ابن الحكيم
2009-04-14, 22:35
حرق المحروق على صفحات الشروق
تطلع علينا جريدة الشروق الغراء صباح كل خميس بباقة من المقالات الهامة عادة, وقد انضم مؤخرا إلى المجموعة الدكتور الزاوي, بعد إقالته من المكتبة الوطنية, لينشر مشروع " كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر", ويتضح من العنوان ومن المحتوى خاصة أن الدكتور جاء منتقما بعد إقصائه من منصبه, أو أنه ينطق باسم جهة معادية للهوية الجزائرية العربية الأمازيغية المسلمة, ذلك أنه شرع فيما هو بصدده بنعي اللغة العربية,ويقول إنه حزين على ذلك, ثم انتقل إلى مهاجمة المعربين بوصفهم بالذل والهوان وأوصاف كثيرة بشعة, ثم رفع من شأن المفرنسين وجعلهم في قمة التقدم والعزة والسمو, وفي المقالة الأخيرة طلع علينا بأخطاء جسيمة وقع فيها ماادعائلك حداد حينما قال قولته الشهيرة " اللغة الفرنسية منفاي ", وقرر أن يخرج من منفاه ما دامت الجزائر قد استقلت, واتخذ قراره الشهير باعتزال الكتابة لكونه لا يعرف غير الفرنسية, ثم من يقول عنهم الزاوي أنهم أساتذته أمثال الدكتور/ عبد الله الركيبي,والدكتور/ عبد المالك مرتاض, هؤلاء أخطأوا في تنبئهم بموت الكتابة باللغة الفرنسية في الجزائر, بدليل الازدهار المطرد الذي تسجله باستمرار, وقد استدل على ذلك بمجموعة من الكتاب المتأخرين بلغة فرنسا, من أمثال ياسمينة خضرا الذي يقول إن مبيعات كتبه من أعلى المبيعات عالميا! وليبرهن على أن المعربين لا يقرؤون يذكر أنه ترجم إحدى روايات يا سمينة هذا وبقيت مكدسة, بينما الطبعات المفرنسة تلقى رواجا كبيرا, وهذا أمر صحيح , لكنه حق أريد به باطل في سياق الاندماجية الجديدة الشديدة الغرابة, ومن بين المعجزات المفرنسة التي يعرضها صاحبنا هي عثوره على فتاة في السابعة عشرة من العمر في معرض الكتاب الدولي الفارط في الجزائر, كانت فيما يبدو في جناح دار النشر التي قامت بنشر رواية لها باللغة الفرنسية, وبرهان آخر يسوقه في كون المعربين لا يقرؤون, هو أن روايات أمين معلوف بالفرنسية تلقى رواجا في الجزائر بينما ترجماتها تصادف كسادا تاما, والنتيجة التي ينتهي إليها هي أنه إذا لم يقع تدارك الأمر فإن الهوية الجزائرية ههددة بالشرخ وسوء المنقلب, وقد سبق له, كما لم يتجرأ أي واحد من قبل أن يزعم بأن هناك شعبان في الجزائر أحدهما معرب ذليل حقير محتقر إلى آخر السلسلة النابية من الكلمات الحاقدة التي أطلقها على هؤلاء البؤساء أصلا, يقول وهناك شعب مفرنس راقي عزيز شامخ إلى آخر الأوصاف التي رفع بها هذا الشعب الثاني إلى أعلى عليين, ولست أذكر بالضبط الألفاظ التي استعملها في الحالتين, لكنها من هذا القبيل. والخطير في الأمر هو زعم هذا الدكتور بوجود شعبين متمايزين في الجزائر, وما كنا لنعرف أي كان بلغ هذا الحد من التطاول على الحقائق الوطنية, لقد كنا نسمع أو نقرأ عن وجود نوعين من المثقفين معرب ومفرنس, أما وجود شعبين فهذا ما لم يزعمه أي زاعم على حد علمي. يبقى أن نقول لهذا السيد الذي لا نفهم دوافعه أن الاندماجيين القدامى فشلوا في مسعاهم بالرغم من وجود الاستعمار الغاشم على الساحة الوطنية وقتها, ومن أسباب فشلهم رفض الاستعمار ذاته للمبدأ المستحيل في عرفه, فكيف يتساوى الأنديجان مع سيده ومولاه المحتل النوراني؟ مما جعل أولئك الضالين يصطدمون بصخرة الواقع ويراجعون حساباتهم, بل يتراجعون بعد مجزرة الثامن من ماي 1945الرهيبة, ويلتحقون بصفوف الثورة بعد اندلاعها, ويصل " فرحات عباس " بفضل ثقافته الفرنسية وتكوينه السياسي الرفيع إلى مرتبة رئيس حكومة الثورة, ويترك بعد وفاته في عصر الاستقلال كتابه الشهير " ليل الاستعمار في الجزائر". أما عن معجزة بقاء الكتابة بالفرنسية فهذا أمر أكثر من العادي, بدليل أن بلدان لا علاقة لها بالسياق الفرنكوفوني من قريب أو من بعيد نجد فيها كتابا باللغة الفرنسية شعراء وروائيين إلخ...أما عن الفتاة المعجزة التي ألفت رواية, فمن سنها وأقل من بنات الأحياء القصديرية والأحياء البائسة هناك الألوف المِؤلفة من الفتيات اللواتي يكتبن بالعربية لكنهن لا يجدن الناشر الذي يهتم بما يكتبن ولا زاوي لهن يتغنى بأمجادهن, فيقعن في جب النسيان ولا أحد يعرف عنهن شيئا, ولو وجدن الفرصة المتاحة لبنات البورجوازية الصغيرة أو الكبيرة لبلغن عنان السماء. وللسيد الزاوي في سياق عرض أدلته على خلود الفرنسية في الجزائر وعلى أن الشعب الجزائري مسرع الخطى في اتجاه تغيير هويته والاندماج, كما يفهم من السياق, يذكر أن الشباب الجزائري المعرب يحبذ الكلام بالفرنسية, ويعمل بعد تخرجه من الجامعات المعربة بالفرنسية إلخ... وكأنه وجد العمل بالعربية ورفضه! وللرد السريع على مثل هذا الكلام المتهافت نقول إن فرنسا سلمت بعد رحيلها إلى غير رجعة مقاليد الإدارة الجزائرية إلى أتباعها الذين أطلقت عليهم للتمويه إسم " القوة الثالثة ", وقد أعدت لهذا الأمر بإحكام, بحيث إن الدولة الجزائرية الناشئة لن تستطيع التخلص من هذه التركة المسمومة, لأنها لا تملك البديل ولا يجب أن تملكه إلى الأبد, حتى تقع في شرك الاستعمار الجديد أو حتى يعود القديم ذاته, فكان أن عملت هذه الإدارة على نشر التعليم بالفرنسية طيلة حوالي عقدين من الزمن, وهو ما لم تفعله فرنسا نفسها, لأنها لم تكن في يوم من الأيام تريد فرنسة الشعب الجزائري, بل كانت دوما تصر على تجهيله إلى الأبد, لقد أحكمت تلك الإدارة قبضتها وراحت تفرنس أجيال الاستقلال, ولم تنطلق المدرسة الأساسية المعربة إلا في عام 1979, بعد رحيل صاحبها الرئيس هواري بومدين, وبذلك ولدت ميتة, حتى إذا بلغت طلائعها الأولى أبواب الجامعة, وتوقعنا أن التعريب سيدخل الجامعة حتما, بل إن الكتب الجامعية المعربة طبعت في سوريا الشقيقة, وهي البلد العربي الوحيد الذي عرب بنجاح منقطع النظير الدراسات الجامعية العلمية والتكنولوجية, وقد كان الحديث أيامها جار عن مشروع وحدة بين الجزائر وليبيا, لكن الإدارة العتيدة كانت للأمر العظيم بالمرصاد, وجاءت أحداث أكتوبر 1988, لتعصف بتعريب الجامعة وبالوحدة مع ليبسيا في آن واحد, بل كادت أن تزيل من الوجود نهائيا حزب جبهة التحرير الوطني الذي وجهت إليه ضمنيا تهمة تدبير الجريمتين, وعلى الأخص جريمة نية تعريب الجامعة, أما الكتب التي طبعتها سوريا بسعر التكلفة فقد تحدث شهود عيان عن رميها في المزابل بعد استيرادها من البلد الشقيق, هذه هي الإدارة ببقاياها من الحرس القديم وبمحدثيها من الذين أعدتهم وورثتهم المهمة, هي التي أذلت المعرب واحتقرته واضطهدته حتى أصبح الزاوي يعتبره حقيرا بطبعه, واقعا في أطروحات التمييز العنصري بشكل غريب دون أن يدري, وهي النظرة ذاتها التي كان يكيلها المستعمر الغاشم لمجموع الشعب الجزائري بمن فيه تلك الشريحة الضيقة جدا التي خلقها من البورجوازية الصغيرة لضرورات تتعلق بإحكام سيطرته على الأنديجان. إن الحديث طويل ولا يمكن أن نلم به في هذه العجالة, وحتى هذا التعريب الذي كان من نصيب أبناء الكادحين وحدهم بشكل أو بآخر حتى بعد تعريب المدرسة, والكل يعرف المدارس الخاصة التي نشأت وانتشرت في السنوات الماضية, والتي وضعوا فيها أبناءهم ليتابعوا تعليمهم باللغة الفرنسية ووفقا للبرامج الرسمية الفرنسية, قلت هذا التعريب المشوه الهزيل ذاته لم يكن من الممكن أن يعمم أبدا لولا قرار فرنسا بسحب متعاونيهاعام 1971 انتقاما للتأميمات الشهيرة للبترول والغاز والمناجم وغيرها, مما اضطر الإدارة العتيدة إلى التوجه للمصدر الوحيد للمعلمين وهو المشرق العربي, لكنها أبدا لم تسمح بترقية ذلك التعليم ولا لغته ولا أصحابه من الجزائريين والمشارقة الذين لاقوا كل العراقيل والاحتقار وقلة الاعتبار المظالم. أما العباقرة الذين يتحدث عنهم السيد الزاوي وباللغتين لا بالفرنسية فقط كما يزعم, فهم لا يحتاجون لأحد ليأخذ بأيديهم, وفي الغالب فإن المقررات الدراسية لا تناسبهم, وقد كانت هناك محاولات متعددة لإنشاء نظام تربوي خاص بهم, غير أن الإدارة الموقرة منعنت ذلك المشروع الاستراتيجي من التجسد وأصرت على ذلك بكل ما تملك وهي تملك كل شيء. ولنتوقف هنا هذه المرة وحكايات الزاوي لا زالت متواصلة في محاولته اليائسة لحرق المعرب المحروق على صفحات الشروق. ومما يثير التساؤل حقا هو ذهابه للشروق للترويج للاندماج الجديد, ربما للتهجم على المعرب المسكين في عقر داره بغية الإجهاز عليه نهائيا, فمن المفروض أن هذه الأفكار النورانية إنما تنشر في صحيفة من صحف الأنوار مثل ليبيرتي أو ما شابهها, لأن ذلك ربما لا يؤدي مهمة تمهيد الطريق لإزالة المعرب نهائيا من الطريق, لكن هيهات ثم هيهات, إن المعرب بائس يائس كما قال الزاوي, لكنه ليس أكثر بؤسا من شعبه أيام الاستعمار الكالحة, وليوصف بالحقارة والانحطاط والعجز والجبن وما إلى ذلك من شتائم الزاوي الغريبة, لكنه لن يسمح أبدا لآي كان أن يمس من هويته ولا من وحدة وطنه وشعبه, فدون ذلك الفداء بكل ما تحمله الكلمة من معنى, وإذا كانت الثورة قد حررت الوطن, فإن الأجيال الجديدة, أجيال الاستقلال تتطلع إلى استكمال التحرير بإنجاز أهم مراحله, ونعني بها مرحلة تحرير الإنسان.
تطلع علينا جريدة الشروق الغراء صباح كل خميس بباقة من المقالات الهامة عادة, وقد انضم مؤخرا إلى المجموعة الدكتور الزاوي, بعد إقالته من المكتبة الوطنية, لينشر مشروع " كتاب أبيض عن الثقافة في الجزائر", ويتضح من العنوان ومن المحتوى خاصة أن الدكتور جاء منتقما بعد إقصائه من منصبه, أو أنه ينطق باسم جهة معادية للهوية الجزائرية العربية الأمازيغية المسلمة, ذلك أنه شرع فيما هو بصدده بنعي اللغة العربية,ويقول إنه حزين على ذلك, ثم انتقل إلى مهاجمة المعربين بوصفهم بالذل والهوان وأوصاف كثيرة بشعة, ثم رفع من شأن المفرنسين وجعلهم في قمة التقدم والعزة والسمو, وفي المقالة الأخيرة طلع علينا بأخطاء جسيمة وقع فيها ماادعائلك حداد حينما قال قولته الشهيرة " اللغة الفرنسية منفاي ", وقرر أن يخرج من منفاه ما دامت الجزائر قد استقلت, واتخذ قراره الشهير باعتزال الكتابة لكونه لا يعرف غير الفرنسية, ثم من يقول عنهم الزاوي أنهم أساتذته أمثال الدكتور/ عبد الله الركيبي,والدكتور/ عبد المالك مرتاض, هؤلاء أخطأوا في تنبئهم بموت الكتابة باللغة الفرنسية في الجزائر, بدليل الازدهار المطرد الذي تسجله باستمرار, وقد استدل على ذلك بمجموعة من الكتاب المتأخرين بلغة فرنسا, من أمثال ياسمينة خضرا الذي يقول إن مبيعات كتبه من أعلى المبيعات عالميا! وليبرهن على أن المعربين لا يقرؤون يذكر أنه ترجم إحدى روايات يا سمينة هذا وبقيت مكدسة, بينما الطبعات المفرنسة تلقى رواجا كبيرا, وهذا أمر صحيح , لكنه حق أريد به باطل في سياق الاندماجية الجديدة الشديدة الغرابة, ومن بين المعجزات المفرنسة التي يعرضها صاحبنا هي عثوره على فتاة في السابعة عشرة من العمر في معرض الكتاب الدولي الفارط في الجزائر, كانت فيما يبدو في جناح دار النشر التي قامت بنشر رواية لها باللغة الفرنسية, وبرهان آخر يسوقه في كون المعربين لا يقرؤون, هو أن روايات أمين معلوف بالفرنسية تلقى رواجا في الجزائر بينما ترجماتها تصادف كسادا تاما, والنتيجة التي ينتهي إليها هي أنه إذا لم يقع تدارك الأمر فإن الهوية الجزائرية ههددة بالشرخ وسوء المنقلب, وقد سبق له, كما لم يتجرأ أي واحد من قبل أن يزعم بأن هناك شعبان في الجزائر أحدهما معرب ذليل حقير محتقر إلى آخر السلسلة النابية من الكلمات الحاقدة التي أطلقها على هؤلاء البؤساء أصلا, يقول وهناك شعب مفرنس راقي عزيز شامخ إلى آخر الأوصاف التي رفع بها هذا الشعب الثاني إلى أعلى عليين, ولست أذكر بالضبط الألفاظ التي استعملها في الحالتين, لكنها من هذا القبيل. والخطير في الأمر هو زعم هذا الدكتور بوجود شعبين متمايزين في الجزائر, وما كنا لنعرف أي كان بلغ هذا الحد من التطاول على الحقائق الوطنية, لقد كنا نسمع أو نقرأ عن وجود نوعين من المثقفين معرب ومفرنس, أما وجود شعبين فهذا ما لم يزعمه أي زاعم على حد علمي. يبقى أن نقول لهذا السيد الذي لا نفهم دوافعه أن الاندماجيين القدامى فشلوا في مسعاهم بالرغم من وجود الاستعمار الغاشم على الساحة الوطنية وقتها, ومن أسباب فشلهم رفض الاستعمار ذاته للمبدأ المستحيل في عرفه, فكيف يتساوى الأنديجان مع سيده ومولاه المحتل النوراني؟ مما جعل أولئك الضالين يصطدمون بصخرة الواقع ويراجعون حساباتهم, بل يتراجعون بعد مجزرة الثامن من ماي 1945الرهيبة, ويلتحقون بصفوف الثورة بعد اندلاعها, ويصل " فرحات عباس " بفضل ثقافته الفرنسية وتكوينه السياسي الرفيع إلى مرتبة رئيس حكومة الثورة, ويترك بعد وفاته في عصر الاستقلال كتابه الشهير " ليل الاستعمار في الجزائر". أما عن معجزة بقاء الكتابة بالفرنسية فهذا أمر أكثر من العادي, بدليل أن بلدان لا علاقة لها بالسياق الفرنكوفوني من قريب أو من بعيد نجد فيها كتابا باللغة الفرنسية شعراء وروائيين إلخ...أما عن الفتاة المعجزة التي ألفت رواية, فمن سنها وأقل من بنات الأحياء القصديرية والأحياء البائسة هناك الألوف المِؤلفة من الفتيات اللواتي يكتبن بالعربية لكنهن لا يجدن الناشر الذي يهتم بما يكتبن ولا زاوي لهن يتغنى بأمجادهن, فيقعن في جب النسيان ولا أحد يعرف عنهن شيئا, ولو وجدن الفرصة المتاحة لبنات البورجوازية الصغيرة أو الكبيرة لبلغن عنان السماء. وللسيد الزاوي في سياق عرض أدلته على خلود الفرنسية في الجزائر وعلى أن الشعب الجزائري مسرع الخطى في اتجاه تغيير هويته والاندماج, كما يفهم من السياق, يذكر أن الشباب الجزائري المعرب يحبذ الكلام بالفرنسية, ويعمل بعد تخرجه من الجامعات المعربة بالفرنسية إلخ... وكأنه وجد العمل بالعربية ورفضه! وللرد السريع على مثل هذا الكلام المتهافت نقول إن فرنسا سلمت بعد رحيلها إلى غير رجعة مقاليد الإدارة الجزائرية إلى أتباعها الذين أطلقت عليهم للتمويه إسم " القوة الثالثة ", وقد أعدت لهذا الأمر بإحكام, بحيث إن الدولة الجزائرية الناشئة لن تستطيع التخلص من هذه التركة المسمومة, لأنها لا تملك البديل ولا يجب أن تملكه إلى الأبد, حتى تقع في شرك الاستعمار الجديد أو حتى يعود القديم ذاته, فكان أن عملت هذه الإدارة على نشر التعليم بالفرنسية طيلة حوالي عقدين من الزمن, وهو ما لم تفعله فرنسا نفسها, لأنها لم تكن في يوم من الأيام تريد فرنسة الشعب الجزائري, بل كانت دوما تصر على تجهيله إلى الأبد, لقد أحكمت تلك الإدارة قبضتها وراحت تفرنس أجيال الاستقلال, ولم تنطلق المدرسة الأساسية المعربة إلا في عام 1979, بعد رحيل صاحبها الرئيس هواري بومدين, وبذلك ولدت ميتة, حتى إذا بلغت طلائعها الأولى أبواب الجامعة, وتوقعنا أن التعريب سيدخل الجامعة حتما, بل إن الكتب الجامعية المعربة طبعت في سوريا الشقيقة, وهي البلد العربي الوحيد الذي عرب بنجاح منقطع النظير الدراسات الجامعية العلمية والتكنولوجية, وقد كان الحديث أيامها جار عن مشروع وحدة بين الجزائر وليبيا, لكن الإدارة العتيدة كانت للأمر العظيم بالمرصاد, وجاءت أحداث أكتوبر 1988, لتعصف بتعريب الجامعة وبالوحدة مع ليبسيا في آن واحد, بل كادت أن تزيل من الوجود نهائيا حزب جبهة التحرير الوطني الذي وجهت إليه ضمنيا تهمة تدبير الجريمتين, وعلى الأخص جريمة نية تعريب الجامعة, أما الكتب التي طبعتها سوريا بسعر التكلفة فقد تحدث شهود عيان عن رميها في المزابل بعد استيرادها من البلد الشقيق, هذه هي الإدارة ببقاياها من الحرس القديم وبمحدثيها من الذين أعدتهم وورثتهم المهمة, هي التي أذلت المعرب واحتقرته واضطهدته حتى أصبح الزاوي يعتبره حقيرا بطبعه, واقعا في أطروحات التمييز العنصري بشكل غريب دون أن يدري, وهي النظرة ذاتها التي كان يكيلها المستعمر الغاشم لمجموع الشعب الجزائري بمن فيه تلك الشريحة الضيقة جدا التي خلقها من البورجوازية الصغيرة لضرورات تتعلق بإحكام سيطرته على الأنديجان. إن الحديث طويل ولا يمكن أن نلم به في هذه العجالة, وحتى هذا التعريب الذي كان من نصيب أبناء الكادحين وحدهم بشكل أو بآخر حتى بعد تعريب المدرسة, والكل يعرف المدارس الخاصة التي نشأت وانتشرت في السنوات الماضية, والتي وضعوا فيها أبناءهم ليتابعوا تعليمهم باللغة الفرنسية ووفقا للبرامج الرسمية الفرنسية, قلت هذا التعريب المشوه الهزيل ذاته لم يكن من الممكن أن يعمم أبدا لولا قرار فرنسا بسحب متعاونيهاعام 1971 انتقاما للتأميمات الشهيرة للبترول والغاز والمناجم وغيرها, مما اضطر الإدارة العتيدة إلى التوجه للمصدر الوحيد للمعلمين وهو المشرق العربي, لكنها أبدا لم تسمح بترقية ذلك التعليم ولا لغته ولا أصحابه من الجزائريين والمشارقة الذين لاقوا كل العراقيل والاحتقار وقلة الاعتبار المظالم. أما العباقرة الذين يتحدث عنهم السيد الزاوي وباللغتين لا بالفرنسية فقط كما يزعم, فهم لا يحتاجون لأحد ليأخذ بأيديهم, وفي الغالب فإن المقررات الدراسية لا تناسبهم, وقد كانت هناك محاولات متعددة لإنشاء نظام تربوي خاص بهم, غير أن الإدارة الموقرة منعنت ذلك المشروع الاستراتيجي من التجسد وأصرت على ذلك بكل ما تملك وهي تملك كل شيء. ولنتوقف هنا هذه المرة وحكايات الزاوي لا زالت متواصلة في محاولته اليائسة لحرق المعرب المحروق على صفحات الشروق. ومما يثير التساؤل حقا هو ذهابه للشروق للترويج للاندماج الجديد, ربما للتهجم على المعرب المسكين في عقر داره بغية الإجهاز عليه نهائيا, فمن المفروض أن هذه الأفكار النورانية إنما تنشر في صحيفة من صحف الأنوار مثل ليبيرتي أو ما شابهها, لأن ذلك ربما لا يؤدي مهمة تمهيد الطريق لإزالة المعرب نهائيا من الطريق, لكن هيهات ثم هيهات, إن المعرب بائس يائس كما قال الزاوي, لكنه ليس أكثر بؤسا من شعبه أيام الاستعمار الكالحة, وليوصف بالحقارة والانحطاط والعجز والجبن وما إلى ذلك من شتائم الزاوي الغريبة, لكنه لن يسمح أبدا لآي كان أن يمس من هويته ولا من وحدة وطنه وشعبه, فدون ذلك الفداء بكل ما تحمله الكلمة من معنى, وإذا كانت الثورة قد حررت الوطن, فإن الأجيال الجديدة, أجيال الاستقلال تتطلع إلى استكمال التحرير بإنجاز أهم مراحله, ونعني بها مرحلة تحرير الإنسان.