mohamedz2008
2009-04-17, 20:04
مقدمة:
قال الله تعالى في محكم تنزيله:
(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
إنّ العلاقة بين الأفراد في الحياة الاجتماعية كالعلاقة بين حروف اللّغة، فما لم تجتمع تلك الحروف، وتنتظم العلاقة بينها، لا تحصل البنية اللّغوية العامّة التي تحمل الفكر الإنساني، وتُصوِّر المشاعر والحياة الإنسانية بأجمعها .
وهكذا الأفراد الاحاديون لا يتحوّلون إلى صيغة انسانية وتشكيل نسمِّيه مجتمعاً، له وجوده وكيانه المتميِّز عن وجود وكيان الأفراد، وله هويّته ومشخّصاته إلاّ إذا ترابط أفراده بروابط، وانتظموا بعلاقات تنظم نشاطهم وسلوكهم.
لقد خلق الله الإنسان امرأة أو رجلاً في فطرة معينة تمتاز عن الحيوان، فالمرأة إنسان، والرجل إنسان، ولا يختلف أحدهما عن الآخر في الإنسانية، ولا يمتاز أحدهما عن الآخر في شيء من هذه الإنسانية. وقد هيأهما لخوض معترك الحياة بوصف الإنسانية. وجعلهما يعيشان حتماً في مجتمع واحد. وجعل بقاء النوع متوقفاً على اجتماعهما، وعلى وجودهما في كل مجتمع. فلا يجوز أن ينظر لأحدهما إلا كما ينظر للآخر، بأنه إنسان يتمتع بجميع خصائص الإنسان ومقومات حياته، وقد خلق الله في كل منهما طاقة حيوية، هي نفس الطاقة الحيوية التي خلقها في الآخر وجعل في كل منهما قوة التفكير وهي نفس قوة التفكير الموجودة في الآخر. فالعقل الموجود عند الرجل هو نفس العقل الموجود عند المرأة إذ خلقه الله عقلاً للإنسان، وليس عقلاً للرجل أو للمرأة.
إنّ دراسة تاريخ الشعوب والمجتمعات على امتداد عصورها تكشف عن معاناة المرأة واستغلالها واضطهادها .
ولم يكن هناك من نظام، أو عقيدة رفعت عن المرأة كابوس الظلم والاضطهاد والمعاناة غير المبادئ الإلهيّة التي تجسّدت بأرقى صورها في الرسالة الإسلامية الخالدة .
ومن خلال بحثنا نحاول إلقاء الضوء على مكانة المرأة في الحضارات القديمة، وكيف كانت مضطهدة، ومن ثم مكانتها في الإسلام، وكيف كرمها وأجلى قدرها وأعلاه.
المبحث الأول: مكانة المرأة في الحضارات القديمة
المطلب الأول: في الحضارة اليونانية، الرومانية، الفارسية والصينية
1/ في الحضارة اليونانية
كان في اليونان تقدم في ميادين الثقافة والعلوم، إلا أن هذا التقدم لم ينعكس على وضع المرأة، ( ففي غضون القرون التي كانت فيها دول المدن اليونانية على جانب عظيم من رفعة الشأن، كانت النساء في هذه الدولة يقمن بأدوار تافهة وضيعة، ولئن تمتعن بحق الحياة فما ذلك إلا لأنه لم يكن عنهن غنى، وكان الرجال يجدون فيهن المتعة والتسلية).
كما أن المرأة كانت معزولة عن المجتمع، لا عمل لها سوى الإنجاب، فكم من زوجة كانت تكره من غير زوجها، وكم من أم كانت تكره على البغاء، وأخت تزوج مكرهة بغير رضاها.
وكانت الأساطير قد اتخذت امرأة خيالية تسمى (باندورا)(4)، وعدتها ينبوع جميع آلام الإنسان ومصائبه، وقد كان لهذه الأسطورة أثر على عقولهم وأذهانهم؛ فلم تكن المرأة عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل.
وكان أحد فلاسفتهم ينظر إلى المرأة كنظرته إلى العبيد، وكان يعاملها معاملة الخدم، وربما أشد، فالمرأة عنده كائن ناقص، مسلوب الإرادة، ضعيف الشخصية .
2/ الحضارة الرومانية
وقد كان موقف الرومان من المرأة كموقف اليونان، وهو الاستخفاف بها، وأنها أدنى منزلة من الرجل، فيجب أن تبقى تحت سلطة الرجل يتصرف بها كيف يشاء.
وفي ذلك يقول أحد مفكريهم : "توجب عاداتنا على النساء الرشيدات أن يبقين تحت الوصاية لخفة عقولهن .
وقد جرد القانون الروماني المرأة من معظم حقوقها المدنية في مختلف مراحل حياتها، فلم تكن لها أهلية أو شخصية قانونية، وقد كان القانون يعد ((الأنوثة)) سبباً من أسباب انعدام الأهلية - كحداثة السن، والجنون -. فقبل زواجها تكون تحت سيطرة رئيس الأسرة - أبيها أو جدها -، وتعطيه هذه السيطرة كافة الحقوق عليها، كحق إخراجها من الأسرة، وبيعها بيع الرقيق، وحتى حق الحياة والموت، وبعد زواجها واعتراف الزوج بها تصبح بمثابـة بنت من بناته، فتنقطع علاقتها انقطاعاً تاماً بأسرتها القديمة ويحل زوجها محل أبيها أو جدّها، ويسمى هذا الزواج (زواج السيادة) وقد بلغ من سيادة زوجها عليها، أنها كانت تحال إليه إذا اتهمت بجريمة ليحاكمها، ويتولى معاقبتها بنفسه، وكان له أن يحكم عليها بالإعدام في بعض التهم كالخيانة مثلاً، وكان إذا توفي عنها زوجها، دخلت في وصاية أبنائها الذكور، أو إخوة زوجها، أو أعمامه.
إن المرأة الرومانية في نظر الرومان مجرد متعة للرجل، فقد شجعوا العهر وأباحوه، وقد كانت المعابد هي المكان المفضل لتعاطي البغاء.
ثم أخذت نظرية الرومان في النساء تتبدل برقيهم في المدنية والحضارة، وما زال هذا التبدل يطرأ على نظمهم وقوانينهم المتعلقة بالأسرة وعقد الزواج والطلاق، فانعكست الحال رأساً على عقب، فلم يبق لعقد الزواج عندهم معنى. ومنحت المرأة جميع حقوق الإرث والملك، وجعلها القانون حرة طليقة لا سلطة عليها للأب ولا للزوج، ثم سهلوا من أمر الطلاق حتى جعلوه شيئاً عادياً يلجأ إليه لأتفه الأسباب.
ثم بدأت تتغير نظرتهم إلى العلاقات والروابط القائمة بين الرجل والمرأة من غير عقد مشروع. وقد بلغ بهم التطرف في آخر الأمر أن جعل كبار علماء الأخلاق منهم يعدون الزنا شيئاً عادياً.
وبسبب انغماسهم في الشهوات البهيمية ومجاوزتهم الحد في ذلك؛ زالت دولتهم الرومانية، وتمزق جمعها كل ممزق.
3/ الحضارة الفارسية:
كانت المرأة في الحضارة الفارسية محتقرة مهانة، وكان ينظر لها بأنها سبب كل شر؛ ومن أجل ذلك كان يفرض عليها أن تعيش تحت أنماط من الظلم، فهي عبدة سجينة منزلها، تباع بيع البهائم، وكانت تحت سلطة الرجل المطلقة، فيحق له أن يحكم عليها بالموت دون رقيب أو مؤاخذة، ويتصرف بها كما يشاء، كما أنها إذا حاضت أبعدت عن المنزل، وجعلت في خيمة ولا يخالطها أحد، حتى إن الخدم يلفون مقدم أنوفهم وآذانهم وأيديهم بلفائف من القماش الغليظ عند تقديم الطعام لهن وخدمتهن، خوفاً من أن يتنجسوا إذا مسوهن أو مسوا الأشياء المحيطة بهن حتى الهواء.
كما أن الإباحية انتشرت في بلاد فارس، فأصبح الزواج بالمحرمات من النسب مباحاً: كالزواج بالأمهات والأخوات والبنات والعمات والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
(إن المؤرخين المعاصرين للعهد الساساني، مثل: (جاتهياس) وغيره، يصدقون بوجود عادة زواج الإيرانيين بالمحرمات، ويوجد في تاريخ العهد الساساني أمثلة لهذا الزواج، فقد تزوج (بهرام) بأخته (جوبين)، وتزوج (جشتسب) قبل أن يتنصر بالمحرمات، ولم يكن يعد هذا الزواج معصية عند الإيرانيين، بل كان عملاً صالحاً يتقربون به إلى الله).
وقد كان ظهور (المانوية) في القرن الثالث المسيحي، يعتبر رد فعل ضد النزعة الإباحية السائدة في البلاد، حيث كانت المناداة بحياة العزوبة لحسم مادة الفساد والشر من العالم، وحرم مؤسس هذا المذهب النكاح استعجالاً للفناء، وانتصاراً للنور على الظلمة بقطع النسل.
ثم كانت الدعوة (المزدكية) التي ثارت على التعاليم (المانوية) المجحفة، فأعلنت أن الناس ولدوا سواء، لا فرق بينهم، فينبغي أن يعيشوا سواء لا فرق بينهم. ولما كان المال والنساء هما ما حرصت النفوس على حفظه وحراسته، كان ذلك عند أصحاب هذه الدعوة أهم ما تجب فيه المساواة والاشتراك.
وقد حظيت هذه الدعوة بموافقة الشبان والأغنياء والمترفين، وصادفت من قلوبهم هوى، وناصرها الحكام والملوك، حتى انغمست الدولة الفارسية في الفوضى الخلقية وطغيان الشهوات.
قال الإمام الطبري: (افترص السفلة ذلك، واغتنموا وكاتفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم، فابتلي الناس بهم وقوي أمرهم، حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم، وحملوا (قباذ) على تزيين ذلك وتوعدوه بخلعه، فلم يلبثوا إلا قليلاً، حتى صاروا لا يعرف الرجل ولده، ولا المولود أباه، ولا يملك شيئاً مما يتسع به).
4/ المرأة في البلاد الصينية:
لم تكن المرأة في البلاد الصينية أحسن حالاً من أختها في بلاد الفرس، ويؤخذ من مادة في موسوعة الدين والأخلاق، أن المجتمع الصيني على العموم كان الناس يعيشون في فوضوية، فهم أقرب إلى الوحوش منهم إلى البشر، كانوا يعرفون أمهاتهم، ولا يعرفون آباءهم، وكانوا يتزاوجون بلا حشمة ولا حياء، حتى قام رجل منهم وكان من الحكماء الأقوياء اسمه (فوه ـ سي) (Fالله تعالىh - His) وذلك سنة (2736 ـ 2852) قبل الميلاد قام هذا الحكيم ووضع لهم القوانين، وسنّ لهم الأنظمة، ولكن المرأة لم تنل من السلطة أو الكرامة أي نصيب، بل كان نصيبها أن تتلقى الأوامر، وتنفذها بدون أي اعتراض. فإذا كانت لا تزال بنتاً لم تتزوج، فواجب عليها إطاعة أبيها، فإذا تزوجت فالطاعة لزوجها، وإذا مات عنها زوجها أطاعت ابنها الكبير.
وفي المجتمع الصيني القديم أيضاً صاحب الحضارة العريقة، أن يسير الأب على ما جرى عليه العرف العام، فالعادة بالميراث أن البنات لا يرثن، وحصة الابن الأكبر من الميراث تكون هي الكبرى، وليس للبنت أن تطلب من مال أبيها شيئاً لأن البنت لا ترث لأنها ليست بولد.
المطلب الثاني: في البلاد المصرية، السومرية والآشورية
1/ المرأة في البلاد المصرية:
كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة، وكان المجتمع المصري القديم يتميز بطابع التمدن والرقي في تلك العصور، ولكن المرأة المصرية كانت بغاية الاضطهاد والهوان، وكانت تعامل معاملة ازدراء واحتقار كالخدم، وهي لا تصلح إلا لتدبير شؤون البيت، وتربية الأطفال.
كان المصري القديم، يتزوج في مرحلة مبكرة، وكان يتزوج من أخته وذلك خشية أن تنتقل أملاك الأسرة إلى الأغراب، وقد عرف المصريون القدماء تعدد الزوجات، وعرفوا التسري، وكانت الزوجة تحمل التمائم خلال أشهر الحمل، لتقي حملها من الأرواح الشريرة، وكان الرجل المصري يفرح إذا بُشر بالمولود الذكر، ويكفهر وجهه حزناً إذا علم أن زوجته وضعت أنثى، ومن الطريق أن المصريين القدماء قاموا بتجارب لمعرفة الجنين قبل ولادته خوفاً من أن يكون أنثى.
ويقول الدكتور ميخائيل إبراهيم: لقد حرص المصري على زوجته أشد الحرص، فلا تخرج من بيتها أبداً إلاّ لخدمة الآلهة، أو الخدمة في القصور، وكانت على جانب عظيم من الذلة والمهانة.
2/ المرأة السومرية:
وأما في العهد السومري، فقد كانوا يعاملون المرأة معاملة فظة غليظة، كما كانت تعامل عند جميع الشعوب في تلك الأزمنة. فما كانت مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجاورة، وذلك على الصعيد الاجتماعي، ومن حيث الحرية والكرامة.
وأما المرأة عند البابليين فكانوا ينظرون إليها نظرة احتقار فهي لم تخلق إلا لإسعاد الرجل.
3/ المرأة الاشورية:
كان المجتمع الأشوري لا يختلف في شكله العام عن تركيب المجتمع البالي من حيث عدد الطبقات، والتشابه في البيوت والأثاث واللباس. وبالنظر إلى الأهمية التي تعطى عادة للرجال في مجتمع تسوده الروح العسكرية، أصبح الرجل الأشوري أكبر قوة وتسلطاً في حين انخفض مركز المرأة الاجتماعي، وفقدت بعض الحقوق التي كانت تتمتع بها في الحضارتين: السومرية والبابلية.
فقد أصبحت المرأة الأشورية تعتبر ملكاً للرجل وله الحق في أن يحرمها ما تملك، ويطلقها متى أراد، ولا فرق بينها وبين الحيوان الأعجم. الرجل يأمر وهي تتلقى الأوامر، وتنفذها صاغرة، وليس لها حق الاعتراض.
المطلب الثالث: عند اليهود والنصاري
1/ عند اليهود
إن موقف المرأة عند اليهود هو موقف الاتهام بأنها وراء أول معصية لآدم - عليه السلام - في الجنة، فهي في نظرهم من حبائل الشيطان، وأساس الخطيئة بين بني آدم، فهي نبع الخطايا، وسبب الآثام والرذائل، وهذا أساس المعتقد الديني لليهود، وبالتالي أخذت شريعة يهود من المرأة موقف الشك والحذر.
والابن - عند يهود - ينسب لأمه لا لأبيه، وهذا الأمر ليس من قبيل تكريم المرأة عند اليهود، بل من باب تكثير العدد عند بني إسرائيل؛ ذلك لأنهم يرسلون نساءهم للغواية والفجور – وهذا من الاستغلال الدنيء لجسد المرأة -، ويأتي بعد ذلك الوليد في بطن أمه سفاحاً، فهو يهودي عندهم؛ لأنه منسوب لأمه.
أما بالنسبة للدين والشريعة، فليس للمرأة أي علاقة بهذا الجانب، فهي أحقر من أن تقوم بدور (الحاخامية) - الكهانة - عند يهود؛ ذلك لأنها لا يجوز أن تطلع على أسرار الدين. نعم قد يشركونها في السياسة أو في الحرب، لكي تكون سهماً من سهامهم على أعدائهم.
كما أن المرأة محرومة من معظم حقوقها المدنية في مختلف مراحل حياتها، وتجعلها تحت وصاية أبيها وأهلها قبل زواجها، وتحت وصاية زوجـها بعـد زواجها، وتنزلها في كلتا الحالتين منزلة تقرب من منزلة الرقيق. بل إنها لتبيح للوالد المعسر أن يبيع ابنته بيع الرقيق لقاء ثمن يفرج به أزمته.
وتقرر الشريعة اليهودية أنه إذا توفي شخص دون أن ينجب أولاداً ذكوراً، تصبح أرملته زوجة تلقائياً لشقيق زوجها، أو أخيه لأبيه، رضيت بذلك أو كرهت. وتجب عليه نفقتها ويرثها إذا ماتت، وأول ولد ذكر يجيء من هذا الزواج يحمل اسم زوجها الأول ويخلفه في تركته ووظائفه، وينسب إليه لا إلى زوجها الحالي، فيخلد بذلك اسم زوجها الأول ولا يمحى من سجل إسرائيل.
2/ عند النصارى
وموقف النصارى من المرأة امتداد لموقف اليهود، فهم -أي النصارى- يرون أن المرأة ينبوع المعاصي وأصل السيئة والفجور، وهي للرجل باب من أبواب جهنم، فهي التي تحمله على الآثام..( ومنها انبجست عيون المصائب الإنسانية جمعاء، فبحسبها ندامة وخجلاً أنها امرأة، وينبغي أن تستحي من حسنها وجمالها؛ لأنها سلاح إبليس الذي لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة، وعليها أن تكفِّر ولا تنقطع عن أداء الكفارة أبداً؛ لأنها هي التي قد أتت بما أتت به من الرزء والشقاء للأرض وأهلها ).
كما أن رجال الكنيسة غلوا في احتقار المرأة، حتى كان من موضوعاتهم التي يتدارسونها:
• هل للمرأة أن تعبد الله كما يعبده الرجل.
• هل تدخل الجنة وملكوت الآخرة.
• هل هي إنسان، له روح يسري عليه الخلود، أو هي نسمة فانية لا خلود لها؟.
وفي القرن الخامس الميلادي، اجتمع مجمع ((ماكون)) للبحث في مسألة: (هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه، أم لها روح؟)، وقد قرروا أنها خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم.
وفي عام 586م - أي قبل بعثة النبي_صلى الله عليه وسلم_ - عقد الفرنسيون مؤتمراً لبحث: ما إذا كانت المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ فتوصلوا إلى أنها إنسان، خلقت لخدمة الرجل فحسب.
كما أن المرأة جعلت تحت سلطة الرجل الكاملة، من الوجهة الاقتصادية، فأصبحت حقوقها في الإرث محدودة، وأما حقوقها في الملكية فكانت قليلة، ولم يكن لها حق فيما تكسبه بيدها، بل كان كل ما عندها ولها ملكاً لزوجها.
والطلاق والخلع لم يكونا مباحين بأي حال، مهما بلغ التنافر والشقاق بين الزوجين، فقد كان الدين والقانون يحتمان عليهما دوام العشرة، وأقصى ما يمكن فعله في بعض الأحوال الشاذة أن يفرق بينهما، على أنه لا يمكن للرجل ولا للمرأة بعد ذلك أن يجددا حياتهما الزوجية، فإما أن يختارا حياة الرهبان والراهبات، أو يتعاطيا الفجور طوال أعمارهما الباقية.
المبحث الثاني: مكانة المرأة في الإسلام
المطلب الأول: مكانة المرأة في ضوء القرآن الكريم والسنة
لقد كرم الإسلام المرأة تكريما عظيما ، كرمها باعتبارها ( أُمّاً ) يجب برها وطاعتها والإحسان إليها ، وجعل رضاها من رضا الله تعالى ، وأخبر أن الجنة عند قدميها ، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها ، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف ، وجعل حقها أعظم من حق الوالد ، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها ، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة .
ومن ذلك : قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) الأحقاف/15 ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .
وروى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال َ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ : قَالَ : وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ارْجِعْ فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة . وهو عند النسائي (3104) بلفظ : ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ) .
وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) .
إلى غير ذلك من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها .
وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة ، ما دام قادرا مستطيعا ، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة ، أو يخرجها ابنها من البيت ، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها ، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب .
وكرم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته ، وحرم أخذ مالها بغير رضاها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
وقوله : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقوله : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وكرمها بنتا ، فحث على تربيتها وتعليمها ، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً ، ومن ذلك : قوله : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631) .
وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وقوله : (من جِدَته) أي من غناه .
وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة ، فأمر بصلة الرحم ، وحث على ذلك ، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ، منها : قوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) رواه ابن ماجه (3251) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ) .
وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة ، فتكون زوجة وبنتا وأما وأختا وعمة وخالة ، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة .
وبالجملة ؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة ، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة ، ولها حق التعبير ، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري ، وترث ، وتتصدق وتهب ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها ، ولها حق الحياة الكريمة ، لا يُعتدى عليها ، ولا تُظلم . ولها حق التعليم ، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها .
المطلب الثاني: مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة
وكان من مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة ما تجسَّد في الحديث الذي روته أميمة بنت رُقَيْقَة التيمية حيث قالت: أتيت رسول الله في نسوة من المسلمين لنبايعه، فقلنا: يا رسول، الله جئنا لنبايعك على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف. قالت: فقال رسول الله : "فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَعْتُنَّ"، قالت: قلنا: "الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا...". (النسائي: السنن الكبرى، كتاب السير، بيعة النساء، (8713)، وأحمد: (27051)، وابن حبان: (4553)، والحاكم: (6946), وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (529).)
كما تجسَّد أيضًا حين اشتدَّ غضب النبي وشقَّ عليه لِمَا كان من ضَرْب جارية قد أخطأت!!
فقد روى معاوية بن الحكم السلمي فقال: "كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّةِ، فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صَكَّة، فأتيت رسول الله ، فعظَّم ذلك عليَّ، قلتُ: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: "ائْتِنِي بِهَا أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ"[صحيح مسلم، 537].". فأتيته بها، فقال لها: "أَيْنَ اللَّهُ؟" قالت: في السماء. قال: "مَنْ أَنَا؟" قالت: أنت رسول الله. قال: "وفي مثل ذلك روى هلال بن يَسَافٍ، قال: عجل شيخ فلطم خادمًا له، فقال له سويد بن مُقَرِّن: عجز عليك إلاَّ حُرُّ وجهها، لقد رأيتني سابع سبعة من بني مُقَرِّن ما لنا خادم إلاَّ واحدة، لطمها أصغرنا، فأمرنا رسول الله أن نعتقها[صحيح مسلم، 1658].
كما كان من مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة أنه حرَّم قتلها أثناء الحروب؛ فعن أنس بن مالك أن رسول الله قال: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلا طِفْلاً، وَلا صَغِيرًا، وَلا امْرَأَةً، وَلا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[أبو داود: كتاب الجهاد، باب في دعاء المشركين، (2614)، والبيهقي: السنن الكبرى (17932)، وابن أبي شيبة في المصنف 6/483]."
أمَّا المرأة الحائض التي كانت تُعْتَبَر رِجْسًا فيما سبق فقد كان للإسلام معها شأن آخر، وفي ذلك تروي أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول: "كُنْتُ أَشْرَبُ مِنَ الإِنَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ"[صحيح مسلم، 300].
وأمَّا تكريم المرأة بصفة عامَّة وصيانة سيرتها، فذلك ما لا نحسب شريعة من الشرائع حاطتهما بمثل حِيَاطة الإسلام لهما، ويكفي في ذلك أنَّ الله عزَّ وجل اشتدَّ في كتابه الكريم على قاذفي النساء في أعراضهن بأشدَّ ممَّا اشتدَّ على القَتَلَة وقُطَّاع الطُّرُق، فقد قال جلَّ ذكره: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[النور: 4]"، وقال أيضًا: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النور: 23]".
فجعل تعالى للقاذف عقوبة ثمانين جلدة، ثم دعم هذه العقوبة بأخرى أشدَّ وأخزى، وهي اتهامه أَبَدَ الدهر في ذِمَّته واطِّراح شهادته، فلا تُقْبَل له شهادة أبدًا، ثُمَّ وَسَمه بعد ذلك بسِمَة هي شرُّ الثلاثة جميعًا، وهي سمة الفسق ووصمة الفجور، ثم عاود أمرهم بما هو أشدُّ وأهول، وهو اللعن والعذاب! وإن في حديث الإفك، وما أفاض الله في شأنه لموعظة وذكرى لقوم يعقلون.
وبصفة عامَّة فالمرأة في الإسلام هي نصف المجتمع, وهي تلد النصف الثاني؛ فهي الأُمَّة بأسرها، وقد قال الرسول : "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ". ]أبو داود: (236)، عن عائشة رضي الله عنها [.
المطلب الثالث: حقوق المرأة في الإسلام
وعلى هذا فإن هناك حقوقًا أخرى أعطاها الإسلام للمرأة وأكرمها بها عن مثيلاتها في كل الديانات والمذاهب والملل المعاصرة والغابرة، منها:
1- حقُّ الحياة
فقد حَرَّم الله تعالى وَأْدَها كما كان يَصْنَع بها العرب في الجاهلية، وشنَّع القرآن الكريم على أهل الجاهلية بسبب وَأْدِهم البنات ومهانتها عندهم، فقال الله تعالى: "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ[التكوير: 8، 9]"، وقال تعالى: "وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ[الأنعام: 137]".
وفي ذلك يروي عمر بن الخطاب فيقول: جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي فقال: إني وَأَدْتُ في الجاهليَّة ثمان بنات. فقال: "أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ نَسَمَةً"[البيهقي: السنن الكبرى، 16202].
وعن يحيى بن أبي وَرَقَةَ بن سعيد، عن أبيه، قال: أخبرتني مولاتي كبيرة بنت سفيان، وكانت قد أدركت الجاهلية، وكانت من المبايعات، قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَأَدْتُ أَرْبَعَ بنينَ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: "أَعْتِقِي أَرْبَعَ رِقَابٍ". قَالَتْ: فَأَعْتَقْتُ أَبَاكَ سَعِيدًا، وَابْنَاهُ مَيْسَرَةَ، وَجُبَيْرًا، وَأُمَّ مَيْسَرَةَ[الطبراني: المعجم الكبير، 25/15].
2- حقُّ الملكية والتصرُّف بأموالها
لقد أعطى الإسلام للمرأة حقَّ ملكية الميراث، كما أعطاها حقَّ التصرف بأموالها، فلها أن تبيع وتشتري وتتصدَّق من أموالها كما تشاء، فهي كاملة الأهليَّة، وإذا كانت عاملة فهي تستطيع أن تتصرَّف بمالها وتنفق منه بالطريقة التي تُرِيد وَفْق الأحكام الشرعيَّة، وجمهور أهل العلم من الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة على أنَّ من حقِّ المرأة التصرُّف في مالها بدون إذن زوجها، واستدلُّوا بآيات الله التي تخاطِب المرأة والرجل بصيغة واحدة، فيقول تعالى: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا". كما استدلُّوا بالمساواة المقرَّرة في غالب الأحكام الشرعيَّة بين الرجل والمرأة حيث قال تعالى: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[آل عمران :195]". كما استدلُّوا بسُنَّتِهِ العمليَّة.
ومنها قصة إعتاق ميمونةَ زوجِ الرسول وليدتَهَا بدون علمه، وإقراره لها على ذلك، فعن ميمونة بنت الحارث، رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة في زمان رسول الله ، فذكرت ذلك لرسول الله ، فقال: "لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ"[البخاري، 2452].
وكذلك قصة أُمِّ الفضل بنت الحارث، قالت: "إن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله ، فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره بعرفة، فشربه"[البخاري، 1578].
كما تصرَّفت أُمُّ الفضل في هذا اللبن، وهو من مالها، فأرسلت إلى الرسول ، فأقرَّها وشربه، ولو كان تصرُّفُها غيرَ شرعي لبَيَّنَ ذلك.
قال النووي رحمه الله – وهو يُعَدِّدُ بعض فوائد هذا الحديث- : "ومنها أنَّ تصرُّف المرأة في مالها جائز، ولا يشترط إِذْن الزوج، سواء تصرَّفت في الثلث أو أكثر، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: لا تتصرَّف فيما فوق الثلث، إلاَّ بإذنه، وهو موضع الدلالة من الحديث أنه ، لم يسأل: هل هو من مالها ويَخْرُجُ من الثلث، أو بإذن الزوج أَمْ لا؟ ولو اختلف الحكم لسأل.
ومن أكبر الأدلة على حقِّ المرأة في تصرُّفها في مالها، بدون إذن زوجها، حَثُّ الرسول النساء على الصدقة، واستجابتهن لذلك، وتصدُّقهن بحليهن، كما روى ذلك ابن جُرَيْجٍ، قال: أخبرني عطاء، عن جابر ، قال: "إن النبي قام يوم الفطر، فصلَّى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناسَ، فلما فرغ نبي الله ، نزل وأتى النساء، فذكَّرهُنَّ وهو يتوكَّأ على يَدِ بلال، وبلال باسط ثوبه، يُلْقِين النساءُ صدقة". قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر؟ قال: لا، ولكن صدقة يتصدَّقن بها حينئذ، تُلقي المرأة فتخها ويلقين[البخاري، 935].
ولم يحدَّ الشارع من هذا الحقِّ إلاَّ في حالة كون المرأة سفيهة أو غير قادرة على التصرف الجيد في المال حفاظًا عليها من الفتنة والسوء.
3- حقُّ الموافقة على الخاطب أو رفضه
فالمرأة كالرجل لها حقُّ اختيار الزوج المؤمن الصالح، ولا يجوز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده؛ فقد قال رسول الله : "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا"[ مسلم، 1421].
وقال أيضًا : "لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ". قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: "أَنْ تَسْكُتَ"[البخاري، 4843].
وقد جاءت الخنساء بنت خذام فأخبرت الرسول بأنَّ أباها زوَّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فردَّ نكاحه[البخاري، 4845].
4- حقُّ العلم والتعلم
سواء أكان العلم في المسجد - كما كان في زمن الرسول - أو في المدارس والجامعات كمـا هو في وقتنا الحالي؛ فقد قـال الـرسول : "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا... فَلَهُ أَجْرَانِ"[ البخاري، 4795] وقد كان الرسول يجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ ويذكِّرَهُنَّ ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى.
5- حقُّ مفارَقة الزوج
فقد أباح الشرع الإسلامي للمرأة التخلُّص من الزوجيَّة بطريق الخُلْعِ في حال كون الكراهية من جهتها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي فقالت: يا رسول الله، ما أَنْقِم على ثابت في دين ولا خُلُق، إلاَّ أنِّي أخاف الكفر. فقال رسول الله : "فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟" فقالت: نعم. فردَّت عليه حديقته، وأمره ففارقها[البخاري، 4973].
6- الحقُّ في إعطاء الأمان والجوار
فللمرأة الحقُّ في أن تُعْطِيَ الأمان والجوار في الحرب أو السلم لغير المسلمين، وذلك كما فعلت أُمُّ هانئ بنت أبي طالب حينما أجارت رجلاً مشركًا، فأبى أخوها علي إلاَّ أنْ يقتله؛ فكان قضاء الرسول في هذه الحادثة: "أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"[البخاري، 3000].
المطلب الرابع: مكانة المرأة في الإسلام من وجة نظر غربية
1/ لايتنر Lightner
باحث انكليزي , حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت , وزار الأستانة عام 1854, كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها
((.. إن الزواج عند المسلمين يجل عما رماهم به كتاب النصارى . والقول بأنه لا يوجد حد للزواج والطلاق عند المسلمين فغير صحيح , والطلاق عندهم ليس هو بالأمر الهين , فعدا عن وجود المحكمين فعلى الرجل أن يدفع صداقها المسمى عند إجراء العقد وهذا غالبا يكون فوق ما يقدر زوجها على إيفائه بسهولة , فمركز المرأة بالإسلام قوي مؤمن من الطلاق . إن النصارى والبوذيين يرون الزواج أمرا روحيا ومع ذلك نرى عقدة النكاح محترمة عند المسلمين أكثر مما هي محترمة في البلاد المسيحية ...ويسوءني أن اذكر ما ليس لي مناص من ذكره وهو أنني سكنت بين المسلمين أربعا وخمسين عاما ابتداءها سنة 1848 فمع وجود التساهل في أمر الطلاق عندهم وعسره عند النصارى , فقد وقع حوداث طلاق عند النصارى أكثر مما وقع عند المسلمين بكثير . وإني أقول الحق بأن الشفقة والإحسان عند المسلمين نحو عيالهم والغرباء والمسنين والعلماء لمثال مجد يجب على النصارى أن يتقدوا به)) " "
2/ كوستاف لوبون Dr.G.Lebon
ولد عام 1841 م , وهو طبيب , ومؤرخ فرنسي , عني بالحضارة الشرقية .
من آثاره : (حضارة العرب ) (باريس 1884) , (الحضارة المصرية ) , و (حضارة العرب في الأندلس ) .
(( إن النساء المسلمات قد أخرجن في الدهر الغابر من المشهورات العالمات بقدر تخرج مدارس الإناث في الغرب اليوم))" "
3/ مارسيل بوازار ... M.Poizer
مفكر , وقانوني فرنسي معاصر . أولى اهتماما كبيرا لمسألة العلاقات الدولية وحقوق الإنسان وكتب عددا من الأبحاث للمؤتمرات والدوريات المعنية بهاتين المسألتين . يعتبر كتابه (إنسانية الإسلام) , الذي انبثق عن اهتمام نفسه , علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام , بما تميز به من موضوعية , وعمق , وحرص على اعتماد المراجع التي لا يأسرها التحيز والهوى . فضلا عن الكتابات الإسلامية نفسها .
(( لقد خلقت المرأة في نظر القرآن من الجوهر الذي خلق منه الرجل . وهي ليست من ضلعه , بل (نصفه الشقيق )كما يقول الحديث النبوي ]النساء شقائق الرجال [المطابق كل المطابقة للتعاليم القرآنية التي تنص على أن الله قد خلق من كل شي زوجين. ولا يذكر التنزيل أن المرأة دفعت الرجل إلى ارتكاب الخطيئة الأصلية ,كما يقول سفر التكوين . وهكذا فان العقيدة الإسلامية لم تستخدم ألفاظا للتقليل من احترامها , كما فعل آباء الكنيسة الذين طالما اعتبروها (عميلة الشيطان) . بل إن القرآن يضفي آيات الكمال على امرأتين :امرأة فرعون ومر يم ابنة عمران أم المسيح ]عليه السلام[ " "....)) " "
الخاتمة:
كانت المرأة في الجاهلية ( قبل الإسلام ) ليس لها حقوق وكان الجميع ينظرون اليها نظرة احتقار وذل وعار. كما لم يكن للمرأة حق الميراث ولا حق التصرف بأموالها ولا حق التملك والرأي ( كانت منتزعة الحقوق )، وكانت بعض قبائل العرب تشعر بالغم اذا بشروا بالإنثى وبعضهم كان وأدها عند ولادتها زعما بأنها تجلب الفقر والذل والعار لحاجتهم للرجال أكثر من النساء نظرا لكثرة الحروب في الجاهلية.
وما كانت عليه آنذاك في المجتمع أشد وطأة عليها، فكانت تنعدم من كل معاني الإنسانية.
فعندما جاء الإسلام رفع مكانة المرأة ورفع شأنها وقضى على جميع صور الإهانة التي كانت تتعرض لها المرأة في جميع عض صور التاريخ. كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق والإنسانية والكرامة فكانت المساواة في أصل الخلقة فالرجل والمرأة خلقا من نفس واحدة، المساواة في حق الحياة، حيث ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق الحياة وجعل التعدي على هذا الحق من أكبر الذنوب . كما استنكر الإسلام ما كانت تفعله بعض القبائل في الجاهلية من وأد للبنات وعدها جريمة شنيعة كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية كالقصاص والدية وجعل دم المرأة مساويا لدم الرجل والمساواة في التكليف والجزاء، فلا تختلف المرأة عن الرجل في التكاليف الشرعية والجزاء الإخروي، وكذا المساواة في أهلية التصرفات المالية، فإذا بلغ الإنسان عاقلا رشيدا كانت له شخصيته القانونية الكاملة الكاملة في أن يتصرف فيما يملكه كما يشاء بالبيع والهبة والوصية والإجار وغير ذلك، ومما حرص عليه الإسلام أيضا المساواة في حرية التفكير والرأي، فما دامت المرأة كالرجل في مسؤولية التكليف والجزاء فإنها تتساوى معه في حق التفكير وحرية الرأي ووجوب النظر والتدبر لتصل إلى الرأي القويم.
وفي الختام ليس للمرأة من حقوق وكرامة إلاّ في الإسلام، الذي ثبّت مبدأ الحقوق والكرامة لأفراد النوع البشري كافّة بقوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) ]الإسراء، 70[
فليس أمام المرأة إلاّ أن تطالب بحقّها كما كفله الإسلام لها، وتلتزم بواجبها كما حدّده القرآن لها، كاُم بنت وزوجة، وفرد له حقّ الولاء والحبّ في المجتمع، يوظِّف طاقته الفكرية والنفسية والجسدية في مواطن الخير والطّهر والصّلاح، بعد أن جرّبت مرارة العيش في متاهات الحياة الغريزيّة المبتذلة، في عالم الحضارة الماديّة المنهار .
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم برواية حفص عن نافع.
موسوعة الحديث النبوي الشريف.
أحمد شلبي، مقارنة الأديان، مكتبة النهضة المصرية، 1977، مصر.
سهيل الفتلاوي، حقوق الانسان في الاسلام، الطبعة رقم: 1، دار الفكر العربي، 2000.
مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، الطبعة رقم: 1، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1998.
قال الله تعالى في محكم تنزيله:
(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
إنّ العلاقة بين الأفراد في الحياة الاجتماعية كالعلاقة بين حروف اللّغة، فما لم تجتمع تلك الحروف، وتنتظم العلاقة بينها، لا تحصل البنية اللّغوية العامّة التي تحمل الفكر الإنساني، وتُصوِّر المشاعر والحياة الإنسانية بأجمعها .
وهكذا الأفراد الاحاديون لا يتحوّلون إلى صيغة انسانية وتشكيل نسمِّيه مجتمعاً، له وجوده وكيانه المتميِّز عن وجود وكيان الأفراد، وله هويّته ومشخّصاته إلاّ إذا ترابط أفراده بروابط، وانتظموا بعلاقات تنظم نشاطهم وسلوكهم.
لقد خلق الله الإنسان امرأة أو رجلاً في فطرة معينة تمتاز عن الحيوان، فالمرأة إنسان، والرجل إنسان، ولا يختلف أحدهما عن الآخر في الإنسانية، ولا يمتاز أحدهما عن الآخر في شيء من هذه الإنسانية. وقد هيأهما لخوض معترك الحياة بوصف الإنسانية. وجعلهما يعيشان حتماً في مجتمع واحد. وجعل بقاء النوع متوقفاً على اجتماعهما، وعلى وجودهما في كل مجتمع. فلا يجوز أن ينظر لأحدهما إلا كما ينظر للآخر، بأنه إنسان يتمتع بجميع خصائص الإنسان ومقومات حياته، وقد خلق الله في كل منهما طاقة حيوية، هي نفس الطاقة الحيوية التي خلقها في الآخر وجعل في كل منهما قوة التفكير وهي نفس قوة التفكير الموجودة في الآخر. فالعقل الموجود عند الرجل هو نفس العقل الموجود عند المرأة إذ خلقه الله عقلاً للإنسان، وليس عقلاً للرجل أو للمرأة.
إنّ دراسة تاريخ الشعوب والمجتمعات على امتداد عصورها تكشف عن معاناة المرأة واستغلالها واضطهادها .
ولم يكن هناك من نظام، أو عقيدة رفعت عن المرأة كابوس الظلم والاضطهاد والمعاناة غير المبادئ الإلهيّة التي تجسّدت بأرقى صورها في الرسالة الإسلامية الخالدة .
ومن خلال بحثنا نحاول إلقاء الضوء على مكانة المرأة في الحضارات القديمة، وكيف كانت مضطهدة، ومن ثم مكانتها في الإسلام، وكيف كرمها وأجلى قدرها وأعلاه.
المبحث الأول: مكانة المرأة في الحضارات القديمة
المطلب الأول: في الحضارة اليونانية، الرومانية، الفارسية والصينية
1/ في الحضارة اليونانية
كان في اليونان تقدم في ميادين الثقافة والعلوم، إلا أن هذا التقدم لم ينعكس على وضع المرأة، ( ففي غضون القرون التي كانت فيها دول المدن اليونانية على جانب عظيم من رفعة الشأن، كانت النساء في هذه الدولة يقمن بأدوار تافهة وضيعة، ولئن تمتعن بحق الحياة فما ذلك إلا لأنه لم يكن عنهن غنى، وكان الرجال يجدون فيهن المتعة والتسلية).
كما أن المرأة كانت معزولة عن المجتمع، لا عمل لها سوى الإنجاب، فكم من زوجة كانت تكره من غير زوجها، وكم من أم كانت تكره على البغاء، وأخت تزوج مكرهة بغير رضاها.
وكانت الأساطير قد اتخذت امرأة خيالية تسمى (باندورا)(4)، وعدتها ينبوع جميع آلام الإنسان ومصائبه، وقد كان لهذه الأسطورة أثر على عقولهم وأذهانهم؛ فلم تكن المرأة عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل.
وكان أحد فلاسفتهم ينظر إلى المرأة كنظرته إلى العبيد، وكان يعاملها معاملة الخدم، وربما أشد، فالمرأة عنده كائن ناقص، مسلوب الإرادة، ضعيف الشخصية .
2/ الحضارة الرومانية
وقد كان موقف الرومان من المرأة كموقف اليونان، وهو الاستخفاف بها، وأنها أدنى منزلة من الرجل، فيجب أن تبقى تحت سلطة الرجل يتصرف بها كيف يشاء.
وفي ذلك يقول أحد مفكريهم : "توجب عاداتنا على النساء الرشيدات أن يبقين تحت الوصاية لخفة عقولهن .
وقد جرد القانون الروماني المرأة من معظم حقوقها المدنية في مختلف مراحل حياتها، فلم تكن لها أهلية أو شخصية قانونية، وقد كان القانون يعد ((الأنوثة)) سبباً من أسباب انعدام الأهلية - كحداثة السن، والجنون -. فقبل زواجها تكون تحت سيطرة رئيس الأسرة - أبيها أو جدها -، وتعطيه هذه السيطرة كافة الحقوق عليها، كحق إخراجها من الأسرة، وبيعها بيع الرقيق، وحتى حق الحياة والموت، وبعد زواجها واعتراف الزوج بها تصبح بمثابـة بنت من بناته، فتنقطع علاقتها انقطاعاً تاماً بأسرتها القديمة ويحل زوجها محل أبيها أو جدّها، ويسمى هذا الزواج (زواج السيادة) وقد بلغ من سيادة زوجها عليها، أنها كانت تحال إليه إذا اتهمت بجريمة ليحاكمها، ويتولى معاقبتها بنفسه، وكان له أن يحكم عليها بالإعدام في بعض التهم كالخيانة مثلاً، وكان إذا توفي عنها زوجها، دخلت في وصاية أبنائها الذكور، أو إخوة زوجها، أو أعمامه.
إن المرأة الرومانية في نظر الرومان مجرد متعة للرجل، فقد شجعوا العهر وأباحوه، وقد كانت المعابد هي المكان المفضل لتعاطي البغاء.
ثم أخذت نظرية الرومان في النساء تتبدل برقيهم في المدنية والحضارة، وما زال هذا التبدل يطرأ على نظمهم وقوانينهم المتعلقة بالأسرة وعقد الزواج والطلاق، فانعكست الحال رأساً على عقب، فلم يبق لعقد الزواج عندهم معنى. ومنحت المرأة جميع حقوق الإرث والملك، وجعلها القانون حرة طليقة لا سلطة عليها للأب ولا للزوج، ثم سهلوا من أمر الطلاق حتى جعلوه شيئاً عادياً يلجأ إليه لأتفه الأسباب.
ثم بدأت تتغير نظرتهم إلى العلاقات والروابط القائمة بين الرجل والمرأة من غير عقد مشروع. وقد بلغ بهم التطرف في آخر الأمر أن جعل كبار علماء الأخلاق منهم يعدون الزنا شيئاً عادياً.
وبسبب انغماسهم في الشهوات البهيمية ومجاوزتهم الحد في ذلك؛ زالت دولتهم الرومانية، وتمزق جمعها كل ممزق.
3/ الحضارة الفارسية:
كانت المرأة في الحضارة الفارسية محتقرة مهانة، وكان ينظر لها بأنها سبب كل شر؛ ومن أجل ذلك كان يفرض عليها أن تعيش تحت أنماط من الظلم، فهي عبدة سجينة منزلها، تباع بيع البهائم، وكانت تحت سلطة الرجل المطلقة، فيحق له أن يحكم عليها بالموت دون رقيب أو مؤاخذة، ويتصرف بها كما يشاء، كما أنها إذا حاضت أبعدت عن المنزل، وجعلت في خيمة ولا يخالطها أحد، حتى إن الخدم يلفون مقدم أنوفهم وآذانهم وأيديهم بلفائف من القماش الغليظ عند تقديم الطعام لهن وخدمتهن، خوفاً من أن يتنجسوا إذا مسوهن أو مسوا الأشياء المحيطة بهن حتى الهواء.
كما أن الإباحية انتشرت في بلاد فارس، فأصبح الزواج بالمحرمات من النسب مباحاً: كالزواج بالأمهات والأخوات والبنات والعمات والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
(إن المؤرخين المعاصرين للعهد الساساني، مثل: (جاتهياس) وغيره، يصدقون بوجود عادة زواج الإيرانيين بالمحرمات، ويوجد في تاريخ العهد الساساني أمثلة لهذا الزواج، فقد تزوج (بهرام) بأخته (جوبين)، وتزوج (جشتسب) قبل أن يتنصر بالمحرمات، ولم يكن يعد هذا الزواج معصية عند الإيرانيين، بل كان عملاً صالحاً يتقربون به إلى الله).
وقد كان ظهور (المانوية) في القرن الثالث المسيحي، يعتبر رد فعل ضد النزعة الإباحية السائدة في البلاد، حيث كانت المناداة بحياة العزوبة لحسم مادة الفساد والشر من العالم، وحرم مؤسس هذا المذهب النكاح استعجالاً للفناء، وانتصاراً للنور على الظلمة بقطع النسل.
ثم كانت الدعوة (المزدكية) التي ثارت على التعاليم (المانوية) المجحفة، فأعلنت أن الناس ولدوا سواء، لا فرق بينهم، فينبغي أن يعيشوا سواء لا فرق بينهم. ولما كان المال والنساء هما ما حرصت النفوس على حفظه وحراسته، كان ذلك عند أصحاب هذه الدعوة أهم ما تجب فيه المساواة والاشتراك.
وقد حظيت هذه الدعوة بموافقة الشبان والأغنياء والمترفين، وصادفت من قلوبهم هوى، وناصرها الحكام والملوك، حتى انغمست الدولة الفارسية في الفوضى الخلقية وطغيان الشهوات.
قال الإمام الطبري: (افترص السفلة ذلك، واغتنموا وكاتفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم، فابتلي الناس بهم وقوي أمرهم، حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم، وحملوا (قباذ) على تزيين ذلك وتوعدوه بخلعه، فلم يلبثوا إلا قليلاً، حتى صاروا لا يعرف الرجل ولده، ولا المولود أباه، ولا يملك شيئاً مما يتسع به).
4/ المرأة في البلاد الصينية:
لم تكن المرأة في البلاد الصينية أحسن حالاً من أختها في بلاد الفرس، ويؤخذ من مادة في موسوعة الدين والأخلاق، أن المجتمع الصيني على العموم كان الناس يعيشون في فوضوية، فهم أقرب إلى الوحوش منهم إلى البشر، كانوا يعرفون أمهاتهم، ولا يعرفون آباءهم، وكانوا يتزاوجون بلا حشمة ولا حياء، حتى قام رجل منهم وكان من الحكماء الأقوياء اسمه (فوه ـ سي) (Fالله تعالىh - His) وذلك سنة (2736 ـ 2852) قبل الميلاد قام هذا الحكيم ووضع لهم القوانين، وسنّ لهم الأنظمة، ولكن المرأة لم تنل من السلطة أو الكرامة أي نصيب، بل كان نصيبها أن تتلقى الأوامر، وتنفذها بدون أي اعتراض. فإذا كانت لا تزال بنتاً لم تتزوج، فواجب عليها إطاعة أبيها، فإذا تزوجت فالطاعة لزوجها، وإذا مات عنها زوجها أطاعت ابنها الكبير.
وفي المجتمع الصيني القديم أيضاً صاحب الحضارة العريقة، أن يسير الأب على ما جرى عليه العرف العام، فالعادة بالميراث أن البنات لا يرثن، وحصة الابن الأكبر من الميراث تكون هي الكبرى، وليس للبنت أن تطلب من مال أبيها شيئاً لأن البنت لا ترث لأنها ليست بولد.
المطلب الثاني: في البلاد المصرية، السومرية والآشورية
1/ المرأة في البلاد المصرية:
كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة، وكان المجتمع المصري القديم يتميز بطابع التمدن والرقي في تلك العصور، ولكن المرأة المصرية كانت بغاية الاضطهاد والهوان، وكانت تعامل معاملة ازدراء واحتقار كالخدم، وهي لا تصلح إلا لتدبير شؤون البيت، وتربية الأطفال.
كان المصري القديم، يتزوج في مرحلة مبكرة، وكان يتزوج من أخته وذلك خشية أن تنتقل أملاك الأسرة إلى الأغراب، وقد عرف المصريون القدماء تعدد الزوجات، وعرفوا التسري، وكانت الزوجة تحمل التمائم خلال أشهر الحمل، لتقي حملها من الأرواح الشريرة، وكان الرجل المصري يفرح إذا بُشر بالمولود الذكر، ويكفهر وجهه حزناً إذا علم أن زوجته وضعت أنثى، ومن الطريق أن المصريين القدماء قاموا بتجارب لمعرفة الجنين قبل ولادته خوفاً من أن يكون أنثى.
ويقول الدكتور ميخائيل إبراهيم: لقد حرص المصري على زوجته أشد الحرص، فلا تخرج من بيتها أبداً إلاّ لخدمة الآلهة، أو الخدمة في القصور، وكانت على جانب عظيم من الذلة والمهانة.
2/ المرأة السومرية:
وأما في العهد السومري، فقد كانوا يعاملون المرأة معاملة فظة غليظة، كما كانت تعامل عند جميع الشعوب في تلك الأزمنة. فما كانت مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجاورة، وذلك على الصعيد الاجتماعي، ومن حيث الحرية والكرامة.
وأما المرأة عند البابليين فكانوا ينظرون إليها نظرة احتقار فهي لم تخلق إلا لإسعاد الرجل.
3/ المرأة الاشورية:
كان المجتمع الأشوري لا يختلف في شكله العام عن تركيب المجتمع البالي من حيث عدد الطبقات، والتشابه في البيوت والأثاث واللباس. وبالنظر إلى الأهمية التي تعطى عادة للرجال في مجتمع تسوده الروح العسكرية، أصبح الرجل الأشوري أكبر قوة وتسلطاً في حين انخفض مركز المرأة الاجتماعي، وفقدت بعض الحقوق التي كانت تتمتع بها في الحضارتين: السومرية والبابلية.
فقد أصبحت المرأة الأشورية تعتبر ملكاً للرجل وله الحق في أن يحرمها ما تملك، ويطلقها متى أراد، ولا فرق بينها وبين الحيوان الأعجم. الرجل يأمر وهي تتلقى الأوامر، وتنفذها صاغرة، وليس لها حق الاعتراض.
المطلب الثالث: عند اليهود والنصاري
1/ عند اليهود
إن موقف المرأة عند اليهود هو موقف الاتهام بأنها وراء أول معصية لآدم - عليه السلام - في الجنة، فهي في نظرهم من حبائل الشيطان، وأساس الخطيئة بين بني آدم، فهي نبع الخطايا، وسبب الآثام والرذائل، وهذا أساس المعتقد الديني لليهود، وبالتالي أخذت شريعة يهود من المرأة موقف الشك والحذر.
والابن - عند يهود - ينسب لأمه لا لأبيه، وهذا الأمر ليس من قبيل تكريم المرأة عند اليهود، بل من باب تكثير العدد عند بني إسرائيل؛ ذلك لأنهم يرسلون نساءهم للغواية والفجور – وهذا من الاستغلال الدنيء لجسد المرأة -، ويأتي بعد ذلك الوليد في بطن أمه سفاحاً، فهو يهودي عندهم؛ لأنه منسوب لأمه.
أما بالنسبة للدين والشريعة، فليس للمرأة أي علاقة بهذا الجانب، فهي أحقر من أن تقوم بدور (الحاخامية) - الكهانة - عند يهود؛ ذلك لأنها لا يجوز أن تطلع على أسرار الدين. نعم قد يشركونها في السياسة أو في الحرب، لكي تكون سهماً من سهامهم على أعدائهم.
كما أن المرأة محرومة من معظم حقوقها المدنية في مختلف مراحل حياتها، وتجعلها تحت وصاية أبيها وأهلها قبل زواجها، وتحت وصاية زوجـها بعـد زواجها، وتنزلها في كلتا الحالتين منزلة تقرب من منزلة الرقيق. بل إنها لتبيح للوالد المعسر أن يبيع ابنته بيع الرقيق لقاء ثمن يفرج به أزمته.
وتقرر الشريعة اليهودية أنه إذا توفي شخص دون أن ينجب أولاداً ذكوراً، تصبح أرملته زوجة تلقائياً لشقيق زوجها، أو أخيه لأبيه، رضيت بذلك أو كرهت. وتجب عليه نفقتها ويرثها إذا ماتت، وأول ولد ذكر يجيء من هذا الزواج يحمل اسم زوجها الأول ويخلفه في تركته ووظائفه، وينسب إليه لا إلى زوجها الحالي، فيخلد بذلك اسم زوجها الأول ولا يمحى من سجل إسرائيل.
2/ عند النصارى
وموقف النصارى من المرأة امتداد لموقف اليهود، فهم -أي النصارى- يرون أن المرأة ينبوع المعاصي وأصل السيئة والفجور، وهي للرجل باب من أبواب جهنم، فهي التي تحمله على الآثام..( ومنها انبجست عيون المصائب الإنسانية جمعاء، فبحسبها ندامة وخجلاً أنها امرأة، وينبغي أن تستحي من حسنها وجمالها؛ لأنها سلاح إبليس الذي لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة، وعليها أن تكفِّر ولا تنقطع عن أداء الكفارة أبداً؛ لأنها هي التي قد أتت بما أتت به من الرزء والشقاء للأرض وأهلها ).
كما أن رجال الكنيسة غلوا في احتقار المرأة، حتى كان من موضوعاتهم التي يتدارسونها:
• هل للمرأة أن تعبد الله كما يعبده الرجل.
• هل تدخل الجنة وملكوت الآخرة.
• هل هي إنسان، له روح يسري عليه الخلود، أو هي نسمة فانية لا خلود لها؟.
وفي القرن الخامس الميلادي، اجتمع مجمع ((ماكون)) للبحث في مسألة: (هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه، أم لها روح؟)، وقد قرروا أنها خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم.
وفي عام 586م - أي قبل بعثة النبي_صلى الله عليه وسلم_ - عقد الفرنسيون مؤتمراً لبحث: ما إذا كانت المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ فتوصلوا إلى أنها إنسان، خلقت لخدمة الرجل فحسب.
كما أن المرأة جعلت تحت سلطة الرجل الكاملة، من الوجهة الاقتصادية، فأصبحت حقوقها في الإرث محدودة، وأما حقوقها في الملكية فكانت قليلة، ولم يكن لها حق فيما تكسبه بيدها، بل كان كل ما عندها ولها ملكاً لزوجها.
والطلاق والخلع لم يكونا مباحين بأي حال، مهما بلغ التنافر والشقاق بين الزوجين، فقد كان الدين والقانون يحتمان عليهما دوام العشرة، وأقصى ما يمكن فعله في بعض الأحوال الشاذة أن يفرق بينهما، على أنه لا يمكن للرجل ولا للمرأة بعد ذلك أن يجددا حياتهما الزوجية، فإما أن يختارا حياة الرهبان والراهبات، أو يتعاطيا الفجور طوال أعمارهما الباقية.
المبحث الثاني: مكانة المرأة في الإسلام
المطلب الأول: مكانة المرأة في ضوء القرآن الكريم والسنة
لقد كرم الإسلام المرأة تكريما عظيما ، كرمها باعتبارها ( أُمّاً ) يجب برها وطاعتها والإحسان إليها ، وجعل رضاها من رضا الله تعالى ، وأخبر أن الجنة عند قدميها ، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها ، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف ، وجعل حقها أعظم من حق الوالد ، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها ، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة .
ومن ذلك : قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) الأحقاف/15 ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .
وروى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال َ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ : قَالَ : وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ارْجِعْ فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة . وهو عند النسائي (3104) بلفظ : ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ) .
وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) .
إلى غير ذلك من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها .
وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة ، ما دام قادرا مستطيعا ، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة ، أو يخرجها ابنها من البيت ، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها ، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب .
وكرم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته ، وحرم أخذ مالها بغير رضاها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
وقوله : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .
وقوله : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وكرمها بنتا ، فحث على تربيتها وتعليمها ، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً ، ومن ذلك : قوله : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631) .
وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وقوله : (من جِدَته) أي من غناه .
وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة ، فأمر بصلة الرحم ، وحث على ذلك ، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ، منها : قوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) رواه ابن ماجه (3251) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ) .
وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة ، فتكون زوجة وبنتا وأما وأختا وعمة وخالة ، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة .
وبالجملة ؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة ، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة ، ولها حق التعبير ، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري ، وترث ، وتتصدق وتهب ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها ، ولها حق الحياة الكريمة ، لا يُعتدى عليها ، ولا تُظلم . ولها حق التعليم ، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها .
المطلب الثاني: مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة
وكان من مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة ما تجسَّد في الحديث الذي روته أميمة بنت رُقَيْقَة التيمية حيث قالت: أتيت رسول الله في نسوة من المسلمين لنبايعه، فقلنا: يا رسول، الله جئنا لنبايعك على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف. قالت: فقال رسول الله : "فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَعْتُنَّ"، قالت: قلنا: "الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا...". (النسائي: السنن الكبرى، كتاب السير، بيعة النساء، (8713)، وأحمد: (27051)، وابن حبان: (4553)، والحاكم: (6946), وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (529).)
كما تجسَّد أيضًا حين اشتدَّ غضب النبي وشقَّ عليه لِمَا كان من ضَرْب جارية قد أخطأت!!
فقد روى معاوية بن الحكم السلمي فقال: "كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّةِ، فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صَكَّة، فأتيت رسول الله ، فعظَّم ذلك عليَّ، قلتُ: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: "ائْتِنِي بِهَا أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ"[صحيح مسلم، 537].". فأتيته بها، فقال لها: "أَيْنَ اللَّهُ؟" قالت: في السماء. قال: "مَنْ أَنَا؟" قالت: أنت رسول الله. قال: "وفي مثل ذلك روى هلال بن يَسَافٍ، قال: عجل شيخ فلطم خادمًا له، فقال له سويد بن مُقَرِّن: عجز عليك إلاَّ حُرُّ وجهها، لقد رأيتني سابع سبعة من بني مُقَرِّن ما لنا خادم إلاَّ واحدة، لطمها أصغرنا، فأمرنا رسول الله أن نعتقها[صحيح مسلم، 1658].
كما كان من مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة أنه حرَّم قتلها أثناء الحروب؛ فعن أنس بن مالك أن رسول الله قال: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلا طِفْلاً، وَلا صَغِيرًا، وَلا امْرَأَةً، وَلا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[أبو داود: كتاب الجهاد، باب في دعاء المشركين، (2614)، والبيهقي: السنن الكبرى (17932)، وابن أبي شيبة في المصنف 6/483]."
أمَّا المرأة الحائض التي كانت تُعْتَبَر رِجْسًا فيما سبق فقد كان للإسلام معها شأن آخر، وفي ذلك تروي أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول: "كُنْتُ أَشْرَبُ مِنَ الإِنَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ"[صحيح مسلم، 300].
وأمَّا تكريم المرأة بصفة عامَّة وصيانة سيرتها، فذلك ما لا نحسب شريعة من الشرائع حاطتهما بمثل حِيَاطة الإسلام لهما، ويكفي في ذلك أنَّ الله عزَّ وجل اشتدَّ في كتابه الكريم على قاذفي النساء في أعراضهن بأشدَّ ممَّا اشتدَّ على القَتَلَة وقُطَّاع الطُّرُق، فقد قال جلَّ ذكره: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[النور: 4]"، وقال أيضًا: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النور: 23]".
فجعل تعالى للقاذف عقوبة ثمانين جلدة، ثم دعم هذه العقوبة بأخرى أشدَّ وأخزى، وهي اتهامه أَبَدَ الدهر في ذِمَّته واطِّراح شهادته، فلا تُقْبَل له شهادة أبدًا، ثُمَّ وَسَمه بعد ذلك بسِمَة هي شرُّ الثلاثة جميعًا، وهي سمة الفسق ووصمة الفجور، ثم عاود أمرهم بما هو أشدُّ وأهول، وهو اللعن والعذاب! وإن في حديث الإفك، وما أفاض الله في شأنه لموعظة وذكرى لقوم يعقلون.
وبصفة عامَّة فالمرأة في الإسلام هي نصف المجتمع, وهي تلد النصف الثاني؛ فهي الأُمَّة بأسرها، وقد قال الرسول : "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ". ]أبو داود: (236)، عن عائشة رضي الله عنها [.
المطلب الثالث: حقوق المرأة في الإسلام
وعلى هذا فإن هناك حقوقًا أخرى أعطاها الإسلام للمرأة وأكرمها بها عن مثيلاتها في كل الديانات والمذاهب والملل المعاصرة والغابرة، منها:
1- حقُّ الحياة
فقد حَرَّم الله تعالى وَأْدَها كما كان يَصْنَع بها العرب في الجاهلية، وشنَّع القرآن الكريم على أهل الجاهلية بسبب وَأْدِهم البنات ومهانتها عندهم، فقال الله تعالى: "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ[التكوير: 8، 9]"، وقال تعالى: "وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ[الأنعام: 137]".
وفي ذلك يروي عمر بن الخطاب فيقول: جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي فقال: إني وَأَدْتُ في الجاهليَّة ثمان بنات. فقال: "أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ نَسَمَةً"[البيهقي: السنن الكبرى، 16202].
وعن يحيى بن أبي وَرَقَةَ بن سعيد، عن أبيه، قال: أخبرتني مولاتي كبيرة بنت سفيان، وكانت قد أدركت الجاهلية، وكانت من المبايعات، قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَأَدْتُ أَرْبَعَ بنينَ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: "أَعْتِقِي أَرْبَعَ رِقَابٍ". قَالَتْ: فَأَعْتَقْتُ أَبَاكَ سَعِيدًا، وَابْنَاهُ مَيْسَرَةَ، وَجُبَيْرًا، وَأُمَّ مَيْسَرَةَ[الطبراني: المعجم الكبير، 25/15].
2- حقُّ الملكية والتصرُّف بأموالها
لقد أعطى الإسلام للمرأة حقَّ ملكية الميراث، كما أعطاها حقَّ التصرف بأموالها، فلها أن تبيع وتشتري وتتصدَّق من أموالها كما تشاء، فهي كاملة الأهليَّة، وإذا كانت عاملة فهي تستطيع أن تتصرَّف بمالها وتنفق منه بالطريقة التي تُرِيد وَفْق الأحكام الشرعيَّة، وجمهور أهل العلم من الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة على أنَّ من حقِّ المرأة التصرُّف في مالها بدون إذن زوجها، واستدلُّوا بآيات الله التي تخاطِب المرأة والرجل بصيغة واحدة، فيقول تعالى: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا". كما استدلُّوا بالمساواة المقرَّرة في غالب الأحكام الشرعيَّة بين الرجل والمرأة حيث قال تعالى: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[آل عمران :195]". كما استدلُّوا بسُنَّتِهِ العمليَّة.
ومنها قصة إعتاق ميمونةَ زوجِ الرسول وليدتَهَا بدون علمه، وإقراره لها على ذلك، فعن ميمونة بنت الحارث، رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة في زمان رسول الله ، فذكرت ذلك لرسول الله ، فقال: "لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ"[البخاري، 2452].
وكذلك قصة أُمِّ الفضل بنت الحارث، قالت: "إن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله ، فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره بعرفة، فشربه"[البخاري، 1578].
كما تصرَّفت أُمُّ الفضل في هذا اللبن، وهو من مالها، فأرسلت إلى الرسول ، فأقرَّها وشربه، ولو كان تصرُّفُها غيرَ شرعي لبَيَّنَ ذلك.
قال النووي رحمه الله – وهو يُعَدِّدُ بعض فوائد هذا الحديث- : "ومنها أنَّ تصرُّف المرأة في مالها جائز، ولا يشترط إِذْن الزوج، سواء تصرَّفت في الثلث أو أكثر، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: لا تتصرَّف فيما فوق الثلث، إلاَّ بإذنه، وهو موضع الدلالة من الحديث أنه ، لم يسأل: هل هو من مالها ويَخْرُجُ من الثلث، أو بإذن الزوج أَمْ لا؟ ولو اختلف الحكم لسأل.
ومن أكبر الأدلة على حقِّ المرأة في تصرُّفها في مالها، بدون إذن زوجها، حَثُّ الرسول النساء على الصدقة، واستجابتهن لذلك، وتصدُّقهن بحليهن، كما روى ذلك ابن جُرَيْجٍ، قال: أخبرني عطاء، عن جابر ، قال: "إن النبي قام يوم الفطر، فصلَّى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناسَ، فلما فرغ نبي الله ، نزل وأتى النساء، فذكَّرهُنَّ وهو يتوكَّأ على يَدِ بلال، وبلال باسط ثوبه، يُلْقِين النساءُ صدقة". قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر؟ قال: لا، ولكن صدقة يتصدَّقن بها حينئذ، تُلقي المرأة فتخها ويلقين[البخاري، 935].
ولم يحدَّ الشارع من هذا الحقِّ إلاَّ في حالة كون المرأة سفيهة أو غير قادرة على التصرف الجيد في المال حفاظًا عليها من الفتنة والسوء.
3- حقُّ الموافقة على الخاطب أو رفضه
فالمرأة كالرجل لها حقُّ اختيار الزوج المؤمن الصالح، ولا يجوز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده؛ فقد قال رسول الله : "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا"[ مسلم، 1421].
وقال أيضًا : "لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ". قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: "أَنْ تَسْكُتَ"[البخاري، 4843].
وقد جاءت الخنساء بنت خذام فأخبرت الرسول بأنَّ أباها زوَّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فردَّ نكاحه[البخاري، 4845].
4- حقُّ العلم والتعلم
سواء أكان العلم في المسجد - كما كان في زمن الرسول - أو في المدارس والجامعات كمـا هو في وقتنا الحالي؛ فقد قـال الـرسول : "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا... فَلَهُ أَجْرَانِ"[ البخاري، 4795] وقد كان الرسول يجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ ويذكِّرَهُنَّ ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى.
5- حقُّ مفارَقة الزوج
فقد أباح الشرع الإسلامي للمرأة التخلُّص من الزوجيَّة بطريق الخُلْعِ في حال كون الكراهية من جهتها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي فقالت: يا رسول الله، ما أَنْقِم على ثابت في دين ولا خُلُق، إلاَّ أنِّي أخاف الكفر. فقال رسول الله : "فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟" فقالت: نعم. فردَّت عليه حديقته، وأمره ففارقها[البخاري، 4973].
6- الحقُّ في إعطاء الأمان والجوار
فللمرأة الحقُّ في أن تُعْطِيَ الأمان والجوار في الحرب أو السلم لغير المسلمين، وذلك كما فعلت أُمُّ هانئ بنت أبي طالب حينما أجارت رجلاً مشركًا، فأبى أخوها علي إلاَّ أنْ يقتله؛ فكان قضاء الرسول في هذه الحادثة: "أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"[البخاري، 3000].
المطلب الرابع: مكانة المرأة في الإسلام من وجة نظر غربية
1/ لايتنر Lightner
باحث انكليزي , حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت , وزار الأستانة عام 1854, كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها
((.. إن الزواج عند المسلمين يجل عما رماهم به كتاب النصارى . والقول بأنه لا يوجد حد للزواج والطلاق عند المسلمين فغير صحيح , والطلاق عندهم ليس هو بالأمر الهين , فعدا عن وجود المحكمين فعلى الرجل أن يدفع صداقها المسمى عند إجراء العقد وهذا غالبا يكون فوق ما يقدر زوجها على إيفائه بسهولة , فمركز المرأة بالإسلام قوي مؤمن من الطلاق . إن النصارى والبوذيين يرون الزواج أمرا روحيا ومع ذلك نرى عقدة النكاح محترمة عند المسلمين أكثر مما هي محترمة في البلاد المسيحية ...ويسوءني أن اذكر ما ليس لي مناص من ذكره وهو أنني سكنت بين المسلمين أربعا وخمسين عاما ابتداءها سنة 1848 فمع وجود التساهل في أمر الطلاق عندهم وعسره عند النصارى , فقد وقع حوداث طلاق عند النصارى أكثر مما وقع عند المسلمين بكثير . وإني أقول الحق بأن الشفقة والإحسان عند المسلمين نحو عيالهم والغرباء والمسنين والعلماء لمثال مجد يجب على النصارى أن يتقدوا به)) " "
2/ كوستاف لوبون Dr.G.Lebon
ولد عام 1841 م , وهو طبيب , ومؤرخ فرنسي , عني بالحضارة الشرقية .
من آثاره : (حضارة العرب ) (باريس 1884) , (الحضارة المصرية ) , و (حضارة العرب في الأندلس ) .
(( إن النساء المسلمات قد أخرجن في الدهر الغابر من المشهورات العالمات بقدر تخرج مدارس الإناث في الغرب اليوم))" "
3/ مارسيل بوازار ... M.Poizer
مفكر , وقانوني فرنسي معاصر . أولى اهتماما كبيرا لمسألة العلاقات الدولية وحقوق الإنسان وكتب عددا من الأبحاث للمؤتمرات والدوريات المعنية بهاتين المسألتين . يعتبر كتابه (إنسانية الإسلام) , الذي انبثق عن اهتمام نفسه , علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام , بما تميز به من موضوعية , وعمق , وحرص على اعتماد المراجع التي لا يأسرها التحيز والهوى . فضلا عن الكتابات الإسلامية نفسها .
(( لقد خلقت المرأة في نظر القرآن من الجوهر الذي خلق منه الرجل . وهي ليست من ضلعه , بل (نصفه الشقيق )كما يقول الحديث النبوي ]النساء شقائق الرجال [المطابق كل المطابقة للتعاليم القرآنية التي تنص على أن الله قد خلق من كل شي زوجين. ولا يذكر التنزيل أن المرأة دفعت الرجل إلى ارتكاب الخطيئة الأصلية ,كما يقول سفر التكوين . وهكذا فان العقيدة الإسلامية لم تستخدم ألفاظا للتقليل من احترامها , كما فعل آباء الكنيسة الذين طالما اعتبروها (عميلة الشيطان) . بل إن القرآن يضفي آيات الكمال على امرأتين :امرأة فرعون ومر يم ابنة عمران أم المسيح ]عليه السلام[ " "....)) " "
الخاتمة:
كانت المرأة في الجاهلية ( قبل الإسلام ) ليس لها حقوق وكان الجميع ينظرون اليها نظرة احتقار وذل وعار. كما لم يكن للمرأة حق الميراث ولا حق التصرف بأموالها ولا حق التملك والرأي ( كانت منتزعة الحقوق )، وكانت بعض قبائل العرب تشعر بالغم اذا بشروا بالإنثى وبعضهم كان وأدها عند ولادتها زعما بأنها تجلب الفقر والذل والعار لحاجتهم للرجال أكثر من النساء نظرا لكثرة الحروب في الجاهلية.
وما كانت عليه آنذاك في المجتمع أشد وطأة عليها، فكانت تنعدم من كل معاني الإنسانية.
فعندما جاء الإسلام رفع مكانة المرأة ورفع شأنها وقضى على جميع صور الإهانة التي كانت تتعرض لها المرأة في جميع عض صور التاريخ. كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق والإنسانية والكرامة فكانت المساواة في أصل الخلقة فالرجل والمرأة خلقا من نفس واحدة، المساواة في حق الحياة، حيث ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق الحياة وجعل التعدي على هذا الحق من أكبر الذنوب . كما استنكر الإسلام ما كانت تفعله بعض القبائل في الجاهلية من وأد للبنات وعدها جريمة شنيعة كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية كالقصاص والدية وجعل دم المرأة مساويا لدم الرجل والمساواة في التكليف والجزاء، فلا تختلف المرأة عن الرجل في التكاليف الشرعية والجزاء الإخروي، وكذا المساواة في أهلية التصرفات المالية، فإذا بلغ الإنسان عاقلا رشيدا كانت له شخصيته القانونية الكاملة الكاملة في أن يتصرف فيما يملكه كما يشاء بالبيع والهبة والوصية والإجار وغير ذلك، ومما حرص عليه الإسلام أيضا المساواة في حرية التفكير والرأي، فما دامت المرأة كالرجل في مسؤولية التكليف والجزاء فإنها تتساوى معه في حق التفكير وحرية الرأي ووجوب النظر والتدبر لتصل إلى الرأي القويم.
وفي الختام ليس للمرأة من حقوق وكرامة إلاّ في الإسلام، الذي ثبّت مبدأ الحقوق والكرامة لأفراد النوع البشري كافّة بقوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) ]الإسراء، 70[
فليس أمام المرأة إلاّ أن تطالب بحقّها كما كفله الإسلام لها، وتلتزم بواجبها كما حدّده القرآن لها، كاُم بنت وزوجة، وفرد له حقّ الولاء والحبّ في المجتمع، يوظِّف طاقته الفكرية والنفسية والجسدية في مواطن الخير والطّهر والصّلاح، بعد أن جرّبت مرارة العيش في متاهات الحياة الغريزيّة المبتذلة، في عالم الحضارة الماديّة المنهار .
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم برواية حفص عن نافع.
موسوعة الحديث النبوي الشريف.
أحمد شلبي، مقارنة الأديان، مكتبة النهضة المصرية، 1977، مصر.
سهيل الفتلاوي، حقوق الانسان في الاسلام، الطبعة رقم: 1، دار الفكر العربي، 2000.
مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، الطبعة رقم: 1، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1998.