tatohaoua
2009-04-16, 11:45
الامير خالد :ولد خالد الهاشمي بن عبد القادر ( الأمير) يوم 20 فيفري 1875 بدمشق. تلقّى تعليمه الأول بمسقط رأسه ودرس اللغتين العربية والفرنسية، واصل دراسته الثانوية بباريس بثانوية لويس الأكبر بعد أن عادت عائلته إلى الجزائر سنة .1892 انضم إلى الكلية الحربية الفرنسية المعروفة بسان سير saint- cyr التي تخرّج منها عام 1897 شارك في حملات عسكرية بالمغرب سنة 1907 برتبة ملازم أول قبل أن يرقّى إلى نقيب سنة .1908 بعد أن استفاد من عطلة خاصة لمدة 03 سنوات عام 1913 شارك من جديد في الحرب العالمية الثانية كضابط صبا يحي، وانسحب من الجيش الفرنسي سنة 1919 واستقر بالجزائر
النشاط السياسي
يعتبر الأمير خالد مؤسس للحركة الإصلاحية حسب الدكتور سعد الله، فقد استغل الرصيد النضالي لجده الأمير عبد القادر (http://www.m-moudjahidine.dz/histoire/Biographie/b108.htm) ومعرفته للحضارة العربية الإسلامية للوقوف في وجه السياسة الاستعمارية بعد ح ع1. بدأ نشاطه السياسي بعد تقاعده من الجيش الفرنسي على جبهتين: الأولى التصدّي لدعاة الإدماج والداعين إلى التجنّس بالجنسية الفرنسية، والثانية ضد غلاة المعمرين والنوّاب الفرنسيين. وقد بعث الأمير خالد ب عريضة إلى الرئيس الأمريكي ولسن يطرح فيها مطالب الجزائريين.
أسس الأمير خالد جريدة الإقدام سنة 1920 للتعبير عن أفكاره والدفاع عن فكرة المساواة بين الجزائريين والفرنسيين في الحقوق السياسية.
ونشط الأمير في كل الاتجاهات فبعد عريضته إلى الرئيس الأمريكي ولسن ترشح للانتخابات البلدية وصار عضوا بالمجلس البلدي للجزائر العاصمة، وأنشأه جمعية الأخوة الجزائرية.- وعند زيارة الرئيس الفرنسي ميليران Millerand إلى الجزائر في مارس 1923 خطب الأمير خالد أمامه مجددا مطالب الجزائريين.
هذا النشاط المكثف والمطالب المحرجة بالنسبة للسلطات الفرنسية جعلت الحكومة الفرنسية تصدر أمرها بنفي الأمير خالد إلى خارج الجزائر في شهر جويلية 1923، حيث حلّ بمصر واستقبل بحفاوة.
لكن نفي الأمير إلى خارج الجزائر لم ينه نشاطه السياسي فقد شارك في مؤتمر باريس للدفاع عن حقوق الإنسان وبذلك نقل المعركة إلى فرنسا نفسها.
ومن منفاه و صلت رسالة الأمير خالد إلى هيريو رئيس الوزراء الفرنسي سنة 1924 أكدّ فيها من جديد على المطالب الأساسية للجزائريين.كما كان له نشاط متميز مع الوطنيين السوريين بعد عودته إليها سنة 1926. ومع العالم الإسلامي بدعوته إلى عقد مؤتمر إسلامي بأفغانستان الدولة الوحيدة المستقلة آنذاك
ورغم محاولاته المتكررة العودة إلى الجزائر إلاّ أن السلطات الفرنسية وقفت له بالمرصاد إلى غاية وفاته بدمشق بتاريخ 09 جانفي 1936
عبد الحميد بن باديس
ولد "عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس" المعروف في (11 من ربيع الآخِر 1307 هـ= 5 من ديسمبر 1889م) بمدينة قسنطينة، ونشأ في أسرة كريمة ذات عراقة وثراء، ومشهورة بالعلم والأدب، فعنيت بتعليم ابنها وتهذيبه، فحفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره، وتعلّم مبادئ العربية والعلوم الإسلامية على يد الشيخ "أحمد أبو حمدان الونيسي" بجامع سيدي محمد النجار، ثم سافر إلى تونس في سنة (1326هـ= 1908م) وانتسب إلى جامع الزيتونة، وتلقى العلوم الإسلامية على جماعة من أكابر علمائه، أمثال العلّامة محمد النخلي القيرواني المتوفى سنة (1342هـ= 1924م)، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الذي كان له تأثير كبير في التكوين اللغوي لعبد الحميد بن باديس، والشغف بالأدب العربي، والشيخ محمد الخضر الحسين، الذي هاجر إلى مصر وتولى مشيخة الأزهر.
وبعد أربع سنوات قضاها ابن باديس في تحصيل العلم بكل جدّ ونشاط، تخرج في سنة (1330هـ= 1912م) حاملاً شهادة "التطويع" ثم رحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وهناك التقى بشيخه "حمدان الونيسي" الذي هاجر إلى المدينة المنورة، متبرّمًا من الاستعمار الفرنسي وسلطته، واشتغل هناك بتدريس الحديث، كما اتصل بعدد من علماء مصر والشام، وتتلمذ على الشيخ حسين أحمد الهندي الذي نصحه بالعودة إلى الجزائر، واستثمار علمه في الإصلاح، إذ لا خير في علم ليس بعده عمل، فعاد إلى الجزائر، وفي طريق العودة مرّ بالشام ومصر واتصل بعلمائهما، واطّلع على الأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية لهما.
ابن باديس معلمًا ومربيًا
آمن ابن باديس بأن العمل الأول لمقاومة الاحتلال الفرنسي هو التعليم، وهي الدعوة التي حمل لواءها الشيخ محمد عبده، في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وأذاعها في تونس والجزائر خلال زيارته لهما سنة (1321هـ= 1903م)، فعمل ابن باديس على نشر التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيف والخرافات، ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت المستعمر.
وقد بدأ ابن باديس جهوده الإصلاحية بعد عودته من الحج، بإلقاء دروس في تفسير القرآن بالجامع الأخضر بقسطنطينة، فاستمع إليه المئات، وجذبهم حديثة العذب، وفكره الجديد، ودعوته إلى تطهير العقائد من الأوهام والأباطيل التي علقت بها، وظل ابن باديس يلقي دروسه في تفسير القرآن حتى انتهى منه بعد خمسة وعشرين عامًا، فاحتفلت الجزائر بختمه في (13 من ربيع الآخر 1357هـ= 12 من يونيو 1938م)
ويُعدّ الجانب التعليمي والتربوي من أبرز مساهمات ابن باديس التي لم تقتصر على الكبار، بل شملت الصغار أيضًا، وتطرقت إلى إصلاح التعليم تطوير ومناهجه، وكانت المساجد هي الميادين التي يلقي فيها دروسه، مثل الجامع الأخضر، ومسجد سيدي قموش، والجامع الكبير بقسطنطينة، وكان التعليم في هذه المساجد لا يشمل إلا الكبار، في حين اقتصرت الكتاتيب على تحفيظ القرآن للصغار، فعمد ابن باديس إلى تعليم هؤلاء الصغار بعد خروجهم من كتاتيبهم.
وشارك ابن باديس في محاولة إصلاح التعليم في جامع الزيتونة بتونس، وبعث بمقترحاته إلى لجنة وضع مناهج الإصلاح التي شكّلها حاكم تونس سنة (1350 هـ=1931م)، وتضمن اقتراحه خلاصة آرائه في التربية والتعليم، فشمل المواد التي يجب أن يدرسها الملتحق بالجامع، من اللغة والأدب، والعقيدة، والفقه وأصوله، والتفسير، والحديث، والأخلاق، والتاريخ، والجغرافيا، ومبادئ الطبيعة والفلك، والهندسة، وجعل الدراسة في الزيتونة تتم على مرحلتين: الأولى تسمى قسم المشاركة، وتستغرق الدراسة فيه ثماني سنوات، وقسم التخصص ومدته سنتان، ويضم ثلاثة أفرع: فرع للقضاء والفتوى، وفرع للخطاب والوعظ، وفرع لتخريج الأساتذة.
ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
احتفلت فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر في سنة (1349هـ= 1930م) فشحذ هذا الاحتفال البغيض همّة علماء المسلمين في الجزائر وحماسهم وغيرتهم على دينهم ووطنهم، فتنادوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف المستعمر الفرنسي، وجعلوا لها شعارًا يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم هو: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا"، وانتخبوا ابن باديس رئيسًا لها.
وقد نجحت الجمعية في توحيد الصفوف لمحاربة المستعمر الفرنسي وحشد الأمة الجزائرية ضدها، وبعث الروح الإسلامية في النفوس، ونشر العلم بين الناس، وكان إنشاء المدارس في المساجد هو أهم وسائلها في تحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الوعّاظ الذين كانوا يجوبون المدن والقرى، لتعبئة الناس ضد المستعمر، ونشر الوعي بينهم.
وانتبهت فرنسا إلى خطر هذه التعبئة، وخشيت من انتشار الوعي الإسلامي؛ فعطّلت المدارس، وزجّت بالمدرسين في السجون، وأصدر المسئول الفرنسي عن الأمن في الجزائر، في عام (1352هـ= 1933م) تعليمات مشددة بمراقبة العلماء مراقبة دقيقة، وحرّم على غير المصرح لهم من قبل الإدارة الفرنسية باعتلاء منابر المساجد، ولكي يشرف على تنفيذ هذه الأوامر، عيّن نفسه رئيسًا للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
إسهامات ابن باديس السياسية
لم يكن ابن باديس مصلحًا فحسب، بل كان مجاهدًا سياسيًا، مجاهرًا بعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، وأنه حكم استبدادي غير إنساني، يتناقض مع ما تزعمه من أن الجزائر فرنسية، وأحيا فكرة الوطن الجزائري بعد أن ظنّ كثيرون أن فرنسا نجحت في جعل الجزائر مقاطعة فرنسية، ودخل في معركة مع الحاكم الفرنسي سنة (1352هـ= 1933م) واتهمه بالتدخل في الشئون الدينية للجزائر على نحو مخالف للدين والقانون الفرنسي، وأفشل فكرة اندماج الجزائر في فرنسا التي خُدع بها كثير من الجزائريين سنة (1353 هـ= 1936م).
ودعا نواب الأمة الجزائريين إلى قطع حبال الأمل في الاتفاق مع الاستعمار، وضرورة الثقة بالنفس، وخاطبهم بقوله: "حرام على عزتنا القومية وشرفنا الإسلامي أن نبقى نترامى على أبواب أمة ترى –أو ترى أكثريتها- ذلك كثيرا علينا…! ويسمعنا كثير منها في شخصيتنا الإسلامية ما يمس كرامتنا"، وأعلن رفضه مساعدة فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وكانت الصحف التي يصدرها أو يشارك في الكتابة بها من أهم وسائله في نشر أفكاره الإصلاحية، فأصدر جريدة "المنتقد" سنة (1345 هـ= 1926م) وتولى رئاستها بنفسه، لكن المحتل عطّلها؛ فأصدر جريدة "الشهاب" واستمرت في الصدور حتى سنة (1358هـ= 1939م) واشترك في تحرير الصحف التي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مثل "السنة" و"الصراط" و"البصائر".
وظل هذا المصلح -رغم مشاركته في السياسة- يواصل رسالته الأولى التي لم تشغله عنها صوارف الحياة، أو مكائد خصومه من بعض الصوفية أذيال المستعمر، أو مؤامرات فرنسا وحربها لرسالته، وبقي تعليم الأمة هو غايته الحقيقية، وإحياء الروح الإسلامية هو هدفه السامق، وبث الأخلاق الإسلامية هو شغله الشاغل، وقد أتت دعوته ثمارها، فتحررت الجزائر من براثن الاحتلال الفرنسي، وإن ظلت تعاني من آثاره.
وتوفي ابن باديس في (8 من ربيع الأول 1359 هـ= 16 من إبريل 1940م.
يعتبر يوم 16 أفريل من كل عام، مناسبة وطنية رسمية بالجزائر سميت بـ "يوم العلم"
"البشير الإبراهيمي
لقد كان "البشير الإبراهيمي" حلقة من حلقات الجهاد الطويل في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي (http://islamonline.net/Arabic/history/1422/12/article27.shtml)، وأحد الذين شكلوا وعي ووجدان الأمة العربية والإسلامية على امتداد أقطارها؛ حيث كان أحد رواد الحركة الإصلاحية في "الجزائر"، وأحد مؤسسي "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" (http://islamonline.net/arabic/history/1422/02/article28.SHTML)، وكان زميلا للشيخ "عبد الحميد بن باديس" (http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/07/article02a.SHTML) في قيادة الحركة الإصلاحية، ونائبه في رئاسة جمعية العلماء، ورفيق نضاله لتحرير عقل المسلم من الخرافات والبدع.
البداية والتعلم:
ولد "محمد البشير الإبراهيمي" في (15 من شوال 1306 هـ= 16 من يوليو 1889م) في قرية "سيدي عبد الله" قرب "سطيف" غرب مدينة "قسنطينة"، في بيت من أعرق بيوت الجزائر، يرجع نسبه إلى الأدارسة العلويين من أمراء المغرب العربي في أزهى عصوره، وتلقى تعليمه الأوَّلي على والده وعمه الشيخ "محمد المكي الإبراهيمي" الذي كان من أبرز علماء "الجزائر" في عصره؛ فحفظ القرآن ودرس بعض المتون في الفقه واللغة، كما حفظ العديد من متون اللغة ودواوين فحول الشعراء، فلما مات عمه صار يُدَرِّس ما تلقاه عنه، ولم يكن قد جاوز الرابعة عشرة من عمره.
لكنه ما لبث أن غادر "الجزائر" إلى "الحجاز" وهو في العشرين من عمره -سنة (1330 هـ = 1911م)- ليلحق بأبيه الذي كان قد سبقه إلى هناك قبل ذلك بنحو أربعة أعوام.
تأسيس جمعية العلماء
وفي عام (1338هـ = 1920م) غادر "البشير الإبراهيمي" دمشق عائدا إلى "الجزائر"، وبدأ بدعوته إلى الإصلاح ونشر العلم في مدينة "سطيف"، وبدأ في إلقاء الدروس الدينية والمحاضرات العلمية لطلاب العلم من أبناء بلده، وعندما رأى إقبال طلاب العلم على دروسه وخطبه شجعه ذلك على إنشاء مدرسة لتدريب الشباب على الخطابة وفنون اللغة والأدب، ولم تنقطع صلته بصديقه "ابن باديس" طوال تلك الفترة، فكانا يتبادلان الزيارات من حين لآخر.
وفي عام (1342 هـ = 1924 م) زاره "ابن باديس" وعرض عليه فكرة إقامة "جمعية العلماء" (http://islamonline.net/arabic/history/1422/02/article28.SHTML)، فلاقت الفكرة قبولا في نفس "البشير"، فأخذا يدرسانها ويضعان لها الأطر والأهداف التي تقوم عليها تلك الجمعية، وقد استغرق ذلك زمنا طويلا حتى خرجت إلى حيز الوجود، وعقد المؤتمر التأسيسي لها في (17 من ذي الحجة 1349هـ-5 من مايو 1931م)، وذلك في أعقاب احتفال "فرنسا" بالعيد المئوي لاحتلال "الجزائر"، وبعد تأسيس الجمعية اختِير "ابن باديس" رئيسا لها واختير "الإبراهيمي" نائبا لرئيسها، وانتدب من قِبل الجمعية لأصعب مهمة، وهي نشر الإصلاح في غرب "الجزائر" وفي مدينة "وهران" وهي المعقل الحصين للصوفية الطرقيين، فبادر إلى ذلك وبدأ ببناء المدارس الحرة، وكان يحاضر في كل مكان يصل إليه، وبنى أكثر من مائتي مسجد، وامتد نشاطه إلى "تلمسان"، وهي واحة الثقافة العربية في غرب "الجزائر".
قضايا واهتمامات
وقد وقف "البشير" -في "البصائر"- مدافعا عن اللغة العربية ضد حملات التغريب من المستعمر الفرنسي وأعوانه، يقول عن اللغة العربية: "اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة، ولا دخيلة، بل هي في دارها وبين حماتها وأنصارها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي، مشتدة الأواصر مع الحاضر، طويلة الأفنان في المستقبل".. كما اهتم أيضا بالدفاع عن قضية "فلسطين"، وسخر قلمه للتعريف بها والدفاع عنها.
وقد كان "البشير الإبراهيمي" واسع المعرفة، متنوع الثقافة، متعدد الميول والاهتمامات، ألف في الأدب واللغة، كما صنف في الفقه والمعاملات، ونظم الشعر وكتب العديد من المقالات، وترك "البشير" تراثا علميّا وأدبيّا كبيرا ما يزال بعضه حبيسا حتى الآن، ومن أهم تلك الأعمال:
أسرار الضمائر العربية، الاطراد والشذوذ في العربية؛ التسمية بالمصدر، حكمة مشروعية الزكاة، - رواية "كاهنة أوراس"، عيون "البصائر" (وهي مجموعة مقالاته التي نشرت في جريدة "البصائر")، ... الخ.
وقد عاش "البشير الإبراهيمي" حتى استقلت الجزائر، فلما أُعْلِن الاستقلال عاد إلى وطنه، وخطب لأول صلاة جمعة في مسجد "كتشاوة" بالعاصمة الجزائرية، وكان الفرنسيون قد حولوه إلى كنيسة بعد احتلالهم "الجزائر".
وقد لزم "البشير" بيته بعد عودته، ولم يشارك في الحياة العامة بعد أن تقدم به العمر ووهنت صحته، إلا أنه لم يكن راضيا عن الاتجاه الذي بدأت تتجه إليه الدولة بعد الاستقلال؛ فأصدر عام (1384 هـ = 1964م) بيانا قال فيه: "إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية".
تُوفي -رحمه الله- يوم الخميس (18 من المحرم 1385 هـ = 19من مايو1965م) عن عمر بلغ (76) سنة، قضاها في خدمة الإسلام والمسلمين.
فرحات عباس
فرحات عباس أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والرئيس الأول للجمعية التأسيسية الجزائرية أحد رموز الحركة الوطنية والثورة المسلحة. من مواليد 24 أكتوبر 1899 بدوار الشحنة بالقرب من الطاهير بجيجل من أسرة كبيرة العدد تعمل في الفلاحة (12 طفلا). زاول دراسته الابتدائية بجيجل والثانوية بسكيكدة وبعدها اختار شعبة الصيدلة في دراساته الجامعية. وهكذا كان له دور هام كطالب جامعي في تأسيس جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا في 1924 التي اشرف عليها مدة أربع سنوات من 1927 إلى 1931. بالرغم من اختياره لشعبة علمية إلا أن فرحات عباس كان يتمتع باستعدادات أدبية تبرز من خلال نوعية نصوصه التي نشرت تحت الاسم المستعار كمال بن سراج واختار كمال لإعجابه بأب تركيا العصرية وابن سراج لإبراز آخر أسرة ملكية قاومت غزو الأندلس. فور تحصله على شهادته استقر بسطيف حيث تفرغ للسياسة ضمن فيدرالية المنتخبين ليصبح مساعد الدكتور بن جلول و دشن أدبه النضالي الملتزم من خلال نشر "لو جون الجيريان" (الشاب الجزائري) الذي تطرق من خلاله إلى الروح المسلمة والشخصية الجزائرية. وبعد تعيينه كمستشار بلدي بسطيف في 1937 ابتعد شيئا فشيئا عن حركة الأعيان حيث لم يلمس إرادة حقيقة للعمل من أجل التغيير في الجزائر المستعمرة. وندد حينئذ بقانون الأهالي وأسس الاتحاد الشعبي الجزائري في جويلية 1938.
وأبدى الملتزم المتطوع في 1939 خلال الحرب العالمية الثانية اهتماما أكبر بمسألة الهوية وتخلى عن مواقفه الإدماجية ليصبح ابتداء من 1942 قائد الاتجاه الليبرالي لحركة التحرر الوطنية بالانضمام إلى العلماء وإلى دعاة الاستقلال في حزب الشعب الجزائري من أجل الدفاع عن فكرة برلمان جزائري ودولة مستقلة ملحقة بفرنسا. وألف في هذا الصدد بيان الشعب الجزائري في ديسمبر 1942 الذي كان بمثابة الميثاق الحقيقي بالنسبة لكل أنصار الاستقلال في تلك الفترة مما أدى إلى ميلاد (أحباب البيان و الحرية). كما تقرب فرحات عباس رئيس تحرير أسبوعية "أيغاليتي" (مساواة) ورئيس اللجنة المؤقتة للجزائر المسلمة من القائد الوطني الآخر مصالي الحاج والحزب الشيوعي الجزائري. وقد منعت الأسبوعية من الصدور في 1945 لتظهر من جديد تحت اسم "لا ريبوبليك ألجيريان الجمهورية الجزائرية".
وبعد مجازر 8 ماي 1945 التي تزامنت وتاريخ حل أحباب البيان والحرية حكم عليه بالسجن لمدة سنة. وعند إطلاق سراحه (ماي 1946) قام بتأسيس حزبه الخاص وهو الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وقطع العلاقات مع مصالي. وقد عين فرحات عباس ضمن قائمة حزبه بالجمعية التأسيسية الثانية في 1946 وبعدها بالجمعية الجزائرية في 1948.
وفي أول نوفمبر 1954 فوجئ على نحو مجمل السياسيين الجزائريين باندلاع ثورة التحرير الوطني ولكنه قال للمحافظ جاك سوستال الذي التقى به في 1955 "نحن كلنا فلاقة فالشجعان أخذوا السلاح والأقل شجاعة منهم أمامكم". واتصل كل من عبان رمضان وعمار اوعمران بفرحات عباس في 26 ماي 1955 حيث التحق بجبهة التحرير الوطني في خريف 1955 ليحل بالقاهرة في 22 أبريل 1956 وبعدها سويسرا والمغرب قبل أن يستقر بتونس. عين عضوا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية فور انعقاد مؤتمر الصومام (20 أوت 1956) ثم دخل لجنة مجلس التنسيق والتنفيذ للثورة في أوت 1957. كما ترأس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من سبتمبر 1958 إلى أوت 1961 تحت حكومته شرع في المرحلة الأولى من المفاوضات الجزائرية الفرنسية (ايفيان 1 من 20 ماي إلى 13 جوان 1961) المتعلقة بإلغاء وضع الجزائر كمستعمرة وتلبية حق الشعب الجزائري في تقرير المصير والاستقلال. أما المرحلة الثانية فكانت مفاوضات (لوغران) في جويلية 1961
وغداة الاستقلال أصبح الرئيس الأول للجمعية التأسيسية ليستقيل من منصبه في أوت 1963 للاحتجاج على الظروف التي سادت المصادقة على أول دستور جزائري. وبعد وضعه تحت الإقامة الجبرية أطلق سراحه في 1965 بعد الإطاحة بالرئيس أحمد بن بله. وتخلى فرحات عباس نهائيا عن السياسة للتفرغ خلال تقاعده إلى الكتابة. وخلال هذه الفترة خرج عباس مرة واحدة من تحفظه للتوقيع مع بن يوسف بن خدة وحسين لحول وشيخ خير الدين بمناسبة النقاش حول الميثاق الوطني ل 1976 على نص حول التوجه الذي حدده المرحوم هواري بومدين للبلاد. وكلفه هذا الموقف الوضع تحت الإقامة الجبرية مرة ثانية من 1976 إلى 1979. وقد وافته المنية في 24 ديسمبر 1985 و دفن بمربع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر. ألف "اوتوبسي دين غار" (تشريح حرب) الصادر عن غارنيي. باريس 1980 و"لانديبوندونس كونفيسكي" (الاستقلال المصادر الصادر عن فلاماريون باريس 1984) .
مصالي الحاج
المولد والنشأة
اسمه أحمد مصالي من مواليد 16 ماي 1898 بتلمسان. من عائلة فلاحية وكان أبوه عضوا في الطريقة الدرقاوية غادر مصالي المدرسة مبكرا قبل أن يتجاوز سن العاشرة واشتغل بمحل لصناعة الأحذية ثم بائعا بأحد المتاجر بمدينة الحنايا قرب تلمسان جند لأداء الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي سنة 1918.وبعد الحرب العالمية الأولى هاجر فرنسا وهو في سن الخامسة والعشرين واشتغل في مصنع للأقمشة قبل أن يصبح تاجرا متنقلا
النشاط السياسي
أثناء تواجده في باريس واختلاطه بالتيارات السياسية الفرنسية و خاصة اليساريين منهم ظهر اهتمامه بالسياسة والتوجه نحو الحركات الوطنية لبلدان المغرب العربي ضمن الحركة العمالية بالمهجر.
واستطاع مصالي الحاج رفقة المهاجرين الجزائريين أن ينشأ حزبا سياسيا عرف بنجم (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d90.htm) شمال إفريقيا (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d90.htm) سنة 1926 بفرنسا وعين أمينا عاما له، وكان يكتب مقالات في جريدة الإقدام التي أنشأها الأمير خالد (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Biographie/b127.htm) وأحياها نجم شمال إفريقيا بعده ثم في جريدة الأمة لسان حال النجم.
وبسبب نشاطه السياسي المكثف ومطالبته الصريحة باستقلال الجزائر تعرض مصالي الحاج لمضايقات السلطة الاستعمارية وعرف الاعتقال والسجن عدة مرات.
شارك في تجمع ملعب العناصر الذي نظمه وفد المؤتمر الإسلامي (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E26.htm) في أوت 1936 وخطب خطبة شهيرة حول رفض سياسة الإدماج.
بعد حلّ نجم شمال إفريقيا 1936م، أعاد مصالي تشكيل الحزب تحت اسم جديد حزب هو حزب الشعب الجزائري (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/D94.htm) سنة 1937. اعتقل في صيف 1937 رفقة مفدي زكرياء (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Biographie/b140.htm)وحسين لحول، وأثناء الحرب العالمية الثانية (1941) نفي مصالي إلى لمبيز ثم إلى برازافيل وبعد نهاية الحرب العالمي أعاد تشكيل حزب الشعب الجزائري تحت اسم جديد هو حركة انتصار (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d101.htm) الحريات الديمقراطية M.T.L.D (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d101.htm) وضع تحت الإقامة الجبرية سنة 1952.
مع مطلع الخمسينات بدأ اختلاف الرأي بين مصالي الحاج والمناضلين الشبان الذين انضموا إلى الحزب حول المسار السياسي للحزب وضرورة تغيير إستراتجية النضال باختيار الكفاح المسلح، وأمام اشتداد الخلاف بين الطرفين تمسّك مصالي برأيه القاضي بمواصلة العمل السياسي وتزعمه للحزب مما أدى إلى انقسام الحزب إلى ثلاثة أطراف: المصاليون، المركزيون، أنصار العمل المسلح. وعرف هذا الخلاف بأزمة حركة الانتصار الحريات الديمقراطية.
عند اندلاع الثورة (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E1.htm) بقي مصالي معارضا للعمل المسلح ولجأ إلى فرنسا حيث أنشأ منظمة جديدة موازية لجبهة التحرير الوطني (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/D30.htm)هي الحركة الوطنية الجزائرية المصالية M.N.A في أكتوبر 1954، والتي دخلت في مواجهات مع جيش التحرير الوطني (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/D20.htm) بدعم من السلطات الفرنسية وبذلك وضع مصالي حدّا فاصلا لنضاله الوطني الذي بدأه منذ العشرينات.
وفاته: بقي مصالي في فرنسا إلى غاية الاستقلال وأعاد تشكيل حزب الشعب الجزائري سنة 1962، لم يدخل الجزائر التي كان يطالب باستقلالها ومات بفرنسا في 03 جوان 1974.
محمد الصالح بن جلول
المولد والنشأة
ولد محمد الصالح بن جلول سنة 1896 بمدينة قسنطينة من عائلة ثرية، تلقى تعليمه الأوّل بمسقط رأسه ثم انتقل إلى باريس لمواصلة دراسته وسجل بكلية الطب التي تخرج منها سنة 1924، و بدأ ممارسة مهنته كطبيب بالجزائر .
- النشاط السياسي
بدأ بن جلول ممارسة السياسة منذ العشرينات حين أ صبح مستشارا بالمجلس البلدي وظهر منذ البداية يدافع عن النخبة المثفقة باعتباره من عائلة غنية، وتلقىّ تعليما عاليا باللغة الفرنسية، وقد اظهر في بداية نشاطه السياسي ميلا نحو أفكار الأمير خالد (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Biographie/B127.HTM) الإصلاحية قبل أن يتحوّل عنها إلى المطالبة بالإدماج باعتباره عضوا في فيدرالية (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d91.htm) المسلمين الجزائريين المنتخبين (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d91.htm)، التي يترأسها الدكتور بن التهامي (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Biographie/b130.htm) وتضم أغلب النخب الجزائريين الممثلين في المجالس المنتخبة مثل فرحات عباس بن جلول... وغيرهم، ومع مطلع الثلاثينات برز نجم بن جلول يترأسه فيدرالية المسلمين الجزائريين المنتخبين ودعوته الصريحة إلى المساواة بين الجزائريين والفرنسيين في كل المجالات كالخدمة العسكرية العمل ...الخ، وكان يكتب مقالاته في جريدة التقدم لسان حال الفيدرالية. و لعب بن جلول دورا في أحداث قسنطينة في أوت 1934، كما لعب دورا أساسيا في الدعوة والتحضير إلى عقد المؤتمر الإسلامي (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E26.htm) سنة 1936. وكان رئيسا للوفد الذي سافر إلى باريس لتقديم مطالب المؤتمر. أنشأ سنة 1938 التجمع الفرنسي الإسلامي الجزائري "R.F.M.A" وحافظ عل منصبه كنائب متميزّ بعد ح.ع.2.
عند اندلاع الثورة التحريرية (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E1.htm) لم يظهر موقفا صريحا رغم مشاركته في توقيع عريضة النواب ال61 بعد هجومات 20أوت 1955 (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E3.htm) والمؤكدة على أن سياسة الإدماج لم يعد لها معنى.
وفاته: اختفى عن الحياة السياسية بعد الاستقلال، إلى غاية وفاته سنة 1986 بقسنطينة
النشاط السياسي
يعتبر الأمير خالد مؤسس للحركة الإصلاحية حسب الدكتور سعد الله، فقد استغل الرصيد النضالي لجده الأمير عبد القادر (http://www.m-moudjahidine.dz/histoire/Biographie/b108.htm) ومعرفته للحضارة العربية الإسلامية للوقوف في وجه السياسة الاستعمارية بعد ح ع1. بدأ نشاطه السياسي بعد تقاعده من الجيش الفرنسي على جبهتين: الأولى التصدّي لدعاة الإدماج والداعين إلى التجنّس بالجنسية الفرنسية، والثانية ضد غلاة المعمرين والنوّاب الفرنسيين. وقد بعث الأمير خالد ب عريضة إلى الرئيس الأمريكي ولسن يطرح فيها مطالب الجزائريين.
أسس الأمير خالد جريدة الإقدام سنة 1920 للتعبير عن أفكاره والدفاع عن فكرة المساواة بين الجزائريين والفرنسيين في الحقوق السياسية.
ونشط الأمير في كل الاتجاهات فبعد عريضته إلى الرئيس الأمريكي ولسن ترشح للانتخابات البلدية وصار عضوا بالمجلس البلدي للجزائر العاصمة، وأنشأه جمعية الأخوة الجزائرية.- وعند زيارة الرئيس الفرنسي ميليران Millerand إلى الجزائر في مارس 1923 خطب الأمير خالد أمامه مجددا مطالب الجزائريين.
هذا النشاط المكثف والمطالب المحرجة بالنسبة للسلطات الفرنسية جعلت الحكومة الفرنسية تصدر أمرها بنفي الأمير خالد إلى خارج الجزائر في شهر جويلية 1923، حيث حلّ بمصر واستقبل بحفاوة.
لكن نفي الأمير إلى خارج الجزائر لم ينه نشاطه السياسي فقد شارك في مؤتمر باريس للدفاع عن حقوق الإنسان وبذلك نقل المعركة إلى فرنسا نفسها.
ومن منفاه و صلت رسالة الأمير خالد إلى هيريو رئيس الوزراء الفرنسي سنة 1924 أكدّ فيها من جديد على المطالب الأساسية للجزائريين.كما كان له نشاط متميز مع الوطنيين السوريين بعد عودته إليها سنة 1926. ومع العالم الإسلامي بدعوته إلى عقد مؤتمر إسلامي بأفغانستان الدولة الوحيدة المستقلة آنذاك
ورغم محاولاته المتكررة العودة إلى الجزائر إلاّ أن السلطات الفرنسية وقفت له بالمرصاد إلى غاية وفاته بدمشق بتاريخ 09 جانفي 1936
عبد الحميد بن باديس
ولد "عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس" المعروف في (11 من ربيع الآخِر 1307 هـ= 5 من ديسمبر 1889م) بمدينة قسنطينة، ونشأ في أسرة كريمة ذات عراقة وثراء، ومشهورة بالعلم والأدب، فعنيت بتعليم ابنها وتهذيبه، فحفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره، وتعلّم مبادئ العربية والعلوم الإسلامية على يد الشيخ "أحمد أبو حمدان الونيسي" بجامع سيدي محمد النجار، ثم سافر إلى تونس في سنة (1326هـ= 1908م) وانتسب إلى جامع الزيتونة، وتلقى العلوم الإسلامية على جماعة من أكابر علمائه، أمثال العلّامة محمد النخلي القيرواني المتوفى سنة (1342هـ= 1924م)، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الذي كان له تأثير كبير في التكوين اللغوي لعبد الحميد بن باديس، والشغف بالأدب العربي، والشيخ محمد الخضر الحسين، الذي هاجر إلى مصر وتولى مشيخة الأزهر.
وبعد أربع سنوات قضاها ابن باديس في تحصيل العلم بكل جدّ ونشاط، تخرج في سنة (1330هـ= 1912م) حاملاً شهادة "التطويع" ثم رحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وهناك التقى بشيخه "حمدان الونيسي" الذي هاجر إلى المدينة المنورة، متبرّمًا من الاستعمار الفرنسي وسلطته، واشتغل هناك بتدريس الحديث، كما اتصل بعدد من علماء مصر والشام، وتتلمذ على الشيخ حسين أحمد الهندي الذي نصحه بالعودة إلى الجزائر، واستثمار علمه في الإصلاح، إذ لا خير في علم ليس بعده عمل، فعاد إلى الجزائر، وفي طريق العودة مرّ بالشام ومصر واتصل بعلمائهما، واطّلع على الأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية لهما.
ابن باديس معلمًا ومربيًا
آمن ابن باديس بأن العمل الأول لمقاومة الاحتلال الفرنسي هو التعليم، وهي الدعوة التي حمل لواءها الشيخ محمد عبده، في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وأذاعها في تونس والجزائر خلال زيارته لهما سنة (1321هـ= 1903م)، فعمل ابن باديس على نشر التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيف والخرافات، ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت المستعمر.
وقد بدأ ابن باديس جهوده الإصلاحية بعد عودته من الحج، بإلقاء دروس في تفسير القرآن بالجامع الأخضر بقسطنطينة، فاستمع إليه المئات، وجذبهم حديثة العذب، وفكره الجديد، ودعوته إلى تطهير العقائد من الأوهام والأباطيل التي علقت بها، وظل ابن باديس يلقي دروسه في تفسير القرآن حتى انتهى منه بعد خمسة وعشرين عامًا، فاحتفلت الجزائر بختمه في (13 من ربيع الآخر 1357هـ= 12 من يونيو 1938م)
ويُعدّ الجانب التعليمي والتربوي من أبرز مساهمات ابن باديس التي لم تقتصر على الكبار، بل شملت الصغار أيضًا، وتطرقت إلى إصلاح التعليم تطوير ومناهجه، وكانت المساجد هي الميادين التي يلقي فيها دروسه، مثل الجامع الأخضر، ومسجد سيدي قموش، والجامع الكبير بقسطنطينة، وكان التعليم في هذه المساجد لا يشمل إلا الكبار، في حين اقتصرت الكتاتيب على تحفيظ القرآن للصغار، فعمد ابن باديس إلى تعليم هؤلاء الصغار بعد خروجهم من كتاتيبهم.
وشارك ابن باديس في محاولة إصلاح التعليم في جامع الزيتونة بتونس، وبعث بمقترحاته إلى لجنة وضع مناهج الإصلاح التي شكّلها حاكم تونس سنة (1350 هـ=1931م)، وتضمن اقتراحه خلاصة آرائه في التربية والتعليم، فشمل المواد التي يجب أن يدرسها الملتحق بالجامع، من اللغة والأدب، والعقيدة، والفقه وأصوله، والتفسير، والحديث، والأخلاق، والتاريخ، والجغرافيا، ومبادئ الطبيعة والفلك، والهندسة، وجعل الدراسة في الزيتونة تتم على مرحلتين: الأولى تسمى قسم المشاركة، وتستغرق الدراسة فيه ثماني سنوات، وقسم التخصص ومدته سنتان، ويضم ثلاثة أفرع: فرع للقضاء والفتوى، وفرع للخطاب والوعظ، وفرع لتخريج الأساتذة.
ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
احتفلت فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر في سنة (1349هـ= 1930م) فشحذ هذا الاحتفال البغيض همّة علماء المسلمين في الجزائر وحماسهم وغيرتهم على دينهم ووطنهم، فتنادوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف المستعمر الفرنسي، وجعلوا لها شعارًا يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم هو: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا"، وانتخبوا ابن باديس رئيسًا لها.
وقد نجحت الجمعية في توحيد الصفوف لمحاربة المستعمر الفرنسي وحشد الأمة الجزائرية ضدها، وبعث الروح الإسلامية في النفوس، ونشر العلم بين الناس، وكان إنشاء المدارس في المساجد هو أهم وسائلها في تحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الوعّاظ الذين كانوا يجوبون المدن والقرى، لتعبئة الناس ضد المستعمر، ونشر الوعي بينهم.
وانتبهت فرنسا إلى خطر هذه التعبئة، وخشيت من انتشار الوعي الإسلامي؛ فعطّلت المدارس، وزجّت بالمدرسين في السجون، وأصدر المسئول الفرنسي عن الأمن في الجزائر، في عام (1352هـ= 1933م) تعليمات مشددة بمراقبة العلماء مراقبة دقيقة، وحرّم على غير المصرح لهم من قبل الإدارة الفرنسية باعتلاء منابر المساجد، ولكي يشرف على تنفيذ هذه الأوامر، عيّن نفسه رئيسًا للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
إسهامات ابن باديس السياسية
لم يكن ابن باديس مصلحًا فحسب، بل كان مجاهدًا سياسيًا، مجاهرًا بعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، وأنه حكم استبدادي غير إنساني، يتناقض مع ما تزعمه من أن الجزائر فرنسية، وأحيا فكرة الوطن الجزائري بعد أن ظنّ كثيرون أن فرنسا نجحت في جعل الجزائر مقاطعة فرنسية، ودخل في معركة مع الحاكم الفرنسي سنة (1352هـ= 1933م) واتهمه بالتدخل في الشئون الدينية للجزائر على نحو مخالف للدين والقانون الفرنسي، وأفشل فكرة اندماج الجزائر في فرنسا التي خُدع بها كثير من الجزائريين سنة (1353 هـ= 1936م).
ودعا نواب الأمة الجزائريين إلى قطع حبال الأمل في الاتفاق مع الاستعمار، وضرورة الثقة بالنفس، وخاطبهم بقوله: "حرام على عزتنا القومية وشرفنا الإسلامي أن نبقى نترامى على أبواب أمة ترى –أو ترى أكثريتها- ذلك كثيرا علينا…! ويسمعنا كثير منها في شخصيتنا الإسلامية ما يمس كرامتنا"، وأعلن رفضه مساعدة فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وكانت الصحف التي يصدرها أو يشارك في الكتابة بها من أهم وسائله في نشر أفكاره الإصلاحية، فأصدر جريدة "المنتقد" سنة (1345 هـ= 1926م) وتولى رئاستها بنفسه، لكن المحتل عطّلها؛ فأصدر جريدة "الشهاب" واستمرت في الصدور حتى سنة (1358هـ= 1939م) واشترك في تحرير الصحف التي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مثل "السنة" و"الصراط" و"البصائر".
وظل هذا المصلح -رغم مشاركته في السياسة- يواصل رسالته الأولى التي لم تشغله عنها صوارف الحياة، أو مكائد خصومه من بعض الصوفية أذيال المستعمر، أو مؤامرات فرنسا وحربها لرسالته، وبقي تعليم الأمة هو غايته الحقيقية، وإحياء الروح الإسلامية هو هدفه السامق، وبث الأخلاق الإسلامية هو شغله الشاغل، وقد أتت دعوته ثمارها، فتحررت الجزائر من براثن الاحتلال الفرنسي، وإن ظلت تعاني من آثاره.
وتوفي ابن باديس في (8 من ربيع الأول 1359 هـ= 16 من إبريل 1940م.
يعتبر يوم 16 أفريل من كل عام، مناسبة وطنية رسمية بالجزائر سميت بـ "يوم العلم"
"البشير الإبراهيمي
لقد كان "البشير الإبراهيمي" حلقة من حلقات الجهاد الطويل في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي (http://islamonline.net/Arabic/history/1422/12/article27.shtml)، وأحد الذين شكلوا وعي ووجدان الأمة العربية والإسلامية على امتداد أقطارها؛ حيث كان أحد رواد الحركة الإصلاحية في "الجزائر"، وأحد مؤسسي "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" (http://islamonline.net/arabic/history/1422/02/article28.SHTML)، وكان زميلا للشيخ "عبد الحميد بن باديس" (http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/07/article02a.SHTML) في قيادة الحركة الإصلاحية، ونائبه في رئاسة جمعية العلماء، ورفيق نضاله لتحرير عقل المسلم من الخرافات والبدع.
البداية والتعلم:
ولد "محمد البشير الإبراهيمي" في (15 من شوال 1306 هـ= 16 من يوليو 1889م) في قرية "سيدي عبد الله" قرب "سطيف" غرب مدينة "قسنطينة"، في بيت من أعرق بيوت الجزائر، يرجع نسبه إلى الأدارسة العلويين من أمراء المغرب العربي في أزهى عصوره، وتلقى تعليمه الأوَّلي على والده وعمه الشيخ "محمد المكي الإبراهيمي" الذي كان من أبرز علماء "الجزائر" في عصره؛ فحفظ القرآن ودرس بعض المتون في الفقه واللغة، كما حفظ العديد من متون اللغة ودواوين فحول الشعراء، فلما مات عمه صار يُدَرِّس ما تلقاه عنه، ولم يكن قد جاوز الرابعة عشرة من عمره.
لكنه ما لبث أن غادر "الجزائر" إلى "الحجاز" وهو في العشرين من عمره -سنة (1330 هـ = 1911م)- ليلحق بأبيه الذي كان قد سبقه إلى هناك قبل ذلك بنحو أربعة أعوام.
تأسيس جمعية العلماء
وفي عام (1338هـ = 1920م) غادر "البشير الإبراهيمي" دمشق عائدا إلى "الجزائر"، وبدأ بدعوته إلى الإصلاح ونشر العلم في مدينة "سطيف"، وبدأ في إلقاء الدروس الدينية والمحاضرات العلمية لطلاب العلم من أبناء بلده، وعندما رأى إقبال طلاب العلم على دروسه وخطبه شجعه ذلك على إنشاء مدرسة لتدريب الشباب على الخطابة وفنون اللغة والأدب، ولم تنقطع صلته بصديقه "ابن باديس" طوال تلك الفترة، فكانا يتبادلان الزيارات من حين لآخر.
وفي عام (1342 هـ = 1924 م) زاره "ابن باديس" وعرض عليه فكرة إقامة "جمعية العلماء" (http://islamonline.net/arabic/history/1422/02/article28.SHTML)، فلاقت الفكرة قبولا في نفس "البشير"، فأخذا يدرسانها ويضعان لها الأطر والأهداف التي تقوم عليها تلك الجمعية، وقد استغرق ذلك زمنا طويلا حتى خرجت إلى حيز الوجود، وعقد المؤتمر التأسيسي لها في (17 من ذي الحجة 1349هـ-5 من مايو 1931م)، وذلك في أعقاب احتفال "فرنسا" بالعيد المئوي لاحتلال "الجزائر"، وبعد تأسيس الجمعية اختِير "ابن باديس" رئيسا لها واختير "الإبراهيمي" نائبا لرئيسها، وانتدب من قِبل الجمعية لأصعب مهمة، وهي نشر الإصلاح في غرب "الجزائر" وفي مدينة "وهران" وهي المعقل الحصين للصوفية الطرقيين، فبادر إلى ذلك وبدأ ببناء المدارس الحرة، وكان يحاضر في كل مكان يصل إليه، وبنى أكثر من مائتي مسجد، وامتد نشاطه إلى "تلمسان"، وهي واحة الثقافة العربية في غرب "الجزائر".
قضايا واهتمامات
وقد وقف "البشير" -في "البصائر"- مدافعا عن اللغة العربية ضد حملات التغريب من المستعمر الفرنسي وأعوانه، يقول عن اللغة العربية: "اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة، ولا دخيلة، بل هي في دارها وبين حماتها وأنصارها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي، مشتدة الأواصر مع الحاضر، طويلة الأفنان في المستقبل".. كما اهتم أيضا بالدفاع عن قضية "فلسطين"، وسخر قلمه للتعريف بها والدفاع عنها.
وقد كان "البشير الإبراهيمي" واسع المعرفة، متنوع الثقافة، متعدد الميول والاهتمامات، ألف في الأدب واللغة، كما صنف في الفقه والمعاملات، ونظم الشعر وكتب العديد من المقالات، وترك "البشير" تراثا علميّا وأدبيّا كبيرا ما يزال بعضه حبيسا حتى الآن، ومن أهم تلك الأعمال:
أسرار الضمائر العربية، الاطراد والشذوذ في العربية؛ التسمية بالمصدر، حكمة مشروعية الزكاة، - رواية "كاهنة أوراس"، عيون "البصائر" (وهي مجموعة مقالاته التي نشرت في جريدة "البصائر")، ... الخ.
وقد عاش "البشير الإبراهيمي" حتى استقلت الجزائر، فلما أُعْلِن الاستقلال عاد إلى وطنه، وخطب لأول صلاة جمعة في مسجد "كتشاوة" بالعاصمة الجزائرية، وكان الفرنسيون قد حولوه إلى كنيسة بعد احتلالهم "الجزائر".
وقد لزم "البشير" بيته بعد عودته، ولم يشارك في الحياة العامة بعد أن تقدم به العمر ووهنت صحته، إلا أنه لم يكن راضيا عن الاتجاه الذي بدأت تتجه إليه الدولة بعد الاستقلال؛ فأصدر عام (1384 هـ = 1964م) بيانا قال فيه: "إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية".
تُوفي -رحمه الله- يوم الخميس (18 من المحرم 1385 هـ = 19من مايو1965م) عن عمر بلغ (76) سنة، قضاها في خدمة الإسلام والمسلمين.
فرحات عباس
فرحات عباس أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والرئيس الأول للجمعية التأسيسية الجزائرية أحد رموز الحركة الوطنية والثورة المسلحة. من مواليد 24 أكتوبر 1899 بدوار الشحنة بالقرب من الطاهير بجيجل من أسرة كبيرة العدد تعمل في الفلاحة (12 طفلا). زاول دراسته الابتدائية بجيجل والثانوية بسكيكدة وبعدها اختار شعبة الصيدلة في دراساته الجامعية. وهكذا كان له دور هام كطالب جامعي في تأسيس جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا في 1924 التي اشرف عليها مدة أربع سنوات من 1927 إلى 1931. بالرغم من اختياره لشعبة علمية إلا أن فرحات عباس كان يتمتع باستعدادات أدبية تبرز من خلال نوعية نصوصه التي نشرت تحت الاسم المستعار كمال بن سراج واختار كمال لإعجابه بأب تركيا العصرية وابن سراج لإبراز آخر أسرة ملكية قاومت غزو الأندلس. فور تحصله على شهادته استقر بسطيف حيث تفرغ للسياسة ضمن فيدرالية المنتخبين ليصبح مساعد الدكتور بن جلول و دشن أدبه النضالي الملتزم من خلال نشر "لو جون الجيريان" (الشاب الجزائري) الذي تطرق من خلاله إلى الروح المسلمة والشخصية الجزائرية. وبعد تعيينه كمستشار بلدي بسطيف في 1937 ابتعد شيئا فشيئا عن حركة الأعيان حيث لم يلمس إرادة حقيقة للعمل من أجل التغيير في الجزائر المستعمرة. وندد حينئذ بقانون الأهالي وأسس الاتحاد الشعبي الجزائري في جويلية 1938.
وأبدى الملتزم المتطوع في 1939 خلال الحرب العالمية الثانية اهتماما أكبر بمسألة الهوية وتخلى عن مواقفه الإدماجية ليصبح ابتداء من 1942 قائد الاتجاه الليبرالي لحركة التحرر الوطنية بالانضمام إلى العلماء وإلى دعاة الاستقلال في حزب الشعب الجزائري من أجل الدفاع عن فكرة برلمان جزائري ودولة مستقلة ملحقة بفرنسا. وألف في هذا الصدد بيان الشعب الجزائري في ديسمبر 1942 الذي كان بمثابة الميثاق الحقيقي بالنسبة لكل أنصار الاستقلال في تلك الفترة مما أدى إلى ميلاد (أحباب البيان و الحرية). كما تقرب فرحات عباس رئيس تحرير أسبوعية "أيغاليتي" (مساواة) ورئيس اللجنة المؤقتة للجزائر المسلمة من القائد الوطني الآخر مصالي الحاج والحزب الشيوعي الجزائري. وقد منعت الأسبوعية من الصدور في 1945 لتظهر من جديد تحت اسم "لا ريبوبليك ألجيريان الجمهورية الجزائرية".
وبعد مجازر 8 ماي 1945 التي تزامنت وتاريخ حل أحباب البيان والحرية حكم عليه بالسجن لمدة سنة. وعند إطلاق سراحه (ماي 1946) قام بتأسيس حزبه الخاص وهو الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وقطع العلاقات مع مصالي. وقد عين فرحات عباس ضمن قائمة حزبه بالجمعية التأسيسية الثانية في 1946 وبعدها بالجمعية الجزائرية في 1948.
وفي أول نوفمبر 1954 فوجئ على نحو مجمل السياسيين الجزائريين باندلاع ثورة التحرير الوطني ولكنه قال للمحافظ جاك سوستال الذي التقى به في 1955 "نحن كلنا فلاقة فالشجعان أخذوا السلاح والأقل شجاعة منهم أمامكم". واتصل كل من عبان رمضان وعمار اوعمران بفرحات عباس في 26 ماي 1955 حيث التحق بجبهة التحرير الوطني في خريف 1955 ليحل بالقاهرة في 22 أبريل 1956 وبعدها سويسرا والمغرب قبل أن يستقر بتونس. عين عضوا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية فور انعقاد مؤتمر الصومام (20 أوت 1956) ثم دخل لجنة مجلس التنسيق والتنفيذ للثورة في أوت 1957. كما ترأس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من سبتمبر 1958 إلى أوت 1961 تحت حكومته شرع في المرحلة الأولى من المفاوضات الجزائرية الفرنسية (ايفيان 1 من 20 ماي إلى 13 جوان 1961) المتعلقة بإلغاء وضع الجزائر كمستعمرة وتلبية حق الشعب الجزائري في تقرير المصير والاستقلال. أما المرحلة الثانية فكانت مفاوضات (لوغران) في جويلية 1961
وغداة الاستقلال أصبح الرئيس الأول للجمعية التأسيسية ليستقيل من منصبه في أوت 1963 للاحتجاج على الظروف التي سادت المصادقة على أول دستور جزائري. وبعد وضعه تحت الإقامة الجبرية أطلق سراحه في 1965 بعد الإطاحة بالرئيس أحمد بن بله. وتخلى فرحات عباس نهائيا عن السياسة للتفرغ خلال تقاعده إلى الكتابة. وخلال هذه الفترة خرج عباس مرة واحدة من تحفظه للتوقيع مع بن يوسف بن خدة وحسين لحول وشيخ خير الدين بمناسبة النقاش حول الميثاق الوطني ل 1976 على نص حول التوجه الذي حدده المرحوم هواري بومدين للبلاد. وكلفه هذا الموقف الوضع تحت الإقامة الجبرية مرة ثانية من 1976 إلى 1979. وقد وافته المنية في 24 ديسمبر 1985 و دفن بمربع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر. ألف "اوتوبسي دين غار" (تشريح حرب) الصادر عن غارنيي. باريس 1980 و"لانديبوندونس كونفيسكي" (الاستقلال المصادر الصادر عن فلاماريون باريس 1984) .
مصالي الحاج
المولد والنشأة
اسمه أحمد مصالي من مواليد 16 ماي 1898 بتلمسان. من عائلة فلاحية وكان أبوه عضوا في الطريقة الدرقاوية غادر مصالي المدرسة مبكرا قبل أن يتجاوز سن العاشرة واشتغل بمحل لصناعة الأحذية ثم بائعا بأحد المتاجر بمدينة الحنايا قرب تلمسان جند لأداء الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي سنة 1918.وبعد الحرب العالمية الأولى هاجر فرنسا وهو في سن الخامسة والعشرين واشتغل في مصنع للأقمشة قبل أن يصبح تاجرا متنقلا
النشاط السياسي
أثناء تواجده في باريس واختلاطه بالتيارات السياسية الفرنسية و خاصة اليساريين منهم ظهر اهتمامه بالسياسة والتوجه نحو الحركات الوطنية لبلدان المغرب العربي ضمن الحركة العمالية بالمهجر.
واستطاع مصالي الحاج رفقة المهاجرين الجزائريين أن ينشأ حزبا سياسيا عرف بنجم (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d90.htm) شمال إفريقيا (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d90.htm) سنة 1926 بفرنسا وعين أمينا عاما له، وكان يكتب مقالات في جريدة الإقدام التي أنشأها الأمير خالد (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Biographie/b127.htm) وأحياها نجم شمال إفريقيا بعده ثم في جريدة الأمة لسان حال النجم.
وبسبب نشاطه السياسي المكثف ومطالبته الصريحة باستقلال الجزائر تعرض مصالي الحاج لمضايقات السلطة الاستعمارية وعرف الاعتقال والسجن عدة مرات.
شارك في تجمع ملعب العناصر الذي نظمه وفد المؤتمر الإسلامي (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E26.htm) في أوت 1936 وخطب خطبة شهيرة حول رفض سياسة الإدماج.
بعد حلّ نجم شمال إفريقيا 1936م، أعاد مصالي تشكيل الحزب تحت اسم جديد حزب هو حزب الشعب الجزائري (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/D94.htm) سنة 1937. اعتقل في صيف 1937 رفقة مفدي زكرياء (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Biographie/b140.htm)وحسين لحول، وأثناء الحرب العالمية الثانية (1941) نفي مصالي إلى لمبيز ثم إلى برازافيل وبعد نهاية الحرب العالمي أعاد تشكيل حزب الشعب الجزائري تحت اسم جديد هو حركة انتصار (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d101.htm) الحريات الديمقراطية M.T.L.D (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d101.htm) وضع تحت الإقامة الجبرية سنة 1952.
مع مطلع الخمسينات بدأ اختلاف الرأي بين مصالي الحاج والمناضلين الشبان الذين انضموا إلى الحزب حول المسار السياسي للحزب وضرورة تغيير إستراتجية النضال باختيار الكفاح المسلح، وأمام اشتداد الخلاف بين الطرفين تمسّك مصالي برأيه القاضي بمواصلة العمل السياسي وتزعمه للحزب مما أدى إلى انقسام الحزب إلى ثلاثة أطراف: المصاليون، المركزيون، أنصار العمل المسلح. وعرف هذا الخلاف بأزمة حركة الانتصار الحريات الديمقراطية.
عند اندلاع الثورة (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E1.htm) بقي مصالي معارضا للعمل المسلح ولجأ إلى فرنسا حيث أنشأ منظمة جديدة موازية لجبهة التحرير الوطني (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/D30.htm)هي الحركة الوطنية الجزائرية المصالية M.N.A في أكتوبر 1954، والتي دخلت في مواجهات مع جيش التحرير الوطني (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/D20.htm) بدعم من السلطات الفرنسية وبذلك وضع مصالي حدّا فاصلا لنضاله الوطني الذي بدأه منذ العشرينات.
وفاته: بقي مصالي في فرنسا إلى غاية الاستقلال وأعاد تشكيل حزب الشعب الجزائري سنة 1962، لم يدخل الجزائر التي كان يطالب باستقلالها ومات بفرنسا في 03 جوان 1974.
محمد الصالح بن جلول
المولد والنشأة
ولد محمد الصالح بن جلول سنة 1896 بمدينة قسنطينة من عائلة ثرية، تلقى تعليمه الأوّل بمسقط رأسه ثم انتقل إلى باريس لمواصلة دراسته وسجل بكلية الطب التي تخرج منها سنة 1924، و بدأ ممارسة مهنته كطبيب بالجزائر .
- النشاط السياسي
بدأ بن جلول ممارسة السياسة منذ العشرينات حين أ صبح مستشارا بالمجلس البلدي وظهر منذ البداية يدافع عن النخبة المثفقة باعتباره من عائلة غنية، وتلقىّ تعليما عاليا باللغة الفرنسية، وقد اظهر في بداية نشاطه السياسي ميلا نحو أفكار الأمير خالد (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Biographie/B127.HTM) الإصلاحية قبل أن يتحوّل عنها إلى المطالبة بالإدماج باعتباره عضوا في فيدرالية (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d91.htm) المسلمين الجزائريين المنتخبين (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Dossiers/d91.htm)، التي يترأسها الدكتور بن التهامي (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Biographie/b130.htm) وتضم أغلب النخب الجزائريين الممثلين في المجالس المنتخبة مثل فرحات عباس بن جلول... وغيرهم، ومع مطلع الثلاثينات برز نجم بن جلول يترأسه فيدرالية المسلمين الجزائريين المنتخبين ودعوته الصريحة إلى المساواة بين الجزائريين والفرنسيين في كل المجالات كالخدمة العسكرية العمل ...الخ، وكان يكتب مقالاته في جريدة التقدم لسان حال الفيدرالية. و لعب بن جلول دورا في أحداث قسنطينة في أوت 1934، كما لعب دورا أساسيا في الدعوة والتحضير إلى عقد المؤتمر الإسلامي (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E26.htm) سنة 1936. وكان رئيسا للوفد الذي سافر إلى باريس لتقديم مطالب المؤتمر. أنشأ سنة 1938 التجمع الفرنسي الإسلامي الجزائري "R.F.M.A" وحافظ عل منصبه كنائب متميزّ بعد ح.ع.2.
عند اندلاع الثورة التحريرية (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E1.htm) لم يظهر موقفا صريحا رغم مشاركته في توقيع عريضة النواب ال61 بعد هجومات 20أوت 1955 (http://www.m-moudjahidine.dz/Histoire/Evenement/E3.htm) والمؤكدة على أن سياسة الإدماج لم يعد لها معنى.
وفاته: اختفى عن الحياة السياسية بعد الاستقلال، إلى غاية وفاته سنة 1986 بقسنطينة