zaza22
2013-02-08, 12:33
ثمة نكتة متداولة هذه الأيام مفادها أن كل شيء متوقف عن الحركة، إلا الفساد في هذه البلاد فهو الوحيد الذي يتحرك. ويمكن أن نضيف الى تلك النقطة واحدة أخرى وهي أن هذا الفساد الذي يتحرك أرضا وبحرا وجوا إنما يفعل ذلك في الخفاء وبسرية وبدون أن يبلّغ عنه ودون شهود في معظم الأحيان. ولعل حادثة الجمركي الشاب في ولاية الوادي الحدودية والتي تعرض اليوم أمام المحاكمة بتهمة التشهير يمكن أن تشكل نموذجا لكل من يريد التبليغ عن جريمة اقتصادية أو غيرها في حساب نتائجها، بعد أن يقاد إلى المحاكم ويتم التشنيع به .
تضييقات متعمدة
عدد الجمعيات العاملة في مجال مكافحة الفساد قليلة جدا مقارنة مع العدد الإجمالي للجمعيات المشكلة لأطياف المجتمع المدني، وحتى اعتماد المزيد منها أصبح مشكلة أمام حركة التضييق المرسومة أمامها في مسألة الاعتماد .
وهذا وحده يعطي فكرة حول إمكانياتها الضعيفة في تكوين مناخ عام يسمح على الأقل بالحد من ظاهرة الرشوة والفساد والنهب وكل أنواع الكسب غير المشروع كما يسميه المصريون.
أما القضاء على هذا الفساد فمهمة مستحيلة باعتباره أخطبوطا يتحرك في مختلف الاتجاهات وقد تكون الجهة المكلّفة بالاستقصاء حول الفاسدين هي نفسها ضالعة فيه كما نسمع عن القضاة المفصولين والقضاة المزيفين.
وقد رأينا أن عددا من رؤساء جمعيات مكافحة الفساد أنفسهم قد تمت متابعتهم قضائيا بتهمة التشهير، وتشكلت بالمقابل حولهم حركة مساندة مكونة من محامين ودعاة حقوق الانسان ومن عامة الناس، وهذه نقطة ايجابية ينبغي العمل على تثمينها فهي المدخل لمكافحة الظاهرة .
في الأسواق
وسائل التبليغ عن الفساد متعددة منها ما يتم مباشرة عبر مراسلات مكشوفة ورسمية بالجهات المعنية، كما فعل الجمركي الذي يحاكم حاليا في الوادي بعد أن بلغ عن "التهريب الشرعي" للغاز عبر الأنابيب باتجاه دولة مجاورة، ومنها ما تعرف بواسطة الأساليب الاحتجاجية المطالبة بتنحية المسؤول الفاسد أو المتكتم عن الفساد وهذه مصيبة أخرى .
ومن الوسائل ما تتم عبر الرسائل المجهولة الهوية، وهذه الأخيرة أصبحت معتمدة منذ أشهر وترجح أطراف في الحكومة بأنها الأكثر نجاعة وفعالية خاصة أن الكثير من المبلّغين عن الفساد يستخدمونها .
وتزعم تلك الأطراف أن هذا السلوك الأقل ضجيجا يأتي ثماره بين كل الوسائل الأخرى .
فلماذا يتم اللجوء الى الوسائل المجهولة في التبليغ عن الفساد بدل العمل في الوضوح؟
بعض الجوانب التي يخفيها هذا الميل إلى التكتم قد تكون مرتبطة بعدم حماية المبلّغ عن الفساد وكذلك الشاهد على الجريمة من الناحية القانونية، فهناك ثغرة يجب سدها في هذا الاتجاه لأن حماية الشاهد مازالت مقتصرة فقط على المبلّغين عن المتاجرة بالمخدرات، أما عدّها فهي متروكة لتقديرات خاصة، الأمر الذي يجعل الرسائل المجهولة خارج مجال الملاحقة سواء في حالة الصدق أو حالة الادعاء بغير حجة .
العيب في تلك الرسائل أنها قد تخضع لعمليات انتقائية، تصبح معها محاكمة الفاسدين موضوع "مزاج شخصي" أو يخضع لحسابات معيّنة أو تتحوّل إلى أداة لممارسة ضغوط ما على المشتكي به مقابل السكوت عن فساده .
مع ذلك فإن الحكومة، على تغيّر مسؤوليها، عملت منذ سنوات على نشر ثقافة التبليغ عن "العدو" أو الخطر الداهم، من الأرقام الخضراء وبالألوان التي كانت تبثها للتبليغ عن المشتبه فيهم من الإرهابيين إلى الأرقام الخاصة بالسائقين المتهوّرين، مستثنى من كل هؤلاء، الذين يسعون للتبليغ عن الفساد رغم أنه صار يمشي بيننا في الأسواق.
رضا بن عاشور
تضييقات متعمدة
عدد الجمعيات العاملة في مجال مكافحة الفساد قليلة جدا مقارنة مع العدد الإجمالي للجمعيات المشكلة لأطياف المجتمع المدني، وحتى اعتماد المزيد منها أصبح مشكلة أمام حركة التضييق المرسومة أمامها في مسألة الاعتماد .
وهذا وحده يعطي فكرة حول إمكانياتها الضعيفة في تكوين مناخ عام يسمح على الأقل بالحد من ظاهرة الرشوة والفساد والنهب وكل أنواع الكسب غير المشروع كما يسميه المصريون.
أما القضاء على هذا الفساد فمهمة مستحيلة باعتباره أخطبوطا يتحرك في مختلف الاتجاهات وقد تكون الجهة المكلّفة بالاستقصاء حول الفاسدين هي نفسها ضالعة فيه كما نسمع عن القضاة المفصولين والقضاة المزيفين.
وقد رأينا أن عددا من رؤساء جمعيات مكافحة الفساد أنفسهم قد تمت متابعتهم قضائيا بتهمة التشهير، وتشكلت بالمقابل حولهم حركة مساندة مكونة من محامين ودعاة حقوق الانسان ومن عامة الناس، وهذه نقطة ايجابية ينبغي العمل على تثمينها فهي المدخل لمكافحة الظاهرة .
في الأسواق
وسائل التبليغ عن الفساد متعددة منها ما يتم مباشرة عبر مراسلات مكشوفة ورسمية بالجهات المعنية، كما فعل الجمركي الذي يحاكم حاليا في الوادي بعد أن بلغ عن "التهريب الشرعي" للغاز عبر الأنابيب باتجاه دولة مجاورة، ومنها ما تعرف بواسطة الأساليب الاحتجاجية المطالبة بتنحية المسؤول الفاسد أو المتكتم عن الفساد وهذه مصيبة أخرى .
ومن الوسائل ما تتم عبر الرسائل المجهولة الهوية، وهذه الأخيرة أصبحت معتمدة منذ أشهر وترجح أطراف في الحكومة بأنها الأكثر نجاعة وفعالية خاصة أن الكثير من المبلّغين عن الفساد يستخدمونها .
وتزعم تلك الأطراف أن هذا السلوك الأقل ضجيجا يأتي ثماره بين كل الوسائل الأخرى .
فلماذا يتم اللجوء الى الوسائل المجهولة في التبليغ عن الفساد بدل العمل في الوضوح؟
بعض الجوانب التي يخفيها هذا الميل إلى التكتم قد تكون مرتبطة بعدم حماية المبلّغ عن الفساد وكذلك الشاهد على الجريمة من الناحية القانونية، فهناك ثغرة يجب سدها في هذا الاتجاه لأن حماية الشاهد مازالت مقتصرة فقط على المبلّغين عن المتاجرة بالمخدرات، أما عدّها فهي متروكة لتقديرات خاصة، الأمر الذي يجعل الرسائل المجهولة خارج مجال الملاحقة سواء في حالة الصدق أو حالة الادعاء بغير حجة .
العيب في تلك الرسائل أنها قد تخضع لعمليات انتقائية، تصبح معها محاكمة الفاسدين موضوع "مزاج شخصي" أو يخضع لحسابات معيّنة أو تتحوّل إلى أداة لممارسة ضغوط ما على المشتكي به مقابل السكوت عن فساده .
مع ذلك فإن الحكومة، على تغيّر مسؤوليها، عملت منذ سنوات على نشر ثقافة التبليغ عن "العدو" أو الخطر الداهم، من الأرقام الخضراء وبالألوان التي كانت تبثها للتبليغ عن المشتبه فيهم من الإرهابيين إلى الأرقام الخاصة بالسائقين المتهوّرين، مستثنى من كل هؤلاء، الذين يسعون للتبليغ عن الفساد رغم أنه صار يمشي بيننا في الأسواق.
رضا بن عاشور