبل كل شيء فرد يميل إلى العزلة وهذه العزلة إنما هي نتيجة لأبية الأزمة العربية الإسلامية.
2- الاكتمال ( أو النضج) قبل الأوان.
3- الحركية العدوانية: يميل الأصوليون إلى العدوان في تعاملهم مع الكفّار، وغالباً مع النمط السائد من المسلمين كتعويض لحرمانهم في المجتمع ولاعتقادهم بأن كل من ليس في جماعتهم إنما هو ضال.
4- الفاشية: تنطوي شخصية الأصوليين على كثير من الملامح التي تميّز الشخصية الفاشية.
5- عدم التسامح
6- المثالية: يظهر الأصوليون الإسلاميون مؤمنين مخلصين يمثلون أرفع معنى للمثالية.
7- القسوة- الجرأة يبدو على الأصوليين التصلب في الطاعة والتشدد في طرقة الحياة، والاستعداد للكفاح والتضحية.
ولقد وجدت أن وصف الحركات الإسلامية بأنها تدعو إلى مثل هذه الأمور يعود إلى وقت مبكر؛ ففي عام 1948م كتبت صحفيّة يهودية في صحيفة بريطانية (صنداي ميرور) تقول فيها: "إن قادة الحركة الإسلامية يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعاً، وأفضل قانون تحيا عليه شعوب الأرض كلها"(ص 14 عداء اليهود للحركة الإسلامية، زياد محمود علي، دار الفرقان للنشر والتوزيع).
والكتابات التي تؤيد هذه النظرة للإسلاميين أو الحركة الإسلامية أو الاتجاه الإسلامي أكثر من أن تحصى، ولكنّي أضرب المثال بضيف القنصلية الأمريكية قبل أكثر من عشرة أعوام وهو جوزيف كيششيان (كان يعمل في مؤسسة راند) حين قرأ على عدد من أساتذة الجامعات والكتّاب والصحفيين السعوديين جزءاً من بحث يكتبه عن "الأصوليين"، فكان مما ذكره في البحث أن الحركات الإسلامية أو الأصولية إن وصلت إلى الحكم فإنها ستعيد العالم الإسلامي إلى القرون الوسطى من اضطهاد المرأة ومعاملة غير المسلمين معاملة قاسية وسيتوقف تقدم المجتمع أو إنه سوف يتخلف...."
وأنتقل الآن إلى التسعينيات من القرن الماضي وبعد سقوط الشيوعية وتحرر دول أوروبا الشرقية حيث ظهر في الولايات المتحدة عدد من الكتاب أخذوا على عواتقهم تحذير أمريكا مما يزعمون أنه الخطر الجديد بعد نهاية الحرب الباردة، ومن هؤلاء شارلز كروتهامر Charles Krauthammer الذي كتب في 19 فبراير 1990م تحت عنوان كبير "الإسلام يشن حرباً عالمية" ويفسر هذه الحركة بأنها "انتفاضة كونية"، ويزعم الكاتب أن قوة الإسلام "استبدادية وغير متسامحة" (لماذا يخوفون الغرب بالإسلام، مازن مطبقاني، المسلمون العدد 307، 4جمادى الآخرة 1411هـ( 21 ديسمبر 1990م)[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn1)
ولم يتوقف الأمر عند كروتهامر فمن الأمثلة على تخويف الغرب من الإسلام الجهود الضخمة للمستشرق الأمريكي برنارد لويس حيث ألقى محاضرة في مكتبة الكونجرس بعنوان (لماذا يكره المسلمون أمريكا؟) في 29 مايو 1990م ثم انتقل ليلقي المحاضرة نفسها في ستانفورد وفي أماكن أخرى.
ويرى آصف حسين أن العداوة للإسلام سبقت هذا الأمر حيث يشير إلى مقولتين إحداهما ليهودي فرنسي والثانية لأحد المؤيدين لحزب المحافظين البريطانيين؛ فقد قال نائب رئيس لجنة اليهود الفرنسيين: "ليس في فرنسا مشكلة عنصرية، وأن المشكلة تجد طُرُقاً للاستمرار بظهور الإسلام" (الجارديان 26 أبريل 1988م)، وأما المقولة البريطانية فقد نشرت في جريدة الجارديان البريطانية في 96 أغسطس 1988م وجاء فيها:" يحب إعادة فتح بريطانيا للبريطانيين، ويجب طرد المسلمين إلى ديارهم إذا لم يستطيعوا أن يعيشوا في بلد يسمح فيه لسلمان رشدي بحرية التعبير عن آرائه". ويعلق آسف حسين على هذه العداوة بقوله: "وفي عالم لم يستطع الغرب فيه السيطرة على الإسلام – ولن يقدر على ذلك- فإن الحكمة تفرض على الغرب أن يحاول التعايش معه، ويعني هذا التعايش محاولة الفهم والاحترام المتبادل من أجل العيش سوياً. ولكن قبل إبداء الرأي في هذه المحاولة لا بد أولاً من فهم الإسلام والشعوب الإسلامية والعالم الإسلامي."(ص 14، صراع الغرب مع الإسلام تأليف آصف حسين وترجمة مازن مطبقاني، المدينة المنورة: الندوة العالمية للشباب الإسلامي/ 1420هـ/2000م)
ومشهد الرعب من الإسلام يظهر في ألمانيا ترصده العديد من البحوث والدراسات، فالمستشرقون والإعلام والسياسيون يصرحون بهذا الرعب حتى يقول البروفيسور إيدو شتانياخ مدير المعهد الألماني للدراسات الشرقية: " الصورة السلبية للإسلام ظاهرة عامة في وسائل الإعلام الألماني وفي المجتمع الألماني على حد سواء"(أديب خضور، صورة العرب في الإعلام الغربي، ص 49 نقلاً عن "صورة الإسلام في وسائل الإعلام الألمانية والمجتمع الألماني" فصل من كتاب (الإعلام العربي-الأوروبي-حوار من أجل المستقبل ص 101).
وقد كتب الدكتور زغلول نجار تحليلاً لكتاب إيان ليسر وجراهام فوللر (الإسلام تحت الحصار ) موضحاً الأسباب التي أدت بالغرب إلى النظر إلى الإسلام على أنه العدو القادم بعد سقوط الشيوعية وانهيار جدار برلين والأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية، وأتى بمقتطفات من كتابات عدد من الباحثين الغربيين. ومن هذه المقتطفات ما جاء على لسان جون كالفن "لقد كسبنا الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ولكن هناك خلافاً قديماً سوف يتجدد ( إن عاجلاً أو آجلاً) بيننا وبين الإسلام ولا ندري من الذي سيكسب المعركة" (ص 23، الإسلام والغرب في كتابات الغربيين)، ونظراً لاتخاذ الإسلام عدواً لهم فقد نشط الغرب فيما يسمّى بالعولمة أو الأمركة أو التغريب بنشر النموذج الغربي حيث دعا الكاتب الأمريكي ماكسويل تيلور Maxwell Taylor " إلى ضرورة التبشير بالنموذج الأمريكي وفرض قيمه (إذا كانت به أية قيمة) على الآخرين بالقوة تحت مسمّى "النظام العالمي الجديد باعتباره النظام الأمثل (في نظره)" (ص 26 زغلول نجار)([2] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftn2))
إذا أصبح الإسلام مخيفاً لأوروبا والغرب عموماً بهذا الشكل فلماذا يخشى العرب والمسلمون والذين يعيشون في جو إسلامي أو أقرب ما يمكن للجو الإسلامي من الإسلام؟ هل يملكون الأدلة العقلية المنطقية على أن الإسلاميين أو الإسلامويين- كما يطلقون عليهم تهكما واحتقاراً- حين يصلون إلى السلطة – التي هي هدفهم كما يزعمون- سيكونون مستبدين دكتاتوريين حقيقة؟ هل الاستبداد والدكتاتورية مقصورة على أصحاب الاتجاه الإسلامي كما أشار باحث تركي ذات مرة في أثناء حديثه عن الساحة السياسية التركية وأن حزب الرفاه إذا وصل إلى الحكم فإنهم لن يسمحوا لغيرهم أن يشاركهم السلطة؟
وفي ندوة في تونس كان الحديث عن تركياً فأخذ الدكتور عبد الجليل التميمي يضرب بيده على الطاولة مؤكداً أن تركيا لن تسمح مطلقاً لحزب الرفاه أو أي حزب إسلامي خارج من عباءة الرفاه أن يصل إلى الحكم، وأن الشعب التركي أعقل من أن يصوت لهؤلاء ولا بد أن يتدخل الجيش لوقف هذه الكارثة. ولم تمض سنوات على هذه الآراء العجيبة حتى وصل حزب الفضيلة بقيادة رجب طيب أردوغان إلى الحكم رغم أنه كان محكوماً عليه بالسجن فتسلم الحكم عبد الله قل حتى إذا انتهت فترة سجن أردوغان تسلم السلطة وكان منصب عبد الله قل هو وزارة الخارجية، وهاهي السنة الرابعة لهم في السلطة.
ويقول باحث مغربي عن هذا الأمر: "من المعروف أن الإسلاميين متهمون بالإرهاب من جهة والتطرف من جهة أخرى"(الحسين زروق، الإسلاميين ص 25،) وقد أدى هذا الأمر إلى نتائج خطيرة كما يقول الباحث بأن كان اتهام الإسلاميين بالإرهاب "أعطى للدول العربية شرعية وحق ممارسة الإرهاب المضاد وحجب الإرهاب الموجه للشعوب العربية عن الأنظار من جهة أخرى"(المرجع نفسه)
المبحث الثاني
الكتّاب المحاربون للإرهاب بزعمهم
عندما انطلقت البعثات العلمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا قبل أكثر من ثلاثين سنة، كان من أول ما أصيب به معظم الشباب العربي المسلم الصدمة الحضارية التي زلزلت أركان البعض حتى إنه لم يفق منها مطلقاً، ومنهم من كانت الصدمة الحضارية مؤقتة استطاع بعد مدة أن يتغلب عليها ويستعيد رشده، ومنهم من أصابته زمناً طويلاً.
ولكن كيف كانت هذه الصدمة الحضارية؟ رأى البعض أنه جاء من بلد محافظ متمسك بالإسلام وشعائره وقيمه، وأن هذا البلد يعاني من التخلف والجهل والمرض، فلا بد أن يكون التمسك بالإسلام هو السبب. واختلط الطلاب السعوديون بالطلاب القادمين من الدول التي كان يطلق عليها حينذاك "الدول التقدمية" وكانت حرب الستة أيام أو حرب الست ساعات قد أحدثت أزمة نفسية كبرى لدى الجميع فاستغلها بعض الشيوعيين من أمثال صادق جلال العظم ليكتب أن الهزيمة إنما كانت بسب الدين. وكانت القوة الدعائية لدى طلاب الدول المسماة بـ"التقدمية" أقوى، فوصل بعض الطلاب من السعودية إلى درجة الإيمان العميق بالفكر العلماني التغريبي وأن الدين حقيقة هو سبب التخلف. بل إن السخرية بالدين بلغت بأحدهم (كان يعد لدرجة الدكتوراه في التربية عام 1970م) أن يشبّه القرآن الكريم بالشعر الجاهلي، ويشيد بآراء طه حسين وغيره في ضرورة أن نأخذ الحضارة الغربية خيرها وشرها.
وبلغت السخرية بالبعض أن يقترح أن يعطى كل فرد بطاقة ممغنطة لتسجيل أدائه للصلوات في المسجد، وقد برزت هذه الفكرة عندما علِم الطلاب السعوديون في أمريكا في تلك الفترة (1970 وما حولها) أنه سيكون هناك تشديد على حضور الصلاة في المساجد. (وهذا ما قرأت أن تونس تنوي القيام به قريباً) وتحدث أحد الطلاب العرب عن الزواج في بلده فوصفه بعملية البيع والشراء. لقد كان الانبهار بالغرب بل حتى الاستلاب قد وصل إلى درجة لا يمكن تخيلها. وقد لا يلام الطلاب كثيراً الذين جاؤوا من مجتمعات تؤكد على آحادية النظرة إلى حد كبير، وأن ثمة طريقة واحدة للإسلام، وكذلك غياب الرأي الآخر والحرية الفردية.
وهناك من لم يخرج من البلاد العربية الإسلامية ولكنه راعه ما يرى من تقدم علمي وتقني وعمراني واجتماعي في الغرب، وقرأ عن الغرب من خلال الحديث عن أدباء ومفكري أوروبا والغرب عموماً فوقع في نفسه حب القوم، بل إن كلمة الحب قليلة لقد توله بعض هؤلاء بالغرب؛ فأصبح الغرب مقياساً للتقدم والتحضر، فالتنوير هو التنوير الأوروبي والعصور والقرون تقسم وفقاً للتقسيم الأوروبي، والتحضر والتقدم هو ما عند أوربا، والإنسانية والأنسنة هو ما جاء من عندهم. بل إن بعضهم بدون أي دليل عقلي أو نقلي أنكر أن يكون للأمة الإسلامية أي دور حضاري في الحضارة البشرية، فالفتوحات الإسلامية (التي وصفها جوستاف لوبون بأنها أرحم فتوحات عرفها البشر) إنما هي حروب استعمارية في نظر هؤلاء.
ويصف محمد الخير عبد القادر نظرة هؤلاء إلى الغرب وحضارته بأنها نظرة قائمة على الإعجاب بالحضارة الغربية، ولكن هذا الإعجاب أدى بهم إلى "تناول القضايا الإسلامية بأسلوب جاوز حدود الحوار الموضوعي إلى السخرية والتمويه بل الطعن في مقدسات المسلمين.."(اتجاهات حديثة في الفكر العلماني، أم درمان الدار السودانية للكتب ، ص 5)
ويقارن محمد قطب بين "التنويريين" القدامى من أمثال طه حسين ورفاعة رافع الطهطاوي وغيرهم و"التنويريين" المعاصرين فيقول: "نحسب الأجيال الأولى من التنويريين..... كانوا مخلصين، والله أعلم بهم، لم يكن في قلوبهم ذلك الحقد الأسود على الإسلام الذي اكتسبه المتأخرون منهم، الذين يتحدثون عن المسلمين بشماتة ظاهرة لا حياء فيها، ويتحدثون عن الإسلام كأنه العدو الأكبر الذي لا بد من إزالته من الأرض."(ص 33 من كتاب قضية التنوير في العالم الإسلامي، دار الشروق القاهرة،1420 هـ/1999م) ويضيف محمد قطب بأن "التنويريين" المعاصرين " ليسوا حريصين على إنقاذ أمتهم الإسلامية بصفتها تلك بل هم على العكس حريصون على إبعاد هذه الأمة عن الإسلام، باعتبار أن هذا هو العلاج الذي لا علاج غيره لما أصاب الأمة من الأمراض، فهم سابحون مع تيار الغرب برغبة ووعي ويعلمون على وجه التحديد ماذا يريدون"(ص 34)
لكن الجانب الآخر من مواقف هذه الفئة أن بعضها دخل مجال التعليم الديني وتدّين حتى درجة متطرفة، بل عرف عن أحدهم أن رفض مظاهر المدنية الحديثة وسكن في بيت من الطين. واستمر بعضهم في هذا التطرف العجيب حتى أدين بأعمال عنف، أو أدين آخرون بالوقوف في وجه الأنظمة الحاكمة هنا وهناك ودخل بعضهم السجن، فلّما خرج تغيرّت قناعاته وآراؤه تماماً فأخذ يكتب ساخراً من المتدينين أو أصحاب الالتزام الديني أو التنظيمي.
وأود أن أضيف سبباً لهذه العداوة للاتجاه الإسلامي التي يصرح بعضهم بها في المجالس الخاصة ولكن لا يجرؤون على كتابتها وهو ما يملأ قلوبهم غيضاً وحسداً من النجاح الكبير والإقبال الجماهيري على مؤلفات بعض الكتّاب والمشايخ ومن يطلقون عليهم "الإسلامويين" وتجدهم دائمي التحذير من هذه الفئة. فيذكر أحدهم كيف أن كتاب الدكتور عايض القرني (لا تحزن) قد بيع منه مليون نسخة أو زيادة، كما أن أشرطة الكاسيت التي تحمل محاضرات ودروس دينية تباع بأعداد كبيرة، وكذلك حضور المحاضرات والدروس في المساجد يكثر روادها بينما أفضل ليبرالي لا يطمع بحضور محاضراته عدة أشخاص قد لا يتجاوزون أصابع اليد. فهل هذا الجمهور كلُّه غبي أو إن في الأمر سراً يحتاج إلى اكتشاف؟
وقد وقف مستشرق هولندي هو يانسن John Jansen من جامعة ليدن في المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين ليقول بشجاعة ليقول: إن ما أطلق عليه "البديل الليبرالي" قد فشل، وأكد على أن الليبراليين أو العلمانيين يجدون دعماً كبيراً من الجهات الرسمية؛ إذ تطبع كتبهم طباعة فاخرة وتباع بأسعار زهيدة ويمكّن لهم من الظهور في وسائل الإعلام المختلفة وبخاصة الوسائل الأكثر جماهيرية (يجدون مساعدة هائلة ليظهروا في الإنترنت حالياً –كما هو الحال في موقع الدكتور حمزة المزيني وغيره-) ومع ذلك فإن إقبال الجماهير في البلاد العربية على الكتابات الإسلامية والكتب الدينية، وأن الكتاب الإسلامي هو الأول في المبيعات في معارض الكتب التي تقام هنا وهناك.
المبحث الثالث
تحليل لبعض النماذج من الكتابات المحاربة للإسلام
من الصعب على الباحث أن يحصي الكتابات التي ظهرت في السنوات الأخيرة وبخاصة بعد التفجيرات التي هزت الرياض والخبر وغيرها من المدن السعودية أو التفجيرات التي هزت لندن ومدريد وغيرها من عواصم العالم التي انطلقت تحارب الإرهاب. ولكن يمكن تقديم بعض النماذج لهذه الكتابات. وقد تكون النماذج محدودة لطبيعة بحث يقدم في مؤتمر لا يتيح للباحث سوى دقائق معدودة.
وتتنوع هذه الكتابات بين إعجاب شديد بالحضارة الغربية حتى لا ترى حضارة سواها في العالم، أو تتناول المواجهة المزعومة أو الحقيقية مع الغرب فتعلي من شأن القوة المادية للغرب بعامة ولأمريكا بصفة خاصة فترى أن أي تفكير في المواجهة ليس لها أي مبرر بل هي من الخرافة. كما تتناول هذه الكتابات الحديث عن الإسلاميين ومواقفهم من الإبداع والتجديد وتصفهم بالتقليديين. وتتسم هذه الكتابات بكثير من أساليب الشتم والقدح والذم فتطلق على أصحاب الاتجاه الإسلامي بـ "الإسلاموي" وتصفهم بالتحجر والجهل. وتسخر من أي دعوة لتطبيق الإسلام في واقع الحياة أو مبدأ أو مقولة (الإسلام هو الحل) وفيما يأتي بعض هذه النماذج:
·مصطلحات في سبيل محاربة الإرهاب
لاحظت من خلال قراءة عدد من المقالات التي كتبها عدد من الكتّاب في مقالاتهم التي يتناولون بها الإرهاب وفيما يأتي بعض هذه المصطلحات:
1-الصحوي
2-المسلم اللاصحوي
3-أهل الخير
4-السلفية التقليدية
5-سلفية إجرائية سكونية جامدة (تمشي ألف خطوة إلى الوراء قبل أن تمشي خطوة واحدة إلى الأمام)
6-الحراك الاجتماعي
7-المتوضع.
8-التمظهر.
هذه المصطلحات وغيرها لها مدلولات خاصة لدى القوم يستخدمونها بكثرة لتغطي على المعنى الحقيقي الذي يقصدونه أو إنهم يريدون أن يظهروا للقراء سعة علمهم واطلاعهم وعمق ثقافتهم. وكم من مرة رميت بالصحيفة من يدي كراهة إضاعة الوقت في محاولة فهم طلامسهم، ولكني اضطررت من أجل هذا البحث أن أقرأ وأمعن النظر فيما أقرأ لأصل إلى حقيقة تفكيرهم.
·الإعجاب بالحضارة الغربية
يقول محمد علي المحمود أستاذ الأدب العربي بجامعة القصيم والكاتب بصحيفة الرياض:
"تقف التجربة الحضارية الغربية الحديثة كأعظم تجربة حضارية عرفها التاريخ، وكأعظم حضارة مؤثرة فيما يتجاوز محيطها الجغرافي. ومن خلالها خطا الوعي الإنساني خطوات حاسمة؛ تغير بسببها الوعي الإنساني تغيراً نوعياً لم يسبق له أن حلم بمثله، فضلاً عن أن يمارسه واقعاً، وقطع مراحل لم تجر في خاطر إنسان من قبل، فكأنما كانت قبل ذلك مخبأة في رحم الزمان. وهذه حقيقة لا يسع العدو ولا الصديق، ولا البعيد ولا القريب أن يتجاهلها، فضلاً عن أن يجهلها، خاصة في وقت هي من أهم مقومات وجوده.
إن حضارة ما من الحضارات السابقة لم تقدم للبشرية ما قدمته الحضارة الغربية، ولم تغير من أنماط الحياة للغالبية الساحقة من شعوب الأرض كما فعلت هذه الحضارة المعجزة (محمد علي المحمود، الرياض في 2004/07/01م)
نعم تستحق الحضارة الغربية التي بنت وسائل المدنية من سيارات وطائرات وبواخر وغيرها من وسائل التقنية، وأرست قواعد العمل المؤسساتي المنظم. نعم إن الحضارة التي تدعو إلى احترام حرية الفرد وتنادي بحقوق الإنسان تستحق الإعجاب. ولكن سجل هذه الحضارة في غير الجانب المادي يكاد يكون صفراً؛ أليست هذه الحضارة هي التي تسببت في حربين عالميتين خلال أقل من نصف قرن راح ضحيتها عشرات الملايين ودمرت عشرات المدن والقرى؟ أليست هذه هي الحضارة التي اخترعت أسلحة الدمار الشامل ، والأسلحة البيولوجية والكيميائية؟ أليست هذه الحضارة هي حضارات النابالم والقنابل العنقودية. ألا ترفض الولايات المتحدة الأمريكية رائدة الحضارة الغربية اليوم التوقيع على معاهدات نزع الألغام الأرضية، ولم تصادق على عدد من المعاهدات الدولية؟
لسنا في مجال أن نوضح عيوب الحضارة الغربية قديماً أو اليوم ولكن إذا أحببنا الحضارة الغربية وعشقناها فلنعلم أن لها عيوباً، كما علينا أن نتذكر أن غيرها من الحضارات السابقة قد أسهمت في تقدم البشرية تقدماً حقيقياً ليس في مجال التقنية والآلات بل في مجال الفكر والأدب وترقية حياة الإنسان على هذه الأرض؟ هل هو بحاجة إلى أن يعرف ما قدمته الحضارة الإسلامية؟ هل يصعب عليه أن يرجع إلى المراجع التي تتناول هذه القضايا وهي كثيرة.
كما أبدى المحمود حزنه الشديد عندما تعرضت لندن لأعمال إرهابية، ولا شك أن علماء الأمة كتبوا كثيراً في الاعتراض على مثل هذه الأعمال، لكن أن تكون فرصة للحديث عن الحب والعشق والهيام ببريطانيا فأمر يثير التعجب وفيما يلي عبارات المحمود عن لندن "وصل الإرهاب إلى (لندن) قلب العالم المتحضر، إلى ذلك العالم الحي النابض بدماء الحرية والكرامة والإنسانية، لندن، مدينة السلام- بحق- تفيق من سباتها الأمني المضمخ بعبق التاريخ والمعاصرة على النعيب الأصولي، نعيب أعداء السلام وأعداء الإنسان، وصل إليها الإرهاب بعد أن كانت لمدة طويلة –الملجأ الآمن لأسراب الطيور الإرهابية المهاجرة؟
لا نريد أن نذكره ببريطانيا التي زرعت إسرائيل، ولا بريطانيا التي احتلت مصر وعينت القسيس دنلوب ليضع المناهج الدراسية فيها، ولا نريد أن نذكره بكرومر ولا بقتل الفلاحيين المصريين ولا بدانشوار ، ولكن ليتذكر أن بريطانيا شريكة أمريكا في ضرب العراق وأفغانستان، ولو قررت أمريكا أن تضرب أي مكان في العالم فإن بريطانيا ستكون شريكة لها. لماذا الإصرار على هذا الحب العجيب ؟ الذي جعله يقول عن بريطانيا "وفي المملكة المتحدة (بريطانيا) التي أشرق منها نور الحضارة المعاصرة، حيث شق الهُدى (هدى الحضارة الإنسانية) أكمامه، وتهادى موكباً في موكب
·الهزيمة النفسية والدعوة إلى الانهزام
كتب المحمود تحت عنوان (نحن وأمريكا حقيقة القوة)(26/8/2004م) يؤكد على القوة الأمريكية وأن من الخطأ التفكير في المواجهة مع أقوى قوة في العالم وفيما يأتي بعض عباراته: " إن كثيراً من الأيديولوجيات القومية والإسلامية قد أخذت على نفسها مهمة بعض روح العداء للآخر وخاصة الأمريكي، عبر رفع لشعارات الصراع والمعركة! بعيداً عن تقرير حقيقة قوة هذا الآخر وحقيقة احتياجنا إليه." ويضيف في موضع آخر مؤكداً مسألة القوة الأمريكية "كما أن سقوطها العسكري(المستحيل طبعاً في المدى المنظور يفتح الباب على مصراعيه لفوضى عسكرية عالمية، نحن الأضعف في كافة معادلاتها حتى في ظل أحلام الوحدة العربية والإسلامية"
ويمكننا أن نتساءل لماذا هذا الإصرار على تأكيد ضعفنا- مع أنه واقع- وعلى أن أمريكا الأقوى لا يمكن أن تُهزم؟ فهل يمكننا أن نذكر حملة نابليون على مصر وكيف أن المصريين قاموا بأعمال مقاومة كبيرة رغم الفارق الضخم في الإمكانات بين القوتين. ألم يقرأ المحمود وأمثاله مسألة التحدي وإرادة الشعوب؟
·الإرهاب والحرية
إن المطالبة بالحرية مطلب أساسي لكل بشر ومع الحرية الكرامة الحقيقية، ولكن أن ينسب إلى الاتجاه الإسلامي أو "الإسلامويين" أنهم يصادرون الحريات فأمر يحتاج إلى مراجعة دقيقة. ويجد أحد كتاب تيار محاربة الإسلام فرصة لاتهام الإسلاميين أنهم يصادرون حريات غيرهم، ويكثر البكاء على الحرية. ومما قاله في هذا الصدد "إن الإرهاب الفكري –فيما لو حضر بقوة- سيغتصب القيمة الأولى والجوهرية للكائن الإنساني (الحرية)تلك القيمة العليا التي يجب التمسك بها حتى الرمق الأخير لكل إنسان" ويربط ضياع الحرية بالفهم غير السليم للإسلام بقوله :" لأن هذا الصراع قبل أني كون صراعاً بين المؤسسة الأمنية والإرهابيين، هو صراع بين المجتمع بما ينطوي عليه من مكتسبات الحرية والإرهابيين ومنظريهم الذين يسعون لقولبة المجتمع وأطرنته وفق رؤاهم المستمدة من فهمهم الكسيح للدين الإسلامي" (في القضاء على الإرهاب، محمد المحمود، 11/3/2004م)
·قضية المرأة
يريد بعض الكتّاب أن ينتقد الإسلام بأنه لم يقدم لمشكلة المرأة أية حلول أو أن الإسلام هو الذي يضع العراقيل في طريق مشاركة المرأة في المجتمع. ويكتبون بطريقة فيها كثير من الغموض ، وإليك ما كتبه المحمود :" إشكالية المرأة مثلاً، وهي من أعقد الإشكاليات وأشدها إلحاحاً، لم يتقدم الصحوي بأي حل عملي في هذا المضمار" ويوضح الأمر أكثر بقوله: "حين واجه الصحوي إشكاليات المرأة الراهنة التي تتطلب برنامجاً عملياً ظهر تخبطه المرضي، لم تكن المسألة تنظيراً ووعظاً، ولم يعد الحل في تصوير البيت (سجناً)يحوله الخيال بمحض الاقتناع إلى (جنّة). المرأة الآن يحكمها الواقع بضرورياته التي تتنامى يوماً بعد يوم، و (السخرية بها) بأن البيت مملكتها!) لا ينفعها في واقع الحياة شيئاً. اقتاتت المرأة على الوعود زمناً، فلم تخرج من ذلك إلاّ بزيف الوعد الصحوي، وقناعة راسخة، تؤمن بأن الحراك الصحوي حراك ذكوري في مجمل تصوراته"(الصحوي ناظراً ومنظوراً إليه، المحمود، الرياض، 24مارس 2005م)
والمحمود في هذه المقالات وغيرها لا يكتب بالمنهج العلمي فيذكر ما يريد (الصحوي) من المرأة ولا كيف يفكر في هذه القضية، إنه يورد آراء يسقطها على الآخرين ويعتقد أن الجمهور سيقبل هذه الآراء. من قال إن الصحوي أو الإسلام يريد للمرأة أن تقبع في البيت وأنه يوهمها بأنه (الجنة) وليس (السجن). وما الوعد الصحوي الذي يراه المحمود زيفاً؟ هل عمل المرأة في البيت ورعاية الأسرة سجناً حقاً؟ ألم تقرر إحدى الموظفات الكبار في شركة ببسي كولا ذات يوم أن تعود إلى البيت، وقررت غيرها كذلك؟ هل تأثرن بالصحوي ، وهل عند الأمريكيين صحوي ولا صحوي.
·الإسلام والإنسانية
يمارس المحمود هوايته في الطعن في الإسلام والتاريخ الإسلامي، وقد أثاره منظر سيارة نقل تحمل عمّالاً في مدينة سعودية فجعلها فرصة للحديث عن الإنسانية والإنسان، وبكى بدموع غزيرة على غياب الإنسانية في الحضارة الإسلامية. وكتب في هذا يتعجب من انشغال "الإسلامويين" عن "قضية الإنسان" حيث يقول: " متى يشتغل الإسلاموي عن معاركه التي يدخلنا فيها صباح مساء بقضية إسلامية حقيقية، هي: قضية الإنسان ويغيب ما سواه؟
ملحوظة: لم تكتمل كتابة هذا البحث وأرجو أن تتوفر الفرصة لإكماله وقد ظهرت كتب جديدة حول المواجهة مع الليبراليين.
[1] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref1) - وأكاد أزعم أن مقالتي هذه من أولى المقالات التي كتبت في الصحافة السعودية التي تتناول اتخاذ الغرب للإسلام عدواً بعد سقوط الشيوعية والشكر للقس سبايت الذي أرسل لي تلك القصاصة الثمينة. كما أودد أن أشير إلى كتاب قمت بترجمته (وصلني من الدكتور آصف حسين من ليستر ببريطانيا في أثناء الحرب (استغرق وصوله ثلاثة أشهر) وقمت بترجمته وعنوانه (صراع الغرب مع الإسلام) (نشر عام 1420هـ/2000م عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمدينة المنورة .
[2] (http://www.djelfa.info/vb/#_ftnref2) - كتبت مقالتين باللغة الإنجليزية بعنوان (هل الإسلام تهديد للغرب؟) في صحيفة سعودي جازيتIs Islam really a threat to the West? و