مشاهدة النسخة كاملة : ملخصات مفيدة لمسابقة القضاء لسرعة الحفظ
hadia369
2013-01-25, 17:21
ملخص القانون المدني
المسؤولية عن العمل الشخصي :
عن الفعل الذي يصدر منه دون وساطة شخص اخر او تدخل شيئ مستقل عنه واساس هذه المسؤولية هو الخطأ ال\واجب الاثبات .
اركان الامخسؤوليبة القصيرية :
اولا : الخطأ :
هو اخلال الشخص بإلتزام قانوني مع ادراكه لهذا الاخلال
عناصره :
01/- العنصر الاول : المادي :
التعدي وانحراف الشخص عن سلوك الرجل العادي أي تجاوز للحدود التي يجب على الشخص التزامها في سلوكه .
- معيار الانحراف في السلوك : بالاعتماد على سلوك الرجل العادي أي الرجل المحتاط الذي يبذل قدرا معينا من العناية.
- ضرورة الاعتداد بالضروف الخارجية في تقدير الانحراف :
أي تكييف الواقعة مع ضروفها المحيطة بها سواء كانت خارجية او داخلية .
اثبات التعدي : على المضرور عادة
02/- العنصر الثاني :
الادراك : الفعل الضار صادر عن شخص مكلف ومميز .
- انعدام المسؤولية : عندما ينعدم التمييز
حالات انتفاء المسؤولية :
حالة الدفاع الشرعي 128 ق م لا يعد مخطئا اذا كان يصد اعتداءا عن نفسه .
· حالة تنفيذ اوامر الرئيس اثناء اداء المهام
· حالة الضرورة
04/- رضاء المضرور وهي
الاغواء : أي عندما يغوي الارجل المرأة ويعدها بالزواج وكانت مميزة .
رضا المريض بالعلاج
الالعاب الرياضية
المعاونة
ثانيا : الضرر
انواعه :
الضرر المادي يمس الشخص في ماله او جسمه .
الضرر المعنوي او الادبي : يمس الشخص في غير حقوقه المالية المالية والادبية .
الضرر المرتد وهو الذي يتعدى الشخص المضرور الى اشخاص اخرين
شروط الضرر الواجب التعويض :
ان يكون محققا : أي وقع فعلا او مؤكد الوقوع من خلال حدوث اسبابه كإصابة شخص بحادث مرور ونقل الى المستشفى اذ الحادث وقع والضرر لم يحدد بعد فهو يستحق التعويض .
المساس بمصلحة يحميها القانون : أي توافر القصد الجنائي
ان لا يكون قد سبق التعويض أي لم يرفع اى دعوى تعويضية على الضرر الذي لحقه .
ان يكون الضرر شخصيا : أي يمس الشخص في ماله واهله واسرته .
ثالثا : العلاقة السببية :
وهي الرابطة السببية بين الضرر والخطأ
النضرية المقرة للعلاقة السببية :
نضرية تعادل الاسباب : جميع الاسباب المؤدية الى الضرر متكافئة .
نضرية السبب المنتج او الفعال : الشخص يعد مساهما بصورة كبيرة وفعالة في احداث النتيجة .
نفي المسؤولية :
القوة القاهرة : قوة لا يمكن تداركها .
الحادث المفاجئ : حادث على حين غرة لا يمكن توقعه .
السبب الاجنبي : وهو تدخل شخص اجنبي في احداث الضرر .
تدخل المضرور : أي ان يكون المضرور له دور في احداث النتيجة .
مسؤلية متولي الرقابة :
قد يكون الشخص في حاجة الى الرقابة بسبب صغره او بسبب حالته العقلية او الجسمية .
ا/- تاولي الشخص للرقابة على شخص اخر : وهناك الرقابة يكون مصدرها القانون اة الاتفاق او القضاء واهم المسؤوليات نجد مسؤولية الاب والام عن الابناء القصر والمعلم في المدرسة والمشرف على الحرفة .
الخاضع للرقابة في القانون م ج :
القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد
الحالة العقلية او الجسمية
02/- صدور عمل غير مشروع ممن يخضع للرقابة : ان يصدر عملا غير مشروع ممن هو تحت الرقابة ضارا به الغير مثل كسر الزجاج منزل الى غير ذلك
ب/- اساس المسؤولية :
الخطأ المفترض القابل لاثبات العكس
ج/- نفي المسؤولية : قطع العلاقة السببية بين الضرر ةالخطأ وانه قام بواجب الرعاية والتربية والرقابة الجيدة .
د/- رجوع المكلف بالرقابة على الخاضع لها :
حيث يرجع على المشمول بالرقابة .
مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع :
هي ذات اهمية نضرا لزيادة الاضرار التي تقع منطرف التابع وذلك لعلاقة التبعية .
شروطها :
01/- علاقة التبعية : احدهما تابع للأخر والتابع له سلطة فعلية على المتبوع من خلال الرقابة والتوجيه مثل علاقة العامل ورب العمل
02/- خطأ التابع حال تادية وضيفته اة بسببها :
وهنا يجب توفر الركان المسؤولية مع حدوث اتلخطأ حال تأدية الوضيفة او بسببها .
اساس المسؤولية :
الخطا المفترض : لا سيقبل اثبات العكس .
تحمل التبعية : أي مسؤولية المتبوع عن اتابع .
الحلول : المتبوع يحل محل التابع .
النيابة : التابع نائب عن المتبوع
الضمان والكفالة : المتبوع ضامن للتابع
دفع المسؤولية :
وذلك بقطع العلاقة السببية
مسؤولية حارس الشئ الاشياء هنا هي الجوامد غير الحية ويكون حارسها مسؤولا عن الاضرار التني تحدثها الجوامد المادة 138 ق م ج شرط تحقق المسؤولية :
01/- حراسة الشيئ : الحارس من له القدرة على الاستعمال والتسيير والرقابة . 02/- وقوع الضرر بفعل الشئ :
اساس المسؤولية : هو الخطأ المترض من جانب الحارس غير قابل لاثبات العكس
دفع المسؤولية : بقطع العلاقة السببية .
مسؤولية حارس الحيوان :
المادة 139 الحارس مسؤولا عن فعل الحيوان اذا تنسرب او ضل .
شروط المسؤولية : 01/- تولي شخص رقابته .
02/- ان يجدث الحيوان ضررا .
اساس هذه المسؤولية الخطأ المفترض غير قابل لاثبات العكس وتدفع المسؤولية بقطع العلاقة السببية .
مسؤولية مالك البناء مالك البناء مسؤولا عن ما يحدثه البناء منت اضرار
شروطها :
01/- ملكية البناء ملكية وفق القانون اذا انتقلت اليه عن طريق الشهر القاري او الارث .
02/- البناء : الشيء المتماسك من صنع الانسان ويتصل بالارض اتصال قرار .
03/- تهدم البناء جزئيا او كليا محدثا ضررا للغير :
أي تفكك اجزاء البناء كلها او بعضها او انفصالها عن الارض
اساسها نفس الاساس السابق . وتفع بإثبات الصيانة او حداثة البناء وانه لا يوجد عيب فيه .
الدعوى الوقائية : يرفعها الذي يتهدده ضررا البناء بغرض اجراء الترميمات بغرض اللازمة .
المسؤولية الناشئة عن الحريق :
شروطها : اثبات الخطأ في اتجاه المسؤولين أي الحائز للعقار او المنقول لا المالك
وان يكون الحريق هو السبب في الضرر والحريق هو هو انتقال النار من عقار الحائز الى ملك الغير . واساس المسؤولية هنا هو الخطأ الواجب الاثبات من جانب الحارس او الاشخاص اللذين يسأل عنهم . وتدفع المسؤولية بقطع العلاقة السببية
hadia369
2013-01-25, 17:26
طرق الاثبات في القانون المدني الجزائري
ووسائل الإثبات تنقسم من عدة نواحي فمن حيث طبيعتها ، تنقسم إلى أدلة أصلية وهي الكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة ، أدلة احتياطية وهي الإقرار اليمين ومن حيث حجيتها ن تنقسم إلى أدلة ملزمة للقاضي وهي الكتابة والإقرار واليمين ، وأدلة غير ملزمة وهي البينة والقرائن القضائية والمعاينة ومن حيث ما يجوز إثباته ، تنقسم إلى أدلة مطلقة يصلح لإثبات جميع الوقائع وهي الكتابة والإقرار واليمين ، وأدلة مقيدة يجوز قبولها في إثبات بعض الوقائع دون بعض وهي البينة والقرائن والمعاينة .
ونبحث في ما يلي في ستة مطالب متتالية طرق الإثبات حيث نبحث في المطلب الأول الإثبات بالكتابة , وفي المطلب الثاني الإثبات بشهادة الشهود , وفي المطلب الثالث القرائن ,وفي المطلب الرابع الإقرار , وفي المطلب الخامس اليمين , وفي المطلب السادس المعاينة والخبرة
المطلب الأول : الإثبات بالكتابة
وتنقسم إلى قسمين محررات رسمية ومحررات عادية
الفرع الأول : المحررات الرسمية
تعريف المحرر الرسمي :
نتص المادة 324 من القانون المدني الجزائري"العقد الرسمي هو عقد يثبت فيه الموظف او ظابط عمومي اوشخص مكلف بخدمة عامة ما تم لديه او ما تلقاه من ذوي الشان وذلك طبقا للاشكال القانونية وفي حدود سلطته وتقديره"
((1- السندات الرسمية أ- السندات التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم تنظيمها طبقا للأوضاع القانونية ويحكم بها دون أن يكلف مبرزها إثبات ما نص عليه فيها ويعمل بها ما لم يثبت تزويرها , ب- السندات التي ينظمها أصحابها ويصدقها الموظفون الذين من اختصاصهم تصديقها طبقا للقانون , وينحصر العمل بها في التاريخ والتوقيع فقط , 2-إذا لم تستوف هذه الأسناد الشروط الواردة في الفقرة السابقة فلا يكون لها إلا قيمة الأسناد العادية بشرط أن يكون ذوو الشأن قد وقعوا عليها بتوقيعهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم))
شروط المحرر الرسمي
ويستفاد من هذا أنه يجب توافر شروط ثلاثة في المحرر أو السند الرسمي وهي :
أن ينظم المحرر من موظف, وأن يكون هذا الموظف مختصا بتنظيم السند , وأن يراعي في تنظيمه للسند الأوضاع التي قررها القانون
الشرط الأول : أن ينظم المحرر من موظف
يقصد بالموظف في خصوص المحررات الرسمية كل شخص تعينه الدولة للقيام بعمل من أعمالها ، سواء أكان بأجر ككاتب العدل والمحضر ، أو بدون أجر كالمختار
ويختلف الموظفون باختلاف المحررات التي يختصون بكتابتها ، فالقاضي يعتبر موظفا عاما بالنسبة للأحكام التي يقوم بتحريرها ، كاتب الجلسة يعتبر موظفا عاما بالنسبة لمحاضر الجلسات التي يقوم بكتابتها ، والمحضر يعتبر موظفا عاما بالنسبة إلى أوراق التبليغ التي يقوم بتبليغها ، والمأذون يعتبر موظفا عاما بالنسبة لعقود الزواج و شهادات الطلاق ، وكاتب العدل يعتبر موظفا عاما بالنسبة للأوراق الرسمية المدنية التي يقوم بتحريرها
الشرط الثاني : صدور المحرر من الموظف في حدود سلطته واختصاصه
لا يكفي في المحرر الرسمي أن يكون صادراً من موظف ، بل يشترط أن يكون الموظف قد قام بتحريره في حدود سلطته واختصاصه , ويقصد بالسلطة والاختصاص في هذا الخصوص أن يكون للموظف ولاية تحرير الورقة الرسمية من حيث الموضوع ومن حيث الزمان ومن حيث المكان
فمن حيث الاختصاص الموضوعي ، يختص كل موظف عام بتحرير نوع معين من الأوراق الرسمية فالقاضي مثلا يختص بتحرير الأحكام ولكنه ليس مختصا بتحرير محاضر الجلسة ، فهذا من اختصاص مكاتب الجلسات والمأذون يختص بتحريره عقود الزواج ولكنه ليس مختصا بتحرير العقود والتصرفات المدنية كالبيع أو الهبة فهذا من اختصاص كاتب العدل وهكذا
ومن حيث الاختصاص الزماني ، تنقضي ولاية الموظف بالعزل أو النقل أو الوقف عن العمل فإذا قام بتوثيق المحرر بعد أن انقضت ولايته كان المحرر باطلا ومن حيث الاختصاص المكاني ، فإن القانون حدد لكل موظف اختصاصا إقليميا ولا يجوز له أن يباشر عمله خارج دائرة اختصاصه
الشرط الثالث : مراعاة الأوضاع القانونية في تدوين المحرر الرسمي
قرر القانون أوضاعا معينة يجب على الموظف المختص بتحرير السند أن يلتزم بها من ذلك يجب أن يكون المحرر مكتوبا باللغة العربية وبخط واضح دون إضافة أو تحشير أو كشط وأن يشتمل عدا البيانات الخاصة بموضوع المحرر – على ذكر السنة والشهر واليوم و الساعة التي تم فيها التوثيق كما يجب أن يشتمل المحرر على اسم الموظف ولقبه ووظيفته وأسماء الشهود وأسماء أصحاب الشأن وآبائهم وأجدادهم لإبائهم وصناعتهم ومحال إقامتهم وعلى الشهود أن يوقعوا المحرر مع ذوي الشأن ومع الموظف ويجب على الموظف قبل توقيع ذوي الشأن أن يتلو عليهم الصيغة الكاملة للمحرر ومرفقاته وأن يبين لهم الأثر القانوني المترتب عليه دون أن يؤثر في إرادتهم وتحفظ أصول المحررات بالمكتب ، وتسلم صور منها لأصحاب الشأن
جزاء الإخلال بشرط من الشروط الثلاثة :
إذا تخلف شرط من الشروط الثلاثة اللازمة لوجود المحرر الرسمي ، فإن المحرر يبطل كورقة رسمية فالمحرر الرسمي يفقد رسميته إذا صدر من غير موظف ، أو من موظف عام مميز مختص ، أو من موظف عام مختص إلا أنه لم يراع الأوضاع القانونية المقررة
ومن الأوضاع القانونية المقررة ما هو جوهري كتاريخ التوثيق واسم الموظف وأسماء أصحاب الشأن والشهود وتوقيعاتهم وتخلف هذه الأوضاع هو الذي يترتب عليه بطلان المحرر أما الأوضاع غير الجوهرية كدفع الرسم أو ترقيم صفحات المحرر ، فإن تخلفها لا يفقد المحرر صفته الرسمية
على أن بطلان المحرر الرسمي لا يجرده من كل قيمة ، إذا يعتبر محرراً عرفيا بشرط أن يكون موقعا من ذوي الشأن ((إذا لم تستوف هذه الأسناد الشروط الواردة في الفقرة السابقة فلا يكون لها إلا قيمة الأسناد العادية بشرط أن يكون ذوو الشأن قد وقعوا عليها بتواقيعهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم))
حجية المحرر الرسمي في الإثبات
إذا توافرت في المحرر الرسمي الشروط الثلاثة السابق ذكرها قامت قرينة على سلامته المادية وعلى صدوره ممن وقعوا عليه ((تكون الأسناد الرسمية المنظمة حجة على الناس كافة بما دون فيها من أفعال مادية قام بها الموظف العام في حدود اختصاصه , أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا ))
فالمحرر أو السند الرسمي يعتبر بصحة ما دون فيه من بيانات أثبتها الموظف بنفسه أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ولا يجوز نقض هذه الحجية إلا بالتزوير
فالبيانات التي يثبتها الموظف بنفسه ، كتاريخ المحرر ومكان توثيقه وحضور ذوي الشأن والشهود وإثبات توقيعهم وتوقيع الموثق فهذه تكون حجة على الناس كافة ولا يمكن دحض حجيتها إلا عن طريق الطعن بالتزوير
كذلك البيانات التي تصدر من ذوي الشأن في حضور الموظف كإقرار البائع أنه قبض ثمن المبيع ، أو إقرار المشتري أنه تسلم المبيع ، لا يمكن دحض حجيتها إلا بالطعن بالتزوير
أما البيانات التي تصدر من ذوي الشأن ويدونها الموظف على مسئوليتهم دون أن يكون قد شاهدها أو تحقق من صحتها ، فلا تثبت لها صفة الرسمية ولذلك يجوز إثبات عكسها بطرق الإثبات العادية
صور المحررات الرسمية
يجب أن نفرق بين حالتين : ما إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً وحالة ما إذا كان الأصل غير موجود .
الحالة الأولى : حجية صورة المحرر الرسمي إذا كان الأصل موجوداً
((إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً فإن الصورة الخطية والفوتوغرافية التي نقلت منه وصدرت عن موظف عام في حدود اختصاصه تكون لها قوة السند الرسمي الأصلي بالقدر الذي يعترف فيه بمطابقة الصورة للأصل)) ((وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ، ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين وفي هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل))
وبمقتضى هذا النص أنه إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً ،فإن صورته الرسمية المأخوذة من هذا الأصل تكون لها حجية في الإثبات بالقدر الذي يكون فيه مطابقا للأصل ويفترض أن صورة المحرر الرسمي للأصل نظراً لأنها تؤخذ بواسطة موظف عام مختص ، ولكن إذا نازع أحد الطرفين في هذه المطابقة ، فإن المحكمة تأمر بمراجعة الصورة على الأصل
الحالة الثانية : حجية صورة المحرر الرسمي إذا كان الأصل غير موجود
تنص المادة التاسعة من قانون البينات الأردني على أنه : إذا لم يوجد أصل السند الرسمي ، كانت الصورة الخطية أو الفوتوغرافية حجة على الوجه الآتي :
1) يكون للصورة الأولى قوة الأصل إذا صدرت عن موظف عام مختص وكان مظهرها الخارجي لا يتطرق معه الشك في مطابقتها للأصل
2) ويكون للصورة الخطية أو الفوتوغرافية المأخوذة من الصورة الأولى نفس القوة إذا صدرت عن موظف عام مختص يصادق على مطابقتها للأصل الذي أخذت منه ويجوز لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة هذه الصورة على الأولى على أن تتم المراجعة في مواجهة الخصوم
3) أما الصورة المأخوذة عن الصورة الثانية فيمكن الاستئناس بها تبعا للظروف
ويتضح من هذه المادة أنه إذا لم يكن أصل السند الرسمي موجوداً فإنه يتعين التفرقة بين ثلاثة أنواع من الصور 1- الصور الرسمية الأصلية: وهي الصور التي تنقل عن أصل المحرر الرسمي مباشرة بواسطة موظف عام مختص ، سواء كانت هذه الصور تنفيذية أو غير تنفيذية ، و هذه تكون لها حجية الأصل وإنما يشترط أن يكون مظهرها الخارجي لا يدع مجالا للشك في مطابقتها للأصل أما إذا كان المظهر الخارجي يبعث على الشك في أن يكون قد عبث بها كما إذا وجد بها كشط أو محو أو تحشير فإن الصورة تسقط حجيتها في هذه الحالة .
2- الصورة الرسمية المأخوذة عن الصور الأصلية : وهي الصور المأخوذة لا من الأصل وإنما من الصور الأصلية الرسمية ، وهذه الصور لها نفس حجية الصور الأصلية المأخوذة عنها ، بشرط بقاء الصور الأصلية حتى يمكن المراجعة عليها إذا ما طلب ذلك أحد ذوي الشأن
3- الصور الرسمية للصور المأخوذة من الصور الأصلية : وهذه لا تكون لها حجية الأصل ، ولا يعتد بها إلا مجرد الاستئناس
الفرع الثاني : المحررات العادية
تعريف المحرر العادي
السند العادي هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة إصبعه وليست له صفة السند الرسمي كما عرفته المادة العاشرة من قانون البينات الأردني إذا هو المحرر الذي يصدر من الأفراد دون أن يتدخل الموظف العام في تحريره وهو نوعان : محرر عادي معد للإثبات ، وهذا يكون موقعا من ذوي الشأن ، ويعتبر دليلا مهيأ أو دليلا كاملا ، ومحرر عادي غير موقع من ذوي الشأن معد للإثبات كدفتر التاجر والأوراق المنزلية ، ولذا يعطيه القانون حجية في الإثبات تتفاوت قوة ومضعفا وفق ما يتضمنه من عناصر الإثبات
أولا: المحررات العادية المعدة للإثبات
شروط المحرر العادي :
لا يشترط في المحرر العادي المعد للإثبات إلا أن يكون مدونا به كتابة مثبتة لواقعة قانونية ، وأن تكون موقعة من الشخص المنسوبة إليه
أما أنه يشترط وجود كتابة بالمحرر العادي فهذا شرط طبيعي ولا يشترط في الكتابة شكل معين ، فكل عبارة دالة على المقصود من المحرر تصلح بعد توقيعها أن تكون دليلا على من وقعها كما لا يشترط أن تكون الكتابة باليد وإنما يجوز أن تكون على الآلة الكتابة أو مطبوعة كما يصح أن تكون بخط من وقعها أو بخط شخصي أجنبي ، بالمواد أو بالقلم الرصاص كما يصح أن تكون بلغة أجنبية
أما أنه يشترط أن تكون الكتابة موقعة من الشخص المنسوبة إليه فهذا هو الشرط الجوهري في المحرر العادي المعد للإثبات فالتوقيع هو الذي يعطي ذلك المحرر حجيته في الإثبات لأنه هو الذي ينسب الكتابة إلى صاحب التوقيع ويكون التوقيع بإمضاء الشخص نفسه كما يمكن أن يكون ببصمته أو بختمه , ويجب أن يشتمل التوقيع على اسم الموقع ولقبه كاملين ، فلا يكفي أن يكون التوقيع بالأحرف الأولى من الاسم إنما يلزم أن يكون التوقيع مطابقا للاسم الوارد في شهادة الميلاد فلا يكفي اسم الشهرة أو الاسم الذي اعتاد الشخص التوقيع به وإذا خلا المحرر العادي من التوقيع فلا تكون له أية حجية إلا إذا كان مكتوبا بخط المدين ، فإنه يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة وقد يوقع المدين ورقة على بياض ويسلمها للدائن ليدون فيها ما تم الاتفاق عليه بينهما ، ويحدث هذا كثيراً في الشيكات حيث يوقع الشيك على بياض ويعطى للدائن لملء البيانات فإذا تمت كتابة البيانات فوق التوقيع أصبح للورقة حجية المحرر العادي وإذا دون الدائن بيانات غير مطابقة للبيانات المتفق عليها ، فإن المدين يستطيع أن يثبت ذلك ويكون الإثبات وفقا للقواعد العامة ، فلا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة فإذا نجح المدين في ذلك اعتبر الدائن مرتكبا لجريمة إساءة الأمانة وإذا كان الدائن قد تعامل مع الغير بناء على ما دونه في الورقة ، فإن لهذا الغير ما دام حسن النية التمسك بحجية الورقة على المدين وليس للمدين إلا الرجوع على من أساء الأمانة بكتابة البيانات مخالفة للمتفق عليه .
ولكن إذا كانت الورقة الموقعة على بياض لم تسلم إلى من أساء الأمانة وإنما حصل عليها بطريق غير مشروع كالاختلاس أو السرقة ، فإن من وقع على بياض يمكنه أن يثبت بكافة طرق الإثبات حصول الاختلاس أو السرقة والكتابة من مسيء الأمانة ولا يستطيع الغير الذي تعامل مع أساء الأمانة بناء على هذه الورقة التمسك بها على موقعها حتى ولو كان هذا الغير حسن النية
حجية المحررات العادية في الإثبات
للمحرر العادي حجية في النواحي الثلاث الآتية : حجية المحرر بصدوره ممن وقعه ، وحجيته بصدق البيانات المدونة به ، وحجيته بالنسبة للتاريخ المدون به
أولا : حجية المحرر العرفي بصدوره ممن وقعه :
: (من احتج عليه بسند عادي وكان لا يريد أن يعترف به وجب عليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو توقيع أو ختم أو بصمة إصبع وإلا فهو حجة عليه بما فيه))
طبقا لهذا النص فإذا أنكر المدين توقيعه زالت عن المحرر حجتيه بصفة مؤقتة وتعين على من يحتج به أن ثبت صدوره ممن ينسب إليه التوقيع وذلك بأن يطلب من المحكمة أن تأمر بتحقيق الخطوط ، فإذا ثبت من التحقيق صدور المحرر ممن وقعه عادت إليه حجيته
وإذا أراد الشخص أن ينكر توقيع المحرر المنسوب إليه ، يجب أن يكون إنكاره صريحا ويجب أيضا أن يكون هذا الإنكار قبل أن يناقش موضوع المحرر و ذلك أن مناقشة موضوع المحرر يتعين لتكون جادة منتجة أن تكون وليدة الإطلاع على هذا المحرر ، وهو ما يمكن من التحقق من نسبة الخط والإمضاء أو الختم أو البصمة بأن يشهد عليه المحرر إذ من اليسير على هذا الأخير بمجرد هذا الإطلاع التحقق من هذه النسبة فإذا لم ينكرها فور إطلاعه على المحرر ، وخاض في مناقشة موضوعه ، فإن ذلك منه إنما يفيد تسليمه بصحة تلك النسبة ، فإن عاد بعد ذلك إلى إنكارها وسارت الدعوى شوطا بعيداً على أساس صحة المحرر ، فإنما يكون ذلك استشعاراً منه لضعف مركزه في الدعوى ، واستغلال لنصوص القانون في نقل عبء الإثبات إلى المتمسك بالورقة ، ورغبة في الكيد والمطل ، وهو ما لا يجوز تمكينه منه
غير أنه إذا كان الشخص الذي يتمسك عليه بالمحرر وارثا أو خلفا فلا يطلب منه الإنكار وإنما يكفي كما تنص المادة الحادية عشر الفقرة الثانية من قانون الإثبات الأردني أن يقرر أنه لا يعلم أن الخط أو التوقيع أو الختم أو البصمة هي لمن تلقى عنه الحق فإذا فعل الوارث أو الخلف ذلك زالت حجية المحرر العادي ووجب على من يتمسك به أن يطالب بإجراءات تحقيق الخطوط ليثبت صدور المحرر ممن ينسب إليه
وقد ينكر الشخص حصول التوقيع منه شخصيا برغم اعترافه بأن بصمة الختم الموقع بها هي بصمة ختمه وهذا أمر متصور فقد يفقد الشخص ختمه وقد سلمه إلى أخر فيخون هذا الأخير الأمانة وفي هذه الحالة لا يستطيع هذا الخصم التنصل مما تثبته عليه الورقة إلا إذا بين كيف وصل إمضاؤه هذا الصحيح أو ختمه هذا الصحيح إلى الورقة التي عليها التوقيع به وأقام الدليل على صحة ما يدعيه من ذلك لأنه متى أعترف الخصم الذي تشهد عليه الورقة بأن الإمضاء أو الختم الموقع به على الورقة هو إمضاؤه أو ختمه ، أو متى ثبت ذلك بعد الإنكار بالدليل الذي يقدمه المتمسك بالورقة ، فلا يطلب من هذا المتمسك أي دليل آخر لاعتماد صحة الورقة وإمكان اعتبارها حجة بما فيها على خصمه صاحب الإمضاء أو الختم ،
ثانياً : حجية البيانات المدونة في المحرر العادي :
إذا اعترف الخصم بصدور المحرر العادي منه أو سكت ولم ينكر صدوره عنه ، يكون للمحرر العادي حجية كاملة في الإثبات ، مثله في ذلك مثل المحرر الرسمي غير أن للخصم أن ينقض البيانات الواردة في المحرر العرفي بطرق الإثبات العادية
وإذا لم يقتصر الخصم على إنكار صدور المحرر منه وادعى أن البيان الوارد به أصابه تزوير مادي عن طريق الإضافة أو الحذف ، فإنه يتعين عليه أن يسلك طريق الطعن بالتزوير
ثالثا : حجية المحرر العادي بالنسبة للتاريخ المدون به :
تثبت حجية المحرر العرفي في مواجهة ظرفية ، بالنسبة لما دون فيه من بيانات ، بما في ذلك البيان المتعلق بتاريخ المحرر ، أما في مواجهة الغير فلا يعتبر المحرر العادي حجية عليه في تاريخه إلا إذا كان ثابتا
(( لا يكون للسند العادي حجة على الغير في تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت)) ولقد قصد المشرع حماية الغير من خطر تقديم المحرر العادي
ويقصد بالغير في هذا المقام كل من يحتج في مواجهته بصحة ثبوت تاريخ المحرر العادي مما يترتب عليه الإضرار بحق تلقاه عن أحد طرفي المحرر أو بمقتضى نص في القانون
ويعتبر من الغير :
1) الخلف الخاص :- أي من يكتسب من سلفه حقا معينا ، كالمشتري الذي يعتبر خلفا للبائع ، فإذا باع شخص منقولا مرتين ، فإن البيع الثاني لا يحتج به على المشتري الأول إلا إذا كان له تاريخ ثابت وذلك منعا للتواطؤ الذي قد يتم بين البائع والمشتري الثاني أضراراً بحقوق المشتري الأول بتقديمها تاريخ البيع الثاني على البيع الأول
2) الدائن الحاجز : فإذا حجز الدائن على منقول مملوك لمدينه أو على ما للمدين لدى الغير ، فإنه يصبح من الغير بالنسبة للتصرفات التي تصدر من المدين في المال المحجوز ، ولا
صور المحررات الرسمية
يجب أن نفرق بين حالتين : ما إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً وحالة ما إذا كان الأصل غير موجود .
الحالة الأولى : حجية صورة المحرر الرسمي إذا كان الأصل موجوداً
المادة 325 مدني جزائري
وبمقتضى هذا النص أنه إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً ،فإن صورته الرسمية المأخوذة من هذا الأصل تكون لها حجية في الإثبات بالقدر الذي يكون فيه مطابقا للأصل ويفترض أن صورة المحرر الرسمي للأصل نظراً لأنها تؤخذ بواسطة موظف عام مختص ، ولكن إذا نازع أحد الطرفين في هذه المطابقة ، فإن المحكمة تأمر بمراجعة الصورة على الأصل
الحالة الثانية : حجية صورة المحرر الرسمي إذا كان الأصل غير موجود
تنص المادة التاسعة من قانون البينات الأردني على أنه : إذا لم يوجد أصل السند الرسمي ، كانت الصورة الخطية أو الفوتوغرافية حجة على الوجه الآتي :
1) يكون للصورة الأولى قوة الأصل إذا صدرت عن موظف عام مختص وكان مظهرها الخارجي لا يتطرق معه الشك في مطابقتها للأصل
2) ويكون للصورة الخطية أو الفوتوغرافية المأخوذة من الصورة الأولى نفس القوة إذا صدرت عن موظف عام مختص يصادق على مطابقتها للأصل الذي أخذت منه ويجوز لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة هذه الصورة على الأولى على أن تتم المراجعة في مواجهة الخصوم
3) أما الصورة المأخوذة عن الصورة الثانية فيمكن الاستئناس بها تبعا للظروف
ويتضح من هذه المادة أنه إذا لم يكن أصل السند الرسمي موجوداً فإنه يتعين التفرقة بين ثلاثة أنواع من الصور 1- الصور الرسمية الأصلية وهي الصور التي تنقل عن أصل المحرر الرسمي مباشرة بواسطة موظف عام مختص ، سواء كانت هذه الصور تنفيذية أو غير تنفيذية ، و هذه تكون لها حجية الأصل وإنما يشترط أن يكون مظهرها الخارجي لا يدع مجالا للشك في مطابقتها للأصل أما إذا كان المظهر الخارجي يبعث على الشك في أن يكون قد عبث بها كما إذا وجد بها كشط أو محو أو تحشير فإن الصورة تسقط حجيتها في هذه الحالة .
2- الصورة الرسمية المأخوذة عن الصور الأصلية : وهي الصور المأخوذة لا من الأصل وإنما من الصور الأصلية الرسمية ، وهذه الصور لها نفس حجية الصور الأصلية المأخوذة عنها ، بشرط بقاء الصور الأصلية حتى يمكن المراجعة عليها إذا ما طلب ذلك أحد ذوي الشأن
3- الصور الرسمية للصور المأخوذة من الصور الأصلية : وهذه لا تكون لها حجية الأصل ، ولا يعتد بها إلا مجرد الاستئناس المادة 326 مدني جزائري
الفرع الثاني : المحررات العادية
تعريف المحرر العادي
السند العادي هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة إصبعه وليست له صفة السند الرسمي كما عرفته المادة العاشرة من قانون البينات الأردني إذا هو المحرر الذي يصدر من الأفراد دون أن يتدخل الموظف العام في تحريره وهو نوعان : محرر عادي معد للإثبات ، وهذا يكون موقعا من ذوي الشأن ، ويعتبر دليلا مهيأ أو دليلا كاملا ، ومحرر عادي غير موقع من ذوي الشأن معد للإثبات كدفتر التاجر والأوراق المنزلية ، ولذا يعطيه القانون حجية في الإثبات تتفاوت قوة ومضعفا وفق ما يتضمنه من عناصر الإثبات
أولا: المحررات العادية المعدة للإثبات
شروط المحرر العادي :
لا يشترط في المحرر العادي المعد للإثبات إلا أن يكون مدونا به كتابة مثبتة لواقعة قانونية ، وأن تكون موقعة من الشخص المنسوبة إليه
أما أنه يشترط وجود كتابة بالمحرر العادي فهذا شرط طبيعي ولا يشترط في الكتابة شكل معين ، فكل عبارة دالة على المقصود من المحرر تصلح بعد توقيعها أن تكون دليلا على من وقعها كما لا يشترط أن تكون الكتابة باليد وإنما يجوز أن تكون على الآلة الكتابة أو مطبوعة كما يصح أن تكون بخط من وقعها أو بخط شخصي أجنبي ، بالمواد أو بالقلم الرصاص كما يصح أن تكون بلغة أجنبية
أما أنه يشترط أن تكون الكتابة موقعة من الشخص المنسوبة إليه فهذا هو الشرط الجوهري في المحرر العادي المعد للإثبات فالتوقيع هو الذي يعطي ذلك المحرر حجيته في الإثبات لأنه هو الذي ينسب الكتابة إلى صاحب التوقيع ويكون التوقيع بإمضاء الشخص نفسه كما يمكن أن يكون ببصمته أو بختمه , ويجب أن يشتمل التوقيع على اسم الموقع ولقبه كاملين ، فلا يكفي أن يكون التوقيع بالأحرف الأولى من الاسم إنما يلزم أن يكون التوقيع مطابقا للاسم الوارد في شهادة الميلاد فلا يكفي اسم الشهرة أو الاسم الذي اعتاد الشخص التوقيع به وإذا خلا المحرر العادي من التوقيع فلا تكون له أية حجية إلا إذا كان مكتوبا بخط المدين ، فإنه يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة
وقد يوقع المدين ورقة على بياض ويسلمها للدائن ليدون فيها ما تم الاتفاق عليه بينهما ، ويحدث هذا كثيراً في الشيكات حيث يوقع الشيك على بياض ويعطى للدائن لملء البيانات فإذا تمت كتابة البيانات فوق التوقيع أصبح للورقة حجية المحرر العادي وإذا دون الدائن بيانات غير مطابقة للبيانات المتفق عليها ، فإن المدين يستطيع أن يثبت ذلك ويكون الإثبات وفقا للقواعد العامة ، فلا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة فإذا نجح المدين في ذلك اعتبر الدائن مرتكبا لجريمة إساءة الأمانة
وإذا كان الدائن قد تعامل مع الغير بناء على ما دونه في الورقة ، فإن لهذا الغير ما دام حسن النية التمسك بحجية الورقة على المدين وليس للمدين إلا الرجوع على من أساء الأمانة بكتابة البيانات مخالفة للمتفق عليه
ولكن إذا كانت الورقة الموقعة على بياض لم تسلم إلى من أساء الأمانة وإنما حصل عليها بطريق غير مشروع كالاختلاس أو السرقة ، فإن من وقع على بياض يمكنه أن يثبت بكافة طرق الإثبات حصول الاختلاس أو السرقة والكتابة من مسيء الأمانة ولا يستطيع الغير الذي تعامل مع أساء الأمانة بناء على هذه الورقة التمسك بها على موقعها حتى ولو كان هذا الغير حسن النية .
حجية المحررات العادية في الإثبات
للمحرر العادي حجية في النواحي الثلاث الآتية : حجية المحرر بصدوره ممن وقعه ، وحجيته بصدق البيانات المدونة به ، وحجيته بالنسبة للتاريخ المدون به
أولا : حجية المحرر العرفي بصدوره ممن وقعه :
ن(من احتج عليه بسند عادي وكان لا يريد أن يعترف به وجب عليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو توقيع أو ختم أو بصمة إصبع وإلا فهو حجة عليه بما فيه))
طبقا لهذا النص فإذا أنكر المدين توقيعه زالت عن المحرر حجتيه بصفة مؤقتة وتعين على من يحتج به أن ثبت صدوره ممن ينسب إليه التوقيع وذلك بأن يطلب من المحكمة أن تأمر بتحقيق الخطوط ، فإذا ثبت من التحقيق صدور المحرر ممن وقعه عادت إليه حجيته
وإذا أراد الشخص أن ينكر توقيع المحرر المنسوب إليه ، يجب أن يكون إنكاره صريحا ويجب أيضا أن يكون هذا الإنكار قبل أن يناقش موضوع المحرر و ذلك أن مناقشة موضوع المحرر يتعين لتكون جادة منتجة أن تكون وليدة الإطلاع على هذا المحرر ، وهو ما يمكن من التحقق من نسبة الخط والإمضاء أو الختم أو البصمة بأن يشهد عليه المحرر إذ من اليسير على هذا الأخير بمجرد هذا الإطلاع التحقق من هذه النسبة فإذا لم ينكرها فور إطلاعه على المحرر ، وخاض في مناقشة موضوعه ، فإن ذلك منه إنما يفيد تسليمه بصحة تلك النسبة ، فإن عاد بعد ذلك إلى إنكارها وسارت الدعوى شوطا بعيداً على أساس صحة المحرر ، فإنما يكون ذلك استشعاراً منه لضعف مركزه في الدعوى ، واستغلال لنصوص القانون في نقل عبء الإثبات إلى المتمسك بالورقة ، ورغبة في الكيد والمطل ، وهو ما لا يجوز تمكينه منه
غير أنه إذا كان الشخص الذي يتمسك عليه بالمحرر وارثا أو خلفا فلا يطلب منه الإنكار وإنما يكفي كما تنص المادة الحادية عشر الفقرة الثانية من قانون الإثبات الأردني أن يقرر أنه لا يعلم أن الخط أو التوقيع أو الختم أو البصمة هي لمن تلقى عنه الحق فإذا فعل الوارث أو الخلف ذلك زالت حجية المحرر العادي ووجب على من يتمسك به أن يطالب بإجراءات تحقيق الخطوط ليثبت صدور المحرر ممن ينسب إليه
وقد ينكر الشخص حصول التوقيع منه شخصيا برغم اعترافه بأن بصمة الختم الموقع بها هي بصمة ختمه وهذا أمر متصور فقد يفقد الشخص ختمه وقد سلمه إلى أخر فيخون هذا الأخير الأمانة وفي هذه الحالة لا يستطيع هذا الخصم التنصل مما تثبته عليه الورقة إلا إذا بين كيف وصل إمضاؤه هذا الصحيح أو ختمه هذا الصحيح إلى الورقة التي عليها التوقيع به وأقام الدليل على صحة ما يدعيه من ذلك لأنه متى أعترف الخصم الذي تشهد عليه الورقة بأن الإمضاء أو الختم الموقع به على الورقة هو إمضاؤه أو ختمه ، أو متى ثبت ذلك بعد الإنكار بالدليل الذي يقدمه المتمسك بالورقة ، فلا يطلب من هذا المتمسك أي دليل آخر لاعتماد صحة الورقة وإمكان اعتبارها حجة بما فيها على خصمه صاحب الإمضاء أو الختم ،
ثانياً : حجية البيانات المدونة في المحرر العادي :
إذا اعترف الخصم بصدور المحرر العادي منه أو سكت ولم ينكر صدوره عنه ، يكون للمحرر العادي حجية كاملة في الإثبات ، مثله في ذلك مثل المحرر الرسمي غير أن للخصم أن ينقض البيانات الواردة في المحرر العرفي بطرق الإثبات العادية
وإذا لم يقتصر الخصم على إنكار صدور المحرر منه وادعى أن البيان الوارد به أصابه تزوير مادي عن طريق الإضافة أو الحذف ، فإنه يتعين عليه أن يسلك طريق الطعن بالتزوير
ثالثا : حجية المحرر العادي بالنسبة للتاريخ المدون به :
تثبت حجية المحرر العرفي في مواجهة ظرفية ، بالنسبة لما دون فيه من بيانات ، بما في ذلك البيان المتعلق بتاريخ المحرر ، أما في مواجهة الغير فلا يعتبر المحرر العادي حجية عليه في تاريخه إلا إذا كان ثابتا
(( لا يكون للسند العادي حجة على الغير في تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت)) ولقد قصد المشرع حماية الغير من خطر تقديم المحرر العادي
ويقصد بالغير في هذا المقام كل من يحتج في مواجهته بصحة ثبوت تاريخ المحرر العادي مما يترتب عليه الإضرار بحق تلقاه عن أحد طرفي المحرر أو بمقتضى نص في القانون
ويعتبر من الغير :
1) الخلف الخاص :- أي من يكتسب من سلفه حقا معينا ، كالمشتري الذي يعتبر خلفا للبائع ، فإذا باع شخص منقولا مرتين ، فإن البيع الثاني لا يحتج به على المشتري الأول إلا إذا كان له تاريخ ثابت وذلك منعا للتواطؤ الذي قد يتم بين البائع والمشتري الثاني أضراراً بحقوق المشتري الأول بتقديمها تاريخ البيع الثاني على البيع الأول
2) الدائن الحاجز : فإذا حجز الدائن على منقول مملوك لمدينه أو على ما للمدين لدى الغير ، فإنه يصبح من الغير بالنسبة للتصرفات التي تصدر من المدين في المال المحجوز ، ولا تنفذ في حقه التصرفات التي يجريها المدين إلا إذا كان لها تاريخ سابق على الحجز
3) دائنو المفلس : إذا شهر إفلاس أو إعسار المدين ، يصبح دائنوه من الغير بالنسبة لتصرفاته التي قد تنقص من حقوقه أو تزيد في التزاماته ولا تكون هذه التصرفات نافذة في حق الدائنين إلا إذا كان لها تاريخ ثابت سابق على شهر الإفلاس أو شهر الإعسار
وإذا كان القانون يحمي الغير على النحو المتقدم فلا يقرر للمحرر العادي حجية في مواجهته إلا إذا كان له تاريخ ثابت ، فإنه يشترط أن يكون الغير حسن النية ، فإذا كان المشتري يعلم وقت تمام العقد أن البائع سبق أن تصرف في المبيع لشخص آخر وبادر إلى إثبات تاريخ عقده ، فإنه لا يكون حسن النية ، ويمكن للمشتري الأول أن يحتج عليه بتاريخ البيع الأول حتى ولو لم يكن ثابتا .
(( ويكون للسند تاريخ ثابت ))
أ - من يوم أن يصادق عليه الكاتب العدل
ب- من يوم أن يثبت مضمونه في ورقة أخرى ثابتة التاريخ رسميا
ج- من يوم أن يؤشر عليه حاكم أو موظف مختص
د- من يوم وفاة أحد ممن لهم على السند
وهناك حالات مستثناة من قاعدة ثبوت التاريخ كالمخالصات على سبيل المثال فإذا كان المحرر العادي مجرد مخالصة بالدين ، جاز للقاضي ألا يشترط ثبوت تاريخ المخالصة وفي ذلك تيسير على الناس وأخذ بالمألوف ، فالمدين الذي يوفي دينا عليه ويحصل على مخالصة بالوفاء لا يفكر عادة في أن يجعل تاريخ هذه المخالصة ثابتا
ثانيا :المحررات العادية غير المعدة للإثبات
بيان هذه المحررات :
المحررات غير المعدة للإثبات لا تحمل عادة توقيع ذو الشأن ، غير أن القانون يعطيها قوة في الإثبات وفقا لشروط خاصة نظمها قانون البينات الأردني وقد أورد القانون أربعة أنواع من هذه المحررات هي (1) الرسائل والبرقيات ، (2) الدفاتر التجارية الإجبارية ، (3) الدفاتر والأوراق المنزلية (4) التأشير على سند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين
(1)الرسائل والبرقيات
(( تكون للرسائل قوة الإسناد العادية من حيث الإثبات ما لم يثبت موقعها أنه لم يرسلها ولم يكلف أحدا بإرسالها )) وبمقتضى هذا النص يعطي المشرع للرسائل الموقع عليها بما لها من أهمية في التعامل التجاري نفس قوة السند العادي في الإثبات ، فتكون حجة على مرسلها بصحة المدون فيها إلى أن يثبت العكس بالطرق المقررة قانونا للإثبات أما الرسائل غير الموقعة فيمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة بشرط أن تكون محررة بخط المرسل
وتعتبر الرسالة ملك المرسل إليه ، فيستطيع أن يحتج بها على مرسلها كذلك فإن (( لكل من تتضمن الرسالة دليلا لصالحه أن يحتج بها على المرسل إليه متى كان قد حصل عليها بطريقة مشروعة غير أنه إذا تضمنت الرسالة سراً للمرسل يحظر القانون إفشاءه ، فلا يجوز تقديمها للقضاء
ويقرر المشرع للبرقيات قيمة المحرر العادي أيضا (( وتكون للبرقيات هذه القوة أيضا إذا كان أصلها المودع في دائرة البريد موقعا عليه من مرسلها )) فالبرقيات إذن كالرسائل لها قيمة المحرر العادي في الإثبات بشرط أن يكون أصلها المحفوظ بمكتب البريد موقعا عليه من مرسلها ،وقد افترض المشرع مطابقة مضمون البرقية لأصلها المودع في مكتب البريد غير أن لذوي الشأن أن يثبتوا عكس ذلك
(2)الدفاتر التجارية
يلزم القانون التجاري التجار بمسك دفاتر معينة يقيدون فيها ما يتعلق بأعمالهم التجارية بما يبين مركزهم المالي ولهذه الدفاتر حجية في الإثبات
(( دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار إلا أن البيانات الواردة فيها عما أورده التجار تصلح أساساً يجيز للمحكمة أن توجه اليمين المتممة لأي من الطرفين))
((دفاتر التجار الإجبارية تكون حجة على صاحبها سواء أكانت منظمة تنظيما قانونيا أم لم تكن ولكن لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد ما كان مناقضا لدعواه)) ويتضح من هذه النصوص أن دفاتر التاجر تكون دائما حجة عليه ذلك أنها بما فيها من بيانات قام التاجر بتدوينها بنفسه – تعتبر بمثابة إقرار صادر منه
ولذلك فإن المشرع طبق عليها حكم الإقرار بالنسبة لعدم جواز تجزئته ولا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها فإما أن يؤخذ بأكمله أو يطرح بأكمله مثلا إذا قيد التاجر في دفتره أنه تسلم البضاعة وقام بسداد ثمنها فلا يجوز للخصم أن يجزئ هذا البيان فيتمسك بواقعة تسليم البضاعة ويستبعد واقعة سداد الثمن
وقد تكون دفاتر التاجر حجةله وذلك في حالتين خرج فيهما المشرع على القاعدة التي تقضي بأنه لا يجوز للشخص أن يصطنع دليلا لنفسه
الحالة الأولى : في الدعاوى التجاري إذا كان الخصم تاجراً (( تصلح لأن تكون حجة لصاحبها في المعاملات المختصة بتجارته إذا كانت منظمة وكان الخلاف بينه وبين تاجر )) يجوز قبول الدفاتر التجارية لأجل الإثبات في دعاوى التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر مستوفية للشروط المقررة قانونا
الحالة الثانية : في الدعاوى المدنية ، قد تكون دفاتر التاجر حجة له على غير التاجر ، وذلك فيما يتعلق بما يورده التاجر لعملائه غير التجار غير أن هذه الحجية قاصرة على ما يجوز إثباته بالشهادة أي أنه يشترط إلا تجاوز قيمة ما ورده التاجر لعملية عشرة دنانير :
(إذا كان الالتزام التعاقدي في غير المواد التجارية تزيد قيمته على عشرة دنانير أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز الشهادة في إثبات وجود الالتزام أو البراءة منه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك أما في الالتزامات التجارية إطلاقا وفي الالتزامات المدنية التي لا تزيد قيمتها على عشرة دنانير فيجوز الإثبات بالشهادة )
(3)الدفاتر والأوراق المنزلية :
يقصد بالدفاتر والأوراق المنزلية ، ما يدونه الشخص فيما يتعلق بشؤونه الخاصة ، في مذكرات أو أوراق متفرقة وهذه لا يلزم القانون الشخص بإمساكها و يتطلب فيها مراعاة أوضاع معينة ولهذا فإنه لا يعطيها نفس القيمة التي يعطيها للدفاتر التجارية على أن القانون لا يجرد مثل هذه الأوراق الخاصة من كل قيمة في الإثبات (( لا تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة لمن صدرت عنه ولكنها تكون حجة عليه: (أ) إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى دينا (ب) إذا ذكر فيها صراحة أنه قصد بما دونه في هذه الأوراق أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقا لمصلحته ))
فالأصل إذن أن الدفاتر والأوراق المنزلية لا تعتبر حجة على صاحبها إلا أن المشرع أورد استثناء ين أعطى فيها هذه الأوراق بعض الحجية في الإثبات
الاستثناء الأول : إذا ذكر صاحب هذه الأوراق أنه استوفى دينا إذ يعتبر هذا بمثابة إقرار منه وقد يحدث ذلك عملا حيث يكتفي الدائن بتدوين الدين في أوراقه الخاصة ولا يطالب المدين بإيصال يثبت ذلك ، ويشترط القانون الأردني أن يكون مثل هذا الإقرار صريحا
الاستثناء الثاني : إذا ذكر صاحب هذه الأوراق أنه قصد بها أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقا لمصلحته وهذه الحالة أقل وقوعا في العمل من الأولى لأن الشخص إذا قصد أن تقوم كتابته مقام السند لصاحب الحق المقر به ، فإنه غالبا ما يوقع هذه الكتابة دلالة على هذا القصد وتعتبر الكتابة الموقعة حينئذ دليلا كتابيا وفقا للقواعد العامة لا استناد إلى هذا النص الاستثنائي وهنا أيضا يتطلب القانون الأردني أن يكون التعبير صريحا وحجية الدفاتر والأوراق المنزلية في هاتين الحالتين ليست مطلقة فهي قابلة لإثبات العكس بكافة طرق الإثبات بما في ذلك البينة القرائن ولا تطبق هنا قاعدة عدم جواز إثبات ما يناقض أو يجاوز الكتابة إلا بالكتابة لأن هذه الأوراق ليست أوراقا عادية موقعة
والأصل أيضا أن الدفاتر والأوراق المنزلية لا تعتبر حجة لصاحبها لأن القاعدة أن الشخص لا يجوز أن يصطنع دليلا لنفسه ومع ذلك فليس هناك ما يمنع المحكمة من أن يستخلص قرينة لصالح من صدرت منه هذه الأوراق ومن ذلك ما جرى عليه العمل من أن الطبيب الذي يدون في دفاتره بانتظام زياراته لمرضاه يستطيع أن يستند إلى هذه الدفاتر في مطالبتهم بأتعابه ولو بما يجاوز نصاب البينة لأن علاقته بمرضاه تعتبر مانعا أدبيا من الحصول على دليل كتابي
(4)التأشير على سند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين
أن العادة المتبعة في وفاء الديون وخاصة إذا كان الوفاء جزئيا أن يقوم الدائن بالتأشير بهذا الوفاء على سند الدين الموجود في حيازته أو على نسخة أصلية أخرى للسند أو على مخالفته بدفعة سابقة من الدين
(( التأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس ولو لم يكن التأشير مؤرخا أو موقعا منه ما دام السند لم يخرج قط من حوزته))
(( وكذلك يكون الحكم إذا كتب الدائن بخطه دون توقيع ما يستفاد منه براءة ذمة المدين
في نسخة أصلية أخرى للسند أو في الوصل وكانت النسخة أو الوصل في يد المدين ))
ويتضح من هذين النصين إنه إذا كان السند المؤشر عليه ببراءة ذمة المدين في حيازة الدائن فإن هذا التأشير يعتبر حجة على الدائن , إلا أن هذه الحجية قابلة لإثبات العكس , فيستطيع الدائن أن يقيم الدليل على أن التأشير قد تم مقدما توقعا لوفاء لم يحصل , أو أن هذا التأشير قد تم عن غلط
وقد يتم التأشير على نسخة أو مخالصة في حيازة المدين ، وفي هذه الحالة لا يكون التأشير حجة على الدائن إلا إذا كان بخطه وكانت النسخة أو المخالصة في يد المدين ، وهذه الحجية أيضا قابلة لإثبات العكس.
المطلب الثالث : القرائن
والقرائن تنقسم إلى نوعين : قرائن قانونية وقرائن قضائية
والقرائن القانونية : هي ما يستنبطه المشرع تيسيراً للمتقاضين في الأحوال التي يصعب عليهم الإثبات أما القرائن القضائية فهي ما يستنبطه القاضي من ظروف الدعوى المعروضة عليه
والقرائن على هذا النحو ليست أدلة مباشرة في الإثبات ، إذ هي تقوم على استنتاج وقائع من وقائع أخرى ولا يثبت الخصم الواقعة القانونية ذاتها مصدر الحق وإنما يثبت واقعة أخرى ليستخلص منها الواقعة المراد إثباتها
القرائن القانونية
(( القرينة التي ينص عليها القانون تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك ))
((الأحكام التي حازت الدرجة القطعية تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه القوة إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بالحق ذاته محلا وسببا )) (( ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها ))
فالقرينة القانونية إذن من عمل المشرع وركنها هو نص القانون ، فالمشرع يقوم باستنباط أمر مجهول من أمر معلوم ، على أساس أن الراجح الغالب الوقوع هو ارتباط الأمرين وجوداً وعدما , وإذا كانت القرينة القانونية تقوم على فكرة الترجيح والاحتمال ، أي الأخذ بالوضع الغالب إلا أن هذه القرينة – خلافا للقرينة القضائية تنطوي على خطورة ذلك أن المشرع يضع القرينة القانونية في صيغة عامة مجردة ، آخذاً بالراجح كما قلنا ، حتى ولو كانت في بعض الحالات لا تتفق مع الحقيقة فهو لا ينظر فيها إلى كل حالة بذاتها كما هو الشأن بالنسبة للقرائن القضائية . ولذلك يكون من المتصور أن توجد بعض حالات تنطبق فيها القرينة ، رغم مغايرتها للحقيقة الواقعة ، ولهذا كان من الأفضل إلا يلجأ إلى القرائن
القانونية إلا لضرورة قصوى ، ويترك للقاضي استخلاص القرائن حتى يتمشى مع الحقيقة والواقع بقدر المستطاع
وقد يهدف المشرع من وراء النص على قرينة معينة منع التحايل على القانون من ذلك
القرائن القضائية
((القرائن القضائية هي القرائن التي لم ينص عليها القانون ويستخلصها القاضي من ظروف الدعوى ويقتنع بأن لها دلالة معينة ويترك لتقدير القاضي استنباط هذه القرائن )) ((لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة ))
فالقرينة القضائية هي ما يستنبطه القاضي من ظروف الدعوى المعروضة عليه وملابساتها ، فهو يختار واقعة معلومة ثابتة من بين وقائع الدعوى ويستدل بها على الواقعة المراد إثباتها
ويقتضي وجود القرينة القانونية إذن توافر أمرين : الأول قيام واقعة ثابتة في الدعوى ، والثاني استنباط الواقعة المراد إثباتها من هذه الواقعة الثابتة
الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالقرائن القضائية
لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة
وعلى ذلك لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية في التصرفات القانونية المدنية التي تتجاوز قيمتها عشرة دنانير كما لا يجوز الإثبات بها في التصرفات غير المحددة القيمة ، ولا في إثبات ما يخالف الثابت بالكتابة أو ما يجاوزها
بينما يجوز الإثبات بالقرائن القضائية في التصرفات القانونية المدنية التي لا تزيد قيمتها على عشرة دنانير ، كما تقبل القرائن القضائية في إثبات الوقائع المادية والتصرفات التجارية
المطلب الرابع : الإقرار
التعريف بالإقرار :
ا( الإقرار هو إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر ))
فالإقرار تصرف قانوني يتم بالإرادة المنفردة فيجب إذن أن تتوافر فيه شروط التصرف القانوني ومنها اتجاه إرادة المقر إلى إحداث أثر قانوني ، أي يلزم في الإقرار أن يكون صادراً منن المقر عن قصد الاعتراف بالحق المدعى به في صيغة تفيد ثبوت الحق المقر به على سبيل الحزم واليقين وأن يكون تعبير المقر تعبيراً عن إرادة جدية حقيقة فلا يعد من قبيل الإقرار الملزم ما يصدر عن الشخص من عبارات بقصد التودد أو المجاملة طالما أنه لم يقصد منه الإدلاء بها أن يتخذها من وجهت إليه دليلا عليه كذلك فإن إبداء الخصم رغبته في تسوية النزاع لا يفيد حتما بطريقة اللزوم استمرار هذه الرغبة في كل الأوقات كما لا يفيد إقراره بحق خصمه , وكذلك لا يعتبر إقراراً ما يسلم به الخصم اضطراراً واحتياطا لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة خصمه إلى بعض طلباته
ويلزم أن يكون المقر أهلا للتصرف أما المقر له فلا يشترط فيه أهلية ما فيجوز الإقرار للصغير غير المميز والمجنون ويشترط أن تكون إرادة المقر خالية من أي عيب من عيوب الرضا ومن ثم فإذا شاب الإقرار تدليس أو غلط كان باطلا وحقه للمقر الرجوع فيه
وإقرار النائب لا يصح إلا في الحدود المرسومة للنيابة ، فإذا كان المقر نائبا قانونيا يجب أن يحصل على إذن من المحكمة وأن يتم الإقرار في حدود هذا الإذن وإذا كان نائبا اتفاقيا كالوكيل فلا يحتج به على الموكل إلا إذا صدر بتوكيل خاص
والإقرار يصدر أمام القضاء أثناء سير الدعوى التي تتعلق بموضوع الإقرار ، وهذا يسمى بالإقرار القضائي وقد يصدر أمام القضاء في دعوى لا تتعلق بموضوع الإقرار أو يصدر خارج مجلس القضاء وهذا ما يطلق عليه الإقرار غير القضائي وسنتناول فيما يلي نوعي الإقرار :
((الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم أومن ينوب عنه إذا كان مأذونا له بالإقرار بواقعة أدعى بها عليه وذلك أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة ))
ويتضح من هذا النص أنه يلزم في الإقرار القضائي توافر شرطين وهما :
أن يكون صادراً أمام القضاء وأن يكون صادراً أثناء سير الدعوى المتعلقة بموضوعه
حجية الإقرار القضائي :
(( الإقرار حجة قاصرة على المقر))
فالإقرار يعتبر حجة بذاته على المقر ، فلا يجوز له الرجوع فيه أو تعديله ما دام قد صدر عنه مستوفيا لشروط التصرف القانوني الصحيح ومثال ذلك :-
متى كانت عبارات الإقرار صريحة وقاطعة في الدلالة على أن التنازل الذي تضمنه هو تنازل نهائي عن الأجرة المطالب بها في الدعوى وليس مقصوراً على الحق في السير فيها فإن مقتضى هذا التنازل سقوط حق المقر نهائيا في المطالبة بتلك الأجرة بأي طريقة وبالتالي فكل دعوى يرفعها بالمطالبة بهذه الأجرة تكون خليقة بالرفض إذ لا يجوز له أن يعود فيما أسقط حقه فيه (( لا يصح الرجوع عن الإقرار إلا لخطأ في الواقع على أن يثبت المقر ذلك ))
والإقرار حجة قاصرة على المقر فإقرار أحد الشركاء في شركات التضامن بدين ما لا يلزم باقي الشركاء
والإقرار غير القضائي
((الإقرار غير القضائي هو الذي يقع في غير مجلس الحكم أو يقع في مجلس الحكم في غير الدعوى التي أقيمت بالواقعة المقر بها ))
لمطلب الخامس : اليمين
تعريف اليمين
اليمين قول يتخذ فيه الحالف الله شاهداً على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد ويستنزل عقابه إذا ما حنث , و تكوين تأدية اليمين بأن يقول الحالف (( ولله))) ويذكر الصيغة التي أقرتها المحكمة ويعتبر اليمين عملا دينيا, ولذلك لمن يكلف حلف اليمين أن يؤديها وفقا للأوضاع المقررة في ديانته .
واليمين طريق من طرق الإثبات فهي أما قضائية وغير قضائية أما اليمين القضائية فهي التي توجه إلى الخصم وتحلف أمام القضاء وأما اليمين غير القضائية فهي التي يتفق على حلفها خارج مجلس القضاء
ولقد اقتصر الشارع على تنظيم اليمين القضائية أما غير القضائية فيتبع في شأنها القواعد العامة فإذا كان موضوع اليمين يتجاوز حد البينة وجبت الكتابة لإثبات الاتفاق الخاص به أما حلف اليمين فواقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات
واليمين القضائية نوعان : يمين حاسمة ويمين متممة
اليمين الحاسمة
اليمين الحاسمة (( هي التي يوجهها أحد المتداعين لخصم ليحسم بها النزاع )) وبها يحتكم الخصم اليمين إلى ضمير خصمه إذا أعوزه دليل آخر لإثبات ما يدعيه فإذا أدى خصم اليمين خسر خصمه دعواه ، و إذا نكل عنها كسبها خصمه ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه وهي بذلك طريق غير عادي للإثبات نظمه القانون وحدد آثاره بما يحقق العدالة
شروط وإجراءات توجيه اليمين الحاسمة:
اليمين الحاسمة ملك الخصوم ولا يستطيع القاضي أن يوجهها من تلقاء نفسه ولكن للمحكمة
أن تحلفه يمين الاستظهار وعند الاستحقاق ورد المبيع لعيب فيه وعند الحكم بالشفعة ولو لم يطلب الخصم تحليفه
ويشترط فيمن يوجه اليمين أن تتوافر لديه أهلية التصرف في الحق الذي توجه اليمين بشأنه ويجب أن تتوافر في هذا الخصم أهلية التصرف في الحق الذي توجه إليه فيه اليمين وأن يملك التصرف في هذا الحق وقت حلف اليمين وذلك أن كل خصم توجيه إليه اليمين يجب أن يكون قادراً على الخيار بين الحلف والرد والنكول ورد اليمين لتوجيهها تشترط فيه أهلية التصرف والنكول كالإقرار لا يملكه إلا من ملك التصرف في الحق
ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للوكيل توجيه اليمين إلا إذا صدرت له وكالة خاصة بذلك ولا يجوز للولي أو الوصي أو القيم توجيهها إلا إذا كان له حق التصرف فيما يستحلف عليه الخصم
موضوع اليمين الحاسمة :
((يجب أن تكون الواقعة التي تنصب عليها اليمين متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين ، فإن كانت غير شخصية انصبت اليمين على مجرد علمه بها )) (( يجوز أن توجه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى في كل نزاع إلا أنه لا يجوز توجيهها في واقعة ممنوعة بالقانون أو مخالفة للنظام العام وللآداب ))
ويتضح من هذا النص أنه يشترط أولا في الواقعة التي توجه اليمين بالنسبة لها إلا تكون مخالفة للنظام العام أو الآداب فلا يجوز توجيه اليمين بالنسبة مدين قمار أو لإثبات إيجار منزل يستغل نادياً للقمار كذلك لا يجوز توجيه اليمين بالنسبة لواقعة سبق صدور حكم فيها حاز قوة الأمر المقضي ، ولا بالنسبة لتصرف يشترط لانعقاد الكتابة ولا بالنسبة لواقعة يفيد سند رسمي حصوله إذ لا يجوز الطعن في صحته إلا عن طريق الإدعاء بالتزوير ولا يجوز أيضا توجيه اليمن عن واقعة لو صحت لكانت جريمة
ويشترط ثانيا في الواقعة موضوع اليمين أن تكون متعلقة بشخص من وجهت إليه لأن من يوجه اليمين يحتكم إلى ضمير خصمه فليزم أن تكون الواقعة متعلقة بشخص هذا الخصم ، فإن كانت اليمين غير شخصية له تعين أن تنصب على مجرد علمه بها وهذه هي يمين العلم ومثالها أن يحلف الوارث أنه لا يعلم أن مورثه كان مدينا ،وإذا وجهت اليمين إلى الوارث بصيغة يمين العلم لا يجوز لها تعديل صيغتها ويجوز توجيه اليمين الحاسمة في أي حالة كانت عليها الدعوى أي في أية مرحلة من مراحل المحاكمة
إجراءات اليمين
(( يجب على من يوجه لخصمه اليمين أن يبين بالدقة الوقائع التي يريد استحلافه عليها ويذكر صيغة اليمين بعبارة واضحة جلية )) ولكن للمحكمة ((أن تعدل صيغة اليمين التي يعرض الخصم بحيث تنصب بوضوح ودقة على الواقعة المطلوب الحلف عليها ))
وللخصم الذي وجهت إليه اليمين أن ينازع في توجيهها(( إذا كانت واردة على واقعة غير منتجة أو غير جائز إثباتها باليمن)) و((إذا نازع من وجهت إليه اليمين في جوازها أو في ورودها على واقعة منتجة في الدعوى ورفضت المحكمة منازعته وحكمت بتحليفه بينت في قرارها صيغة اليمين ، ويبلغ هذا القرار للخصم أن لم يكن حاضراً بنفسه ))
((إذا كان لمن وجهت إليه اليمين عذر يمنعه عن الحضور فتنتقل المحكمة أو تنتدب أحد قضاتها لتحليفه ، ويحرر محضر بحلف اليمين يوقعه الحالف والمحكمة أو القاضي المنتدب والكاتب)) وهذا ما تنص عليه المادة65 من قانون البينات الأردني
أما ((إذا لم ينازع من وجهت إليه اليمين في جوازها ولا في تعلقها بالدعوى وجب عليه أن كان حاضراً بنفسه أن يحلفها فوراً أو يردها على خصمه وإلا اعتبر ناكلا ، ويجوز للمحكمة أن تعطيه مهلة للحلف إذ رأت لذلك وجها فإن لم يكن حاضراً وجب أن يدعى لحلفها بالصيغة التي أقرتها المحكمة وفي اليوم الذي حددته ف‘ن حضر وامتنع دون أن ينازع أو لم يحضر بغير عذراً اعتبر ناكلا ))
آثار توجيه اليمين الحاسمة
إذ وجهت اليمين الحاسمة إلى الخصم ، إما أن يحلفها ، وأما أن يردها وإما أن ينكل عنها
وإذا حلف من وجهت إليه اليمين ، خسر موجه اليمين دعواه ولا يجوز له أن يثبت كذب اليمين بدعوى مدنية : (( توجيه اليمين يتضمن التنازل عما عداها من البينات بالنسبة إلى الواقعة التي ترد عليها ، فلا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها الخصم الذي وجهت إليه أو ردت عليه ))(( على إنه إذا ثبت كذب اليمين بحكم جزائي فإن للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض ))
ولكن إذا ثبت كذب اليمين بحكم جزائي، جاز للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض ، وله أيضا أن يطعن في الحكم الصادر بناء على حلف اليمين
رد اليمين والنكول : يجوز لمن وجهت إليه اليمين أم يردها على خصمه ، وفي هذه الحالة لا يجوز للأخير أن يردها ثانية ، وإنما عليه أن يحلفها فإذا نكل عنها خسر دعواه
((كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه))
فالنكول يقع بعدم الحلف ويترتب عليه أن يخسر الناكل دعواه
وتقتصر حجية اليمين الحاسمة على الخصمين في الدعوى وعلى الخلف العام أو الخلف الخاص لأيهما و لا يكون لها أثر بالنسبة إلى غيرهم
اليمين المتممة
اليمين المتممة هي يمين يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لأي من الخصمين دون أن يتقيد بطلب الخصوم و للقاضي السلطة التامة في تقدير ما إذا كانت هناك حاجة لتوجيهها ليستكمل بها اقتناعه إذا لم يقدم الخصم دليلا كافيا على دعواه , واليمين المتممة على خلاف اليمين الحاسمة تعتبر مجرد واقعة مادية , ويشترط لتوجيه اليمين المتممة إلا يكون في الدعوى دليل كامل وإلا تعين على القاضي أن يبنى على أساسه ، ويشترط أيضا إلا تكون الدعوى خالية من أي دليل ، ذلك لأن اليمين المتممة يوجهها القاضي ليستكمل بها دليل ناقص في الدعوى
فاليمين المتممة إذن لا تحسم النزاع لأنها ليست إلا إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه رغبة منه في تحري الحقيقة فالقاضي من بعد توجيه هذه اليمين يكون مطلق الخيار في أن يقضي على أساس اليمين التي أديت أو على أساس عناصر إثبات أخرى اجتمعت له قبل حلف هذه اليمين أو بعد حلفها , واليمين المتممة على عكس اليمين الحاسمة لا يجوز ردها على الخصم
لمطلب السادس : المعاينة والخبرة
(للمحكمة في أي دور من أدوار المحاكمة أن تقرر الكشف والخبرة من قبل خبير أو أكثر على أي مال منقول أو غير منقول أو لأي أمر ترى لزوم إجراء الخبرة عليه .فإذا اتفق الفرقاء على انتخاب الخبير أو الخبراء وافقت المحكمة على تعيينهم وإلا تولت انتخابهم بنفسها ويتوجب عليها أن تبين في قرارها الأسباب الداعية لإجراء الكشف والخبرة والغاية من ذلك مع تحديد مهمة الخبير وتأمر بإيداع النفقات وتعيين الجهة المكلفة بها ويجوز لها أن تقوم بالكشف بكامل هيئتها أو تنتدب أحد أعضائها للقيام به
وبعد إيداع نفقات الكشف والخبرة يدعو رئيس المحكمة أو القاضي الذي تنتدبه المحكمة من
أعضائها الخبير أو الخبراء والفرقاء للاجتماع في الزمان والمكان المعينين ويبين للخبير
أو الخبراء المهمة الموكولة إليهم ويسلمه الأوراق اللازمة أو صوراً عنها ويحلفه اليمين
بأن يؤدي عمله بصدق وأمانة ويحدد للخبير أو الخبراء ميعاداً لإيداع التقرير وإذا لم
يتمكن من إبداء الخبرة أثناء الكشف ينظم محضراً بهذه الإجراءات يوقع من الحاضرين
و بعد إيداع تقرير الخبرة يبلغ كل من الفرقاء نسخة عنه ثم يتلى علنا في الجلسة وللمحكمة
من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أن تدعو الخبير للمناقشة ولها أن تقرر
إعادة التقرير إليه أو إليهم لإكمال ما ترى فيه من نقص أو تعهد بالخبرة إلى آخرين
ينتخبون حسب الأصول ))
(( إذا أنكر أحد الطرفين أو ورثته ما نسب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة إصبع في سند عادي أو أفاد الورثة بعدم العلم بما نسب للمورث وكان المستند أو الوثيقة ذا أثر في حسم النزاع فيترتب على المحكمة بناء على طلب مبرز السند أو الوثيقة أن تقرر إجراء التحقيق بالمضاهاة والاستكتاب وسماع الشهود وأي عمل فني أو مخبري أو بإحدى هذه الوسائل حسبما تكون الحالة))
المعاينة
المقصود بالمعاينة ( الكشف) مشاهدة المحكمة الشيء المتنازع عليه . ويتطلب ذلك في الغالب أن تنتقل المحكمة للمعاينة ,ويصدر قرار المعاينة من المحكمة بناء على طلب أحد الخصوم وللمحكمة من تلقاء نفسها أن تقرر إجراء المعاينة , وقد تتم المعاينة من المحكمة بكامل هيئتها ، وللمحكمة أن تندب أحد قضاتها للقيام . ويجوز رفع دعوى أصلية مستعجلة بطلب الانتقال للمعاينة وتسمى هذه الدعوى بدعوى إثبات الحالة ويتعين لرفعها توافر شروط الاستعجال ويتوافر هذا الشرط إذا كان المقصود بالدعوى منع ضرر محقق قد يتعذر تلافيه في المستقبل كإثبات واقعة يحتمل ضياع معالمها إذا تركت وشأنها ،أو تأكيد معالم قد تتغير مع الزمن وقد يتطلب إثبات الحالة خبرة فنية لا تتوافر لدى قاضي الأمور المستعجلة ولذلك يجوز له أن ينتدب أحد الخبراء للانتقال والمعاينة
الخبرة
فالخبرة إجراء يقصد به الحصول على المعلومات الفنية في المسائل التي قد تعرض على القاضي ولا يستطيع العلم بها بل أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي في المسائل الفنية بعلمها ، بل يجب الرجوع فيها إلى رأي أهل الخبرة
وتقتصر الخبرة على المسائل الفنية التي يصعب على القاضي الإلمام بها دون المسائل القانونية ,وتقدير طلب الاستعانة بالخبرة أمر متروك لتقدير المحكمة لها أن تلتفت عنها أن وجدة في الدعوى من العناصر ما يكفي لتكوين عقيدتها بغير حاجة لخبرة
تقرير الخبير
وعلى الخبير أن يقدم تقريراً بنتيجة أعماله ويودع الخبير تقريره ومحاضر أعماله وما سلم إليه من أوراق قلم الكتاب
ومتى أودع التقرير يبلغ كل من الفرقاء نسخة عنه ثم يتلى علنا في الجلسة وللمحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أن تدعو الخبير للمناقشة في تقريره ، ويبدي الخبير رأيه مؤيداً بأسبابه ، وتوجه إليه المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم ما تراه من الأسئلة مفيداً في الدعوى
ورأى الخبير لا يقيد المحكمة فلها في حدود سلطتها التقديرية أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو ببعض ما جاء وتطرح بعضه لأنها غير مقيدة بآراء أهل الخبرة , فرأى الخبير لا يعدو أن يكون مجرد دليل في الدعوى ولمحكمة الموضوع مخالفته دون معقب وحسبها إقامة قضائها على أسباب سائغة , ولها أيضا أن تعيد التقرير إلى الخبير ليتدارك ما تبينه له من وجوه الخطأ أو النقص في عمله أو بحثه ، ولها أن تعهد بذلك إلى خبير آخر أو إلى ثلاثة خبراء آخرين ، ولهؤلاء أن يستعينوا بمعلومات الخبير السابق
المراجع
1- عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ج2
2- توفيق فرج ، قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية 1980
3- أحمد أبو ألوفا ، الإثبات في المواد المدنية والتجارية 1983
4- أحمد نشأت ، رسالة الإثبات ج1 1955
5- جلال العدوي ، مبادئ الإثبات في المسائل المدنية والتجارية 1968
6- رمضان أبو السعود ، أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية 1986
7 - مصطفى كمال طه ، القانون التجاري 1984
8- محمد يحي مطر ، مسائل الإثبات في القضايا المدنية والتجارية 1989
hadia369
2013-01-25, 17:29
خصائص عقد البيع
يتميز عقد البيع بخاصيتين هما:
-اتجاه الارادتين الى انشاء التزام بنقل الملكية
-مقابل ثمن نقدي
وهناك خصائص أخرى ثانوية لعقد البيع وهي:
-عقد رضائي
-ملزم لجانبين
-عقد معاوضة
-قد يرد على الحقوق الشخصية والعينية أو أي حق مالي
عرفت المادة 351 ق.م عقد البيع، والأصل أنه ينشئ التزاما بنقل الملكية، لكن
في بعض الحالات عقد البيع ينقل الملكية مباشرة دون أن يستغرق مدة.
-بالنسبة للمنقولات المعينة بالذات(القيميات) يتم نقل الملكية وقت انعقاد
العقد(بمجرد العقد).
-أما في العقارات فينشأ الالتزام لكن لا ينفذ الا بعد الشهر في المحافظة
العقارية.
-والمنقولات المعينة بالنوع(المثليات) لا تنتقل فيها الملكية الا بعد عملية
الافراز(الكيل-العدد-القياس..)
والملاحظ ان المشرع الجزائري لم يشترط شكلية معينة وانما طبيعة العقد هي
التي تفرض ذلك.
-هذا ويتأجل انتقال الملكية أيضا اذا اتفق المتعاقدان على ذلك.
الاثار المترتبة عن انتقال الملكية(أهمية تحديد
وقت انتقال الملكية):
-يصبح للمشتير حق التصرف في المبيع بعد انتقال الملكية له حتى لو لم يتم
تسلمه.
-الأصل أن البائع لا يتعرض للمشتري بتصرفه في المبيع مرة ثانية لمشتري اخر
لأنه يعد بيعا لملك الغير فعليه ضمان عدم التعرض.فاذا تصرف البائع وكان
المشتري الثاني حسن النية نأخذ بقاعدة " الحيازة سند الملكية"
التراضي في عقد البيع:
الصور الخاصة للتراضي:
-مجرد الرغبة: فعل مادي عن طريق اعلانات في الجرائد
وغيرها وليس له أثر قانوني(لا يرتب التزام).
-الايجاب: الاعلان عن الرغبة، ويقترن بمدة محددة يبقى فيها الموجب(البائع)
على ايجابه.
-مشروع البيع: قبول الايجاب من قبل المشتري وبالتالي الاتفاق على العقد
التمهيدي.
1)الوعد بالتعاقد:
1) الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد:
المادة 71.
وشروطه هي:
-تعيين المسائل الجوهرية للعقد المراد ابرامه(طبيعة العقد، المبيع، الثمن).
-تحديد مدة ابداء الرغبة للموعود له(مدة ابرام العقد).
-افراغ الوعد بالبيع في ذات الشكلية التي يتطلبها عقد البيع المراد
ابرامه(العقد النهائي).
فاذا لم نستوفي أحد هذه الشروط يكون العقد باطلا(عديم الأثر).
اثاره:
- الوعد بالبيع ملزم لجانب واحد هو الواعد(البائع)، لذا يشترط فيه الأهلية
الكاملة 19سنة(تصرف دائر بين النفع والضرر)، أما الموعود له فيكفي له أهلية
التمييز13 سنة وقت الوعد ، لأن التصرف نافع نفعا محضا لكن يشترط فيه
الأهلية الكاملة وقت البيع.
-الواعد ملتزم فهو مدين بالتسليم لذا يخول للموعود له حقا شخصيا(التزامات
شخصية في ذمة الواعد)، فيبقى هو المالك للشيئ الموعود ببيعه (التزام
بالقيام بعمل) وبالتالي له حق التصرف في الشيئ ، وليس للموعود له أن يرجع
على الواعد الا بالتعويض لأن الغير الذي بيع له العقار أصبح له حقا عينيا
أما الموعود له فليس له سوى حق شخصي، والحق العيني أقوى من الشخصي.
-اذا هلك المبيع تقع تبعته على الواعد فاذا كان الهلاك بفعل الواعد يكون
ملزما بالتعويض، أما اذا كان بسبب قوة قاهرة فلا يلتزم بالتعويض.
وبما أن الوعد بالبيع يرتب التزامات شخصية فان ذلك يترتب عنه اثار:
- بالنظر الى المدة:
أ) قبل اعلان الموعود له رغبته في الشراء:
يبقى الواعد مالكا ويتحمل تبعة الهلاك اذا كانت بقة قاهرة.
ب) بعد ظهور الرغبة في الشراء خلال المدة المتفق
عليها:
يلتزم الوعد بابرام عقد البيع النهائي
دون ظهور رضاء ثاني منه، وليس لابداء الرغبة أثر رجعي.
-اذا نكل الواعد قاضاه المتعاقد الاخر مطالبا اياه بالتنفيذ العيني (اتمام
العقد النهائي)، وهنا يقوم الحكم مقام العقد (حكم حائز لقوة الشيئ المقضي
فيه)، فاذا كان المبيع عقارا لابد من شهر الحكم حتى ينتقل العقار.
ج) انقضاء المدة دون ابداء الرغبة في الشراء:
يسقط الوعد بالبيع ويتحلل الواعد من التزامه، ونفس الحكم
اذا أبدى الموعود له رغبته بعد المدة، وكذا اذا أبدى الموعود له رفضه خلال
المدة المتفق عليها يسقط الوعد بالبيع.
2)الوعد بالشراء:
الملتزم في الوعد بالشراء هو الواعد: المشتري.
-من مصلحة المشتري أن يحصل على وعد بالتفضيل من البائع (الموعود له) لأن
الوعد بالشراء ليس له قوة قانونية ولا يرتب التزاما.
-الوعد بالتفضيل:
يسمى بعقد الشفعة وهو يتم بالاتفاق (وليس بالقانون مثل الشفعة).
الغرض من الشفعة هو لم الملكية في يد شخص واحد(توحيد
الملكية، والشفعة هي الأولوية في البيع للشركاء أو الورثة). ونفس المفهوم
يعود على الوعد بالتفضيل، فاذا رغب الموعود له في البيع يفضل الواعد على
الغير.
3)الوعد الملزم لجانبين(الوعد بالبيع
والشراء): وشروطه هي:
تحديد المسائل الجوهرية -المدة -الشكلية.
-كلا الطرفين واعد وموعود له، فيكفي أن يبدي أحدهما رغبته وارادته في
التعاقد لينعقد العقد، واذا نكل أحدهما نطبق المادة72(التنفيذ العيني).
-نفس الاثار مثل الوعد الملزم لجانب واحد، لكن الفرق بينهما هو: أن الوعد
الملزم لجانبين هو بيع معلق على شرط واقف(ابداء الرغبة)، فاذا لم يبديا
الرغبة يسقط الوعد بالتعاقد من تلقاء نفسه.
2)البيوع الموصوفة:
1) البيع بشرط التجربة:
المادة355ق.م.
م.ج أورد هذا النوع من البيوع بغرض أن يرى مدى ملاءمة الشيئ المبيع ملاءمة
شخصية(معيار ذاتي).
هذا النوع من البيوع معلق على شرط واقف.
-الشرط الواقف:
حدث
مستقبلي اذا تحقق يبرم العقد واذا لم يتحقق فلا يوجد عقد ولا يرتب
التزامات.
-اذا هلك الشيئ خلال مدة التجربة وقبل ابداء القبول:
*بقوة قاهرة، يتحمل البائع تبعة الهلاك(لأنه صاحب الشيئ) على أساس: الغرم
بالغرم.
-المشرع ربط تبعة الهلاك بالتسليم وليس بنقل الملكية( على أساس أن التسليم
لاحق لنقل الملكية)، لذا تصرف المشتري في الشيئ قبل نهاية مدة التجربة يعد
قبولا بالمبيع، لأن القبول هو تعبير عن الارادة قد يكون صريحا أو ضمنيا،
وبالتالي هو تصرف لمالك ويرتب اثاره( دفع الثمن).
-المادة 355/2 نصت على جواز الاتفاق على تكييف العقد على أنه معلق على شرط
فاسخ.
-الشرط الفاسخ:
حدث
مستقبلي يضع حدا للعقد، وتبعة الهلاك يتحملها المشتري.
لذا من مصلحة البائع أن يكون العقد مكيفا على أنه معلق على شرط فاسخ حتى لا
يتحمل هو تبعة الهلاك.
-كل من الشرط الواقف والفاسخ يكونان بأثر رجعي.
2) البيع بالمذاق:
-قبول الشيئ بعد التجربة.
-لا يكون له أثر رجعي، فالعقد لا ينعقد الا بعد الاعلان عن قبول الشيئ.
3) البيع بالعينة:
مجاله: الأشياء المثلية.
نفس الشيئ مثل البيع بالنموذج، البائع مطالب باحضار بضاعة من نفس العينة،
فاذا تخلف عن ذلك يكون الجزاء هو:
التنفيذ العيني أو المطالبة بالفسخ (+التعويض اذا سبب ضرر). أو اذا كان
الاخلال غير مضر يمكن للمشتري قبول البضاعة مع انقاص الثمن اذا كانت أقل
جودة، أو الزيادة في الثمن اذا كانت أكثر جودة.
-المشتري يكتشف أن المبيع غير مطابق للعينة وقت التسليم.
4) البيع بالعربون:
نص عليه م.ج في التعديل الأخير واعتبره: مقابل عن الحق في
العدول.
المحل في عقد البيع:
-المبيع:
وهو
الحق الماي الذي يرد على الشيئ وقد يكون عينيا أو شخصيا.
شروطه:
1- أن يكون موجودا أو قابلا للوجود:
فعدم وجود المبيع ينتج عنه أن العقد باطل بطلانا مطلقا.
-وقد يرد البيع على أشياء مستقبلة بشرط أن يكون محقق الوجود ما عدا بيع
تركة انسان على قيد الحياة فقد حرمه م.ج (م92/2).
2- أن يكون معينا أو قابلا للتعيين
: لا يتم العقد في بيع الجزاف الا بعد افرازه (تحديد
مقداره).
- الزيادة في بيع الجزاف تكون من حق المشتري.
-بيع الجزاف: بيع عدة أشياء دفعة واحدة وبثمن واحد
وليتم تعيينه يعتبر شيئا معينا بذاته وتطبق عليه أحكامه.
-الأشياء المعينة بالذات: يتم تعيينها تعيينا ذاتيا بذكر الصفة المميزة لها
عن غيرها.
- الأشياء المعينة بالنوع: تعين بذكر الجنس والمقدار.
اذا لم تحدد الجودة لا يتخلف شرط التعيين عن المبيع وانما تكون الجودة طبقا
للأحكام العامة من صنف متوسط (م94/2).
-واشترط م.ج في التعيين أيضا أن يكون علم المشتري
بالمبيع علما كافيا بتحديد الأوصاف الأساسية التي تمكن من معرفته أو
برؤيته.
وللمشتري الحق في طلب الابطال اذا لم يكن عالما
بالمبيع علما كافيا أو اذا ثبت أن اقرار المشتري بعلمه كان بسبب الغش ويسقط
الحق في الابطال بالتقادم (أقصر الأجلين 5سنوات و 10سنوات) أو اذا ثبت أن
الاقرار كان لعلم به وليس لغش.
3- أن يكون مشروعا وقابلا للتعامل فيه:
الأشياء الخارجة عن دائرة التعامل:
-بحكم طبيعتها: كالهواء....
-بحكم القانون: الأشخاص الاعتبارية العامة، فلا يجوز تملكها بالتقادم، لكن
يجوز أن تكون محلا للتعامل وانما ليست محلا للبيع أو الحقوق الشخصية كالاسم
الشخصي وحقوق المؤلف.
*الشيئ محتمل الوجود: عقود الغرر، كعقد التامين والرهان الرياضي، ويكون
خارج عن ارادة الشخص فيتدخل في وجود الشيئ ظروف خارجية كالقوة القاهرة.
*محقق الوجود: يدخل في وجوده ارادة المتعاقد.
-م.ج لم يسمح بالتعامل في الشيئ المحتمل الوجود منعا للمضاربة أما المشرع
الفرنسيي فأجازه.
-والفرق بين المحتمل والمحقق هو أن في المحقق المحل هو المبييع لكن في
المحتمل المحل هو حظ الربح، فان قام به يكون قد دخل في مغامرة قد يربح وقد
يخسر.
*/
عقد البيع ناقل للملكية
لذا أورد م.ج اضافة للشروط العامة: -أن يكون البائع مالكا للمبيع.
بيع ملك الغير:
م.
397. وشروطه هي:
-أن يكون الشيئ معينا بالذات( لأن الملكية تنتقل بمجرد العقد).
-أن لا يملكه البائع.
ويكون هذا البيع: اذا كان البائع حائزا للمبيع كأن يكون مستأجرا، لكن
الملكية لا تنتقل للمشتري رغم تسليم المبيع، لان الغير هو المالك وحق
الملكية هذا هو حق عيني يخوله حق التتبع وحق الاسترداد.
واثاره هي:
1) في العلاقة بين البائع والمشتري:
أ// للمشتري الحق في طلب ابطال البيع ولو كان سيئ النية أو كان البائع حسن
النية( ليس طبقا للأحكام العامة وانما طبقا لحكم خاص وهو المادة397).
-المادة 397 لا تتماش مع نظام الشهر العقاري في القانون الجزائري.
ولكن هناك حالات يسقط فيها حق الابطال هي:
* اجازة العقد من طرف المشتري.
* اذا تملك البائع المبيع بعد البيع.
* النقادم المسقط ( أقصر الأجلين).
* اقرار المالك بالبيع.
-الاجازة تصحح العقد وتصدر من المشتري الذي هو طرف في العقد، أما الاقرار
فيصدر من المالك (الغير) وهو يصدر في العقد الصحيح بغية ترتيب اثار،
فالمالك ليس ملزما بنقل الملكية الا بعد اقراره.
ب// طلب التعويض على أساس المسؤولية العقدية: اذا كان المشتري حسن النية
يجوز له طلب التعويض (حتى ولو كان البائع حسن النية).
2) في العلاقة بين المشتري والمالك:
حق الملكية هو حق عيني ( سلطة مباشرة على الشيئ) يخول
صاحبه حق التتبع والتقدم، اذن:
أ// المالك له حق استرداد المبيع من يد المشتري عن طريق ممارسة حق التتبع،
لكن قد يصطدم المالك بعراقيل حيث يتملك المشتري المبيع عن طريق:
* الحيازة: ويجب أن تكون هادئة ( لا ينازعه فيها أحد) وعلنية ومستمرة لمدة
معينة (مدة التقادم المكسب) + السند الصحيح.
- وفي التقادم المكسب نميز بين حالتين:
** اذا كان المشتري سيئ النية: يعاقبه القاضي بالتقادم الطويل (حتى يكتسب
الملكية)م.827. ويرد العقارات والمنقولات.
** واذا كان حسن النية: فمدة التقادم هي التقادم القصير م.828. وهذا يرد
على العقارات.
** م.835. حيازة المنقول بحسن نية من وقت الحيازة( بتطبيق قاعدة: حيازة
المنقول بحسن نية سند الملكية).
* والسند الصحيح: يتوافر عندما يجيز المشتري العقد الا أن اثاره تتوقف على
اقرار الغير (المالك).
ب// الاقرار: اقرار المالك بالبيع، ويترتب عنه نقل الملكية من المالك الى
المشتري.
- اذا أقر المالك البيع ينتقل المبيع مثقلا بالرهن حماية لمصلحته، لكن
المشتري أيضا سيتضرر من انتقال الرهن اليه لذا يرجع على البائع (لأنه لم
يتفق في العقد مع البائع على الرهن) فيرجع عليه برفع دعوى الاستحقاق
(استحقاق جزئي) أو بالفسخ فيعود المتعاقدان الى الحالة الأولى قبل العقد.
3) في العلاقة بين المالك والبائع:
أ// البائع حسن النية: يرجع عليه على أساس الاثراء بلا سبب لأن البائع أثري
على حساب المالك دون سبب فيلزم بالتعويض ( وهو رد الثمن من البائع
للمالك).
ب// البائع سيئ النية: يطالب المالك بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية
(وهو هنا قائم على أساس ما فاته من كسب وما لحقه من خسارة) أي أن التعويض
يكون أكبر.
التزام البائع بنقل الملكية
1) المنقول المعين بالذات:
ينقل الملكية بمجرد انعقاده(م. 165ق.م).
-الاثار المترتبة عن انتقال الملكية بمجرد العقد:
- بمجرد العقد يصبح المشتري مالكا حتى لو لم يتم
التسليم، ويمكن له أن يتصرف في المبيع الذي هو في يد البائع، وبالمقابل لا
يمكن للبائع أن يتصرف في المبيع اذا لم يتم التسليم والا كنا امام بيع ملك
الغير.
- باتقال الملكية يكون للمشتري الحق في ثمار المبيع وتكون عليه تكاليفه على
أساس " الغرم بالغرم".
- اذا افلس البائع وكان المبيع مازال في يده فللمشتري أن يسترده ويستأثر به
أي يتقدم على سائر الدائنين.
- اذا توفي المشتري وكان المبيع في يد البائع يكون لورثة المشتري الحق في
المطالبة بالمبيع باعتبارهم خلفا عاما.
ملاحظة:
يجب ان لا
يكون نقل الحق معاقا بنص من القانون (كالعقار)، أو بالتفاق (كالبيع بشرط
واقف).
2) المنقول المعين بالنوع:
م.361، 166 ق.م.
-لا تنتقل الملكية الا بعد الافراز وغالبا يتم افراز المبيع وقت التسليم(
لكن الافراز هو الذي ينقل الملكية وليس التسليم).
-واذا امتنع البائع عن الفرز يمكن للمشتري أن يشتري بضاعة مماثلة على نفقة
المشتري.
3) العقارات:
م.793،165ق.م.
- الحق الشخصي على عقار هو منقول (كالثمن، الايجار...).
- تنتقل الملكية في العقارات عن طريق الشهر العقاري.
- البيع العقاري هو عقد شكلي (م.324مكرر) أي يجب أن يكتب في ورقة رسمية (
الورقة الرسمية تكتب من طرف الموثق، رئيس البلدية، مدير أملاك الدولة،
الوالي).
- الشكلية ركن يدخل في الانعقاد فلا ينعقد الا به.
** صدر قانون التوثيق في 15/12/1970 وبدأ العمل به في 01/01/1971.
اذن فقبل تاريخ 1971 كانت الورقة عرفية وهي صحيحة وفق مبدأ عدم رجعية
القوانين أما بعده فالورقة العرفية باطلة بطلانا مطلقا.
أنظمة الشهر العقاري:
hadia369
2013-01-25, 17:31
في القانون الأداري
مقدمة عامة
تنقسم القواعد القانونية التي تنظم كل مجتمعإنساني إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد ، وقد أصطلح علىتسميتها بالقانون الخاص ومن فروعه القانون المدني والقانون التجاري وقانونالمرافعات . أما النوع الأخر من القواعد فينظم العلاقات التي تنشأ بين الدول أو بينالدولة وهيأتها العامة من ناحية والأفراد من ناحية أخرى عندما تظهر الدولة بمظهرالسلطة العامة .
وقد أصطلح على هذا النوع من القواعد القانونية بالقانون العام، ومن فروعه القانون الدولي العام والقانون الدستوري والقانون الإداري والقانونالمالي .
ومن المعروف أن القانون الإداري فرع من فروع القانون العام الداخلي – تمييزاً له عن القانون العام الخارجي الذي ينظم العلاقات بين الدول – والذي يهتمبسلطات الإدارة العامة من ناحية تكوينها ونشاطها وضمان تحقيقها للمصلحة العامة منخلال الإمتيازات الاستثنائية التي تقررها قواعد القانون الإداري .
وعلى ذلك فإنالقانون الإداري يختلف اختلافا جوهريا عن القانون الخاص لاختلاف العلاقات القانونيةالتي يحكمها ، واختلاف الوسائل التي تستخدمها السلطات الإدارية في أدائها لوظيفتهامن الوسائل قانونية ومادية وبشرية .
وقد ساهم التطور الكبير في الظروفالاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وازدياد نشاط الدولة وتدخلها في هذه المجالاتوعدم كفاءتها بدورها السابق في الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي ، في تضاعف دورالقانون الإداري ومساهمة في وضع الوسائل المناسبة لإدارة دفة نشاط السلطة العامة .
وفي هذه الدراسة نتشرف بتقديم المبادئ العامة التي يقوم عليها القانون الإداري، والذي يمثل المنهج الدراسي للمرحلة الثانية في كليات القانون.
وقد اتبعنا فيهذه الدراسة خطة البحث التالية:-
الباب التمهيدي :طبيعة القانون الإداري .
الباب الأول : التنظيم الإداري .
الباب الثاني : نشاط الإدارة العامة .
الباب الثالث: الوظيفة العامة .
لباب الرابع: القرارات الإدارية .
الباب الخامس:العقود الإدارية .
الباب التمهيدي
طبيعة القانون الإداري
لابد قبل البحث في موضوع القانون الإداري أن نتبين بعض المسائل التي تلقيالضوء على هذا القانون من حيث طبيعته , فنبين التعريف بالقانون الإداري ونشأته فيدولته الأم فرنسا ثم في مصر التي كان لها دور الريادة في العالم العربي وبعد ذلك فيالعراق , ثم نذكر خصائص ومصادر هذا القانون.
ولعل من أهم ما سنبحثه في هذاالباب أساس القانون الإداري ونطاق تطبيقه ومعيار اختصاص القضاء الإداري , ومن خلالهذا الموضوع نبين المعيار الذي نستطيع أن نقرر فيه أن نشاط الإدارة يدخل ضمن نطاقهذا القانون ويختص به القضاء الإداري أم لا .
وعلى ذلك سنقسم هذا الباب إلىفصول خمس :
الفصل الأول : التعريف بالقانون الإداري .
الفصل الثاني : نشأةالقانون الإداري .
الفصل الثالث : خصائص ومصادر القانون الإداري .
الفصلالرابع : أساس القانون الإداري .
الفصل الأول
التعريف بالقانون الإداري
درج أغلب الفقهاء على تعريف القانون الإداري بأنه ذلك الفرع من فروعالقانون العام الداخلي الذي يتضمن القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية فيالدولة من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك حقوقاً وامتيازات استثنائيةفي علاقاتها بالأفراد.( )
بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العامالذي يحكم الإدارة , أو قانون الإدارة العامة Administration Publique أو قانونالسلطة الإدارية Pouvoir Administratif . ( )
في حين عرفه البعض بأنه القانونالذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطةعامة . ( )
ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم إلى قسمين رئيسيين , قانون عام وقانون خاص , القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة وسلطاتهاالعامة , ويحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفاًفيها , وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية لامقابل لها في علاقات الأفراد .
أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكمالعلاقات بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى هيئاتها عندما تظهر بمظهر الأفرادالعاديين أي ليس بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
ويشتمل كلقسم من هذين القسمين على عدة فروع فيشتمل القانون العام على القانون العام الخارجيويتضمن القانون الدولي العام , والقانون العام الداخلي ويتضمن القانون الدستوريوالقانون الإداري والقانون المالي .
في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانونالمدني والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها من القوانين الأخرى .
وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي يحكم نشاطالإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها الحضاري .
وفيهذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم العضوي أو الشكلي, والمفهومالموضوعي أو الوظيفي .
المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة العامة , فيعرف الإدارة العامة بأنها السلطة الإدارية سواء المركزية منها أو اللامركزية , وجميع الهيئات التابعة لها .
بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي , فيعرف الإدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإداريةلإشباع الحاجات العامة.
وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هوالقانون الذي يحكم السلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية في الدولة , بينما يمكنناأن نعرف القانون الإداري بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أو الوظيفةالتي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
وقد اختلف الفقه فيترجيح أحد المفهومين إلا أن الاتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف القانونالإداري بأنه : " القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكمالنشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة " .
علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
من المهم أن نبيناستقلال القانون الإداري عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانينوتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته بعلم الإدارة العامة.
1. العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
أوضحنا أن القانون الإداري هوالقانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفةالتي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس في الدولة , والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلقبنظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها والعلاقة بينهما وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانونالدستوري , فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية وغير المركزية , فإن القانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على كافة القوانين الأخرىالتي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه .
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكامالكلية أو العامة للسلطة التنفيذية , بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيليةالتي تكفل تشغيل الأجهزة الإدارية وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلكامتداداً للقانون الدستوري . ( )
وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزهبين القانون الإداري والقانون الدستوري فقال : " أن القانون الدستوري يبين لنا كيفشيدت الآلة الحكومية , أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كلقطعة منها بوظيفتها " . ( )
وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤونالداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين من فروع القانون العام الداخلي , نجد أنالفقه الإنجليزي لا يفرق بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس موضوعاتالقانونين معاً .
ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن جانباً فيالفقه ذهب إلى انتقاد محاولات التمييز بين القانون الإداري والقانون الإداري , ودعىإلى دراستهما معاً , وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui وجيزJeze , وبوتارBonnaed . ( )
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
أ - من حيثالموضوع :- يبحث القانون الدستوري في التنظيم السياسي للدولة من حيث تكوين سلطاتالدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانون الإداري في أعمال السلطةالتنفيذية الإدارية منها دون الحكومية .
ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتلالقانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية التي لايمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائلالمتفرعة في المبادئ التي أقرها الدستور .
hadia369
2013-01-25, 17:32
في القانون الأداري
مقدمة عامة
تنقسم القواعد القانونية التي تنظم كل مجتمعإنساني إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد ، وقد أصطلح علىتسميتها بالقانون الخاص ومن فروعه القانون المدني والقانون التجاري وقانونالمرافعات . أما النوع الأخر من القواعد فينظم العلاقات التي تنشأ بين الدول أو بينالدولة وهيأتها العامة من ناحية والأفراد من ناحية أخرى عندما تظهر الدولة بمظهرالسلطة العامة .
وقد أصطلح على هذا النوع من القواعد القانونية بالقانون العام، ومن فروعه القانون الدولي العام والقانون الدستوري والقانون الإداري والقانونالمالي .
ومن المعروف أن القانون الإداري فرع من فروع القانون العام الداخلي – تمييزاً له عن القانون العام الخارجي الذي ينظم العلاقات بين الدول – والذي يهتمبسلطات الإدارة العامة من ناحية تكوينها ونشاطها وضمان تحقيقها للمصلحة العامة منخلال الإمتيازات الاستثنائية التي تقررها قواعد القانون الإداري .
وعلى ذلك فإنالقانون الإداري يختلف اختلافا جوهريا عن القانون الخاص لاختلاف العلاقات القانونيةالتي يحكمها ، واختلاف الوسائل التي تستخدمها السلطات الإدارية في أدائها لوظيفتهامن الوسائل قانونية ومادية وبشرية .
وقد ساهم التطور الكبير في الظروفالاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وازدياد نشاط الدولة وتدخلها في هذه المجالاتوعدم كفاءتها بدورها السابق في الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي ، في تضاعف دورالقانون الإداري ومساهمة في وضع الوسائل المناسبة لإدارة دفة نشاط السلطة العامة .
وفي هذه الدراسة نتشرف بتقديم المبادئ العامة التي يقوم عليها القانون الإداري، والذي يمثل المنهج الدراسي للمرحلة الثانية في كليات القانون.
وقد اتبعنا فيهذه الدراسة خطة البحث التالية:-
الباب التمهيدي :طبيعة القانون الإداري .
الباب الأول : التنظيم الإداري .
الباب الثاني : نشاط الإدارة العامة .
الباب الثالث: الوظيفة العامة .
لباب الرابع: القرارات الإدارية .
الباب الخامس:العقود الإدارية .
الباب التمهيدي
طبيعة القانون الإداري
لابد قبل البحث في موضوع القانون الإداري أن نتبين بعض المسائل التي تلقيالضوء على هذا القانون من حيث طبيعته , فنبين التعريف بالقانون الإداري ونشأته فيدولته الأم فرنسا ثم في مصر التي كان لها دور الريادة في العالم العربي وبعد ذلك فيالعراق , ثم نذكر خصائص ومصادر هذا القانون.
ولعل من أهم ما سنبحثه في هذاالباب أساس القانون الإداري ونطاق تطبيقه ومعيار اختصاص القضاء الإداري , ومن خلالهذا الموضوع نبين المعيار الذي نستطيع أن نقرر فيه أن نشاط الإدارة يدخل ضمن نطاقهذا القانون ويختص به القضاء الإداري أم لا .
وعلى ذلك سنقسم هذا الباب إلىفصول خمس :
الفصل الأول : التعريف بالقانون الإداري .
الفصل الثاني : نشأةالقانون الإداري .
الفصل الثالث : خصائص ومصادر القانون الإداري .
الفصلالرابع : أساس القانون الإداري .
الفصل الأول
التعريف بالقانون الإداري
درج أغلب الفقهاء على تعريف القانون الإداري بأنه ذلك الفرع من فروعالقانون العام الداخلي الذي يتضمن القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية فيالدولة من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك حقوقاً وامتيازات استثنائيةفي علاقاتها بالأفراد.( )
بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العامالذي يحكم الإدارة , أو قانون الإدارة العامة Administration Publique أو قانونالسلطة الإدارية Pouvoir Administratif . ( )
في حين عرفه البعض بأنه القانونالذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطةعامة . ( )
ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم إلى قسمين رئيسيين , قانون عام وقانون خاص , القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة وسلطاتهاالعامة , ويحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفاًفيها , وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية لامقابل لها في علاقات الأفراد .
أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكمالعلاقات بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى هيئاتها عندما تظهر بمظهر الأفرادالعاديين أي ليس بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
ويشتمل كلقسم من هذين القسمين على عدة فروع فيشتمل القانون العام على القانون العام الخارجيويتضمن القانون الدولي العام , والقانون العام الداخلي ويتضمن القانون الدستوريوالقانون الإداري والقانون المالي .
في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانونالمدني والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها من القوانين الأخرى .
وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي يحكم نشاطالإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها الحضاري .
وفيهذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم العضوي أو الشكلي, والمفهومالموضوعي أو الوظيفي .
المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة العامة , فيعرف الإدارة العامة بأنها السلطة الإدارية سواء المركزية منها أو اللامركزية , وجميع الهيئات التابعة لها .
بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي , فيعرف الإدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإداريةلإشباع الحاجات العامة.
وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هوالقانون الذي يحكم السلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية في الدولة , بينما يمكنناأن نعرف القانون الإداري بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أو الوظيفةالتي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
وقد اختلف الفقه فيترجيح أحد المفهومين إلا أن الاتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف القانونالإداري بأنه : " القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكمالنشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة " .
علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
من المهم أن نبيناستقلال القانون الإداري عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانينوتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته بعلم الإدارة العامة.
1. العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
أوضحنا أن القانون الإداري هوالقانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفةالتي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس في الدولة , والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلقبنظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها والعلاقة بينهما وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانونالدستوري , فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية وغير المركزية , فإن القانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على كافة القوانين الأخرىالتي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه .
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكامالكلية أو العامة للسلطة التنفيذية , بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيليةالتي تكفل تشغيل الأجهزة الإدارية وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلكامتداداً للقانون الدستوري . ( )
وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزهبين القانون الإداري والقانون الدستوري فقال : " أن القانون الدستوري يبين لنا كيفشيدت الآلة الحكومية , أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كلقطعة منها بوظيفتها " . ( )
وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤونالداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين من فروع القانون العام الداخلي , نجد أنالفقه الإنجليزي لا يفرق بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس موضوعاتالقانونين معاً .
ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن جانباً فيالفقه ذهب إلى انتقاد محاولات التمييز بين القانون الإداري والقانون الإداري , ودعىإلى دراستهما معاً , وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui وجيزJeze , وبوتارBonnaed . ( )
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
أ - من حيثالموضوع :- يبحث القانون الدستوري في التنظيم السياسي للدولة من حيث تكوين سلطاتالدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانون الإداري في أعمال السلطةالتنفيذية الإدارية منها دون الحكومية .
ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتلالقانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية التي لايمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائلالمتفرعة في المبادئ التي أقرها الدستور .
hadia369
2013-01-25, 17:33
علاقة القانون الإداريبالقانون المالي
القانون المالي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة بإدارةالأموال العامة في الدولة, وهو مكمل للقانون الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزةوالهيئات الإدارية , ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة والحمايةالقانونية المقررة لهذه الأموال , وكيفية الانتفاع بها , ومن موضوعات هذا القانونكل ما يدخل ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواع الضرائب المفروضةوالأشراف والرقابة عليها .
3- علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة
يتميز القانون الإداري عن علم الإدارة العامة من حيث زاوية اهتمام كل منهمافالقانون الإداري يبحث في التنظيم القانوني للجهاز الإداري ووظيفة كل عنصر فيعناصره وعلاقته بالأفراد , بينما تبحث الإدارة العامة في النواحي الفنية والتنظيميةللجهاز الإداري ويمكن تعريفها بأنها ذلك العلم الذي يهتم بدراسة تنظيم وتوجيهوتنسيق نشاط المنظمة الإدارية لتحقيق أهدافها العامة على أكمل وجه .
وكما بيناتشتمل الإدارة العامة على مفهومين , مفهوم عضوي , يهتم بدراسة هيكل المنظماتالإدارية وفروعها , دون البحث في طبيعة النشاط الصادر منها , ومفهوم موضوعي يهتمبدراسة النشاط الإداري لهذه المنظمات بصرف النظر عن شكل المنظمة التي صدر النشاطعنها .
ويظهر الاختلاف بين الإدارة العامة والقانون الإداري من خلال طريقةدراسة الموضوع الإداري محل البحث , فالقانون الإداري عندما يبحث في تعريف القرارالإداري فإنه يركز عليه كعمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للسلطة الإدارية ويتضمنأثراً قانونياً , كذلك يبحث في مشروعية القرار الإداري وشروط صحته ونفاذه , وكيفيةالطعن بالإلغاء والتعويض ضد القرارات غير المشروعة .
في حين يعرف علم الإدارةالعامة القرار الإداري في خلال البحث في الكيفية العلمية والواقعية التي صدر علىأساسها القرار وعملية صنعه والمراحل المختلفة التي مرت بها تلك العملية واكتشافالعيوب والمشاكل التي قد تعيق هذه العملية واقتراح سبل إصلاحها . ( )
وفي مجالالوظيفة العامة يبحث القانون الإداري في المركز القانوني للموظف العام وطبيعةعلاقته بالدولة وشروط تعيينه وحقوقه وواجباته والعقوبات التأديبية التي يمكنإيقاعها عليه وضماناته تجاهها , ويبحث في طرق انتهاء علاقته الوظيفية , وما إلى ذلكمن أمور تنظمها في الغالب نصوص قانونية .
أما الإدارة العامة فتبحث الوظيفةالعامة من ناحيتين , الناحية التنظيمية فيدرس علم الإدارة العامة طبيعة الوظيفةالعامة وأسس ترتيب الوظائف العامة , وتحديد اختصاص ومواصفات كل وظيفة .
والناحية البشرية حيث تبحث الإدارة العامة عن أفضل نظام إداري لتطبيقه علىالعاملين في المنظمة الإدارية , وتعرض لطرق اختيارهم ,ووسائل رفع كفاءتهم وتدريبهم , والارتفاع بمستوى أدائهم , كما تهتم الإدارة العامة بالحوافز المادية والمعنويةلموظفي الدولة ودراسة مشاكلهم الوظيفية والنفسية , والبحث في سبل إصلاحها . ( )
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة العامة تخضع من حيث الأصل إلى قواعد متميزة عنقواعد القانون الخاص , إلا أنها قد تنزل في أحيان أخرى عن استخدام هذه القواعدفتنزل منزلة الأفراد , وتطبق قواعد لقانون الخاص , والقانون الإداري بمعناه الواسعيعني "قانون الإدارة" أياً كانت القواعد القانونية التي تحكمها قواعد القانون الخاصأم قواعد قانونية متميزة عنها "قواعد القانون العام" , والقانون الإداري بهذاالمعنى موجود في كل مجتمع سواء اخذ بمبدأ الازدواج القانون أم لم يأخذ .
أماالقانون الإداري بمعناه الفني أو الضيق فينحصر دوره بما يطبق على الإدارة من قواعدقانونية متميزة ومغايرة لقواعد القانون الخاص ولا يوجد بهذا المعنى إلا في الدولإلى تأخذ بنظام الازدواج القانوني .
ومع أوجه الاختلاف بين القانون الإداريوالإدارة العامة فإن بينهما الكثير من أوجه التقارب , من حيث أنها يتعلقان بالبحثفي موضوع واحد هو الجهاز الإداري في الدولة وأن انحصرت دراسة كل منها بجانب منجوانبه , حتى أننا نجد أنه في الدول التي لا تأخذ بالازدواج القانوني "النظمالانجلوسكسونية " تشتمل دراسة الإدارة العامة على النواحي القانونية التي يحكمها منحيث الأصل القانون الإداري بالإضافة إلى دراسة الناحية الفنية والتنظيمية .
hadia369
2013-01-25, 17:36
لفصل الثاني
نشأةالقانون الإداري وتطوره
تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدولالأخرى , ويرجع الفضل في ظهور هذا القانون إلى عوامل تاريخية تأتي في مقدمتهاالأفكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 م , التي قامت على أساس الفصل بينالسلطات، ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل فيالمنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية .
وأدىهذا الاتجاه إلى وجود نظام القضاء المزدوج الذي كان مهداً لنشؤ الازدواج القانونيوظهور القانون الإداري .
المبحث الأول
نشؤ القانون الإداري في فرنسا
كانت سلطات الحكم قبل الثورة الفرنسية مركزة في يد الملك حيث ساد نظامالملكية المطلقة , ولم تكن الدولة تخضع للمساءلة أو الرقابةأمام القضاء بواسطةدعاوى الأفراد , وهي إن تعاملت مع الأفراد خضعت معاملاتها للقانون المدني . ( )
وفي هذه الفترة كانت توجد محاكم قضائية تدعى البرلمانات Parlements أنشئت لتكونممثلة للملك في وظائفه القضائية , وكانت الدعاوى تستأنف أمامها ما لم سند الملك ذلكالاختصاص إلى جهة أخرى , كما وجدت محاكم مختصة ببعض المنازعات الإدارية . ( )
وقد كانت البرلمانات تمارس سيطرة رجعية على الإدارة وتتدخل في شؤونها وتعارضوتعرقل كل حركة إصلاحية ( ) مما حدى برجال الثورة الفرنسية إلى منع المحاكمالقضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلالالإدارة تجاه السلطة القضائية , من خلال تبنيهم لمبدأ الفصل بين السلطات .
1. مرحلة الإدارة القاضية : Administration Juge
تأكيداً لاتجاه الثورةالفرنسية في الفصل بين السلطات صدر قانون 16-24 أغسطس 1790 , الذي نص على إلغاءالمحاكم القضائية ( البرلمانات ) وإنشاء ما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضيكمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي , ومنع القضاء العادي من النظر فيالمنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها و أصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبةالاختصاص في الفصل بهذه المنازعات .
وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراداللجوء إلى الإدارة نفسها للتظلم إليها وتقديم الشكوى , فكانت الإدارة هي الخصموالحكم في الوقت ذاته وكان هذا الأمر مقبولاً إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعةالسيئة لقضاء البرلمانات التعسفية .
2. إنشاء مجلس الدولة الفرنسي :
بنشوء مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1797 في عهد نابليون بونابرت وضعت اللبنةالأولى للقضاء الإداري الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان أو الأمر استشارياً يتطلبتصديق القنصل .
وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الأقاليم Les Conseils de Préfecture التي كانت تصدر أحكاماً لا تحتاج إلى تصديق سلطة إدارية عليا ، إلاأن أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه تعرض على القنصل.
فقد كانعمل المجلس يقتصر على فحص المنازعات الإدارية وإعداد مشروعات الأحكام , فلم يكنيملك سلطة القضاء وإصدار الأحكام , ولذا سمى قضاؤه في هذه المرحلة " القضاء المقيد" أو المحجوز Justice Retenue وقد استمرت هذه المرحلة إلى عام 1872 حيث أصبح قضاؤهمفوضاً .
3. مرحلة القضاء المفوض Justice délégúee
في 24مايو 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة الفرنسي اختصاص البت نهائياً في المنازعاتالإدارية دون تعقب جهة أخرى .
ومع أن هذا القانون خول المجلس سلطة البت النهائيفي المنازعات الإدارية فإنه أبقي على اختصاص الإدارة القاضية فلا يملك الأفراداللجوء إلى مجلس الدولة إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون , وفيما عدا ذلكتختص به الإدارة القاضية , مما أوجد ازدواجاً قضائياً , واستمر هذا الوضع حتى تاريخ 13ديسمبر 1889 عندما قبل مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون المرورعلى الإدارة في قضية Cadot وترتب على حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاصالعام في المنازعات الإدارية .
وبسبب تراكم العديد من القضايا أمام مجلس الدولةحدد المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر بموجب المرسوم الصادر في 30 سبتمبر 1953 , وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس الأقاليم صاحبة الاختصاصالعام في المنازعات الإدارية .
ثم أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحاتمنها المراسيم الأربعة الصادرة في 30 يوليو 1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسيللعاملين في المجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الداخلي , وتم تعديل هذا التنظيم بثلاثةمراسيم أخرى في 26 أغسطس 1975 م , وبمرسوم في 15 يناير 1980 , وآخر في 16 ديسمبر 1987 لإصلاح القضاء الإداري أنشأ بموجبه المحاكم الإدارية الاستئنافية ووسع نطاقالطعن بالنقض أمام مجلس الدولة .
وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضيالمنازعات الإدارية دون منازع, وساهم في إرساء مبادئ القانون الإداري وقواعدهالمتميزة عن قواعد القانون الخاص وابتدع الحلول المناسبة لمقتضيات حسن سير الإدارةالعامة, وأكد عالمبحث الثاني
نشوءالقانون الإداري في مصر
قبل نشوء مجلس الدولة في مصر عام 1946 لم تعرف مصرالقضاء الإداري , وقد كانت المحاكم المختلطة والأهلية السائدة قبل هذا التاريخ فيالنظام القضائي المصري تطبق بعض القوانين على المنازعات بين الأفراد أو بينهم وبينالإدارة , ولم يكن من بينها القانون الإداري .
وقد ذهب جانب من الفقه الإداريالمصري إلى أن أساس القانون الإداري ومبادئه قد بدأت تظهر من خلال أحكام المحاكمالمختلطة والمحاكم الأهلية , بينما خالف جانب آخر منهم, وذهب إلى أن مبادئ القانونالإداري لم تنشأ حقيقة إلا من خلال أحكام مجلس الدولة بعد أن إنشاؤه عام 1946 . ( )
وكان مجلس الدولة وقت إنشاؤه يتمتع بصلاحيات محددة وبمحكمة قضاء إداري واحدة , ثم ما لبث أن توسعت اختصاصاته إذ صدر القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي وسع اختصاصاتهثم أنشأت المحاكم الإدارية بالقانون رقم 147 لسنة 1954 , وبعد ذلك في عام 1955 تمإنشاء المحكمة الإدارية العليا لتكون في قمة القسم القضائي بمجلس الدولة .
ثمصدر القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة , وقد مر مجلس الدولة بتطوراتعدة حتى صدر القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته .
ووفقاً لهذا القانونيعد مجلس الدولة هيئة قضائية ملحقة بوزير العدل , ويتكون من رئيس وعدد من نوابالرئيس والمستشارين المساعدين والنواب والمندوبين ومن مندوبين مساعدين .
هذاولم تؤثر تبعية المجلس لوزير العدل في استقلاله في ممارسة وظيفته إذ لا تتعدى هذهالتبعية منح الوزير الأشراف الإداري وضمان حسن سير العمل الوظيفي , وهو ما أكدتهالمادة الأولى من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة " .
ولم يولد المجلس قوياً منذ نشأته فقد كان القضاء الإداري صاحب الولاية العامةفي نظر المنازعات الإدارية وكانت اختصاصات مجلس الدولة محددة على سبيل الحصر فيالقوانين التي سبقت القانون الحالي .
ففي ظل القانون رقم 112 لسنة 1946 والمعدلبالقانون رقم 9 لسنة 1949 كان القضاء العادي ينفرد بنظر دعاوى مسؤولية الإدارة عنأعمالها المادية ويختص بالاشتراك مع المجلس في نظر طلبات التعويض عن القراراتالإدارية ، ويترتب على رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية وإذا ما رفعت دعوىالإلغاء أو التعويض إلى مجلس الدولة عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكمالعادية فإنه يمتنع رفعها أمام مجلس الدولة .
كما كانت المحاكم العادية تنفردبنظر المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية حتى صدور القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي منحالمجلس النظر في منازعات عقود الالتزام والأشغال العامة وعقود التوريد بالاشتراك معالمحاكم العادية .
وفي ظل القانونين 165 لسنة 1955 و 55 لسنة 1959 استمرتالمحاكم العادية تنفرد بالنظر في دعوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية في الوقتالذي استقل به مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بالتعويض عن القرارات الإداريةوالعقود الإدارية .
وبصدور القانون 47 لسنة 1972 أصبح مجلس الدولة صاحب الولايةالعامة بالنظر في المنازعات الإدارية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، فقد ورد فيالمادة 172 من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختصبالفصل في المنازعات الإدارية ، وفي الدعاوى لتأديبية ويحدد اختصاصاته الأخرى " .
وبذلك أصبح مجلس الدولة قاضي القانون العام المختص بالفصل في المنازعاتالإدارية والتأديبية وساهم بإرساء مبادئ القانون الإداري , وكان له دور رائد فيحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من عسف الإدارة وإلغاء قراراتها المعيبة والتعويض عنها لى وجود واستقلال القانون الإداري
الفصل الثالث
خصائص ومصادر القانون الإداري
نبين في هذاالجزء من الدراسة الخصائص التي يتميز بها القانون الإداري والمصادر التي يستمد منهاأحكامه وذلك في مبحثين .
المبحث الأول
خصائص القانون الإداري
يتميزالقانون الإداري ببعض الخصائص منها أنه قانون سريع التطور ، وقانون غير مقنن , وأنهمن صنع القضاء .
أولاً : قانون سريع التطور .
يستم القانون الإداري بأنهقانون يتطور بسرعة تفوق التطور الاعتيادي في القوانين الأخرى ولعل ذلك يرجع إلىطبيعة المواضيع التي يعالجها ، فقواعد القانون الخاص تتميز بالثبات والاستقرار ،وقد ثمر فترة طويلة قبل أن ينالها التعديل أو التغيير ، ويعود ذلك إلى أن العلاقاتالتي ينظمها القانون الخاص بفروعه المختلفة " قانون مدني ، قانون تجاري ، قانونمرافعات " تتعلق بقواعد عامة تتطلب قدراً من الاستقرار مع ترك الحرية للأفراد منتسيير الأمور الأخرى ذات الطابع المتغير في حدود القواعد العامة المنصوص عليها علىعكس القانون الإداري الذي يعالج مواضيع ذات طبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامةوحسن تسيير وإدارة المرافق العامة وجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعيةوإنما من أحكام القضاء وخاصة القضاء الإداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلولللمنازعات الإدارية ولا يتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق ما يتلائم معظروف كل منازعة على حده تماشياً مع سرعة تطور العمل الإداري ومقتضيات سير المرافقالعامة .
ولعل من أسباب سرعة تطور القانون الإداري أنه يتأثر بالعواملالاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار وغير مستقرةنسبياً ، فاتساع نشاط الدولة ونزعتها التدخلية وانتشار الحروب والازمات الاقتصاديةوظهور المرافق العامة الاقتصادية , وما إلى ذلك من ظواهر اقتصادية وسياسية وإدارية، وضرورة استيعاب القانون الإداري لهذه المتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلىالتطور المستمر في أحكامه .
ثانياً : قانون من صنع القضاء .
يتميزالقانون الإداري أيضاً بأنه قانون قضائي نشأ عن طريق المبادئ والقواعد الإداريةالتي خلقها القضاء ، وقد ساعد على ذلك عدم تقنين أغلب قواعد القانون الإداري فكانلابد للقضاء أن ينهض بهذه المهمة من خلال وضع أسسه ونظرياته .
وإذا كان التشريعينهض في الحقيقة ببعض مواضيع القانون الإداري خاصة ما يتعلق ببعض النصوص الدستوريةوالتشريعية واللائحية التي تحكم جوانب مهمة من علاقات الإدارية العامة مثل قانونالخدمة المدنية ولائحة العقود الإدارية ، فأن التشريع لا زال قاصراً عن مجالات أخرىكثيرة من قبل قواعد القرار الإداري وقواعد المسؤولية الإدارية وشروط الطعن بالإلغاء , وما إلى ذلك من مجالات لازال القضاء يمثل المصدر الرسمي الرئيس لأحكامه .
وقدكشف مجلس الدولة الفرنسي عن النظريات والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانونالإداري وأستلم عنه القضاء الإداري في مصر العديد من أحكامه ، حتى أصبح دور المشرعفي كثير من الأحيان مقتصراً على تسجيل ما توصل إليه القضاء الإداري من أحكام . ( )
ودور القضاء الإداري في هذا المجال كان متميزاً عن دور القضاء العادي ، الذيينحصر بتطبيق القانون على المنازعة دون أن يتعداه لخلق الحلول المناسبة التي تتفقمع طبيعة منازعات القانون الإداري ، الأمر الذي أضفى على قواعد القانون الإداريالطابع العملي الذي يتماشى مع ظروف واحتياجات المرافق العامة ومقتضيات سيرها الحسنوتطورها المستمر .
ومع ذلك يتقيد القضاء في أداء مهامه وابتداعه لمبادئ وقواعدالقانون الإداري يعدم مخالفة النصوص التشريعية القائمة على أساس أن القضاء أنمايعبر عن إرادة مفترضة للمشرع , أما إذا أفصح عن إرادته تلك بنصوص تشريعية فأنهيلتزم بتطبيق تلك النصوص في أحكامه . ( )
ثالثاً : قانون غير مقنن .
يقصد بالتقنين أن يصدر المشرع مجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامةوالتفصيلية المتعلقة بفرع من فروع القانون كما هو الحال في مدونة القانون المدني أومدونة قانون العقوبات .
ولا يخفى ما لتدوين القواعد العامة والتفصيلة لقانون مامن أهمية من حيث إضفائه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع وسهولة الرجوع إلىأحكامه .
وقد نشأ القانون الإداري في فتره انتشرت فيها حركة التقنين في أعقابالثورة الفرنسية وتم تدوين قواعد القانون المدني في مدونة نابليون . ( )
إلا أنالقانون الإداري لم تشمله هذه الحركة رغم رسوخ مبادئه واكتمال نظرياته ويرجع عدمتقنينه إلى سرعة تطوره وتفرع وسعة مجالاته مما يجعل من الصعوبة جمع أحكامه في مدونهواحدة خاصة وان أحكامه في الغالب ذات طبيعة قضائية ، ولا يخفى ما في أحكام القضاءالإداري من مرونة تتأثر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع .
وإذا كان عدم التقنين يعني عدم جمع إحكام القانون الإداري في مجموعة أو مدونةواحدة فإن ذلك لا ينفي وجود تقنينات جزئية لبعض موضوعات القانون الإداري ، من ذلكوجود تشريعات خاصة بالموظفين وتشريعات خاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة وقوانينخاصة بالتنظيم الإداري أو القضاء الإداري إلى غير ذلك من مواضيع يتعذر جمعها فيتقنين شامل .
المبحث الثاني
مصادر القانون الإداري
تشتمل مصادرالقانون الإداري على مصادر القانون بصورة عامة ، وهي عادة أربعة مصادر " التشريع – العرف – القضاء – الفقه " .
وإذا كان التشريع والعرف يعدان المصدران الرسميانللقوانين الأخرى ، بينما يمثل القضاء والفقه المصدران التفسيريان للقواعد القانونية، فإن القانون الإداري يمنح القضاء دوراً هاماً , بل يعده أهم مصادر القانونالإداري على الإطلاق ، ويكون مع التشريع والعرف مصدراً رسمياً للقانون الإداري , بينما يبقى الفقه مصدراً تفسيراً له .
وفيما يلي نعرض لهذه المصادر وبشيء منالتفصيل .
أولاً : التشريع .
يقصد بالتشريع كمصدر للقانون الإداري مجموعةالقواعد القانونية المكتوبة الصادرة من السلطة المختصة في الدولة ، وقد تكون هذهالسلطة سلطة تأسيسة فيكون التشريع دستورياً، أما إذا كانت السلطة تشريعية فيكونالتشريع عادياً ويطلق عليه اصطلاح القانون ، وأخيراً إذا كانت هذه السلطة تنفيذيةفإننا نكون أمام ما يمكن تسميته بالتشريعات الفرعية أو اللوائح ، ويتميز التشريع عنغير من المصادر الأخرى بوضوحه وتحديده وسهولة تعديله .
1. التشريع الدستوري :-
تعد التشريعات الدستورية المصدر الأساسي والرسمي للقانون الإداري ، وتقعالتشريعات الدستورية الدستورية في قمة الهرم القانوني ، وتسمو على القواعدالقانوينة الأخرى جميعاً ، فهي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقتهابالمواطنين ، وتتضمن التشريعات الدستورية بعض الموضوعات المتعلقة بالقانون الإداري، كتنظيم الجهاز الإداري في الدولة ونشاطه وحقوق الأفراد وحرياتهم .
ويتوجب علىالإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية أن تلتزم بالمبادئ التي جاء بها الدستور ولايحق لها مخالفتها وإلا عدت أعمالها مخالفة لمبدأ المشروعية مما يعرضها للإلغاءوالتعويض عما تسببه من أضرار .
والقواعد الدستورية يقصد بها مجموعة القواعدالمكتوبة في وثيقة أو عدة وثائق دستورية فحسب فمن الممكن أن تكون تلك القواعد غيرمكتوبة في ظل دستور عرفي يتمتع بسمو القواعد الدستورية المكتوبة ذاتها .
كذلكتتمتع إعلانات الحقوق ما تضمنته هذه الإعلانات في حقوق وحريات الأفراد بقوة النصوصالدستورية فلا يجوز مخالفتها .
. التشريع العادي .
يأتي التشريعالعادي أو القانون بالمرتبة الثانية بعد الدستور ، من حيث التدرج التشريعي باعتبارهصادراً من الهيئة التشريعية المعبرة عن الإرادة العامة وهي صاحبة الاختصاص في ذلك .
والإدارة بوصفها السلطة التنفيذية تخضع لأحكام القوانين فإذا خالفت حكم القانونأو صدر عمل إداري استناداً إلى قانون غير دستوري وجب إلغاء ذلك العمل . ( )
3. التشريع الفرعي أو اللوائح .
يطلق على القواعد القانوينة التي تصدرها السلطةالتنفيذية التشريع الفرعي ، وتسمى في مصر اللوائح الإدارية ، وهي قواعد عامة مجردةواجبة الاحترام تلي التشريع العادي في مرتبتها في سلم التدرج القانوني , وتخضعلرقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة باعتبارها قرارات إدارية يجب أن تكونمتفقة مع القانون .
أ / اللوائح التنفيذية :
تصدر الوزارات بصفتهاالهيئة لتنفيذية في الدوله اللوائح التنفيذية المتعلقة بتنفيذ القوانين الصادرة عنالسلطه التشريعيه لتوضيح ما يكتنفها من غموض وتسهيل تطبيقها .
ب/ اللوائحالتنظيمية .
تمارس الاداره أيضاً اختصاص إصدار اللوائح التنظيمية التي تتعدىتنفيذ القوانين إلى تنظيم بعض الأمور التي يتطرق إليها القانون فتقترب وظيفتها منالتشريع , ومن ذلك قيامها بما يتعلق بتنظيم الجهات الإدارية ونظام العمل بهاوشؤونها الإدارية والمالية , وهو من صميم عملا الوزاره بصفتها المختصة بتنظيمالجهاز الإداري في الدولة .
ج/ اللوائح الضبطية أو البوليسية .
تختص الهيئةالتنفيذية بإصدار لوائح الضبط الإداري المتعلقة بالمحافظة على الأمن العام والصحةالعامة والسكنية العامة من ذلك اللوائح الخاصة بمكافحة الضوضاء أو غلق المحالالمضرة بالصحة العامة .
د/ اللوائح التفويضية .
تصدر الهيئة التنفيذية هذاالنوع من اللوائح بتفويض من الهيئة التشريعية التي يمثلها البرلمان في العراق فيموضوعات تدخل أصلاً ضمن اختصاصه ، ومن ذلك اختصاصها بإصدار اللوائح الخاصة بإنشاءوتنظيم المؤسسات والهيئات والمصالح والشركات العامة لممارسة الاختصاصات ذات الطبيعةالاستراتيجية وتحديد أهدافها واختصاصاتها .
ه/ لوائح الضرورة .
تصادفالهيئة التنفيذية في بعض الأوقات ظروفاً استثنائية تجبرها على إصدار لوائح إداريةتضمن حماية النظام العام وحسن سير المرافق العامة لتعذر صدروها من الهيئة التشريعيةالمختصة فعلاً بإصدارها ، لغيبتها أو لحصولها في غير فترة انعقادها على أن تعرض علىالهيئة التشريعية خلال مدة معينة لكي تقرها .
ثانياً : العرف :-
العرفالإداري هو مجموعة القواعد التي درجت الإدارة على إتباعها في أداء وظيفتها في مجالمعين من نشاطها وتستمر فتصبح ملزمة لها ، وتعد مخالفتها مخالفة للمشروعية وتؤدي إلىأبطال تصرفاتها بالطرق المقررة قانوناً .
ويأتي العرف الإداري في مرتبة أدني منمرتبة القواعد القانونية المكتوبة مما يستلزم إلا يخالف نصاً من نصوص القانون فهومصدر تكميلي للقانون يفسر ويكمل ما نقص منه ولكي يصبح سلوك الإدارة عرفاً إدارياً ومصدراً من مصادر القانون الإداري ، يجب أن يتوافر فيه ركنان : ركن مادي و ركن معنوي .
1. الركن المادي :
ويتمثل الركن المادي باعتياد جهة الإدارة علىإتباع سلوك معين في نشاط معين وقد يكون هذا الاعتياد ايجابياً يظهر في صورة القيامبعمل ، كما يمكن أن يكون سلبياً في صورة الامتناع عن القيام بعمل ما ،على أن يكونهذا العمل أو الامتناع بشكل ثابت ومستقر ويتكرر في الحالات المماثلة بشرط أن يمضىالزمن الكافي لاستقراره ، وتقدير ما إذا كانت هذه المدة كافيه لوجود العرف من عدمهأمر مرجعه إلى القضاء .
2. الركن المعنوي :
أما الركن المعنوي فهواعتقاد الإدارة والأفراد بإلزامية القاعدة المتبعة وضرورة احترامها وعدم مخالفتهاواعتبار ذلك مخالفة قانونية تتطلب الجزاء ، وبهذا المعنى تكون القرارات الإداريةالتي تصدر مخالفة للعرف الإداري غير مشروعة وعرضه للإلغاء إذا طعن في مشروعيتهاأمام القضاء .
إلى جانب ذلك يجب أن يكون العرف الإداري عاماً تطبقه الإدارةبشكل منتظم ومستمر بلا انقطاع في جميع الحالات المماثلة وان يكون مشروعاً وغيرمخالف لنص قانوني أو لائحي .
ومن الجدير بالذكر أن التزام الإدارة باحترامالعرف لا يحرمها من أمكان تعديله أو تغييره نهائياً إذا اقتضت ذلك المصلحة العامةفالإدارة تملك تنظيم القاعدة التي يحكمها العرف بيد أن قيام العرف الجديد يتطلبتوفر الركنين السابقين فلا يتكون بمجرد مخالفة الإدارة للعرف المطبق . ( )
أماإذا خالفت الإدارة العرف في حالة فردية خاصة دون أن تستهدف تعديله أو تغييره بدافعالمصلحة العامة فإن قرارها أو إجراءها المخالف للعرف يكون باطلاً لمخالفته مبدأالمشروعية . ( )
ومع ذلك فأن دور العرف كمصدر رسمي للقانون الإداري أقل أهميةمن المصادر الرسمية أخرى لصعوبة الاستدلال على القاعدة العرفية من جهة , ولأنالإدارة في الغالب تلجأ إلى اللوائح كوسيلة لتنظيم نشاطها الإداري من جهة أخرى .
ثالثاً : القضاء .
الأصل في وظيفة القاضي تطبيق القوانين والفصل فيالمنازعات المعروضة أمامه ، وهو ملزم قانوناً بالفصل في المنازعة الداخلة فياختصاصه وإلا اعتبر منكراً للعدالة ، لذلك رسم المشرع للقاضي الأسلوب الذي يسلكهلفض المنازعة إذا لم يجد في القواعد القانونية حلاً للمنازعة .
وعلى ذلك لا يعدالقضاء مصدراً رسمياً للقانون لدوره المتعلق بتطبيق النصوص التشريعية وتفسيرهاوإزالة غموضها وإزالة التعارض المحتمل بينها ، ولا يتعدى القاضي هذا الأمر ليصل إلىحد خلق قواعد قانونية خارج نصوص التشريع . ( )
إلا أن الطبيعة الخاصة لقواعدالقانون الإداري من حيث عدم تقنينه وظروف نشأته وتعدد مجالات نشاطه ، أدى إلى أنيتجاوز القضاء الإداري دور القضاء العادي ليتماشى مع متطلبات الحياة الإدارية فيعمدإلى خلق مبادئ وأحكام القانون الإداري ،
فيصبح القضاء مصدر رسمي للقانون الإداري بل من أهم مصادرها الرسمية ، ويتعدى دوره التشريع في كثير من الأحيان .
وتتميز أحكام القضاء الإداري بعدم خضوعها للقانون المدني ، فالقاضي الإداري إذا لم يجد في المبادئ القانونية القائمة نصاً ينطبق على النزاع المعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك دون أن يكون مقيداً بقواعد القانون المدني .
ومن جانب آخر أن أحكام القضاء العادي ذات حجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيراً على النقيض من أحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .
وفي ذلك يتبين أن للقضاء دوراً إنشائياً كبيراً في مجال القانون الإداري ومن ثم فهو يشكل مصدراً رئيسياً من مصادر المشروعية .
رابعاً : المبادئ العامة للقانون .
تعد المبادئ العامة للقانون مصدراً مهماً من مصادر القانون الإداري ويقصد بالمبادئ العامة للقانون تلك المبادئ التي لا تستند إلى نص مكتوب ، وإنما يكون مصدرها القضاء وهي تختلف عن المبادئ القانونية التي يكون مصدرها التشريع . ( )
وقد لجأ القضاء الإداري إلى المبادئ العامة للقانون للفصل في العديد من المنازعات الإدارية لعدم تقنين قواعد القانون الإداري .
وتستمد أغلب هذه المبادئ من الطبيعة المتميزة للحياة الإدارية , كمبدأ دوام استمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد ، والمساواة بين المنتفعين بخدمات المرافق العامة ، ونظرية الظروف الاستثنائية , أو تستمد في فكرة العدل والمنطق والتي بمقتضاها مارس القضاء الإداري رقابته على الوجود المادي للوقائع وصحة التكييف القانوني لها وضرورة التناسب بين جسامة الذنب الإداري والعقوبة المقررة لها . ( )
والقضاء الإداري بهذا المعنى لا يخلق المبادئ العامة للقانون إنما يقتصر دوره على كشفها والتحقيق من وجودها في الضمير القانوني للأمة ، ولذلك فمن الواجب على الإدارة والقضاء احترامها والتقيد بها باعتبارها قواعد ملزمة شأنها في ذلك شأن القواعد المكتوبة .
hadia369
2013-01-25, 17:44
الوسائل القانونية للنشاط الإداري
I.القرارات الإدارية
1.1- القرار الإداري: هو عمل قانوني إنفرادي يصدر عن إحدى السلطات في الدولة و يحدث آثار قانونية بإسناد وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم .
1. 2 – عناصر القرار الإداري :
- عنصر السبب: الواقعة المادية الدافعة لإتخاذ قرار إداري معين .
- عنصر الشكل : هو الإطار الخارجي للقرار الإداري و هناك شكليات جوهرية يتدخل المشرع لأحترام هذه الشكليات
- عنصر المحل : هو الأمر القانوني المباشر و الحال المترتب بإنشاء مركز قانوني (تعديل – إالغاء )
- عنصر الإختصاص
هو الصفة القانونية لشخص معين لإتخاذ القرارات الإدارية و الإختصاص 3 أنواع :
1-إختصاص شخصي : يتحدد في شخص معين مثال : وزير الفلاحة لا يهتم بقطاع التعليم و هذا وفق للإختصاص الشخصي لكن توجد إستثناءات هي :
التفويض : محدد لمدة زمنية وفقا لموضوع معين
الإنابة : ينص عليها بنص قانوني – عدم إمكانية مواصلة الإختصاص
2-الإختصاص الإقليمي (مكاني – زماني ) : وفق الإقليم و وفق المدة الزمنية المخول لها مثال ذلك : رئيس البلدية يختص بإقليم معين و له مدة زمنية محددة وهي 5 سنوات
3-الإختصاص الموضوعي ( الأعمال المشروعة ): يعني أن تكون وفق قوانين و مراسيم محددة بموضوع الإختصاص
1.3 – تصنيف القرارات الإدارية :
تصنف القرارات الإدارية على أنها أعمال قانونية إنفرادية تصدر عن سلطة إدارية .
النظام القانوني للقرارات الإدارية
تكوين القرارات الإدارية : و تتضمن تسلسل القرارات الإدارية ، الإختصاص (ذكر سابقا) . الشكل ، تكون القرارات بسيطة أو قرارات إدارية مركبة .
و أهم ما يميز القرارات الإدارية :
- صادرة عن هيئة مختصة - أنها قرار تنفيذي
- عمل قانوني - أنها عمل إنفرادي
2- تنفيذ القرارات الإدارية :
أ- النفاذ : و يكون بطريقتين :
* النشر : ويخص القرارات الإدارية التنظيمية
* التبليغ : و يخص القرارات الإدارية الفردية
ب- التنفيذ :
1/ التنفيذ الإختياري الحر للقرارات الإدارية: الأشخاص الملزمون بتنفيذ القرارات لهم عوامل لتنفيذ القرار تنفيذا حرا أهمها حسن إنجاز و إعداد عملية إتخاذ القرارات (وجود رآي عام قوي )
2/ التنفيذالجبري للقرارات الإدارية : التنفيذ الجبري هو إمتياز من إمتيازات السلطة العامة المقررة للإدارة العامة
3/ التنفيذ القضائي للقرارات الإدارية : هو التنفيذ الأصيل للإدارة العامة بصفة قانونية و هو أن تلجأللقضاء لإجبار الأفراد على تنفيذ القرارات الإدارية
4-زوال القرارات الإدارية :
أ/ زوالها عن طريق الإدارة : وذلك يكون بطريقتين هما
-الإلغاء الإداري :و هو إعدام الآثار القانونية للقرارات الإدارية في المستقبل و ذلك على القرارات غير المشروعة مع التقيد بمدة الإلغاء شهران و هنا نميز بين إالغاء القرارات الإدارية و التنظيمية فلا يجوز للإدارة العامة إالغاء القرارات الفردية
-السحب الإداري : هو إعدام الآثار القانونية للقرارات الإدارية بأثر رجعي (كأنها لم توجد) و تتم من طرف السلطات الإدارية الولائية و الرئاسية المختصة للقرارات الإدارية غير المشروعة بسبب عدم شرعيتها ،و يشترط في السحب أن ينص على القرارات الإدارية غير المشروعة و خلال مدة زمنية محددة ب 60 يوما من قبل السلطات المختصة
ب/ الإلغاء القضائي : يقوم على دعوى الإلغاء التي هي الدعوى الأصلية و الوحيدة لإلغاء القرارات الإدارية إلغاء قضائيا
الدعاوى الإدارية : هناك أربعة دعوي و هي
1-دعوى الإلغاء: (تجاوز السلطة) بناء على المادة 231/02 تختص المحكمة العليا بضمان إلغاء القرارات الإدارية لتجاوزها السلطة و ترفع أمام مجلس الدولة إذا كانت ضد قرار صادر عن إحدى السلطات المركزية ، وفي المجلس القضائي (الغرفة الإدارية) إذا كانت ضد السلطات المحلية و المديريات العمومية و يكون الإلغاء في القرار الأصلي و هذا لعدم شرعيته
2-دعوى القضاء الكامل : و أهمها دعوى التعويض و هي من إختصاص المجالس القضائية
3-دعوى التفسير : و يلجأ إليها عندما نكون أمام قرار إداري غامض و مبهم فيقوم القاضي الإداري بتفسير هذا القرار وفقا لسلطته التقديرية
4-دعوى فحص المشروعية : و تكون عند وجود قرار إداري مشكوك في مشروعيته فيقوم القاضي بفحص هذا القرار و التأكد من مشروعيته من عدمها
II.– العقود الإدارية :
1-المعايير الكلاسيكية :
أ-السلطة العامة عندما تكون الإدارة طرفا في العقد نكون أمام عقد إداري
النقد : الإدارة تقوم بأعمال السلطة و أعمال التسيير . نحتاج إلى معيار يفرق بينهما
ب-المرفق العام : عندما يختص العقد بمرفق عام نكون أمام عقد إداري
النقد : هناك مرافق إقتصادية و مرافق إدارية
ج-البند الغير مألوف : عندما يحتوي العقد الشرط غير المألوف كإلغاء – تعديل ...............إلخ نكون أمام عقد إداري
النقد : هذا النوع يوجد في القانون المدني في عقود الإذعان
2- الإتجاه الحديث : بزعامة الفقيه لوبادير يرى أن النظام غير المألوف هو الذي يحدد لنا تعريف و مفهوم العقد الإداري الذي يخضع - لنظام العقوبات
- نظام رقابة (إلغاء العقد وتعديله )
و هنا نجد أن اقضاء الفرنسي نهج الإتاه الحديث في قضية 1973 قضية شركة الإستثمار الكهربائي في نهر البيان بفرنسا
و عليه فمهمة تعريف العقد الإداري مهمة صعبة جدا
العقد الإداري بالجزائر
يعتبر الفقيه أحمد محيو أول من بحث في العقد الإداري في قانونالصفقات العمومية في سنة 1967 . المادة 2 من هذا القانون (هي عقود خطية تبرمها الدولة ،الولاية ، البلدية من أجل إنجازأشغال عامة أو توريدات أو دراسات ) و قد أخذ المشرع بثلاثة معايير:
·معيار خطي : في عقود خطية
·معيار عضوي : الدولة ، الولاية ، البلدية
·معيار موضوعي : توريدات ، أشغال ، دراسات .
و أعتبر الأستاذ أحمد محيو أنا المعيار العضوي كاف لتعريف العقد الإداري لكن الإشكال أعيد طرحه بعد تعديلات 81- 90 – 2002 هذه الأخيرة أضافت شخصا آخر و هو مؤسسات عمومية إقتصادية لكن المادة 07 (الدولة ،الولاية ، البلدية ، المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ) لا تضم هذا النةع من الأشخاص الإداريين و هذا ما يدل على تدهور المعيار العضوي .
جاء الفقيهان عمر بن رحال و الشريف بن ناجي و قالا أنه يمكن تعريف العقد الإداري من خلال عقد الإمتياز ( وهو عقد بمقتضاه تكلف السلطة شخصا طبيعيا أو معنويا بتسيير مرفق عام لمدة زمنية معينة مقابل آتاوى يتلقاها من المنتفعين)
و عقد الإمتياز يحوي على شروط تنظيمية و شروط تعاقدية
- الشروط التنظيمية : هي التي تملك الجة الإدارية تعديلها في أي وقت كلما دعت حاجة المرفق العام أو موضوع الإمتياز إلى ذلك و تمتد آثارها إلى الأطراف الثلاثة
- الشروط التعاقدية : تمنح لفائدة العقد شرريعةالمتعاقدين و هي شروط لا تهم المنتفعين مباشرة بل الجهة الإدارية و الملزم بهذا الإلتزام ، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشروط تسجل و تدون في دفتر الشروط .
مظاهر النشاط الإداري
I.المرافق الإدارية
1-نشوء المرافق العامة :
-نشوء المرافق العامة عن طريق النصوص القانونية :
·الدستور : يكرس الدستور المرافق العامة و ينشأها عن طريق السلطة التشريعية طبقا للمادة 29 – 123
·اللوائح و التنظيمات : السلطة التنفيذية رعم أنه ليس من اختصاصها إلا أنها تساهم في إنشاء المرافق العامة ( قانون المالية 97 يحق لأشخاص القانون الخاص تجاريون و صناعيون تسيير مرافق عامة المادة 113 من المرسوم )
-نشوء المرافق العامة عن طريق القضاء و الفقه :
·الفقه يرى الفقيه هوريو أنا المرفق العام هو ( منظمة عامة تقدم خدمة عامة بإستخدام السلطة العامة )
و يرى الفقيه دوجي أنه ( نشاط يتحتم على اسلطة القيام به لتحقيق التضامن الإجتماعي )
كما يرى الفقيه لوبادير ( هو نشاط يباشره شخص معنوي عام أو تحت رقابته مستعملا نظاما مغايرا للقانون المشترك )
·القضاء : أما بالنسبة للقضاء فالمرافق العامة تخضع للقانون الإداري في منازعاتها الإدارية
مبادىء و آسس المرافق العامة :
-المساواة بين المنتفعين : كل المنتفعين متساوون في الحقوق و الواجبات
-مبدأإستمرارية المرافق العامة : أي حتمية ديمومة وسيرورة المرافق العامة
-التكيف و القابلية للتغيير : و يكون ذلك وفقا للتغيرات الحادثة
-المجانية : أهم ما يميز المرافق العامة
تسيير المرافق العامة :
و لتسيير المرافق العامة و جدت أساليب كلاسيكية و أساليب حديثة
1- الأساليب الكلاسيكية : و هي أن تسيير المرافق العامة عن طريق المؤسسة العمومية الإدارية أي أن المؤسسة العمومية هي أداة تسيير المرفق العام .
و تكمن مكانة المؤسسات العمومية الإدارية في أنها خاضعة للقانون الإداري و موظفوها يخضعون لقانون الوظيف العمومي ، أموالها ممتازة و تتمتع بالحماية المدنية والجنائية كونها أموال عامة ، و منازعاتها تخضع للمنازعات الإدارية و يختص بها القاضي الإداري طبقا للمادة 07
2- الأساليب الحديثة :
1- الإستثمار من أجل خلق ثروة جديد تنشأ مرافق عامة عن طريق الإستثمار و كذا لضمان فعالية في تسيير المرافق العامة أحسن
2- الإمتياز : و دلك لتقليص العبىء على الإدارة فتلجأ إلى مثل هذا النوع ، وهو تكليف للأشخاص العامة أو الخاصة
3- مشاطرة الإستغلال :و هو نوع من أنواع الكراء
4- الإستغلال : يستغل المرفق العام من أحد الأشحاص العمة أو الخاصة للقيام بخدمات بدل المؤسسة مقابل مبالغ معينة للإدارة في إطار إتفاق بينهما
II.الضبط الإداري
تعريف الضبط الإداري :
مجموعة الإيرادات التي تقوم بها الهيئات العامة حفاظا على النظام العام.
أهداف الضبط الإداري: هو المحافظة على النظام العام بعناصر ه الثلاث:
vالحفاظ على الأمن العام + الحفاظ على الصحة العامة + الحفاظ على السكينة العمومية
أنواع الضبط الإداري :
ضبط إداري عام : مجموع الإجراءات الممنوحة لهيئات الضبط الإداري للمحافظة على النظام العام .
ضبط إداري خاص : مجموع السلطات الممنوحة للإدارة بقصد تقييد نشاط وحريات الأفراد في مجال محدد ، فهو يخص مكان محدد ونشاط بذاته.
خصائص الضبط الإداري :
الصفة الإنفرادية : عموما الضبط الإداري هو إجراء تباشره السلطة الإدارية المنفردة وتهدف إلى المحافظة على النظام العام .
الصفة الوقائية: يتميز الضبط الإداري بالطابع الوقائي ، فهو يبعد المخاطر عن الأفراد.
الصفة التقديرية:أن للإدارة سلطة تقديرية في ممارسة الإجراءات الضبطية.
سلطات وهيئات الضبط الإداري :
1/على المستوى المركزي: -رئيس الجمهورية : وذلك بموجب الدستور
-رئيس الحكومة : وفقا للمادة 125/02 و83/03الدستور
-الوزراء حسب القطاع المخصص له).
2/ على المستوى المحلي: -الوالي : نص المادة 96من قانون البلدية
ر. م. ش. ب: نص المادة 69-75 قانون البلدية
وسائل الضبط الإداري:
وسائل مادية : الإمكانيات المادية المتاحة للإدارة.
وسائل بشرية : أعوان الضبط الإداري (شرطة الدرك)
وسائل قانونية: القرارات التنظيمية.
حدود سلطات الضبط الإداري :
vالخضوع لمبدأ المشروعية : أن يكون الضبط مشروعا.
vإحترام حريات الأفراد:عدم التعسف في استعمال السلطة.
vالخضوع لرقابة القضاء : بما أنه نشاط إداري فإذا ثبت تجاوزه و خرقه للقانون كان عرضة للرقابة القضائية.
hadia369
2013-01-28, 23:26
مفهوم الحق
-تعريف الحق
لقد حاولتعدة مذاهب تعريف الحق نذكر منها أهمها والمتمثلة في المذهب الشخصيثم المذهب الموضوعي وأخيرا المذهب المختلط والنظرية الحديثة
المذهب الشخصي
يتزعم هذا المذهب سافيز وينظر إلى الحق من المنظور أي بنظر صاحب الحق فيعرف الحق بماأنه قدرة أو سلطة إرادية تثبت للشخص يستمدها من القانون ويجعل هذا المذهب من الحق صفة تلحق صاحبه ومقتضى هذا التعريف أن ثبوت الحق يكون رهنا يتمتع صاحبه بإرادة التي يكتسب بها الحق ويباشر ويعدله
*تقدير المذهب الشخصي
إذا كان هذا المذهب قد أصاب في أن الحق لا يثبت إلا للشخص بالنظر لقيمته الاجتماعية الذاتية التي يمثلها ويتمتع بها (الشخص الطبيعي ) أو بالنظر لقيمة الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه بالنسبة للمجتمع (شخص معنوي ) بما يبرز أن يكون الشخص صاحبا للحق وليس محلا له يعكس الجمادات والحيوانات التي تكون محلا للحقوق والالتزامات
* الانتقادات الموجهة للمذهب الشخصي
ويمكن أن نلخص أهم الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية في:
1- إن ربط وجود الحق يإرادة يكشف عن قصورواضح لهذا التعريف حيث أنه سيؤدي إلأى حرمان إلى حرمان تام لبعض الاشخاص من كل حق خاصة الأشخاص الذين تنعدم لديهم الإرادة كالصبي غير المميز والمجنون
2- جعل الارادة مناط الحق يحول دون استعاد حالات كثيرة تثبت فيها الحق لصاحبه رغم عدم عمله ودون تدخل من إرادته مثل حالة الغائب والموصى له الذي ينشأ حقه بوفاة الموصى رغم عدم علمه بذلك والوارث الذي تثبت له الحقوق رغم عدم علمه بوفاة مورثه ودون التدخل ارادته كما أن هذا التعريف يعجز عن التفسير ما يثبت للأشخاص المعنوية من حقوق بالرغم من توافر إرادة حقيقة لها
3- وهذا الانتقاد الحاسم يلخص كل الانتقادت ويفسرها وهو أن هذا التعريف يلحظ بين الحق واستعماله أو بين وجود الحق وبين مباشرته فالحق بوجود دون أن يتوقف وجود على قدرة إرادية لدى صاحبه ولكن مباشرة هذا الحق واستعماله يستلزم في الغلب وجود هذه الارادة فوجودها لا يكون حينئذ شرطا لقيام الحق لكن قد يكون شرط لمجرد مباشرته
مثال : عديم الأهلية يستعمل حق ملكية حين يسكن منزله أو يركب سيارته بالرغم من عدم وجود إرادة لديه
المذهب الموضوعي :رائد هذه النظرية هو الفقيه الأماني اهريدج هو يعرف الحق بأنه مصلحة يحميها القانون الذي يرى أن دور الارادة في الحق ليس جوهريا بدليل أن القانون يعترف بالحقوق للمجنون والغائب الصغير ويرى أنصار هذا المذهب أن الحق هو مصلحة مادية أو معنوية يحميها القانون فالمصلحة أو المنفعة هي جوهر الحق وليست الارادة والمصلحة قد تكون مادية فقد تكون معنوية كالحرية والشرف
* تقدير المذهب الموضوعي :كان للمذهب الموضوعي فضل التنبيه إلى أن الارادة إذا كانت قد تظهر في بعض الأحيان كأحد أسباب اكتساب الحق واستغلاله لكنها بعيدة عن أن تمثل جوهرة ونية إلى صاحب الحق ليس هو صاحب إرادة الذي يباشر أسباب اكتساب الحق وانما هو يثبت له المنفعة المصلحة فضلا عن نجاحه في رصد أن المصلحة المرجوة من تمثل الاعتبار الدافع لأسبابه
* الانتقادات الموجهة للمذهب الموضوعيالتسليم بأن المصلحة تمثل الغاية من الحق يستلزم أن يكون الحق شيئا آخر غيرها بحيث أن تعريف الحق بالمصلحة المقصودة أو المنفعة المتحققة يمثل خلطا بين جوهر الحق والغاية منه
1- في المنطق اهريج المصلحة محمية لأنه معترف بها كحق يستأمل هذه الحماية فوسيلة حماية الحق تكون تالية نشوء الحق ولا يمكن اعتبارها شرطا وعنصرا لوجوده وإنما هي أثر لهذا الوجود فالحق لا يعتبر حقا لأن القانون يحميه يدعون ولكن الصحيح أن القانون يحميه بدعوى لأنه حق بين مقوماته الجوهرية وخصائصها الذاتية لأنه يعتمد في تعريفه على أشياء خارجية عن كيانه الذاتي كالمصلحة وهي نظرية الحق الغرض ومنه والدعوى وهي وسيلة حمايته وعلى ذلك فاهرنج يدور حول فكرة الحق دون أن يمله إلى جوهر اشباع مصلحة معينة
المذهب المختلط:ذهب هذا الاتجاه في تعريف الحق إلى الجمع بين عنصري الارادة والمصلحة مع الاختلاف فيتقديم أي العنصرين على الآخر
فمتى غلب عنصر الإرادة عرف الحق بأنه السلطة الارادية التي يقررها القانون لشخص من الأشخاص تحقيقا لمصلحة القائمة التي تحميها القانون بحيث تكون الارادة هي القاعدة على تحقيق المصلحة
بينما متى غلب عنصر المصلحة عرف الحق بأنه المصلحة التي يحميها القانون والتي يقوم على تحقيقها ارادة معترف بها الشخص"وفقا لهذا الاتجاه فإن المصلحة لم تعد العنصر الوحيد للحق وانما تظهر الارادة كمحقق له ومدافعة عنه
*الانتقادات التي وجهت إلى المذهب المختلط:يتضح لنا من التعريف الذي يقول به أنصار المذهب المختلط أنه يتراوح بين الارادة والمصلحة ولهذا يمكن أن يوجه إليه ذات الانتقادات التي وجهت إلى الاتجاهين السابقين وأهمها أنه لم يعرف الحق ذاته وبين جوهره فالحق ليس الارادة كما أنه ليس المصلحة وبالقطع ليس هذا أو ذاك معا ولذلك ظهر اتجاهات فقهية حديثة حاولت أن تكشف عن جوهر الحق وخصائصه الذاتية المميزة له
النظرية الحديثة :ونتيجة للانتقادات الموجهة للنظرية المذهب السابق ظهرت نظرية حديثة في تعريف الحق وحمل لواءها الفقيه الفرنسي دابان ويتأثر بها أغلب الفقهاء ويعرف أصحاب هذا الحق بأنه : " ميزةيمنحها القانون لشخص ما ويحميها بطريقة قانونية ويكون له بمقتضاها الحق في التصرف متسلطا على مال معترف له بصفة مالكا أو مستحقا له " ومما سبق نقترح تعريف مجمل للحق بأنه الاستنثار الذي يقره لقانون لشخص من الأشخاص ويكون له بمقتضاه إما تسلطا على شيء معين أو اقتضاء أداء معين من شخص لآخر هذا التعريف يتميز بأنه يتفق على الضوء وعلى جوهر الحق وهو الاستنثار كما أن هذا الاستئثار يقره القانون وبالتالي تظهر العلاقة الوثيقة بين الحق والقانون
مقومات الحق :من خلال التعريف يتضح لنا أن للحق مقومات أربعة هي :
الاستئثار : أي اختصاص شخص بمال أو قيمة معينة على سبيل الانفراد وقد يرد الاتئثار على شيء مادي كالمنقول أو العقار على شيء ذهني كنتاج الفكر أو على قيمة لصيقة بالشخص كسلامة الجسم أو على عمل معين لهذا يختلف الحق عن الحريات والرخص التي تعرف فكرة الاستئثار او الانفراد، بل يتمتع الجميع بحق على قدم المساواة كحرية السير في الطرق العامة
التسلط الذي يأتي نتيجة طبيعة الاستئثار فمن يستأثر بشيء يكون له تسلط عليه أي القدر على التصرف بحرية في الشيء محل الحق أو الأداء أو الامتنماع على العمل إذا كان واردا على عمل
إلا أنه في بعض الأحيان يقيد القانون هذه القدرة بقيود معينة لصالح العام كعدم جواز تصرف الشخص في جسم أو حياته وكوضع بعض القيود على حرية المالك في استغلال ملكه
الاقتضاء يستطيع الشخص أن يقتضي من الناس كافة احترام حقه إذ يقع التزام عام على الناس بالامتناع عن كل ما من شأنه أن يعوق استئثار الشخص وتسلطه على الشيء محل الحق
وقد يكون الحق في مواجهة شخص أو أشخاص معينين أي في صورة رابطة تقوم بينهم كحق الدائنية إذ يستطيع صاحب الحق أن يقتضي حقه من المدين
الحماية القانونية أي الجزاء الذي يضعه القانون في حالة الاعتداء على الحق والدعوى القضائية هي الوسيلة لحماية الحق والقانون لا يحمي الحق إلا إذا قدر أن المصلحة التي ترد عليها جديرة بالحماية إي ذات القيمة اجتماعية معينة
علاقة الحق بالقانون والحريات العامة
علاقة الحق بالقانون : إن الحق والقانون هما مرتبطانفالحق دائما ينشأ أو يتقرر بموجب القانون ولا تكون له قيمة إلا بحماية القانون ولكن في نفس الوقت لا بد لأن على معنى شيء واحد ففي اللغة الفرنسية يعبر عن الحقdroitويعبر عن القانون بنفس الكلمة ويعبر عن الاستقامة بكلمة ذاتها ولجأ بعض الفقهاء الفرنسيين إلى التمييز بين القانون والحق وأطلقوا على الحقوقDROIT SUBJECTIFوأطلقوا على القانونOBJECTIFالقانون الموضوعي ونرى أن فقهاء العرب استخدموا هذه التعبيرات على أساس أن تعبير الحق الموضعي يقصد به النص القانوني الذي ينشئ الحق أو يقرر ويعد مضمونه أما الحق الشخصي أوالذاتي فيقصد به القدرات أو السلطات والمزايا التي تحمي الحق وتلزم الآخرين احترامه ويجدر بنا القول رغم الارتباط الوثيق بين الحق والقانون فهما يتميزان من حيث المفهوم والمدلول
علاقة الحق والحريات العامة
لقد استخدمت كلمة الحق والقانون كمرادفتي فيقال الحريات العامة أو الحقوق العامة وهذا ليس صحيح وحقيقة الأمر أن الحريات العامة ترادف الترخيص أو اباحة التصرف وهي ملخصة في كافة أفراد المجتمع يتكفل لحمايتها عادة الدستور بحيث يضمن لهم الساواة لحدود النظام القانوني للدولة يمكن لنا الاختلاف في الحق والحرية في ما يلي :
1- الحريات تمثل اباحة أصلية ومطلقة للجميع أما الحقوق فقاصرة على أشخاص معينين
2- الحريات العامة لا يقابلها الالتزام في جانب الشخص معين أم الحق المقرون بالالتزام في مواجهة الغير
3- الفرق بين الحريات والحق على أساس نصوص القانون المتعلقة بالتعسف وتجاوز الحدود وسوء الاستغلال ترد جميعها على الحق
أنواع الحقوق
معايير التقسيم:اختلف الفقه حول معيار التقسيم فمن جانبنا نعتمد على القيمة المالية للحق كأساس للتقسيم باعتبار بمثل من جهة الصفة المميزة لأغلبها ومن جهة أخرى لأهمية النتائج العلمية لهذا التقسيم ويقوم هذا التقسيم على أساس النظر إلى الغاية الأساسية من الحق سواء كانت الغاية نفعية تعود على صاحب الحق أو كانت اجتماعية مفترضة على المستوى الاجتماعي من الحق فإذا كانت الغاية الأساسية من الاعتراف به هي تمكين للحصول على فائدة أو مصلحة من وراءه كان حقا ماليا فالمتعامل فإنه حيث يوجد الغاية الأساسية في تحقيق منفعة أو مصلحة أو ذات قيمة غير مالية كان الحق غير مالي
أنواع الحق من حيث الموضوع :ينقسم الحق من حيث الموضع إلى حقوق سياسية وأخرى مدنية
الحقوق السياسية :هي الحقوق التي يحددها الدستور للمواطنين لانتمائهم إلى وطن معين فهذا الانتماء يعطيهم الحق في المشاركة في شؤون الجماعة وإدارتها وتنشأ هذه الحقوق بمناسبة تحديد نظام الحكم في الدولة إدارتها ، لذا يتولى القانون الدستوري والقانون الإداري بيانها وتحديد مضمونها و من أهم الحقوق السياسية تتمثل في:
الحق في الانتخاب : أي الحق في التصويت لاختيار ممثلي الشعب سواء على المستوى المركزي أو المحلي
الحق في الترشح : هوحق في التقدم إلى هيئة الناخبين لاختياره نائبا عنهم
الحق في تولي الوظائف العامة وهو حق ما يمكن المشاركة في ادارة مرافق الدولة وهيئاتها ومصالحها"م14" من الدستور 71 : "الوظائف العامة حق للمواطنين"
حق في ابداء الرأي في الاستفتاء المادة 62 من دستور 71
الحق في تكوين أحزاب سياسية المادة 55 من دستور 71
خصائص الحقوق السياسية
تتميز هذه الحقوق بما يلي:
إن هذه الحقوق ليس لها طابعا ماليا
هذه الحقوق تخص المواطنين دون الأجانب ولكن القانون قد يجيز على سبيل الاستثناء وفي بعض الحالات توظيف الأجانب
لا تعتبر هذه الحقوق ميزات أو مصالح للمواطنين بل أنها وظائف سياسية أي ينظر إليها على تكاليف وليس حقوقا
حقوق مدنية :وفي هذه الحقوق تهدف إلى حماية الأفراد ومصالحهم وهي تنقسم إلى حقوق عامة وأخرى خاصة
* الحقوق العامة وهي التي تثبت للشخص بمجرد وجوده أو لكونه إنسان حق الشخص في الحياة وسلامة جسمهونذكر بعض الخصائص لهاته الحقوق وهي:
الحقوق التي لا يمكن انتقالها إلى الغير للتنازل عنها
هذه الحقوق لا تنقل إلى الورثة
الحقوق الخاصة : وتنقسم بدورها إلى قسمين وهما حقوق الأسرة وحقوق مالية
حقوق الأسرة : وهي الحقوق التي تثبت للشخص باعتباره عضوا في أسرة معينة سواء كان ذلك بسبب الزواج أو بسبب النسب وتختلف باختلاف مركز الشخص ووضعه في هذه الأسرة
الحقوق المالية : هذه الحقوق تنتج على المعاملات المالية بين الأفراد وتسمى بالمالية لأن موضوع الحق فيها يقوم على أساس المال
أنواع الحق من حيث الاستقلالية والتبعية
أنواع الحق من حيث الاستقلالية ( حقوق عينية أصلية :هي تلك الحقوق العينة المستقلة التي لا تتبع حق آخر أو تستند في وجودها إليه وإنما تنشأ مقصودة لذاتها بما تعطيه لأصحابها من سلطة الحصول والمزايا والمنافع المالية للأشياء المادية ، وهي لا تخج عن السلطات الاستعمال والاستغلال والتصرف وتنقسم إلى:
حق الملكية وهو أشمل الحقوق العينية مضمونا إذ يخول لصاحبه سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف (م802 من القانون المدني ) على ملكه سواء كان عقارا أو منقولا
حقوق متفرعة عن الملكية:وهذه الحقوق هي تلك تقتطع بعض السلطات الملكية لحساب شخص غير المالك وقد حدد القانون المدني هذه الحقوق : حق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكن وحق الارتفاق أنواع الحق من حيث التبعية
هذه الحقوق تعتبر عينية لأنها ترد على شيء معين صاحبه سلطة مباشرة على هذا الشيء ولكنها لا تقوم استقلالا بل بالتبعية لحق شخصي أو لضمان الوفاء به فالدائن صاحب الحق الشخصي قد يتعرضلمخاطر عدم الحصول على سداد دينه لأنالمدين يمكن أن يهرب أمواله أي يتصرف فيها على نحو لا يبقى لديه شيء يستطيع التنفيذ عليه و قد يكون هناك اكثر من دائن في الوقت الذي لا تكون أموال المدين كافية لسداد ديونه جميعا وتنقسم الحقوق العينية التبعية بحسب مصدرها إلى:
حق الرهن : ويتقرر بناء على اتفاق أو عقد
حق الاختصاص ويكون بأمر من القضاء
حق الامتياز ويكون بناء على النص قانونية
كما لا ننسى أن هناك حقوق مطلقة وأخرى نسبية كما توجد حقوق تامة وأخرى ناقصة
الحقوق المطلقة وهي الحقوق
أنواع الحقوق من حيث الأشخاص المواجهين له
الحق المطلق
هو الحق الذي يكون فيه الشخص في مواجهة كافة الأشخاص كحق الملكية
الحقالنسبي : فهو الحق الذي يكون للشخص فيه الحق في مواجهة شخص معين أو أشخاص معينين مثل حق الدائن كما لا ننسى أن نذكر أن هناك حقوق تامةوأخرى ناقصة
الحقوق التامة : وهي الحقوق التي يعترف بها القانون ويحميها
الحقوقالناقصة : وهي الحقوق التي يعترف بها القانون ولا يحميها مثل سقوط الدين بالتقادم ( سقوط من حق تام إلى حق ناقص
الاسم و الحالة :
الاسم :
تعريف الاسم : الاسم هو الوسيلة التي يتميز بها الشخص عن غيره . وللاسم معنيان معنى ضيق ويقصد به الاسم الشخصي PRENO والمعنى الثاني يقصد به اللقب أو اسم الأسرة NOM DE FAMILLE OU Patronimique .
- وتنص المادة28/1 مدني على انه : "يجب أن يكون لكل شخص لقب واسم فاكثر ولقب الشخص يلحق بأولاده .
- وهناك أنواع أخرى للاسم يحميها القانون إذا استعملت بصفة مستمرة وحمايتها تكون بقدر حماية الاسم المدني من ذلك .
اسم الشهرة والاسم المستعار والاسم التجاري
اسم الشهرة :le surnom
- وهو اشتهار الشخص باسم آخر بين الناس واسم الشهرة هو من صنع الناس أي غير هو الذي يطلق على الشخص هذا الاسم واسم الشهرة جدير بحماية القانون.
الاسم المستعار :Pseudonyme : - ويطلقه الشخص على نفسه بقصد تحقيق عرض معين كإخفاء شخصيته في مناسبة معينة وقد يكون الغرض سياسيا كتسمية رجال المقاومة بأسماء مستعارة لإخفاء أسمائهم الحقيقية والشخص حر في اختيار هذا الاسم وكذلك هذا الاسم يحميه القانون إذا استعمله صاحبه بصفة مستمرة
الاسم التجاري : - وهو استخدام التاجر اسما يمارس تحته تجارته ويكون مميزا لمحله التجاري وعنصرا من عناصره
وهو حق مالي قابل للتصرف فيه وفقا للمادة 78 تجاري وتعرض فيما يلي للاسم المدني فبين طريقة اكتسابه ومميزاته .حمايته وفي الأخير طبيعته القانونية .
أولا :الاسم المدني :
ا.كيفية اكتساب الاسم العائلي:
1.النسب : وهو الطريق الطبيعي لاكتساب الاسم ,فينسب الولد إلى أبيه إذا ولد خلا ل عشرة اشهر. وكذلك يثبت النسب الإقرار أي بإقرار البنوة لمجهول النسب ولو تم ذلك الإقرار في مرض الموت .
2 . القانون : - يقوم ضابط الحالة المدنية باختيار اسم للقيط أو الولود من أبوين مجهولين المادة 64 من قانون الحالة المدنية 1.
3. الزوجية : - جده في الدول الغربية حيث تحمل الزوجة لقب زوجها ولا تفقد لقبها العائلي فيصبح لقبان تختار بينهما .
كيفية اكتساب الاسم الشخصي: - المادة 64 من قانون الحالة المدنية توجب الأب أو الأم أو من بلغ عن ميلاد الشخص إتير اسم له من اسماي الجزائرية وقد وضعت الدولة قائمة اسمية للأشخاص .
مميزات الإسم :
يمتاز الاسم بأنه غير قابل لتصرف أو النزول عنه كما انه لا يخضع لنظام التقادم المكسب أو المسقط.
حماية الاسم : يحضى الاسم بحماية قانونية أعطاها له المشرع وتكون الحماية على كافة أنواعه دون تمييز وتكون الحماية على إحدى الاعتداءين .
1.انتحال الاسم دون حق أي التسمي باسم الغير دون إذنه .
2. المنازعة غير المبررة فاستعمال الغير للاسم وهي تأخذ صورتين .
- إما الإدعاء بعدم أحقيته بهذا الاسم وإما إشاعة عدم الأحقية بين الناس والحماية هنا هي المطالبة بوقف الاعتداء أو التعويض المادة 48 قانون المدني وقد تشدد حتى تصل بالحبس من 6 اشهر إلى 5 سنوات أو المتابعة بجناية تزوير وهذا ما نصت عليه المادة:249 قانون العقوبات .
الطبيعة القانونية للاسم : - لقد إختلف الفقهاء حول تحديد الطبيعة القانونية للاسم فهناك انه مجرد نظام إداري للبوليس المدني وهناك من يرى انه حق ملكية على حق معنوي وهناك من يراه انه حق وواجب في آن واحد وظهر اتجاه آخر .
- يرى انه حق من حقوق الأسرة وهو الرأي الراجح إذ انه في الغالب ما ينتج صدور الاسم من الانتماء الأسرة .
مفهوم الحالة :
تعريفها:
- هي من أهم مميزات الشخصية القانونية فتثبت الحالة السياسية لشخص بانتمائه لدولة وتثبت حالته الدنية من خلال إتباعه لعقيدة معينة .
أنواعها:
1/الحالة السياسية:
v وتعني ارتباط الشخص بالدولة وانتمائه لها ويكون ذلك عن طريق حمل جنسية الدولة ويحملها بطريقتين إما الدم أو الإقليم كما أن جنسية الدم هي جنسية أصلية وفي حالة تعدد الجنسيات يطبق القاضي الجنسية الفعلية آو الحقيقية .
2/ الحالة الدينية :
- الإسلام دين الدولة ولا وجود في الإسلام لمثل بعض الامتيازات الممنوحة في طوائف معينة كما هو في بعض البلدان ويترتب على كون الشخص مسلما فإنه يخضع لأحكام التعامل بين المسلمين مع غير المسلمين
3/الحالة العائلية :
- وهي العلاقة التي تربط الشخص بالعائلة وقد تنكون هذه الرابطة نسب أو قرابة مصاهرة
1/ أنواع القرابة:
* قرابة النسب : حسب نص المادة 32 من القانون المدني تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه ويعتبر من ذوي القربة وبذلك تكون إما مباشرة وهي التي تربط بين الأصول والفروع أي التي تربط الجد بأبنائه وحفدته .
الجد الأصل لا يحسب
الأب درجة 2 صعودا
الابن درجة 1 مباشرة
* قرابة الحواشي : وهي التي تربط بين الأشخاص الذين يجمعهم أصل واحد دون أن يكون أحدهم فرعا للآخر .
الجد ( الأصل ولا تحسب درجة )
الأب درجة 2 الأب درجة 3
صعودا
نزولا
الابن درجة 1 الابن درجة 4
فقرابة ابن العم بابن عمه هي قرابة حواشي من الدرجة الرابعة
*-قرابة المصاهرة :
-هي تنتج نتيجة الزواج , ويحتفظ فيها كل قريب بدرجة قرابته للزوج الآخر .
-أهمية القرابة :
من حيث الإرث : يترتب عن القرابة أن الأقارب يتوارثون فيما بينهم .
من حيث التعويضات المدنية : يستطيع الأقارب مطالبة المسؤول بالتعويض عن الضرر الموروث الذي ألحقه بمورثهم .
من حيث الولاية : يتولى الأصل ولاية الفرع إذا كان هذا الأخير عديم الأهلية أو ناقصها .
من حيث النفقة : يكون الأصول ملزمين بالنفقة على الفروع كما أن الزوج ملزم بالنفقة على الزوجة إذا توافرت أسباب النفقة
من حيث رد القاضي :يجوز طلب رد القاضي في أي مرحلة من مراحل الدعوى إذا كانت له قرابة بأحد الخصوم .المادة 201 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري
من حيث الدعوى الجزائية : السرقة بين الأقارب حتى الدرجة الربعة لا تحرك النيابة الدعوى حتى يقدم الضحية الشكوى .
الأهلية الموطن والذمة المالية :
المطلب الأول : الأهلية :
الفرع الأول : مفهوم الأهلية :
- هي صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالالتزامات والقيام بالأعمال والتصرفات القانونية يترتب عليها كسب الحقوق أو يترتب عليها الواجبات التي تتأثر أحكامها ( المادة 45 مدني جزائري ) وقد أحال القانون المدني الجزائري في المادة 44 أحكام الأهلية إلى قانون الأسرة يعطى له حق التصرف والأداء الذي فرض أهلية الوجوب والعكس وهناك استثناءات عند نقص الأهلية فهنا يتحملها شخص آخر يوصى على العناية بمال أو تصرفات الشخص الناقص الأهلية حسب المادة 82.85 حيث قد ينوب عنه وليه أو كفيله ......
الفرع الثاني : أنواعها :
أولا : أهمية الوجوب : تبدأ من الولادة حتى الوفاة تثبت في بعض الأحيان قبل الميلاد مثل الجنين شرط و لادته حيا و هي تمر بمرحلتين :
المرحلة الأولى : و هي مرحلة الحمل و يعد فيها الشخص ذو أهلية وجوب ناقصة لأنه غير صالح للتحمل بالالتزام و غير صالح لكسب الحقوق و تثبت له شرط و لادته حيا المادة : 187 من قانون الأسرة .
المرحلة الثانية : تبدأ بعد ولادته حيا : حيث يستطيع بعدها تحمل الالتزامات لاكتساب الحقوق إلا ما منعه عنه القانون بنص خاص المادة : 403 من قانون المدني : تمنع المحامين من شراء الحقوق المتخاصم عنها المادة : 135 من قانون الأسرة تمنع قاتل العمد من ميراث مقتوله .
ثانيا : أهلية الأداء : هي صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية بنفسه و أهلية الأداء تفترض أهلية الوجوب و العكس غير صحيح المادة : 82 , 85 , 83 من قانون الأسرة .
إن تصرفات كامل الأهلية تعد صحيحة و ناقص الأهلية تصرفاته قابلة للإبطال و معدوم الأهلية تصرفاته باطلة بطلانا مطلقا . و انه يمكن تمييز أهلية الأداء بـالمراحل التالية :
1/ المرحلة الأولى : وهي مرحلة الجنين : ليس له أهلية الأداء .
2/المرحلة الثانية : و هي مرحلة الصبي المميز : و هي من الولادة حتى السادسة عشر **له أهلية منعدمة و في مصر سبع سنوات 07.
المرحلة الثالثة : مرحلة الصبي المميز : و تمتد هذه المرحلة : من السادسة عشر دون بلوغ سن الرشد و هنا تكون أهليته قابلة للإبطال و نميزها من خلال تصرفاته .فإذا كانت تدخل ضمن تصرفات الضارة محضا فإنها تكون باطلة , أما التصرفات التي تدور بين النفع و الضرر متروكة للسلطة التقديرية للقاضي , أما التصرفات النافعة نفعا محضا فإنها جائزة مع امكانيه إبطالها .
المرحلة الرابعة : أهلية التمييز :و هي مرحلة بلوغ سن الرشد و هنا تكون تصرفاته صحيحة سواء كانت نافعةاو ضارة حسب نص المادة : 40 من قانون المدني : من بلغ سن التسعة عشر سنة كاملة متمتعا بقواه العقلية و غير محجور عليه أصبح أهلا للتصرف .
- و تجدر الإشارة هنا إلى انه في حالة بلوغ الشخص سن : 19 سنة و لم تكن له أهلية أو انعدمت فتدخل المشرع و اوجب على ضرورة تعين ولي أو وصي أو قيم مادة : 44 من القانون المدني .
v 1/ الولي : - بالرجوع إلى نص المادة : 87 من قانون الأسرة الجزائري نجد إن الولاية تثبت للأب و وصيه و الولاية هنا على مال الصغير و إن انعدم الولي أو الوصي انتقلت الولاية إلى إلام المادة : 99 من قانون الأسرة .و الولاية هنا هي التصرف في الموال القاصر تصرف الرجل الحريص و تنتهي الولاية بعجز الولي أو عدم قدرته على أداء الولاية أو موته أو الحجر عليه أو بلوغ الصبي سن الرشد
v 2/ الوصي : - هو كل من تمنح له الولاية على مال الصغير غير وليه الشرعي و يسمى بالوصي المختار لان الأب هو الذي يختاره و يشترط بان يكون بالغا مسلما أمينا , و سلطات الوصي هي نفسها سلطات الولي و تنتهي بنفس انتهاء سلطات الولي .
v 3/ المقدم : أو القيم : *حسب المادة : 99 من قانون الأسرة : المقدم هو الذي تعينه المحكمة في حالة عدم وجود الولي أو وصي على من كان فاقد الأهلية أو ناقصها و ناقص الأهلية هو المجنون و المعتوه و السفيه و ذو الغفلة .
- عوارض أهلية الأداء :
1/ الجنون : هو مرض يسبب اضطراب العقل و زواله و قد يصل إلى حد إعدام الإرادة .
2/ العته : نقص خلقي أو مرض طارئ آو لكبر السن يصيب الإدراك .
3/ السفه : السفه هو تبذير المال على مقتضى العقل .
4/ الغفلة : هي السذاجة إذ لا يعرف صاحبها ما ينفعه و ما يضره .
موانع أهلية الأداء :
1/ الغياب : و هو مانع مادي أي من ليس له محل إقامة آو موطن معروف , فيعين له وكيل إذ لم يترك وكيلا و تنتهي مهمته أما بعودة الغائب حيا أو ميتا فعلا أو حكميا صدور الحكم الذي يثبت وفاته.
2/ الحكم بعقوبة جنائية : - قد تقترن العقوبة الجنائية .بعقوبة تبعية تتمثل في الحرمان من بعض الحقوق المدنية أو السياسية وبذلك يعد الشخص ناقصا للأهلية .
3/ المانع الطبيعي أو الجسماني : قد يصاب الشخص بعاهة جسمية مثل : بتر الأعضاء الرئيسية مما يمنعه عن ممارسة مهامه لذا يعين له وصي يساعده على تأدية مهامه .
الفرع الثاني :الموطن : هو المقر القانوني للشخص أو الكان الذي يعتبر القانون أن الشخص موجود فيه فالموطن هو المكان الذي يعتد به في مخاطبة الشخص في شؤونه القانونية مثال ذلك في حالة إعلان الأوراق القضائية التي يلزم إعلانها للشخص كصحيفة الدعوى والتنبيه والإنذار.
* والمشرع الجزائري يحدد الموطن على أساس محل الإقامة المعتاد فقد نصت المادة 36 مدني على أن الموطن لك جزائري هو المحل الذي يوجد فيه سكناه الرئيسي ...
أنواع الموطن :
1/ الموطن العام :
- هو الذي يعتمد به بالنسبة لكل شؤون الشخص و هو يتحدد بالمطان الذي يقيم فيه الشخص و هو أما إن يكون اختياري أي إن الشخص هو الذي يختار الموطن الذي يقيم فيه و الموطن الإلزامي هو الموطن الذي لا يمكن للشخص مغادرته بقوة القانون .
2/ الموطن الخاص : هو المقر الذي يتخذه الشخص لممارسة نشاط معين إذ انه يناط بالإعمال القانونية و النشاطات التي يمارسها الشخص فمثلا : المحامي موطنه الخاص هو مكتب المحاماة و الطبيب العيادة .
المطلب الثالث : الذمة المالية : هي مجموع ما يكون للشخص من الحقوق و الالتزامات المالية الحاضرة و المستقبلية مثل الحقوق العينية و الحقوق الشخصية و الذهنية و هي لصيقة بالشخص و لا تزول إلا بزوال الشخص و أهمية الذمة المالية هي توفير الضمان للدائنين فلا يعد المدين ملزما بالوفاء جسمانيا بديونه كما كان سائدا في الماضي حيث كان يحبس و يقتل و يستعبد إما ألان فان الوفاء ينصب على ذمة المدين المالية .
المبحث الأول:الوقائع القانونية: يقصد بالوقائع القانونية كل حدث مادي أو كل فعل أو عمل مادي يرتب القانون على وقوعه آثار قانونية بغض النظر عن إرادة الشخص عما إذا كانت قد اتجهت إليه أم لم تتجه ، لهذا يعبر عنها بالمصادر غير الارادية للحق أي التي يتوقف نشوء الحق فيها على إرادة الاشخاص أطراف العلاقة القانونية بمجرد توافر السبب أو مصدر الحق المنشء للحق ، و تنشأ فيها الحقوق بقوة القانون أو فعلا ماديا لأنه وحده الذي تترتب عليه و الذي يكون واقعة مادية أي حدثا أو عملا دون وقائع طبيعية ووقائع من فعل الانسان أو أعمال مادية.
المطلب الاول : الوقائع الطبيعية كمصادر للحق قد تكون الوقائع الطبيعية أحيانا في حد ذاتها مصادر مباشرة لإنشاء و قيام الحقوق بحيث لا تكون لإرادة الاشخاص أي أثر قانوني في وجودها
و بالتالي فإن الواقعة الطبيعية تحدث بفعل الطبيعة و تحدث آثار قانونية في إنشاء الحق لا دخل للإنسان فيه و هي قد تكون متصلة بالانسان و قد لا تكون متصلة به فمثلا واقعة الميلاد و الوفاة فهي متصلة به فبميلاد الانسان تبدأ شخصيته القانونية و بها يثبت النسب كما يترتب عليها الشخصية القانونية للمتوفي و تصفية ذمته المالية كما أنها تثبت حق الورثة في الميراث و حق الموصى لهم أما الوقائع الطبيعية الغير متصلة بالانسان فهي ترتب حقوقا أيضا فالثمار التي تنشأ في الاشجار ترتب حق ملكية لصاحبها بالرغم من أنها تنشأ بفعل الطبيعة .
المطلب الثاني : الوقائع التي هي من فعل الانسان أو (الاعمال المادية ) : و هي كل فعل أو عمل يقوم به الانسان يحدث آثار قانونية و تترتب عنها حقوق مثل الاعتداء على شخص فهو يرتب أثر ينشأ عنه حق للمعتدى عليه و هذا الفعل أو العمل إما يكون صادرا عن إرادته أو عن خطأ منه ، فالشخص الذي يشتري عقارا اتجهت إرادته مباشرة الى حق الملكية ، أما الشخص الذي يضرب شخصا آخر فلم تتجه إرادته الى اعطائه حق التعويض بل الى إحداث ضرر.و عليه فإن هذه الارادة اما ان تتجه الى فعل ضار أو نافع الا أنها في كل الاحوال تترتب عنها حقوقا
01/ الفعل الضار :و هذا الفعل قد يكون عمديا أو عن خطأ و هو الفعل الذي يحقق الضرر و يخرج عن السلوك العادي المفروض في الانسان و يترتب للشخص المضرور و ينشأ له حقوق و هذا طبقا للمادة 124 من القانون المدني و منه فيشترط في الفعل الضار حتى يترتب عنه الحق في التعويض :
1- أن يكون هناك خطأ 2- أن يكون هناك ضرر 3- أن تكون هناك علاقة [1] سببية بين الضرر و الخطأ
02/الفعل النافع : وهو فعل يصدر من الشخص إما أن يؤدي الى إثراء ذمة الغير أو الى إثراء ذمته و يرتب عليه القانون اثار و هذا الفعل الذي يؤدي الى إثراء ذمة الغير يسمى الاثراء بلا سبب و المقصود منه هو اثراء الشخص على حساب شخص اخر بدون ان يكون هناك سبب إثراء المثري أي هو العمل على الاعتناء بذمة الغير بدون سبب قانوني و هو مانصت عليه المادة 141 ق م «كل من نال على حسن نية ..» وله صورتين :
أ/الدفع غير المستحق : و المقصود منه أن يدفع الشخص أوالا لشخص اخر بدون سبب قانوني كان يعتقد بأنه مدين لهذا الشخص و له الحق في أن يرجعه أو دين سقط بالتقادم.
ب/الفضالة : و المقصود بها قيام شخص بعمل لحساب شخص اخر بدون سبب قانوني مثلا شخص يرى بأن جدار جاره سيسقط فيقوم بإصلاحه و هي تختلف عن الوكالة التي هي قيام بعمل لحساب شخص آخر بسبب قانوني و هو عقد الوكالة و هو ماتنص عليه المادة 251 ق م .,و يشترط في الفضولي أن يقوم بعمل عاجل لحساب الغير و لم ينص المشرع على ان يكون هذا العمل عاجلا و يشترط أن لا يكون الفضولي ملزما بل متطوعا.و الفرق بين الاثراء بلا سبب و الفضالة هو أن الشخص الفضولي يقوم بعمل لحساب الغير عن قصد ما بينما لا يلزم الشخص في الاثراء بلا سبب أن يقصد تحقيق عمل لحساب الغير.
03/الحيازة :هو وضع يد على العقار أو منقول و يرتب القانون على هذا العمل آثار تتمثل في حماية و حيازة العقار بدعاوى الحيازة.و حماية حيازة المنقول بحسن نية إذ يترتب عليها كسب ملكية المنقول و كذلك إسقاط التكاليف عنه كما يترتب على الحيازة أيضا كسب الحائز حسن النية .أما اكتساب ملكية العقار فلا تترتب على حيازته وحدها بل لا بد أن تقترن حيازة العقار بمدة معينة وهي مدة التقادم المتطلب لكسب ملكية العقار فإذا كان الحائز حسن النية و كان له سند صحيح اكتسب ملكية العقار بالتقادم القصير (10 سنوات) أما إذا كان الحائز سيء النية أو لم يكن بيده سند صحيح فلا يكتسب الملكية إلا بعد مرور 15 سنة (تقادم طويل).
التصرف القانوني كمصدر للحق :التصرف القانوني هو أن تتجه الارادة الى إحداث أثر قانوني معين كعقد البيع أو الزواج مثلا و يشترط في التصرف القانوني توفر النية و التي هي استهداف غاية ما يترتب عليها تحقيق اثار قانونية يعقد بها القانون و هذا هو جوهر الاختلاف بين الواقعة القانونية و التصرف القانونية .
المطلب الاول : أنواع التصرفات القانونية:تتعدد التصرفات القانونية بتنوع موضوعها و نتناول فيما يلي أهم هذه التصرفات
01- قد يكون التصرف القانوني صادر عن جانبين و لا بد من تطايق إرادتي طرفيه كالبيع و الايجار أو صادرا من جانب واحد كالوصية إذ تتم بإرادة الموصي وحدها وكذا الهبة .
02- قد يكون التصرف القانوني منشء للحق كعقد الزواج الذي ينشئ حقوقا بين الزوجين لم تكن موجودة من قبل أو يكون ناقلا للحق فالحق يكون موجودا عند شخص يسمى السلف و ينقله التصرف القانوني الى شخص آخر يدعى الخلف و كذلك من التصرفات الناقلة : عقد البيع ، عقد الايجار ... و هذه التصرفات تنقل الحق العيني.
03- و قد يكون التصرف القانوني كاشفا أو مقررا للحق كالقسمة مثلا فالتصرف القانوني الكاشف لا ينشئ حقا و لكنه يقرره فقط ، فما هو إلا تعديل للعلاقات القانونية القائمة عن طريق إقرار حق كان موجودا من قبل.
04- و قد تكون التصرفات القانونية مضافة الى ما بعد الوفاة حيث لا تنفذ و لا يتم اكتساب الحقوق إلا بعد وفاة المتصرف فهي تصرفات مضافة الى بعد وفاته كالوصية .
- و تسود نظرية التصرف القانوني بغض النظر عن موضوع التصرف مبدأ سلطان الارادة و أساسه أن الارادة وحدها كافية لإنشاء تصرف قانوني لتحديد اثاره ، فالشخص يلتزم لأنه أراد الالتزام كما أنه يلتزم بالقدر الذي يريده فقط.
المطلب الثاني : شروط و آثار التصرف القانوني :
شروط التصرف القانوني : لكي يوجد التصرف القانوني و ينتج ىثار يجب أن تتوفر فيه شروط معينة منها ما هو موضوعي ومنها ما هو شكلي.
أ/الشروط الموضوعية : تلعب الارادة دورا فعالا في وجود التصرف القانوني لذا وجب أن يعب المتعاقد عن إرادته و أن يظهر نيته في ترتيب الاثر القانوني المراد و يتم التعبير عن الارادة صراحة بالكتابة أو باللفظ أو بالاشارة و قد يكون التعبير ضمنيا و يجب أن تكون الارادة موجودة وصادرة عن ذي أهلية و إنما يجب كذلك أن تكون خالية من العيوب و عيوب الارادة هي :
01/ الغلط : و هو توهم يصور للعاقد أمرا على خلاف الواقع فيحمله بذلك على التعاقد أو بعبارة أخرى هو وهم يتولد في ذهن المتعاقد يجعله يعتقد الامر على غير حقيقته
02/ التدليس : و هو تظليل المتعاقد باستعمال طرق احتيالية تدفعه الى التعاقد بحيث لولاها ما قبل بالتعاقد .
03/الإكراه : وهو ضغط يقع على المتعاقد فيبعث في نفسه رهبة تدفعه الى التعاقد.
04/الاستغلال : هو عدم التوازن بين ما يعطيه المتعاقد وقيمة ما يأخذه مما يترتب عليه عدم التوازن الاقتصادي
كما يشترط أن يكون محل التصرف ممكنا أي موجود فعلا و أن يكون معينا أو قابلا للتعيين ففي الحقوق الشخصية مثلا محل العقد يكون مثلا كالتعاقد ناد لكرة القدم مع لاعب لمدة معينة .
أما في الحقوق العينية فيحدد محلها سواء كان قيميا أو مثليا ففي الاشياء القيمية يجب تعيينها كالدار تتضح مساحتها و أبعادها و في المثليات تتعين الاشياء بجنسها و نوعها و مقدارها كما يشترط أن يكون المحل مشروعا و يقصد بهذا الشرط أن يكون الشيء محل الحق العيني مما يجوز التعامل فيه لأن بعض الاشياء غير قابلة للتعامل بحسب طبيعتها كأشعة الشمس مثلا و البعض الآخر يحظر القانون التعامل فيها كالمتاجرة بالمخدرات مثلا فالأشياء التي تخرج عن دائرة التعامل إما بحسب طبيعتها أو بحسب نص القانون لا تكون مشروعة و بالتالي لا تكونمحلا للعقد محلا للعقد قانونا.
الشروط الشكلية :هناك بعض التصرفات لا تكون صحيحة و لا يعتقد بها إلا إذا تمت في شكل معين فرضه المشرع أي اشترط تحريرها في الشكل الذي أورده القانون و هذا حماية للمتعاقدين و تخلف هذا الشكل يؤدي الى بطلان التصرف بطلانا مطلقا و هذا ما نصت عليه المادة 324 ق م زيادة عن العقود التي يأمر القانون بإخضاعها الى شكل رسمي يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية أو محلات تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية في شكل رسمي و يجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد
02/آثار التصرف القانوني :مبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين :تنص المادة 106 ق م على مايلي : «العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون» أي أنه متى توافرت الشروط الشكلية و الموضوعية المطلوبة في التصرف فإنه لا يجوز لأي من الطرفين العدول عنه إلا بموافقة الطرف الآخر .
مبدأ نسبية العقد :و يقضي هذا المبدأ بأنه لا يمكن للغير أن يكتسب حقا أو أن يتحمل التزام عن عقد لم يبرمه و أن أثار العقد تنتقل إلى الخلف العام لطرفي العقد إن لم يمنع ذلك الاتفاق أو القانون أو تحول طبيعة العقد دون ذلك كما تنتقل للخلف العام الحقوق دون الالتزامات التي تتحملها التركة دون الورثة تطبيقا لمبدأ لا تركه إلا بعد سداد الدين أما الالتزامات الشخصية التي التزم بها السلف فلا تلزم الخلف غلا إذا كانت متصلة بالحق الذي انتقل إليه و كانت من مستلزماته إما إذا كان الخلف خاص فيجب أن يكون عالما بها[2] .
ويبقى مبدأ نسبية العقد يحمي الغير الأجنبي عن العقد فلا يمكن العقد أن يلزم الغير إن كان من الممكن أن يكسبه حقا كما في حالة الاشتراط لمصلحة الغير .=
استعمال الحق
المطلب الأول: تطور نظرية التعسف في استعمال الحق
لقد لقيت نظرية التعسف في استعمال الحق رفضا من طرف أصحاب المذهب الفردي الذين كانوا لا يقبلون أن يرد على حق المالك في استعماله ملكه أي قيد إلا في حالة واحدة، وهي وجوب عدم مجاوزة المالك حدود حقه وقد كان هذا المذهب مسيطر على الفكر القانوني، وكان يرى أن استعمال الشخص لحقه يجب أن يكون مطلقا دون قيد، فالقاعدة عند أصحاب هذا المذهب هي أنه لا يمكن ان ينسب للشخص وهو يستعمل حقه أي خطأ. والحقيقة هي أن الصورة التي تقبلها هذا المذهب، وهي عدم مجاوزة حدود الحق لا تعتبر تعسفا في استعمال الحق، وإذا استعملها الشخص يدخل في نطاق يمنع عليه دخوله أصلا فهنا يعتبر العمل خطأ يلزم التعويض، فليس للشخص أن يتجاوز حدود ملكه أو يدخل ملكية جاره أو يبني عليها أو أن يغرس فيها .
وقد تأثر الفقيه الفرنسي بهذا المذهب، ففي بداية القرن 19 كان يعتبر الحقوق مطلقة ومن يعمل في حدود حقه لا يسأل مهما كان الضرر الذي يصيب الغير نتيجة ذلك فللشخص استعمال حقه كيفما شاء ولا يكون مسئولا عن الضرر الذي يلحقه للغير .
وكان الفقيه بلاتيول يعارض نظرية التعسف في استعمال الحق بشدة ويرى أنها تتناقص مع مضمون الحق إذ متى كان لشخص حق فلا يتصور أن يتعسف فيه وقدرة جوسران على بلاتيول بقوله: " إنك تخلط بين كلمة حق التي تعني Droit subjectif وكلمة Droit التي تعني القانون إذ من المتصور أن يكون للشخص حق موافقا لحق من الحقوق Droit subjectif ومخالفا للقانون في المجموعة، فالتعسف في استعمال الحق يستلزم وجود فعل يدخل في حدود مضمون الحق، فهو مشروع في ذاته وينقلب إلى فعل غير مشروع لانحراف في غرضه أو لأن نتيجته لا تتفق مع الغاية من الحق .
وتطورت فيما بعد نظرية التعسف في استعمال الحق ولقيت تأييدا لدى الفقه والقضاء الفرنسيين عموما، وبعد أن كان القضاء الفرنسي يشترط توافر الخطأ العمدي من طرف المتعسف أي أن يكون قد قصد الإضرار بالغير، فتطور وأصبح يعتبر الفعل تعسفا كلما ترتب عليه ضرر أصحاب الغير ولم تتوفر لصاحب الحق مصلحة من استعماله.
أما الفقهاء المسلمون فقد كانوا لا يؤيدون فكرة التعسف في استعمال الحق، إذ لا يمكن أن يكون الفعل غير مشروع إذا كان نتيجة ممارسة الشخص لحقه وفقا للمقولة :" الجواز الشرعي ينافي الضمان" ولكن ما لم لبثت الحال أن تطورت وترسمت نظرية التعسف في استعمال الحق، وأعطاها فقها. المسلمين منذ القرن السادس الهجري أوسع تصوير، وكانوا هم الرائدين في هذا المضمار وسبقوا في ذلك الشرائع الغربية إذ لم يقتصروا على صورة تعمد الإضرار بالغير، بل اعتبروا الفعل تعسفا كلما تخلفت المصلحة لدى صاحب الحق، وتجاوز الحدود المألوفة المتعارف عليها واهم تطبيقات ذلك مضار الجوار، فلا يتحمل الجار ما جاوز الحد المألوف من مضار الجوار .
المطلب الثاني : معايير التعسف في استعمال الحق وجزاؤه :
1- معايير التعسف في استعمال الحق :
يعتبر الشخص متعسفا في استعمال حقه إذا تحققت إحدى الصور التي نصت عليها المادة 41 مدني بما يلي " < يعتبر استعمال الحق تعسفا في الأحوال التالية :
-إذا وقع بقصد الإضرار بالغير.
-إذا كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير .
-إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة .>
ويستخلص من هذا النص أن معيار التعسف في استعمال الحق، إما أن يكون معيارا شخصيا وهذا ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة 41 مدني .
وإما أن يكون معيارا موضوعيا وهذا ما تضمنته الفقرتان الثانية والثالثة من نفس المادة كما يعتبر الضرر الفاحش الذي يلحق بالجار معيارا موضوعيا .
أ/المعيار الشخصي : قصد الإضرار بالغير :
يكون الشخص متعسفا إذا قصد الإضرار بالغير، كمن يبني خطأ في ملكه يقصد حجب النور عن جاره دون أن تتحقق له من ذلك أية فائدة، فهذا العمل يعد داخلا في إطار ملكه واستعمالا لحقه، ولكن إذا تم إثبات توافر قصد الأضرار بالغير أعتبر متعسفا في استعمال حقه و قصد الأضرار بالغير من أظهر صورة التعسف في استعمال الحق ، فالقانون لا يحمي شخصا قصد من فعله مجرد الإضرار بالغير، و لتحقق هذه الصورة يجب ألا يحقق العمل أية منفعة لصاحبه أو يحقق له منفعة تافهة و في كلتا الحالتين نستخلص نية الإضرار .
ب/المعيار الموضوعي :
إذا كان استعمال الحق يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير .
ففي هذه الحالة يعتبر الشخص متعسفا حتى و لو كانت له مصلحة في استعمال حقه على وجه معين، وذلك بالنظر إلى أن هذه المصلحة لا تتناسب مع الضرر الذي يصيب الغير، إذ تكون الفائدة قليلة بالنسبة للضرر.كمن يغرس أشجار عالية لتوفر نوع من الرطوبة، و يحجب بذلك النور عن جاره، و يمنعه من استعمال شرفته استعمالا مألوفا، فيكون متعسفا في استعمال حقه لأن المصلحة التي يسعى إليها و هي الحصول على الرطوبة قليلة الأهمية بالنسبة للضرر الذي يصيب الغير- و هو عدم استعمال الشرفة – و في نفس السياق تنص المادة 708/2 على ما يلي: << غير أنه ليس لمالك الحائط أن يهدمه مختازا دون عذر قانوني إن كان هذا يضر الجار الذي يستر ملكه بالحائط >>النص العربي خاطئ في كلمة (قانوني) و صحتها (قوي) كما ورد في النص الفرنسي فذه الصورة تقوم على أساس عدم التوازن بين المصالح المتضاربة لصاحب الحق والغير فكلما كانت فائدة صاحب الحق أقل من الضرر الذي يصيب الغير أعتبر متعسفا في استعمال حقه ولو لم يكن عدم التوازن نتيجة قصد الإضرار بالغير .
2- عدم مشروعية المصلحة : وذلك كاستعمال مالك المنزل لمنزله لغرض مخالف للنظام العام أو الداب العامة. وقد يكون المصلحة غير مشروعة بصفة غير مباشرة مثال رب العمل الذي يستعمل حقه في فصل عامل نتيجة انخراطه في نقابة من نقابات العمال، أو المؤجر الذي يطالب المستأجر بإخلاء العين المؤجرة بحجة حاجته للسكن فيها بعد إخفاقه في طلب زيادة الأجرة عما يسمح به القانون .وهناك من يرى أن هذا المعيار معيار شخصي لأن في هذه الصورة المصلحة غير المشروعة يتوفر فيها قصد الإضرار بالغير، إلا اني أرى أن القانون أقام التعسف في هذه الحالة على معيار موضوعي وهو عدم مشروعية المصلحة دون الاعتداد بنية المتعسف .
3-الضرر الفاحش: ويمكن إضافة الضرر الفاحش إلى المعايير السابقة،ولقد نص عليه المشرع في النصوص المتعلقة بمضار الجوار غير المألوفة، ويمكن اعتباره تطبيقا لأحكام الشريعة الإسلامية التي تقتضي بأن يعتبر استعمال الحق تعسفا إذا ألحق بالغير ضررا فاحشا. ومن تطبيقات الضرر الفاحش ما نصت عليه المادة 691 مدني بقولها: " يجب على المالك ألا يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار. وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف وعلى القاضي أن يراعى في ذلك العرف، وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الآخرين والغرض الذي خصصت له "
وتطبيقات الضرر الفاحش متعددة فيما يخص مضار الجوار إذ يعتد بالضرر الفاحش ولا ينظر إلى ينظر إلى مصلحة صاحب الحق حتى لو كانت جدية، فيجب الحد منها إذا لحق الغير ضررا فاحشا، في هذا الصدد تنص المادة 705 مدني على ما يلي: " للمالك إذا كانت له مصلحة جدية في تعلية الحائط المشترك ان يعليه بشرط ألا يلحق بشريكه ضررا بليغا…"
2) جزاء التعسف في استعمال الحق :
إن جزاء التعسف في استعمال الحق قد يكون جزاء وقائي وذلك إذ ظهر التعسف في استعمال الحق بصفة واضحة قبل تمامه، فيمكن منع صاحب الحق من الاستعمال التعسفي لحقه. أما في حالة حدوث التعسف فعلا فإنه يحكم على المتعسف بالتعويض لصالح المضرور كما قد يلزم كذلك بإزالة الضرر ذاته كلما كان ذلك ممكنا .
المطلب الثالث: أساس التعسف في استعمال الحق :
يجب تحديد ما إذا كان التعسف في استعمال الحق صورة من صور الخطأ التقصيري إذ يذهب الفقه والقضاء الفرنسيان الحديثان واغلب المؤلفين العرب إلى إدخال نظرية التعسف في استعمال الحق في نظام المسؤولية التقصيرية ويعتبر المتعسف قد ارتكب خطأ في استعمال حقه ويتحقق ذلك متى انحرف عن سلوك الرجل العادي وذلك سواء أكان الخطأ عمدي جسيما أم يسيرا غير انه يمكن الرد على هذا بأن التعسف قد يتحقق دون ان تتوافر مقومات الخطأ وذلك إذا ابتعد الشخص عن غاية الحق دون أن يكون مخطأ ولو بذل في استعمال في استعمال حقه الحيطة والتبصر التي يبذلها الرجل العادي.ويذهب البعض الآخر من الفقهاء إلى إبعاد التعسف عن مجال الخطأ التقصيري إذ أن نطاق التعسف أوسع من ذلك لأنه إذا كان من الممكن إقامة الصورة الأولى الواردة في المادة 41 التي يعتبر فيها الشخص متعسفا في استعمال حقه قصد الإضرار بالغير، على أساس الخطأ فيهما بل يمكن إقامة التعسف فيهما على أساس موضوعي فقط ويمكن كذلك تطبيق نفس الفكرة على مضار الجوار غير المألوفة .
ويلاحظ أن الفقه الفرنسي نفسه قد انتهى إلى أن التعسف لا يقوم على أساس الخطأ، بل يسأل الشخص عن الضرر الذي يلحقه بالجار ولو لم يكن مخطأ . ويرى الأستاذ علي سليمان أن: < التعسف في استعمال الحق قد استمد قوانيننا العربية من الشريعة الإسلامية أصلا، وهذه الشريعة لا تقيم المسؤولية في حالة التعدي على أساس الخطأ بل تنظر إليها نظرة موضوعية … فيعتبر التعسف في استعمال الحق مستقلا عن نظام المسؤولية التقصيرية ….>.
وعلى هذا الأساس أرى أن نطاق نظرية التعسف في استعمال الحق أوسع من نطاق المسؤولية التقصيرية ومن الأفضل اعتبارها تطبيقا لقواعد العدالة، فالمبالغة في الشيء حتى ولو كانت في إطار القانون، تؤدي إلى الفوضى وإلى مخالفة القانون لذا يجب تقييدها ومسائلة الشخص عنها إذا ترتب على هذه المبالغة في استعمال الحق ضررا للغير .
إثبــات الحــق :
المطلب الأول : المذاهب المختلفة في الإثبات :
الإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء، وقد يلزم القاضي بهذا الدليل كما يمكن يلتزم به، وقد يفرض القانون على المتقاضين تقديم دليل معين، كما قد تترك الحرية للقاضي في التحري وذلك وفقا لاعتماد مذهب من المذاهب المختلفة في الإثبات ما يلي أتعرض لها بالتفصيل الآتي :
أ-مذهب الإثبات المطلق : وتكون للقاضي وفقا لهذا المذهب سلطة واسعة في التحري عن الوقائع التي عليه، فيكون له دور فعال في تسيير الدعوى واستجماع الأدلة، فهو الذي عنها . ويعاب على هذا المذهب أنه يعطي سلطة واسعة وكبيرة للقاضي، مما قد يؤدي الإضرار بالمتقاضيين إذ يحتمل أن يتعرضوا لمفاجآت نتيجة اختلاف التقدير من إلى آخر ويقلل من الثقة في نظام الإثبات .
ب-مذهب الإثبات المقيد: قد بفرض المشرع للإثبات طرقا محددة، فلا يستطيع المتقاضى إقامة الدليل على حقه بغير الوسيلة التي حددها القانون، كما يكون القاضي كذلك ملزما بهذه الطرق، فهذا المذهب يقيد القاضي إلى أبعد الحدود ويحقق الانسجام في تقدير القضاة مما يترتب عليه استقرار المعاملات، إلا انه يؤخذ على هذا النظام أن الحقيقة القضائية لا تتفق أحيانا مع الحقيقة الفعلية أو الواقعية لأن القاضي والمتقاضين ملزمون بطرق محددة فلا يمكن إقامة الدليل على أمر واضح بغير الطرق التي حددها القانون .
ج-مذهب الإثبات المختلط :يأخذ هذا المذهب بالإثبات المقيد في مسائل معينة كالمسائل المدنية التي يتطلب المشرع إثباتها بالكتابة أما في المسائل المدنية التي تشترط الكتابة لإثباتها، فإثباتها يكون مطلقا إذ للقاضي تقدير شهادة الشهود أو القرائن القضائية وفقا لاقتناعه الشخصي، أما المسائل التجارية فيأخذ فيها بنظام الإثبات المطلق نظرا لما تتطلبه هذه المسائل من سرعة في التعامل،إذ يصعب إقامة الدليل عليها كتابة فلا يمكن تقييدها بأدلة معينة، وتأخذ معظم التشريعات –ومن بينها المشرع الجزائري – بالمذهب المختلط . وفي هذا المذهب المختلط يكون للقاضي موقف وسط، إذ قد يكون له مطلق الحرية في المسائل المدنية، إذ يستطيع من تلقاء نفسه الأمر بإجراء تحقيق في الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بالبيئة مثلا، كما أن له أن يوجه اليمين المتممة إلى أحد الخصوم من تلقاء نفسه أيضا. ويكون دور القاضي مقيدا وسلبيا كلما قيده القانون بأدلة معينة، كوجوب الاعتداء بالدليل الكتابي مثلا.
المطلب الثاني: عبء الإثـبات ومحـله :
1-عبء الإثبات: نستطيع أن نوجز الحديث عن عبء الإثبات في النقاط التالية :
-يقه عبء الإثبات على من يدعي وجود الحق ابتداء فمن يدعي إصابته بضرر من عمل غير مشروع يكون مكلفا بإثبات واقعة الفعل الضار بكافة الطرق، بأن يقدم للقاضي أدلة الضرر الذي لحقه، وأدلة الخطأ الذي وقع من جانب المدعي عليه، وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.
-وفي حالة دفع الإدعاء من جانب المدعي عليه يقع على الأخير عبء الإثبات كما لو أدعى الوفاء بالدين الثابت بالكتابة مثلا يلتزم بتقديم ما يثبت الوفاء كتابة لأنه في هذه الحالة يعتبر مدعيا ببراءة ذمته من ذلك الدين، ونفس الشيء بالنسبة للمدعي عليه الذي ينكر وقوع خطـأ منه أو ينكر رابطة السببية بين سلوكه والضرر الذي أصاب المدعي في دعوى الفعل الضار.
-يعفى المدعي من إثبات خطأ المدعي عليه في الخطأ المفترض بقرينة قانونية، كما هو الحال في المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير، مثل الإضرار التي تقع من عديمي أو ناقص الأهلية، او الحيوان، أو من الآلة، أو من صاحب البناء .. فالمسؤول عن الرعاية والحاسة في تلك الحالات، وكذلك المتبوع المسئول فرضا عن خطأ تابعه، في جميع هذه الأحوال لا يكلف المدعي بإثبات أوجه الخطأ في السلوك الضار وإنما يكفيه إثبات الضرر وارتباطه بالسلوك الضار دوريا يكلف بإثبات الخطأ في سلوك من قام بالفعل الضار.
-في حالات الخطأ المفترض إذا أراد المدعي عليه بالتعويض المدعي أن ينفي مسئوليته عن الحادث الضار فعليه يقع إثبات العكس في المسئولية التقصيرية عن فعل الغير دائما
-وإذا وجدت قرينة قانونية في حالات الخطأ واجب الإثبات وكانت مقررة لصالح أحد الخصوم فإنه يعفى من إثبات الواقعة المتعلقة بها وعلى الخصم الأخر يقع عبء إثبات عكس تلك القرينة القانونية .ومثال ذلك إذا قدم المستأجر مخالصة عن الوفاء بأجرة الشهر الرابع من هذا العام تعتبر قرينة قانونية على سداد الأجرة المستحقة من قبل عن العين المؤجرة له، ويعفى من إثبات الوفاء بالأجرة عن الشهور السابقة، وينتقل عبء الإثبات إلى المؤجر لكي يدلل على عدم الوفاء حتى يثبت العكس وهو أمر صعب دائما
-بعض التشريعات ينص على القواعد الموضوعية للإثبات في صلب القانون المدني وينص على الشكلية للإثبات (الإجرائية) في قانون الإجراءات المدنية والتجارية (قانون المرافعات)… في حين يذهب بعض التشريعات إلى النص على قواعد الإثبات بنوعيها في قانون الإجراءات المدنية …. وتذهب التشريعات الأخرى إلى إصدار قانون مستقل للإثبات يجمع القواعد الموضوعية والإجرائية للإثبات معا . ويهمنا بأن نبيت ان التشريع الجزائري أخذ بالنظام الأول فنص على القواعد الشكلية في قانون الإجراءات المدنية .
2-محل الإثبات : يقصد بمحل الإثبات تلك الواقعة القانونية المنشئة للحق لأنها هي مصدر الحق وبإثبات المصدر يثبت نشوء الحق ووجوده وسوف نتكلم عن محل الإثبات في الواقعة المادية وفي التصرف القانوني .
الواقعة المادية لقانون: سبق القول أن الواقعة المادية القانونية قد تكون من فعل الطبيعة وحدها ولا دخل للإنسان في إحداثها كالولادة وقد تكون الواقعة المادية قانونية أيضا يترتب عليها القانون أثار معينة وهي من عمل الإنسان كالعمل الضار وغير المشروع كالجريمة، وكلما كانت الواقعة المادية مصدر للحق المتنازع عليه كانت هذه الواقعة بالذات هي محل الإثبات أمام القضاء أي تكون هي ما ينبغي إقامة الدليل على إثباته حتى وجود الحق ويشترط في الواقعة المادية القانونية التي تكون محل للإثبات شروط هي :
1-أن تكون متعلقة بالدعوى : ومؤدي هذا الشرط أن تكون الواقعة المراد لها علاقة بالحق موضوع النزاع والبداهة لا لزوم لإثبات واقعة لا تتعلق بموضوع الحق المتنازع عليه أمام القضاء.
2-يجب أن تكون الواقعة منتجة في الإثبات : يقصد بهذا أن تكون الواقعة مقنعة للقاضيين ولو في أحد عناصرها، وفي هذا الصدد تنص المادة 64 إجراءات مدنية يجوز الأمر بالتحقيق لإثبات الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بشهادة الشهود والتي يكون المحقق فيها حيادي ومنتحا في الدعوى .
3-أن تكون جائزة القيود: المقصود في الشرط أن تكون الواقعة المراد إثباتها على فرض صحتها وإمكان ثبوتها، ويجوز للمحكمة قبولها كدليل في الدعوى قضائية فلو تصورنا أن محل الحق المدعي به من الإثبات الخارجة عن دائرة التعامل ويحرم التعامل فيها كالنقد ،ففي هذه الحالات تكون الواقعة المراد إثباتها غير جائزة القبول قانونيا أمام المحكمة
2/التصرف القانوني : سبق أن عرفنا بأن التصرفات القانونية هي المصادر الإدارية للحقوق لأن نشوء الحق وقيامه يتوقف على إرادة الشخص سواء في العقود التبادلية أو في التصرفات بإرادة منفردة، وبهذا تختلف التصرفات القانونية عن الوقائع المادية القانونية، حتى تلك الوقائع المادية التي تكون بفعل الشخص ذاته في الأعمال الضارة وغير المشروعة كالجرائم وأشباه الجرائم بل وحتى في الجرائم العمدية، لأننا كما ذكرنا من قبل أنه حتى في الجرائم العمدية التي يرتكبها الجاني بإرادته الحرة ويتوافر لديه القصد الجاني ونية الإجرام تكون الجريمة ذاتها عمدية أي إرادية ولكن حق المجني عليه أو ذويه في التعويض عن الضرر الناشئ عنها ذلك الحق يرتبه القانون على فعله الضار دون أن يكون للمجرم إرادة للحقوق الناشئة ولهذا تعتبر الجرائم أعمالا غير مشروعة وتعتبر مصادر غير إرادية للحقوق الناشئة عنها في حين أن الجرائم عمدية كما قلنا فالعبرة بنشأة الحق رغم إرادة الملتزم به. والتصرفات القانونية باعتبارها مصادر إرادية للحقوق تختلف أيضا عن الواقع المادية من حيث الإثبات، وذلك لأن مصادر الحقوق هي العقود وهي من صنع الأشخاص مع توافر الإرادة الصحيحة للأشخاص وتلك الإرادات الحرة هي محور العقود المنشئة للحقوق. ولهذا نجد المشرع غالبا يستلزم لإثبات الحقوق العقدية دليلا معينا هو الإثبات بالكتابة بحسب الأصل كقاعدة عامة. ولكن لهذه القاعدة استثناء ان في القانون المدني الجزائري نصت عليهما المادة 333 بقولها أن التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن 1000 دج أو تكون قيمتها غير محددة، لا تثبت بشهادة الشهود ولابد من أن تكون ثابتة بالكتابة وذلك فيما عدا المعاملات التجارية. ومعنى ذلك أنه يستثني من قاعدة إثبات الحقوق بالكتابة في العقود حالتان :
أ-الحالة الأولى: المعاملات التجارية لأنها تقوم على عنصري الثقة والسرعة معا.
ب-الحالة الثانية: هي التصرفات القانونية التي تكون قيمتها 1000 دج فأقل سواء كانت التصرفات منشئة للحق أو كان يترتب عليها انقضاء ذلك الحق .
المطلب الثالث: طريق الإثبات :
تنص التشريعات عادة على طرق الإثبات ووسائله، وفي بعض الحالات تحدد الأدلة التي يجب تقديمها للقضاء في دعاوى معينة، وبالتالي تعتبر وحدها جائزة القبول دون غيرها. وبوجه عام يمكن حصر أهم وسائل الإثبات أمام القضاء فيما يلي:
1- الكتابة .
2- شهادة الشهود (البينات).
3- القرائن القانونية.
4- حجية الشيء المقضي به .
5- الإقرار (الإعتراف).
6- اليمين .
7- المعاينة .
8- تقارير الخبراء.
وسنتكلم بإيجاز عن كل وسيلة من وسائل الإثبات فيما يلي :
أولا: الكــتابـة :
تعتبر الكتابة من أهم طرق الإثبات في عهدها الحاضر ، و لقد مر بنا أن المادة 333 مدني جزائري تضمنت حكما مؤداه أنه في غير المسائل التجارية لا يجوز الإثبات إلا بالكتابة سواء لإثبات وجود الحق أو لإثبات الوفاء به انقضاءه لأي سبب آخر تجاوزت قيمة التعرف القانوني ألف دينار جزائري أو كانت القيمة غير محددة .
و بمفهوم المخالفة لهذا النص نستطيع القول بأنه المعاملات التجارية المدنية التي تكون قيمتها ألف دينار فأقل، و كذلك في المعاملات التجارية عامة مهما كان حجمها أو قيمتها، فالإثبات جائز و يكون مقبولا أمام القضاء بكافة و سائله بغير الكتابة، كشهادة الشهود و المحادثات الهاتفية و غيرها ومن البديهي أن الكتابة تصلح وسيلة للإثبات في المواد التجارية وفي المواد المدنية إذا كانت 1000 دينار فأقل و ذلك من باب أولى.
و الكتابة نوعان كتابة رسمية و كتابة عرفية . فالكتابة الرسمية يقصد بها ما تكون من عمل موظف رسمي مختص كما هو الحال في عقود الرهن الرسمي. أما الكتابة العرفية فهي التي يقوم بها الأفراد فيما بينهم دون تدخل موظف رسمي و لكل من النوعين حجية خاصة كدليل للإثبات بحسب نصوص القانون .
ثانيا: شهادة الشهود(البينات): يقصد بشهادة الشهود، الأقوال التي يدلى بها الأشخاص في ساحات القضاء بشأن إثبات أو نفي واقعة قانونية أيا كان نوعها .
و لهذا نقول بأن الشهود نوعان، شهود إثبات و شهود نفي، و للمحكمة أن تستمع إلى الشهود دائما سواء كانوا للنفي أو للإثبات لكي تتجلى الحقيقية .
و تقبل شهادة الشهود كدليل إثبات في المواد التجارية عموما ، و كذلك في المواد المدنية في حدود الألف دينار لا أكثر كما عرفنا من مضمون المادة 333 مدني، ما لم يوجد نص قانوني بخلاف ذلك .
ولكن الشهادات أي البيانات أيا كان نوعها و أيا كان الأشخاص الذين يؤدون الشهادة لا تكون ملزمة للقاضي بل تخضع لتقديره. فله أن يقبل شهادة واحد من الشهود كدليل إثبات أو نفي يقنع به و يرفض شهادتين متضاربتين، في نفس الدعوى و نفس الموضوع .
ثالثا: القرائن القانونية والقضائية : القرينة القانونية التي ينص المشرع عليها كدليل إثبات تعفي من تقررت صالحه من عبء الإثبات، ومن أمثلتها قرينة الوفاء بالأقساط السابقة عند ثبوت الوفاء بقسط الأجرة اللاحق وعلى ذلك نصت المادة 449 مدني بقولها:
" الوفاء بقسط من الاجرة يعتبر قرينة الوفاء بالاقساط السابقة حتى يقوم الدليل على عكس ذلك" . وتفسير ذلك أنه في دعوى المطالبة بإيجار المعين إذا قدم المستأجر ما يفيد قيامه بسداد الإيجار عن الشهر الرابع من العام الحالي مثلا يعتبر ذلك قرينة على سداد جميع الأقساط السابقة على ذلك التاريخ، وعلى المؤجر ان يثبت العكس إذا أراد أي أنه يصبح الملزم بالإثبات. أما القرائن القضائية فيقصد بها كل ما يستخلصه القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول فهي أدلة استنتاجية، ولهذا يجوز للطرف الآخر أن يثبت العكس إذا مكنه من ذلك . وجرى العرف القانوني على أن القرينة أي كان نوعها فهي أدنى من مستوى الدليل في مجال الإثبات أي لا ترقى إلى قيمته في نطاق الإثبات القضائي ومعنى ذلك أن القرينة تحتاج إلى قرينة أخرى تسندها كدليل إثبات، بينما الدليل يكون بمرده كافيا لإثبات الواقعة القانونية أو نفيها .
رابعا: حجية الشيء المقضي به : الحكم النهائي الفاصل في موضوع الدعوى يعتبر عنوانا للحقيقة والعدالة في نفس الوقت. ولذلك تكون له حجيته في مواجهة الكافة أي بالنسبة لأطراف الخصومة ولغيرهم من الناس ولهذا يعبر عن الحكم النهائي في الدعوى بأنه حجة قضائية وأن له قوة الشيء المقضي. لذلك يعتبر الحكم النهائي سببا من أسباب انقضاء الدعوى، بل هو السبب الطبيعي والعادي لانتهاء الدعاوى، فهو خاتمة مراحل الدعوى وهو الذي يحسم المنازعات القضائية أيا كان نوعها. ويصدر الحكم النهائي لا يجوز إعادة رفع النزاع إلى أي جهة قضائية أخرى طالما لم يتغير أطراف الدعوى ومحلها وسببها. ويمكن الاحتجاج بالحكم القضائي النهائي كدليل على صحة ما جاء فيه واستخدام هذا الحكم كدليل للإثبات في دعوى قضائية أخرى لحسم نزاع يتصل بالنزاع الذي فصل فيه نهائيا .
خامسا: الإقرار القضائي : من المبادئ المقررة في الفقه القانوني ان الإقرار القضائي يعتبر سيد الأدلة في الإثبات أمام الجهات القضائية، والإقرار القضائي بقصد به اعتراف المدعي عليه بصحة الواقعة القانونية المدعي بها. ولهذا نقول إذا أقر المدعي عليه امام المحكمة بمديونيته بالحق المدعي به عليه، كان هذا الإقرار من جانبه دليلا على ثبوت حق المدعي. ولا تجوز تجزئة الإقرار بل يتوجب على القاضي في هذه الحالة الحكم لصالح المدعي، والإقرار دليل قاطع في الإثبات، اما في المواد الجنائية فقد نصت المادة 213 إجراءات جزائية على ما يأتي " الاعتراف شأنه كشأن جميع عناصر الإثبات يترك لحرية تقدير القاضي" . ولاشك ان المشرع يقصد بهذا النص الواضح ان يخول القاضي حق تحري الحقيقة لتحقيق العدالة فله ان يلتفت عن الاعتراف القضائي إذا كان غير صحيح أو كان نتيجة إكراه مادي او معنوي. اما إذا كان الاعتراف لا يشوبه عيب فإنه يعتبر دليلا متميزا في الإثبات القضائي .
سادسا: الـيمـيـن : يقصد باليمين أداء القسم، أي يحلف الشخص بالله العظيم أن يقول الحق ولا شيء غير الحق، وإلا تعتبر شهادته باطلة قانونا، وجرى العمل ان يؤدى الشهود اليمين القانونية قبل إبداء أقوالهم أمام المحكمة، كما يقسم أيضا المترجمون والخبراء وغيرهم ممن يبدون أراءهم في حالات انتداب الخبراء، وذلك للتأكيد من أنهم سيؤدون شهاداتهم بالحق والصدق. والخصوم أيضا قد يؤدون اليمين كوسيلة من وسائل الإثبات مع ملاحظة أن اليمين نوعان: اليمين المتممة ، واليمين الحاسمة .
واليمين المتممة هي التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي أطراف الخصومة في الدعوى بغرض اتمام اقتناعه بقرينة معينة، وهذه اليمين المتممة لا أثر لها، لأن القاضي له أن يأخذ بها وله ان يلتفت عنها حتى بعد قيام الخصم بحلف اليمين. ومن المعلوم ان للخصم ان يحلف اليمين المتممة إذا طلبها القاضي وله أن يمتنع عن أداء اليمين، حيث لا يتقرر حتما بأدائها أو النكول عنها حسم النزاع إيجابيا أو سلبيا.
أمت اليمين الحاسمة فهي التي يوجهها الخصم المدعي للمدعي عليه، عندما يعجز عن إثبات حقه الذي يدعيه، ويطلب منه ان يقسم على صحة ما يدعي به عليه أو عدم صحته، وبحسب نص القانون تحسم هذه اليمين النزاع. بحيث لو أداها المدعي عليه وقرر عدم صحة الإدعاء المقام ضده فإن المدعي يخسر دعواه، أما إذا امتنع المدعي عليه من حلف اليمين الحاسمة فإن المدعي يربح دعواه، حيث يعتبر ذلك دليل إثبات على صحة ما ادعاه.وفي المواد الجنائية لا يحلف المدعي المدني اليمين، ولا يعتبر شاهدا لأنه يعتبر خصما حتى ولو كان هو المجني عليه، مع أنه في حالة عدم ادعائه مدنيا يعتبر شاهد الإثبات الأول في الدعوى العمومية ويحلف اليمين باعتباره شاهدا .
سابعا: المعـايـنة : يقصد بالمعاينة الانتقال إلى مكان النزاع لمشاهدته على الطبيعة بقصد التوصل إلى معرفة الحقيقة والفصل في الدعوى على ضوء نتيجة المعاينة. وقد تنتقل المحكمة بهيئتها القضائية لإجراء المعاينة إذا كانت هناك مبررات وذلك لاستجلاء الملابسات الغامضة في موضوع النزاع، وللمعاينة أثر بالغ في استظهار الحقائق. وقد تضمن قانون الإجراءات المدنية الجزائري النص على أنه يجوز لقاضي المحكمة أن يأمر من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم بالانتقال للمعاينة. وأنه يجوز للقاضي ان يستصحب من يختاره من أهل الخبرة للاستعانة به عند إجراء المعاينة والاسترشاد بخبرته الفنية في موضوع النزاع. كما أجاز المشرع للقاضي أثناء إجراء المعاينة ان يسمع الشهود الذين يرى لزوما لسماع شهاداتهم بعين المكان. ويجب أن يحرر محضر بالمعاينة ويوقع عليه القاضي ومن كاتب الجلسة وتثبت فيه إجراءات المعاينة وما يثبت منها، على ان يودع هذا المحضر بملف الدعوى.كما نص المشرع على أن مصروفات الانتقال للمعاينة تضاف إلى مصروفات الدعوى .
ثامنا: تقارير الخبراء : كثيرا ما يلجأ القضاة إلى الاستعانة بأهل الخبرة من أطباء أو مهندسين او فنيين، لإجراء الفحص والبحث والتحليل في الدعاوى التي تثار فيها مشاكل تقنية مثل مضاهاة الخطوط عند الادعاء بتزوير المحررات وتكون لتقارير أولئك الخبراء أهمية قانونية كقرائن او أدلة في الإثبات القضائي. وقد نظم المشرع في قانون الإجراءات المدنية قواعد الاستعانة بالخبراء أمام المحاكم وأجاز للقاضي أن يستعين بخبير أو بعدد من الخبراء لاجراء أعمال الخبرة في الدعوى المطروحة عليه، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم. وللقاضي أن يختار هؤلاء الخبراء من بين المقيدين بجدول الخبراء بالمجلس القضائي أو من غيرهم بشرط ان يحلفوا اليمين القانونية. ويلتزم الخبراء بتقديم تقاريرهم عن المهام التي كلفوا بها من قبل المحكمة في الآجال التي يحددها لهم القاضي الذي انتدبهمن ويجوز للقاضي مناقشتهم في المحكمة لاستجلاء ما كان غامضا في تلك التقارير. وبهذا نكون قد استكملنا باب اثبات الحق وننتقل إلى الباب الخامس والأخير لكي نبحث زوال الحق أي انقضاء الحق .
مكتبة الكـــــوثر من إعـــــداد عزوزي يوسف بن قويدر علي ميلود رقيعة
منقول
hadia369
2013-01-28, 23:46
ج-من حيث الجزاء------
جزاء مخالفة قواعد الاخلاق تانيب الضمير واستنكار الناس اما جزاء مخالفة قواعد القانون فيتخذ صورةالقهر والاجبار ( جزاء مادي)
تعريف القانون العام :
هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين طرفين يكون احداهما او كلاهما ممن يملكون السلطة او السيادة ويتصرفون بهذه الصفة
---------فروع القانون العام--------------
1-القانون العام الخارجي:
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول في زمن السلم وزمن الحرب كما تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية من حيث اختصاص كل منظمة وحقوق وواجبات الدول تجاه هذه المنظمات.
2-القانون العام الداخلي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات القانونية بين الدولة او احد فروعها وبين الاشخاص الطبيعيين او المعنويين عندما تتصرف باعتبارها صاحبة السلطة او السيادة.
فروع القانون العام الداخلي
القانون الدستوري
هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة وتحدد السلطات العامة واختصاص كل منها كما تبين الحقوق العامة والسياسية والواجبات العامة للمواطن والحريات الفردية والجماعية وبذالك يعتبر القانون الدستوري القانون الاساسي للدولة
القانون الادراي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم نشاط السلطة التنفيذية اثناء تادية وظائفها الادراية وتبين كيفية ادارتها للمرافق العامة
القانون المالي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم مالية الدولة كما تبين النفقات العامة (التسيير والتجهيز)والايرادات العامة (الضرائب والرسوم) للدولة.
القانون الجنائي
هو مجموعة القواعد القانونية الموضوعية والاجرائية في مجالي تعريف القاعدة القانونية
القاعدة القانونية هي خطاب موجه للاشخاص يامرهم بفعل شيئ او النهي عنه وتتمثل وظيفتها في تنظيم العلاقات بين الاشخاص
----خصائص القاعدة القانونية-------
قواعد سلوك تحكم الروابط الاجتماعية
قواعد عامة
قواعد ملزمة
----انواع القاعدة القانونية-----
القواعد الامرة
القواعد المكملة
-----تعريف القانون------
لغة فان كلمة يونانية الاصل وتعني العصا المستقيمة اي الاستقامة
-----المعنى العام-------
هو مجموعة القواعد القانونية الملزمة التي تحكم سلوك الافراد وعلاقاتهم في المجتمع وهو يحدد النظام الذي تتم من خلاله مختلف علاقات الافراد وسلوكهم
-----المعنى الخاص--------
هو مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التسريعية لتنظيم امر معين.
-----القانون والحق-------
يحدد القانون المصالح المشروعة لكل شخص ويظبط سلطة القيام ببعض الاعمال تحقيقا لهذه المصالح المشروعة بالحقوق
تتولد الحقوق عن القانون الذي يبين اطارها وحدودها ويوفر لها الحماية
-----القانون والاخلاق------
ا-من حيث المضمون------
تشترك الاخلاق مع القانون في واجبات الشخص نحو غيره حيث نجد اوامر ونواهي القانون هي نفسها اوامر ونواهي خلقية
ب-من حيث الغاية------
غاية الاخلاق مثالية تهدف الى تربية الانسان الفاضل ولتحقيق هذه الغاية تتنوع الواجبات الخلقية اما القانون فيهدف الى غاية عملية واقعية تتمثل في المحافظة على النظام في المجتمع وتحقيق العدل والمساواة بين الناس
ج-من حيث الجزاء------
جزاء مخالفة قواعد الاخلاق تانيب الضمير واستنكار الناس اما جزاء مخالفة قواعد القانون فيتخذ صورةالقهر والاجبار ( جزاء مادي)
تعريف القانون العام :
هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين طرفين يكون احداهما او كلاهما ممن يملكون السلطة او السيادة ويتصرفون بهذه الصفة
---------فروع القانون العام--------------
1-القانون العام الخارجي:
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول في زمن السلم وزمن الحرب كما تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية من حيث اختصاص كل منظمة وحقوق وواجبات الدول تجاه هذه المنظمات.
2-القانون العام الداخلي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات القانونية بين الدولة او احد فروعها وبين الاشخاص الطبيعيين او المعنويين عندما تتصرف باعتبارها صاحبة السلطة او السيادة.
فروع القانون العام الداخلي
القانون الدستوري
هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة وتحدد السلطات العامة واختصاص كل منها كما تبين الحقوق العامة والسياسية والواجبات العامة للمواطن والحريات الفردية والجماعية وبذالك يعتبر القانون الدستوري القانون الاساسي للدولة
القانون الادراي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم نشاط السلطة التنفيذية اثناء تادية وظائفها الادراية وتبين كيفية ادارتها للمرافق العامة
القانون المالي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم مالية الدولة كما تبين النفقات العامة (التسيير والتجهيز)والايرادات العامة (الضرائب والرسوم) للدولة.
القانون الجنائي
هو مجموعة القواعد القانونية الموضوعية والاجرائية في مجالي التجريم والعقاب ( لاجريمة ولاعقوبة بدون نص)
قانون العقوبات
يتضمن القواعد القانونية التي تبين الجرائم المختلفة والعقوبات المقررة لها وشروط المسؤولية الجنائية
قانون الاجراءات الجنائية
مجموعة القواعد القانونية التي تبين الاجراءات التي تتبع في ضبط الجرائم والتحقيق فيها ومن ثم اصدار الاحكام على المتهمين
القانون الخاص
مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الناشئة بين طرفين او اكثر سواء كانوا اشخاصا معنويين او اشخاص طبيعيين ولايعمل اي منهما بصفة صلحب السيادة على الاخر
فروعه
القانون المدني
القانون التجاري
قانون الاجراءات المدنية
القانون الدولي الخاص
الدرس الثالث
المصادر الرسمية للقانون
1-التشريع .تعريفه هو مصدر رسمي للقانون الجزائري ويقصد به وضع القواعد القانونية المكتوبة بواسطة السلطة المختصة بذالك
انواعه:
التشريع الاساسي :هو الدستور وهو اعلى التشريعات درجة في الدولة حيث يشتمل على مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم السلطات العامة فيها واختصاص كل منها وعلاقتها ببعضها البعض
التشريع العادي: هو مجموعة القواعد القانونية التي تسنها السلطة التشريعية في الدولة في حدود اختصاصها المحدد لها في الدستور وله صورتين التقنين التجاري والمدني
مراحل التشريع العادي:
مرحلة اقتراح التشريع
مرحلة الفحص
مرحلةموافقة الهيئة التشريعية
مراحل نفاذ التشريع العادي
مرحلة اصدار التشريع
مرحلة نشر التشريع
تعريف التشريع باوامر :
هو تشريع عادي لكنه يوضع لمواجهة حالة من الحالات التي تقتضي سرعة اصداره
التشريع الفرعي( اللوائح)
تعريفه: يقصد يه اللوائح التي تختص السلطة التنفيذية بوصفها في حدود اختصاصها الذي يبينه الدستور وهي 3 انواع
اللوائح التنفيذية وتصفها السلطة التنفيذية وتتضمن القواعد التفصيلية لتنفيذ التشريع العادي
اللوائح التنظيمية وهي اللوائح التي تصفها السلطة التنفيذية اتنظيم المصالح والمرافق العامة
لوائح الضبط وهي الللوائح التي تضعها السلطة التنفيذية بهدف المحافظة على الامن العام والمحافظة على الصحة العامةولوائح تنظيم المرور.....
2-مبادئ الشريعة الاسلامية يقصد بها تلك المبادئ المشتركة المستخلصة من القران والسنة المتفق على احكامها في المذاهب الفقهية وتتضمن السنة القران الاجماع القياس
3-العرف: هو تكرار سلوك الناس في مسالة ما بطريقة معينة مع الاعتقاد بان هذا السلوك ملزم لهم قانونا
عناصره:
العنصر المادي: هو تكرار سلوك الناس في مسالة ما بطريقة معينة وخلال مدة طويلة من الزمن وبصفة مستمرة
العنصر المعنوي: هو اعتقاد الناس واحساسهم وشعورهم بان العادة التي اعتادو عليهاملزمة لهم قانونا ويتعين عليهم طاعتها
4-مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
مبادئ القانون الطبيعي:
يقصد بها مجموعة المبادئ والمثل العليا التي يسلم العقل الانساني السليم بضرورتها اتنظيم العلاقات بين الافراد
قواعد العدالة
تعتبر قواعد مرتة ونسيبة تختلفمن شخص الى اخر ومن مكان وزمان الى اخر والعدالة تعني بصفة عامة المساواة في الحكم
المصادر التفسيرية
تتمثل في احكام القضاء واراء الفقه ولايعتد بها كمصادر انشائية للقانون ولايلتزم القاضي بها في اصداره للاحكام
القضاء
هو مايصدر عن المحاكم على اختلاف درجاتها من احكام في الدعاوي التي تعرض عليها تطبيقا لنصوص القانون
الفق
hadia369
2013-01-28, 23:54
محاضرات في القانون الجنائي العام
الأحكام العامة لقانون العقوبات والنظرية العامة للجريمة
مقدمــــــة
يعد قانون العقوبات من أهم القوانين التي تستعين بها الدولة في فرض الانضباط والأمن داخل المجتمع، على اعتباره القانون المتضمن لأشد أنواع الجزاءات القانونية وأكثرها لتحقيق فكرة الدرع العام قبل الردع الخاص. وكانت لهذا القانون ذات الأهمية حتى قبل ظهور الدولة، باعتباره من أقدم فروع القانون والذي وجد مع وجود الجماعات البشرية الأولى، وصاحب مختلف مراحل تطورها، وبذلك اتسم في كل مرة بسمات المرحلة التي تطبع النظام المتبع في المجتمع، بجوانبه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، حيث في كل مرة كانت تجد فيه الجماعات المكلفة بالحكم – أيا كان نوعها- الوسيلة المثلى لفرض سياستها وأهدافها، وكذا الحفاظ على مصالحها. والسبب الذي جعل هذا الفرع القانوني الهام يحتل مثل هذه المكانة، ومثل هذه الدرجة من الأهمية، راجع بالأساس إلى الجزاء الذي تتضمنه قواعده، باعتبارها جزاءات تصيب الشخص المكلف في حياته أو حريته، وأقلها أن تصيبه في ماله، وبذلك كانت عبارة عن وسائل قهر وإلزام وردع، ووسيلة في يد السلطة الحاكمة في فرض رؤاها في كيفية سير الأفراد والجماعات. وعلى إثر ذلك ضم هذا الفرع القانوني في ثناياه نوعين من الأحكام، أحكام تجريمية وأخرى عقابية، وأن دراسته دراسة وافية تقتضي الإلمام بهما معا، بالنظر للتلازم الموجود بين النوعين أو الشقين من الأحكام. وبهذا فإنه من البديهي أن دراسة القانون الجنائي العام، تقتضي دراسة النظرية العامة للتجريم، والنظرية العامة للجزاء
( الجريمة والجزاء)، وهي المسألة الأولى التي تعطي لقانون العقوبات خاصته الأولى المتمثلة في تضمنه لعلمين، هما علم الإجرام وعلم العقاب، الذي يستدعي في كرة مرة الإلمام بالعلوم الجنائية لفهم أبعاد القانون الجنائي. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، تطبيق القانون الجنائي يستدعي نوعا آخر مخالف تماما للقواعد السابقة، التي تعد في جوهرها قواعد موضوعية، وهذا النوع الآخر هو القواعد الإجرائية، والتي تشكل في ذاتها فرعا قانونيا آخرا، وهو قانون الإجراءات الجنائية مع ما يتسم به من خصوصيات، وما يحكمه من مبادئ، والذي يعد وسيلة تفعيل وتطبيق القانون الجنائي بشقيه العام والخاص، والذي بدونه لا مجال للحديث عن دور وأهمية القسم العام، وهذا الأمر يجعلنا أمام مشكلة أخرى، وهي أن دراسة هذا الفرع القانوني في قسمه العام يقود بداهة لدراسة جوانبه الإجرائية، الأمر الذي يزيد دراستنا تشعبا وتوسعا. ويجعل الدارس والمدرس لهذا الفرع القانوني أمام ثلاثة فروع قانونية، النظرية العامة للجريمة، النظرية العامة للجزاء، وقانون الإجراءات الجزائية. والأكثر من ذلك، الفروع الثلاثة السابقة تستعدي أيضا الإحاطة بفرع قانوني آخر يتعلق بنظرية تنفيذ الجزاء، وهو المحكوم في الجزائر بقانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين، والموضع السليم لدرسته هو النظرية العامة للجزاء الجنائي.
والغريب في الأمر أن دراسة هذه الفروع في مجملها مقررة لطلبة السنة الثانية، في حين القسم الخاص للقانون الجنائي – وفي جزء منه فقط- مقرر لطلبة السنة الثالثة، وهي مسألة نرى وجوب إعادة النظر فيها. غير أن ذلك لا يمنعنا من محاولة تقديم هذه المحاضرات بنوع من الشرح والتفصيل، معتمدين أسلوبا نتجنب من خلاله التفصيل الممل وكذا الاختصار المخل، خدمة وإعانة للطالب في استيعابه لمضامين وأبعاد هذا الفرع القانوني الهام من فروع القانون، ونخصص هذه المطبوعة أولا للنظرية العامة للجريمة والتي لا غنى فيها عن تناول الأحكام العامة لقانون العقوبات ذاته، لنتبعها – بعون الله- بمطبوعة أخرى نخصصها للنظرية العامة للجزاء الجنائي، وثالثة نخصصها للشرح أحكام قانون الإجراءات الجزائية، علها تكون عونا مفيدا لطالب السنة الثانية حقوق.
هذا وننبه مسبقا، بأننا سنعمد وفي كثير من الأحيان، إلى الإشارة للخلاف الفقهي الذي قد يشوب فكرة من أفكار هذا القانون في هوامش هذه الدراسة، والتي ننصح في كل مرة الاطلاع عليها وأخذ فكرة عنها، على اعتبار متن الموضوع يخصص فقط لما استقر عليه الفقه في الغالب، أو لما تبناه التشريع المعاصر، مركزين على القانون الجزائري والإشارة في كل مرة تقضي فيه المسألة ذلكن إلى القانون المقارن. كما نشير في آخر الدراسة إلى أهم المراجع المعتمد عليها في إعداد هذه المحاضرات، دون إدراجها في موضعها على النحو الذي يقتضيه إعداد البحوث الأكاديمية، وذلك تقتضيه ظروف أخرى متعلقة بحقوق التأليف، لا إهمالا للجوانب المنهجية والشكلية في إعداد البحوث والدراسات.
وسنتناول هذه الدراسة من خلال بابين أساسيين، نتناول في الأول النظرية العامة للجريمة، لنتناول في الثاني النظرية العامة للمسؤولية الجنائية، على أن نسبق كل ذلك بباب تمهيدي نتناول فيه الأحكام العامة لقانون العقوبات ذاته، ونعنونه بمعالم قانون العقوبات. وننبه مسبقا بأن قد يكون هناك اختلال في توازن البابين، على أساس أننا فضلنا تخصيص مطبوعة لنظرية الجزاء، في حين غالبية الفقه يتناولها في إطار نظرية المسؤولية الجنائية، لكن الفائدة الموضوعية المتوخاة من إعداد هذه المطبوعة، تتجاوز بكثير الفائدة المحققة من مراعاة الجوانب الشكلية. هذا ولا يفوتنا أن نتمنى أن تكون هذه المطبوعة عونا علميا لطلبتنا الأعزاء في دراستهم للمادة خلال هذه السنة، وعونا مفيدا في مشاريعهم العلمية المستقبلية.
.
باب تمهيدي
معالم قانـون العقوبات
قانون العقوبات يشمل نوعين من الأحكام الموضوعية، النوع الأول عبارة عن المبادئ والأحكام العامة الحاكمة للتجريم والعقاب، والتي تعد بلورة للنظريات الجنائية التي تبلورت فقهيا وقانونيا على مر عصور طويلة من الزمن، سيما وأن هذا القانون، من أقدم القوانين على وجه الأرض، بل يمكن رده إلى ما قبل ذلك، عند بدأ الخليقة[1]. وهو النوع من الأحكام الذي يطبق على كل الجرائم أيا كان نوعها – على أساس أن قانون العقوبات يعرف التقسيم الثلاثي للجرائم، حيث يقسمها إلى جنايات وجنح ومخالفات-، وأيا كان مرتكبها – حيث أن الجريمة قد تكون مشروعا فرديا يسهر على اقترافه فاعل واحد، أو عدة فاعلين، وهو ما يعرف بالمسؤولية الجنائية أو الاشتراك- سواء كان وطنيا أو أجنبيا – تعبيرا عن مبدأ سيادة قانون العقوبات على إقليم الدولة، حيث يطبق على الوطنيين والأجانب على حد سواء-، ويسمى هذا القسم عادة بالنظرية العامة للجريمة، كما يشمل أيضا على الأحكام العامة والمبادئ التي تحكم الجزاء، ويسمى هذا الجزء بالنظرية العامة للجزاء الجنائي. وكلا الشقين يكونان ما يسمى بالقسم العام لقانون العقوبات، الذي يعد من المقررات لبرنامج السنة الثانية في دراستهم لقانون العقوبات.
كما يشتمل على أحكام خاصة، تبين الجرائم بمفرداتها وأركان وظروف وعناصر كل منها، والعقوبة المقررة لها، ويسمى هذا الشق، بقانون العقوبات الخاص، أو القسم الخاص لقانون العقوبات، الذي يعد مقررا على طلبة السنة ثالثة حقوق. على اعتبار أن هذا القسم ما هو إلا تطبيق للنظرية العامة لكل من الجريمة والجزاء. وعلى العموم، الموضوع الرئيسي للقانون الجنائي أو قانون العقوبات، وإن كان الظاهر منه أنه دراسة للنظرية العامة للجريمة، فهو يبحث أساسا على المسؤولية الجنائية على اعتبار الجريمة سلوك يرتكبه شخص يجب أن يكون مسؤولا عن فعله حتى يوقع عليه العقاب. وفي معالجة هذا الموضوع، ظهر خلاف فقهي كبير في الفقه القانوني الجنائي، حيث نجد المدرسة الألمانية اتجهت اتجاها فلسفيا في دراسة الموضوع، حيث يحللون الموضوع على خمسة عناصر أساسية، هي الفعل المتمثل في السلوك، النموذج وهو الوصف القانوني المجرد للتجريم، لا قانونية الفعل وهي مطابقة الفعل للنموذج ومن ثم تقرير الطبيعة اللامشروعة لهذا الفعل، الإثم وهو العلاقة ما بين الفعل والموقف النفسي الآثم، وأخيرا العقاب وهو الثر أو النتيجة أو ثمرة العوامل الأربعة الأولى. أما الفقه الفرنسي ومعه الفقه العربي، له تحليل أكثر بساطة للموضوع، حيث يبدأ تحليل المسؤولية الجنائية من الجريمة إلى المجرم، ومن الشروط الموضوعية للجريمة إلى الشروط الشخصية للجاني، ولكن في الأخير يلتقون مع التحليل الألماني حيث يلتقون في فكرة الجريمة، الإثم، الأهلية للعقاب – أي المسؤولية الجنائية- ثم العقاب نفسه[2]. لكن قبل كل ذلك، وفي البحث عن تحديد معالم قانون العقوبات، شاب الخلاف الفقهي الطويل الذي يطبع هذا الفرع القانوني الهام، حول تسمية القانون في حد ذاته وتحديد مضامينه وأبعاده، وكذا تناول تطوراته وتحديد طبيعته وعلاقته بمختلف فروع القانون الأخرى. لذا فإن دراسة معالم قانون العقوبات، تقتضي منا التعريف به أولا، وتناول محتواه وتحديد طبيعة قواعده، وكذا إبراز علاقته مع مختلف القوانين الأخرى، وتبيان أهدافه. وذلك في فصل أول، نعنونه بماهية قانون العقوبات، لنتناول في فصل ثاني، نشأة وتطور قانون العقوبات، وذلك بتناول تطور الفكر الجنائي بصفة عامة، وقانون العقوبات الجزائري بصفة خاصة.
الفصل الأول
ماهيـــة قانون العقوبات
قانون العقوبات من القوانين التي تجسد بها الدول الحماية القانونية لمصالحها ومصالح المجتمع الأساسية والجوهرية، والتي تكفل الأمن والسكينة والاستقرار لكافة أفراد هذا المجتمع، وإقامة العدل بين أفراده، وهو بذلك ضرورة وحتمية لكل مجتمع أيا كان توجهه وطرق حكمه وتسييره، على اعتبار الجريمة سلوك إنساني ملازم للمجتمعات في كل مكان وفي كل زمان، لذا نجد قانون العقوبات لازم التطور البشري، وعايش تحولاته الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، الأمر الذي انعكس على تسميته وتحديد معناه وتبيان محتواه، وحصر العلاقة الموجودة بينه وبين مختلف الفروع القانونية الأخرى، تبعا للتطورات التي عرفها هذا القانون، وهو ما يقتضي منا تناول هذا الفصل ضمن مبحثين، نخصص الأول لمفهوم قانون العقوبات، أين نتناول تحديد معنى مسمياته المختلفة، وحصر مضمونه وتبيان أقسامه، لنخصص الثاني للبحث في طبيعة هذا القانون.
المبحث الأول
مفهوم قانــون العقوبات
يتفق الفقه الجنائي حول مضمون قواعد قانون العقوبات وخصائصه وأهدافه، والتي نتناولها ضمن المبحث الثاني من هذه الدراسة، غير أنه يختلف حول تسميته وتعريفه وعلاقته بمختلف الفروع القانونية الأخرى، وتبعا لذلك حول تحديد طبيعته– وهو موضوع المبحث الثاني-، غير أننا سنقتصر دراستنا في هذا المبحث على مطلبين، خصص الأول لتعريف قانون العقوبات، والثاني لمحتوى هذا القانون.
المطلب الأول
تعريف قانـــون العقوبات
قبل التطرق للتعاريف التي أعطيت لقانون العقوبات، والاختلاف الفقهي الكبير في ذلك، نشير بأن الخلاف انصب أولا حول تحديد تسمية هذا القانون. لكن دون أن ينعكس ذلك على تحديد محتوى ومضمون هذا القانون، وهو الأمر الذي نتبينه من خلال الفروع التالية.
الفرع الأول
في تسمية قانون العقوبات
تطلق في العادة تسمية "قانون العقوبات " على هذا الفرع من فروع القانون[3]، والذي يضم في حقيقته كل من الجرائم والعقوبات المقررة لها، وذلك من قبل تسمية الكل باسم الجزء، أو مثلما نرى، من قبيل تسمية التابع للمتبوع، على اعتبار أن الجريمة سابقة في الوجود على ارتكاب الجريمة، كما أن ارتكاب هذه الجريمة لا يعني بالضرورة توقيع عقوبة، فقد يوقع على شخص تدبير أمني أو احترازي، أو قد لا يطبق الجزاء أصلا، سواء تمثل في عقوبة أو في تدبير أمني، في الحالات التي قد يتوفر فيها للشخص مانع من موانع العقاب، أو سبب من أسباب الإباحة، أو حتى في الحالات التي لا يعرف فيها مرتكب الجريمة أو لا تتمكن فيه النيابة العامة من إثباتها عليه، وهنا تكون الجريمة أمر واقع، في حين شق العقوبة لم يطبق. الأمر الذي يجعلنا نرى بأتن تسمية هذا القانون، بقانون العقوبات تسمية قاصرة على أن تستوعب مضامينه وخصوصياته. خاصة وأنها ركزت على شق العقاب دون شق التجريم، وفي جزء منه دون الآخر – كون الجزاء يشمل العقوبات والتدابير، على نحو ما سنرى-. وهنا جاء اتجاه فقهي، ينادي بإطلاق تسمية " القانون الجزائي" على هذا القانون، ليصبح يشمل شق الجزاء بنوعيه العقوبات والتدابير، لكنه يظل قاصر على أن يشتمل شق التجريم، وهو الأهم في نظرنا. وتبقى تسمية قاصرة عن استيعاب المضمون الكلي لهذا القانون ومحتوياته، لذا يفضل بعض الفقه، تسمية " القانون الجنائي" باعتباره قانون الجرائم، وأن هذا النوع – الجنايات- أهم وأخطر الأنواع، مقارنة بالجنح والمخالفات، غير أننا نرى بأن هذه التسمية تعد أيضا تسمية للكل باسم الجزء، حيث أنها ركزت على جانب التجريم – في حين الأولى ركزت على جانب العقاب- وفي نوع واحد فقط من بين ثلاثة أنواع من الجرائم، وهي الجنايات، مثلما ركزت التسمية الأولى على نوع فقط من أنواع الجزاء، وهي العقوبة، وبالتالي التسمية قاصرة جدا، كونها أهملت نوعين من الجرائم، زيادة على إهمالها لشق العقاب برمته.
غير أن هذه الانتقادات الموجهة لكل تسمية من التسميات الثلاث السابقة، لم تمنع الفقه في عمومه، من استعمالها تبعا لتوجه المشرع في بلده، ووفقا لما ألفه في استعمال المصطلحات، غير أن الإشكال في رأينا يكمن في موقف المشرع نفسه، فإن كان من الجائز أن نستعمل مصطلح من المصطلحات الثلاثة السابقة، فعل الأقل أن يعممه المشرع، غير أننا نرى بأن غالبية التشريعات، بما فيها التشريع الجزائري، تسمي القانون الموضوعي، بقانون العقوبات، بينما تميل لشق الجزاء بخصوص الإجراءات، حيث نجد المشرع الجزائري، يطلق تسمية " قانون العقوبات" على القانون موضوع دراستنا في هذا السداسي، ومصطلح " قانون الإجراءات الجزائية" بخصوص الشق الإجرائي موضوع دراستنا في السداسي الثاني من السنة الجامعية، وهنا يثار التساؤل عن المغزى من عدم توحيد المصطلحات، وإن كانت بعض التشريعات تطلق عليه مصطلح " الإجراءات الجنائية" نسبة للجنايات.
الفرع الثاني
تعريف قانون العقوبات
يعرفه البعض[4]، بأنه: " مجموعة القواعد القانونية التي تبين الجرائم وما يقرر لها من أو يقابلها من عقوبات أو تدابير أمن، إلى جانب القواعد الأساسية والمبادئ العامة التي تحكم هذه الجرائم والعقوبات والتدابير"، بينما يرى البعض[5]، أنه :" مجموعة القواعد القانونية التي تحدد رد الفعل الاجتماعي ضد الجرائم، وتترجم مجموعة الحلول الوضعية للظاهرة الإجرامية". في حين يرى آخرون، أن قانون العقوبات يمعناه الواسع، مجموعة القواعد التي تحدد التنظيم القانوني للفعل المجرم ورد فعل المجتمع إزاء مرتكب هذا الفعل، سواء بتطبيق عقوبة أو تدبير أمن، كما يشمل أيضا القواعد الإجرائية التي تنظم الدعوى الجنائية. وبذلك يشمل المعنى الواسع كل من القواعد الموضوعية التي تجرم وتعاقب على الأفعال، سواء تمثلت في قانون العقوبات أو في القوانين المكملة له، وكذا القواعد الإجرائية المتمثلة في مجموعة القواعد الواجب اتخاذها بخصوص الدعوى العمومية، وصدور الأحكام والطعن فيها، وحتى تنفيذ العقوبة التي ينظمها قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين[6]. بينما المعنى الضيق لقانون العقوبات، فيطلق مرادفا لتقنين العقوبات أو مجموعة القواعد الموضوعية فقط الخاصة بالتجريم والعقاب. والتي تعني فقط الدور المزدوج لهذا لقواعد هذا الشق، حيث تبين من جهة، الأفعال والتصرفات المجرمة، ومن جهة ثانية، ردة الفعل الاجتماعي إزاءها أو في مواجهتها، سواء كان ذلك بعقوبة أو تدبير من تدابير الأمن أو التدابير الاحترازية[7].
ويرى البعض، بأن الدور المزدوج لقواعد قانون العقوبات، هي التي تبين الاختلاف الفقهي والتشريعي الحاصل حول تسمية هذا القانون، وهي التسميات التي تعبر فعلا عن ماهية هذا القانون، حيث يمكن القول بأن الجريمة أيا كان نوعها والجزاء أيا كان نوعه، وجهان لعملة واحدة، فالتعبير بالجريمة يعني أنه هناك جزاء مقابل، والتعبير بالجزاء يعني أن هناك جريمة قد وقعت، حيث لا جريمة دون جزاء، ولا جزاء دون وقوع جريمة، من حيث المبدأ. غير أننا نفضل تسمية القانون الجنائي – والدليل على ذلك تسمية المادة التي نحن بصدد دراستها – على تسمية قانون العقوبات، حيث بإمكان التسمية الأولى أن تشمل الشق الإجرائي بالإضافة إلى الشق الموضوعي، في حين أن تسمية قانون العقوبات، في رأينا تشمل الشق الموضوعي فقط دون الشق الإجرائي. وبالتالي يمكننا القول بأن مسألة التسمية تقودنا لدراسة محتوى هذا القانون، وهو موضوع دراستنا في الفرع الموالي.
المطلب الثاني
محتوى القانون الجنائي
يجمع الفقه في عمومه، على أنه لقانون العقوبات نوعين من المحتوى، محتوى قانوني وهو أساس والهدف المباشر لهذا الفرع القانوني، ومحتوى علمي وهو محتوى غير مباشر منه تستمد القواعد القانونية المنظمة لشقي التجريم والعقاب. وهو ما نبينه باختصار في الفرعين التاليتين.
الفرع الأول
المحتوى القانوني للقانون الجنائي
تكمن مهمة قانون العقوبات بالدرجة الأولى، في تبيان الأفعال التي يرى المشرع أنها تضر بالمصلحة العامة وبالنظام العام القائم[8]، ويضع قائمة بها، وهي التي تشكل بذاتها فرعا من فروع القانون الجنائي، ويسمى ب:" القانون الجنائي الخاص"، أو القسم الخاص من القانون الجنائي أو قانون العقوبات، وهي القسم الذي يبين كل جريمة على حدا وما يميزها من أركان وظروف وعناصر، وما يتقرر لها من عقوبات
أو تدابير احترازية أو أمنية. وإلى جانب القواعد السابقة، هناك مجموعة أخرى من القواعد التي تحدد القواعد والمبادئ العامة التي تحكم القانون الجنائي في مجمله، من أركان عامة للجريمة، وقواعد المسؤولية الجنائية وموانعها، وتصنيف الجرائم، وأسباب الإباحة، وموانع العقاب... وهي مجموعة القواعد التي تشكل فرع من فروع القانون الجنائي، المسمى بالقسم العام، أو القانون الجنائي العام، الذي يعد موضوع دراستنا في هذا البحث. غير أن تطبيق الفرعين السابقين من فروع القانون الجنائي، يقتضي إجراءات معينة بموجبها تتدخل الدولة عن طريق أجهزتها من وقت ارتكاب الجريمة لغاية توقيع العقوبة على مقترفها، وتبين ماهية هذه الأجهزة، وطرق تدخلها وكيفيات ذلك، وهو القسم المسمى بقانون الإجراءات الجزائية[9].
وبالتالي يتحدد المحتوى القانوني للقانون الجنائي، أو قانون العقوبات، بثلاثة فروع قانونية فرعية يتضمنها هذا القانون، وهي القسم العام، أو القانون الجنائي العام[10]، والقانون الجنائي الخاص[11] – المقرر في برنامج السنة الثالثة حقوق إلى جانب علم الإجرام- وقانون الإجراءات الجزائية أو الجنائية[12]، المقرر في السداسي الثاني من السنة الثانية حقوق. وهي أقسام وفروع تتكامل فيما بينها، لتشكل في الأخير الجزء الكبير من السياسة الجنائية والعقابية للدولة، من حيث تبيانها للتجريم وما قرر من عقوبات، والأحكام والمبادئ العامة التي تحكم العمليتين – التجريم والعقاب-، بالإضافة إلى قواعد إجرائية تنقل الشق السابق من حالة السكون إلى حالة الحركة، أو من الحالة النظرية المجردة، إلى الحالة الواقعية العملية. هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية، يتحدد المضمون القانوني لقانون العقوبات، في كونه وبالإضافة إلى احتواءه لقسم عام وآخر خاص، أنه هناك قوانين عقوبات تكميلية وأخرى خاصة.
فقانون العقوبات التكميلي، يجد علته في كون القسم الخاص من قانون العقوبات لا يتضمن كل الجرائم التي قررها المشرع، فهناك عدد كبير من الجرائم نصت عليها قوانين أخرى مستقلة، مثل قانون المنافسة والأسعار وقانون الصحة والقانون الجمركي ...وهي مجموعة القوانين التي يطلق عليها مصطلح قانون العقوبات التكميلي أو القوانين الملحقة بقانون العقوبات، مما يستتبع بالضرورة خضوعها للأحكام العامة المتضمنة بالقسم العام لقانون العقوبات. ولجوء المشرع إلى هذه الطريقة المتمثلة في التجريم والعقاب بموجب نصوص قانونية مستقلة، يجد أساسه في عدم قدرته على حصر كل الجرائم في موضوع واحد هو قانون العقوبات، خاصة إذا كانت هذه الجرائم تحمي مصالح متغيرة أو طارئة تخضع للتعديل والتغيير كلما دعت الضرورة لذلك، في حين أن قانون العقوبات يتسم بالاستقرار النسبي، لذا فهو يجرم في العادة الأفعال الشائنة والمستهجنة في المجتمع في كل وقت من الأوقات ولا يتدخل إلا في حال تغيرات اقتصادية
أو اجتماعية أو علمية حديثة توجب إلغاء بعض الجرائم أو إدراج البعض الآخر.
وأما قوانين العقوبات الخاصة، فهي حسب الفقه طائفة ثالثة من الجرائم، التي يتم النص عليها في قوانين خاصة، اصطلح على تسميتها بقوانين العقوبات الخاصة، منها قانون العقوبات العسكري وقانون العقوبات الاقتصادي وقانون العقوبات التجاري. وأصبحنا نسمع بقانون العقوبات الإداري وقانون الجنائي الدستوري...، وهي كلها قوانين تحمي مصالح تتميز بطابع خاص يبرر إخضاعها لقواعد قانونية خاصة، سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الإجرائية، كونها تخضع لبعض الأحكام التي قد تختلف كلية
أو جزئيا عن الأحكام العامة الموضوعية والإجرائية، لكن العلاقة بينهما تظل قائمة ويجب الرجوع للأحكام العامة في كل حالة لم يرد بشأنها نص في هذه القوانين الجنائية الخاصة، تطبيقا لقاعدة الخاص يقيد العام. ولتجنب الخلط بين القوانين الجنائية الخاصة والقوانين التكميلية لقانون العقوبات العام، يدرج الفقه الفرقين الأساسيين التاليين:
1- القوانين المكملة لقانون العقوبات، تحمي مصالح من ذات نوع وطبيعة المصالح المحمية بموجب القسم الخاص من قانون العقوبات، مما لا يجيز الخروج بشأنها عن الأحكام العامة المنصوص عليها بالقسم العام لقانون العقوبات، في حين تحمي قوانين العقوبات الخاصة مصالح وحقوق تتميز بطبيعة خاصة تستوجب الخروج نوعا ما ( بصفة كلية أو بصفة جزئية) عن الأحكام العامة لقانون العقوبات سواء في قسمه الموضوعي أو في قسمه الإجرائي .
2- الجرائم المنصوص عليها في قوانين العقوبات التكميلية، تخضع بحسب الأصل للأحكام العامة الواردة بالقسم العام لقانون العقوبات، إلا إذا نص فيها على ما يخالف ذلك، أما قوانين العقوبات الخاصة فتضم أحكامها الموضوعية والإجرائية الخاصة بها، ولا يرجع فيها إلى الأحكام العامة إلا في الحالات التي لا يرد فيها نص خاص.
الفرع الثاني
المحتوى العلمي للقانون الجنائي
حتى يستطيع القانون الجنائي أن يحقق أهدافه على أتم وجه، يجب أن يستعين بالعلوم الحديثة وما تقدمه له من مساعدة مبنية أساسا على معطيات علمية، من أهم هذه العلوم المسماة بالعلوم الجنائية المساعدة، علم التحقيق الجنائي وعلم الإجرام، اللذان يعدان ركائز العلوم الجنائية أو السياسة الجنائية بصفة عامة. وإن كان يستفيد القانون الجنائي أيضا ببعض العلوم الأخرى حتى وإن كانت من طبيعة غير جنائية، كعلم النفس وعلم الاجتماع، والعلوم الاقتصادية وغيرها من العلوم الإنسانية، خاصة وأن الجريمة بدورها ظاهرة إنسانية، فهمها يقتضي فهم السلوك الإنساني ككل، وذلك لا يتسنى إلا بالاستعانة بكل هذه العلوم في رسم السياسة الجنائية. وهو ما نبينه باختصار في النقاط التالية. والتي لا نقصد بها علاقة قانون العقوبات بباقي فروع القانون الأخرى، التي سنتناولها في نقطة مستقلة، وإنما هي علوم متضمنة بطريقة غير مباشرة في إطار هذا القانون ذاته. والمسماة بالعلوم الجنائية نسبة لهذا الفرع القانوني، ويقصد بها تلك العلوم التي تبحث في الجريمة والمجرم، من حيث تحديد أسباب الإجرام وصفات المجرم ووسائل معالجته وتقويمه، وأهداف العقوبة وأغراضها، وبالتالي نقطة الاشتراك بينها وبين القانون الجنائي، هي الاهتمام المشترك بالجريمة والمجرم والعقوبة، والأهم مكافحة الجريمة، وهي المحاور الأساسية للقانون الجنائي وسبب وجوده. غير أن وسيلة القانون الجنائي في مكافحة الجريمة، هي تحديد الأعمال المجرمة وتقدير الجزاء المناسب لها، بينما وسيلة العلوم الجنائية، هي البحث العلمي القائم على الدراسات التجريبية القائمة على الملاحظة واستخلاص النظريات والقوانين العلمية التي تحكمها، والتي تجعل من المشرع الجنائي يضع النصوص القانونية وفق سياسة جنائية معينة التي تعد محصلة النتائج العلمية التي توصلت إليها العلوم الجنائية[13]. وسنبين أهم هذه العلوم في النقاط الثلاث التالية.
أولا: علـــم الإجرام
علم الإجرام، هو العلم الذي يدرس الجريمة كظاهرة اجتماعية، ويتناول بالتحليل والبحث أسباب الجريمة ودوافعها المختلفة، والذي يشمل أيضا ثلاثة فروع من العلوم، هي علم طبائع المجرم، ويتناول بالدراسة أسباب الجريمة الكامنة في تكوين الجاني الخلقي والجسدي، وعلم النفس الجنائي، وهو العلم الذي يهتم بالبحث في الأسباب النفسية الدافعة لارتكاب الجرائم، وتطور الفكرة الإجرامية في نفسية الجاني، بالإضافة إلى علم الاجتماع الجنائي، وهو العلم الذي يركز على أسباب الجريمة الراجعة إلى المجتمع والظروف الاجتماعية المحيطة بالجاني، بالإضافة إلى علم آخر تفرع عن علم الإجرام، وهو علم الإجرام الإكلينيكي، الذي يركز على دراسة كيفية فحص الجاني جسديا ونفسيا وعقليا، للتعرف على أسباب انحرافه[14]. خاصة وأن علماء الإجرام لهم معاييرهم لاكتشاف تصرفات وسلوكات الأفراد، ودراسة الجريمة دراسة علمية من حيث أسبابها وطرق مكافحتها، ومن هنا كانت العلاقة والاستفادة بين القانون الجنائي وعلم الإجرام علاقة تعاونية أو تبادلية، حيث أن المعطيات الأولية، من تعريف للجريمة، وتقديم المادة البشرية الأساسية موضوع الدراسة والبحث والتحليل، ورسم القيود والحدود التي يتعين على علم الإجرام عدم تعديها في دراسته للمجرم، ومنعهم من التدخل في الشؤون القانونية وخاصة الجنائية[15].
ثانيا: علــــم العقاب
علم العقاب، هو العلم الذي يهتم بدراسة أهداف العقوبة والتدابير وتحديد أغراضها الاجتماعية، ودراسة القواعد والأساليب الكفيلة بتحقيق أغراضها، ودراسة أساليب تقويم الجناة أثناء فترة تنفيذ العقوبة
أو التدبير، كما وهو العلم الذي يعني مجموعة القواعد التي تحدد الأساليب التي تتبع في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية، حتى تحقق الغرض الذي يستهدفه المجتمع منها، في إطار الفلسفة التي يتبناها ويعمل في إطارها.
ثالثا: علــم (التحقيق الجنائي) البوليس الفني
وهو العلم الذي يهتم بدراسة تحديد الجاني والتعرف على مرتكب الجريمة وكيفية وقوعها، بدءا من دراسة البصمات، وكيفية رفع آثار الجريمة، وفحصها وتحليلها... وهو علم شهد تطورات مذهلة في السنوات الأخيرة[16]، حيث استفاد كثيرا بالتطورات العلمية والتكنولوجية التي وفرتها للبحث الجنائي، سواء فيما يتعلق بدراسة مسرح الجريمة، أو التعرف على الجناة، من وجود لفكرة البصمات الوراثية، والأدلة الإلكترونية والمعلوماتية والبيولوجية...وعلم التحقيق الجنائي يضم في الواقع العديد من التخصصات التي تتعاون في مجملها لأجل اكتشاف الجريمة ومرتكبيها، ففي إطار هذا العلم، هناك " الطب الشرعي" الذي ساعد على اكتشاف أسباب الوفاة مثلا ووقتها، ومدى وقوع الاعتداء من عدمه، وطريقة هذا الاعتداء وما إن كان عن طريق العنف أو غيره، وأي وسيلة كانت سببا في إحداث الجريمة، والتعرف حتى على المجني عليهم والجناة على حد سواء، سيما في ظل استفادة هذا العلم من التطورات العلمية الحاصلة في الثورة البيولوجية والمعلوماتية. كما يوجد " علم السموم" الذي يساعد على التحقق من أن مادة معينة أو مخدر ما كان السبب في حدوث الجريمة، وتحليل المواد المخدرة في جرائم المخدرات، كما يوجد ما يسمى بعلم البصمات[17]، وما يسمى " بالشرطة العلمية" وهي كلها علوم تسهل من مهام رجال البحث والتحري، والقاضي في إصدار حكمه. كما يستعين القانون الجنائي بالكثير من العلوم الأخرى، مثل علم الاجتماع القانوني، الذي يهدف إلى دراسة الواقع الاجتماعي للقانون منذ نشأته مرورا بمختلف مراحل تطوره، وكذا العوامل والظروف المحيطة بإصدار التشريعات العقابية ودراسة آثارها الاجتماعية، والعوامل الاجتماعية التي تؤثر في إصدار القوانين وعمل أجهزة العدالة، وهو بذلك يلعب دورا بارزا في تقديم الحقائق الاجتماعية بطريقة موضوعية للمشرع لكي يصدر بناء عليها قوانينه، مما يكفل علاقة الصلة بين القانون والمجتمع الذي نشأ لتنظيمه، وكذا علم الإحصاء، الذي يعتني بإعطاء حقائق رقمية للمتخصصين في التشريع حتى يكنوا على دراية واقعية بكل ما يتصل بالجريمة والمجرمين، من عدد الجرائم والمجرمين أو دراسة نوعية معينة منهم، ومدى انتشار الجريمة في زمان ما أو مكان ما ... خاصة وأن الدراسات الإحصائية من أفضل السبل للحكم على نجاح السياسة الجنائية.
hadia369
2013-01-28, 23:55
المبحث الثاني
الطبيعة القانونية لقانون العقوبات
المقصود من تحديد طبيعة قانون العقوبات، البحث فيما إذا كان يعد فرعا من فروع القانون العام
أو فرعا من فروع القانون الخاص، وعموما، البحث في موقع هذا الفرع الهام من فروع القانون بين فروع القانون الأخرى التي تشكل النظام القانوني لأي دولة؟ خاصة إن كنا نعلم، أن النظام القانوني، هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم مجموعة من المصالح، هذه الأخيرة التي قد تكون عامة كما قد تكون خاصة، ووفقا لذلك ينقسم القانون إلى قانون عام وقانون خاص، فإذا كانت المصلحة التي تحميها القاعدة القانونية مصلحة عامة، كنا بصدد فرع قانوني عام، وإن كانت المصلحة المراد حمايتها مصلحة خاصة أو فردية، كنا بصدد فرع قانوني خاص، وبذلك يكون القانون العام عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تحمي المصالح العامة وتنظم العلاقات العامة، كالقانون الدستور، والقانون الإداري، والقانون المالي أو الجبائي
أو الضريبي، والقانون الدولي العام، بينما القانون الخاص، هو مجموعة الفروع أو القواعد القانونية التي تنظم العلاقات فيما بين الأفراد، وتحمي مصالحهم، كالقانون المدني، والقانون التجاري الذي يهدف إلى تنظيم طائفة من أفراد المجتمع وهم التجار، ونوع محدد من الأعمال وهي الأعمال التجارية، وقانون الأسرة الذي يهتم بشؤون هذه الأخيرة... وبالتالي السؤال السابق، وإن طرحناه بصيغة أخرى، ما موقع القانون الجنائي من تقسيمات القانون، فهل قواعد قانون العقوبات تحمي مصالح عامة، وبالتالي هو فرع من فروع القانون العام، أم يقتصر دوره على حماية مصالح فردية خاصة، وبالتالي هو فرع من فروع القانون الخاص؟ وهو السؤال الذي نرى بأن الإجابة عليه تكون بتناول علاقة قانون العقوبات بكل فروع القانون، سواء الخاصة
أو العامة منها، لنحكم بعدها عن طبيعة قواعده وموقعها من هذا التقسيم، أم تتنوع أصلا بذاتية واستقلالية تميزها عن سائر القواعد القانونية الأخرى. أم مجرد قانون مكمل لباقي فروع القانون الأخرى ولا يمكنه أن يتدخل ويلقى مجالا للتطبيق إلا عند عجز هذه القوانين عن كفالة حماية قانونية فعالة لقواعدها وأحكامها. وذلك من خلال مطلبين، نتناول في الأول، علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الأخرى بمختلف تقسيماتها، وفي الثاني تحديد مكانة هذا القانون في النظام القانوني للدولة. على أن نخصص الثالث، وعلى غير العادة، لخصائص هذا القانون وأهدافه، ونقول على غير العادة، كونه جرت العادة على أن يتم تناول الخصائص ضمن المفهوم. لكن لطبيعة هذا القانون تركنا تناول الخصائص إلى ما بعد تحديد طبيعة هذا القانون التي بإمكانها أن توضح بذاتها العديد من خصائص هذا القانون وكذا أهدافه المرتبطة بهذه الخصائص.
.
المطلب الأول
علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الأخرى
سنحاول من خلال هذا الفرع، وباختصار، أن نحدد علاقة قانون العقوبات بكل فروع القانون الأخرى، سواء كانت عامة أو خاصة، ومن خلال ذلك يمكننا الحكم عن طبيعته وما إن كان قانونا عاما
أو خاصا، أو له ذاتية واستقلالية تميزه عن سائر الفروع الأخرى. وذلك من خلال الفروع التالية. أين نتناول علاقة قانون العقوبات بفروع القانون العام، في فرع، وفي آخر، علاقته بفروع القانون الخاص، وما دمنا بصدد تحديد العلاقات، فإننا نخصص فرعا لعلاقة قانون العقوبات بقواعد الدين والأخلاق.
الفرع الأول
علاقة قانون العقوبات بفروع القانون العام
بالاطلاع على محتوى غالبية الفروع القانونية التي تعد من القانون العام، نجد بأن لقانون العقوبات علاقة مباشرة ووطيدة بمختلف هذه الفروع، حيث أنه وبالاطلاع على القانون الدستوري – كأهم القوانين العامة في الدولة- نجد بأن القانون الجنائي هو المخول للحماية أهم المبادئ والأحكام التي يتضمنها القانون الدستوري، سواء تعلق الأمر بالحقوق والحريات، حيث أن القانون العقوبات يجرم كل الأفعال والسلوكات التي تمثل اعتداء على هذه الأخيرة[18]، وسواء تعلق الأمر بحق الدولة في الاحتفاظ بشكل الحكم، حيث يعاقب قانون العقوبات على جرائم الخيانة والتجسس وكل أنواع الاعتداءات التي تمس بأمن الدولة سواء من جهة الداخل أو من جهة الخارج[19]، كما يجرم كل الاعتداءات الواقعة على الاقتصاد والدفاع الوطنيين[20]، وتجريم كل الاعتداءات والمؤامرات ضد سلطة الدولة وسلامة أرض الوطن[21].... وهي أمور تبين بكل وضوح العلاقة الوطيدة بين القانونيين الجنائي والدستوري، الذي يعد أهم القوانين العامة في الدولة أيا كان شكل الحكم فيها، ومثل هذه العلاقة الوطيدة جعلت الفقه ينظر لفرع قانوني جديد سماه ب :" القانون الجنائي الدستوري"[22].
أما بخصوص القانون الإداري، الذي يعد من أهم القوانين العامة للدولة، والذي عن طريقه تسير الدولة مصالحها ومرافقها، نجد لقانون العقوبات علاقة جد وطيدة به، باعتباره يجسد حماية جد فعالة من الاعتداءات التي تكون السلطة الإدارية أو الإدارة العامة عرضة لها، بدءا من ضمان سير المرافق العامة وتنظيم ممارسة السلطة الإدارية في الدولة والرقابة على الموظفين وضمان احترامهم لحقوق وحريات الأفراد، ضمن ما سماه المشرع الجزائي ب:" تواطؤ الموظفين" ( المواد من 112 حتى 115)، والرقابة على السلطات الإدارية والقضائية وحدود ممارستهما لسلطاتهما ( المواد من 116 حتى 118)، الاختلاس والغدر[23]، الرشوة واستغلال النفوذ باعتباره من جرائم الموظفين، إساءة استعمال السلطة ضد الأفراد والأشياء العمومية ( المواد من 135 حتى 142)، وهي كلها تهدف إلى ضمان احترام السلطات لمهامها، وفي المقابل هناك جرائم من خلاقها يحمي قانون العقوبات الموظف، ويجعله يؤدي مهامه في ظل من الحماية الفعالة، كحمايته من أفعال الإهانة والتعدي ( المواد من 144 حتى 148)، حماية أختام الدولة ( المادة 155 وما بعدها)، وهي كلها أمور تبين لنا العلاقة الوطيدة بين القانون الإداري القانون الجنائي، للدرجة التي بدأ فيها البعض أيضا ينظر لقانون عقوبات إداري.
وعلى العموم لقانون العقوبات علاقة وطيدة بمختلف فروع القانون العام، سواء تعلق الأمر بالقانون الضريبي أو الجبائي وما قرره من تجريم لأفعال التهرب والغش الضريبي، والقانون المالي وما يقرره من تجريم للاعتداءات الواقعة على هذا المال، كما تظهر علاقته الوطيدة بالقانون الدولي العام، وذلك من خلال فرعين قانونيين هامين، هما القانون الجنائي الدولي، الذي ينظم العلاقات الجنائية فيما بين الدول، خاصة في مجال تسليم المجرمين وطرد الأجانب والتعاون الدولي لمكافحة الجرائم... وفرع قانوني آخر حديث نسبيا، وهو القانون الدولي الجنائي، الذي ينظم جملة من الأفعال التي تشكل جرائم ماسة بكل الدول، والتي تسعى لمكافحتها على النطاق العالمي الواسع في إطار نوع من التنسيق والتعاون، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم المخدرات بمختلف أنواعها، والاتجار بالرقيق، وعموما كل أنواع الإجرام الدولي المنظم[24].
وبالتالي يمكن القول مما سبق، بأنه للقانون الجنائي علاقة جد وطيدة مع كل فروع القانون العام في الدولة، الأمر الذي جعل الرأي الفقيه الجنائي الغالب يستقر عليه، ودون البحث في علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الخاصة، معتبرا هذا القانون جزء من النظام القانوني العام للدولة، وهو النظام الذي تتضامن قواعده فيما بينها لتنظيم المجتمع، وحماية المصالح الاجتماعية العامة، وتنظيم علاقات ذات طبيعة عامة، سواء كانت بين مؤسسات الدولة فيما بينها، أو بين هذه المؤسسات والأفراد، وبالتالي القانون الجنائي، شأنه شأن القانون الدستوري والقانون الدولي العام، والقانون الإداري والقانون المالي، من فروع القانون العام. غير أننا سنحاول رغم ذلك محاولة استقراء علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الخاصة، حتى لا يفهم من الكلام السابق أن هذه العلاقة منعدمة.
الفرع الثاني
علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الخاص
من أهم فروع القانون الخاص في كل النظم القانونية، نجد القانون المدني الذي يعد الشريعة العامة للقوانين الخاصة، والذي تفرعت عنه باقي القوانين الأخرى، ومنها القانون التجاري وقانون الأحوال الشخصية، وهي الفروع التي تقتصر دراستنا عليها في تبيان علاقتها بقانون العقوبات. فبخصوص القانون المدني وما ينظمه من حقوق مثل الملكية والحيازة والعقود، نجد بأن قانون العقوبات يوفر حماية لكل هذه المواضيع التي تعد من صمم اهتمامات القانون المدني، فهو يحمي الملكية سواء المنقولة منها أو العقارية من أفعال السرقة والنهب والنصب وخيانة الأمانة والإتلاف والحرق ومن كل أشكال التعدي الأخرى، ويحمي العقود من التزوير... وبالتالي قانون العقوبات هو الموفر للحماية القانونية الفعالة للنظم المقررة في التقنين المدني، وبالتالي العلاقة بينهما جد ظاهرة.
وبخصوص القانون التجاري المنظم لفئة التجار وأعمالهم التجارية ووسائل قيامهم بمهاهم المتمثلة في الأوراق التجارية، نجد بأن قانون العقوبات يحمي هذه الأوراق من التزوير، ومن كل أفعال تنال من الثقة المفروضة فيها، كما يحمي العلامات التجارية والمنافسة، ويعاقب على انعدام الفواتير ومخالفة الأسعار... الأمر الذي يبين أيضا العلاقة المتينة بين القانونين.
وبخصوص قانون الأحوال الشخصية، نجد بأن قانون العقوبات هو المقرر للحماية الجنائية للأسرة من خلال تجريم الاعتداءات التي تشكل تهديدا لها، مثل تجريمه للأفعال التي تشكل هتكا لعرض الأسرة، كجريمة الزنا وهتك العرض، ويحمي البناء من خلال تجريمة لفعلي الإهمال والترك وعدم دفع النفقة المقررة، وتعريض حياة القصر للضياع... بل نجد قانون العقوبات قد خصص فصلا كاملا للجنايات والجنح التي ترتكب ضد الأسرة في المواد من 304 إلى 309 منه. وتبرز هنا أيضا العلاقة الظاهرة بينه وبين قانون الأسرة.
وبالتالي نتوصل إلى القول بأنه لقانون العقوبات علاقة بسائر فروع القانون الخاص، مثلما وجدنا بأنه له علاقة مع سائر فروع القانون العام، الأمر الذي لا يمكننا حتى هذه اللحظة من الحكم على طبيعة هذا القانون وما إن كان فرعا قانونيا عاما أم فرعا قانونيا خاصا؟ وهو السؤال الذي يقودنا لنقطة ثانية نبحث من خلالها عن مكانة قانون العقوبات في النظام القانوني للدولة. وهو موضوع دراستنا في المطلب الثاني، غير أننا ما دمنا بصدد تحديد علاقة قانون العقوبات بمختلف فروع القانون، فإننا لا تود أن نفوت علاقته بقواعد الدين والأخلاق.
الفرع الثالث
علاقة قانون العقوبات بالدين والأخلاق
تفرض كل من قواعد الدين والأخلاق، مجموعة من الواجبات والالتزامات على الفرد نحو ربه ونحو غيره من الأفراد، ونحو نفسه أيضا، وعادة ما تقوم مثل هذه الالتزامات والواجبات على أساس مبادئ البر والإحسان والخير والعدالة، وكل ما يهدف إلى سمو النفس البشرية، وذلك تحت التهديد بمجموعة من الجزاءات غير القانونية، منها الجزاءات الدينية، أو في استهجان الرأي العام أو حتى ذاتية، تتمثل في وخز الضمير، لذا فعلاقة قواعد الدين والأخلاق تأثير كبير لا ينكر على قواعد قانون العقوبات، حيث كثيرا ما يستلهم منها المشرع الجنائي بعض قواعد التجريم والعقاب، كما أنه بها يستهدي القاضي ويسترشد عند تقييمه للمسؤولية وتقديره للعقاب، وعليه فعلاقة الالتقاء بين الدين والأخلاق وقانون العقوبات أيضا وثيقة في مجال علاقة الفرد بغيره من الأفراد، وإن كان لكل من القواعد مجاله ونطاقه. بالرغم من وجود علاقة تعارض بينهما أحيانا، حيث قد يهتم قانون العقوبات ببعض المجالات التي لا تهتم بها قواعد الدين والأخلاق، مثل قواعد المرور، كما قد تهتم قواعد الدين والأخلاق ببعض المجالات التي لا يهتم بها قانون العقوبات، مثلما هو الشأن بالنسبة لجريمة الزنا إلا في بعض الجوانب الوضعية المبتدعة. وهو ما جعل بعض الفقه، يرى أن دائرة قانون العقوبات لا تتطابق مع دائرة قواعد الأخلاق، فهي أضيق منها من وجه، وأوسع منها من وجه آخر، وإن كان هناك منطقة تؤثر فيها قواعد الدين والأخلاق على قواعد قانون العقوبات.
المطلب الثاني
مكانة قانون العقوبات في النظام القانوني للدولة
بعد إجرائنا للعلاقة الموجودة بين القانون الجنائي ومختلف فروع القانون الأخرى، سواء كانت عامة أو خاصة، تبين لنا أن علاقته موجودة بكل فرع القانون هذه أيا كانت طبيعتها، مما يجعلنا لم نجب بدقة عن السؤال ولم نحدد طبيعته. وهو ما أثار جدلا فقهيا واسعا بين اتجاهين، يرى أحدهما بأن قانون العقوبات ما هو إلا فرع من فروع القانون العام، والثاني، يرى أنه فرع من فروع القانون الخاص، ولكل من الاتجاهين حججه، وهو الخلاف الذي نتناوله باختصار في فرع، لنتناول في آخر الاتجاه الغالب في الفقه.
الفرع الأول
الخلاف حول مكانة قانون العقوبات
انقسم الفقه بخصوص مكانة قانون العقوبات بين قائل بأنه فرع من فروع القانون العام، وآخر قائل بأنه فرع من فروع القانون الخاص، ولكل اتجاه حججه وأسانيده، والتي نحاول تناولها باختصار في النقطتين التاليتين[25].
أولا: قانون العقوبات فرع من فروع القانون العام
يرى أنصار هذا الاتجاه، أن قانون العقوبات حتى وإن كانت له علاقة بفروع القانون الخاص، لأنه تطبيقه يمس العلاقة بين الفرد والدولة وأن المتهم في الدعاوى الجزائية يحاكم باسم الشعب، وأنه غالبية الأفعال التي يعاقب عليها موجهة ضد مصالح المجتمع، كجرائم أمن الدولة، وجرائم اختلاس المال العام ورشوة الموظفين، وهي المواضيع التي لا جدل حول اعتبارها مواضيع من القانون العام، وأن الجرائم التي يظهر أنها تمثل مصلحة للأفراد، كالقتل والضرب والسرقة، فهي جرائم تمس بطريق غير مباشر مصلحة المجتمع أيضا، كون هذه الأخيرة تقتضي تأمين حقوق أفراده الأساسية مثل حقهم في الحياة والسلامة الجسدية والملكية، وأن تأمين هذه الحقوق الخاصة تشكل في مجموعها تأمين مصالح المجتمع الأساسية. وبالتالي، تكون المصالح التي يحميها قانون العقوبات دوما مصالح اجتماعية عامة، حتى وإن تضمنت بالتبعية حماية حقوق يظهر أنها خاصة. كما يعد القانون الجنائي من فروع القانون العام، بالنظر لزاوية العلاقات التي ينشئها بعد وقوع الجريمة، والتي ترتب قيام حق الدولة كممثلة للمجتمع في متابعة مرتكب الجريمة ومعاقبته، عن طريق جهاز عام وهو جهاز النيابة العامة، مما يجعل قانون العقوبات بكل قواعده فرع من فروع القانون العـــــام.
ثانيا: قانون العقوبات فرع من فروع القانون الخاص
على عكس الاتجاه الأول، يرى أنصار هذا الاتجاه، بأن قانون العقوبات أقرب للقوانين الخاصة، سيما إذا نظرنا للتلازم الدائم بين الدعوى العمومية والدعوى المدنية التبعية، وأن معظم نصوصه تجرم وتعاقب حقوقا خاصة بالأفراد وتتدخل كلما عجزت القوانين الخاصة عن فرض الحماية الكافية لأحكامها، وبالتالي الجدل الفقهي لم يفصل في طبيعة قانون العقوبات، هنا ظهر اتجاه غالب في الفقه، رأى أنه لقانون العقوبات ذاتية واستقلالية عن كل فروع القوانين، سواء كانت خاصة أو عامة. وهي المسألة التي نتناولها في الفرع الموالي.
الفرع الثاني
ذاتية قانــــون العقوبات
يرى غالبية الفقه فصلا للجدل السابق، أن قانون العقوبات وبالرغم من علاقته بكامل فروع القانون الخاص، إلا أنه فرع من فروع القانون العام في الدولة، غير أنه يختلف عنها باستقلاله عنها، وبذاتية تميزه عن غيره من فروع القانون العام الأخرى، وليس مجرد حارس للقوانين الأخرى سواء كانت عامـــــة أو خاصة. فوظيفة القانون الجنائي داخل النظام القانوني للدولة، ليست مجرد وظيفة احتياطية باعتباره يتضمن قواعد جزائية تتدخل في حالة عجز القوانين الأخرى على بسط حماية لنفسها، فيتدخل لفرض الاحترام لهذه القواعد، مما يجعله قانون تابع لغيره ذو طبيعة احتياطية تدخله مرهون بعجز القواعد الأخرى، الأمر الذي يجعله مجرد حارس أو شرطي للقوانين الأخرى، يتم الاستنجاد به فقط في حالة عجز القواعد الأخرى[26]. وإن كان هذا القول يعد جزءا من الحقيقة، غير أنه ليس الحقيقة كلها، كون القانون الجنائي يشكل وحدة قانونية تتشكل من مجموعة من القواعد القانونية ذات الطبيعة الخاصة، التي لا تشبه أي فرع قانوني آخر، خاصة وأنه يتميز ببعض القواعد التي لم يسبق لباقي القوانين أن عرفتها، ويرتب التزامات تجهلها هذه القوانين، كالالتزام باحترام الآخرين ومساعدتهم، وفكرة الشروع التي في حقيقتها لا تعد اعتداء على أي حق من الحقوق أيا كانت طبيعتها، ويتطلب العمد كقاعدة والخطأ كاستثناء، ويركز في الكثير من الأحيان على بعض الظروف الأخرى، مثل شخصية الجاني والمجني عليه، وزمان ومكان ارتكاب الجريمة، ووسيلة ارتكاب الجريمة، ومثل هذه المسائل ليست ذات أهمية في فروع القانون الأخرى، كما أن القانون الجنائي وإن استعار مفهوما أو فكرة من فرع قانوني آخر، فإنه لا يتقيد بالمفهوم المعطى لها في هذا الفرع من فروع القانون، بل قد يوسع أو يضيق منه بحسب هدفه في حد ذاته بعيدا عن هدف القانون الآخر، كمدلول الملكية والحيازة والشيك والموظف العام، واهتمامه بفكرة الخطورة الإجرامية، وهي كلها أفكار تميزه وتجعل له ذاتية مستقلة عن سائر فروع القانون الأخرى سواء كانت عامة أو خاصة. وإن كان فعلا من القانون العام كونه يهدف بالدرجة الأولى لحماية النظام العام والمصلحة العامة، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح على خصائص هذا القانون وأهدافه، التي لا يتميز بها أي قانون آخر سواه، وهي الخصائص التي سنتناولها في الفرع الموالي، مع أهداف هذا القانون، مذكرين بأننا تعمدنا ترك الخصائص لما بعد تحديد الطبيعة وذلك على غير العادة – حيث في الغالب ما تعالج الخصائص مع التعريف ضمن المفهوم-.
.
المطلب الثالث
خصائص وأهداف قانون العقوبات
نظرا لطبيعة قواعد قانون العقوبات وما تميز به محتوى وذاتية واستقلالية، جعلته يتميز بجملة من الخصائص التي تعطي لهذا القانون نوع من التميز عن باقي فروع القانون الأخرى، وتؤكد فعلا فكرة ذاتيته واستقلاليته التي توصلنا إليها في النقطة السابقة، وتجعله يحقق أهداف مغايرة تماما للأهداف المتوخاة من باقي فروع النظام القانوني في الدولة، لذا سنحاول أن نتناول هذا الفرع من خلال فرعين، نخصص الأول لخصائص قانون العقوبات، والثاني لأهدافه.
الفرع الأول
خصائص قانون العقوبات
يتميز قانون العقوبات بجملة من الخصائص التي تميزه عن باقي فروع القانون الأخرى، وتؤكد استقلاليته عنها وتمتعه بذاتية، ومن أهمها، أنه قانون ذو طابع سيادي أحادي المصدر متصف بنوع من الثبات والاستقرار والتعقيد، وهو ما نفصله في النقاط التالية.
أولا: قانون العقوبات ذو طابع سيادي
من أهم الخصائص التي ينفرد بها قانون العقوبات عن سائر الفروع القانونية الأخرى، هو طابعه السيادي الذي من خلاله تعبر الدولة عن سيادته على إقليمها وبسط نفوذها عليه، من خلال مبدأ الإقليمية الحاكم لتطبيق هذا القانون كقاعدة – على نحو ما سنراه- ومن خلاله تعبر الدولة عن سيادتها على الأفراد أيا كانت جنسيتهم وتفرض عليهم السلوكات التي تتماشى وأهدافها، وعن طريقه تفرض النظام والاستقرار والأمن داخل المجتمع، كما أنه القانون الوحيد الذي يطبقه القاضي الوطني الذي يمتنع عليه كقاعدة تطبيق قوانين العقوبات الأجنبية.
ثانيا: قانون العقوبات أحادي المصدر
نظرا لارتباط قانون العقوبات بسيادة الدولة، وبناءه على مبدأ فريد من نوعه هو " مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات" الذي يقضي بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص صريح في القانون وأن يكون هذا الأخير صادر عن سلطة مختصة بإصداره وفقا للدستور، ووفقا لإجراءات محددة ومبينة دستوريا مخافتها يترتب عليه بطلان النص. مما يجعل منه قانوني أحادي المصدر، على عكس القانون المدني الذي تقضي المادة الأولى منه بتعدد مصادره، وهي الخاصية التي جعلت من قانون العقوبات يتميز بأخرى ناجمة عنها، وهي أنه قانون جامد.
ثالثا: قانون العقوبات قانون جامد
من الخاصية السابقة التي تحصر مصدر قانون العقوبات في النص التشريعي المكتوب، فإن التجريم والعقاب والتعديل والتغيير في أحكامه، يتطلب المرور بمراحل معقدة وطويلة وتتطلب فترة زمنية أطول مما تتطلبه باقي فروع القانون الأخرى، مما يجعله قانون يتميز بالجمود والثبات والاستقرار النسبي. خاصة وأن تجريم فعل جديد أو إلغاء جريمة موجودة يتطلب فترة زمنية طويلة لا نظير لها مع أي قانون آخر.
رابعا: قانون العقوبات ذو طابع إجرائي معقد
قانون العقوبات مرتبط ارتباطا وثيقا بقانون الإجراءات الجزائية، وآخر يتعلق بتنفيذ الجزاء المحكوم به، وأنه دون هذه القوانين الإجرائية لا يمكن أن يلقى قانون العقوبات التطبيق، حيث لا براءة ولا إدانة إلا بالمرور بمراحل إجرائية طويلة ومعقدة، وأن هذا القانون الإجرائي متعلق فقط بقانون العقوبات، عكس القانون الإجرائي في القوانين الخاصة الذي يحكم كل فروع القانون الموضوعية الخاصة وحتى العامة مثل القانون الإداري – يحكمها جميعا قانون الإجراءات المدنية والإدارية- وهي قوانين لا تحتاج في تطبيقها لهذه القوانين الإجرائية إلا إذا ثار نزاع، عكس قانون العقوبات الذي يوجب اقترانه بالقانون الإجرائي في أي إجراء.
الفرع الثاني
أهداف قانون العقوبات
بالنظر للذاتية الخاصة التي يتمتع بها قانون العقوبات وطبيعته السيادية، ووضعه الخاص في النظام القانوني للدولة، فإننا نجده يهدف إلى تحقيق مرامي سامية ورئيسية، يمكن لنا أن نوجزها في حماية مصالح المجتمع وتحقيق الأمن والطمأنينة لأفراده، وتحقيق العدالة، كل ذلك عن طريق فكرتي الردع العام والخاص، وهو ما نبينه باختصار في النقاط الأربعة التالية[27].
أولا: حماية المصالح الاجتماعية المشتركة
يهدف قانون العقوبات أساسا إلى حماية المصالح الاجتماعية المشتركة لجموع الأفراد الذين ينتمون للمجتمع، سواء كانت هذه المصالح جسدية، كالحق في الحياة وسلامة البدن من جرائم القتل والضرب والجرح وكل أشكال الإيذاء الأخرى، أو مادية اقتصادية، كحماية الأموال وكل أنواع الملكية والحيازة من السرقة والنصب والاحتيال والإتلاف... أو أدبية معنوية، كحماية الشرف والاعتبار من جرائم القذف والسب والشتم والتحقير...
ثانيا: تحقيـق العدالة
قواعد قانون العقوبات قواعد عامة ومجردة، كونها تهدف إلى تجريم السلوكات التي يرى المشرع أنها ضارة بمصالح المجتمع، دون أن يميز في ذلك بين الأفراد الذين يرتكبونها، مقرا عقوبة واحدة للجميع، ومبينا أحكام تدرج المسؤولية بصفة موضوعية ومجردة، ومراعيا لأوضاع الجناة والمجني عليهم وموازاة ذلك مع مصالح المجتمع، مبنيا على العديد من الأفكار القانونية التي تعد تجسيدا لفكرة العدالة في معناها الواسع، كمبدأ الشرعية ومبدأ مادية الجريمة، وفكرة الذنب أو الإثم، وشخصية المسؤولية والعقوبة... وهو في ذلك يرمي لتحقيق المساواة والعدالة داخل المجتمع، وهي الهدف الذي يقود لهدف آخر لا يقل أهمية وهو توفير الأمن والطمأنينة للأفراد، الذي نتناوله في النقطة الموالية.
ثالثا: توفير الطمأنينة للأفراد
يعد قانون العقوبات صدرا لتحقيق الأمن والطمأنينة للمخاطبين بأحكامه، بالنظر لما تتضمنه قواعده من تحديد مسبق لما هو محظور على الأفراد إتيانه، وبناءه على مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وهو المبدأ الذي يوفر الأمان للأفراد من تعسف وتحكم السلطة التنفيذية والقضائية، وبناء عليه قررت العديد من المبادئ الأخرى التي تعد مصدرا للاستقرار النفسي للأفراد أهمها تقادم الجرائم والعقوبات، عدم رجعية نصوص القانون العقوبات للماضي.
رابعا: تحقيق الردع العام والردع الخاص
الردع العام يتحقق بما تلحقه أحكام قانون العقوبات من تخويف وترهيب لأفراد المجتمع بما تتضمنه من عقوبات، ومن رؤيتهم إنزال هذه العقوبات على الجناة، أما الردع الخاص، فيتحقق بإنزال الجزاء على مقترفي الجرائم كنتيجة لعدم امتثالهم لأوامر ونواهي قانون العقوبات، لتكون مانعا لهم من معاودة الإجرام[28].
hadia369
2013-01-28, 23:56
الفصل الثاني
تطور قانون العقوبات
مــر قانون العقوبات في تطوره بالعديد من المراحل، وهي التي ميزت تطور المجتمعات البشرية، وعرف الكثير من التطورات والانقلابات، غير أننا سنركز دراستنا فقط على أهم المراحل التي تساعدنا على فهم مبادئه ومضامينه التي ترسخت اليوم كنظريات. وفي تمييز مراحل تطور قانون العقوبات يمكن القول بأنها ثلاث مراحل أساسية، هي مرحلة المجتمعات القديمة ما قبل ظهور وقيام الدولة، وبعدها مرحلة ظهور هذه الأخيرة وقيامها –الدولة، ثم مرحلة ظهور المدارس الفقهية وأثرها على تطور قانون العقوبات، غير أننا سنحاول أن نتناول هذا التطور ضمن مبحثين أساسيين، نخصص الأول لمحلة ما قبل ظهور المدارس الفقهية، والثاني لتطور قانون العقوبات مع ظهور المدارس الفقهية، كون الأخيرة هي التي ساهمت في تطوره ووصله للشكل الذي هو عليه حاليا.
المبحث الأول
قانون العقوبات في المجتمعات القديمة
يقصد بالمجتمعات القديمة، تلك المراحل الزمنية الطويلة التي مرت بها المجتمعات البشرية قبل أن تنتظم في شكل دول، وفي هذا الوقت أكد الباحثين أن البشرية عرفت أربعة نظم أساسية، هي نظام الأسرة، نظام العشيرة، نظام القبيلة، ثم فكرة المدينة التي كانت أساسا لقيام الدول. ورغم بساطة تكوين هذه الجماعات البشرية الصغيرة وطريقة عيشها التقليدية، إلا أنها عرفت الجريمة ورد الفعل المقابل ضدها، وهو ما أكدته الكتب السماوية منها الشريعة الإسلامية الغراء، حيث بينت أن أول فعل بشري مثير على وجه الأرض كانت جريمة قتل، حيث قال عز وجل في الآية 29 من سورة المائدة،:" فطوعت له نفسه قتل أخيه فأصبح من الخاسرين" في إشارة إلى قتل ابن آدم " قابيل" لأخيه هابيل. والاهتمام بالجريمة ورد الفعل المقابل، أي الجزاء، كانت النواة الأولى للاهتمام بقانون العقوبات، مثلما هو الأمر عليه اليوم، حيث أن أساس قواعد قانون العقوبات " الجريمة والجزاء" المشكلة للشق الموضوعي للقاعدة الجزائية. وسنحاول تقسيم تطور قانون العقوبات في المجتمعات القديمة إلى مرحلتين أساسيتين، هما مرحلة ما قبل ظهور الدولة، ومرحلة ظهورها، وذلك في المطلبين التاليين، مركزين فقط أهم التطورات التي شكلت ملامح القوانين العقابية المعروفة في العصر الحديث، دون تلك التفاصيل التي انفردت بها هذه المجتمعات ولم يبق لها اثر اليوم.
المطلب الأول
قانون العقوبات في فترة ما قبل ظهور الدولة
قبل ظهور الدول، عرفت المجتمعات البدائية التقليدية الأولى نظم اجتماعية بسيطة، تمثلت في الأسرة، القبيلة، ثم العشيرة. والتي عرفت بعض النظم والأفكار التي انعكست على مبادئ ونظريات قانون العقوبات، وطورت في مراحل تطوره اللاحقة. وهو ما نحاول الإشارة إليه باختصار وبتناول أهم الأفكار التي جاءت بها هذه التطورات، وذلك في الفرعين التاليين.
الفرع الأول
مجتمع الأسرة وقانون العقوبات
كانت بداية الاهتمام بقانون العقوبات، وتشكل نواته الأولى، عن طريق الأعراف التي تشكلت بخصوص فكرة " العدوان" ، حيث كان كل اعتداء على فرد من أفراد الأسرة يعد كاعتداء على سائر أفرادها، سواء كان اعتداءا داخليا أو خارجيا من فرد أو أفراد من أسر أخرى، في الحالة الأولى يقرر رب الأسرة الجزاء المقرر على الفرد مقابل اعتداءه على أسرته، والذي قد يصل حد النفي من الأسرة أو القتل، وفي حالة الاعتداء الخارجي كان الجزاء عبارة عن ثأر جماعي[29]. وما يمكن قوله عن هذه الفترة من حياة البشرية، أن الجرائم كانت قليلة وعادة ما تنحصر في جرائم الأشخاص فقط، وعلى الخصوص جريمة القتل، وذلك راجع لبساطة الحياة في تلك المجتمعات وقلة الأموال التي يحتمل الاعتداء عليها، مما انعدم معه جرائم الأموال، وكان رد الفعل على الجرائم التي كانت موجودة غريزيا يتمثل في انتقام المجني عليه أو أهله، على الجاني أو أهله، وهو الانتقام الذي يساوي أو يفوق – في غالب الأحيان- الضرر الذي لحق بهم، مما جعل من حلقات الانتقام تتسلسل وتتاولى حيث كل انتقام يعقبه انتقام مضاد وهكذا، الأمر الذي يترك بصمة واضحة وكبيرة في مجال تطور قانون العقوبات.
.
الفرع الثاني
مجتمع العشيرة وقانون العقوبات
بالنظر لكون العشيرة عبارة عن انضمام بعض الأسر لبعضها البعض[30]، خاصة تلك التي تربط بينها روابط النسب، ورثت العشيرة النظام العقابي الذي كان سائدا في مرحلة الأسرة، وطورته نوعا ما بما يلاءم مصالح العشائر الجديدة، خاصة وأن سلطات رب الأسرة في توقيع الجزاء، انتقلت إلى رئيس العشيرة في حال ما إن كان الجاني ينتمي لهذه العشيرة، وحلت فكرة الانتقام الجماعي" بين أسر العشيرة الواحدة، مما هدد أمن العشائر وأحلوا محله فكرة الطرد من العشيرة حتى لا يعرض وحدتها للخطر، واهتدوا أيضا لفكرة نظام القصاص الذي كان له تأثير كبير في الحد من شهوة الانتقام الفردي والمبالغة في الثأر. غير أنه في حالات الاعتداءات الخارجية بقيت الحروب بين العشائر وسيلة لتوقيع الجزاء والانتقام من جناة العشائر الأخرى، وتفكيرا في الحد من ويلات هذه الحروب اهتدت العشائر لفكرة الدية والصلح، الدية وهي مبلغ من المال تدفعه عشيرة المعتدي لعشيرة المعتدى عليه نظير تنازلها عن الثأر، مما قلل من الحروب التي كانت تثار من حين لآخر بين هذه العشائر، وقربت بينها، الأمر الذي جعلها تتحد في نظم اجتماعية أوسع هي نظم القبيلة والمدن[31]. سيما بظهور الديانات التي ساهمت في هذا التوحد والاندماج، وقوت من سلطات الحكام التي اصطبغت بصبغة دينية، الأمر الذي جعل من الجرائم التي يقرها تصطبغ بصبغة دينية أيضا، وتجعل من العقوبة التي تنزل بالجاني، إرضاء للآلهة قبل أن تكون انتقاما أو ثأرا. مما مكن الكهنة ورجال الدين في التجريم والعقاب. ويمكن القول أن هذا التطور يسمح لنا القول بأن سلطات التجريم والعقاب انتقلت من رب الأسرة إلى رب العشيرة إلى رجل الدين أو الكاهن، وأن العقوبة إرضاء للآلهة قبل أن تكون عبارة عن انتقام أو ثأر من الجاني. ومع ظهور الدول عملت على تعديل مضامين التجريم والعقاب بما يبسط هيبتها ويؤكد هيمنها ويفرض سادتها وسلطانها، وكانت وسيلتها الوحيدة في ذلك قانون العقوبات، وقد كان لها ذلك فعلا.
المطلب الثاني
قانون العقوبات ومرحلة ظهور الدولة
مع البدايات الأولى لظهور الدولة، عملت الأخيرة على الإبقاء على نظامي الصلح والدية، وتعديلها بما يخدم أهدافها ويحافظ على مصالحها، لذا أول ما قامت به أن جعلت منهما نظامين إجباريين، بعدما كانا في المجتمعات القديمة نظامين اختياريين، وفي شق التجريم عملت على التوسع في الجرائم العامة على حساب الجرائم الخاصة، مما مكنها من القضاء على سلطات رؤساء العشائر والقبائل، وقامت من جديد بتعديل النظم التجريمية والعقابية بما يخدم مصالحها الآنية، ويقوي نفوذها ويحقق أهدافها. وعكس المجتمعات القديمة أين كان الاهتمام بالعقوبة أكثر من الاهتمام بالجريمة، فإنه مع ظهور الدولة انعكس الوضع، وبدأ الاهتمام بالجريمة أكثر من العقاب، فبعدما عملت على إحداث الجرائم العامة الماسة بنظام الدولة، ووسعت من نطاقها على حساب الجرائم الخاصة، ربطت الجريمة بنظام وأمن المجتمع – وهي الفكرة السائدة في النظام الجنائية الحديثة- وبما أن الجريمة مساس وتعريض لمصالح الدولة وسيادتها للخطر، فإن رد الفعل عليها حق للدولة فقط، لها أن تقرر نوعه ومقداره، وبالتالي أصبح النظام العقابي شأن من شؤون السلطة وحدها دون غيرها. كما ظهرت فكرة الردع ووقاية المجتمع من الإجرام، كأهداف للجزاء الجنائي عوض الانتقام والثأر، والردع قد يكون خاص يتمثل في تكفير الجاني عن إثمه، أو عام يتمثل في تخويف وترهيب باقي أفراد المجتمع، ليتأكد بذلك الدفاع عن أمن وسلامة المجتمع، غير أن هذه الأهداف جعلت الدول القديمة تبالغ في قسوة العقوبات، وهنا ظهرت عقوبات الإعدام بكثرة، مع عقوبات أخرى كثيرة تنطوي على الكثير من صنوف التعذيب، مثل الإحراق وتمزيق الأطراف والتغليل بالسلاسل. الأمر الذي جعل القرون الوسطى، التي شهدت نشأة وظهور الدول تمر بمرحلة سواد حالك في المجال العقابي، في الغالب ما يتجاوزه الشراح الأوروبيين، لإخفاء حقيقة الوضع المأساوي في المجتمعات الأوروبية، من جهة، ولتغطية أفضال الشريعة الإسلامية على المجتمعات من جهة ثانية. خاصة وأنها الشريعة التي أنارت هذه الحقبة التاريخية وطورتها وأرست حضارة ظاهرة لا تخفى معالمها. وهو ما يقدونا إلى تناول فكرة أثر الدين على تطوير قانون العقوبات[32]، من خلال فرعين، نتناول في الأول قانون العقوبات والديانة المسيحية، وفي الثاني الشريعة الإسلامية وأثرها في تطوير قانون العقوبات.
الفرع الأول
قانون العقوبات والديانة المسيحية
ورثت الدول الأوروبية القوانين الجزائية المصبوغة بصبغة دينية، نتيجة انتشار الديانة المسيحية، وهو الوضع الذي استغلته الكنيسة وحاولت الإبقاء عليه وتدعيمه، ومحاولتها السيطرة على أجهزة العدالة بالنظر لكونها صاحبة الاختصاص، باعتبار الجرائم اصطبغت بصبغة دينية، الوضع الذي جعل الكنيسة تنازع الدولة في مسألة الاختصاص القضائي، والتجريم والعقاب، وهنا انقسم قطاع العدالة إلى قسمين، عدالة كنسية يرعاها رجال الدين، وعدالة دنيوية ترعاها الدولة، ونتج عن ذلك صراع طويل ومرير انتهى في نهاية المطاف إلى تغليب دور المحاكم الدنيوية على حساب المحاكم الكنسية، مما زد من تعسف وتحكم أهواء الحكام، وظلت العقوبات تتصف بالقسوة، ابتلى فيها الناس بعدالة لا ترحم، هدفها وهمها الوحيد ردع الشعوب وتخويفهم وبث الرعب فيهم حفاظا على كيان الدولة، ورغم ذلك بقيت الجرائم والعقوبات تتسم بصبغة دينية، وساد اعتقاد في أوروبا أن أي كارثة أو مشكلة تحل بالمجتمع سببها غضب الآلهة عن الجريمة التي أغضبتها، لذا يجب إنزال أشد العقوبات على من يغضب الآلهة، واعتبرت العقوبة في القانون الكنسي تكفير عن ذنوب الجاني وإرضاء للآلهة. ومما زاد الأوضاع تعقيدا، مبالغة القضاة في إرضاء الحكام، وتكريس الطبقية بين الناس وسيادة اللامساواة، ومما أزم الأوضاع أكثر اعتبار الحكام أنفسهم مفوضون في الأرض للحكم باسم الآلهة، فكانت هذه الفترة في أوروبا في الحقيقة من أسوأ الفترات التي عرفتها العدالة الجنائية وقانون العقوبات على الإطلاق، امتدت لنهاية القرون الوسطى، وبالضبط إلى ما قبل الثورة الفرنسية سنة 1789. غير أن الأمر اختلف في الناحية الثانية من العالم بإطلال فجر الشريعة الإسلامية.
الفرع الثاني
أثر الشريعة الإسلامية في تطوير قانون العقوبات
على عكس الجانب المظلم للعدالة الجنائية وقانون العقوبات السائد في أوروبا في القرون الوسطى، فإن الجهة الأخرى المقابلة كانت تنعم بتطبيق أكثر النظم القانونية الجنائية إحكاما، حيث كانت تطبق الشريعة الإسلامية، التي نرى أنها على عكس التطورات السابقة، اهتمت بالجريمة قبل اهتمامها بالعقوبة، حيث قسمت الجريمة شرعا إلى ثلاثة أقسام مختلفة لكل منها قواعدها وأحكامها، ولكل نوع منها عقوباتها الخاصة، وأصناف الجرائم في الشريعة الإسلامية هي: جرائم الحدود التي حددت على سبيل الحصر في القرآن الكريم، ويعاقب عليها بعقوبة تسمى الحد المقرر كحق لله عز وجل، وهي جرائم قررت لحفظ النفس والنسل والعرض والمال والعقل والدين، لذا قابلتها جرائم: السرقة، الزنا، القذف، شرب الخمر، الردة، البغي والحرابة. والنوع الثاني من الجرائم، هي جرائم القصاص والدية وهي جرائم قررت حفاظا على مصالح الأفراد، والنوع الثالث، وهو الجرائم التعزيرية التي تعني تأديب على الذنوب التي لم يأتي فيها حد من الحدود، أو القصاص والدية. كما اهتمت الشريعة الإسلامية بفكرة المسؤولية الجنائية وطرق الإثبات وغيرها من الأفكار التي لم تكن معروفة في القانون العقابي في الشق الآخر من العالم.
وما يمكننا قوله عن دور الشريعة الإسلامية، نبرزه باختصار فيما قاله العلامة أحمد عبد الرزاق السنهوري :" لو وطئت أكنافها وعبدت سبلها لكان لنا في هذا التراث الجليل ما ينفخ روح الاستقلال في فقهنا وفي قضائنا وفي تشريعاتنا، ثم لأشرفنا نطالع العالم بهذا النور الجديد فنضيء به جانبا من جوانب الثقافة العالية في القانون "، وهي حقيقة لم يقف عندها فقهاء الشريعة الإسلامية فقط وإنما حتى الفقه الأوروبي المقارن، خاصة في المؤتمر الذي عقدته شعبة الحقوق الشرعية من المجتمع الدولي للحقوق المقارنة في كلية الحقوق جامعة باريس في 2 جويلية 1951 بعنوان: " أسبوع الفقه الإسلامي "، حيث تم التأكيد على أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يمارى فيها، كما أن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات ومن الأصول الحقوقية التي هي مناط الإعجاب، والتي بها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها وفي أثناء مناقشات هذا المؤتمر أبدى نقيب المحامين في باريس آنذاك دهشته بقولــه : " أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلاحيته كأساس تشريعي يفي بحاجات المجتمع الحضري المتطور، وبين ما نسمعه الآن في محاضرات ومناقشات، مما يثبت خلاف ذلك تماما ببراهين النصوص والمبادئ"
هذا، ويمكننا أن ننبه طلبتنا الأعزاء، أن الاهتمام في هذه المراحل كان منصبا بالأساس على فكرة العقوبة والجزاء، وهو أمر تبينه غالبية الدراسات، في حين أننا نرى الأهم أن يتم التركيز على جانب الجريمة وهو ما أهمل تماما، لكن بدراستنا لمختلف التطورات أمكننا أن نستنتج الملاحظات التالية بخصوص تطور نظرية الجريمة، في مقابل تطور نظرية الجزاء السابقة، فالجرائم في المجتمعات البشرية القيديمة، وبالنظر لبساطة طرق عيشها،لم تكن متعددة بالشكل الحالي، حيث أهم ما عرفته المجتمعات البشرية قديما خاصة في مرحلة الأسرة وبداية تشكل العشائر، هو الجرائم الواقعة على الأشخاص وأهمها جريمة القتل، ثم مع القوة التي بدأت تتخذها المكونات القديمة وتقوية طرق عيشها ووسائل تبادلها، بدأت تظهر الجرائم المالية، وبظهور الدين ظهرت الجرائم التي تشكل اعتداء على الديانات، وبظهور الدولة ونظم الحكم المختلفة ظهر ما يعرف اليوم بالجرائم السياسية. أما من حيث تكوين البنيان القانوني للجريمة، فلم يكن ينظر في المجتمعات القديمة للجانب النفسي للجريمة أو لمرتكبها، وبمعنى قانوني أدق، لم يكن ينظر للركن المعنوي للجريمة، حيث كانت مجرد فعل مادي يسأل من صدر عنه دون اعتداء بإرادته أو قصده، فالجريمة وفق هذه المجتمعات كانت تتكون من ركن واحد هو ركن مادي. أما بداية بروز الركن المعنوي للجريمة واتخاذه مكانته كركن أساسي في الجريمة، كان مع ظهور القانون الروماني القديم، لكن دوره كان مقتصرا على تحديد المسؤولية وتقدير العقاب لا كركن بالمعنى القانوني الدقيق، بناء عليه يكتمل البنيان القانوني للجريمة. غير أن هذا الركن اتخذ مكانته الطبيعية إلى جانب الركن المادي، بظهور الديانة المسيحية، حيث تعد الجريمة في نظر الفقه الكنسي أن يكون الجاني أراد الخطيئة واتجهت نيته إليها، لكن مع الشريعة الإسلامية تبلور بطريقة واضحة، ومن بعده المسؤولية الجنائية وموانعها وأسباب الإباحــــة.
أما النقطة الثانية التي من خلالها يمكننا التطرق لتطور قانون العقوبات، هي فكرة مبدأ الشرعية
أو على الأقل مبدأ التجريم والعقاب، حيث أنه في المجتمعات القديمة لم يكن المبدأ معروفا وبالتالي كان التعسف ومبدأ اللامساواة، وكان الأفراد يفاجئون بجرائم لم يكن أمرها مجرما من قبل وتوقع عليهم عقوبات لم ينذروا بها من قبل وعدم المساواة بن الجناة حيث كانت تتحكم في ذلك وضعهم الاجتماعي والطبقي.
المبحث الثاني
قانون العقوبات وظهور المدارس الفقهية
بالرغم من أن ظهور الدولة لم يأتي بالكثير من الجديد لتطور القانون العقابي، إلا أن الوضع المظلم والحالك الذي عرفته أوروبا في القرون الوسطى، عرف ظهور العديد من التيارات الفكرية الجنائية المنادية للإصلاح، وهي التيارات التي تولدت عنها العديد من المدارس الفقهية الجنائية التي لازال فكرها يدرس لغاية اليوم، وتركت بصماتها الراسخة على قانون العقوبات، بالرغم من أن كل مدرسة من هذه المدارس قامت على أسس فلسفية تختلف تمام على المدارس الأخرى، ورغم هذا الاختلاف، إلا أنها ساهمت في إصلاح تشوه واعوجاج العدالة الجنائية الأوروبية، وأنقذتها من غرقها في الظلمة والفساد الذي كانت تعرفه، وخلصتها من القوانين العرفية والمنشورات الملكية التي كانت تكرس التعسف والتحكم والحكم وفق أهواء الحكام والملوك، وتقنن اللامساواة والطبقية، وكان ذلك نتيجة لإشعال مشاعر الفلاسفة والمفكرين التي حركت أقلامهم لتشعل كتاباتهم بوادر الثورة على الأوضاع، والمناداة بقانون أكثر إنسانية ينبذ عم المساواة والتفرقة وتحكم القضاة واستبداد الحكام، سيما في ظل تشبع المجتمعات الأوروبية آنذاك بفلسفة العقد الاجتماعي، للفقيه جون جاك روسو التي أوضح مضامينها في كتابه العقد الاجتماعي، وفلسفة الفقيه مونتسكيو بظهور كتابه روح القوانين سنة 1748 الذي أول ما أكد فيه هو نسبية قانون العقوبات وضرورة اختلافه باختلاف المجتمعات والعصور، كما هاجم بشدة النتائج المترتبة عن الانتقام الجماعي وبصفة خاصة قسوة العقوبات، الأمر الذي شجع على إيجاد مناخ فكري جنائي نادى بقانون عقوبات يراعي روح العصر ورغبة المجتمعات في التغيير والتجديد والإصلاح، وكثرت التيارات الفكرية في أهم الدول الأوروبية، وأهمها إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، التي شكلت العديد من المدارس الفقهية، التي ساهمت بصفة مباشرة في بلورة القانون الجنائي كنظام متكامل، وأهم هذه المدارس، المدرسة التقليدية الأولى ( المدرسة الكلاسيكية)، والمدرسة التقليدية الحديثة، والمدرسة الوضعية، والعديد من المدارس الوسطية أو التوفيقية، وأخيرا ظهور مدرسة الدفاع الاجتماعي، وعموما يمكن تلخيص هذه الاتجاهات في المدارس التقليدية، ونقيضتها المدرسة الوضعية، وبينما المدارس التوفيقية، وهو الأمر الذي نعالجه من خلال المطالب الثلاثة التالية.
.
المطلب الأول
المدارس التقليدية
المدرسة التقليدية من أهم وأولى المدارس الفقهية التي اهتمت بقانون العقوبات وساهمت في تطويره بشكل كبير، خاصة وأنها شهدت العديد من التطورات في حد ذاتها، وهي التطورات التي أسفرت عن ظهور مدرستين تقليديتين، سميت الأولى بالكلاسيكية أو بالتقليدية الأولى أو القديمة، وسميت الثانية بالمدرسة التقليدية الحديثة، وكانت هناك محاولات لإنشاء مدرسة تقليدية ثالثة، غير أن دراستنا ستتركز على المدرستين الأوليتين، في الفرعين التاليين.
الفرع الأول
المدرسة التقليدية الأولى (المدرسة الكلاسيكية)
نشأت هذه المدرسة في منتصف القرن الثامن عشر[33]، بعد صدور كتاب " الجرائم والعقوبات" للمفكر الإيطالي بيكاريا سنة 1764، الذي ألفه في مجتمع اتسم بقسوة العقوبات والتجريم على الأهواء وانتفاء المساواة في التطبيق تبعا لاختلاف الطبقات، حيث نادى في كتابه بوجوب المساواة والقضاء على الطبقية، والإقلال من قسوة العقوبات، ونادى بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وهي الأفكار التي اتبعها في إيطاليا فيلا تيجري، وفي ألمانيا فويرباخ، وفي إنجلترا بنتام، الذي أدخل فكرة المنفعة كأساس لتقدير العقوبة، وأن تكون العقوبة بقدر من الإيذاء والألم للمجرم بقدر يفوق اللذة التي حصل عليها من ارتكاب جريمته، كما ركز على الأثر الرادع للعقوبة، خاصة الردع العام الذي يعد أساس إحجام الناس على ارتكاب الجرائم، وعموما يمكن تلخيص الأسس الفلسفية التي قام عليها فكر المدرسة التقليدية على المبادئ التالية التي كان لها أثر في قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1910:
1- إقرار مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وإبطال سلطة القاضي في خلق الجرائم، والتقليل من سلطته التقديرية في تحديد العقوبات.
2- أساس المسؤولية الجنائية حرية الاختيار، حيث توجه أوامر ونواهي قانون العقوبات للشخص المميز المدرك لتصرفاته.
3- الحد من قسوة العقوبات، ورأى بيكاريا الذي يعد أول من وضع أسس في فلسفة العقاب ووضع نظرية متكاملة تحدد أساس حق الدولة في العقاب، وانتقد قسوة العقوبات التي رأى أنه لا فائدة منها حيث يعمل الجناة على الإفلات منها، بل فكر في أن العقوبة يجب أن تكون بقدر يفوق ما يحصل عليه الجاني من جريمته، حيث إذا فكر في ارتكاب جريمة وازن بين ما يعود عليه من نفع جراء ارتكابه هذه الجريمة، وما ينزل عليه من عقاب، حيث إن وجد الألم الذي ينزل به جراء العقوبة يفوق النفع الذي يحصل عليه من اقتراف الجريمة امتنع عن ارتكابها، بينما جاك روسو وفي كتابه العقد الاجتماعي، فيرى رد العقوبة إلى أدنى الحدود، حيث أن الشخص لما تنازل عن حريته للجماعة، لم يتنازل إلا عن القدر اللازم لحماية هذه الحرية، وتبنى جيريمي بنتام فكرة المنفعة الاجتماعية أيضا، التي نادى بها بيكاريا، حيث رأى أنه لا فائدة من قسوة العقوبات ما لم تكن تنطوي على مصلحة، وبالتالي نادى هؤلاء، بالمساواة بين الناس في العقاب، والتقليل من قسوة العقوبات والأخذ بفكرة حرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجنائية.
الفرع الثاني
المدرسة التقليدية الحديثة
وهي المدرسة التي قامت على أفكار الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت، والتي كان لها أثر كبير على الفكر القانوني الجنائي، حيث نادى بفكرة العدالة المطلقة، وأسس العقوبة على اعتبارات إرضاء الشعور بالعدالة، حيث أن الجاني أنزل شرا بالمجتمع، وإرضاء شعور هذا المجتمع بالعدالة يجب أن يقابله إنزال شر بالجاني، حتى ولم لم تتحقق مصلحة للمجتمع في ذلك، وقد صاغ في ذلك مثالا شهيرا، هو أنه المجتمع الذي يهجر فرد أو يعدمه وبالرغم من أنه افتقد لهذا العضو ولم ينل أية فائدة من ذلك، إلا أن تنفيذ العقوبة تنزل رضاء بالعدالة بهذا المجتمع. وقد تأثر بأفكار هذا المفكر، روسيه وأرتولا وموليه في فرنسا، وكيرار وكرمينيان في إيطاليا، وهوس في بلجيكا، وميترماير في ألمانيا، وتكونت من أفكار الجميع المدرسة التقليدية الحديثة، وجمعوا بين فكرة العدالة التي نادى بها كانت، وفكرة المنعة التي نادى بها بنتام، وأسسوا العقوبة على فكرة العدالة التي تحقق منفعة للمجتمع، حيث لا يعاقب الجاني بعقوبة تتجاوز الحدود التي تتطلبها مصلحة المجتمع، كما انتقد رواد هذه المدرسة فكرة المساواة المطلقة التي لا تأخذ بعين الاعتبار شخصية الجاني وظروفه الشخصية، حيث أدخلوا فكرة الظروف المخففة ونادوا تبعا لذلك بالتوسع بعض الشيء في السلطة التقديرية للقاضي حتى يراعي الظروف الشخصية للجاني[34].
المطلب الثاني
المدرسة الوضعية ( أو الإيطالية)
المدرسة الوضعية نشأت بإيطاليا مع صدور كتاب " الإنسان المجرم" للطبيب الإيطالي لمبروزو سنة 1876، وتبعه القاضي جارو فالو الذي ألف كتابا عن علم الإجرام، وفيري الذي وضع مبادئ نظريته في رسالة تخرجه من كلية الحقوق، بعنوان " آفاق جديدة في قانون العقوبات"، وكونت آراء الثلاثة المدرسة الوضعية، التي تعد أول محطة حولت الأنظار من الاهتمام بالجريمة كفعل ضار وقع في المجتمع، إلى شخص المجرم باعتباره محدث هذا الفعل الضار، ومصدر الخطورة في العودة مستقبلا للإجرام، وإحداث المزيد من الوقائع الضارة الأخرى بالمجتمع، وبالتالي وجوب أن يهدف رد فعل المجتمع هذه الخطورة الإجرامية، وذلك بتطبيق التدابير الاحترازية للقضاء على الخطورة الكامنة لدى المجرم. خاصة وأنها المدرسة التي نفت بداية " حرية الاختيار" عن الجاني، فهو مدفوعا دائما بعوامل داخلية دفعته لارتكاب الجرائم، سواء كانت هذه العوامل الداخلية، ذات أصل وراثي أو جثماني أو اجتماعي، والتي تدفعه جبرا إلى ارتكاب الجرائم، وبالتالي العقوبة سوف لن يكون لها أثرا رادعا ويجب أن يتجرد مضمونها من فكرة الردع، كون الردع يستلزم التسليم بحرية الإرادة[35]، والجاني ليس حرا بل مدفوعا، بمعنى ليس مخيرا بل مسيرا. وأن الخطورة الإجرامية هذه يجب أن تواجه بتدابير احترازية كفيلة بالقضاء عليها، وإصلاح الجاني
أو إقصائه من المجتمع إن تعذر إصلاحه، لذا تمحورت أفكار هذه المدرسة حول المبادئ التالية:
1- ضرورة قيام قانون العقوبات على أسس شخصية، حيث يجب أن يأخذ بعين الاعتبار شخصية الجاني وليس ماديات الجريمة، فالجريمة ليست عبارة عن مظهر مادي خارجي، وإنما انعكاس لخطورة إجرامية كامنة لدى الجاني.
2- إنكار حرية الاختيار، والقول بأن المجرم مسير وليس مخير، فهو مدفوع لارتكاب الجرائم نتيجة خطورته الإجرامية، لذا فمسؤوليته لا تقوم على أساس حرية الاختيار، وإنما على فكرة الخطورة الإجرامية. حيث يرى أنصار هذه المدرسة أنه هناك خطرون وليس مذنبون، والخطر يجب أن يوضع في مكان لا يمكنه من الاعتداء على غيره، لذا يجب تقرير التدابير الاحترازية عوض العقوبات.
3- تصنيف المجرمين تبعا لعوامل الخطورة الإجرامية لديهم، وتقرير تدابير احترازية خاصة بكل طائفة من هذه الطوائف، فالمجرمين يصنفون إلى مجرم بالطبيعة، ومجرم معتاد، ومجرم بالعاطفة، ومجرم بالمصادفة، فالمجرم بالطبيعة والمجرم بالاعتياد مدفوعين إلى ارتكاب الجرائم بعوامل تكوينية، يستحيل شفائها، يتعين اتخاذ تدابير الإبعاد من المجتمع ضدهم، والمجرم المجنون فهو مدفوع إلى الإجرام نتيجة مرض عقلي، يتعين إيداعه إحدى دور الأمراض العقلية، والمجرم بالعاطفة هو المجرم الذي يندفع إلى ارتكاب الجريمة نتيجة عدم توازن في حالته العاطفية، يتعين أن يعوض أضرار الجريمة زيادة على توقيع تدابير احترازية عليه، والمجرم صدفة، وهو الذي دفعته لارتكاب الجريمة عوامل وظروف اجتماعية طارئة، وبالتالي يمكن إصلاحه بتدبير احترازي يعالج الظروف الاجتماعية التي دفعته لارتكاب الجريمة.
4- رد فعل المجتمع يجب أن يكون عبارة عن تدبير احترازي هدفه إما الإصلاح أو الإقصاء من المجتمع، لا على العقوبة الهادفة إلى الردع والقائمة على اعتبارات العدالة.
وإن كانت أفكار المدرسة الوضعية لم تطبق بالكامل في القوانين والنظم الجنائية، إلا أن بعض أفكارها كانت أساس للعديد من الأفكار القانونية، مثل منح القاضي السلطة التقديرية في تقدير العقوبة الملائمة لشخصية الجاني، وهو ما يسمى مبدأ تفريد العقاب الذي يعد من أهم المبادئ الجنائية المطبقة في كل التشريعات الجزائية الحديثة، وفكرة غرض العقوبة الإصلاحي والعلاجي التي أصبحت محور لسياسات تنفيذ العقوبات في التشريعات الوضعية.
المطلب الثالث
المدارس التوفيـــقية
أسفر الجدل الذي حصل بين المدرستين التقليدية والوضعية، إلى ظهور مدارس وسطية أو توفيقية، حاولت التوفيق بين آراء المدرستين، متفادية إسراف المدرسة الوضعية في دراسة المجرم على حساب الجريمة، وإنكار حرية اختياره تماما، وإفراغ العقوبة من معاني الردع تماما وتوجهها نوح الإصلاح والعلاج وحتى الإقصاء، وعلى النقيض من ذلك، مغالاة المدرسة التقليدية في الاهتمام بالجريمة دون المجرم، أي الاهتمام بالفعل دون الفاعل، وحرية إرادته، وإفراغ العقوبة من كل معاني الإصلاح والعلاج والتهذيب، وتوجهها فقط نحو تحقيق العدالة والمساواة والمنفعة الاجتماعية.
وكانت من أهم المدارس التوفيقية، المدرسة الثالثة التي أنشأها في إيطاليا كارنفالي وأليمينا، والاتحاد الدولي لقانون العقوبات الذي أسسه فان هامل برنس وفون ليست، ونقطة الاشتراك بين هذه المدارس، هي الاعتراف بحرية الإرادة لدى الجاني وإقامة المسؤولية الجنائية على أفكار التمييز والإدراك، وأن أهداف العقوبة متعددة، فهي تهدف إلى تحقيق الردع، كما تسعى إلى إصلاح الجاني وتهذيبه وعلاجه أيضا، لذا يمكن إقرار التدابير الاحترازية إلى جانب العقوبات التقليدية، وبذلك أصبحت الغلبة لأفكار المدارس التوفيقية في التشريعات العقابية الحديثة[36]، بما فيها المشرع الجزائري، الذي أسس المسؤولية الجنائية على حرية الإرادة والتمييز والإدراك، حيث لا تقوم هذه المسؤولية في حالة صغر السن والجنون والإكراه ( المواد من 47 إلى 51 من تقنين العقوبات الجزائري)، ولإقراره للتدابير الأمنية إلى جانب العقوبات ( المواد 19-22 من تقنين العقوبات الجزائري). ومن بين أعهم المدارس التوفيقية، نجد مدرسة الدفاع الاجتماعي، ومدرسة الاتحاد الدولي لقانون العقوبات، الذين سنتناولهما من خلال الفرعين التاليين.
الفرع الأول
مدرسة الدفاع الاجتماعي
الاهتمام بالشخص الجاني عوض الجريمة
وهي المدرسة التي تأسست على يد الفقيه الإيطالي جراماتيكا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أنشا مركزا للدراسات التي تتمحور حول فكرة أو نظرية " الدفاع الاجتماعي"، وأسس مجلة سميت ب " مجلة مؤتمرات الدفاع الاجتماعي" في إيطاليا سنة 1947، وفي بلجيكا سنة 1949، و1954، ونشرت سنة 1955 برنامجا تضمن الحد الأدنى لسياستها. وهي المدرسة التي تقوم أساسا حول الأفكار التالية:
1- يجب أن يكون هدف قانون العقوبات، حماية المجتمع من مخاطر السلوكات المجرمة، ولا أن تكون وظيفته مجرد القصاص من الجاني وتخويفه وترهيبه بالعقوبات، لذا يجب أن يتم إقرار وسائل أخرى إلى جانب العقوبات التقليدية، وهي تدابير الدفاع الاجتماعي، لتصبح العقوبة تدبيرا للدفاع الاجتماعي، وقانون العقوبات قانونا للدفاع الاجتماعي. وهي بذلك تدافع عن أفراد المجتمع كافة، بما فيهم الجناة ذاتهم، ولا تهتم كثيرا بالبحث في الأساس الفلسفي لمسؤولية الجاني.
2- تتقرر تدابير الدفاع الاجتماعي بدراسة علمية دقيقة تكشف أسباب انحراف الجاني لاختيار التدبير الملائم للتطبيق عليه.
3- إيلاء أهمية كبيرة لمتابعة الجاني ومساعدته بعد إخضاعه لتدابير الدفاع الاجتماعي، وذلك بتقديم الرعاية والمساعدة له للتغلب على الأسباب التي أدت به إلى الانحراف، وبذلك يمكن إعادة الإدماج الاجتماعي للمجرمين كأعضاء صالحين فيه.
4- كما يمكن تطبيق تدابير الدفاع الاجتماعي حتى قبل إقدام الشخص على ارتكاب الجريمة، وذلك من خلال الكشف المبكر عن الأشخاص الذين تتوفر لديهم نفسيا واجتماعيا عناصر يترجح معها ارتكابهم جرائم في المستقبل. بل الأكثر من ذلك، نادى جراماتيكا بالعديد من الوسائل التي يجب أن تبنى عليها السياسة الجنائية، لدرجة أنه انتقدت من زميله مارك آنسل الذي ظل فترة طويلة سكرتيرا عاما للحركة، واعتبر آراء جراماتيكا آراء شخصية متطرفة خاصة وأن الأول نادى بإلغاء قانون العقوبات.
الفرع الثاني
مدرسة الاتحاد الدولي لقانون العقوبات
وهو الاتحاد الذي تأسس سنة 1880 من قبل مجموعة من الفقهاء أهمهم: أدولف برنز، فون ليست، فان هامل، وأخذوا بأهم الأفكار التوفيقية بين المدارس السابقة، وتركزت فلسفته على دعامتين أساسيتين، هي أن مهمة قانون العقوبات الكفاح ضد الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية، وأن يراعي القانون الجنائي النتائج التي تسفر عنها الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية، وهو ما يدل على الاتجاه العلمي للاتحاد الدولي ورفضهم التام لفكرة التسليم بالحتمية، وطالب هؤلاء الفقهاء رجال القانون بضرورة ألا يغرقوا في الأفكار الفلسفية، بل وجوب التفكير في الشعور الداخلي للفرد بحريته، وهي الأفكار التي أثرت في بعض التشريعات أهمها قانون الدفاع الاجتماعي البلجيكي الصادر سنة 1930، الخاص بالمجرمين الشواذ والعائدين، كما ظهرت حركات فقهية حديثة نتيجة أفكار هذا الاتحاد، أهمها الحركة التي ظهرت في إسبانيا باسم علم الإجرام الحديث.
المبحث الثالث
تطور قانون العقوبات الجزائري
الجزائر من بين الدول التي عرفت تطورات كبيرة على مستوى قانون العقوبات، خاصة وأنها من الدول الإسلامية التي طبقت أحكام الشريعة الإسلامية في مرحلة معينة من تاريخها، كما عرفت بعض التطورات في الفكر الجنائي نتيجة استعمارها من قبل الاحتلال الفرنسي ولفترة طويلة من الزمن، لتكون أهم المراحل المميزة لتطور قانون العقوبات في الجزائر، ثلاث مراحل، مرحلة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، مرحلة تطبيق القانون الفرنسي، ومرحلة الاستقلال التي شهدت تطبيق قانون عقوبات وطني، وهو ما نتناوله في المطلب الثلاثة التالية.
المطلب الأول
مرحلة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية
عرفت الجزائر تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الفترة التي أعقبت الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا، حيث طبقت الشريعة على كل المجالات بما فيها المجال الجزائي، بما فيها شقي التجريم والعقاب، حيث عرفت تقسيم الجرائم وفقا للتقسيم الشرعي لهان جرائم الحدود، جرائم القصاص، والجرائم التعزيرية، وهو ما نبينه في الفروع الثلاثة التالية.
الفرع الأول
جرائــــم الحدود
جرائم الحدود جرائم محدودو ومبينة على سبيل الحصر بالكتاب ( القرآن الكريم)، والتي يعاقب عليها بعقوبة تسمى " الحد" الذي يعني لغة المنع، أي منع الجاني من معاودة ارتكاب الجريمة، والحد عقوبة قررها الخالق نتيجة الجريمة التي تشكل اعتداء على حق لله عز وجل، سيما وأنه بالاطلاع على هذا النوع من الحدود يبين أنها تهدف لحفظ النفس والنسل والعرض والمال والعقل وحفظ الدين. والأصل أن الحد مقرر كقاعدة بموجب نص قرآني، واستثناء بموجب السنة النبوية الشريفة مثلما هو الشأن بالنسبة لجريمة شرب الخمر، وجريمة الردة، حيث تكفل النص القرآني بتبيان شق التجريم، بينما تكفلت السنة بتبيان الحد المقرر لها كعقوبة. وعقوبة الحد لا تقبل العفو أو التنازل عنها كونها حق مقرر لله عز وجل، وهي مقررة لجرائم تامة لا لمجرد الشروع فيها أو المحاولة، فإن توقفت عند حد الشروع اعتبرت معصية توجب عقوبة تعزيرية لا تطبيق الحد، وما يميز هذا النوع من العقوبات أنها ذات حد واحد لا حدين، كما هو الحال في التشريعات الوضعية الحديثة، وبالتالي فلا سلطة تقديرية للولي في تطبيقها، وباختصار جرائم الحدود سبعة، هي: حد الزنا[37]، حد السرقة[38]، حد القذف[39]، حد البغي[40]، حد الحرابة[41]، حد الردة[42]، حد شرب الخمر[43]، وبالتالي الحدود في الشريعة الإسلامية هي الجلد والقتل والقطع. الجلد في مائة جلدة في الزنا، وثمانون في القذف، وبين الأربعين والثمانين في شرب الخمر، والقطع في السرقة، والقطع على خلاف والصلب في الحرابة، والقتل في الردة.
الفرع الثاني
جرائم القصاص والدية
وهي جرائم تقع على نفس الإنسان أو ذاته، وبالتالي هي اعتداءات واقعة على الأفراد ويجوز التنازل أو العفو عنها من المجني عليه أو من ذويه عكس جرائم الحدود التي لا يقبل فيها العفو والتنازل، غير أن العفو عنها لا يمنع ولي الأمر العقاب عليها بعقوبة تعزيرية إذا رأى أنه من شأنها تؤدي إلى إفساد في الأرض[44]، وجرائم القصاص والدية هي : القتل العمد، الجناية شبه العمد، القتل الخطأ، الجناية على ما دون النفس عمدا، الجناية على ما دون النفس خطأ، وعقوبتها القصاص أي عقاب الجانب بنفس فعلته، والدية هي دفع مقابل مالي يمثل بدل النفس أو العضو يدفع من الجاني أو ذويه عوضا عن دمه أو عضوه ( طرفه) وتختلف الدية بختلاف المجني عليه قدرا وجنسا كما هناك ما يشبه اليوم العقوبات التبعية وهي الكفارة والحرمان من الوصية أو الميراث، وعموما يمكن القول أن القصاص عقوبة مقررة للجرائم العمدية أما الدية فهي عقوبة مقررة جرائم الخطأ.
الفرع الثالث
الجرائم التـــعزيرية
التعزير هو تأديب عن ذنوب لم يشرع فيها حد من الحدود، ولا هي من جرائم القصاص والدية، ولم يرد بخصوصها نص لا في القرآن ولا في السنة يقررها كجريمة قائمة أصلا، غير أنه هناك نصوص في القرآن تبين بعض أنواع الجرائم التعزيرية، مثل الرشوة وخيانة الأمانة والسب والربا ودخول البيوت والمساكن....ولكن بصيغة النهي عن مثل هذه الأفعال كونها إفساد في الأرض أو من شانها ن تؤدي إليه، وهي جرائم عكس النوعين السابقين واردة على سبيل المثال لا الحصر، حتى يمكن ترك أمر التجريم عن التعازير لولي الأمر وفق تطورات الحياة الاجتماعية وما يراه مناسبا لأمنها ونظامها وسكينتها، ووفقا لاختلاف الأزمنة والأمكنة والمصالح، لكن بالخضوع للمبادئ والأحكام العامة للشريعة الإسلامية وعدم الخروج عنها. وطبقت ألأحكام السابقة في الجزائر منذ الفتوحات الإسلامية للبلاد لغاية دخول المحتل سنة 1830 حيث ساد تطبيق قانون عقوبات المستعمر، وبطريقة تختلف حتى عن القانون المطبق في فرنسا، وهو ما نبنه باختصار في المطلب الثاني.
المطلب الثاني
مرحلة تطبيق القانون الفرنسي
بدخول الاستعمار الفرنسي للبلاد واحتلالها سنة 1830، شرع في تطبيق تشريعاته ومنها قانون العقوبات الفرنسي، وتكرس ذلك فعليا مع صدور أمر سنة 1841 يقضي بتطبيق قانون العقبات الفرنسي على المسائل الجزائي في الجزائر، غير أن هذا التطبيق لم يكن بالطريقة التي يطبق بها في فرنسا، حيث عمد المحتل على إحداث أحكام تمييزية وبعض الجرائم الخاصة الذي لا يعرفها القانون الفرنسي نفسه، وهي جرائم جاءت بصيغة عامة وهادفة لمحاربة حركات التحرر ومعاداة الاستعمار وعنونت ب:" الأفعال المعادية للوجود الفرنسي في الجزائر" ، وعرف تطبيق فكرة المسؤولية الجماعية المنافية لقواعد قانون العقوبات، حيث كانت تعاقب العروش بأكملها بغرامات جماعية عن كل فعل يمس بالاحتلال أو يعارض وجوده.
ثم تراجع المستعمر عن هذا التمييز سنة 1944 وألغى القوانين التميزية والاستثنائية وأخضع الجزائريين ( الأهالي) لقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية الفرنسيين، غير أنه مع اندلاع الحرب التحريرية، تراجع عن ذلك وظهرت من جديد القوانين الاستثنائية والقواعد التمييزية والعنصرية، وعرفت الجزائر عقوبات الاعتقال الإداري والمراقبة البوليسية والعقوبات الجماعية وإقامة المحاكم الاستثنائية وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية بشكل ليس معمولا به في قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
المطلب الثالث
مرحـــلة الاستقلال
باستقلال الجزائر سنة 1962 عملت الجزائر على سن تشريعات مستقلة، غير أن المسألة استغرقت وقتا بالنظر للوضع الخاص الذي تمر به الدول المستقلة حديثا، حث لم يصدر قانون العقوبات الجزائري إلا سنة 1966[45]، لذا استمر العمل بالقانون الفرنسي ما عدا ما تعارض منه مع السيادة الوطنية، بموجب القانون 62-157 المؤرخ في 31-12-1962 ( المادة الأولى منه)، في الفترة الممتدة من 05-07-1962 لغاية 15 يونيو 1966 تاريخ دخول تقنين العقوبات الجزائري حيز التنفيذ. لكن دون أن يمنعه ذلك من إصدار بعض التشريعات التي واجه بها بعض الأوضاع الخاصة، كإصداره المرسوم 63-85 المؤرخ في 16-03-193 المتضمن قمع الجرائم المرتكبة ضد التشريع المتعلق باقتناء وحيازة وصنع الأسلحة والذخائر والمتفجرات، والكثير من المراسيم الأخرى التي هدف منها المشرع الحفاظ على الأمن في هذه الفترة الحساسة من تاريخ البلاد[46]. ومع سنة 1966 أصدرت الجزائر قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية[47]، وإن كان المشرع قد استمد غالبية أحكامهما من القانون الفرنسي، مع تضمينه خصوصيات المجتمع الجزائري ومراعاة اعتبارات إتباع الدين الإسلامي في البلاد، وحتى في بعض القواعد الموضوعية الأخرى مثل مسؤولية الشخص المعوي وقواعد الاشتراك والشروع في الجريمة.... وقد عدل قانون العقوبات الجزائري منذ صدوره لغاية سنة 2006 سبعة عشر (17) مرة[48]. وما زلنا نسمع بأنه في طور المراجعة لغاية اليوم. هذا وبعد تناولنا في الباب التمهيدي السابق تحديد أهم معالم قانون العقوبات، سنشرع في دراسة الباب الأول من هذه الدراسة،والمتعلق بالنظرية العامة للجريمة باعتبارها تمثل شق التكليف في القاعدة الجزائية، على أن نتبعه بباب ثاني نخصصه لنظرية المسؤولية الجنائية. تاركين موضوع النظرية العامة للجزاء الجنائي ليكون موضوع لمطبوعة أخرى مستقلة، شأنه شأن مطبوعة قانون الإجراءات الجزائية.
hadia369
2013-01-29, 00:02
ثالثا: شرعية التنفيذ العقابي
شرعية التنفيذ العقابي تعد الحلقة الثالثة من حلقات الشرعية الجنائية، حيث تقتضي أن يجري تنفيذ الحكم الصادر ضد المتهم وفقا للكيفيات التي حددها القانون، تحت رقابة وإشراف القضاء، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد بهذه المرحلة الذي بدا مع مدرسة الدفاع الاجتماعي، وتبلور مع منظمة الأمم المتحدة التي قامت بإصدار القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المساجين، التي بينت بدقة المبادئ التي تحكم مرحلة التنفيذ العقابي، مما يعد شرعية لهذا التنفيذ، وبالتالي يمكننا القول أن هذه الحلقة لم تبق مجرد مبدأ دستوري بل ارتقت لمرتبة المبادئ الدولية مع صدور قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة توصي الدول بضرورة العمل بالقواعد النموذجية الدنيا السابقة، وهو القرار رقم 2858- في 20-12- 1971، والقرار 32/8 في 06-11-1974 وهي القواعد التي عنيت الدول بإدراجها في قوانينها، باعتبار القانون الأداة التشريعية الصالحة للشرعية الجنائية، وهو ما قام به المشرع الجزائري في قانون تنظيم السجون، خاصة القانون الأخير قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين رقم 05-04 المؤرخ في 06-02-2005. وتقوم شرعية التنفيذ العقابي على ضرورة تحديد أساليب التنفيذ وضماناته وأهدافه المنصوص عليها بالقانون المعبر عن إرادة الشعب والذي سمح بالمساس بحرية الشخص أو حياته، وأن يكون تنفيذ العقوبة خاضعا لإشراف قاضي يطلق عليه قاضي تنفيذ العقوبات.
الفرع الثالث
الانتقادات الموجهة لمبدأ الشرعية الجنائية:
في الحقيقة، مبدأ الشرعية الجنائية لم يكن محل انتقادات في القرن التاسع عشر، أو على الأقل خلال جزء كبير منه، غير أنه تم البدء بتوجيه الانتقادات له مع ظهور المدرسة الوضعية الإيطالية، والمدارس اللاحقة لها، غير أن هذه الانتقادات لم تنل من قيمة وأهمية المبدأ، بوجود الرأي الغالب في الفقه في جانب المدافعين عنه، الأمر الذي كرسه كمبدأ قانوني ودستوري ودولي، وهو ما نبينه باختصار في النقطتين التاليتين.
أولا: معارضي مبدأ الشرعية الجنائية
من بين الانتقادات التي وجهت له، أنه أخذ على المبدأ عدم قدرته على إعطاء تعريف دقيق ومرض للجرائم، حيث هناك العديد من الأفعال التي تعد لا اجتماعية ولا أخلاقية ولا يستطيع المشرع الإحاطة بها، وحصرها من خلال نصوصه، مما يجعل الكثير من المجرمين يفلتون من العقاب، لذا يرى البعض الإفلات من المبدأ أو على الأقل إعطاء سلطة واسعة للقاضي في تفسير النصوص والقياس عليها. كما أخذ عليه، إهماله لشخصية الجاني، كونه هناك الكثير من الأشخاص الخطرين الذي يجب الحجز عليهم حتى قبل ارتكابهم للجرائم. وهناك العديد من الأشخاص لا يمكن القضاء على الخطورة الإجرامية لديهم حتى بعد انقضاء مدة عقوبتهم، ومع هذا النوع لا يستطيع لا المشرع ولا القاضي التحديد المسبق لمدة العقوبة الواجبة التطبيق عليهم، إذ ذلك مرهونا بزوال حالة الخطورة الإجرامية لديهم. وهي الانتقادات التي كان لها صدى عميق على التشريعات الجنائية النازية والشيوعية لغاية سنة 1958، حيث استبعد تطبيق المبدأ نهائيا، وجزئيا في التشريع الإيطالي الفاشي.
ثانيا: أنصار مبدأ الشرعية الجنائية
الانتقادات السابقة، أقلقت كثيرا أنصار مبدأ الشرعية، ودفعهم لعقد العديد من المؤتمرات الدولية للدفاع عنه، مثل المؤتمر الدولي للقانون الجنائي المنعقد في باريس سنة 1937، والمؤتمر الدولي للقانون الجنائي الذي انعقد في لاهاي في أوت من سنة 1937 كذلك. وتم الرد على الانتقادات السابقة، حيث رأوا أن إلغائه أو التقييد منه، يعيدنا إلى عهد استبدادية القضاة، بل إلى أخطر من ذلك، حيث أنه في تلك العصور كانت هناك على الأقل بعض المعايير للقضاة ونوع من الضمير يمكنهم من التوفيق بين مصالح المجتمع ومصلحة المتهم على الأقل، في حين اليوم لا يراعي القضاة إلا المعايير السياسية التي تغلبت على مصالح الأفراد، مثلما حدث مع الشيوعية والفاشية وكل الأنظمة الديكتاتورية، وأما بخصوص الاستناد لحالة الخطورة للقول بمعاقبة الأشخاص بمجرد ظهورها لديهم، فتم الرد بالقول: من الذي يحدد هذه الخطورة، فإذا قلنا القاضي فإننا عدنا لعهد التحكم والأهواء، وإن قلنا المشرع فذلك يعني عودة لمبدأ الشرعية الجنائية، كما أنه لا يمكن التسليم بالنقد القائل بأن المبدأ يهمل شخصية الجاني، وذلك بالنظر لما يوفره مبدأ تفريد العقوبة المعمول به في جل الأنظمة العقابية، الذي يخفف من حدة مبدأ الشرعية الجنائية، بإعطاء نوع من الحرية للقاضي في مراعاة شخصية الجاني عن طريق وضع حدين للعقوبة يختار بينهما القاضي، وفقا لشخصية الجاني وظروف ارتكابه للجريمة وحالته. وكذا إقرار نظام التشديد في العقوبة والتخفيف فيها.
hadia369
2013-01-29, 00:04
المبحث الثاني
النتائج المترتبة على مبدأ الشرعية الجنائية
يرى الفقه أنه تترتب على مبدأ الشرعية الجنائية ثلاثة مبادئ أساسية هي: انفراد التشريع في تحديد الجرائم والعقوبات، والتزام التفسير الضيق للقواعد الجنائية، وعدم رجعية القاعدة الجنائية للتطبيق على ما حدث في الماضي من وقائع. غير أنه يمكننا القول باختصار، أن مبدأ الشرعية الجنائية في شقه الموضوعي ،يقتضي في نظرنا، أنه لا جريمة ولا جزاء إلا بنص قانوني صادر عن السلطة المختصة بإصداره وفقا للقانون، وأن يكون هذا النص ساريا من حيث الزمان والمكان، وزيادة عن ذلك ألا يمون الشخص خاضعا لسبب من أسباب الإباحة، وهو رأي يمليه علينا وضع تقنين العقوبات الجزائري الذي تناول مبدأ الشرعية الجنائية في المادة الأولى وأردفه بالمادتين 2 و3 المتعلقتين بسريان النص الجنائي زمانا ومكانا. لذا سنحاول أن نبين هذا المبحث من خلال ثلاثة مطالب، نخصص الأول للنتائج القانونية العامة لمبدأ الشرعية الجنائية، في حين الثاني نخصصه لسريان النص الجنائي من حيث الزمان كونه الإطار الذي يبين أهم نتائج مبدأ الشرعية المتمثلة في عدم رجعية القوانين الجنائية، على أن نخصص الثالث لسريان النص الجنائي من حيث المكان. ونرجئ البحث عن أسباب الإباحة إلى مبحث ثالث مستقل، على اعتبار أسباب الإباحة تخرجنا من نطاق التجريم وتعيدنا على نطاق الإباحة التي لا يحكمه مبدأ الشرعية الجنائية.
المطلب الأول
النتائج القانونية العامة لمبدأ الشرعية
النتائج القانونية العامة التي يرتبها مبدأ الشرعية الجنائية، هي انفراد التشريع بمجال التجريم والعقاب، أي أن يكون النص الجنائي المكتوب الصادر عن السلطة المختصة بإصداره وفقا للدستور وحده المختص بسن قوانين تتعلق بالتجريم والعقاب، وأنه يحظر على القاضي اللجوء إلى التفسير الواسع أو القياس في هذا المجال بالذات، وهو ما نبينه في الفروع الثلاثة التالية.
الفرع الأول
انفراد التشريع بالتجريم والعقاب
مبدأ الشرعية الجنائية يقوم أساسا على فكرة العقد الاجتماعي ومبدأ الفصل بين السلطات، وان المجال الخطير المتمثل بكل ما يمس بحقوق وحريات الأفراد يجب أن تمارسه السلطة التشريعية التي تمثل الشعب، خاصة وأن هذه السيادة جاءت بعد صراع مرير بين السلطة والفرد، وهو الصراع الذي انتقل بعدها ما بين الحكومة والبرلمان، لغاية انتصار البرلمان واستئثاره بمسائل التشريع وإصدار القوانين، وأضحى سيادة القانون من مبادئ قيام دولة القانون، غير أن الوضع الحالي في جل الدول والأنظمة، اشتراك كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في إصدار القواعد القانونية، حيث تصدر السلطة التشريعية القوانين بينما تختص السلطة التنفيذية في إصدار اللوائح، غير أن ذلك لا ينال من مبدأ انفراد التشريع، كون القواعد التشريعية التي تصدرها السلطة التشريعية يجب أن تخضع للدستور، واللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية يجب أن تخضع للدستور ولقواعد السلطة التشريعية وقوانينها، وأن تدرج القواعد القانونية سمة من سمات الشرعية الجنائية. وهو موقف كل من فقهاء العصر الحديث ودول النظم الديمقراطية، وقد عبر المجلس الدستوري الفرنسي عن ذلك في عبارة قصيرة أوردها في قرار صادر عنه سنة 1973، جاء فيه أن سلب الحرية يتعلق بالمشرع. بينما أكدت المحكمة الدستورية العليا في مصر، أنه :" الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصا ما بتنظيم شيء مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور، وان هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين، فلا يجوز لها أن تسلبه من اختصاصاها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقديها في ذلك بضوابط عامة وأسس رئيسية تلتزم بالعمل في إطارها.".
وانفراد التشريع بالتجريم والعقاب وفقا لما يقضي به مبدأ الشرعية الجنائية، يعني اختصاص المشرع وحده بمعالجة المسائل التي تدخل في اختصاصه، دون أن تزاحمه في ذلك السلطة التنفيذية بما تملكه من سلطة التشريع عن طريق اللوائح، غير انه يمكنها عن طريق اللوائح تنظيم وتنفيذ ما أقره من المشرع من قواعد عامة، ومن المسائل التي تدخل في اختصاص المشرع وحده كل ما يتعلق بتنظيم ممارسة الحقوق والحريات ورسم حدودها، فلا تملك السلطة التنفيذية التدخل في هذا المجال دون إذن من المشرع[1].ولأن التشريع يعد صادرا من أقدرا السلطات على استجلاء جوانب الصالح العام، والتعبير عن مقتضياته، كون السلطة التشريعية تعبر عن إرادة الشعب، هو فقط الذي يمكن أن يضمن التوازن بين الحقوق والحريات الفردية وبين مقتضيات المصلحة العامة، لذا فإن منطقة الحقوق والحريات محرمة على غير المشرع، متروكة له وحده باعتباره ممثلا للشعب، ويمارس انفراده هذا طبقا للدستور، وأن يفعل ذلك بالكيفية التي حددها الدستور – القواعد القانونية- ولا يمكن أن تشاركه السلطة التنفيذية في ذلك، إلا في الحدود التي ينص عليها التشريع طبقا للدستور.
الفرع الثاني
إتباع قواعد خاصة في تفسير النصوص الجنائية
يقصد بالتفسير تلك العملية الذهنية التي يمكن عن طريقها التوصل إلى المعنى الحقيقي للنص القانوني، حتى يتسنى للقاضي تطبيق النص على الوقائع المعروضة عليه للفصل فيها، خاصة في الحالة التي تكون فيها النصوص غامضة وتحتمل التأويل أو تثير اللبس، لذا يتعين على القاضي البحث عن المعنى الذي أراده المشرع من خلال وضعه لهذا النص، والتفسير عملية قضائية تخص كل النصوص القانونية لا الجزائية فقط، حيث كل نص يحتاج إلى استجلاء معناه ومحتواه، لدرجة أن بعض الفقه رأى انه: لا قضاء بدون تفسير. غير أن القواعد الجنائية، وبالنظر لمساسها بحقوق وحريات الأفراد، نجد الدستور قد خصها بقواعد معينة يجب أن يتم إتباعها في حالة إرادة تفسيرها، خاصة وان الإخلال بمثل هذه القواعد يخل بمبدأ الشرعية الجنائية ذاته. لذا فكيفية تفسير النصوص الجنائية التي بطبيعتها تعد نصوصا عامة ومجردة، تكون بحاولة تطبيقها على الوقائع التي تحدث بالنظر لكل واقعة على حدة، فالمشرع إن كان يضع النصوص الجنائية، فالقاضي هو الذي يقع عليه إثبات تطبيقها، لذا فمن الواجب عليه النظر فيما إن كانت الواقعة التي حدثت تندرج تحت النص الذي سنه المشرع. والتفسير هو البحث عن المعنى الحقيقي للنص العام المجرد، بحيث يمكن تطبيقه على الوقائع المادية، وهو شأن كل قاعدة جنائية حتى ولو لم يكن يشوبها غموض أو إبهام، حيث كل قاعدة جنائية لا بد لها من تفسير وشرح[2]. وتقيدا بمبدأ الشرعية الجنائية، وتحقيقا للعدالة الجنائية، فإن تفسير النصوص الجنائية بمختلف أنواعها تخضع لبعض القواعد الخاصة، حتى لا يكون التفسير اعتداء على مبدأ الشرعية الجنائية وبالتالي اعتداء على الحقوق والحريات. لذا يرى غالبية الفقه، بأن القاضي في تفسيره النصوص الجنائية يجب أن يتبع أسلوب التفسير الضيق أو الحرفي، وأنصار هذا الاتجاه وصلوا حتى دعوة إسناد عملية التفسير للسلطة التشريعية حتى لا يتحول القاضي إلى مشرع[3]، وهو تبرير يجد سنده في العصر الذي وجد فيه المبدأ، حيث ظهرت المدرسة الكلاسيكية كرد فعل عن التحكم والتعسف الذي كان يمارسه القضاة آنذاك، لكن يرى البعض أن هذا الأمر وهم ولا يستند لأي أساس قانوني سوى على العامل الزمني الذي نشأ فيه مبدأ الشرعية الجنائية، خاصة وان القاضي وهو يفسر النصوص الجنائية، لا يعطي رأيه الشخصي وإنما يبحث عن المعنى الحقيقي للقانون، وعن المعنى الموضوعي للنص كما أراده المشرع، ومن جهة ثانية، إلزام القاضي بالتفسير الضيق يفترض قانونا أن تكون النصوص الجنائية الصادرة عن المشرع دقيقة شكلا ومضمونا، وهو غير الموجود في الواقع، إذ كثيرا ما تتصف النصوص الجنائية بعدم الدقة، وينطوي في بعض الحيان على بعض المتناقضات الظاهرية، ثم أن إرادة المشرع التي ضمنها النص، ليست مبدأ جامدا محكومة بالوقائع الاجتماعية السائدة وقت صياغة النص، بل هي إرادة متطورة بتطور الوقائع الاجتماعية التي تعد بلورة لإرادة المشرع، أو المصلحة تبلور إرادة المشرع وتبعا لها يتحدد نطاق تطبيق نصوصه، والقانون لم يصنعه المشرع ليومه فقط، بل صنع للمستقبل، وعلى هذا النحو ترك أمر التفسير لأجل تحديد معنى النصوص القانونية في ضوء التحولات والتغيرات الاجتماعية، والقاضي في ذلك ملزم دائما بالإرادة المفترضة للمشرع افتراضا منطقيا في ضوء الوقائع الاجتماعية الجديدة، مع احترامه للصيغة التي استعملها المشرع في صياغة النصوص احتراما لمسألة الاستقرار القانوني، خاصة وان القانون في الكثير من الأحيان يبنى على أفكار متحركة ومتطورة بطبيعتها، كأفكار النظام العامة والآداب العامة، ومسالة الاختراعات العلمية والتطورات التكنولوجية، ومفهوم المنقول والعقار... وبالتالي القاضي في تفسيره للنصوص الجنائية، يجب أن يبحث عن إرادة المشرع من خلال الصيغة التي عبر من خلالها عن هذه الإرادة، وأن يراعي مجمل الأحكام الدستورية المتعلقة بالمسألة حتى يكون تفسير القاضي مطابقا للدستور.
الفرع الثالث
حظر القياس في المسائل الجزائية
القياس هو :" إلحاق واقعة غير منصوص علي حكمها بواقعة أخرى منصوص على حكمها لاشتراك الواقعتين في علة الحكم"، ذلك أن الحكم يتبع علته وجودا وعدما، في حين يتوسع بعض الفقه في تعريف القياس، بحيث لا يقاس فقط على واقعة بعينها منصوص على حكمها، ولكن على النظام القانوني في مجمله، ووفقا لذلك هناك نوعين من القياس، قياس شرعي Analogie légale وقياس قانوني Analogie juridique. القياس الشرعي، وهو قياس واقعة لم يرد نص بحكمها على واقعة أخرى منصوص عليها، لاشتراك الواقعتين في نفس العلة، فيطبق على الواقعة غير المنصوص على حكمها نفس حكم الواقعة المنصوص عليها. وأما القياس القانوني، هو أن تلحق واقعة غير منصوص على حكمها ليس بواقعة أخرى بعينها، ولكن بمجمل المبادئ العامة وروح القوانين، وتدخل في هذا الاعتبار، المعطيات الأخلاقية والدينية والاجتماعية، وهو الذي كان معمولا به في العصر السابق على الثورة الفرنسية، واختفى في القرن التاسع عشر مع ظهور مبدأ الشرعية الجنائية، لكنه عاد للظهور ثانية في القرن العشرين مع ظهور الفقه الجنائي الحديث والمذاهب السياسية الاستبدادية، فرأى أنصار المذهب الوضعي أن ضرورات الدفاع الاجتماعي ضد الظاهرة الإجرامية تقتضي الأخذ بالقياس، وأثر كذلك المذهب الماركسي الذي لا يأخذ بعين الاعتبار إلا بالمصلحة متناسيا حرية الفرد.
وإن كان القياس عموما يعد وسيلة من الوسائل التي تستهدف استكمال النقص الذي يشوب النصوص القانونية، وذلك عن طريق إيجاد حل لمسألة لم ينظمها القانون عن طريق استعارة الحل من مسألة مماثلة وضع لها المشرع حلا، فإنه في المجال الجنائي القياس غير جائز بناء على مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، حيث يبعد القياس ضمنيا، حيث تقييد الحقوق والحريات بيد المشرع وحده مما ينزع من القاضي مكنة اللجوء للقياس في هذه المسائل، حتى ولو كان النص قاصرا أو القانون مشوب بقصور أو بثغرات، كون مسألة التجريم والعقاب تمس بالحقوق والحريات الفردية، التي يعد أمر التشريع فيها من اختصاص المشرع وحده دون أن يزاحمه في ذلك احد. وإن أمكنت مزاحمته أحيانا وفي بعض الاستثناءات، من قبل السلطة التنفيذية بما تملكه من اختصاص التشريع سيما في مجال المخالفات، فإن ذلك محكوم بنصوص الدستور، وفي نطاق القواعد العامة للقانون الصادر عن السلطة التشريعية، لكن مسألة القياس تجريما وعقابا، مسألة مستبعدة تماما. خاصة وأن القياس مهمة مناطة بالقاضي الذي لا يملك إزاء النصوص العقابية سوى التطبيق. دون خلق الجرائم والعقوبات عن طريق القياس.
غير انه تجدر الإشارة، إلى أن القياس المحظور، هو القياس في مجال التجريم والعقاب، بالنظر لما تنطوي عليه المسألة من تقييد ومساس بحريات الأشخاص وحقوقهم، سواء تعلق الأمر بخلق جريمة جديدة
أو ظرف تشديد جديد أو عقوبة جديدة، غير أن النصوص التي تخدم صالح المتهم يجوز فيها القياس، كأسباب الإباحة وموانع المسؤولية أو موانع العقاب، أو الأعذار القانونية المعفية أو المخففة، ففي هذه الحالات يعد القياس استصحاب على الأصل العام، المتمثل في أن الأصل في الأشياء الإباحة، وإن كان القياس ممنوع في التجريم والعقاب كونه قياس عن استثناء، فإن القياس في الأصل يجوز. خاصة وان القياس في مثل هذه الحالات يخدم الحريات والحقوق ولا يمس بها أو يقيدها، ومبدأ الشرعية يقتضي حظر القياس خوفا من الإفتتات على هذه الحقوق والحريات، وما عدا ذلك فهو جائز[4]. وإن غابت بعض الأحكام القضائية في الجزائر التي تؤكد عن المسألة، فإنه محكمة النقض الفرنسية أكدت بجواز القياس متى كان في صالح المتهم، حيث سبق وان قاس المشرع الفرنسي على جريمة السرقة بين الأزواج والأصول والفروع التي لا توجب سوى التعويض المدني، على جريمة النصب وخيانة الأمانة، قبل أن تتجسد كنصوص في تقنين العقوبات ونقل المشرع الجزائري المسألة على قانونا العقابي[5]. كما اعتبر المشرع الفرنسي حالة الضرورة من أسباب الإباحة عن طريق القياس على باقي أسباب الإباحة بالرغم من عدم وجود نص يقرر ذلك، غير أنه بخصوص هذه المسألة، فإن المشرع الجزائري لم يتبناها. غير أن المشرع الفرنسي وفي قانون عقوباته الجديد لسنة 1992 والذي دخل حيز النفاذ سنة 1994 أدخل حال الضرورة ضمن أسباب الإباحة بموجب نص المادة 122-7.
المطلب الثاني
تطبيق النص الجنائي من حيث الزمان
عدم الرجعية كأثر من آثار مبدأ الشرعية الجنائية
من قبيل المسلمات أن النصوص القانونية بما فيها ذات الطابع الجنائي ليست بالنصوص الأبدية، بل خاضع للتعديل والإلغاء تبعا لإرادة المشرع في مواجهة ظاهرة الإجرام، والقاعدة القانونية المعروفة عادة، أن النص القانوني لا يطبق على ما حدث من وقائع قبل دخوله حيز النفاذ ولا بعد أن تم إلغاءه، بل يحكم فقط الوقائع والتصرفات التي حدثت في مرحلة سريانه أو فترة نفاذه، والنص الجنائي تحكمه قاعدة عامة معروفة في جل الأنظمة القانونية وهي القاعدة التي تعد مكملة لمبدأ الشرعية الجنائية، أو نتيجة من نتائجه أو أثر من آثاره، وهي قاعدة عدم رجعية النص الجنائي للتطبيق على الماضي، أو قاعدة الأثر المباشر والفوري للنصوص الجنائية، غير أنه مثلما هو الشأن بالنسبة لكل قاعدة، فإنه يرد عليها استثناء، وهذا الاستثناء في المجال الجنائي يعد في حد ذاته مبدءا لم تعرف له فروع القانون الأخرى نظيرا، ألا وهو مبدأ " رجعية القانون الأصلح للمتهم"، أو ما عبر عنه المشرع " بالقانون الأقل شدة". وبذلك تكون المادة الثانية من قانون العقوبات قد تضمنت القاعدة العامة المتمثلة في عدم رجعية النصوص الجنائية، وذلك في الفقرة الأولى منها، في حين تضمنت الفقرة الثانية منها الاستثناء الذي قلنا انه مبدءا في حد ذاته، وهو رجعية القانون الأصلح للمتهم، :" لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه أقل شدة".
الفرع الأول
قاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية
تطبيقا لمبدأ الشرعية الجنائية الذي يقضي بأن تكون عملية التجريم والعقاب بموجب النصوص التشريعية المكتوبة، الصادرة عن السلطة المختصة بذلك احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، وتطبيقا لدولة القانون، وتحقيقا لمبدأ سمو هذا القانون، فإن كل ذلك، وحتى المنطق يقضي أن يكون هذا القانون موجودا، أي أن يكون النص سابقا عن الواقعة التي اقترفها الجاني، كون مبدأ الشرعية يقتضي ضمنيا تخيير الشخص بين ما هو مباح وما هو محظور، فعلى الأقل المحظور يجب أن يكون مبينا مسبقا. لذا فالمنطق يقتضي أن كل قانون لا يحكم إلا الوقائع التي حدثت في ظل نفاذه وسريانه، ولا يمتد تطبيقه على ما وقع أو حدث من وقائع سابقة عن نشره وترتيب آثار سريانه[6]، وفي الحقيقة القاعدة لا يختص بها القانون الجنائي وحده، بل هي قاعدة معروفة في كل القوانين الأخرى، بمختلف أقسامها وفروعها، غير أن اختصاص هذه الأقسام والفروع وعدم مساسها بالحقوق والحريات الفردية لم يجعل من عدم الرجعية مسألة تنال الاهتمام مثل الاهتمام الذي لاقته في المجال الجنائي، وبالتالي تقضي القاعدة أن القانون يحكم فقط الأفعال التي تكون لاحقة أو على الأقل معاصرة للحظة سريانه، دون تلك التي حصلت قبل ذلك، ولحظة سريان القانون قد يكون بالنص صراحة على هذا التاريخ، أو وفقا للقواعد العامة في سريان النصوص القانونية، وذلك في خلال 24 ساعة من نشره في الجريدة الرسمية أو من وصول هذه الأخيرة للمناطق البعيدة أو التي كانت تشهد ظروفا استثنائية حالت دون وصول الجريدة الرسمية في وقتها.
وبالتالي تعد قاعدة عدم الرجعية، أو قاعدة الأثر الفوري أو الأثر المباشر لقانون العقوبات، من القواعد الأساسية المكملة لمبدأ الشرعية الجنائية، والتي تقضي وتهدف إلى عدم مفاجأة الأشخاص بتجريم أفعال كانت مباحة وقت ارتكابها، غير أنه للقاعدة استثناء نصت عليه الفقرة الثانية من تقنين العقوبات الجزائري، وهي قاعدة رجعية القانون الأقل شدة – على حسب تعبير المشرع الجزائري- أو قاعدة القانون الأصلح للمتهم حسب التسمية التي يطلقها الفقه الجنائي. وهي الاستثناء الذي يعد في حقيقته مبدءا في قانون العقوبات، الذي نتناوله في النقطة الموالية.
الفرع الثاني
القانون الأصلح للمتهم (القانون الأقل شدة)
إن كانت قاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية، قاعدة تعرفها غالبية الفروع القانونية الأخرى، فإن قاعدة رجعية القانون الأقل شدة، وفقا لتعبير المشرع الجزائري، أو القانون الأصلح للمتهم وفقا لتعبير فقهاء القانون الجنائي، تعد في نظرنا قاعدة جنائية خالصة، يختص بها قانون العقوبات دون غيره من فروع القانون الأخرى، التي إن أراد المشرع سريانها على الماضي نص على ذلك صراحة، في حين أنها في المجال الجنائي تعد مسألة قانونية، القاضي ملزم بإعمالها دون الحاجة للنص عليها، وذلك أن صلاحية القانون للمتهم بأي وجه من الأوجه يعد عودة نحو الأصل وهو البراءة، وبالتالي الأصل لا يحتاج على نص بل يقتضيه المنطق[7]. غير أنه لتطبيق فكرة القانون الأصلح للمتهم شروط وضوابط ومعايير يتعين تناولها في النقاط التالية.
أولا: شروط تطبيق القانون الأصلح للمتهم
ليستفيد المتهم من القانون الأصلح للمتهم يجب أن نشير إلى بعض المسائل الهامة، فالقول بهذا الاستثناء يعني بالضرورة انه يوجد هناك قانونان، القانون القديم وهو الذي في ظله ارتكب المتهم جريمته، وقانون جديد صدر قبل أن يصدر حكم نهائي بات في القضية، وإلا لولا صدور هذا القانون الجديد لما طرحت مسألة القانون الأصلح للمتهم على بساط البحث، ومن ثم يجب أن يكون هذا القانون يحمل ما يوحي أنه أصلح للمتهم، إذ إذا كان أسوأ فلا مجال لتطبيقه أصلا، وبالتالي يمكن تلخيص شروط تطبيق القانون الأصلح للمتهم في الشرطين التاليين: أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل صدور حكم نهائي بات في القضية، وأن يكون القانون الجديد أقل شدة أو أصلح للمتهم من وجهة نظر القانون لا من وجهة نظر المتهم. وهو ما نبينه في نقطتين مستقلتين، غير أننا ننبه بأن هناك شرط ثالثا ضمني لا نحاول تفصيله، على اعتبار أنه شرط بديهي، وهو أن نكون فعلا أمام تنازع للقوانين أي أن يصدر قانون جديد قبل صدور حكم نهائي بات على الشخص، لأننا إن كنا أمام قانون واحد فهو الواجب التطبيق سواء كان شديدا أو كان في مصلحة المتهم.
1- أن يكون القانون الجديد أقل شدة للمتهم ( أو أصلح للمتهم):
وهي أن يكون القانون الجديد الذي صدر ليزاحم القانون القديم الذي حدثت في ظله الجريمة أصلح للمتهم، وبالتالي فالمسألة تتعلق بتنازع القوانين، وعلى القاضي أن يختار منهما أي قانون يحقق مصلحة المتهم بإعمال معايير وضوابط قانونية تمكنه من الحكم على صلاحية القانون، حيث الأمر غير متروك لتقدير المتهم ولا لاختياراته، إذ ما قد يراه المتهم في صالحه، قد لا يكون كذلك من وجهة نظر القانون، كما أن مسألة اختيار القانون الأصلح للمتهم مسألة موضوعية يستقل بتقديرها قاضي الحكم في ظل الظروف المحيطة بالقضية وشخصية الجاني[8]، إذ لهذه الأخيرة دور كبير في تحديد القانون الأصلح للمتهم، سيما في الحالات الغامضة التي أثارت الكثير من الجدل في الفقه حول تحديد صلاح القانون للمتهم، لذا وجدت الكثير من الأسس والضوابط الموضوعية المستندة أحيانا لبعض الظروف الشخصية، التي من شأنها تمكين القاضي من إجراء مقارنة قانونية بين القانونين وتحديد أيهما أصلح لحالة المتهم في ظل ظروفه التي ارتكب فيها الجريمة.
أ- الضوابط المعمول بها لتحديد القانون الأصلح للمتهم:
سبق وأن رأينا انه من خصائص القاعدة أو النص الجنائي أنه يتألف من شقين أساسيين، شق التجريم وشق الجزاء، وأن الأولوية للشق الأول على الثاني، كون الأخير ما هو إلا أثر مترتب عن اقتراف شق التجريم المتضمن النهي أو الأمر، وأن توقيع الجزاء تحصيل حاصل، لذا فمسألة تنازع القوانين من حيث الزمان، والبحث في أي منهما أصلح للمتهم، قد ينظر فيه لشق التجريم، كما قد ينظر فيه لشق الجزاء، ووفقا للقانون الأولوية دوما لشق التجريم على شق الجزاء، أي أولوية شق التجريم على شق الجزاء إعمالا للمادتين 27 و5 من قانون العقوبات الجزائري[9]، وتنازع القانونيين قد يكون من حيث شق التجريم وقد يكون من حيث شق العقاب، أي أن التعديل الذي مسه القانون الجديد قد يتعلق بأي منهما، وقد يكون متعلقا بكلا الشقين، لذا أوجد الفقه والقضاء معايير تساعد القاضي بخصوص الشق الأول – شق التجريم- وأخرى تعينه في المقارنة بخصوص شق الجزاء.
أ/1-الضوابط المستمدة من الأحكام الخاصة بالتجريم
تطبيقا للمادة 27 من تقنين العقوبات الجزائري، التي قسمت الجرائم إلى جنايات ثم جنح ثم مخالفات، وبالنظر للمادة 5 من ذات القانون التي بينت العقوبات الأصلية لكل من هذه الأنواع، فإن القاضي ملزم بإتباع الترتيب الوارد بهذه المواد، وبذلك يكون القانون الجديد أصلح للمتهم في الحالات التي نعطي عليها أمثلة في النقاط التالية، مع العلم أن المسألة تنأى عن الحصر، كون شق التجريم ترتبط به العديد من الأفكار المتعلقة بالإباحة والمسؤولية وموانعها والنظريات المعمول بها بخصوص الشروع والاشتراك والمساهمة، وما إلى غير ذلك من أفكار، غير أن أهم الحالات التي يمكن الحكم فيها على القانون أنه أصلح للمتهم نذكر:
- حالة إباحة القانون الجديد للفعل الذي كان مجرما بالقانون القديم، وهي من أهم الحالات التي يمكن فيها للمتهم الاستفادة من القانون الجديد حتى ولو كان صدر عليه حكم نهائي بات، أي دون انتظار تحقق الشرط الثاني لتطبيق قاعدة القانون الأصلح للمتهم.
- إضافة القانون الجديد للنص القديم سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسؤولية يستفيد منه المتهم في الظروف المحيطة بالجريمة، أو إضافة مانع من موانع العقاب – وإن كان هذا الشق يتعلق بالجزاء لا بشق التجريم-
- إضافة النص الجديد للجريمة ركنا لم يكن مشترط في النص القديم، ويستفيد من هذه الإضافة المتهم، أي تخلف في حقه الركن الجديد الذي اشترطه النص الجديد.
- إعادة تكييف الفعل من الوصف الأشد إلى الوصف الأخف، كأن كان الفعل جناية وأصبح جنحة، أو كان جنحة وأصبح مخالفة. وذلك بغض النظر عن مدة العقوبة.
- إلغاء فكرة العقاب على الشروع في الجريمة، إذ كان النص القديم يعاقب على الشروع في الجنحة وألغاه النص الجديد، وكان المتهم في وضع المتابعة لأجل الشروع في الجريمة وفقا للنص القديم.
هذا ونشير أن الحالات السابقة تعد من بين الحالات الأكثر ووضحا، ولا يعني سردها بأنها الوحيدة، فأمر القانون الأصلح للمتهم قد يتعلق بكافة أفكر القانون الجنائي، والإلمام بها يتعين التفرغ من دراسة القانون بأكمله .
أ/2 - الضوابط المستمدة من الأحكام الخاصة بالجزاء
وهي الحالات التي يكون فيها التعديل الوارد بالنص الجديد متعلقا بشق الجزاء، دون الشق المتعلق بالتجريم، وهي الحالات التي تنأى بدورها عن الحصر وتتعلق بكامل نظرية الجزاء الجنائي، غير أوضح الحالات التي درج الفقه على إعطاءها سنوضحها، غير أننا نؤكد بأن القاضي ملزم في تحديد القانون الأصلح للمتهم بنظرة المشرع العامة وترتيبه للجزاءات وأنواعها وقيمتها ومدتها، لا بما يراه المتهم انه أنسب وأصلح له، لذا فالترتيب الوارد بالمادة 5 من تقنين العقوبات الجزائري ملزم للقاضي وإن كان في الغالب لا يخدم مصلحة المتهم. ومن أهم ما درج الفقه على إعطاءه من حالات وأمثلة نذكر.
- حالات تخفيف النص الجديد للعقوبة، ويجب مراعاة التخفيف المتدرج المنصوص عليه في المادة 5 من قانون العقوبات الجزائري، حيث نجد الإعدام، المؤبد، السجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشرين سنة، الحبس من شهرين إلى خمس سنوات، الغرامة التي تتجاوز 20.000 دج، الحبس من يوم إلى شهرين، الغرامة من 2000 دج إلى 20.000 دج[10].
- في حالة اتحاد العقوبة في الجنس والنوع، فالقانون الأصلح هو الذي ينقص من المدة، كان كانت العقوبة في كلا القانونين السجن أو الحبس، فإن القانون الأصلح الذي ينقص من المدة، وإن كانت العقوبة الغرامة في كلا القانونيين، فإن القانون الأصلح هو الذي ينقص من مقدارها.
- كما يعد القانون الصلح للمتهم، القانون الذي ينقص من عدد العقوبات، كأن كانا عقوبتين فجعلهما واحدة،
أو كانت إجباريتين فأعطى الخيار للقاضي.
- إذا جاء القانون الجديد بوقف التنفيذ، أو أضاف مانع من موانع العقاب، أو عذر مخفف سواء كان قضائي أو قانوني.
- إلغاء القانون الجديد للعقوبات التبعية أو التكميلية بعدما كان القانون القديم يتضمنها.
- غير أنه هناك إشكال، يتمثل في كون العقوبات في غالبية التشريعات مبنية على نظام الحدين، حد أدنى وحد أقصى وللقاضي السلطة التقديرية في الحكم بينهما، أو حتى النزول عن الحد الأدنى إعمالا لظروف التخفيف ( المادة 53 من قانون العقوبات وما بعدها من مواد مكررة)، وهنا يكون أي قانون أنزل أحد الحدين سواء كان الأدنى أو الأقصى هو الأصلح للمتهم، وأي منهما رفع هذين الحدين هو الأسوأ، غير أن الإشكال يكمن في الحالة التي يعدل فيها الحدين، وهنا لا إشكال في الذي ينزل بهما معا، فهو دوما الأصلح، كما أنه لا إشكال بخصوص القانون الذي يصعد بهما معا فهو دوما الأسوأ، لكن الإشكال في الذي يرفع من أحدهما وينزل من الآخر، كالرفع من الحد الأدنى والنزول بالحد الأقصى، أو العكس، فهنا ثار جدل فقهي انتهى واستقر في نهاية المطاف أن القاضي ينظر فيه إلى حالة المتهم، فإن كانت ظروفه الشخصية تستحق التخفيف فالقانون الذي ينزل بالحد الأدنى أصلح له حتى وإن رفع من الحد الأقصى، وذلك لكونه جدير بالحد الأدنى، مهما زاد الحد الأقصى، وإن كانت ظروفه الشخصية تقود للتشديد كان يكون عائدا فالقانون الذي ينزل بالحد الأقصى هو الصلح له حتى وإن رفع من الحد الأدنى كونه جدير بالحد الأقصى.
كما يثور الإشكال حول القانون الذي يجمع بعض القواعد التي تعد في صالح المتهم، والبعض الآخر منها في ضد مصلحته، فهنا الحل يكمن في البحث عما إذا كان القانون قابل للتجزئة من عدمها، والقابلية للتجزئة تعني إمكانية تطبيق بعض قواعده في معزل عن الأخرى، على عكس القانون الذي يتضمن قواعد تعد كل واحد لا يقبل التجزئة، مثل القانون الذي يجعل العقوبة التكميلية التي كانت وجوبية وجعلها جوازية، مع رفعه لمدتها، فهنا يجب النظر لظروف القضية على حدا، فإن كانت ظروف الجاني تقتضي التخفيف اعتبر القانون الجديد أصلحا له بالرغم من كونه رفع من مدة العقوبة التكميلية كونه أجدر بتطبيق ظروف التخفيف، والعكس غير صحيح، لذا فمسألة تقدير القانون الأصلح للمتهم، في القوانين القابلة للتجزئة بناء على العلاقة المنطقية بين مختلف النصوص القانونية، والسياسة الجنائية، وفي ضوء اعتبارات شخصية ينظر فيها لشخصية الجاني، وليس بنظرة موضوعية مجردة، وبناء على ذلك يقدر القاضي القانون، ويمتنع عليه تطبيق القانون الشد بأثر رجعي، عكس القانون الأصلح.
وهناك إشكالية أكثر تعقيدا، تتمثل في تنازع ثلاثة قوانين، خاصة إذا ارتكبت جريمة في ظل قانون أشد، ثم صدر قبل الحكم النهائي قانون أقل شدة، وقبل صدور حكم نهائي في القضية صدر قانون ثالث أشد من سابقه وفي ظله سيحاكم المتهم، فأي قانون من بين هذه القوانين الثلاثة سيطبق؟، السائد فقها وقضاء، هو تطبيق القانون الثاني الذي يعد الأصلح للمتهم، خاصة وأن عدم صدور حكم على المتهم في ظل هذا القانون مرده تأخر الإجراءات والمحاكمة، وهي مسألة لا دخل للمتهم فيها، لذا لا يجب أن نحمله عبء تأخر الإجراءات وبطء المحاكم في إصدار الأحكام، إلا أنه بالرغم من وجاهة هذا الرأي ومنطقيته، إلا أن الفقه يرى الأخذ بوجهة النظر هذه بحذر وتحفظ، كون التنازع في الأصل يقوم بين قانونين لا أكثر، وهما القانون الذي حدثت في ظله الواقعة المتابع الشخص من أجلها، والقانون الساري وقت المحاكمة، لذا فليس للمتهم المطالبة بالقانون الثاني- الوسط- لأنه وضع المتهم في ظل سريان هذا القانون لم يتغير، حيث لم يرتكب في ظله الجريمة، كما أنه لا يحاكم في ظله.
كما أن إشكال بطء الإجراءات قد يتسبب في بعض الأوضاع غير المنطقية، حيث أن مسألة التنازع بين القوانين وقاعدة تطبيق القانون الأصلح للمتهم، تثير إشكال في الحالة التي ترتكب فيها جريمتين من نفس النوع، من شخصين، في حين يكون قد صدر على أحدهما حكم نهائي بات حائز لقوة الشيء المقضي فيه، وفي هذه الحالة ينتفي ركن هام من أركان تطبيق القانون الأصلح للمتهم، في حين تأخرت مع الآخر الإجراءات، ولم يصدر ضده حكم نهائي، وبالتالي صدر قانون جديد يعد أصلحا له، ففي هذه الحالة سيستفيد منه، مما يخلق وضعين قانونيين شاذين، حيث يسرى على واقعتين من نفس النوع حدثتا في ذات الوقت قانونيين مختلفين، مما يؤدي إلى الحكم على المتهمين بعقوبتين مختلفتين، إحداهما أشد من الأخرى،
أو أن يدان أحدهما ويبرأ الآخر، خاصة لو أن القانون الجديد قد أباح الفعل، وهنا يرى البعض أنه لا سبيل إلى إصلاح هذا الوضع، إلا عن طريق إجراء العفو، وهو إجراء في جوهره وطبيعته يختلف عن مسألة التخفيف من العقوبة أو إلغائها أو إباحة الفعل. لذا نجد بعض التشريعات تضمنت معالجة لهذه المسألة، وذلك بإعادة النظر في القضية ككل، مثل القانون الدنمركي في المادة الثالثة من تقنين عقوباته، والمادة 24 من قانون العقوبات الإسباني، والمادة 6 من قانون العقوبات البرتغالي، والمادة 2 من قانون العقوبات البولندي، وهو الاتجاه الذي تبناه المؤتمر الدولي للقانون الجنائي المنعقد في برلين سنة 1935.
.
2- ألا يكون قد صدر حكم نهائي بات في القضية
الشرط الثاني لتطبيق القانون الأصلح للمتهم، بعد توفر الشرط الأول المتمثل في تزاحم قانونين، هو ألا يكون قد صدر في القضية حكم نهائي بات، والحكم النهائي البات هو الحكم الذي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن، سواء العادية أو غير العادية، وهو أمر بديهي ومنطقي، حيث لا يجب أن يتم المساس بقرارات العدالة النهائية احتراما للأوضاع والمراكز القانونية التي خلقتها، واحتراما لمبدأ حجية الشيء المقضي به المعمول بها في القانون أي كان نوعه، وفي المجال الجنائي تجنبا لمحاكمة الشخص عن الفعل الواحد مرتين.
غير أن هذا الشرط، وكما سبقت الإشارة، لا يمس بالحالة التي يباح فيها فعل كان مجرما بموجب قانون قديم عدل أو ألغي، بالرغم من أن الموضوع قد أثار خلافا وجدلا فقهيا حادا، إلا أنه استقر في نهاية المطاف، على إفادة المتهم بالقانون الذي جاء بالإباحة، بحجة أنه لا فائدة من العقاب على فعل أصبح مباحا في نظر المجتمع، غير أن غالبية الدول العربية تضمنت قوانينها العقابية حلا قانونيا صريحا للمسألة، تبنت فيه الرأي السابق، ومن أمثلتها المادة 5/3 من تقنين العقوبات المصري، والمادة 2 من تقنين العقوبات اللبناني، والمادة 2 من تقنين العقوبات السوري، على عكس المشرع الجزائري الذي لم يضمن قانونه نصا خاصا بالمسألة أسوة بالمشرع الفرنسي.
ثانيا: الاستثناءات الواردة على قاعدة رجعية القانون الأصلح للمتهم
إن كانت قاعدة رجعية القوانين الأصلح للمتهم في المجال الجنائي، تمثل استثناء على قاعدة عدم رجعية القوانين، فهذا الاستثناء ترد عليه استثناءات – بمعنى العودة للقاعدة- وهي أنه لا رجعية للقوانين الإجرائية والمحددة المدة حتى ولو كانت أصلح للمتهم. كون القوانين الإجرائية قوانين تنظم مرفق العدالة ولا خيار للمتهم ولا فائدة له في التنظيم، والمسألة تخص الدولة لا الأفراد، والقوانين المحددة المدة التي يسنها المشرع لمواجهة ظروف وحالات مؤقتة تقتضي طبيعتها وظروفها ذلك، لا يمكن تقييدها باستثناء الرجعية كون ذلك يفقدها الهدف الذي لأجله سنها المشرع، وتكون سببا لتهرب الأفراد ومناورته لغاية انتهاء مدة القانون للاستفادة بفكرة القانون الأصلح للمتهم. وهو ما نوضحه في النقطتين التاليتين.
1- القوانين المؤقتة أو المحددة المدة(Les lois temporaires)
وهي القوانين التي يصدرها المشرع لمواجهة فترات استثنائية معينة أو أوضاعا محددة، وهي مستثناة من رجعية القانون الأصلح للمتهم، حتى ولو لم يكن قد صدر ضده حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، والقول بخلاف ذلك يفقد هذه القوانين معناها والهدف الذي كان يتوخى منها. غير أن ما تجدر الإشارة إليه، هو أن القوانين المؤقتة تختلف عن القوانين الاستثنائية Les lois exceptionnellesأو القوانين الظرفية Lois de circonstances حيث أنها قوانين فعلا مؤقتة بطبيعتها، غير أنها سنت لمواجهة ظروف معينة دون أن تحدد مدة معينة للعمل بها، بل ذلك مرهون بالمدة التي يستغرقها الظرف الذي سنت لأجله، وهو الظرف الذي في العادة ما يكون سياسيا أو اقتصاديا، حيث لا ينتهي العمل بها إلا بصدور قانون يلغي العمل بها، على عكس القوانين المؤقتة التي تتضمن تاريخ سريانها، وهنا يرى الغالبية تطبيق قاعدة القانون الأصلح للمتهم، حيث لا يمكن اتهام الشخص بتحايله اتجاهها رغبة منه في كسب الوقت حتى إلغائها، كونه لا يعلم بتاريخ إلغائها، على عكس القوانين المؤقتة التي يعمل فيها المتهم ذكائه ويتحايل على القوانين حتى ينتهي العمل بها استفادة من قاعدة القانون الصلح للمتهم، لذا حرم منها في غالبية القوانين الجنائية.
2- القوانين الإجرائية:
تثار مسألة تنازع القوانين الإجرائية من حيث الزمان، وهي القوانين التي يحكمها مبدأ الأثر
أو السريان الفوري، غير أن المبدأ تعترضه بعض الصعوبات العملية في التطبيق، ويرى فقهاء القرن التاسع عشر أن كل إجراء يجب أن يكتمل في ظل القانون الذي شرع أثناء سريانه، وبالبعض يرى المقارنة بين القوانين الإجرائية وتطبيق الأصلح منها مثلما هو الشأن بالنسبة للقوانين الجنائية الموضوعية، غير أن غالبية الفقه يرى وجوب التطبيق الفوري للقوانين الإجرائية دون رجعية، ولا مجال لإعمال مبدأ القانون الأصلح للمتهم بخصوص هذا النوع من القوانين، كونها قوانين صدرت لأجل المصلحة العامة، ومن أجل مصلحة المتهم أيضا وبالتالي يفترض فيه انه أفضل من سابقه من حيث التنظيم القضائي وإظهار الحقيقة بكل جوانبها، وأن القوانين الإجرائية لا تعد حقا مكتسبا يطالب بالاحتفاظ بها، غير أن ذلك أثار جدلا فقهيا، وهو الجدل الذي لم يكن بسهولة وضع هذا الحل الذي تتفق عليه غالبية القوانين. لذا رأى البعض بأنه يجب أن يكون هناك معيار تبنى عليه مسألة التفرقة بخصوص التطبيق الفوري للقوانين الإجرائية، سيما الوقائع التي خضعت لحكم ابتدائي، حيث يرى البعض أن يكون هذا الحكم معيارا للتمييز، حيث يطبق القانون الجديد إن لم يكن قد صدر حكم ابتدائي في القضية، وإن كان قد صدر فيها حكما ابتدائيا فيجب اتباع الإجراءات في ظل القانون القديم تجنبا لكثرة المصروفات وحفاظا على الحقوق التي يكون قد اكتسبها المتهم من خلال هذا الحكم. كما أن طرق الطعن في الأحكام القضائية، يحكمها القانون الذي صدرت في ظله، كونه القانون الذي يكشف عن طبيعة هذا الحكم ونوعه ومدى قابليته للطعن من عدمه ونوعية هذا الطعن، ومواعيده، والأشخاص الذين يجوز لهم ذلك وأسباب بناء الطعن، حيث يظل الشخص خاضعا لطرق الطعن التي كان منصوصا عليها في القانون الذي صدر في ظله الحكم، حتى وإن كان القانون الجديد قد ألغاها.
كما أن نصوص التقادم تثير بعض الخصوصية بالنظر للطبيعة الخاصة لهذه النصوص، سواء تعلقت بتقادم الجريمة أو الدعوى أو العقوبة، كونها نصوص يمكن القول أنها ذات طبيعة موضوعية، وبذلك يمكن إخضاعها لقاعدة القانون الأصلح للمتهم، حيث القانون الذي يزيد من مدة التقادم يعد الأصلح أو الذي يرسي التقادم بعدما كان النص القديم لا يخضع الفعل للتقادم في أي جانب من جوانبه. وإن اعتبرت النصوص المتعلقة بالتقادم، من النصوص الإجرائية، فهنا يسري عليها ما سري على النصوص الإجرائية من حيث قاعدة الأثر الفوري لها، أم هناك حل خاص يجب اعتماده نظرا للطبيعة الخاصة المتعلقة بالتقادم؟.في الواقع حدث نقاش فقهي حاد بخصوص هذه المسألة، ولم يتفق الفقه إلا على نقطة واحدة، وهي أن القانون الجديد لا يطبق على تقادم اكتملت مدته وفتح باب التقادم من جديد،كون ذلك يتعارض ومبدأ عدم الرجعية، بينما بخصوص التقادم الذي لم يكتمل، اعتبره القضاء الفرنسي من القوانين الموضوعية التي تخضع للقانون الأصلح للمتهم، غير أنه سرعانما تراجع القضاء وجعله من القوانين الإجرائية التي تخضع للتنفيذ الفوري دون رجعية[11].غير أن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، بل ظهرت أفكار فقهية أخرى، تصب في غالبها في اتجاه جعل هذه القوانين المتعلقة بالتقادم تخضع لما تخضع له سائر القوانين الإجرائية.
ثالثا: مسألة تحديد تاريخ ارتكاب الجريمة
مسألة تنازع القوانين من حيث الزمن، واختيار الأصلح منهما للتطبيق على المتهم، تقتضي تحديد تاريخ ارتكاب الجريمة ووقته، حيث معرفة تاريخ وقوعها وما إن كان في ظل سريان القانون القديم
أو سريان القانون الجديد من شأنه أن يحسم كل خلاف، خاصة إن كنا نعلم أن بعض الجرائم ترتكب في وقت قصير من الزمن، والبعض الآخر تتراخى عبر الوقت، حيث يستغرق الركن المادي للجريمة في هذا النوع وقتا من الزمن، قد يطول وقد يقصر، بحيث قد ترتكب بعض الأفعال في ظل القانون القديم، وبعضها الآخر في ظل القانون الجديد، فهنا يثور تساؤل حول أي القانونيين يطبق؟ ومن الطبيعي القول بأن القانون الواجب التطبيق، هو القانون الذي حدث في ظله الركن المادي للجريمة، وبالتالي وقت وقوع هذا الركن هو المحدد للقانون الواجب التطبيق، حيث يكون القانون الساري المفعول وقت وقوعه، لكن الإشكال أن السلوك قد يقع في ظل قانون وتحدث النتيجة في ظل قانون آخر جديد، فهل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار زمن اقتراف الفعل أو زمن تحقق النتيجة؟. هنا ظهرت ثلاثة آراء فقهية، الأول يرى أن العبرة بتاريخ اقتراف السلوك الإجرامي، وبالتالي القانون الواجب التطبيق هو القانون الساري وقت إتيان السلوك، والبعض الثاني يرى أن العبرة بتحقق النتيجة، وبالتالي القانون الواجب التطبيق هو القانون الساري المفعول وقت تحقق هذه النتيجة، والرأي الثالث يأخذ بالاتجاهين السابقين معا، حيث يجب أن نقارن ما بين القانونيين أيهما أصلح للمتهم ويطبق، ونرى أنه الرأي الأصوب كون الجريمة اكتمال وتحقق في ضوء القانونيين، ونكون بصدد تنازع نبحث فيه عن القانون الصلح للمتهم. غير أن البعض، يرى الأخذ بالرأي الأول لأن الجريمة في نظره يكتمل ارتكابها عند اقتراف السلوك المادي، ولا عبرة بالنتائج، فالفعال يسأل عنه بغض النظر عن حدوث النتيجة خاصة في الجرائم العمدية.
وبخصوص الجرائم المستمرة التي لا يرتكب فيها الفعل المادي دفعة واحدة بل يأخذ وقت من الزمن فيه قد يعدل القانون أو يصدر قانون آخر يثير مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان، والاستمرار قد يكون متتابع كانتحال الألقاب أو الصفات، وهنا لإرادة الجاني دور في حالة الاستمرار، وهناك جرائم مستمرة دائمة كجريمة تزييف النقود، أو تقليد الأختام، وفيها الآثار وحدها المستمرة وليس الركن المادي الذي حدث دفعة واحدة، ويعامل هذا النوع من الجرائم معاملة الجرائم الوقتية. أما النوع الأول المتمثل في الجرائم المستمرة المتتابعة، حيث تختلف عن سابقتها، إذ فيها الفعل المادي لا يرتكب دفعة واحدة، وإنما يرتكب باستمرار حيث كل لحظة تمر تعد الجريمة مرتكبة فيها برمتها، حيث في هذه الحالة يكفي أن تستمر الجريمة ولو للحظة واحدة بعد صدور القانون الجديد ليطبق حتى ولو كان اشد بالنسبة للمتهم، وهناك إشكال آخر بخصوص هذه الحالة، يتمثل في حالة اشتراط القانون لفترة من الزمن كعنصر أساسي في السلوك، مثل الإهمال العائلي والامتناع عن دفع النفقة المقررة قضاء، حيث يشترط الإهمال أو الامتناع أن يتم لفترة من الزمن، قدرها المشرع في هاتين الجريمتين بشهرين، فالرأي الراجح فيها أن يطبق القانون الجديد في الحالة التي تتم فيها المدة هذه في ظله، حيث يشترط أن تمر فترة الشهرين في ظل القانون الجديد حتى تعد الجريمة مرتكبة في ظله.
وفي جرائم الاعتياد، التي تفترض تكرار الفعل الواحد أكثر من مرة، فما حكم الفعل إذا ارتكب عدد من المرات في ظل القانون القديم، ومرة واحدة في ظل القانون الجديد، ففي رأي الفقه لا يأخذ بعين الاعتبار إلا حالات التكرار التي ارتكبت في ظل القانون الجديد، واعتبار الحالات الواقعة قبل صدوره كأن لم تكن ولا تأخذ بعين الاعتبار في تكوين حالة التكرار أو الاعتياد. وإن كانت أحكام القضاء تظهر عكس ذلك، حيث يرى القضاء أن القانون في مثل هذه الجريمة يعاقب على حالة الخطورة الكامنة لدى الجاني، وأن الفعل الأخير في الحقيقة هو الذي يبين هذه الخطورة الإجرامية، وبالتالي يمكن اعتبار أن الفعل الأخير هو الذي كون حالة الاعتياد وبالتالي هو الذي كشف عن الخطورة الإجرامية لدى الجاني التي تستحق العقوبة.
وفي حالة العود، غالبية الفقه يرى أن الحكم الصادر في ظل القانون القديم لا يعد سابقة كوننا نرتب آثار قانونية عن قانون لم يعد معمولا به، كما تثار مسألة وقت ارتكاب الجريمة بخصوص حالة تعدد الجرائم، سواء كان تعدد صوري أو تعدد حقيقي، الذي سمى أيضا بالتتابع الإجرامي أو الجرائم المتتابعة، كالسرقة على عدة دفعات...
.
المطلب الثالث
نطاق تطبيق النص الجنائي من حيث المكان
تنازع القوانين الجنائية من حيث المكان
إن كانت فكرة تنازع القوانين الجنائية من حيث الزمان تخص قانونيين صادرين من نفس المشرع، داخل البلد الواحد، فإن تنازع القوانين الجنائية من حيث المكان تتعلق بقوانين مختلفة لدول مختلفة، فالجريمة كمشروع يمكن أن يمتد تنفيذه لأكثر من إقليم واحد، وتسهر على ذلك عصابات إجرامية من جنسيات مختلفة، وقد تمس الجريمة الواحدة بمصالح العديد من الدول، لذا كان يتعين تحديد نطاق تطبيق القانون الجنائي للدولة، باعتباره قانون يجسد سيادتها، وهي السيادة التي تتجسد أولا على إقليم الدولة ومواطنيها، وفي بعض الأحيان تتبع هؤلاء إلى خارج هذا الإقليم، وفي أحيان أخرى فكرة الإقليم ذاتها في القانون الجنائي ذات مدلول مختلف عما تعارف عليه الناس وفقا للقانون الدستوري والقانون الدولي.
لهذه الأسباب – ولأسباب كثيرة أخرى متعددة- فإن مسألة تحديد نطاق السريان المكاني للنص الجنائي، تتحدد باختصار بتطبيق أربعة مبادئ أساسية تأخذ بها غالبية التشريعات الجنائية المعاصرة، وإن كان بعضها ليس بصفة صريحة مثل مبدأ العالمية- من بين هذه المبادئ ما هو أصلي تنعقد له الأولوية على سائر المبادئ الأخرى، كمبدأ الإقليمية، ومنها ما هو احتياطي كمبدأ الشخصية والعينية اللذان لا يعدان من المبادئ التي تكمل مبدأ الإقليمية وتسد النقائص التي يواجهها تطبيق هذا الأخير، ومنها ما يجسد فكرة التعاون الدولي، وتدويل مواجهة ظاهرة الإجرام، مثلما هو الشأن بالنسبة لمبدأ العالمية. لذا وعلى عكس البعض، الذي يرى أن مبدأ الإقليمية القاعدة ويفرده بنقطة، ويشمل باقي المبادئ في نقطة أخرى باعتبارها استثناءات له، فإننا سنحاول أن نبين كل مبدأ من هذه المبادئ في نقطة مستقلة، باعتبارها تتكامل فيما بينها بما يضمن مكافحة الجريمة ومتابعة مرتكبيها وضبطهم ومحاكمتهم على نحو فعال. غير أننا سنتناول مبدأ الإقليمية في فرع مستقل، لنتناول في فرع آخر المبادئ الأخرى المكملة له، والتي يسميها البعض مبادئ احتياطية، وسبق لنا نحن، أن قلنا انها مبادئ تتعاون وتتكامل فيما بينها.
الفرع الأول
المبـــدأ الأصلي( مبدأ إقليمية النص الجنائي)
يعني مبدأ إقليمية تطبيق النص الجنائي، أن قانون العقوبات يسري على كل الجرائم أيا كان نوعها التي ترتكب على إقليم الجمهورية، وأيا كانت جنسية مرتكبها أو المرتكبة عليه[12]، وطنيا أو أجنبيا، ولهذا المبدأ بعض المبررات التاريخية التي جعلت منه من أقدم المبادئ – وإن كان البعض يرى أن الأقدم هو مبدأ الشخصية وذلك صحيح في نظرنا- كما ينطوي على العديد من المبررات السيادية المتعلقة بسيادة الدولة على إقليمها، بالإضافة لما له من فوائد عملية في إثبات الجرائم ومتابعة مرتكبيها ومحاكمتهم محاكمة فعالة تحقق أفكار الردع العام والخاص، كل ذلك انعكس على طريق تطبيق هذا المبدأ، حيث تمت معاملة بعض الأوضاع أو بالأحرى بعض المركبات معاملة الإقليم، بالرغم من اختلافها التام عنه، مثلما هو الشأن بالنسبة للطائرات والسفن، كما أنه وبالرغم من أولية وأصالة وسيادة مبدأ الإقليمية، إلا أنه ترد عليه بعض الاستثناءات التي تمليها القوانين والأعراف الدولية، سواء كانت سياسية أو دبلوماسية أو قنصلية، وبعض الأحكام الدستورية الأخرى، مما جعل من بعض الجرائم المرتكبة على الإقليم الوطني غير خاضعة للقانون الوطني، وهو ما اصطلح في معالجته باستثناءات مبدأ الإقليمية، وهي المسائل التي نوضحها في النقاط التالية.
أولا: معنى ومبررات مبدأ الإقليمية
يقصد بمبدأ إقليمية النص الجنائي، تطبيق التشريع الوطني الجنائي على كافة الجرائم المرتكبة على إقليم الدولة الجزائرية، بصرف النظر عن جنسية مرتكبها أو المرتكبة عليه، وبغض النظر عن المصلحة
أو الحق المعتدى عليه، سواء كانت مصلحة أو حق وطني أو أجنبي، لذا يرى البعض أنه للمبدأ شقين
أو وجهين، أحدها سلبي ويتمثل في انحسار تطبيق القانون الوطني خارج الإقليم، والآخر إيجابي يتمثل في تطبيق القانون الجنائي الوطني على إقليم الدولة دون مزاحمة من أي تشريع أجنبي آخر. وقد تضمنت المادة 3 من تقنين العقوبات الجزائري النص على مبدأ إقليمية النص الجنائي، بنصها على:" يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية.كما يطبق على الجرائم التي ترتكب في الخارج إذا كانت تدخل في اختصاص المحاكم الجزائية الجزائرية طبقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية"[13].
أما المبررات التي جعلت من غالبية التشريعات الجنائية تأخذ بمبدأ إقليمية النص الجنائي، فإننا نذكر أهمها في النقاط التالية[14]:
1- يعد مبدأ إقليمية تطبيق النص الجنائي، مظهر من مظاهر ممارسة الدولة لسيادتها على إقليمها، وبالتالي تطبيق قانونها على كل ما يقع عليه من أفعال رأت تجريمها، أيا كان مرتكبها أو المرتكبة عليه، وأيا كانت المصلحة المتعدى عليها وطنية أو أجنبية.
2- مبدأ إقليمية النص الجنائي يقود إلى تطبيق قانون مكان ارتكاب الجريمة، ويقضي باختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى، وهو أنسب مكان لمحاكمة المتهم، حيث فيه تتوفر أدلة الإثبات، وبه غالبا ما يوجد المتهم.
3- محاكمة المتهم في المكان الذي ارتكب فيه جريمته، وتوقيع الجزاء عليه في هذا المكان، يرسخ فكرة الردع العام الذي يسعى لتحقيقه الجزاء الجنائي.
4- كما أنه من مصلحة المتهم تطبيق قانون البلد الذي ارتكب فيه جريمته، لافتراض علمه بهذا القانون، مما يحقق أغراض مبدأ الشرعية الجنائية ويحقق العدالة من خلال عدم مفاجئة المتهم بقوانين يجهلها.
لذا فالقانون الجنائي الجزائري يطبق على كافة إقليم الجمهورية الجزائرية، وفقا لما هو متعارف عليه في أحكام القانون الدولي العام[15]، ووفقا لنص المادة 12 من دستور 1996 المعدل والمتمم التي بينت معنى الإقليم، وإن كان القانون الجنائي يعطي له مدلولا آخرا، حيث نصت هذه المادة على أنه:" تمارس سيادة الدولة – ونلاحظ أن المادة عبرت عن الموضوع بالسيادة ولا تتعلق فقط بالقانون الجنائي- على مجالها البري ومجالها الجوي، وعلى مياهها، كما تمارس الدولة حقها السيد الذي يقره القانون الدولي على كل منطقة من مختلف مناطق المجال البحري التي ترجع إليها.". وزيادة على ما ذكر بالهامش أدناه حول الإقليم، فيمكن أن نضيف أن قوانين العقوبات لا تهتم ببيان نطاق إقليم الدولة، بل تفرض سلفا أن هذه الفكرة معروفة ومحددة بواسطة القانون الدولي، والإقليم في العادة يشمل الإقليم البري الذي تحدده الاتفاقيات الدولية، ويشمل المياه التي تحت جوف الأرض والأنهار والقنوات التي تمر به سواء كانت أنهارا وطنية أو دولية، وأما الإقليم البحري فبينته اتفاقية سنة 1958 المتعلقة بالبحر الإقليمي التي بينت في مادتها الأولى على أن سيادة الدولة تمتد خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية إلى حزام من البحر ملاصق لشواطئها يسمى البحر الإقليمي، وبخصوص الإقليم الجوي وقعت اتفاقية باريس سنة 1919 مبينة أنه لكل دولة سيادة كاملة وانفرادية على طبقات الهواء التي تعلو إقليمها البري وبحرها الإقليمي وحتى مستعمراتها – كون الاتفاقية وقعت وقت الحركات الاستعمارية- وأكدت على ذلك من جديد اتفاقية شيكاغو سنة 1944 التي اعتبرت مادتها الأولى الهواء عنصرا تابعا لإقليم الدولة، غير أنه مبدأ اهتز أمام التطور العلمي مما أدى إلى التفكير في تحديد الإقليم الهوائي بارتفاع محدد، لذا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19-12-1966 في دورتها 21 القرار رقم 3222 بالموافقة على مشروع اتفاقية تنظم استعمال واستغلال الدول للطبقات العليا في الجو بما فيها القمر والكواكب الأخرى، ونصت هذه الاتفاقية في مادتها 11 على أن طبقات الجو العليا تخرج عن سيادة كل دولة، غير أنها اتفاقية لم تحدد المسافة التي تكون بين الفضاء الجوي وطبقات الجو العليا.
ثانيا: تحديد مكان وقوع الجريمة
من المتفق عليه قانونا أن مكان وقوع الجريمة يتحدد بالمكان الذي يقع فيه ركنها المادي سواء اجتمعت أركانه الثلاثة وهنا لا إشكال، لكن من المتصور أن تتوزع هذه العناصر على أكثر من إقليم واحد فهنا يثار الإشكال حول تحديد أي منها يكون مكانا لوقوع الجريمة، هنا السائد أن قوانين كل الدول التي توزعت عليها الجريمة يكون مختصا بنظر الجريمة، وهو الوضع أيضا في الجرائم المستمرة حيث يكون قانون كل إقليم قامت فيه حالة الاستمرار مختصا بنظر الجريمة، غير أن جرائم الامتناع تعد مرتكبة في الإقليم الذي حصل فيه الامتناع وكان من الواجب أن يقوم فيه الجاني بما هو مطلوب منه قانونا، كما أنه يعد إقليم ارتكبت فيه الجريمة الإقليم الذي حدثت فيه النتيجة الإجرامية- أو لآثار المباشرة للفعل - حيث أنه إذا أرسل شخص صندوق متفجرات لشخص آخر فتحه فانفجرت عليه وسافر لبلد آخر للعلاج وتوفي هناك يكون مختصا بلد العلاج أيضا بالإضافة للبلدين الآخرين. الأول هو بلد السلوك والثالث بلد النتيجة والثاني بلد علاقة السببية[16]. لكن لا عبرة بالنتائج الحاصلة بعد حدوث النتيجة وإن كانت تشكل جريمة مستقلة فيتحدد الاختصاص بمكان وقوع هذه الجريمة، مثل إخفاء متحصلات السرقة أو إخفاء الجثة التي يعتد بها قانونا ولا الأعمال التحضيرية غير المعاقب عليها.
غير أن الإشكال يكمن في حالة الشروع في الجريمة، وهنا يرى بعض الفقه أن الاختصاص ينعقد للدولة التي شرع في التنفيذ فيها وكذا للدولة التي كان من المفترض حصول النتيجة فيها، في حين يرى جانب آخر من الفقه، منتقدا الرأي الأول أنه لا يجب أن ينعقد الاختصاص لقانون الدولة التي كان يفترض حدوث النتيجة بها، وهو رأي نؤيده كثيرا خاصة وإن كنا نرى أن المجني عليه قد لا يكون عالما أصلا بأنه كان عرضة لجريمة شرع في ارتكابها عليه، كما أنه يثور الإشكال بخصوص المساهمة الجنائية، والتي على نحو ما سنرى تنقسم إلى مساهمة جنائية أصلية ومساهمة جنائية تبعية، ففي الأولى يكون كل الجناة فاعلين أصليين، وهو ما لا يثير أي إشكال حسب البعض إذا ما وقعت الجريمة على إقليم الدولة، لكننا نرى أنه في حالة التحريض قد نكون بصدد مساهمة جنائية أصلية حيث يعد الفاعل الأصلي كل من المحرض والمنفذ، وبالتالي إن كان التحريض في بلد والتنفيذ في بلد آخر فإننا نرى اختصاص قانون كل من البلدين ونفس الشيء بالنسبة للفاعل المعنوي. غير أنه في حالة المساهمة الجنائية التبعية، أين نكون بصدد فعل أصلي وآخر فعل الاشتراك، ونرى أن غالبية القوانين تتبع عمل الشريك بعمل الفاعل الأصلي حيث يرى أنه إذا وقع الفعل الأصلي أو جزء منه في إقليم دولة ما فإن قانونها يمتد للتطبيق على فعل الاشتراك، وأن قانون الدولة التي وقع فيها فقط فعل الاشتراك لا ينطبق تماما، ونؤيد هذا الرأي كون أفعال الاشتراك لا عقاب عليها في حد ذاتها كونها أفعال مباحة تنجذب إلى دائرة التجريم بالنظر لفعل الفاعل الأصلي.
ثالثا: الامتداد الحكمي لفكرة الإقليم
سبق القول، أن المشرع الجزائري، عامل السفن والطائرات معاملة خاصة، في الحالات التي ترتكب عليها جرائم، وعالجهما ضمن إطار مبدأ الإقليمية – وإن كان ذلك في قانون الإجراءات الجزائية- وذلك ضمن المادتين 590 و591، مبينا اختصاص القانون الجزائري بخصوص الجرائم التي ترتكب على متن السفن والطائرات، وحالات وشروط ذلك، مفرقا بين تلك الجزائرية والأجنبية – سواء بخصوص الطائرات أو السفن- أخذا ببعض الحدود التي يمكن تبريرها أحيانا، وأخرى يعجز الشخص عن تفسيرها بعد مقارنة المادتين معا بما تتضمنه من أحوال.
1- بالنسبة للسفــن:
نصت المادة 590 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أنه: " تختص الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجنايات والجنح التي ترتكب في عرض البحر على بواخر تحمل الراية الجزائرية آيا كانت جنسية مرتكبيها. وكذلك الشأن بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب في ميناء بحرية جزائرية على ظهر باخرة تجارية أجنبية."، من هذه المادة، يتضح بأن المشرع الجزائري، فرق ما بين السفن الوطنية والسفن الأجنبية، وبخصوص الأخيرة فرق بين السفن الأجنبية الحربية والسفن الأجنبية المدنية، واستعمل عبارة السفن التجارية التي نرى ووجوب استبدالها بالمدنية.
أ- بالنسبة للسفن الجزائرية:
متى كانت السفينة جزائرية، فإن قانون العقوبات الجزائري يكون مختصا في حال توفر الشروط التالية مجتمعة[17]، وأن تخلف شرط من هذه الشروط يقود لعدم تطبيقه، وهي:
1- أن تكون السفينة تحمل الراية الجزائرية.
2- أن تكون الجريمة جناية أو جنحة، وبالتالي تستبعد المخالفات.
3- أن يكون مكان ارتكاب هذه الجناية أو الجنحة والباخرة في أعالي البحار، كون هذه المنطقة غير خاضعة لأية سلطة، لأنه لو ارتكبت الجناية أو الجنحة في المياه الإقليمية أو موانئ الجزائر، فاختصاص للقانون الجزائري يكون بموجب المادة 3 من قانون العقوبات، لا بموجب المادة 590 من قانون الإجراءات الجزائية، وإن ارتكبت في مياه إقليمية أجنبية يكون الاختصاص لقانون هذه الدولة تطبيقا لمبدأ إقليميتها.
4- لا عبرة بجنسية الجاني أو المجني عليه، ولا بالمصلحة أو الحق الذي مست به الجناية أو الجنحة.
ب- بالنسبة للسفن الأجنبية:
استعمل المشرع الجزائري بخصوص السفن الأجنبية مصطلح " السفن التجارية" تمييزا لها عن السفن الحربية، هذه الأخيرة التي تعامل معاملة خاصة، وكان عليه أن يستعمل مصطلح " السفن المدنية" كون التجارية قد يفهم منه سفن البضائع دون سفن الأشخاص أو السفن السياحية... وحتى يكون القانون الجزائري مختصا بنظر الجرائم المرتكبة على السفن الأجنبية ما عدا الحربية منها، يجب أن تتوفر الشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الماد 590 من قانون الإجراءات الجزائية، وهي:
1 – حسب المادة 590 أن تكون السفينة الأجنبية تجارية، أي ليست حربية – وهو المغزى من الشرط- والسفينة الأجنبية هي التي تحمل جنسية أو راية دولة أخرى.
2- أن يكون الفعل يشكل جناية أو جنحة، وبالتالي تستبعد المخالفات.
3- أنه لا عبرة بجنسية الجاني أو المجني عليه، ولا بالمصلحة التي تم الاعتداء عليها، كون المادة لم تشترط ذلك.
4- أن يكون مكان تواجد السفينة الأجنبية ميناء بحرية جزائرية، وهو ما يفهم منه أن تكون راسية، ونحن نتساءل عن عدم النص على المياه الإقليمية الوطنية باعتبارها من اختصاص قانوننا، على الأقل مثلما نزع المشرع اختصاصنا لما تكون بواخرنا في المياه الإقليمية لدول أخرى، فينزع اختصاص قانون هذه الدول لما تكون بواخرها في مياهنا الإقليمية....غير أن الأمر يمكن مواجهته بالمادة 3 التي تشكل القاعدة العامة متى كانت الباخرة الأجنبية بالمياه الإقليمية الوطنية.
2- بالنسبة للطائرات:
مثلما فعل المشرع الجزائري بالنسبة للسفن، فإنه فعل بالنسبة للطائرات، حيث يتعلق الأمر بالطائرات المدنية دون الحربية، وفرق فيها بين الطائرات الجزائرية والطائرات الأجنبية، وكل منها يجب أن تستجمع جملة من الشروط حتى يكون القانون الجزائري مختصا، وذلك ما بينته المادة 591 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، التي نصت على أنه: " تختص الجهات القضائية الجزائرية بنظر الجنايات والجنح التي ترتكب على متن طائرات جزائرية أيا كانت جنسية مرتكب الجريمة. كما أنها تختص أيضا بنظر الجنايات
أو الجنح التي ترتكب على متن طائرات أجنبية إذا كان الجاني آو المجني عليه جزائري الجنسية أو إذا هبطت الطائرة بالجزائر بعد وقوع الجناية أو الجنحة. وتختص بنظرها المحاكم التي وقع بدائرتها هبوط الطائرة في حالة القبض على الجاني وقت هبوطها أو مكان القبض على الجاني في حالة ما إذا كان مرتكب الجريمة قد قبض عليه في الجزائر فيما بعد."
أ- بالنسبة للطائرات الجزائرية:
حتى يكون القانون الجزائري مختصا بالتطبيق على الطائرات الجزائرية يجب أن تتوفر الشروط التالية:
1- أن تكون الطائرة جزائرية، أي حاملة للراية الجزائرية،
2- أن يكون الفعل المرتكب يشكل جناية أو جنحة، وبالتالي لا عبرة بالمخالفات.
3- لا عبرة بجنسية الجاني، وبالضرورة إذن لا عبرة بجنسية المجني عليه، ولا بمكان ارتكاب الجريمة، فالقانون الجزائري يتبع طائراتنا أينما حلت حتى في قلب عواصم الدول الأخرى، على عكس ما فعله المشرع بخصوص البواخر.
ب- بالنسبة للطائرات الأجنبية:
يكون قانون العقوبات مختص بالتطبيق على الجرائم المرتكبة على الطائرات المدنية الأجنبية، إذا توفرت الشروط التالية مجتمعة:
1- أن تكون الطائرة أجنبية أي حاملة لجنسية دولة أخرى.
2- أن يكون الفعل بالضرورة يشكل جناية أو جنحة وتستبعد المخالفات.
3- أن يكون الجاني أو المجني عليه جزائريا، أو هبوط الطائرة بالجزائر بعد ارتكاب الجريمة حتى وإن لم يكن الجاني أو المجني عليه جزائريا[18].
وتكون المحكمة التي يتواجد بنطاق اختصاصها مكان هبوط الطائرة بالمحاكمة، أو مكان القبض عليه إن تم القبض عليه لاحقا.
ثالثا: الاستثناءات الواردة على مبدأ الإقليمية:
بالرغم من أن مبدأ إقليمية النص الجنائي يقتضي أن تخضع كل الجرائم المرتكبة على إقليم الجمهورية الجزائرية للقانون الجنائي الجزائري، أيا كانت جنسية الجاني أو المجني عليه، وبغض النظر عن المصلحة أو الحق المعتدى عليه، غير أنه إعمالا لبعض الأحكام الدستورية والأعراف الدبلوماسية وبعض قواعد القانون الدولي العام، وما تتضمنه من أعراف واتفاقيات دولية، فإنه ترد بعض الاستثناءات على مبدأ إقليمية النص الجنائي، التي تستبعد الجرائم التي يرتكبها بعض الأشخاص من الخضوع لقانون العقوبات الجزائري[19]، إذ ارتكبها مثل هؤلاء الأشخاص أثناء أو بمناسبة تأدية مهامهم، ومن بين هؤلاء الأشخاص نذكر:
1- رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الجزائريين:
تستثني غالبية القوانين الجنائية، بما فيها قانون العقوبات الجزائري جرائم رئيس الجمهورية التي يرتكبها أثناء ممارسته لمهامه الرئاسية أو بمناسبتها، وذلك طبقا للأعراف الدستورية، ولا يمكن محاكمته عنها إلا بعد زوال صفة الرئاسة عنه، غير أن ما تجدر الإشارة إليه أن الدستور الجزائري لسنة 1996 المعدل والمتمم، تضمن حكما لم تكن تعرفه الدساتير السابقة، وهو الحكم الذي جاءت به المادة 158 منه: التي نصت على أنه:" تؤسس محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى، ورئيس الحكومة عن الجنايات والجنح التي يرتكبانها بمناسبة تأدية مهامهما..."[20].
وقضت هذه المادة أن كيفية تشكيل المحكمة وعملها وسيرها وتنظيمها، سيبين عن طريق الأحكام التنظيمية، غير أنه ولحد الساعة لم يصدر أي نص يبين ذلك. مما يجعلها من النص مجرد نص نظري.
2- أعضاء المجالس النيابية العليا:
( البرلمان ومجلس الأمة في الجزائر[21])
ونقصد بالمجالس النيابة العليا، تمييزا لها عن المجالس الشعبية الإقليمية أو المحلية، مثل المجالس الشعبية الولائية والمجالس الشعبية البلدية، ونجد كل الدول تقرر الحصانة لأعضاء السلطة التشريعية[22]، ولا يعني ذلك نزع الصفة التجريمية عن الفعل المعاقب عليه الذي يرتكبونه، وإنما متابعتهم لا تتم إلا بإتباع إجراءات دستورية خاصة، وهو ما بينته المواد 109، 110، 111 من دستور 1996 المعدل والمتمم، حيث تضمنت المادة 109 مبدأ الحصانة البرلمانية، بنصها :" الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب ولأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم ومهمتهم البرلمانية، لا يمكن أن يتابعوا أو يوقفوا، وعلى العموم لا يمكن أن ترفع عليهم أية دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليهم أي ضغط، بسبب ما عبروا عنه من آراء وما تلفظوا به من كلام أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامهم البرلمانية."[23]. وهنا فعلا استثناء بخصوص نوع محدد من الجرائم. كونها مادة أرست فكرة الحصانة البرلمانية المعترف بها لنواب السلطة التشريعية، خاصة المتعلقة بمهامهم الرئيسية وهي مناقشة القوانين والتصويت عليها، غير أن المادة 110 من دستور 1996 المعدل والمتمم ركزت على فكرة المتابعة الجزائية عن الجنايات والجنح، وفكرة التنازل عن الحصانة البرلمانية،
أو رفعها، بينما بنت المادة 111 حالة تلبس النائب بارتكاب جناية أو جنحة.
فقضت المادة 110 بأنه :" لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب – المقصود نواب الغرفة السفلى-
أو عضو مجلس الأمة بسبب جناية أو جنحة إلا بتنازل صريح منه أو بإذن حسب الحالة من المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة الذي يقرر رفع الحصانة عنه بأغلبية أعضائه."، وبالتالي يمكن للنائب سواء كان نائبا في الغرفة السفلى، أو عضو من أعضاء مجلس الأمة في حال اتهامه بارتكاب جناية أو جنحة، أن يتنازل صراحة عن حصانته البرلمانية، والمقصود بعبارة " صراحة" أنه تنازل مكتوب تضمنه النيابة العامة ملف القضية، أو برفع الحصانة عليه من قبل أغلبية باقي الأعضاء، وفي هذه الحالة تجوز متابعته كأي شخص من الأشخاص، غير أن ما تجدر الإشارة إليه، أن المادة 110 لم تبين الموقف من الحالة التي يرتكب فيها عضو البرلمان أو عضو مجلس الأمة لمخالفة، فهل عدم ذكر هذا النوع من الجرائم يعني عدم المسائلة عنها أصلا، أم تجوز فيها المتابعة دون الإجراءات السابقة. في حين بينت المادة 111 حالة تلبس عضو البرلمان
أو عضو مجلس الأمة بارتكاب جناية أو جنحة[24]، حيث قضت أنه :" في حالة تلبس أحد النواب أو أحد أعضاء مجلس الأمة بجنحة أو جناية يمكن توقيفه ويخطر بذلك مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس الأمة حسب الحالة فورا. يمكن المكتب المخطر أن يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النائب أو عضو المجلس الأمة على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادة 110 أعلاه.".
3- رؤساء الدول الأجنبية:
تستثنى وفقا للعرف الدولي الجرائم التي يرتكبها رؤساء الدول الأجنبية أو ملوكها أو أمراءها في أقاليم الدول الأجنبية. وذلك على اعتبار رؤساء الدول الأجنبية يمثلون دولا ذات سيادة وقد جرى العرف الدولي على عدم إخضاعهم لسيادة دولة أجنبية أخرى يتواجدون على إقليمها، ويمتد الاستثناء إلى الجرائم التي يرتكبونها بمناسبة ممارسة مهامهم أو بممارسة حياتهم الشخصية، كما تمتد الحصانة لتشمل حسب البعض كل أفراد أسرتهم وحاشيتهم، وسبق لنا القول بأن قانون العقوبات تعبير عن سيادة الدولة وبالتالي نرى أنه في حال إخضاع رئيس دولة لقانون عقوبات دولة أخرى يكون قد تم إخضاعه لسيادة هذه الدولة. ورئيس الدولة يقصد به حاكم الدولة وفقا للنظام السياسي الذي يسودها، فقد يكون ملكا أو أميرا أو سلطانا أو رئيس جمهورية أو عضو مع غيره في مجلس رئاسي يدير الدولة أو قائد ثورة أو حركة تحرر معترف بها
أو زعيما روحيا لدولة ذات نظام حكم ديني، وهي الحصانة التي تمتد حتى أعضاء الوفد المرافق له وأفراد عائلته[25]. ولا عبرة في كون زيارته رسمية أو خاصة أو حتى ولو كانت تحت اسم مستعار إذ يكفي في الحالة الأخيرة أن يكشف عن شخصيته في حال محاولة توقيفه[26].
4- رجال السلك السياسي الأجنبي:
رؤساء الحكومات والوزراء وكتاب الدولة ورجال المنظمات الدولية يتمتعون بحصانة قضائية مستمدة من المعاهدات الدولية والقوانين الأساسية للمنظمات التي يتبعونها تعفيهم من كل مسائلة جنائية عن الجرائم التي يرتكبونها في الدول التي يقيمون فيها في مهام رسمية.
5- رجال السلك الدبلوماسي والقنصلي:
وهم لا يسألون أيضا عن الجرائم التي يرتكبونها في الدول التي يمثلون فيها دولهم. طبقا لاتفاقية فيينا المؤرخة في 24-04-1963 المتعلقة بالعلاقات القنصلية، والتي تمنح حصانة للموظفين القنصليين وموظفي الهيئات الدولية بالنسبة للجرائم التي تتعلق بقيامهم بوظائفهم أو بسببها، وأما الجرائم التي ترتكب خارج إطار الوظيفة تعقد الاختصاص لقانون البلد الذي يتواجدون به. وفي تبرير الحصانة قيل أن الممثل السياسي ووظيفته شيء واحد، حيث يتلاشى الشخص في وظيفته، فإذا عاقبناه فنحن نعاقب من خلاله الدولة التي يمثلها، وبالتالي نمس بسيادتها، ومن الحصانة السابقة قررت أيضا حصانة مباني السفارات والقنصليات، لكن ذلك لا يعني أنها ملاذ للمجرمين حيث ارتكاب جريمة داخل السفارة أو خارجها والفرار إليها، لا يمنع من تسليم الشخص لسلطات البلد، حتى ولو كان من رعايا الدولة التي تمثلها السفارة أو القنصلية ولا يعني ذلك تسليم رعايا الدولة، حيث لا تعد هذه المباني خارج الإقليم. وبخصوص الحصانة يجب القول أنه يحق للسلطات المحلية عندما يرتكب الممثل السياسي جريمة من الجرائم القيام بطرده باعتباره شخصا لم يعد مرغوبا فيه في البلد، كما يحق لبلده الأصلي معاقبته على جرائمه التي ارتكبها في بلد عمله، وبذلك لا يكون في معزل عن العقاب بأي حال من الأحوال، كما أن الحصانة شخصية وتتعلق بشق العقاب لا شق التجريم، بمعنى عدم العقاب لتوفر الحصانة لا يعني أن الفعل مباح، أو الصفة تعد سبب من أسباب الإباحة، وإنما هي مانع من موانع العقاب في مثل هذه الحالات، لذا فالأشخاص المساهمين مع صاحب الحصانة يمكن متابعتهم وعقباهم متى كنوا لا يتمتعون بالحصانة، سواء كانوا من المواطنين أو من الأجانب تطبيقا لمبدأ الإقليمية، كما أن حق الدفاع المشروع مقرر للمعتدى عليهم حتى ضد أصحاب الحصانة. كما أنه هناك اتفاقية فيينا لسنة 1961 وتشمل أعضاء السلك الدبلوماسي والبعثات السياسية الخاصة وممثلو المنظمات الدولية أو الإقليمية بصرف النظر عن درجاتهم وألقابهم ويستوي أن تتعلق الجرائم بممارسة مهامهم أو بمناسبة متابعة شؤون حياتهم الخاصة ، أما فيما يخص الخدم فتقتصر الحصانة على ما يصدر منهم من جرائم بمناسبة ممارستهم لمهامهم شريطة ألا يكونوا من رعايا الدولة التي توجد بها مقر البعثة أو المنظمة أو السفارة[27].
6- رجال القوات الأجنبية المرابطة في التراب الوطني:
ويستمدون حصانتهم بخصوص عدم متابعتهم عن الجرائم التي يرتكبونها في الدول التي يرابطون فيها. وهي مقررة للقوات الموجودة بأرض الدولة بترخيص منها، مثل قوات الطوارئ الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أو قوات وطنية لدولة أخرى، وهي الحصانة التي يتمتع بها أفراد هذه القوات بمناسبة ما يقع منهم من جرائم بمناسبة تأديتهم لمهامهم، أو داخل المناطق المخصصة لهم.
وعلى العموم، الحصانة أو الإعفاء من المتابعة الجزائية وفقا للقانون الجزائري لا يغني عن إخطار الجهات الرسمية التي يتبعها الشخص مرتكب الجريمة والمتمتع بالحصانة الدبلوماسية، التي في العادة ما تتابعهم تأديبيا وقد يتجاوز الأمر لحد تعويض ضحاياهم مدنيا، وتبقى كل معاهدة أو قانون أساسي للمنظمة، وكذا الأعراف الدبلوماسية أو مبدأ المعاملة بالمثل تحدد طرق وكيفيات ذلك.
الفرع الثاني
المبادئ المكملة لمبدأ الإقليمية
على عكس العصور السابقة، أضحت الحدود تشكل محاسن للعصابات الإجرامية وليست عوائق، خاصة مع تقدم المواصلات وتحول العالم على قرية صغيرة، وتدويل الجريمة، فأصبحت الحدود عائقا بالنسبة للسلطات في بحثها وتعقبها للمجرمين، وازدياد حركات الهجرة التي تصعب من عمليات التكيف مع قوانين الدول التي يستقر بها هؤلاء المهاجرين، كما أنهم انفصلوا عن جذورهم ولا يستطيعون التكيف مع الحياة الجديدة بسهولة، ولا يستطيعون التكيف مع مجتمع جديد وحياة جديدة وعادات وتقاليد جديدة زيادة على حواجز اللغة والثقافة وحتى الدين، فانفصالهم عن حياة اعتادوا عليها وعايشوها يحدث لهم نوع من الصراع بين القيم القديمة والقيم الجديدة المستحدثة فتضعف مقاومتهم شيئا فشيئا، كما أنه للحربين العالميتين والحروب الإقليمية الأخرى دور كبير في بروز ظاهرة العنف والإرهاب الذي لم يعد مقتصرا فقط على الأفراد والمنظمات، بل شملت حتى الدول، وهي كلها مسائل لفتت الانتباه إلى ضرورة توسع دائرة القانون الجنائي لمحاربة هذا النوع من الإجرام، وهو ما جعل مبدأ الإقليمية وحده غير كاف لمواجهة الظاهرة الإجرامية، وكان لزاما عليه الاستعانة ببعض المبادئ الأخرى المكملة، والتي نتناولها في النقاط التالية.
أولا: مبدأ الشخصية الجنائية
مبدأ الشخصية الجنائية أسبق في الظهور من مبدأ الإقليمية، حيث كان يعد الأصل فيما مضى، كون النص الجنائي كان يتبع رعايا الدولة أسينما حلوا، سيما في ظل فكرة الإقليم لم تكن قد تجسدت بعد بالشكل المعروف اليوم، لكن مع ظهور الدولة وارتكاز سيادتها على فكرة الحدود الإقليمية، انحصر نطاق تطبيق مبدأ الشخصية الجنائية فاسحا المجال أمام مبدأ الإقليمية ليصبح المبدأ الرئيسي الحاكم لسريان النص الجنائي. ويعرف مبدأ الشخصية الجنائية بأنه تطبيق النص الجنائي على كل جاني يحمل جنسية الدولة أينما حل وأينما وجد، وأيا كان الإقليم الذي ارتكب عليه جنايته، وبعبارة أكثر اختصارا، هو وجوب تطبيق القانون الجنائي لكل دولة على الحاملين لجنسيتها أينما حلوا[28]. ونص المشرع الجزائري على مبدأ الشخصية الجنائية في المادتين 582 و583 من قانون الإجراءات الجزائية، مفرقا بين الفعل الذي يرتكبه الجزائري بالخارج وما إن كان جناية أو جنحة، وهو الأمر الذي يقودنا لتناول المبدأ من خلال نقطتين تبعا للتمييز السابق.
.
1- الجنايات ومبدأ الشخصية الجنائية
وهو شق من مبدأ الشخصية الجنائي الذي يركز على الرعية التي ترتكب فعلا يوصف بالجناية في الخارج، وقد تضمنه المادة 582 من قانون الإجراءات الجزائري[29]، التي أوردت جملة من الشروط إذا ما توفرت مجتمعة طبق على هذا الجاني القانون الجزائري بالرغم من أنه ارتكب جنايته بالخارج، وهذه الشروط هي:
- أن يكون الفعل الذي ارتكبه الشخص في الخارج يوصف بأنه جناية وفقا للقانون الجزائري، ويتضح من النص أنه لا عبرة للتكييف المعطى له من قبل تشريع القطر الذي وقعت عليه، سواء كان جناية أو جنحة،
أو فعل مباح أصلا وهو أمر ننتقده بشدة[30].
- أن يكون الجاني يحمل الجنسية الجزائرية، أو أن يكون قد اكتسبها بعد ارتكابه الجريمة[31].
- أن يكون ارتكاب الجناية قد تم خارج الإقليم الجزائري، لأنه لو كانت عليه لطبق مبدأ الإقليمية وفقا للمادة 3 من قانون العقوبات.
- أن يعود هذا الجاني الجزائري إلى أرض الوطن سواء جبرا أو طواعية، لأنه وفقا لهذه المادة لا يمكن أن يحاكم غيابيا.
- ألا يكون الجاني قد حوكم في الخارج عن هذه الجناية، وألا يكون قد قضى عقوبتها في حال كان قد حوكم عنها، أو سقطت عنه هذه العقوبة بالتقادم أو حصل على عفو عنها في دولة ارتكابها.
2- الجنح ومبدأ الشخصية الجنائية
وهو مبدأ يخص الجزائري الذي يرتكب خارج الإقليم الجزائري فعلا يوصف بأنه جنحة سواء في نظر القانون الجزائري أو في نظر القطر الذي ارتكبت فيه، فهنا يكون خاضعا للقانون الجزائري بشروط يجب أن تتوفر جملة واحدة، وهي شروط بينتها المادة 583 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري[32]، وهــي:
- أن يكون الفعل الذي اقترفه الجزائري يوصف بأنه جنحة، سواء في القانون الجزائري أو في القانون الأجنبي المطبق على الإقليم الذي ارتكبت فيه[33].
- أن ترتكب هذه الجنحة في الخارج.
- أن يكون مرتكبها جزائريا وقت اقترافها أو اكتـــسب الجنسية الجزائرية بعد ذلك وفقا للمادة 584 من ق إ ج ج .
- أن يعود الجاني للجزائر أو يسلم غليها، حيث لا يجوز محاكمته غيابيا.
- ألا يكون قد حكم عليه في الخارج أو قضى عقوبته أو تقادمت أو حصل على عفو عنها.
- وزيادة على ذلك، إن كانت الجنحة ضد الأفراد، يجب تقديم شكوى من الشخص المضرور أو بلاغ من سلطات القطر الذي ارتكبت فيه الجنحة حتى يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية.
وفي حالتي مبدأ الشخصية تجري المتابعة بناء على طلب النيابة العامة لمحل إقامة الجاني بالجرزائر أو محل القبض عليه، وذلك ما تضمنته المادة 587 من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أنه : " تجري المتابعة بناء على طلب النيابة العامة لمحل إقامة المتهم أو مكان آخر محل إقامة معروف له أو مكان القبض عليه."
ثالثا: مبدأ العينية ( مبدأ الذاتية)
وهو المبدأ المكمل الثاني لمبدأ الإقليمية بعد مبدأ الشخصية، وسمي بمبدأ العينية أو الذاتية لأنه يمس بمصالح الدولة ذاتها أو بعينها لا بمصالح أفرادها، سواء كانوا جناة أو مجني عليهم، وأنه يطبق خصيصا على الأجانب دون حاملي جنسية الدولة، لأنه هؤلاء يخضعون لمبدأ الشخصية، وعموما، نقصد بهذا المبدأ تطبيق القانون الوطني الجزائري على كافة الجرائم المرتكبة بالخارج – لا بأرض الوطن، لأنه في هذه الحالة الخيرة نطبق مبدأ الإقليمية- والتي تمس بالمصالح الأساسية للدولة المرتبطة بسيادتها واقتصادها والثقة المولاة في نقودها، وأن الضحية في هذا النوع من الجرائم هي الدولة ذاتها، وبهذا المبدأ تكون تمارس نوعا من الدفاع الشرعي عن مصالحها، كما يعد – المبدأ- تعبيرا عن بسط الدولة لسلطانها التشريعي على كل الجرائم التي تمس بهيبتها ومصالحها، ولكن في الحالات التي لا تلقى فيها هذه الجرائم اهتمام من سلطات القطر الذي ارتكبت فيه. وهو الأمر الذي دفع بالمشرع الجزائري على غرار غالبية التشريعات الجنائية المعاصرة للنص على هذا المبدأ في المادة 588 من قانون الإجراءات الجزائية[34]، وهو النص الذي لا يطبق إلا إذا توفرت الشروط التالية مجتمعة:
1- أن يكون الجاني أجنبيا، لأنه لو كان جزائريا لطبق مبدأ الشخصية سواء بموجب المادة 582 إذا كان الفعل يشكل جناية، أو المادة 583 إذا كان الفعل يشكل جنحة.
2- أن ترتكب الجريمة في الخارج، لأنه لو ارتكبت في الوطن فيطبق مبدأ الإقليمية.
3- على أن توصف الجريمة على أنه جناية أو جنحة.
4- أن تكون هذه الجريمة ماسة بالسلامة الوطنية[35]، أو أن تكون تزييفا للنقود أو الأوراق المصرفية المتداولة في الجزائر وقت ارتكاب الجريمة[36].
5- أن تحصل الجزائر على تسليمه لها أو أن يلقى القبض عليه في الجزائر. إذ لا يجب أن يحاكم غيابيا.
ثالثا: مبدأ العالمية Universalité de la répression
ويقصد بهذا المبدأ- بالرغم من عدم النص عليه صراحة في القانون الجزائري- سريان القانون الجنائي الوطني على كافة الجرائم ذات الطابع العالمي أو الدولي متى ضبط الجاني أو ألقي عليه القبض في الجزائر، حيث لا يمكن محاكمته غيابيا، أيا كانت جنسية هذا الشخص، على ألا يكون جزائريا، لأنه في هذه الحالة يطبق مبدأ الشخصية، وأيا كانت جنسية المجني عليه، وأيا كان مكان ارتكاب الجريمة، بشرط ألا يكون الجزائر لأنه في هذه الحالة يطبق القانون الجزائري على أساس مبدأ الإقليمية لا مبدأ العالمية، وبشرط ألا تطلب دولة أخرى تسليمه لها باعتباره من رعاياها أو أن الجريمة مست بها بمبدأ من المبادئ السابقة، حيث في هذه الحالة تصبح الأولى بمحاكمته. ويبرر هذا المبدأ رغبة الدول في التعاون من أجل مكافحة نوع معين من الجرائم التي تهم المجتمع الدولي[37]، والتي تشكل عدوانا على مصلحة مشتركة بين الدول، كجرائم القرصنة والاتجار في الرقيق أو في المخدرات... وقد تجسد من خلال اتفاقيات قد تلزم الدول المنضمة لها أن تدرج المبدأ في قانونها الداخلي مثلما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 المتعلقة بجرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الواردة بهذه الاتفاقية
hadia369
2013-01-29, 00:08
الفرع الثالث
الحالات الممتازة للدفاع الشرعي
( المادة 40 ق ع ج)
وهي حالات منقولة حرفيا من نص المادة 329 قانون عقوبات فرنسي، ويسمها الفقه الحالات الممتازة للدفاع الشرعي أو الدفاع الشرعي الممتاز، دلالة على افتراض المشرع فيها توافر شروط الدفاع الشرعي كقرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس، غير أنه من الفقه من يرى العكس، وهو أيضا موقف القضاء الفرنسي[1]، وبالتالي نرى أنه لا مجال اليوم لتسميتها بالحالات الممتازة للدفاع الشرعي، وإنما الحالات الخاصة للدفاع المشروع. وقد نصت المادة 40 من قانون العقوبات الجزائري على هذه الحالات بنصها:" يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع:
1- القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز
أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل،
2- الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة."[2].
ونلاحظ على المشرع الجزائري أنه استعمل لفظ " تدخل ضمن حالات الضرورة للدفاع الشرعي " بمعنى افتراضه لشرط اللزوم كوننا فسرنا عبارة الضرورة الواردة بنص المادة 39 على أنها تقصد اللزوم، لذا فهنا أيضا باستعمال نفس العبارة يعني أن المشرع افترض دخولها في حالات اللزوم. ثم أن المادة ذاتها تميز بين فرضين، فرض ورد فيه نوع الجرائم ونوع الاعتداء الذي يوجبها، وهو ما ورد بالفقرة الأولى من المادة 40، حيث أجاز أقصى الجرائم جسامة، وهي القتل والجرح والضرب[3]، وحصر الاعتداءات في الاعتداءات ضد الحياة أي ضد جرائم القتل، وسلامة الجسم، ويعني الضرب والجرح، أو مجرد تسلق الحواجز والحيطان ومداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها[4]. بشرط أن يكون كل ذلك أثناء الليل[5]. كما يمكن أن ننبه أن الشخص يمكنه أيضا دفع التسلق والكسر لملاحق المنازل ومداخلها وأسوارها وحيطانها، إذا كانت متركبة إثناء النهار، لكن في هذه الحالة لا يكون الدفاع شرعيا ومشكلا لسبب من أسباب ألإباحة، بل يكون مشكلا لعذر معفي من العقاب، وهو عذر شخصي لا موضوعي، وهو الأمر الذي قضت به المادة 278 من تقنين العقوبات الجزائري[6]، بينما بينت الفقرة الثانية، وبصيغة عامة إباحة كل فعل أي كان نوعه الذي يرتكب لدفع الاعتداءات على النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة، وهنا لم يشترط التناسب. كما أنه لم يشترط الليل، فيمكن أن يكون ذلك أثناء النهار، مما يجعل هذه الفقرة تتشابه في حكمها مع الحكم العام الذي جاءت به الفقرة الثانية من المادة 39، وكل ما في الأمر أنه في هذه الأخيرة حددت الاعتداءات بصيغة عامة وهي الجرائم الواقعة على النفس أو على الغير أو مال الشخص أو المال الغير، والفقرة الثانية من المادة 40 تتعلق فقط بالسرقات والنهب بالقوة.
وإن كانت الأسباب السابقة، هي أسباب الإباحة التي يأخذ بها المشرع الجزائري، وغالبية القوانين الجنائية المقارنة، فهناك أسباب أخرى تأخذ بها بعض الدول دون البعض الآخر، وهي رضاء المجني عليه وحالة الضرورة، وسبق لنا القول في تمهيد هذا الفصل أن قلنا بأننا سنتناولها في مبحث مستقل، وذلك لتعميم الفائدة، فقد يأتي تعديل ويدخلها في القانون الجزائري، كما قد يجد رجل القانون الجزائري نفسه ملزما للتعامل معها في حالات تنازع القوانين، وبخصوص الطلبة الأعزاء قد تكون موضوع امتحان أو مسابقة- وحدث فعلا أن كانت حالة الضرورة موضوع مسابقة ماجستير بجامعة البليدة منذ سنتين- لذا وإن التمسنا العذر في الإطالة غير المعتادة في إعداد المحاضرات المطبوعة، فإن لهذا العذر مبرراته التي تفوق في مصلحتها كل الانتقادات، وهي تعميم الفائدة العلمية للطلبة. وهنا فقط يمكن الاستعانة بالبيت الشعري المتعلق بالمذمة التي تأتي من جاهل" ..........".
المبحث الثالث
أسباب الإباحة في القانون المقارن
من أسباب الإباحة أيضا، رضاء المجني عليه، وحالة الضرورة التي تأخذ بها بعض القوانين دون البعض الآخر، ومنه القانون الجزائري الذي لا يأخذ بها، لذا ارتأينا تناولها في مبحث مستقل، نتناوله من خلال مطلبين، نخصص الأول لحالة رضاء المجني عليه كسبب من أسباب الإباحة، لنخصص الثاني لحالة الضرورة.
المطلب الأول
رضاء المجني عليه ( صاحب الحق) كسبب من أسباب الإباحة
في حقيقة الأمر المشرع لما يجرم فعل من الأفعال، فإنه يكون قد قدر أن يضر بمصلحة من المصالح، وفي الكثير من الأحيان يتحقق المساس بمصالح المجتمع بالمساس بمصلحة الفرد، ولذا الأصل أنه لا شأن لإرادة الفرد في تجريم الفعل أو إباحته، لذا فاعتراض الشخص على الجريمة لا يعد ركنا في الجريمة، كما أن رضاءه بها لا يعد سببا لإباحتها، غير أن إرادة الفرد أو رضاءه قد يؤدي في بعض الأحوال دورا في مجال قانون العقوبات، وهو الدور الذي قد يكون من شأنه التأثير في قيام الجريمة أو في إباحتها، وهو استثناء عن الأصل، وفي حدود هذا الاستثناء ينحصر اثر الرضا كسبب من أسباب الإباحة.
لكن قد يبدو من الوهلة الأولى أنه متى رضي المجني عليه بارتكاب الجريمة التي تنال حق من حقوقه أو مصالحه، فإن هذا الرضا يبيح الجريمة، لكن هذا القول غير صحيح كون أسباب الإباحة تقتضي سبق تجريم الفعل بنص من نصوص قانون العقوبات، ثم وجود نص آخر يبيح الفعل في الظروف التي ارتكب فيها، والأمر ليس كذلك مع رضاء المجني عليه، حيث يمنع من قيام الجريمة ابتداء، كدخول الشخص منزل آخر برضائه، لذا كان يجب تمحيص الحق المعتدى عله بدقة للقول ما إن كان رضاء المجني عليه يبيحها أم لا، كون رضاء المجني عليه يختلف حكمه باختلاف طبيعة الحق المعتدى عليه. ولا يمكن بأي حال من الأحوال بالقول بهذا السبب في مجال الجرائم التي يعتدى فيها على الدولة كشخص معنوي، ولا على المجتمع كمؤسسة اجتماعية، كما لا رضاء كسبب للإباحة في الجرائم التي تمس بالأسرة كنظام، وما القيود الموجودة على بعض الجرائم الأسرية سوى قيود إجرائية تحول دون تحريك الدعوى العمومية ولا تبيح الفعل في حقيقة الأمر، بل وان الزوج إذا رضي بزنا زوجته ليس هناك ما يمنعه من تقديم الشكوى فيما بعد. وبالتالي البحث ينحصر فقط في الجرائم التي تمس حق الفرد، وحق الفرد بدوره قد يكون حقا مزدوجا، يمس المجتمع والفرد معا، ومثاله حق الحياة، وسلامة البدن، وهنا يجب أن يرجح حق المجتمع ولا يعتد بالرضا الفرد، فمن يطلب من غيره قتله لتخليصه من آلامه التي سببها له مرض خطير أصابه ولا يرجى شفاءه لا يعد رضاؤه سببا لإباحة القتل[7]. لذا فإن بحث مسألة رضاء المجني عليه كسبب من أسباب الإباحة، تقتضي منا أولا، أن نتناول دور الرضاء في قانون العقوبات، وتحديد طبيعته القانونية بخصوص التجريم والعقاب، وذلك في فرع أول، لنتناول في الثاني، الجرائم التي يعمل برضاء الشخص فيها في أهم القوانين المقارنة.
.
الفرع الأول
دور الرضا وتحديد طبيعته القانوني في قانون العقوبات
الرضاء في مجال قانون العقوبات غير الرضاء في مجال التقنين المدني، لذا فالبضرورة أن تختلف طبيعته القانونية في القانون الأول، وبناء على ذلك يظهر دوره في مجال أسباب الإباحة.
أولا: دور الرضا في قانون العقوبات
في بعض الأحوال الضيقة، يشترط المشرع لقيام الجريمة أن يقف المجني عليه منها موقف الرفض، أي أن ترتكب بدون رضاه، وفي مثل هذه الأحوال الضيقة يكون عدم الرضا عنصرا لقيام الجريمة ذاتها، وذلك يوجب نص يقرر المسألة كونها استثناء عن الأصل العام، بمقتضى الحاجة إلى المانع لا تطرأ إلا إذا وجد المقتضى بتمامه، وهنا يكون الرضا يتمم الجريمة، وأهم الجرائم التي يشترط لقيامها عدم رضا الشخص، وقاع الأنثى بدون رضاها ( 267 تقنين عقوبات مصري)، هتك العرض بالقوة أو بالتهديد ( م 268 قانون عقوبات مصري)، القبض والحجز والحبس دون وجه حق ( 280 قانون عقوبات مصري)، خطف الإناث ( المادة 290 قانون عقوبات مصري) وكذا النصب وانتهاك حرمة منزل.. لذا ففي بعض الأحوال يكون الفعل مستجمعا للشروط التي تجعل منه جريمة، فيتدخل رضاء المجني عليه فيجعله مباحا، مثل عمليات الإتلاف، العمليات الجراحية، وإن كان ليس هناك نص صريح يبيح الجريمة برضا المجني عليه، غير أن الأصول القانونية توجب التسليم بهذه الحقيقة، فمن غير المنطقي إذا أباح القانون في فرع من فروعه حق التصرف في حق معين، أن يمنع قانون العقوبات هذا التصرف، لأن ذلك يعطل حرية التصرف، خاصة وأن القانون يعاقب على العدوان وفي مثل هذه الحالة يغيب عنصر الاعتداء لأن الرضا موجود[8]. لكن ذلك لا يعني أنه سبب للإباحة، بل الجريمة لا تقوم لتخلف أحد عناصرها القانونية، الأمر الذي يقودنا بحث طبيعة الرضاء القانونية.
ثانيا: الطبيعة القانونية للرضا
يذهب الفقه إلى اعتبار الرضا تصرف قانوني تحكمه قواعد القانون الخاص، بينما يعتبره البعض تصرف قانوني تحكمه قواعد القانون العام، في حين يرى اتجاه ثالث أنه واقعة قانونية لا تصرف قانوني، في حين يرى البعض أنه تصرف قانوني يخضع أساسا لقانون الحق، لذا فهو يخضع تارة لأحكام القانون الخاص، وتارة أخرى لأحكام القانون العام، ويرجع إلى قانون العقوبات في حالتين، حينما ينص هذا القانون صراحة على حكم خاص بشأن الرضا، وهنا يطبق النص الجنائي مباشرة، والثانية حينما يخلو القانون الخاص من حكم ينظم الرضا في بعض جزئياته، وهنا يستنبط الحكم من المبادئ العامة لقانون العقوبات، وهو ما يتعلق بالسن مثلا، ففي الحالة التي يحدد فيها قانون العقوبات السن المشترطة يعمل بأحكامه، لكن إذا تضمنها النص الخاص المتعلق بالرضا فيحكمه السن القانوني التي نظمها هذا النص، ورغم الخلاف السابق، فإنه يمكن القول بأن الرضاء في قانون العقوبات، عنصر من عناصر قيام الجريمة، حيث أن اشتراط الجريمة للقوة أو العنف أو الخلسة أو دون الرضا، يعني بداهة في حال توفر الرضا تنتفي هذه العناصر وبالتالي لا تقوم الجريمة، مما يجعلنا نقول وبنوع من التحفظ، أنه حتى في القانونين التي لا تنص صراحة على الرضاء كسبب من أسباب الإباحة، فهو ضمنيا سبب أو عنصر يمنع من قيام الجريمة متى تمت الإشارة إليه، لكن في هذه الحالة الفعل يباح لا لأنه ارتبط بسبب من أسباب الإباحة، وإنما لتخلف عنصر من عناصر الجريمة.
الفرع الثاني
الجرائم التي ينتج فيها الرضا أثره المبيح
هي مسألة من أدق المسائل الجنائية، واتفق الرأي على أن الرضا لا ينتج أثره بالنسبة لكافة الجرائم، وإنما يقتصر أثره على طائفة محدودة منها، وهو ما نتناوله في نقطة، لنتناول في الثانية شروط الرضا المبيح للفعل. لنتناول في الثالثة حقيقة الرضا كفعل مبيح للجريمة.
أولا: الجرائم التي يعتد بالرضاء فيها
وهي الجرائم التي يكون فيها العدوان منصبا على حق يقبل التصرف فيه، مما يعني أن اثر الرضا يتوقف على طبيعة الحق، وهي الحقوق التي لا تكون فيها منفعة مباشرة للمجتمع وإنما حقوق تقرها الدولة وتحميها لصالح صاحبها، بقصد تمكينه من الانتفاع بها، غير أن المسألة تحتاج إلى تبيان معيار يعمل في الحياة الواقعية، لذا كان الاتفاق أنه لا أثر للرضا في الجرائم التي تقع مباشرة على حق من الحقوق الخالصة للمجتمع، كالصحة العامة والأخلاق العامة أو الجرائم الماسة بالدين، ولا أثر للرضا في الجرائم التي تقع على الدولة، ولا تلك الواقعة على الأسرة، لتبقى باقي الجرائم الأخرى التي يتعين فيها البحث عن طبيعة الحق، ومنها الحقوق المالية وغير المالية، وهناك اتفاق بخصوص الحقوق المالية التي تقبل التصرف فيها عن طريق الرضا، كرضاء الشخص بقطع الأشجار لبناء جاره عليها، في حين الحقوق غير المالية التي تتصل بذات الإنسان أي بعناصر شخصيته، والتي تسمى بالحقوق الشخصية أو اللصيقة بالشخصية، والمنقسمة إلى ثلاث مجموعات، حقوق تتصل بالكيان المادي للشخصية– مثل الحق في الحياة والحق في سلامة البدن-، وأخرى بالكيان المعنوي لها- الحق في الشرف والعرض والعفة وحرمة الحياة الخاصة والمراسلات والمكالمات والمسكن-، والثالثة تتصل بنشاط الشخصية ذاتها- والتي تضم مجموعة من الحريات، مثل حرية التنقل وحرية الاعتقاد وحرية العمل والتعبير...-، والأصل في هذه الحقوق أنها غير قابلة للتصرف فيها كونها من لوازم الشخصية غير القالبة للانفصال، وبالتالي لا مجال للرضا في الحق في الحياة، بينما يمكن في بعض الحقوق الأخرى أن يتم المساس بها سواء عن طريق الاتفاق، مثل عقد الزواج، أو عقد العلاج إذ يبيح القانون للطبيب الاطلاع على عورة المرأة، كما أنه قد يعتد بالرضا حتى في مسائل هتك العرض والعلاقات الجنسية أو الوقاع، والرضا بالتفتيش وإباحة إفشاء السر، وكشف المراسلات والأحاديث الخاصة.
غير أنه من بين الحقوق الأكثر إثارة للجدل، هو الحق في سلامة البدن، كونه حق للمجتمع مثلما هو حق للفرد، لذا فقدرة الشخص على التصرف في بدنه محدودة للغاية، لذا فهناك مجالات يعتد فيها بالرضا مثل العلاج والتجميل كونها تصرفات تحقق نفعا للشخص وللمجتمع، لكن الإشكال حينما يقرر الشخص التصرف في بدنه تصرف ينتقص من كفاءة الجسم، وهنا اتفق الفقه أنه تصرف جائز بشرط ألا يكون يهدد الحق في الحياة أو المساس بنحو خطير أو دائم بالحق في سلامة الجسد، على نحو يهدد بعدم قدرته على أداء وظيفته الاجتماعية على الشكل المعهود، لذا يجوز للشخص التصرف بالهبة أو البيع لعضو من أعضائه مما لا يعرض فقدها جسم الإنسان للخطر[9].
ثانيا: شروط الرضا المبيح
بما أن الرضا موقفا إراديا، لذا بحثت مسألة ما إن كان يكفي فيه أن يكون ضمنيا أو صراحة، بين نظريتين إحداهما سميت الاتجاه المجرد للإرادة والأخرى سميت نظرية إعلان الإرادة، غير أن الغالبية رأت أنه يمكن للرضا أن يكون ضمنيا، بل أنه يصح أن يكون مفترضا، وهي الظروف التي يستحيل فيها الإفصاح عن الرضا لكنه من المحقق أن الشخص لو كان حاضرا أو قادرا على الإفصاح لأعلن عن رضاه، لكن يجب أن تكتمل شروط الرضا حتى ينتج أثره كسبب مبيح، وهذه الشروط هي:
1- الصـــــفة:
وهو أن يصدر الرضا عن صاحب الحق، وهو الشخص المجني عليه في الجريمة، أو من كان مرشحا لأن يكون مجنيا عليه لولا رضاه، وإذا تعدد أصحاب الحق وجب رضائهم جميعا، فإذا رضي البعض دون البعض الآخر كان الرضا غير كاف ليكون سببا من أسباب الإباحة، لكن وإن كان الأصل أن يصدر الرضا من صاحب الحق نفسه، فإنه يجوز أيضا أن يصدر من نائبه، خاصة وأن الإنابة في التصرف في الحقوق المالية جائزة، سواء كانت الإنابة قانونية أو اتفاقية أو قضائية، غير أن الحقوق غير المالية فلا إنابة فيها بالنظر لطابعها الشخصي الشديد، عدا الحالات التي تكون فيها الفائدة التي تعود على صاحب الحق مؤكدة، مثلما هو الشأن بالنسبة للعمليات الجراحية بغرض الشفاء.
2- الأهلـــــية:
الرضا لا يمكن أن يعتد به إلا إذا كان صادرا من شخص آهل قانونا، والأهلية مناطها الإدراك والتمييز، وأن تسلم الإرادة من العيوب.
3- معاصرة الرضا للفعل:
يجب أن يكون الرضا قائما وقت إتيان الفعل، فإذا تراخى عنه كان عديم الأثر، حيث أن الفعل حينما اقترف كان غير مشروع فلا يقلبه الرضا اللاحق عملا مشروعا، وإذا تحقق الرضا قبل الفعل فيجب أن يظل قائما حتى يدركه الفعل، فإن رضا الشخص بإجراء عملية جراحية له ثم عدل فالطبيب الذي يجري له هذه العملية بعد العدول يعد مرتكبا لفعل غير مشروع.
ثالثا: حقيقة الرضا كسبب من أسباب الإباحة
ثار التساؤل عما إن كان الرضا سببا قائما ومستقلا بذاته من أسباب الإباحة، أم مجرد تطبيق من تطبيقات الإباحة الأخرى، وتوصل البعض أنه مجرد علاقة بين الرضا والإباحة، وحقيقة الرضا أنه تصرف قانوني يرتب للغير حق أو رخصة أو يفرض عليه واجبا، ومباشرة الحق أو أداء الواجب هو الذي يجعل الفعل مباحا، فرضا المريض بالعلاج أنشأ للطبيب حق في علاجه، ولجوء الشخص لقسم الشرطة هربا من خصوه هو الذي أنشأ لهم حق باحتجازه لتأمينه، وهو واجب عليهم يجعل من فعلهم مباحا، لذا فالرضا منظورا له بذاته لا يدخل ضمن أسباب الإباحة، بل هو مصدر للحقوق ونشأة بعض الواجبات، لذا الفقه رتب الإباحة على الرضا بغير وجود نص يقرره.
المطلب الثاني
حالــــة الضرورة
حالة الضرورة من النماذج الجديدة للتنازع بين المصالح المتعارضة، عندما يجد الشخص نفسه مضطرا لارتكاب جريمة لغاية حماية نفسه أو غيره من ضرر جسيم، مثل الأم التي تسرق لإعالة أولادها، وسائق السيارة الذي يصدم سيارة أخرى لتفادي دهس المارة، ومن يخرج عاريا للطريق العام تهربا من حريق شب بالمنزل، والطبيب الذي يجري عملية استعجاليه لمريض عجز عن أخذ رضائه.ويعالج البعض حالة الضرورة كسبب من أسباب الإباحة، كونها تستند للتضحية بحق رعاية لحق أكثر أهمية، مما يجدر معه إضفاء صفة الإباحة عليها. خاصة وأن شرعت لحماية مصلحة الغير أيضا وليست لمصلحة المضطر فقط، مما يعني إقرار لحماية الحق الأجدر بالحماية، وأن الفقه الفرنسي في مجمله يجعلها سببا من أسباب الإباحة، في حين الفقه المصري يرى أن المشرع المصري اعتبرها مانعا من موانع المسؤولية بالنظر لصيغة نص المادة 61 من قانون العقوبات. التي استهلت بعبارة " لا عقاب" وهو ما يعارضه البعض ويرى عدم ضرورة التقيد بعبارات النص. وحالة الضرورة كسبب من أسباب الإباحة قريبة جدا من حالة الدفاع الشرطي، إذ تتطلب شروطا في الخطر( المقابل لفعل العدوان في حالة الدفاع الشرعي)، وشروطا أخرى في فعل الضرورة ( المقابل لفعل الدفاع في حالة الدفاع الشرعي). وهو ما نبينه باختصار من خلال الفرعين التاليين.
الفرع الأول
الشروط المتطلبة في الخطر
حالة الضرورة تتطلب خطرا يحل بالشخص حتى يمكنه اللجوء لفعل الضرورة الذي يشكل في الأصل جريمة لرد الخطر السابق، لذا فالخطر الذي يبرر اللجوء إلى هذا الفعل المجرم، الذي يباح بسبب خصائص الخطر، يوجب أن يستجمع الأخير جملة من الشروط، هي التي نتناولها في النقاط التالية.
أولا: خطر جسيم
يشترط في الخطر الذي يبرر حالة الضرورة أن يكون خطرا جسيما، وهو ما لم يشترطه قانون العقوبات الفرنسي الجديد في المادة 122/7، وشرط الجسامة صفة موضوعية لصيقة بالخطر من حيث مساسه بالمصلحة المحمية، ويقدر القاضي في تقديره الظروف التي أحاطت بالمتهم في ظل الظروف الموضوعية التي أحاطت به، دون أن يشترط فيه أن يكون جريمة مثلما هو الشأن بالنسبة لحالة الدفاع الشرعي، لذا فيمكن أن يكون مصدر الخطر فعل إجرامي أو غير إجرامي، أو قد يكون واقعة طبيعية كالفيضان والزلزال وهبوب العواصف، أو خطر مادي مصدره الآلات الصناعية والتوصيلات الكهربائية
أو سبب نفسي كالجوع والمرض وخشية الفضيحة والعار[10].
ثانيا: خطر مهدد للنفس
المشرع المصري قدر بأن الأخطار المهددة للنفس هي الجديرة وحدها بالرعاية في حالة تصارعها مع المصالح الأخرى، لذا في مصر لا مجال لحالة الضرورة إذا كان الخطر مهددا للمال، مهما بلغت جسامة هذا الخطر، وهنا لا يجوز لربان السفينة إلقاء البضائع في البحر لإنقاذ السفينة من الغرق، على عكس التشريعات الأخرى مثل القانون السويسري والنرويجي والسوري واللبناني والأردني التي سوت بين الأخطار المهددة للنفس وتلك المهددة للمال، وأهمها المادة 122/7 من تقنين العقوبات الفرنسي.
ثالثا: خطــر حــــــال
وهو أن يعرض الخطر بطريقة حالة ومباشرة المصالح المحمية في قانون العقوبات للضرر، فلا يبرر حالة الضرورة الخطر المستقبلي ولا الخطر الذي انتهى، ويتحدد موضوع حيلولة الخطر وفقا لمعيار موضوعي كذلك الذي تناولناه في مجال الدفاع الشرعي، ويجب أن يكون خطر حال حقيقي لا توهمي وهنا كل ما يحدث انتفاء القصد الجنائي ويسأل الشخص عن جريمة غير عمدية إذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف، كمن يرى دخان يتصاعد من نافذة جاره فيكسر الباب ويتضح أنها اشتعلت بفعل أصحاب المنزل للشواء، وعلى عكس ذلك، يرى البعض قيام حالة الضرورة بالخطر الوهمي، غير أن أنصار هذا الاتجاه يصنفون حالة الضرورة من بين موانع المسؤولية ويستوي بعد ذلك المصلحة التي يهددها الخطر كأن يكون السمعة والشرف، كما يستوي أن يكون مصدره عمل الإنسان أو الطبيعة.
غير أن المشرع يشترط ألا يكون مصدر الخطر المتهم ذاته، وهو ما بينته المادة 61 من تقنين العقوبات المصري، التي تبعها الفقه على اعتبار حالة الضرورة مانع من موانع المسؤولية، غير أن البعض يرى أن ذلك لا يستقيم مع النظرة الصحيحة لحالة الضرورة كسبب من أسباب الإباحة، غير أن الخلاف لم ينحصر عند هذا الحد، بل امتد لمناقشة ما إن كان دور المتهم في إحداث الخطر عن عمد أو عن طريق الخطأ، فاتفق على أنه لا ضرورة في حالة العمد، كمن يشعل النار في مسرح ثم لينجو يدوس على طفل فيقتله، والقضاء الفرنسي ينفي حالة الضرورة حتى إن كان دور المتهم في إحداثها كان على سبيل الخطأ، في حين لا يوافق البعض ذلك، إذ يمكن إن تسبب الشخص بإهماله في إحداث خطر أن ينقذ مصلحة أجدر بالرعاية، مثل سائق السيارة الذي يسير بسرعة ولتفادي الاصطدام بسيارة تسير في الاتجاه المنعكس أن ينحرف يسارا ويصدم أحد المارة فيقتله، وربان السفينة الذي بإهماله توشك السفينة على الغرق لكن لإنقاذ نفسه والغير يلقي البضائع في البحر[11]. وبتوفر هذه الشروط في الخطر، يستوي أن يكون من تعرض له مرتكب الفعل الضروري أو غيره من الناس، ولا يشترط أن يكون هذا الغير من أقارب الجاني، بل يكفي مطلق الغير.
الفرع الثاني
الفـعل الضروري ( فعل الضرورة)
يشترط في الفعل الضروري الذي يرتكبه الشخص المضطر، مثلما يشترط في فعل الدفاع في حالة الدفاع الشرعي، وهما شرطي اللزوم والتناسب، وهما الشرطين الذين نتناول كل منهما في نقطة مستقلة.
أولا: شرط اللـــــــزوم
وهو أن يكون اللجوء إلى الجريمة التي تشكل الفعل الضروري التي يكون غرضها دفع الخطر الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف، إذ إن كانت أمامه وسيلة أخرى مشروعة لا يعد فعله ضروريا[12]، واللزوم يقاس بمعيار موضوعي يتعلق بالشخص العادي المحاط بنفس الظروف التي يوجد بها المضطر. ومن توفر لديه الهرب فيجب أن يسلكه ولا يلجا لارتكاب الجريمة، وهنا تختلف حالة الضرورة عن حالة الدفاع الشرعي، ويستوي أن تكون الجريمة اللازمة لدرء الخطر الذي يتهدد المضطر جريمة عمدية
أو جريمة غير عمدية، مثل سائق سيارة الإطفاء الذي يسير بسرعة لإنقاذ الناس فيصطدم بالغير، أو من يصعد بسيارته على الرصيف هروبا من دهس أطفال أمامه فيصدم شخصا آخرا[13]. بينما ترى محكمة النقض الفرنسية في هذا الشرط، أن تكون الجريمة هي أحسن وسيلة لتفادي الخطر، لا أن تكون الوسيلة الوحيدة. ويضاف لكل ما سبق ألا يكون الشخص ملزما قانونا بتحمل الخطر الذي يعترضه، مثل الجندي في ميدان القتال، ورجال البوليس في ممارستهم لمهامهم، والمتهم المقبوض عليه، والمحكوم عليه بالإعدام، وربان السفينة عندما تتعرض للغرق، فكل هؤلاء يتعرضون لخطر جسيم على النفس، ولكنهم ملزمين بتحمل هذا الخطر بحكم وظائفهم التي تقتضي بحكم طبيعتها التعرض لمثل هذه الأخطار[14].
ثانيا: شـــرط التناسب
حالة الضرورة تقتضي شانها شأن الدفاع الشرعي التناسب، سواء كان عاما وهي ارتكاب جريمة من حيث الجسامة بأنها الوحيدة الممكنة من بين الجرائم التي كان يمكن ارتكابها، أي لا يمكن للشخص النجاة من الخطر الذي يتهدده إلا بتلك الجريمة التي ارتكبها، ويتحدد هذا التناسب وفقا لمعيار موضوعي واقعي قوامه الشخص المعتاد الذي مر بنفس الظروف التي مر بها الجاني[15]. كما تشترط حالة الضرورة أيضا التناسب الخاص، في الحالات التي يلجا فيها لجريمة القتل، فهنا لا يجب أن يحدث الجاني ضررا يفوق الضرر الذي أراد تجنبه، على عكس التناسب الخاص في مجال الدفاع الشرعي، فالطبيب الذي يجري عملية جراحية لولادة عسيرة ليس له أن يضحي بحياة الأم لينقذ الجنين، ولا يجوز لشخص ينحرف بسيارته لتجنب قتل شخص أن يقتل عدد أكبر من الأشخاص[16]. وتدق المسألة بخصوص مدى توفر حالة الضرورة في حالة قتل إنسان لأجل إنقاذ حياة إنسان آخر، فهنا يرى البعض أنه في حالة تساوي المصالح يجب تفضيل مصلحة البريء الذي لم يصدر عنه أي خطر، مثل حالة من أراد تجنب صدم أحد المارة فيصدم الآخر، ولا يجب أن يقتل الشخص غيره لإنقاذ حياته[17].
وفي حالة تجاوز الضرورة يعتبر الشخص مرتكبا لجريمة عمدية إذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف، وإذا كان التجاوز مبنيا على أسباب معقولة انتفت كل مسؤولية، وغن كان التجاوز عمديا اعتبر المتجاوز مسؤول مسؤولية جنائية كاملة.
هذا وبعد ان تناولنا في فصلين متتاليين الركن الشرعي للجريمة، وأسباب الإباحة كأسباب تنفي هذا الركن أصلا وتعطل مفعوله، سنتناول في الفصل الموالي، أهم ركن من أركان الجريمة، ألا وهو الركن المادي على اعتبار الجريمة أفعال وسلوكات نهى عنها النص القانوني، أي الركن المادي تجسيد للركن القانوني.
الفصل الثالث
الركن المادي للجريمة
الركن المادي للجريمة يقصد به تطابق الفعل الذي أتاه الجاني مع النموذج القانوني للجريمة، كون القانون يحدد أركان وشروط الجريمة وبها يتحدد النموذج القانوني لها، أو المظهر القانوني لها، ليأتي المظهر المادي الذي يتحدد بالواقعة التي حدثت في العالم الخارجي من قبل الجاني، ويشترط فيه أن يتطابق مع المظهر القانوني الذي بينه المشرع. لذا فالركن المادي للجريمة، هو وجهها الخارجي الظاهر، وبه يتحقق الاعتداء على المصلحة المحمية قانونا، وعن طريقه تقع الأعمال التنفيذية للجريمة، إذ لا وجود لقانون عقوبات في الدول الديمقراطية يعاقب على مجرد النوايا. فكل جريمة لا بد لها من ماديات تتجسد فيها الإرادة الإجرامية لمرتكبها، فالقانون الجنائي على عكس قواعد الأخلاق ليس له سلطان على ما في ضمائر الناس من أفكار شريرة ومن نوايا إجرامية، حتى ولو وصلت مرحلة عقد العزم والتصميم ما لم تخرج لعالم الماديات التي تجسد هذه النوايا وتصبح تعرض المصالح والحقوق للأخطار، فهنا يتصدى لها القانون الجنائي يعاقب عليها. وبالتالي الركن المادي هو ما يدخل في البناء القانوني للجريمة من عناصر مادية ملموسة يمكن إدراكها بالحواس.
أهمية اشتراط الركن المادي لقيام الجريمة:
إن أهمية اشتراط المشرع للركن المادي للجريمة، تكمن أساسا في كونه الركن الذي يجسد ما يعرف بمبدأ " مادية الجريمة Le Principe de la matérialité de l’infraction"، فالقانون الجنائي لا يهتم بالبواطن والنوايا، وإنما يهتم فقط بالظاهر المادي الملموس، وهو أمر لا يخلو بأي حال من الأحوال من فعالية قانون العقوبات وتحقيقه للعدالة المنشودة، فمن العدالة ألا يحاسب الأفراد على نواياهم، متى لم تتجسد في نشاط مادي خارجي ملموس يلحق أضرارا بالمصالح المحمية قانونا، أو مجرد تهديدها بأخطار، مهما كانت هذه النوايا والنوازع حافلة برغبة مخالفة القانون – كون قانون العقوبات يحمي الحقوق والمصالح من الاعتداءات الفعلية الواقعة عليها، أو مجرد تهديدها أي احتمال الإضرار بها-.
كما انه ليس من الجدوى والفعالية تجريم النوايا والعقاب عليها، كون هذه النوايا ليست ضارة في حد ذاتها، بل أن تجريمها قد يشجع الأفراد على تجاوز مرحلة النوايا والإقدام فعلا على ارتكاب الأفعال، متى كانوا في الحالتين معرضين لعقاب القانون، مما يجعل عدم العقاب على النوايا يعد في حد ذاته ضمانة من الضمانات المكرسة لحقوق وحريات الأفراد[18].
وتظهر أهمية اشتراط الركن المادي أيضا، في تسهيل عملية إثبات الجريمة، لأنه إن كان من اليسير إثبات وقوع ماديات الجريمة، التي تجسدت في أفعال خارجية ملموسة أحدثت أثارا في العالم الخارجي،
أو على الأقل يمكن إدراكها بالحواس حتى وإن لم تصل لحد ترتيب آثارها، فإنه من العسير جدا إثبات النوايا، في الحالات التي يرتأى فيها المشرع تجريم هذه النوايا، وبذلك يكون القانون منفذا لإفلات الجناة من العقاب[19]. وقانون العقوبات في غالب الأحوال لا يشترط مجرد السلوك، بل يتطلب تحقق نتيجة معينة تكون أثرا لهذا السلوك، وأن يكون الأخير مسببها، لذا فالركن المادي للجريمة التامة يتحلل في العادة إلى ثلاثة عناصر، هي: السلوك، النتيجة، وعلاقة أو رابطة سببية تربط بين هذا السلوك والنتيجة التي تحققت، وهو ما الوضع العادي والمألوف للجرائم التامة ، غير أن هذه العناصر قد لا تتحقق مجتمعة ومع ذلك يتدخل المشرع بالعقاب، وذلك في الحالات التي يأتي فيها الشخص بالسلوك إلا أن النتيجة تتخلف، وهو ما يسمى بالشروع أو المحاولة، وهو موضوع بحث في المبحث الثاني، كما أن الوضع العادي والمألوف للجرائم أن فعلا واحدا مجرما يسهر على تنفيذه فاعل واحد، غير أنه يمكن أن تتضافر جهود العديد من الأشخاص لاقتراف الفعل، وفي هذه الحالة نكون أمام مشروع إجرامي لأطراف متعددة، وهي صورة خاصة من صور الركن المادي للجريمة، وتسمى بالمساهمة الجنائية أو الاشتراك، الذي يكون موضوع بحث في المبحث الثالث.
.
المبحث الأول
تحليل الركن المادي للجريمة
عناصره في حالة الجريمة التامة
الركن المادي للجريمة، وفي غالبية الجرائم، يتحلل – مثلما سبق القول- إلى ثلاثة عناصر، هي السلوك سواء تمثل في فعل أو مجرد امتناع، ونتيجة يكون سبب حدوثها هذا السلوك، سواء كانت نتيجة مادية يمكن إدراكها في العالم الخارجي أو مجرد نتيجة بالمفهوم القانوني، وأن ترتبط هذه النتيجة برابطة أو صلة أو علاقة سببية، بمعنى أن يكون السلوك سبب في حدوث وتحقق النتيجة، والعناصر الثلاثة السابقة، هي العناصر العامة للركن المادي لكل جريمة تامة وقعت طبقا للنموذج القانوني أو التشريعي المرسوم لها من قبل المشرع، مع ملاحظة أنه هناك من الجرائم ما لا يشترط فيها المشرع تحقق نتيجة معينة، أي لا تعد النتيجة عنصرا لازما في ركنها المادي، وهي ما تعرف بجرائم السلوك المجرد أو السلوك المحض، كما تسمى أيضا بالجرائم الشكلية، كجريمة حيازة سلاح بدون ترخيص، ومثل هذا النوع من الجرائم يقوم على مجرد إتيان السلوك المجرم، دون اشتراط ترتب نتيجة عليه.
كما أنه هناك جرائم يتطلب البناء القانوني لركنها المادي ، وبالإضافة للعناصر العامة الثلاثة السابقة، عناصر أخرى خاصة تستخلص من نص التجريم ذاته، والتي يتوقف على توفرها اكتمال الجريمة قانونا من الناحية المادية، من أمثلة هذه العناصر الخاصة، ما يتعلق بمحل العدوان الذي ينصب عليه السلوك، مثل الإنسان الحي في جريمة القتل ( المادة 254 قانون عقوبات جزائري)، والمال المملوك للغير في جريمة السرقة ( المادة 350 قانون عقوبات جزائري)، والمحرر المكتوب في جريمة التزوير ( المادة 214 وما بعدها من قانون العقوبات). وقد يتعلق العنصر الخاص بصفة في الشخص، سواء كان جاني أو مجني عليه، ومن أمثلة الصفة المتطلبة في الجاني، صفة الموظف في جريمة الرشوة، وجريمة الاختلاس[20]، وصفة الزوج أو الزوجة في جريمة الزنا ( المادة 339)، ومن العناصر الخاصة المشترطة في المجني عليه، القاصر ( المادة 236 وما بعدها)، وصفة الموظف أو الهيئة النظامية في جرائم الإهانة والتعدي على الموظفين ومؤسسات الدولــة ( المادة 144 وما بعدها)، وترك الأطفال والعاجزين ( المادة 314 وما بعدها)... وقد ينصب العنصر الخاص بالوسيلة المستعملة في ارتكاب الجريمة، مثل السرقة باستعمال السلاح ( المادة 351 ق ع ج) ، وجريمة القتل بالتسميم ( المادة 260 ق ع ج). كما قد يتعلق العنصر الخاص بزمان أو مكان ارتكاب الجريمة، ومن أمثلة اشتراط زمن معين في بعض الجرائم، الجرائم التي ترتكب في زمن السلم ( المادة 74 وما بعدها)، ومن أمثلة الجرائم التي تتعلق بالمكان، جريمة القذف التي تشترط العلنية في مكان عام ( المادة 296)، وجريمة السكر العلني، والمخالفات المتعلقة بالطرق العمومية ( المادة 444 مكرر وما بعدها). غير أن موضع دراسة هذه الأركان الخاصة هو القسم الخاص لقانون العقوبات، لذا تنحصر دراستنا في هذا الموضوع على العناصر العامة للركن المعنوي فقط، ونتناول كل منها في مطلب مستقل من المطالب الثلاثة التالية.
المطلب الأول
السلوك الإجرامي ( أو الجرمي أو المجرم)
مبدأ: السلوك مادة الجريمة وأداة مخالفة القانون
يعد السلوك الإجرامي من أهم مكونات الركن المادي للجريمة، وأكثر هذه العناصر إفصاحا عن مخالفة الجاني لأوامر ونواهي قانون العقوبات، ويعرف السلوك باختصار، بأنه ذلك التصرف أو الفعل
أو الموقف الذي إذا أتاه الشخص عوقب، لذا كان من الطبيعي أن يحدد سلوك كل جريمة من قبل المشرع تطبيقا لمبدأ الشرعية الجنائية، لأن الجرائم أفعال تطبيقا لمبدأ " لا جريمة دون فعل"[21]، وهو الفعل الذي قد يكون إيجابيا يأتيه الشخص بالمخالفة لنواهي قانون العقوبات، وقد يكون سلبيا يأتيه الشخص بالمخالفة لأوامر هذا القانون، وهما صورتا السلوك المؤثم قانونا، الأولى – الفعل الإيجابي- وهي الصورة الشائعة التي تستوعب غالبية الجرائم، والثانية – السلوك السلبي- أقل مقارنة بالأولى، وتسمى الجرائم في هذه الحالة بالجرائم السلبية أو جرائم الامتناع وأحيانا جرائم الترك، وهي قلة قليلة مقارنة بالجرائم الإيجابية أو جرائم الفعل. لذا سنحاول أن نتناول صورتي السلوك من خلال الفرعين التاليين.
الفرع الأول
السلوك الإيــجابي ( الفعـــــــل)
وهي صورة من السلوك المشكلة للركن المادي لغالبية جرائم قانون العقوبات، ويسميها الفقه أيضا:
" النشاط" أو "السلوك"، ويتمثل في الغالب في حركة أو مجموعة حركات عضوية إرادية تحدث تغييرا في العالم الخارجي الملموس، ويكون السلوك فعلا إذا استخدم فيه الجاني أعضاء جسمه، كما لو استعمل يديه في الضرب أو القتل، أو لسانه في جريمة القذف أو السب أو التهديد الشفوي أو تحريض الغير على ارتكاب الجرائم، أو استعمال رجله في جريمة التعدي على الملكية العقارية واغتصابها واحتلالها، لذا فمن أهم خصائص السلوك الإيجابي هي:
أولا: السلوك الإيجابي حركة أو عدة حركات عضوية
السلوك الإيجابي أو الفعل، يعد عبارة عن حركة أو مجموعة حركات عضوية، يأتيها الجاني لتنفيذ جريمته، فقد تكون حركة واحدة كتوجيه ضربة للمجني عليه أو إطلاق رصاصة عليه، أو توجيه إهانة واحدة له، أو مجموعة حركات عضوية تستند إلى قرار جرمي واحد، كاستمرار الجاني في طعن المجني عليه بعدة طعنات متتالية، أو إطلاق العديد من الرصاصات نحوه، في حين السلوك السلبي أو الامتناع فهو إحجام عن الحركة، في أوضاع كان يتعين على الشخص إتيانها، وتسمى الجرائم التي تقع بالسلوك الإيجابي بالجرائم الإيجابية، في حين تسمى الجرائم التي تتحقق بالامتناع، بالجرائم السلبية.
ويجب أن تكون الحركة أو مجموعة لحركات العضوية، عبارة عن حركات مادية مصدرها عضو من أعضاء جسم الإنسان، دون اعتداد في ذلك – في غالبية الأحوال- بالوسيلة المستعملة في تحقيق هذا السلوك، على اعتبار أن الوسيلة ذاتها، تسيرها الحركة الصادرة عن عضو الإنسان[22].
.
ثانيا: السلوك حركة إرادية هادفة لتغيير وضع قائم
يشترط في السلوك الإيجابي، زيادة على كونه حركة أو مجموعة حركات عضوية مادية صادرة عن عضو أو أكثر من أعضاء جسم الإنسان، أن تكون القوة الدافعة لهذه الحركة هي الإرادة، بمعنى أن تكون الحركة إرادية صادرة عن وعي وإدراك وحرية اختيار، وبعبارة أخرى يشترط أن تكون هناك صلة نفسية بين الحركة والإرادة، كون الحركة اللاإرادية حتى وإن ترتب عنها النتيجة المجرمة قانونا، إلا أن مسؤولية الشخص عنها منتفية، والإرادة هذه يجب أن تهدف إلى تغيير وضع قائم، والمقصود بذلك أن يكون هذا التغيير متمثلا في الاعتداء أو الإضرار أو مجرد احتمال التهديد للمصالح والحقوق المحمية بموجب قانون العقوبات.
الفرع الثاني
الســـلوك السلبي
( الترك أو الامتناع أو عدم الفعل[23] )
القانون الجنائي لا يعاقب فقط على السلوكات الإيجابية المتمثلة في حركة أو مجموعة حركات عضوية مادية إرادية – وإن كان ذلك الأصل-، بل هو يعاقب أيضا على بعض التصرفات والسلوكات السلبية الضارة، وذلك كاستثناء، والسلوك السلبي يتمثل في موقف سلبي يتخذه الشخص إزاء قاعدة قانونية تطالبه بالقيام بعمل ما، فيمتنع عن القيام به، أو يقوم بعمل مضاد للعمل الذي أمرت به القاعدة القانونية، لذا فالامتناع بدوره عبارة عن عمل إرادي واعي مصدره الإرادة الحرة المختارة لا مجال فيه للقول بقيام المسؤولية الجنائية للممتنع في حال ما إذا دفعته قوة قاهرة أو أكره عليه.
ومن أمثلة جرائم الامتناع في قانون العقوبات الجزائري، امتناع الشاهد عن الحضور أمام الجهات القضائية الجزائية ( المادة 89 من قانون الإجراءات الجزائية بخصوص الامتناع عن الحضور أمام قاضي التحقيق، والمادة 222 من ذات القانون بخصوص امتناع الشاهد عن الحضور أمام جهات الحكم الجزائية، والمادة 299 من ذات القانون بخصوص امتناع الشاهد عن الحضور أمام محكمة الجنايات)، وامتناع الموظف عن تطبيق ما أمر به القانون ( المادة 109 قانون عقوبات)، وامتناع الشخص الذي يعلم بالشروع في ارتكاب جناية أو وقوعها ولا يخبر السلطات المختصة بها فورا ( المادة 181 ق ع ج).
وفي كل هذه الحالات نكون أمام جرائم امتناع، لأن النص الجنائي ألزم الشخص بالقيام بعمل معين تحت طائلة توقيع جزاء جنائي ولم يقم به، لذا فجرائم الامتناع عبارة عن جرائم محددة العناصر في النصوص الجزائية، تطبيقا لمبدأ الشرعية الجنائية، لذا فلا يجوز اللجوء للتفسير الواسع ولا القياس فيها، والقانون في العادة ما يعاقب على مجرد السلوك السلبي فيها، دون أن يشترط تحقق نتيجة معينة تترتب عن هذا الامتناع، مما يجعل غالبيتها من جرائم السلوك المحض. غير أن الفقه أوجد طائفة جديدة من الجرائم سماها جرائم السلوك بالترك، أو الجرائم الإيجابية التي تقع بجريمة امتناع، أين يكون السلوك مجرد امتناع لكنه يقترن بتحقق نتيجة مادية معينة، مثل امتناع الطبيب عن القيام بعلاج المريض مما يؤدي لموت المريض، أو امتناع الأم عن إرضاع ابنه مما يؤدي إلى إهلاكه.
المطلب الثاني
النتيجة الإجرامية ( أو المجرمة)
يقصد بالنتيجة كأحد العناصر المكون للركن المادي للجريمة، الأثر الطبيعي المترتب عن السلوك المجرم قانونا، وهو المفهوم المادي للنتيجة المتمثل في وجود أثر مادي أو تغير يحدث في العالم الخارجي الملموس، في حين المفهوم القانوني للنتيجة، فيتمثل في الاعتداء على المصالح والحقوق المحمية قانونا.
وقد يظهر أن النتيجة أمر لا ينفصل عن السلوك المادي، بحيث يقوم الجاني بعمل واحد تعد النتيجة آخر حلقاته، غير انه في الواقع، النتيجة تعد العنصر الثاني المستقل والمنفصل من عناصر الركن المادي للجريمة، وما يدل على ذلك تمييز المشرع بين الجريمة التامة ومجرد الشروع- وهو موضوع دراسة مستقلة لاحقا- فلو كانت النتيجة عنصرا ملازما للسلوك لما قام المشرع بهذه التفرقة، ولما كانت هناك أصلا حاجة للعقاب على الشروع، ما دامت النتيجة ملازمة للسلوك، لذا فالسلوك أمر مستقل عن النتيجة. لذا فالنتيجة عنصر من عناصر الركن المادي، يتمثل في التغيير الذي يحدثه السلوك في العالم الخارجي الملموس، والذي قد يكون أثرا ماديا، مثل حدوث الوفاة في جريمة القتل، والاستيلاء على مال الغير في جريمة السرقة، وقد يكون مجرد أثر نفسي، مثلا كالحط من قيمة ومكانة الشخص في وسط أقرنائه في المجتمع كجرائم القذف والسب، لذا نرى أن النتيجة المعتد بها قانونا، ليست النتيجة الواقعية التي حدثت في العالم الخارجي، أو ما يعتبره المجني عليه أنه نتيجة أضرت به، وإنما النتيجة هي ما يعتد به القانون ويعتبره تغييرا قانونيا.
والنتيجة عنصر لازم في معظم الجرائم، خاصة تلك التي يرتب فيها المشرع على تحقق النتيجة أحكام قانونية، تتعلق أساسا بالشروع والاشتراك والقصد الجنائي، غير أن النتيجة قد لا تكون عنصرا لازما في الركن المادي لبعض الجرائم، التي تقوم ويكتمل ركنها المادي بمجرد إتيان السلوك، وتسمى الجريمة في هذه الحالة، بالجريمة الشكلية أو جرائم الخطر أو جرائم السلوك المحض، مقارنة بالجرائم المادية أو جرائم الضرر، التي تتطلب نتيجة[24]. لذا نرى بأن دراسة فكرة النتيجة كعنصر عام وهام في الركن المادي للجرائم، تقتضي منا تناول موضوع التفرقة بين النتيجة المادية والنتيجة القانونية، وذلك في فرع، لنتناول في الثاني التمييز بين الجرائم المادية ذات النتائج، والجرائم الشكلية التي لا يشترط فيها المشرع تحقق نتيجة معينة.
الفرع الأول
التمييز بين النتيجة المادية والنتيجة القانونية
النتيجة بين المفهوم المادي والمفهوم القانوني[25]:
النتيجة عموما هي الأثر الطبيعي الذي يتمخض عن السلوك ويعتد به القانون، وهو التعريف الذي يشتمل على ثلاثة عناصر، أن النتيجة أمر واقعي له وجود خاص وذاتية مستقلة، وهي في حقيقة الأمر تتميز عن السلوك مهما كانت مرتبطة به، والقانون أحيانا قد يتطلب حدوث نتيجة معينة، وأحيانا يكتفي بالنص على صلاحية السلوك لإحداثها، أما العنصر الثاني للنتيجة فهو ارتباطها بالسلوك برابطة سببية، وهي الرابطة
أو العلاقة التي تعد بالغة التعقيد والأهمية، والعنصر الثالث هو اعتداد القانون بالنتيجة، إذ الفعل الواحد قد يرتب نتائج متعددة، وهي النتائج التي قد تولج نتائج أخرى، غير أن القانون يهتم بالبعض دون البعض الآخر، والمشرع قد يجعل بعض النتائج عنصرا لازما لوقوع الجريمة والبعض الآخر من نتائجها المشددة، أو ظرفا مؤثرا في عقوبتها فحسب، مثال الأول حدوث الوفاة في جريمة القتل، ومن أمثلة الثانية العاهة المستديمة في جريمة الضرب، وفي هذا المقام تهمنا النتيجة كعنصر لا كظرف، غير أن النتيجة تعد أحيانا من عناصر الجريمة إذ لا تقوم هذه الأخيرة دونها، في حين قد يكتفي المشرع بالسلوك وحده في بعض الأحيان، وفي هذا الصدد قسمت الجرائم حسب الفقه، إلى جرائم نتيجة وجرائم سلوك محض.
أولا: المفهوم المادي للنتيجة
النتيجة بالمفهوم المادي تتحقق بكل تغيير يحدث في العالم الخارجي كأثر للنشاط الإجرامي[26]، ووفقا لهذا المفهوم للنتيجة أهمية قانونية في موضوعين، الأول بخصوص اكتمال الجريمة وتمامها، والثاني كمعيار لتحديد العقوبة، ووفقا للأهمية الأولى تقسم الجرائم على جرائم مادية ذات نتيجة، وأخرى شكلية كل ما تتطلبه مجرد السلوك، وهو ما نبينه في الفرع الثاني. بعد أن نتناول المفهوم القانوني للنتيجة.
ثانيا: المفهوم القانوني للجريمة
وهي النتيجة المتمثلة في العدوان على الحق أو المصلحة المحمية قانونا، سواء تمثل هذا العدوان في إصابتها بضرر أو مجرد تعريضها للخطر، لذا فهي وفقا لهذا المفهوم، لا تعد تغييرا في العالم الخارجي يمكن للحس أن يدركه ويميز بينه وبين سلوك الجاني، وإنما هي تقدير قانوني للسلوك أو حكم على هذا السلوك من وجهة نظر المشرع، وبهذا المفهوم النتيجة موجودة في كل جريمة، كون كل جريمة تقوم على سلوك، في حين المفهوم المادي للنتيجة المقابل للمفهوم القانوني هو ما يترتب عن السلوك من اثر مادي في العالم الخارجي المحسوس.
الفرع الثاني
التمييز بين الجرائم المادية والجرائم الشكلية
( الجرائم ذات النتائج والجرائم ذات السلوك المجرد المحض)
سبق القول بأنه ليست كل الجرائم مما يتطلب فيها المشرع تحقق نتيجة مادية تحدث تغييرا ملموسا في العالم الخارجي، بل هناك من الجرائم ما يقوم ركنها المادي على مجرد إتيان السلوك بغض النظر عما إن رتب هذا السلوك نتيجة من عدمه، وبناء على ذلك تنقسم الجرائم من هذه الوجهة، إلى جرائم مادية ذات نتائج، وجرائم شكلية ذات سلوكات فقط، لذا سنحاول أن نتناول معنى النوعين كل في نقطة، لنتناول في نقطة مستقلة أهمية التفرقة بين النوعين
أولا: الجرائم المادية
الجرائم المادية، هي جرائم يتطلب المشرع فيها أن يترب السلوك نتيجة مادية كأثر ملموس في العالم الخارجي المحسوس، أو على الأقل مجرد احتمال حصول هذه النتيجة كأثر مباشر عن السلوك، مثلما هو الشأن بالنسبة لجرائم الشروع، وهذا النوع من الجرائم هو الأكثر شيوعا في القوانين العقابية، إذ غالبية الجنايات والجنح تشترط وقوع نتيجة كأثر مباشر عن السلوك المجرم، سيما في السلوكات الإيجابية. لذا يسمى هذا النوع من الجرائم أيضا " الجرائم ذات النتائج"، أو " جرائم الضرر"، لأن النتيجة في حقيقتها ضرر أصاب مصلحة أو حق محمي قانونا، حتى وغن تجسد هذا الضرر في مجرد احتمال أو تهديد مثلما هو الأمر بالنسبة لجرائم الشروع.
ثانيا: الجرائم الشكلية
في مقابل الجرائم المادية ذات النتائج، توجد هناك جرائم شكلية لا يشترط المشرع لقيامها حدوث نتيجة كأثر مباشر مترتب عن السلوك المجرم، لذا فهي تسمى أيضا " جرائم السلوك المحض" أو " جرائم السلوك المجرد"[27]، ومن أمثلة هذه الجرائم، عرض الرشوة على موظف عام، تزوير أو تزييف النقود دون ترويجها، تزوير الأوراق دون استعمالها، حيازة الأسلحة بدون ترخيص ودون أن تستعمل في ارتكاب جرائم، حمل الأوسمة أو ارتداء الأزياء الرسمية بدون وجه حق.
ثالثا: أهمية التفرقة بين الجرائم المادية والجرائم الشكلية
للتفرقة بين الجرائم المادية والجرائم الشكلية، أهمية قانونية بالغة الآثار، وذلك بالنظر للنتائج القانونية المترتبة على هذا التمييز أو هذه التفرقة، خاصة بخصوص علاقة السببية، وفي مجال الشروع، وبخصوص العدول الاختياري. فبخصوص العلاقة السببية، لا مجال للبحث عنها في مجال الجرائم الشكلية، فهي صلة أو رابطة متطلبة فقط في الجرائم المادية ذات النتائج، كونها علاقة أو رابطة تفترض أصلا وجود عنصرين، هما السلوك والنتيجة، وتكون هي الرابط بين هذين العنصرين، وإن كان يجب قيامها وإثباتها في مجال قيام الركن المادي في الجرائم المادية ذات النتائج، فالأمر غير ممكن بخصوص الجرائم الشكلية، وذلك لانعدام النتيجة التي يبحث عن علاقتها بالسلوك، إذ هذا الأخير كاف لوحده لقيام الركن المادي.
وأما بخصوص الشروع – الذي سيكون موضوع دراسة مفصلة- فلا يمكن تصوره في الجرائم الشكلية، إذ السلوك المجرم إما أن يأتيه الشخص وإما أن لا يأتيه إطلاقا، على عكس الجرائم المادية ذات النتائج فهي جرائم تشكل مجالا خصبا لجرائم الشروع، هذه الأخيرة التي تتمثل في إتيان السلوك في بعضه
أو في كله من قبل الجاني، وبالرغم من ذلك لا تتحقق النتيجة لظرف أجنبي خارج عن إرادة الجاني.
وأما بخصوص العدول الاختياري، وهو فكرة قانونية تتعلق بنظرية الشروع، فلا يمكن تصوره إلا في الجرائم المادية ذات النتائج، دون الجرائم الشكلية ذات السلوك المجرد، كون العدول يفترض البدء في تنفيذ الفعل والتوقف قبل تحقق النتيجة، وبالتالي عدم تحقق النتيجة معيار القول بوجود العدول الاختياري من عدمه، وما دامت النتيجة غير موجودة في الجرائم الشكلية فلا مجال للقول فيها لا بالشروع ولا بالعدول الاختياري، فالجريمة الشكلية إما أن تقع تامة وإما ألا تقع إطلاقا.
المطلب الثالث
علاقة ( صلة أو رابطة) السببية
Le lien de causalité
مؤدى التصور القانوني لعلاقة السببية، هو أنه لكي يكتمل البنيان القانوني للركن المادي للجريمة، لا بد أن يرتبط السلوك، فعلا كان أو امتناعا، بالنتيجة المحظورة التي تحققت، أي ارتباط السبب بالمسبب[28]، وبعبارة أخرى، يجب أن يكون السلوك مسبب النتيجة، فإن أمكن رد هذه النتيجة إلى عامل آخر غير السلوك الذي أتاه الجاني، انقطعت الصلة السببية وانتفت مسؤولية الجاني عن النتيجة التي تحققت، لذلك، وحتى يسأل الشخص يجب أن يكون سلوكه سبب حدوث النتيجة المحظورة قانونا، إذ المنطق واعتبارات العدالة تقتضي مسائلة الشخص فقط عن النتائج التي كانت ثمرة أفعاله المحظورة، لا النتائج التي كانت ثمرة عامل أو عوامل أخرى.
ويجب ألا نخلط بين صلة السببية التي تعد من عناصر الركن المادي للجريمة، وبين النية الإجرامية التي تعد من عناصر الركن المعنوي للجريمة – في بعض الحالات الضيقة-، حيث هذه الأخيرة عبارة عن مسألة نفسية أو شخصية، تتعلق بالموقف النفسي للجاني من النتيجة التي تحققت، وما إن كان يريدها أم لا، في حين صلة السببية من الأفكار الموضوعية اللصيقة بماديات الجريمة لا بجوانبها النفسية أو المعنوية.
غير أنه في الواقع توجد حالات يتضح فيها بما لا يدع مجالا للشك، أن الفعل الذي أتاه الجاني هو سبب النتيجة المجرمة التي تحققت، وفي هذه الحالة لا إشكال، حيث يعد الركن المادي بأكمله منسوبا للشخص، غير أنه وفي حالات أخرى كثيرة، قد تتداخل عوامل كثيرة بين سلوك الجاني والنتيجة التي تحققت، سواء كانت هذه العوامل سابقة أو معاصرة أو لاحقة لفعل الجاني، وهو ما قد يعدل أو يؤخر حدوث النتيجة، أو يجعلها تتحقق على نحو مخالف لما ارتآه وأراده الجاني، وبالرغم من أن هذه العوامل فيها الخفي والظاهر، المألوف والشاذ، المتوقع وغير المتوقع، القوي والضعيف[29]... فكيف لنا أن نحدد سبب النتيجة في مثل هذه الحالات؟ وبعبارة أخرى: كيف لنا الحكم بأن سلوك الجاني هو سبب النتيجة؟ وما الحل القانوني لذلك في غياب النص التشريعي؟
في ظل المشاكل العملية التي أظهرتها مشكلة البحث في علاقة السببية، وفي ظل سكوت المشرع عن توضيح معيارها الدقيق، حاول الفقه إيجاد حلول ففقهية لها، محاولا في بداية الأمر أن يعطي لها مفهوما علميا، قائلا أنه للسببية مدلول علمي قبل أن يكون لها مدلول قانوني، لذا يجب استخلاص معيار علمي لها لا استنادا للتصور القانوني، مستندين في ذلك لنظرية العالم " جون ستيوارت ميل" الذي عرف السبب علميا، بأنه: مجموعة العوامل الإيجابية والسلبية التي يستتبع تحققها حدوث النتيجة على نحو لازم، لذلك فالسبب من الناحية العلمية، يعني احتواءه على شرطي اللزوم والكفاية في إحداث النتيجة، أي احتوائه على المقومات اللازمة والكافية لإحداث هذه النتيجة، غير أن هذا المفهوم العلمي صعب التطبيق في مجال العلوم الإنسانية عموما، والعلوم القانونية خصوصا، والقانون الجنائي بالأخص، كون السبب في هذا القانون عبارة عن سلوك إنساني لا يمكن عزله عن الأسباب الأخرى المعاصرة أو السابقة أو اللاحقة له، ولا يمكن تجريده والحكم عليه بمعزل عن مجمل الظروف والملابسات المحيطة به، لذا فالسببية في المجال الجنائي لا يمكن أن تخلو من الجوانب الشخصية والنفسية، لذلك من الصعب بمكان الحكم عن مدى صلاحية السلوك في إحداث النتيجة دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف النفسي للجاني، لذلك فشل هذا الاتجاه، وظهرت محاولات فقهية أخرى بنت حلولها على العديد من النظريات الفقهية، نذكر أهمها في النقاط التالية.
الفرع الأول
نظرية تعادل الأسباب
( نظرية الأسباب المتكافئة)
نادى بهذه النظرية فريق من الفقه الألماني وعلى رأسهم الفقيه " فان بورغ Van Burg"، ومقتضاها أن جميع الأسباب التي تساهم في إحداث النتيجة تتعادل وتتساوى ويكون كل من ساهم في إحداث إحداها مسؤولا مع البقية، أي أن كل الأسباب والعوامل التي تتدخل إلى جانب فعل الجاني تعد مسببة للنتيجة متى ساهم معها فعل الجاني في إحداث النتيجة، بغض النظر عن دور باقي الأسباب الأخرى، وسواء كانت سابقة عن فعله أو معاصرة له أو لاحقة عليه، ولا تهم طبيعة هذه العوامل، وما إن كانت مألوفة أو شاذة، قوية
أو ضعيفة، أو حتى ولو تداخل معها خطا المجني عليه[30]، أو خطا الغير[31]، أو القوة القاهرة[32]، أو حتى ولو كانت راجعة لفعل الطبيعة كالزلازل والفيضانات والعواصف، لأن فعل الجاني في مثل هذه الحالات، يصبح جزءا من سبب آخر" سبب السبب"، أي العوامل الأخرى ما كانت لتحدث النتيجة لولا فعل الجاني، حتى ولو كان ضعيفا مقارنة بها، أو دوره ضئيلا مقارنة بدور باقي الأسباب والعوامل الأخرى، إذ فعل الجاني وفقا لهذه النظرية، يكفي أن يكون موجودا ضمن طائفة من الأسباب الأخرى، حتى يمكن القول بأنه سبب في حدوث النتيجة، لأنه لولا فعله لما تعاقبت الأحداث على هذا النحو. ووفقا لهذه النظرية تترتب العديد من النتائج القانونية التي تنعكس على باقي أفكار قانون العقوبات، تقتضي منا تناولها قبل الخوض في تقدير النظرية ككل.
أولا: نتائج نظرية تعادل الأسباب
يترتب على منطق نظرية تعادل الأسباب العديد من النتائج القانونية التي يمكننا أن نوجزها في النقاط التالية:
1- الجاني مسؤول دوما عن الجريمة حتى ولو تداخلت إلى جانب سلوكه أسباب أخرى ساهمت معه في إحداث النتيجة، حتى وإن كانت غير متوقعة ولا مألوفة، كالحالة الصحية السيئة للمجني عليه، أو انهيار المستشفى الذي كان يعالج به المجني عليه،
2- لا تنقطع الصلة السببية بين فعل الجاني والنتيجة حتى ولو تداخلت العديد من الأسباب الأخرى معه، سواء كانت معاصرة لسلوكه أو سابقة له أو لاحقة عليه، كتأخر المجني عليه في عرض نفسه على الطبيب، أو خطا هذا الأخير في علاج المجني عليه.
3- لا تنتفي صلة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة المحظورة، حتى ولو كانت النتيجة ستتحقق حتما، إلا أن سلوك الجاني عجل بحدوثها أو ضاعف في حجمها.
ثانيا: تقدير نظرية تعادل الأسباب
جاءت نظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب بمعيار سهل ويسير الإثبات في استخلاص علاقة السببية، إذ يكفي أن يكون سلوك الجاني قد ساهم في تسلسل الوقائع ليعد الفعل الذي لولاه لما وقعت النتيجة، إلا أن الفقه وجه سهام النقد لهذه النظرية، لأنها تنطوي على إثقال كاهل الجاني وتشدد عليه المسؤولية، وهو أمر مخالف للعدل والمنطق، وإعمالها أيضا يؤدي إلى نتائج في غاية الغرابة، وكذا من الناحية القانونية، إعمال هذه النظرية يؤدي إلى إلغاء فكرة الاشتراك في الجريمة. كما قيل بأن هذه النظرية تتناقض مع نفسها، فتقر بداية التعادل بين الأسباب، ثم تختار من بينها سبب الجاني فقط وتلقي عليه كامل المسؤولية، وتحمله المسؤولية حتى عن الأسباب النادرة الحدوث، مثل الحريق الذي يهب في المستشفى، أو تهدمه، أو وقوع زلزال...
الفرع الثاني
نظرية السبب المنتج
( السبب المباشر أو الفعال )
وهي نظرية من ابتكار الفقه الأنجلوسكسوني[33]، وتسمى أيضا نظرية السبب الفوري أو السبب النشيط أو السبب الأقوى، والتي ترى وجوب اتصال النتيجة اتصالا مباشرا بفعل الجاني، كونه السبب الأقوى
أو المباشر أو الأساسي في إحداث النتيجة مقارنة مع الأسباب الأخرى، بمعنى أن الفاعل يسأل عن النتيجة الضارة التي جرم المشرع حدوثها، متى كان فعله سببا قويا وأساسيا لإحداثها وفقا للمجرى العادي للأمور، ومؤدى هذه النظرية باختصار، هو أن نطرح السؤال التالي: هل الفعل الذي ارتكبه الجاني، باستبعاد العوامل الأخرى التي تظارفت معه، قادر لوحده على إحداث النتيجة الضارة التي وقعت؟. فإن كان الجواب بالإيجاب، فإن الجاني يعد مسؤولا عن النتيجة التي حدثت، كما يعد مسؤولا عن كل النتائج الأخرى المحتملة، سواء توقعها أو لم يتوقعها، ما دام أمر حدوثها وفقا للمجرى العادي للأمور ممكن التصور، وإن كان الجواب عن السؤال السابق بالنفي، فالجاني لا يسأل عن النتيجة كون فعله لم يكن سببا في حدوثها.
أولا: معيار النظرية
يتضح مما سبق، بأن أنصار هذه النظرية أخذوا بمعيار مادي موضوعي، لا معيار شخصي، لأنها نظرية تأخذ بتقدير الأسباب، وهي أمور موضوعية لا دخل لشخصية الجاني فيها، ومعيار كل ذلك، معيار الرجل العادي الذي يوضع في نفس الظروف التي تواجد بها الجاني.
ثانيا: تقدير النظرية
بالرغم من وجاهة النظرية، إلا أنها لم تسلم بدورها من سهام النقد، وأهم الانتقادات التي وجهت لها، هو عدم وضوح معيارها، أي المعيار الذي يمكن من تحديد السبب المباشر والأساسي من بين سائر الأسباب الأخرى غير المباشرة، وأن القول بوجود سبب واحد للجريمة في ظل تعدد مسبباتها هو قول تعوزه الدقة[34]، لذلك نجد الفقه قد جاء بنظرية أخرى، تعد لغاية اليوم، وبإجماع الفقه، أفضل النظريات التي قيل بها في صدد بحث مشكلة صلة السببية، والتي أخذت بها معظم التشريعات الجنائية، سواء بصفة صريحة أو بصفة ضمنية، كما تبناها القضاء في العديد من الدول، وهي نظرية السبب الملائم، التي نتناولها في الفرع الموالي.
الفرع الثالث
نظرية السبـــب الملائم
وهي نظرية، على عكس النظريات السابقة، أقامها أنصارها على معيار بسيط يشبه نوعا ما المعيار الذي تبنته النظرية السابقة، ومفاد هذا المعيار طرح السؤال التالي: هل باستطاعة فعل الجاني بحسب المجرى العادي للأمور، إحداث النتيجة بالرغم من تداخل عوامل أخرى معه؟[35]. وهي بذلك نظرية لا يأخذ أنصارها بكل العوامل مثلما فعلت النظرية الأولى، ولا تستبعد كل العوامل مثلما فعل أنصار نظرية السبب المنتج، بل تأخذ فقط بالعوامل المألوفة التي يعلم بها الجاني أو يتوقعها على الأقل، ومعيار التفرقة بين العوامل المألوفة والعوامل الشاذة غير المألوفة، هو معيار العلم، أي متى كان يعلم الجاني أو يتوقع بعض العوامل المصاحبة لنشاطه كان العامل مألوفا ولا يمنع من مسائلته، وإن كان يجهل ذلك، عد العامل غير مألوف ويقطع اللصة بين النتيجة وفعله.
غير أن أهم انتقاد وجه لإعمال هذا المعيار، أنه معيار شخصي ونسبي ينقلنا من إطار الركن المادي إلى إطار الركن المعنوي، في حين صلة السببية عنصر هام من عناصر الركن المادي يجب أن يستبعد من محيطها كل العوامل النفسية والشخصية، ويركز فيها فقط على المسائل والأمور المادية الموضوعية. كما أنه لا وجود لضابط يمكن من الحكم بعلم الجاني بالعوامل من عدمه. لذا صحح أنصار هذه النظرية موقفهم، وقالوا بمعيار الرجل العادي[36]، عوض معيار العلم، وهو التصحيح الذي جعل منها من أكثر نظريات السببية قبولا، وأخذت بها غالبية التشريعات بما فيها المشرع الجزائري في نظرنا.
غير انه يمكننا القول كخلاصة، بأن أي من النظريات السابقة، وبالرغم مما قدمته من إضاءة لكثير من جوانب رابطة السببية في مجال الركن المادي للجريمة، إلا أنها لم تحل بصفة نهائية وحاسمة مشاكل هذه الفكرة القانونية، ودليل ذلك هو تشتت الفقه بالرغم من ثراءه، واضطراب القضاء بالرغم من اجتهاده، لذا فتردد المشرع عن تكريس معيار واضح ودقيق لرابطة السببية، لا يخلو من دلالات، وذلك بالنظر لأسباب التالية:
1-إن رابطة السببية ذاتها تستعصي عن التعريف وفق مفهوم مطلق ومجرد، لأن الفعل أو السلوك الإنساني يصعب تجريده بمعزل عن الظروف والعوامل المختلفة المحيطة به، لذا فمثل هذا السلوك يتميز بطابع خاص نسبي وشخصي أيضا تجعله يختلف من شخص لآخر، بل لدى الشخص الواحد من حالة لأخرى، ومن هذه العوامل والظروف، طبيعة الفعل نفسه وزمان ومكان ارتكابه، ووسيلة تنفيذه، والمحل الذي يرد عليه... لذا يجب الخروج من إطار المفهوم المطلق المجرد لعلاقة السببية إلى إطار الفهم الواقعي النسبي لها، وذلك لا يمكن إلا بتبني معيار واقعي ونسبي لهذه العلاقة، يأخذ بعين الاعتبار ظروف كل واقعة على حدة، وذلك لا يمكن أن يتأتى إلا بإعطاء القاضي سلطة تقديرية تمكنه من استخلاص هذه الرابطة من خلال الوقائع المعروضة عليه والظروف والملابسات المحيطة بها.
2- انطلاقا من التصور الواقعي النسبي لعلاقة السببية، يجب البحث فيما إن كان السلوك هو مسبب النتيجة في إطار كل قضية على حدة، وعلى أن يكون هذا السلوك متفوقا نسبيا على باقي العوامل الأخرى التي سبقته أو صاحبته أو تلته، وهذا التفوق النسبي لا يستخلص استخلاصا مجردا، بل يستخلص واقعيا بالنظر لكافة الظروف والملابسات المحيطة بالسلوك، وعلى ضوء دراسة كل العوامل بما فيها الشخصية، ومن أهم المعايير التي قد تعين القاضي في ذلك: طبيعة الجريمة وما إن كانت من الجرائم العمدية أو جرائم الخطأ، بحيث ما قد يصلح لاستخلاص العلاقة السببية في النوع الأول، قد لا يصلح لاستخلاصها في النوع الثاني. شخصية الجاني، وبحث مدى قدرته على التقدير ومدى قدرته على العلم بما يتعين عليه أن يعلمه، لأن سلوك الإنسان يصعب تقديره بمعزل عن صاحبه. مراعاة زمان ومكان ارتكاب الجريمة، لأن ما يمكن أن يكون سببا للجريمة في النهار في ظل الحركة والازدحام، قد لا يمكنه أن يكون كذلك في الليل، وما يمكن أن يصلح لأن يكون سببا للجريمة في مكان قد لا يصلح لأن يكون كذلك في مكان آخر. شخصية المجني عليه وسنه وظروفه الصحية والنفسية لها دور كبير في تقدير ما إن كان فعل الجاني هو السبب المباشر في إحداث النتيجة الضارة.
وبعبارة أخرى، يجب الخروج بصلة السببية من إطار المفهوم المجرد المطلق إلى رحاب الفهم الواقعي النسبي، كون النظريات السابقة، وإن أضاءت جوانب هذه الفكرة القانونية المعقدة، غير أن أي من هذه النظريات لم يحل بصفة نهائية مسألة السببية، ودليل ذلك أن أحكام القضاء لا تزال مترددة ومن العسير ردها إلى نظرية من النظريات، وذلك داخل البلد الواحد، إذ في الدولة الواحدة يتراوح القضاء أحيانا من النقيض إلى النقيض. لذلك يمكن القول بفإن المشرع الذي يعزف عن تكريس معيار للسببية له ما يبرره، كون صلة السببية تستعصي أحيانا على التعريف وفق مفهوم مجرد مطلق، كون الفعل الإنساني يصعب تجريده من ظروف وعوامل شتى تعطي له خصوصيته وطابعه النسبي. لذا فمن الضروري الأخذ بعين الاعتبار كل العوامل والظروف المحيطة بسلوك الإنسان، وعلى ضوئها يتم تقدير علاقة السببية، لذا يجب أن يكون السلوك المسبب للنتيجة متفوق نسبيا عن باقي العوامل الأخرى، وهو التفوق الذي يستخلصه قضاة الموضوع واقعيا ومن خلال كافة الظروف والملابسات المحيطة بهذا السلوك، في كل قضية على حدة وعلى ضوء شخصية الجاني ذاته. كما تختلف باختلاف أنواع الجرائم، فما قد يصلح معيار لاستخلاص علاقة السببية في جريمة قتل عمدي، قد لا يصلح لأن يكون كذلك في جريمة قتل خطأ، وأنه لا يمكن إعمال المقومات المادية على حساب المقومات الشخصية، فيجب أن تقدر صلة السببية بناء على مقومات السلوك المادية، ومقومات شخصية تستفاد من علم الجاني أو بما ينبغي عليه العلم به، لذا فعلاقة السببية تقوم على الفهمين المادي والشخصي، أي على الركنين المادي والمعنوي، فالسلوك الإنساني مهما كان ليس مادة مخبرية يتم إخضاعها للتجارب في المخبر. لذا يجب إعطاء القضاء سلطة في استخلاص صلة السببية، كون الحكم الذي يأتي خاليا من بيان البناء القانوني للجريمة يكون مشوبا بالقصور ويتعين نقضه، والدفع بانتفاء صلة السببية من الدفوع الجوهرية التي يتعين على المحكمة تمحيصها والرد عليها، لكن القول بوجود أو انتفاء الصلة السببية من المسائل الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها دون رقابة من محكمة النقض، غير انه لهذه الأخيرة رقابة على المعيار المعتمد من قبل محكمة الموضوع لاستخلاص هذه الصلة.
المبحث الثاني
المحاولة أو الشروع كصورة ناقصة للركن المادي
عادة ما يكتمل البنيان القانوني للجريمة بتوافر أركانها الثلاثة العامة، الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي، وهو الوضع الغالب والطبيعي لكل الجرائم، غير أن المشرع يتدخل أحيانا ويجرم بعض المظاهر السلوكية التي لا تكتمل لها كل هذه الأركان والعناصر، سيما ما يتعلق منها بالركن المادي للجريمة، فإن كان الأصل أن المشرع لا يعاقب إلا على الأفعال التي اكتملت ورتبت النتائج التي يعتد بها قانونا، إلا أنه يتدخل أحيانا بالعقاب دون أن يصل هذا الركن لهذه المرحلة، وهو الوضع في حال بعض الجرائم الناقصة التي تسمى شروعا. لذا قلنا بأن للركن المادي للجريمة صورا خاصة، تخرج عن إطار النموذج القانوني المكتمل والعادي للجريمة، والمتمثل في ارتكاب شخص لجريمة تامة فيعاقب عليه، وهو وضع جريمة الشروع وفكرة المساهمة الجنائية، التي نتناول كل منهما في مبحث مستقل.
وقد سبق القول بأن الركن المادي للجريمة – سيما في الجرائم المادية ذات النتائج- يتطلب أن يترتب عن سلوك الجاني نتيجة محظورة قانونا، وأن تربط بينهما رابطة سببية ليكتمل الركن المادي قانونا، لكن قد يحدث وأن يقوم الجاني بسلوكه المحظور كاملا، غير أن النتيجة لا تتحقق، أو أن يبدأ في سلوكه هذا ولا يكمله، سواء من تلقاء نفسه، أو نتيجة تدخل عوامل أخرى خارجة عن إرادته، وفي كلتا الحالتين يعد الجاني قد شرع في فعله المجرم كله أو بعضه دون أن يكتمل الركن المادي للجريمة، وهو ما يسمى الشروع في الجريمة أو المحاولة فيها. وهو وضع يعني انه شرع في ارتكاب الجريمة، غير أنها لم تكتمل، مما يجعلها عبارة عن جريمة ناقصة أوقفت في مراحها الأولى، أو استكمل السلوك فيها وخاب أثرها لسبب خارجي لا دخل لإرادة الجاني فيه. وذلك حتى نكون بصدد جريمة الشروع المعاقب عليه، لأنه لو كانت لإرادة الجاني دخل في وقف الجريمة، لكنا أمام فكرة العدول الاختياري التي تنفي جريمة الشروع أصلا. لذا سنحاول أن نبين معنى الشروع وأنواعه والعلة من العقاب عليه، في هذا التمهيد، لنخصص المطالب لأركان جريمة الشروع فقط، بالنظر لخصوصية هذه الأركان في هذا النوع من الجريمة.
أولا: مفهوم جريمة الشروع
عرف البعض الشروع بأنه: الحالات التي يفشل فيها الفاعل في تحقيق جريمته، أي لا تتحقق النتيجة المادية المطلوبة لقيام الجريمة، ورغم ذلك تم تعريض المصالح والحقوق المحمية قانونا للخطر، لأن الشروع ينطوي على احتمال الإجهاز عليها في حال البدء في تنفيذ الجريمة. لذا يمكننا القول، أن الشروع اعتداء محتمل على مصلحة أو حق محمي جنائيا، والمشرع يحمي هذه الأخيرة من الاعتداءات الفعلية ومن مجرد احتمال وقوع مثل هذه الاعتداءات[37]، لذا فالشروع جريمة توافر فيها الركن المعنوي ولكن تخلف فيها اكتمال الركن المادي فقط، سواء كان هذا التخلف بصورة جزئية أو كلية ونكون أمام جريمة ناقصة، وهذا النقص في البنيان القانوني للركن المادي للجريمة ينصب تحديدا على عنصر النتيجة القانونية التي لم تتحقق لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه، وبالتالي تصوير جريمة الشروع على النحو السابق، يستدعي إدراج الملاحظات التالية:جوهر الشروع أنه جريمة ناقصة، وهذا النقص ينحصر فقط في تخلف تحقق النتيجة، رغم ارتكاب السلوك المجرم كله أو في جزء منه.وتبعا لما سبق، الشروع لا يثور كأصل عام، إلا بالنسبة للجرائم المادية ذات النتائج، وبالتالي فهو غير ممكن التصور في الجرائم الشكلية ذات السلوك المجرد المحض – وقد سبقت الإشارة لذلك- كونها في جوهرها جرائم تمثل مرحلة الشروع، وبالتالي لا يمكن تصور الشروع في الشروع. الشروع جريمة لم يكتمل ركنها المادي، لكن الركن المعنوي فيها يبقى ركنا أساسيا لا يمكن تصور قيامها بدونه، وتلك إذن الحكمة من العقاب على الشروع، وبالتالي يمكن القول مبدئيا، بأنه لا شروع في الجرائم غير العمدية.
ثانيا: الهدف أو العلة من العقاب على الشروع
في حقيقة المر ثار السؤال في بعض الدول عن العلة من العقب عن جريمة الشروع، خاصة وان المشرع يعاقب على الاعتداءات الفعلية على المصالح والحقوق المحمية قانونا، كما ثار تساؤل آخر حول قدر العقاب عن جريمة الشروع، وما إن كان يجب أن يكون مساويا للعقاب عن الجريمة التامة أم اقل أم أكثر ؟
فبخصوص العلة من العقاب[38]، يرى الفقه أن الشروع كجريمة وإن كان قد خاب أثرها ولم تعد تشكل اعتداء فعليا، فإنها تحولت إلى اعتداء محتمل أو خطر يهدد المصالح والحقوق المحمية قانونا، وأن المشرع مثلما يحمي هذه الحقوق من الاعتداءات الفعلية، فإنه يحميها أيضا من الاعتداءات المحتملة، والشروع جريمة تهدد بالخطر، ومصدر هذا الخطر أفعال مادية ملموسة والتي حتى وإن كانت ناقصة، إلا أنها تعد بادرة لارتكاب الجرائم وتنبئ بخطورة إجرامية لدى فاعلها أو القائم بها. لذا يعبر بعض الفقه في هذا النوع من الجرائم، بأنه بالرغم من تخلف النتيجة المحظورة قانونا، إلا أن الجريمة قد تمت من الناحية الشخصية، لكنها خابت من الناحية المادية، وأن الاضطراب الذي تحدثه الجريمة الخائبة في المجتمع، أشد خطورة من الاضطراب الذي يحدثه الشروع البسيط، الذي يقصد به عدم اكتمال السلوك.
ثالثا: أنواع الشروع ومجال تطبيقه
نصت المادة 30 من قانون العقوبات الجزائري، على أنه: " المادة 30 :" كل المحاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها، تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها." ، ونصت المادة 31 :" المحاولة في الجنحة لا يعاقب عليها إلا بناء على نص صريح في القانون. والمحاولة في المخالفة لا يعاقب عليها إطلاقا.". من نص المادة 30 يتضح أنه للشروع صورتين، صورة الجريمة الخائبة التي يفرغ فيها الجاني كل نشاطه المادي ورغم ذلك لا تتحقق النتيجة المحظورة قانونا، لظروف مستقلة عن إرادة الجاني أو لظروف مادية يجهلها أصلا، وهو ما بينته الفقرة الثانية من المادة 30. مستعملة عبارة " لم يخب أثرها"، بينما بينت الفقرة الأولى صورة الشروع الناقص أو الجريمة الناقصة أو الجريمة الموقوفة، وهي الصورة التي لم يكتمل فيها السلوك أصلا، كون الجاني أوقف- لم يتوقف بمحض إرادته- لذا استعملت المادة عبارة " إن لم توقف" المقصود بها الإيقاف الاضطراري، لكون العدول الاختياري يخرجنا أصلا من نطاق جريمة الشروع.
وبالتالي يمكننا القول بأن الشروع إما أن يكون تاما وتقابله الجريمة الخائبة التي لم تتحقق فيها النتيجة المحظورة قانونا، لكنها تبقى ممكنة الوقوع، والجريمة المستحيلة، وشروع ناقص وتقابله الجريمة الموقوفة لأن السلوك فيها أوقف قبل اكتماله، وقبل انتظار تحقق النتيجة من عدمه، على أن يكون هذا التوقف اضطراريا لا اختياريا، لأنه سبق القول أن العدول الاختياري ينفي جريمة الشروع تماما. وبالتالي الشروع نوعان، شروع تام وشروع ناقص وهما نوعا أو صورتا الشروع.
أما فيما يخص مجال تطبيق نظرية الشروع، فيمكننا القول من خلال استقراء المادتين 30 و31 من تقنين العقوبات الجزائري، بأن الشروع متصور في كل أنواع الجنايات بحسب المادة 30 ق ع ج، وفي الجنح في الحالات التي يوجد فيها نص صريح يعاقب على الشروع بحسب المادة 31/1[39]، ولا شروع إطلاقا في مجال المخالفات التي إما أن تتم كاملة أو لا تتم أصلا بحسب المادة 31/2 ق ع ج. وعلة عدم العقاب على الشروع في المخالفات هو أنها جرائم بسيطة لا تنطوي على خطورة إجرامية كبيرة لدى الجاني، في حين أن العقاب على الشروع قرر أصلا لمواجهة الخطورة الإجرامية لدى الجناة. كما أن المخالفات في العادة عبارة عن صور سلوكية تقع بالمخالفة لأمور تنظيمية وإدارية، ارتأى فيها المشرع العقاب على السلوك ذاته، لا النتائج المترتبة عنه.
وعموما يمكن القول أن الشروع عبارة عن جريمة شأنه شأن الجرائم التامة، وكل ما في الأمر أن الركن المادي فيه غير مكتمل العناصر، لذا لا بد وأن تكتمل هل باقي الأركان اللازمة لقيام الجرائم، وهي الأركان العامة الثلاثة المعروفة، الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي، وإن كان الركن الشرعي لا يثير أي إشكال، بحيث القاعدة العامة في العقاب على الشروع في الجنايات هي المادة 30، وفي الشروع في الجنح نص المادة 31/1 بالإضافة إلى النص الخاص الذي يعاقب على الجنحة، كما لا يثير الركن المعنوي أي إشكال، بحيث هو نفسه الركن المعنوي المشترط في الجرائم التامة- ولنا عودة إلى ذلك- ويبقى الركن المادي هو الذي يثير بعض الصعوبات، بحيث سبق القول بأن معيار التفرقة بين الجرائم التامة وجرائم الشروع هو عدم اكتمال الركن المادي في الأخيرة، الأمر الذي يثير بعض الصعوبات حول المرحلة التي يجب أن يصل فيها التنفيذ المادي للسلوك، ومعيار التفرقة بين المراحل المعاقب عليها من المراحل غير المعاقب عليها، وكذا معيار التفرقة بين العدول المعاقب عليه والعدول غير المعاقب عليه. والموقف من نوع من الجرائم تسمى :" بالجرائم المستحيلة" لذا فالمطالب التي سنتناولها في حقيقة الأمر تخص عناصر الركن المادي غير المكتمل في جريمة الشروع، لأنه سبق القول بان الركنين الشرعي والمعنوي لا يثيران أي إشكال، وإن كنا سنعود للركن المعنوي في الأخير بنوع من التفصيل المختصر، لتبيان بعض الأوضاع
الخاصة.
hadia369
2013-01-29, 00:14
الفرع الثالث
الحالات الممتازة للدفاع الشرعي
( المادة 40 ق ع ج)
وهي حالات منقولة حرفيا من نص المادة 329 قانون عقوبات فرنسي، ويسمها الفقه الحالات الممتازة للدفاع الشرعي أو الدفاع الشرعي الممتاز، دلالة على افتراض المشرع فيها توافر شروط الدفاع الشرعي كقرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس، غير أنه من الفقه من يرى العكس، وهو أيضا موقف القضاء الفرنسي[1]، وبالتالي نرى أنه لا مجال اليوم لتسميتها بالحالات الممتازة للدفاع الشرعي، وإنما الحالات الخاصة للدفاع المشروع. وقد نصت المادة 40 من قانون العقوبات الجزائري على هذه الحالات بنصها:" يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع:
1- القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز
أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل،
2- الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة."[2].
ونلاحظ على المشرع الجزائري أنه استعمل لفظ " تدخل ضمن حالات الضرورة للدفاع الشرعي " بمعنى افتراضه لشرط اللزوم كوننا فسرنا عبارة الضرورة الواردة بنص المادة 39 على أنها تقصد اللزوم، لذا فهنا أيضا باستعمال نفس العبارة يعني أن المشرع افترض دخولها في حالات اللزوم. ثم أن المادة ذاتها تميز بين فرضين، فرض ورد فيه نوع الجرائم ونوع الاعتداء الذي يوجبها، وهو ما ورد بالفقرة الأولى من المادة 40، حيث أجاز أقصى الجرائم جسامة، وهي القتل والجرح والضرب[3]، وحصر الاعتداءات في الاعتداءات ضد الحياة أي ضد جرائم القتل، وسلامة الجسم، ويعني الضرب والجرح، أو مجرد تسلق الحواجز والحيطان ومداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها[4]. بشرط أن يكون كل ذلك أثناء الليل[5]. كما يمكن أن ننبه أن الشخص يمكنه أيضا دفع التسلق والكسر لملاحق المنازل ومداخلها وأسوارها وحيطانها، إذا كانت متركبة إثناء النهار، لكن في هذه الحالة لا يكون الدفاع شرعيا ومشكلا لسبب من أسباب ألإباحة، بل يكون مشكلا لعذر معفي من العقاب، وهو عذر شخصي لا موضوعي، وهو الأمر الذي قضت به المادة 278 من تقنين العقوبات الجزائري[6]، بينما بينت الفقرة الثانية، وبصيغة عامة إباحة كل فعل أي كان نوعه الذي يرتكب لدفع الاعتداءات على النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة، وهنا لم يشترط التناسب. كما أنه لم يشترط الليل، فيمكن أن يكون ذلك أثناء النهار، مما يجعل هذه الفقرة تتشابه في حكمها مع الحكم العام الذي جاءت به الفقرة الثانية من المادة 39، وكل ما في الأمر أنه في هذه الأخيرة حددت الاعتداءات بصيغة عامة وهي الجرائم الواقعة على النفس أو على الغير أو مال الشخص أو المال الغير، والفقرة الثانية من المادة 40 تتعلق فقط بالسرقات والنهب بالقوة.
وإن كانت الأسباب السابقة، هي أسباب الإباحة التي يأخذ بها المشرع الجزائري، وغالبية القوانين الجنائية المقارنة، فهناك أسباب أخرى تأخذ بها بعض الدول دون البعض الآخر، وهي رضاء المجني عليه وحالة الضرورة، وسبق لنا القول في تمهيد هذا الفصل أن قلنا بأننا سنتناولها في مبحث مستقل، وذلك لتعميم الفائدة، فقد يأتي تعديل ويدخلها في القانون الجزائري، كما قد يجد رجل القانون الجزائري نفسه ملزما للتعامل معها في حالات تنازع القوانين، وبخصوص الطلبة الأعزاء قد تكون موضوع امتحان أو مسابقة- وحدث فعلا أن كانت حالة الضرورة موضوع مسابقة ماجستير بجامعة البليدة منذ سنتين- لذا وإن التمسنا العذر في الإطالة غير المعتادة في إعداد المحاضرات المطبوعة، فإن لهذا العذر مبرراته التي تفوق في مصلحتها كل الانتقادات، وهي تعميم الفائدة العلمية للطلبة. وهنا فقط يمكن الاستعانة بالبيت الشعري المتعلق بالمذمة التي تأتي من جاهل" ..........".
المبحث الثالث
أسباب الإباحة في القانون المقارن
من أسباب الإباحة أيضا، رضاء المجني عليه، وحالة الضرورة التي تأخذ بها بعض القوانين دون البعض الآخر، ومنه القانون الجزائري الذي لا يأخذ بها، لذا ارتأينا تناولها في مبحث مستقل، نتناوله من خلال مطلبين، نخصص الأول لحالة رضاء المجني عليه كسبب من أسباب الإباحة، لنخصص الثاني لحالة الضرورة.
المطلب الأول
رضاء المجني عليه ( صاحب الحق) كسبب من أسباب الإباحة
في حقيقة الأمر المشرع لما يجرم فعل من الأفعال، فإنه يكون قد قدر أن يضر بمصلحة من المصالح، وفي الكثير من الأحيان يتحقق المساس بمصالح المجتمع بالمساس بمصلحة الفرد، ولذا الأصل أنه لا شأن لإرادة الفرد في تجريم الفعل أو إباحته، لذا فاعتراض الشخص على الجريمة لا يعد ركنا في الجريمة، كما أن رضاءه بها لا يعد سببا لإباحتها، غير أن إرادة الفرد أو رضاءه قد يؤدي في بعض الأحوال دورا في مجال قانون العقوبات، وهو الدور الذي قد يكون من شأنه التأثير في قيام الجريمة أو في إباحتها، وهو استثناء عن الأصل، وفي حدود هذا الاستثناء ينحصر اثر الرضا كسبب من أسباب الإباحة.
لكن قد يبدو من الوهلة الأولى أنه متى رضي المجني عليه بارتكاب الجريمة التي تنال حق من حقوقه أو مصالحه، فإن هذا الرضا يبيح الجريمة، لكن هذا القول غير صحيح كون أسباب الإباحة تقتضي سبق تجريم الفعل بنص من نصوص قانون العقوبات، ثم وجود نص آخر يبيح الفعل في الظروف التي ارتكب فيها، والأمر ليس كذلك مع رضاء المجني عليه، حيث يمنع من قيام الجريمة ابتداء، كدخول الشخص منزل آخر برضائه، لذا كان يجب تمحيص الحق المعتدى عله بدقة للقول ما إن كان رضاء المجني عليه يبيحها أم لا، كون رضاء المجني عليه يختلف حكمه باختلاف طبيعة الحق المعتدى عليه. ولا يمكن بأي حال من الأحوال بالقول بهذا السبب في مجال الجرائم التي يعتدى فيها على الدولة كشخص معنوي، ولا على المجتمع كمؤسسة اجتماعية، كما لا رضاء كسبب للإباحة في الجرائم التي تمس بالأسرة كنظام، وما القيود الموجودة على بعض الجرائم الأسرية سوى قيود إجرائية تحول دون تحريك الدعوى العمومية ولا تبيح الفعل في حقيقة الأمر، بل وان الزوج إذا رضي بزنا زوجته ليس هناك ما يمنعه من تقديم الشكوى فيما بعد. وبالتالي البحث ينحصر فقط في الجرائم التي تمس حق الفرد، وحق الفرد بدوره قد يكون حقا مزدوجا، يمس المجتمع والفرد معا، ومثاله حق الحياة، وسلامة البدن، وهنا يجب أن يرجح حق المجتمع ولا يعتد بالرضا الفرد، فمن يطلب من غيره قتله لتخليصه من آلامه التي سببها له مرض خطير أصابه ولا يرجى شفاءه لا يعد رضاؤه سببا لإباحة القتل[7]. لذا فإن بحث مسألة رضاء المجني عليه كسبب من أسباب الإباحة، تقتضي منا أولا، أن نتناول دور الرضاء في قانون العقوبات، وتحديد طبيعته القانونية بخصوص التجريم والعقاب، وذلك في فرع أول، لنتناول في الثاني، الجرائم التي يعمل برضاء الشخص فيها في أهم القوانين المقارنة.
.
الفرع الأول
دور الرضا وتحديد طبيعته القانوني في قانون العقوبات
الرضاء في مجال قانون العقوبات غير الرضاء في مجال التقنين المدني، لذا فالبضرورة أن تختلف طبيعته القانونية في القانون الأول، وبناء على ذلك يظهر دوره في مجال أسباب الإباحة.
أولا: دور الرضا في قانون العقوبات
في بعض الأحوال الضيقة، يشترط المشرع لقيام الجريمة أن يقف المجني عليه منها موقف الرفض، أي أن ترتكب بدون رضاه، وفي مثل هذه الأحوال الضيقة يكون عدم الرضا عنصرا لقيام الجريمة ذاتها، وذلك يوجب نص يقرر المسألة كونها استثناء عن الأصل العام، بمقتضى الحاجة إلى المانع لا تطرأ إلا إذا وجد المقتضى بتمامه، وهنا يكون الرضا يتمم الجريمة، وأهم الجرائم التي يشترط لقيامها عدم رضا الشخص، وقاع الأنثى بدون رضاها ( 267 تقنين عقوبات مصري)، هتك العرض بالقوة أو بالتهديد ( م 268 قانون عقوبات مصري)، القبض والحجز والحبس دون وجه حق ( 280 قانون عقوبات مصري)، خطف الإناث ( المادة 290 قانون عقوبات مصري) وكذا النصب وانتهاك حرمة منزل.. لذا ففي بعض الأحوال يكون الفعل مستجمعا للشروط التي تجعل منه جريمة، فيتدخل رضاء المجني عليه فيجعله مباحا، مثل عمليات الإتلاف، العمليات الجراحية، وإن كان ليس هناك نص صريح يبيح الجريمة برضا المجني عليه، غير أن الأصول القانونية توجب التسليم بهذه الحقيقة، فمن غير المنطقي إذا أباح القانون في فرع من فروعه حق التصرف في حق معين، أن يمنع قانون العقوبات هذا التصرف، لأن ذلك يعطل حرية التصرف، خاصة وأن القانون يعاقب على العدوان وفي مثل هذه الحالة يغيب عنصر الاعتداء لأن الرضا موجود[8]. لكن ذلك لا يعني أنه سبب للإباحة، بل الجريمة لا تقوم لتخلف أحد عناصرها القانونية، الأمر الذي يقودنا بحث طبيعة الرضاء القانونية.
ثانيا: الطبيعة القانونية للرضا
يذهب الفقه إلى اعتبار الرضا تصرف قانوني تحكمه قواعد القانون الخاص، بينما يعتبره البعض تصرف قانوني تحكمه قواعد القانون العام، في حين يرى اتجاه ثالث أنه واقعة قانونية لا تصرف قانوني، في حين يرى البعض أنه تصرف قانوني يخضع أساسا لقانون الحق، لذا فهو يخضع تارة لأحكام القانون الخاص، وتارة أخرى لأحكام القانون العام، ويرجع إلى قانون العقوبات في حالتين، حينما ينص هذا القانون صراحة على حكم خاص بشأن الرضا، وهنا يطبق النص الجنائي مباشرة، والثانية حينما يخلو القانون الخاص من حكم ينظم الرضا في بعض جزئياته، وهنا يستنبط الحكم من المبادئ العامة لقانون العقوبات، وهو ما يتعلق بالسن مثلا، ففي الحالة التي يحدد فيها قانون العقوبات السن المشترطة يعمل بأحكامه، لكن إذا تضمنها النص الخاص المتعلق بالرضا فيحكمه السن القانوني التي نظمها هذا النص، ورغم الخلاف السابق، فإنه يمكن القول بأن الرضاء في قانون العقوبات، عنصر من عناصر قيام الجريمة، حيث أن اشتراط الجريمة للقوة أو العنف أو الخلسة أو دون الرضا، يعني بداهة في حال توفر الرضا تنتفي هذه العناصر وبالتالي لا تقوم الجريمة، مما يجعلنا نقول وبنوع من التحفظ، أنه حتى في القانونين التي لا تنص صراحة على الرضاء كسبب من أسباب الإباحة، فهو ضمنيا سبب أو عنصر يمنع من قيام الجريمة متى تمت الإشارة إليه، لكن في هذه الحالة الفعل يباح لا لأنه ارتبط بسبب من أسباب الإباحة، وإنما لتخلف عنصر من عناصر الجريمة.
الفرع الثاني
الجرائم التي ينتج فيها الرضا أثره المبيح
هي مسألة من أدق المسائل الجنائية، واتفق الرأي على أن الرضا لا ينتج أثره بالنسبة لكافة الجرائم، وإنما يقتصر أثره على طائفة محدودة منها، وهو ما نتناوله في نقطة، لنتناول في الثانية شروط الرضا المبيح للفعل. لنتناول في الثالثة حقيقة الرضا كفعل مبيح للجريمة.
أولا: الجرائم التي يعتد بالرضاء فيها
وهي الجرائم التي يكون فيها العدوان منصبا على حق يقبل التصرف فيه، مما يعني أن اثر الرضا يتوقف على طبيعة الحق، وهي الحقوق التي لا تكون فيها منفعة مباشرة للمجتمع وإنما حقوق تقرها الدولة وتحميها لصالح صاحبها، بقصد تمكينه من الانتفاع بها، غير أن المسألة تحتاج إلى تبيان معيار يعمل في الحياة الواقعية، لذا كان الاتفاق أنه لا أثر للرضا في الجرائم التي تقع مباشرة على حق من الحقوق الخالصة للمجتمع، كالصحة العامة والأخلاق العامة أو الجرائم الماسة بالدين، ولا أثر للرضا في الجرائم التي تقع على الدولة، ولا تلك الواقعة على الأسرة، لتبقى باقي الجرائم الأخرى التي يتعين فيها البحث عن طبيعة الحق، ومنها الحقوق المالية وغير المالية، وهناك اتفاق بخصوص الحقوق المالية التي تقبل التصرف فيها عن طريق الرضا، كرضاء الشخص بقطع الأشجار لبناء جاره عليها، في حين الحقوق غير المالية التي تتصل بذات الإنسان أي بعناصر شخصيته، والتي تسمى بالحقوق الشخصية أو اللصيقة بالشخصية، والمنقسمة إلى ثلاث مجموعات، حقوق تتصل بالكيان المادي للشخصية– مثل الحق في الحياة والحق في سلامة البدن-، وأخرى بالكيان المعنوي لها- الحق في الشرف والعرض والعفة وحرمة الحياة الخاصة والمراسلات والمكالمات والمسكن-، والثالثة تتصل بنشاط الشخصية ذاتها- والتي تضم مجموعة من الحريات، مثل حرية التنقل وحرية الاعتقاد وحرية العمل والتعبير...-، والأصل في هذه الحقوق أنها غير قابلة للتصرف فيها كونها من لوازم الشخصية غير القالبة للانفصال، وبالتالي لا مجال للرضا في الحق في الحياة، بينما يمكن في بعض الحقوق الأخرى أن يتم المساس بها سواء عن طريق الاتفاق، مثل عقد الزواج، أو عقد العلاج إذ يبيح القانون للطبيب الاطلاع على عورة المرأة، كما أنه قد يعتد بالرضا حتى في مسائل هتك العرض والعلاقات الجنسية أو الوقاع، والرضا بالتفتيش وإباحة إفشاء السر، وكشف المراسلات والأحاديث الخاصة.
غير أنه من بين الحقوق الأكثر إثارة للجدل، هو الحق في سلامة البدن، كونه حق للمجتمع مثلما هو حق للفرد، لذا فقدرة الشخص على التصرف في بدنه محدودة للغاية، لذا فهناك مجالات يعتد فيها بالرضا مثل العلاج والتجميل كونها تصرفات تحقق نفعا للشخص وللمجتمع، لكن الإشكال حينما يقرر الشخص التصرف في بدنه تصرف ينتقص من كفاءة الجسم، وهنا اتفق الفقه أنه تصرف جائز بشرط ألا يكون يهدد الحق في الحياة أو المساس بنحو خطير أو دائم بالحق في سلامة الجسد، على نحو يهدد بعدم قدرته على أداء وظيفته الاجتماعية على الشكل المعهود، لذا يجوز للشخص التصرف بالهبة أو البيع لعضو من أعضائه مما لا يعرض فقدها جسم الإنسان للخطر[9].
ثانيا: شروط الرضا المبيح
بما أن الرضا موقفا إراديا، لذا بحثت مسألة ما إن كان يكفي فيه أن يكون ضمنيا أو صراحة، بين نظريتين إحداهما سميت الاتجاه المجرد للإرادة والأخرى سميت نظرية إعلان الإرادة، غير أن الغالبية رأت أنه يمكن للرضا أن يكون ضمنيا، بل أنه يصح أن يكون مفترضا، وهي الظروف التي يستحيل فيها الإفصاح عن الرضا لكنه من المحقق أن الشخص لو كان حاضرا أو قادرا على الإفصاح لأعلن عن رضاه، لكن يجب أن تكتمل شروط الرضا حتى ينتج أثره كسبب مبيح، وهذه الشروط هي:
1- الصـــــفة:
وهو أن يصدر الرضا عن صاحب الحق، وهو الشخص المجني عليه في الجريمة، أو من كان مرشحا لأن يكون مجنيا عليه لولا رضاه، وإذا تعدد أصحاب الحق وجب رضائهم جميعا، فإذا رضي البعض دون البعض الآخر كان الرضا غير كاف ليكون سببا من أسباب الإباحة، لكن وإن كان الأصل أن يصدر الرضا من صاحب الحق نفسه، فإنه يجوز أيضا أن يصدر من نائبه، خاصة وأن الإنابة في التصرف في الحقوق المالية جائزة، سواء كانت الإنابة قانونية أو اتفاقية أو قضائية، غير أن الحقوق غير المالية فلا إنابة فيها بالنظر لطابعها الشخصي الشديد، عدا الحالات التي تكون فيها الفائدة التي تعود على صاحب الحق مؤكدة، مثلما هو الشأن بالنسبة للعمليات الجراحية بغرض الشفاء.
2- الأهلـــــية:
الرضا لا يمكن أن يعتد به إلا إذا كان صادرا من شخص آهل قانونا، والأهلية مناطها الإدراك والتمييز، وأن تسلم الإرادة من العيوب.
3- معاصرة الرضا للفعل:
يجب أن يكون الرضا قائما وقت إتيان الفعل، فإذا تراخى عنه كان عديم الأثر، حيث أن الفعل حينما اقترف كان غير مشروع فلا يقلبه الرضا اللاحق عملا مشروعا، وإذا تحقق الرضا قبل الفعل فيجب أن يظل قائما حتى يدركه الفعل، فإن رضا الشخص بإجراء عملية جراحية له ثم عدل فالطبيب الذي يجري له هذه العملية بعد العدول يعد مرتكبا لفعل غير مشروع.
ثالثا: حقيقة الرضا كسبب من أسباب الإباحة
ثار التساؤل عما إن كان الرضا سببا قائما ومستقلا بذاته من أسباب الإباحة، أم مجرد تطبيق من تطبيقات الإباحة الأخرى، وتوصل البعض أنه مجرد علاقة بين الرضا والإباحة، وحقيقة الرضا أنه تصرف قانوني يرتب للغير حق أو رخصة أو يفرض عليه واجبا، ومباشرة الحق أو أداء الواجب هو الذي يجعل الفعل مباحا، فرضا المريض بالعلاج أنشأ للطبيب حق في علاجه، ولجوء الشخص لقسم الشرطة هربا من خصوه هو الذي أنشأ لهم حق باحتجازه لتأمينه، وهو واجب عليهم يجعل من فعلهم مباحا، لذا فالرضا منظورا له بذاته لا يدخل ضمن أسباب الإباحة، بل هو مصدر للحقوق ونشأة بعض الواجبات، لذا الفقه رتب الإباحة على الرضا بغير وجود نص يقرره.
المطلب الثاني
حالــــة الضرورة
حالة الضرورة من النماذج الجديدة للتنازع بين المصالح المتعارضة، عندما يجد الشخص نفسه مضطرا لارتكاب جريمة لغاية حماية نفسه أو غيره من ضرر جسيم، مثل الأم التي تسرق لإعالة أولادها، وسائق السيارة الذي يصدم سيارة أخرى لتفادي دهس المارة، ومن يخرج عاريا للطريق العام تهربا من حريق شب بالمنزل، والطبيب الذي يجري عملية استعجاليه لمريض عجز عن أخذ رضائه.ويعالج البعض حالة الضرورة كسبب من أسباب الإباحة، كونها تستند للتضحية بحق رعاية لحق أكثر أهمية، مما يجدر معه إضفاء صفة الإباحة عليها. خاصة وأن شرعت لحماية مصلحة الغير أيضا وليست لمصلحة المضطر فقط، مما يعني إقرار لحماية الحق الأجدر بالحماية، وأن الفقه الفرنسي في مجمله يجعلها سببا من أسباب الإباحة، في حين الفقه المصري يرى أن المشرع المصري اعتبرها مانعا من موانع المسؤولية بالنظر لصيغة نص المادة 61 من قانون العقوبات. التي استهلت بعبارة " لا عقاب" وهو ما يعارضه البعض ويرى عدم ضرورة التقيد بعبارات النص. وحالة الضرورة كسبب من أسباب الإباحة قريبة جدا من حالة الدفاع الشرطي، إذ تتطلب شروطا في الخطر( المقابل لفعل العدوان في حالة الدفاع الشرعي)، وشروطا أخرى في فعل الضرورة ( المقابل لفعل الدفاع في حالة الدفاع الشرعي). وهو ما نبينه باختصار من خلال الفرعين التاليين.
الفرع الأول
الشروط المتطلبة في الخطر
حالة الضرورة تتطلب خطرا يحل بالشخص حتى يمكنه اللجوء لفعل الضرورة الذي يشكل في الأصل جريمة لرد الخطر السابق، لذا فالخطر الذي يبرر اللجوء إلى هذا الفعل المجرم، الذي يباح بسبب خصائص الخطر، يوجب أن يستجمع الأخير جملة من الشروط، هي التي نتناولها في النقاط التالية.
أولا: خطر جسيم
يشترط في الخطر الذي يبرر حالة الضرورة أن يكون خطرا جسيما، وهو ما لم يشترطه قانون العقوبات الفرنسي الجديد في المادة 122/7، وشرط الجسامة صفة موضوعية لصيقة بالخطر من حيث مساسه بالمصلحة المحمية، ويقدر القاضي في تقديره الظروف التي أحاطت بالمتهم في ظل الظروف الموضوعية التي أحاطت به، دون أن يشترط فيه أن يكون جريمة مثلما هو الشأن بالنسبة لحالة الدفاع الشرعي، لذا فيمكن أن يكون مصدر الخطر فعل إجرامي أو غير إجرامي، أو قد يكون واقعة طبيعية كالفيضان والزلزال وهبوب العواصف، أو خطر مادي مصدره الآلات الصناعية والتوصيلات الكهربائية
أو سبب نفسي كالجوع والمرض وخشية الفضيحة والعار[10].
ثانيا: خطر مهدد للنفس
المشرع المصري قدر بأن الأخطار المهددة للنفس هي الجديرة وحدها بالرعاية في حالة تصارعها مع المصالح الأخرى، لذا في مصر لا مجال لحالة الضرورة إذا كان الخطر مهددا للمال، مهما بلغت جسامة هذا الخطر، وهنا لا يجوز لربان السفينة إلقاء البضائع في البحر لإنقاذ السفينة من الغرق، على عكس التشريعات الأخرى مثل القانون السويسري والنرويجي والسوري واللبناني والأردني التي سوت بين الأخطار المهددة للنفس وتلك المهددة للمال، وأهمها المادة 122/7 من تقنين العقوبات الفرنسي.
ثالثا: خطــر حــــــال
وهو أن يعرض الخطر بطريقة حالة ومباشرة المصالح المحمية في قانون العقوبات للضرر، فلا يبرر حالة الضرورة الخطر المستقبلي ولا الخطر الذي انتهى، ويتحدد موضوع حيلولة الخطر وفقا لمعيار موضوعي كذلك الذي تناولناه في مجال الدفاع الشرعي، ويجب أن يكون خطر حال حقيقي لا توهمي وهنا كل ما يحدث انتفاء القصد الجنائي ويسأل الشخص عن جريمة غير عمدية إذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف، كمن يرى دخان يتصاعد من نافذة جاره فيكسر الباب ويتضح أنها اشتعلت بفعل أصحاب المنزل للشواء، وعلى عكس ذلك، يرى البعض قيام حالة الضرورة بالخطر الوهمي، غير أن أنصار هذا الاتجاه يصنفون حالة الضرورة من بين موانع المسؤولية ويستوي بعد ذلك المصلحة التي يهددها الخطر كأن يكون السمعة والشرف، كما يستوي أن يكون مصدره عمل الإنسان أو الطبيعة.
غير أن المشرع يشترط ألا يكون مصدر الخطر المتهم ذاته، وهو ما بينته المادة 61 من تقنين العقوبات المصري، التي تبعها الفقه على اعتبار حالة الضرورة مانع من موانع المسؤولية، غير أن البعض يرى أن ذلك لا يستقيم مع النظرة الصحيحة لحالة الضرورة كسبب من أسباب الإباحة، غير أن الخلاف لم ينحصر عند هذا الحد، بل امتد لمناقشة ما إن كان دور المتهم في إحداث الخطر عن عمد أو عن طريق الخطأ، فاتفق على أنه لا ضرورة في حالة العمد، كمن يشعل النار في مسرح ثم لينجو يدوس على طفل فيقتله، والقضاء الفرنسي ينفي حالة الضرورة حتى إن كان دور المتهم في إحداثها كان على سبيل الخطأ، في حين لا يوافق البعض ذلك، إذ يمكن إن تسبب الشخص بإهماله في إحداث خطر أن ينقذ مصلحة أجدر بالرعاية، مثل سائق السيارة الذي يسير بسرعة ولتفادي الاصطدام بسيارة تسير في الاتجاه المنعكس أن ينحرف يسارا ويصدم أحد المارة فيقتله، وربان السفينة الذي بإهماله توشك السفينة على الغرق لكن لإنقاذ نفسه والغير يلقي البضائع في البحر[11]. وبتوفر هذه الشروط في الخطر، يستوي أن يكون من تعرض له مرتكب الفعل الضروري أو غيره من الناس، ولا يشترط أن يكون هذا الغير من أقارب الجاني، بل يكفي مطلق الغير.
الفرع الثاني
الفـعل الضروري ( فعل الضرورة)
يشترط في الفعل الضروري الذي يرتكبه الشخص المضطر، مثلما يشترط في فعل الدفاع في حالة الدفاع الشرعي، وهما شرطي اللزوم والتناسب، وهما الشرطين الذين نتناول كل منهما في نقطة مستقلة.
أولا: شرط اللـــــــزوم
وهو أن يكون اللجوء إلى الجريمة التي تشكل الفعل الضروري التي يكون غرضها دفع الخطر الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف، إذ إن كانت أمامه وسيلة أخرى مشروعة لا يعد فعله ضروريا[12]، واللزوم يقاس بمعيار موضوعي يتعلق بالشخص العادي المحاط بنفس الظروف التي يوجد بها المضطر. ومن توفر لديه الهرب فيجب أن يسلكه ولا يلجا لارتكاب الجريمة، وهنا تختلف حالة الضرورة عن حالة الدفاع الشرعي، ويستوي أن تكون الجريمة اللازمة لدرء الخطر الذي يتهدد المضطر جريمة عمدية
أو جريمة غير عمدية، مثل سائق سيارة الإطفاء الذي يسير بسرعة لإنقاذ الناس فيصطدم بالغير، أو من يصعد بسيارته على الرصيف هروبا من دهس أطفال أمامه فيصدم شخصا آخرا[13]. بينما ترى محكمة النقض الفرنسية في هذا الشرط، أن تكون الجريمة هي أحسن وسيلة لتفادي الخطر، لا أن تكون الوسيلة الوحيدة. ويضاف لكل ما سبق ألا يكون الشخص ملزما قانونا بتحمل الخطر الذي يعترضه، مثل الجندي في ميدان القتال، ورجال البوليس في ممارستهم لمهامهم، والمتهم المقبوض عليه، والمحكوم عليه بالإعدام، وربان السفينة عندما تتعرض للغرق، فكل هؤلاء يتعرضون لخطر جسيم على النفس، ولكنهم ملزمين بتحمل هذا الخطر بحكم وظائفهم التي تقتضي بحكم طبيعتها التعرض لمثل هذه الأخطار[14].
ثانيا: شـــرط التناسب
حالة الضرورة تقتضي شانها شأن الدفاع الشرعي التناسب، سواء كان عاما وهي ارتكاب جريمة من حيث الجسامة بأنها الوحيدة الممكنة من بين الجرائم التي كان يمكن ارتكابها، أي لا يمكن للشخص النجاة من الخطر الذي يتهدده إلا بتلك الجريمة التي ارتكبها، ويتحدد هذا التناسب وفقا لمعيار موضوعي واقعي قوامه الشخص المعتاد الذي مر بنفس الظروف التي مر بها الجاني[15]. كما تشترط حالة الضرورة أيضا التناسب الخاص، في الحالات التي يلجا فيها لجريمة القتل، فهنا لا يجب أن يحدث الجاني ضررا يفوق الضرر الذي أراد تجنبه، على عكس التناسب الخاص في مجال الدفاع الشرعي، فالطبيب الذي يجري عملية جراحية لولادة عسيرة ليس له أن يضحي بحياة الأم لينقذ الجنين، ولا يجوز لشخص ينحرف بسيارته لتجنب قتل شخص أن يقتل عدد أكبر من الأشخاص[16]. وتدق المسألة بخصوص مدى توفر حالة الضرورة في حالة قتل إنسان لأجل إنقاذ حياة إنسان آخر، فهنا يرى البعض أنه في حالة تساوي المصالح يجب تفضيل مصلحة البريء الذي لم يصدر عنه أي خطر، مثل حالة من أراد تجنب صدم أحد المارة فيصدم الآخر، ولا يجب أن يقتل الشخص غيره لإنقاذ حياته[17].
وفي حالة تجاوز الضرورة يعتبر الشخص مرتكبا لجريمة عمدية إذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف، وإذا كان التجاوز مبنيا على أسباب معقولة انتفت كل مسؤولية، وغن كان التجاوز عمديا اعتبر المتجاوز مسؤول مسؤولية جنائية كاملة.
هذا وبعد ان تناولنا في فصلين متتاليين الركن الشرعي للجريمة، وأسباب الإباحة كأسباب تنفي هذا الركن أصلا وتعطل مفعوله، سنتناول في الفصل الموالي، أهم ركن من أركان الجريمة، ألا وهو الركن المادي على اعتبار الجريمة أفعال وسلوكات نهى عنها النص القانوني، أي الركن المادي تجسيد للركن القانوني.
الفصل الثالث
الركن المادي للجريمة
الركن المادي للجريمة يقصد به تطابق الفعل الذي أتاه الجاني مع النموذج القانوني للجريمة، كون القانون يحدد أركان وشروط الجريمة وبها يتحدد النموذج القانوني لها، أو المظهر القانوني لها، ليأتي المظهر المادي الذي يتحدد بالواقعة التي حدثت في العالم الخارجي من قبل الجاني، ويشترط فيه أن يتطابق مع المظهر القانوني الذي بينه المشرع. لذا فالركن المادي للجريمة، هو وجهها الخارجي الظاهر، وبه يتحقق الاعتداء على المصلحة المحمية قانونا، وعن طريقه تقع الأعمال التنفيذية للجريمة، إذ لا وجود لقانون عقوبات في الدول الديمقراطية يعاقب على مجرد النوايا. فكل جريمة لا بد لها من ماديات تتجسد فيها الإرادة الإجرامية لمرتكبها، فالقانون الجنائي على عكس قواعد الأخلاق ليس له سلطان على ما في ضمائر الناس من أفكار شريرة ومن نوايا إجرامية، حتى ولو وصلت مرحلة عقد العزم والتصميم ما لم تخرج لعالم الماديات التي تجسد هذه النوايا وتصبح تعرض المصالح والحقوق للأخطار، فهنا يتصدى لها القانون الجنائي يعاقب عليها. وبالتالي الركن المادي هو ما يدخل في البناء القانوني للجريمة من عناصر مادية ملموسة يمكن إدراكها بالحواس.
أهمية اشتراط الركن المادي لقيام الجريمة:
إن أهمية اشتراط المشرع للركن المادي للجريمة، تكمن أساسا في كونه الركن الذي يجسد ما يعرف بمبدأ " مادية الجريمة Le Principe de la matérialité de l’infraction"، فالقانون الجنائي لا يهتم بالبواطن والنوايا، وإنما يهتم فقط بالظاهر المادي الملموس، وهو أمر لا يخلو بأي حال من الأحوال من فعالية قانون العقوبات وتحقيقه للعدالة المنشودة، فمن العدالة ألا يحاسب الأفراد على نواياهم، متى لم تتجسد في نشاط مادي خارجي ملموس يلحق أضرارا بالمصالح المحمية قانونا، أو مجرد تهديدها بأخطار، مهما كانت هذه النوايا والنوازع حافلة برغبة مخالفة القانون – كون قانون العقوبات يحمي الحقوق والمصالح من الاعتداءات الفعلية الواقعة عليها، أو مجرد تهديدها أي احتمال الإضرار بها-.
كما انه ليس من الجدوى والفعالية تجريم النوايا والعقاب عليها، كون هذه النوايا ليست ضارة في حد ذاتها، بل أن تجريمها قد يشجع الأفراد على تجاوز مرحلة النوايا والإقدام فعلا على ارتكاب الأفعال، متى كانوا في الحالتين معرضين لعقاب القانون، مما يجعل عدم العقاب على النوايا يعد في حد ذاته ضمانة من الضمانات المكرسة لحقوق وحريات الأفراد[18].
وتظهر أهمية اشتراط الركن المادي أيضا، في تسهيل عملية إثبات الجريمة، لأنه إن كان من اليسير إثبات وقوع ماديات الجريمة، التي تجسدت في أفعال خارجية ملموسة أحدثت أثارا في العالم الخارجي،
أو على الأقل يمكن إدراكها بالحواس حتى وإن لم تصل لحد ترتيب آثارها، فإنه من العسير جدا إثبات النوايا، في الحالات التي يرتأى فيها المشرع تجريم هذه النوايا، وبذلك يكون القانون منفذا لإفلات الجناة من العقاب[19]. وقانون العقوبات في غالب الأحوال لا يشترط مجرد السلوك، بل يتطلب تحقق نتيجة معينة تكون أثرا لهذا السلوك، وأن يكون الأخير مسببها، لذا فالركن المادي للجريمة التامة يتحلل في العادة إلى ثلاثة عناصر، هي: السلوك، النتيجة، وعلاقة أو رابطة سببية تربط بين هذا السلوك والنتيجة التي تحققت، وهو ما الوضع العادي والمألوف للجرائم التامة ، غير أن هذه العناصر قد لا تتحقق مجتمعة ومع ذلك يتدخل المشرع بالعقاب، وذلك في الحالات التي يأتي فيها الشخص بالسلوك إلا أن النتيجة تتخلف، وهو ما يسمى بالشروع أو المحاولة، وهو موضوع بحث في المبحث الثاني، كما أن الوضع العادي والمألوف للجرائم أن فعلا واحدا مجرما يسهر على تنفيذه فاعل واحد، غير أنه يمكن أن تتضافر جهود العديد من الأشخاص لاقتراف الفعل، وفي هذه الحالة نكون أمام مشروع إجرامي لأطراف متعددة، وهي صورة خاصة من صور الركن المادي للجريمة، وتسمى بالمساهمة الجنائية أو الاشتراك، الذي يكون موضوع بحث في المبحث الثالث.
.
المبحث الأول
تحليل الركن المادي للجريمة
عناصره في حالة الجريمة التامة
الركن المادي للجريمة، وفي غالبية الجرائم، يتحلل – مثلما سبق القول- إلى ثلاثة عناصر، هي السلوك سواء تمثل في فعل أو مجرد امتناع، ونتيجة يكون سبب حدوثها هذا السلوك، سواء كانت نتيجة مادية يمكن إدراكها في العالم الخارجي أو مجرد نتيجة بالمفهوم القانوني، وأن ترتبط هذه النتيجة برابطة أو صلة أو علاقة سببية، بمعنى أن يكون السلوك سبب في حدوث وتحقق النتيجة، والعناصر الثلاثة السابقة، هي العناصر العامة للركن المادي لكل جريمة تامة وقعت طبقا للنموذج القانوني أو التشريعي المرسوم لها من قبل المشرع، مع ملاحظة أنه هناك من الجرائم ما لا يشترط فيها المشرع تحقق نتيجة معينة، أي لا تعد النتيجة عنصرا لازما في ركنها المادي، وهي ما تعرف بجرائم السلوك المجرد أو السلوك المحض، كما تسمى أيضا بالجرائم الشكلية، كجريمة حيازة سلاح بدون ترخيص، ومثل هذا النوع من الجرائم يقوم على مجرد إتيان السلوك المجرم، دون اشتراط ترتب نتيجة عليه.
كما أنه هناك جرائم يتطلب البناء القانوني لركنها المادي ، وبالإضافة للعناصر العامة الثلاثة السابقة، عناصر أخرى خاصة تستخلص من نص التجريم ذاته، والتي يتوقف على توفرها اكتمال الجريمة قانونا من الناحية المادية، من أمثلة هذه العناصر الخاصة، ما يتعلق بمحل العدوان الذي ينصب عليه السلوك، مثل الإنسان الحي في جريمة القتل ( المادة 254 قانون عقوبات جزائري)، والمال المملوك للغير في جريمة السرقة ( المادة 350 قانون عقوبات جزائري)، والمحرر المكتوب في جريمة التزوير ( المادة 214 وما بعدها من قانون العقوبات). وقد يتعلق العنصر الخاص بصفة في الشخص، سواء كان جاني أو مجني عليه، ومن أمثلة الصفة المتطلبة في الجاني، صفة الموظف في جريمة الرشوة، وجريمة الاختلاس[20]، وصفة الزوج أو الزوجة في جريمة الزنا ( المادة 339)، ومن العناصر الخاصة المشترطة في المجني عليه، القاصر ( المادة 236 وما بعدها)، وصفة الموظف أو الهيئة النظامية في جرائم الإهانة والتعدي على الموظفين ومؤسسات الدولــة ( المادة 144 وما بعدها)، وترك الأطفال والعاجزين ( المادة 314 وما بعدها)... وقد ينصب العنصر الخاص بالوسيلة المستعملة في ارتكاب الجريمة، مثل السرقة باستعمال السلاح ( المادة 351 ق ع ج) ، وجريمة القتل بالتسميم ( المادة 260 ق ع ج). كما قد يتعلق العنصر الخاص بزمان أو مكان ارتكاب الجريمة، ومن أمثلة اشتراط زمن معين في بعض الجرائم، الجرائم التي ترتكب في زمن السلم ( المادة 74 وما بعدها)، ومن أمثلة الجرائم التي تتعلق بالمكان، جريمة القذف التي تشترط العلنية في مكان عام ( المادة 296)، وجريمة السكر العلني، والمخالفات المتعلقة بالطرق العمومية ( المادة 444 مكرر وما بعدها). غير أن موضع دراسة هذه الأركان الخاصة هو القسم الخاص لقانون العقوبات، لذا تنحصر دراستنا في هذا الموضوع على العناصر العامة للركن المعنوي فقط، ونتناول كل منها في مطلب مستقل من المطالب الثلاثة التالية.
المطلب الأول
السلوك الإجرامي ( أو الجرمي أو المجرم)
مبدأ: السلوك مادة الجريمة وأداة مخالفة القانون
يعد السلوك الإجرامي من أهم مكونات الركن المادي للجريمة، وأكثر هذه العناصر إفصاحا عن مخالفة الجاني لأوامر ونواهي قانون العقوبات، ويعرف السلوك باختصار، بأنه ذلك التصرف أو الفعل
أو الموقف الذي إذا أتاه الشخص عوقب، لذا كان من الطبيعي أن يحدد سلوك كل جريمة من قبل المشرع تطبيقا لمبدأ الشرعية الجنائية، لأن الجرائم أفعال تطبيقا لمبدأ " لا جريمة دون فعل"[21]، وهو الفعل الذي قد يكون إيجابيا يأتيه الشخص بالمخالفة لنواهي قانون العقوبات، وقد يكون سلبيا يأتيه الشخص بالمخالفة لأوامر هذا القانون، وهما صورتا السلوك المؤثم قانونا، الأولى – الفعل الإيجابي- وهي الصورة الشائعة التي تستوعب غالبية الجرائم، والثانية – السلوك السلبي- أقل مقارنة بالأولى، وتسمى الجرائم في هذه الحالة بالجرائم السلبية أو جرائم الامتناع وأحيانا جرائم الترك، وهي قلة قليلة مقارنة بالجرائم الإيجابية أو جرائم الفعل. لذا سنحاول أن نتناول صورتي السلوك من خلال الفرعين التاليين.
الفرع الأول
السلوك الإيــجابي ( الفعـــــــل)
وهي صورة من السلوك المشكلة للركن المادي لغالبية جرائم قانون العقوبات، ويسميها الفقه أيضا:
" النشاط" أو "السلوك"، ويتمثل في الغالب في حركة أو مجموعة حركات عضوية إرادية تحدث تغييرا في العالم الخارجي الملموس، ويكون السلوك فعلا إذا استخدم فيه الجاني أعضاء جسمه، كما لو استعمل يديه في الضرب أو القتل، أو لسانه في جريمة القذف أو السب أو التهديد الشفوي أو تحريض الغير على ارتكاب الجرائم، أو استعمال رجله في جريمة التعدي على الملكية العقارية واغتصابها واحتلالها، لذا فمن أهم خصائص السلوك الإيجابي هي:
أولا: السلوك الإيجابي حركة أو عدة حركات عضوية
السلوك الإيجابي أو الفعل، يعد عبارة عن حركة أو مجموعة حركات عضوية، يأتيها الجاني لتنفيذ جريمته، فقد تكون حركة واحدة كتوجيه ضربة للمجني عليه أو إطلاق رصاصة عليه، أو توجيه إهانة واحدة له، أو مجموعة حركات عضوية تستند إلى قرار جرمي واحد، كاستمرار الجاني في طعن المجني عليه بعدة طعنات متتالية، أو إطلاق العديد من الرصاصات نحوه، في حين السلوك السلبي أو الامتناع فهو إحجام عن الحركة، في أوضاع كان يتعين على الشخص إتيانها، وتسمى الجرائم التي تقع بالسلوك الإيجابي بالجرائم الإيجابية، في حين تسمى الجرائم التي تتحقق بالامتناع، بالجرائم السلبية.
ويجب أن تكون الحركة أو مجموعة لحركات العضوية، عبارة عن حركات مادية مصدرها عضو من أعضاء جسم الإنسان، دون اعتداد في ذلك – في غالبية الأحوال- بالوسيلة المستعملة في تحقيق هذا السلوك، على اعتبار أن الوسيلة ذاتها، تسيرها الحركة الصادرة عن عضو الإنسان[22].
.
ثانيا: السلوك حركة إرادية هادفة لتغيير وضع قائم
يشترط في السلوك الإيجابي، زيادة على كونه حركة أو مجموعة حركات عضوية مادية صادرة عن عضو أو أكثر من أعضاء جسم الإنسان، أن تكون القوة الدافعة لهذه الحركة هي الإرادة، بمعنى أن تكون الحركة إرادية صادرة عن وعي وإدراك وحرية اختيار، وبعبارة أخرى يشترط أن تكون هناك صلة نفسية بين الحركة والإرادة، كون الحركة اللاإرادية حتى وإن ترتب عنها النتيجة المجرمة قانونا، إلا أن مسؤولية الشخص عنها منتفية، والإرادة هذه يجب أن تهدف إلى تغيير وضع قائم، والمقصود بذلك أن يكون هذا التغيير متمثلا في الاعتداء أو الإضرار أو مجرد احتمال التهديد للمصالح والحقوق المحمية بموجب قانون العقوبات.
الفرع الثاني
الســـلوك السلبي
( الترك أو الامتناع أو عدم الفعل[23] )
القانون الجنائي لا يعاقب فقط على السلوكات الإيجابية المتمثلة في حركة أو مجموعة حركات عضوية مادية إرادية – وإن كان ذلك الأصل-، بل هو يعاقب أيضا على بعض التصرفات والسلوكات السلبية الضارة، وذلك كاستثناء، والسلوك السلبي يتمثل في موقف سلبي يتخذه الشخص إزاء قاعدة قانونية تطالبه بالقيام بعمل ما، فيمتنع عن القيام به، أو يقوم بعمل مضاد للعمل الذي أمرت به القاعدة القانونية، لذا فالامتناع بدوره عبارة عن عمل إرادي واعي مصدره الإرادة الحرة المختارة لا مجال فيه للقول بقيام المسؤولية الجنائية للممتنع في حال ما إذا دفعته قوة قاهرة أو أكره عليه.
ومن أمثلة جرائم الامتناع في قانون العقوبات الجزائري، امتناع الشاهد عن الحضور أمام الجهات القضائية الجزائية ( المادة 89 من قانون الإجراءات الجزائية بخصوص الامتناع عن الحضور أمام قاضي التحقيق، والمادة 222 من ذات القانون بخصوص امتناع الشاهد عن الحضور أمام جهات الحكم الجزائية، والمادة 299 من ذات القانون بخصوص امتناع الشاهد عن الحضور أمام محكمة الجنايات)، وامتناع الموظف عن تطبيق ما أمر به القانون ( المادة 109 قانون عقوبات)، وامتناع الشخص الذي يعلم بالشروع في ارتكاب جناية أو وقوعها ولا يخبر السلطات المختصة بها فورا ( المادة 181 ق ع ج).
وفي كل هذه الحالات نكون أمام جرائم امتناع، لأن النص الجنائي ألزم الشخص بالقيام بعمل معين تحت طائلة توقيع جزاء جنائي ولم يقم به، لذا فجرائم الامتناع عبارة عن جرائم محددة العناصر في النصوص الجزائية، تطبيقا لمبدأ الشرعية الجنائية، لذا فلا يجوز اللجوء للتفسير الواسع ولا القياس فيها، والقانون في العادة ما يعاقب على مجرد السلوك السلبي فيها، دون أن يشترط تحقق نتيجة معينة تترتب عن هذا الامتناع، مما يجعل غالبيتها من جرائم السلوك المحض. غير أن الفقه أوجد طائفة جديدة من الجرائم سماها جرائم السلوك بالترك، أو الجرائم الإيجابية التي تقع بجريمة امتناع، أين يكون السلوك مجرد امتناع لكنه يقترن بتحقق نتيجة مادية معينة، مثل امتناع الطبيب عن القيام بعلاج المريض مما يؤدي لموت المريض، أو امتناع الأم عن إرضاع ابنه مما يؤدي إلى إهلاكه.
المطلب الثاني
النتيجة الإجرامية ( أو المجرمة)
يقصد بالنتيجة كأحد العناصر المكون للركن المادي للجريمة، الأثر الطبيعي المترتب عن السلوك المجرم قانونا، وهو المفهوم المادي للنتيجة المتمثل في وجود أثر مادي أو تغير يحدث في العالم الخارجي الملموس، في حين المفهوم القانوني للنتيجة، فيتمثل في الاعتداء على المصالح والحقوق المحمية قانونا.
وقد يظهر أن النتيجة أمر لا ينفصل عن السلوك المادي، بحيث يقوم الجاني بعمل واحد تعد النتيجة آخر حلقاته، غير انه في الواقع، النتيجة تعد العنصر الثاني المستقل والمنفصل من عناصر الركن المادي للجريمة، وما يدل على ذلك تمييز المشرع بين الجريمة التامة ومجرد الشروع- وهو موضوع دراسة مستقلة لاحقا- فلو كانت النتيجة عنصرا ملازما للسلوك لما قام المشرع بهذه التفرقة، ولما كانت هناك أصلا حاجة للعقاب على الشروع، ما دامت النتيجة ملازمة للسلوك، لذا فالسلوك أمر مستقل عن النتيجة. لذا فالنتيجة عنصر من عناصر الركن المادي، يتمثل في التغيير الذي يحدثه السلوك في العالم الخارجي الملموس، والذي قد يكون أثرا ماديا، مثل حدوث الوفاة في جريمة القتل، والاستيلاء على مال الغير في جريمة السرقة، وقد يكون مجرد أثر نفسي، مثلا كالحط من قيمة ومكانة الشخص في وسط أقرنائه في المجتمع كجرائم القذف والسب، لذا نرى أن النتيجة المعتد بها قانونا، ليست النتيجة الواقعية التي حدثت في العالم الخارجي، أو ما يعتبره المجني عليه أنه نتيجة أضرت به، وإنما النتيجة هي ما يعتد به القانون ويعتبره تغييرا قانونيا.
والنتيجة عنصر لازم في معظم الجرائم، خاصة تلك التي يرتب فيها المشرع على تحقق النتيجة أحكام قانونية، تتعلق أساسا بالشروع والاشتراك والقصد الجنائي، غير أن النتيجة قد لا تكون عنصرا لازما في الركن المادي لبعض الجرائم، التي تقوم ويكتمل ركنها المادي بمجرد إتيان السلوك، وتسمى الجريمة في هذه الحالة، بالجريمة الشكلية أو جرائم الخطر أو جرائم السلوك المحض، مقارنة بالجرائم المادية أو جرائم الضرر، التي تتطلب نتيجة[24]. لذا نرى بأن دراسة فكرة النتيجة كعنصر عام وهام في الركن المادي للجرائم، تقتضي منا تناول موضوع التفرقة بين النتيجة المادية والنتيجة القانونية، وذلك في فرع، لنتناول في الثاني التمييز بين الجرائم المادية ذات النتائج، والجرائم الشكلية التي لا يشترط فيها المشرع تحقق نتيجة معينة.
الفرع الأول
التمييز بين النتيجة المادية والنتيجة القانونية
النتيجة بين المفهوم المادي والمفهوم القانوني[25]:
النتيجة عموما هي الأثر الطبيعي الذي يتمخض عن السلوك ويعتد به القانون، وهو التعريف الذي يشتمل على ثلاثة عناصر، أن النتيجة أمر واقعي له وجود خاص وذاتية مستقلة، وهي في حقيقة الأمر تتميز عن السلوك مهما كانت مرتبطة به، والقانون أحيانا قد يتطلب حدوث نتيجة معينة، وأحيانا يكتفي بالنص على صلاحية السلوك لإحداثها، أما العنصر الثاني للنتيجة فهو ارتباطها بالسلوك برابطة سببية، وهي الرابطة
أو العلاقة التي تعد بالغة التعقيد والأهمية، والعنصر الثالث هو اعتداد القانون بالنتيجة، إذ الفعل الواحد قد يرتب نتائج متعددة، وهي النتائج التي قد تولج نتائج أخرى، غير أن القانون يهتم بالبعض دون البعض الآخر، والمشرع قد يجعل بعض النتائج عنصرا لازما لوقوع الجريمة والبعض الآخر من نتائجها المشددة، أو ظرفا مؤثرا في عقوبتها فحسب، مثال الأول حدوث الوفاة في جريمة القتل، ومن أمثلة الثانية العاهة المستديمة في جريمة الضرب، وفي هذا المقام تهمنا النتيجة كعنصر لا كظرف، غير أن النتيجة تعد أحيانا من عناصر الجريمة إذ لا تقوم هذه الأخيرة دونها، في حين قد يكتفي المشرع بالسلوك وحده في بعض الأحيان، وفي هذا الصدد قسمت الجرائم حسب الفقه، إلى جرائم نتيجة وجرائم سلوك محض.
أولا: المفهوم المادي للنتيجة
النتيجة بالمفهوم المادي تتحقق بكل تغيير يحدث في العالم الخارجي كأثر للنشاط الإجرامي[26]، ووفقا لهذا المفهوم للنتيجة أهمية قانونية في موضوعين، الأول بخصوص اكتمال الجريمة وتمامها، والثاني كمعيار لتحديد العقوبة، ووفقا للأهمية الأولى تقسم الجرائم على جرائم مادية ذات نتيجة، وأخرى شكلية كل ما تتطلبه مجرد السلوك، وهو ما نبينه في الفرع الثاني. بعد أن نتناول المفهوم القانوني للنتيجة.
ثانيا: المفهوم القانوني للجريمة
وهي النتيجة المتمثلة في العدوان على الحق أو المصلحة المحمية قانونا، سواء تمثل هذا العدوان في إصابتها بضرر أو مجرد تعريضها للخطر، لذا فهي وفقا لهذا المفهوم، لا تعد تغييرا في العالم الخارجي يمكن للحس أن يدركه ويميز بينه وبين سلوك الجاني، وإنما هي تقدير قانوني للسلوك أو حكم على هذا السلوك من وجهة نظر المشرع، وبهذا المفهوم النتيجة موجودة في كل جريمة، كون كل جريمة تقوم على سلوك، في حين المفهوم المادي للنتيجة المقابل للمفهوم القانوني هو ما يترتب عن السلوك من اثر مادي في العالم الخارجي المحسوس.
الفرع الثاني
التمييز بين الجرائم المادية والجرائم الشكلية
( الجرائم ذات النتائج والجرائم ذات السلوك المجرد المحض)
سبق القول بأنه ليست كل الجرائم مما يتطلب فيها المشرع تحقق نتيجة مادية تحدث تغييرا ملموسا في العالم الخارجي، بل هناك من الجرائم ما يقوم ركنها المادي على مجرد إتيان السلوك بغض النظر عما إن رتب هذا السلوك نتيجة من عدمه، وبناء على ذلك تنقسم الجرائم من هذه الوجهة، إلى جرائم مادية ذات نتائج، وجرائم شكلية ذات سلوكات فقط، لذا سنحاول أن نتناول معنى النوعين كل في نقطة، لنتناول في نقطة مستقلة أهمية التفرقة بين النوعين
أولا: الجرائم المادية
الجرائم المادية، هي جرائم يتطلب المشرع فيها أن يترب السلوك نتيجة مادية كأثر ملموس في العالم الخارجي المحسوس، أو على الأقل مجرد احتمال حصول هذه النتيجة كأثر مباشر عن السلوك، مثلما هو الشأن بالنسبة لجرائم الشروع، وهذا النوع من الجرائم هو الأكثر شيوعا في القوانين العقابية، إذ غالبية الجنايات والجنح تشترط وقوع نتيجة كأثر مباشر عن السلوك المجرم، سيما في السلوكات الإيجابية. لذا يسمى هذا النوع من الجرائم أيضا " الجرائم ذات النتائج"، أو " جرائم الضرر"، لأن النتيجة في حقيقتها ضرر أصاب مصلحة أو حق محمي قانونا، حتى وغن تجسد هذا الضرر في مجرد احتمال أو تهديد مثلما هو الأمر بالنسبة لجرائم الشروع.
ثانيا: الجرائم الشكلية
في مقابل الجرائم المادية ذات النتائج، توجد هناك جرائم شكلية لا يشترط المشرع لقيامها حدوث نتيجة كأثر مباشر مترتب عن السلوك المجرم، لذا فهي تسمى أيضا " جرائم السلوك المحض" أو " جرائم السلوك المجرد"[27]، ومن أمثلة هذه الجرائم، عرض الرشوة على موظف عام، تزوير أو تزييف النقود دون ترويجها، تزوير الأوراق دون استعمالها، حيازة الأسلحة بدون ترخيص ودون أن تستعمل في ارتكاب جرائم، حمل الأوسمة أو ارتداء الأزياء الرسمية بدون وجه حق.
ثالثا: أهمية التفرقة بين الجرائم المادية والجرائم الشكلية
للتفرقة بين الجرائم المادية والجرائم الشكلية، أهمية قانونية بالغة الآثار، وذلك بالنظر للنتائج القانونية المترتبة على هذا التمييز أو هذه التفرقة، خاصة بخصوص علاقة السببية، وفي مجال الشروع، وبخصوص العدول الاختياري. فبخصوص العلاقة السببية، لا مجال للبحث عنها في مجال الجرائم الشكلية، فهي صلة أو رابطة متطلبة فقط في الجرائم المادية ذات النتائج، كونها علاقة أو رابطة تفترض أصلا وجود عنصرين، هما السلوك والنتيجة، وتكون هي الرابط بين هذين العنصرين، وإن كان يجب قيامها وإثباتها في مجال قيام الركن المادي في الجرائم المادية ذات النتائج، فالأمر غير ممكن بخصوص الجرائم الشكلية، وذلك لانعدام النتيجة التي يبحث عن علاقتها بالسلوك، إذ هذا الأخير كاف لوحده لقيام الركن المادي.
وأما بخصوص الشروع – الذي سيكون موضوع دراسة مفصلة- فلا يمكن تصوره في الجرائم الشكلية، إذ السلوك المجرم إما أن يأتيه الشخص وإما أن لا يأتيه إطلاقا، على عكس الجرائم المادية ذات النتائج فهي جرائم تشكل مجالا خصبا لجرائم الشروع، هذه الأخيرة التي تتمثل في إتيان السلوك في بعضه
أو في كله من قبل الجاني، وبالرغم من ذلك لا تتحقق النتيجة لظرف أجنبي خارج عن إرادة الجاني.
وأما بخصوص العدول الاختياري، وهو فكرة قانونية تتعلق بنظرية الشروع، فلا يمكن تصوره إلا في الجرائم المادية ذات النتائج، دون الجرائم الشكلية ذات السلوك المجرد، كون العدول يفترض البدء في تنفيذ الفعل والتوقف قبل تحقق النتيجة، وبالتالي عدم تحقق النتيجة معيار القول بوجود العدول الاختياري من عدمه، وما دامت النتيجة غير موجودة في الجرائم الشكلية فلا مجال للقول فيها لا بالشروع ولا بالعدول الاختياري، فالجريمة الشكلية إما أن تقع تامة وإما ألا تقع إطلاقا.
المطلب الثالث
علاقة ( صلة أو رابطة) السببية
Le lien de causalité
مؤدى التصور القانوني لعلاقة السببية، هو أنه لكي يكتمل البنيان القانوني للركن المادي للجريمة، لا بد أن يرتبط السلوك، فعلا كان أو امتناعا، بالنتيجة المحظورة التي تحققت، أي ارتباط السبب بالمسبب[28]، وبعبارة أخرى، يجب أن يكون السلوك مسبب النتيجة، فإن أمكن رد هذه النتيجة إلى عامل آخر غير السلوك الذي أتاه الجاني، انقطعت الصلة السببية وانتفت مسؤولية الجاني عن النتيجة التي تحققت، لذلك، وحتى يسأل الشخص يجب أن يكون سلوكه سبب حدوث النتيجة المحظورة قانونا، إذ المنطق واعتبارات العدالة تقتضي مسائلة الشخص فقط عن النتائج التي كانت ثمرة أفعاله المحظورة، لا النتائج التي كانت ثمرة عامل أو عوامل أخرى.
ويجب ألا نخلط بين صلة السببية التي تعد من عناصر الركن المادي للجريمة، وبين النية الإجرامية التي تعد من عناصر الركن المعنوي للجريمة – في بعض الحالات الضيقة-، حيث هذه الأخيرة عبارة عن مسألة نفسية أو شخصية، تتعلق بالموقف النفسي للجاني من النتيجة التي تحققت، وما إن كان يريدها أم لا، في حين صلة السببية من الأفكار الموضوعية اللصيقة بماديات الجريمة لا بجوانبها النفسية أو المعنوية.
غير أنه في الواقع توجد حالات يتضح فيها بما لا يدع مجالا للشك، أن الفعل الذي أتاه الجاني هو سبب النتيجة المجرمة التي تحققت، وفي هذه الحالة لا إشكال، حيث يعد الركن المادي بأكمله منسوبا للشخص، غير أنه وفي حالات أخرى كثيرة، قد تتداخل عوامل كثيرة بين سلوك الجاني والنتيجة التي تحققت، سواء كانت هذه العوامل سابقة أو معاصرة أو لاحقة لفعل الجاني، وهو ما قد يعدل أو يؤخر حدوث النتيجة، أو يجعلها تتحقق على نحو مخالف لما ارتآه وأراده الجاني، وبالرغم من أن هذه العوامل فيها الخفي والظاهر، المألوف والشاذ، المتوقع وغير المتوقع، القوي والضعيف[29]... فكيف لنا أن نحدد سبب النتيجة في مثل هذه الحالات؟ وبعبارة أخرى: كيف لنا الحكم بأن سلوك الجاني هو سبب النتيجة؟ وما الحل القانوني لذلك في غياب النص التشريعي؟
في ظل المشاكل العملية التي أظهرتها مشكلة البحث في علاقة السببية، وفي ظل سكوت المشرع عن توضيح معيارها الدقيق، حاول الفقه إيجاد حلول ففقهية لها، محاولا في بداية الأمر أن يعطي لها مفهوما علميا، قائلا أنه للسببية مدلول علمي قبل أن يكون لها مدلول قانوني، لذا يجب استخلاص معيار علمي لها لا استنادا للتصور القانوني، مستندين في ذلك لنظرية العالم " جون ستيوارت ميل" الذي عرف السبب علميا، بأنه: مجموعة العوامل الإيجابية والسلبية التي يستتبع تحققها حدوث النتيجة على نحو لازم، لذلك فالسبب من الناحية العلمية، يعني احتواءه على شرطي اللزوم والكفاية في إحداث النتيجة، أي احتوائه على المقومات اللازمة والكافية لإحداث هذه النتيجة، غير أن هذا المفهوم العلمي صعب التطبيق في مجال العلوم الإنسانية عموما، والعلوم القانونية خصوصا، والقانون الجنائي بالأخص، كون السبب في هذا القانون عبارة عن سلوك إنساني لا يمكن عزله عن الأسباب الأخرى المعاصرة أو السابقة أو اللاحقة له، ولا يمكن تجريده والحكم عليه بمعزل عن مجمل الظروف والملابسات المحيطة به، لذا فالسببية في المجال الجنائي لا يمكن أن تخلو من الجوانب الشخصية والنفسية، لذلك من الصعب بمكان الحكم عن مدى صلاحية السلوك في إحداث النتيجة دون الأخذ بعين الاعتبار الموقف النفسي للجاني، لذلك فشل هذا الاتجاه، وظهرت محاولات فقهية أخرى بنت حلولها على العديد من النظريات الفقهية، نذكر أهمها في النقاط التالية.
الفرع الأول
نظرية تعادل الأسباب
( نظرية الأسباب المتكافئة)
نادى بهذه النظرية فريق من الفقه الألماني وعلى رأسهم الفقيه " فان بورغ Van Burg"، ومقتضاها أن جميع الأسباب التي تساهم في إحداث النتيجة تتعادل وتتساوى ويكون كل من ساهم في إحداث إحداها مسؤولا مع البقية، أي أن كل الأسباب والعوامل التي تتدخل إلى جانب فعل الجاني تعد مسببة للنتيجة متى ساهم معها فعل الجاني في إحداث النتيجة، بغض النظر عن دور باقي الأسباب الأخرى، وسواء كانت سابقة عن فعله أو معاصرة له أو لاحقة عليه، ولا تهم طبيعة هذه العوامل، وما إن كانت مألوفة أو شاذة، قوية
أو ضعيفة، أو حتى ولو تداخل معها خطا المجني عليه[30]، أو خطا الغير[31]، أو القوة القاهرة[32]، أو حتى ولو كانت راجعة لفعل الطبيعة كالزلازل والفيضانات والعواصف، لأن فعل الجاني في مثل هذه الحالات، يصبح جزءا من سبب آخر" سبب السبب"، أي العوامل الأخرى ما كانت لتحدث النتيجة لولا فعل الجاني، حتى ولو كان ضعيفا مقارنة بها، أو دوره ضئيلا مقارنة بدور باقي الأسباب والعوامل الأخرى، إذ فعل الجاني وفقا لهذه النظرية، يكفي أن يكون موجودا ضمن طائفة من الأسباب الأخرى، حتى يمكن القول بأنه سبب في حدوث النتيجة، لأنه لولا فعله لما تعاقبت الأحداث على هذا النحو. ووفقا لهذه النظرية تترتب العديد من النتائج القانونية التي تنعكس على باقي أفكار قانون العقوبات، تقتضي منا تناولها قبل الخوض في تقدير النظرية ككل.
أولا: نتائج نظرية تعادل الأسباب
يترتب على منطق نظرية تعادل الأسباب العديد من النتائج القانونية التي يمكننا أن نوجزها في النقاط التالية:
1- الجاني مسؤول دوما عن الجريمة حتى ولو تداخلت إلى جانب سلوكه أسباب أخرى ساهمت معه في إحداث النتيجة، حتى وإن كانت غير متوقعة ولا مألوفة، كالحالة الصحية السيئة للمجني عليه، أو انهيار المستشفى الذي كان يعالج به المجني عليه،
2- لا تنقطع الصلة السببية بين فعل الجاني والنتيجة حتى ولو تداخلت العديد من الأسباب الأخرى معه، سواء كانت معاصرة لسلوكه أو سابقة له أو لاحقة عليه، كتأخر المجني عليه في عرض نفسه على الطبيب، أو خطا هذا الأخير في علاج المجني عليه.
3- لا تنتفي صلة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة المحظورة، حتى ولو كانت النتيجة ستتحقق حتما، إلا أن سلوك الجاني عجل بحدوثها أو ضاعف في حجمها.
ثانيا: تقدير نظرية تعادل الأسباب
جاءت نظرية تعادل أو تكافؤ الأسباب بمعيار سهل ويسير الإثبات في استخلاص علاقة السببية، إذ يكفي أن يكون سلوك الجاني قد ساهم في تسلسل الوقائع ليعد الفعل الذي لولاه لما وقعت النتيجة، إلا أن الفقه وجه سهام النقد لهذه النظرية، لأنها تنطوي على إثقال كاهل الجاني وتشدد عليه المسؤولية، وهو أمر مخالف للعدل والمنطق، وإعمالها أيضا يؤدي إلى نتائج في غاية الغرابة، وكذا من الناحية القانونية، إعمال هذه النظرية يؤدي إلى إلغاء فكرة الاشتراك في الجريمة. كما قيل بأن هذه النظرية تتناقض مع نفسها، فتقر بداية التعادل بين الأسباب، ثم تختار من بينها سبب الجاني فقط وتلقي عليه كامل المسؤولية، وتحمله المسؤولية حتى عن الأسباب النادرة الحدوث، مثل الحريق الذي يهب في المستشفى، أو تهدمه، أو وقوع زلزال...
الفرع الثاني
نظرية السبب المنتج
( السبب المباشر أو الفعال )
وهي نظرية من ابتكار الفقه الأنجلوسكسوني[33]، وتسمى أيضا نظرية السبب الفوري أو السبب النشيط أو السبب الأقوى، والتي ترى وجوب اتصال النتيجة اتصالا مباشرا بفعل الجاني، كونه السبب الأقوى
أو المباشر أو الأساسي في إحداث النتيجة مقارنة مع الأسباب الأخرى، بمعنى أن الفاعل يسأل عن النتيجة الضارة التي جرم المشرع حدوثها، متى كان فعله سببا قويا وأساسيا لإحداثها وفقا للمجرى العادي للأمور، ومؤدى هذه النظرية باختصار، هو أن نطرح السؤال التالي: هل الفعل الذي ارتكبه الجاني، باستبعاد العوامل الأخرى التي تظارفت معه، قادر لوحده على إحداث النتيجة الضارة التي وقعت؟. فإن كان الجواب بالإيجاب، فإن الجاني يعد مسؤولا عن النتيجة التي حدثت، كما يعد مسؤولا عن كل النتائج الأخرى المحتملة، سواء توقعها أو لم يتوقعها، ما دام أمر حدوثها وفقا للمجرى العادي للأمور ممكن التصور، وإن كان الجواب عن السؤال السابق بالنفي، فالجاني لا يسأل عن النتيجة كون فعله لم يكن سببا في حدوثها.
أولا: معيار النظرية
يتضح مما سبق، بأن أنصار هذه النظرية أخذوا بمعيار مادي موضوعي، لا معيار شخصي، لأنها نظرية تأخذ بتقدير الأسباب، وهي أمور موضوعية لا دخل لشخصية الجاني فيها، ومعيار كل ذلك، معيار الرجل العادي الذي يوضع في نفس الظروف التي تواجد بها الجاني.
ثانيا: تقدير النظرية
بالرغم من وجاهة النظرية، إلا أنها لم تسلم بدورها من سهام النقد، وأهم الانتقادات التي وجهت لها، هو عدم وضوح معيارها، أي المعيار الذي يمكن من تحديد السبب المباشر والأساسي من بين سائر الأسباب الأخرى غير المباشرة، وأن القول بوجود سبب واحد للجريمة في ظل تعدد مسبباتها هو قول تعوزه الدقة[34]، لذلك نجد الفقه قد جاء بنظرية أخرى، تعد لغاية اليوم، وبإجماع الفقه، أفضل النظريات التي قيل بها في صدد بحث مشكلة صلة السببية، والتي أخذت بها معظم التشريعات الجنائية، سواء بصفة صريحة أو بصفة ضمنية، كما تبناها القضاء في العديد من الدول، وهي نظرية السبب الملائم، التي نتناولها في الفرع الموالي.
الفرع الثالث
نظرية السبـــب الملائم
وهي نظرية، على عكس النظريات السابقة، أقامها أنصارها على معيار بسيط يشبه نوعا ما المعيار الذي تبنته النظرية السابقة، ومفاد هذا المعيار طرح السؤال التالي: هل باستطاعة فعل الجاني بحسب المجرى العادي للأمور، إحداث النتيجة بالرغم من تداخل عوامل أخرى معه؟[35]. وهي بذلك نظرية لا يأخذ أنصارها بكل العوامل مثلما فعلت النظرية الأولى، ولا تستبعد كل العوامل مثلما فعل أنصار نظرية السبب المنتج، بل تأخذ فقط بالعوامل المألوفة التي يعلم بها الجاني أو يتوقعها على الأقل، ومعيار التفرقة بين العوامل المألوفة والعوامل الشاذة غير المألوفة، هو معيار العلم، أي متى كان يعلم الجاني أو يتوقع بعض العوامل المصاحبة لنشاطه كان العامل مألوفا ولا يمنع من مسائلته، وإن كان يجهل ذلك، عد العامل غير مألوف ويقطع اللصة بين النتيجة وفعله.
غير أن أهم انتقاد وجه لإعمال هذا المعيار، أنه معيار شخصي ونسبي ينقلنا من إطار الركن المادي إلى إطار الركن المعنوي، في حين صلة السببية عنصر هام من عناصر الركن المادي يجب أن يستبعد من محيطها كل العوامل النفسية والشخصية، ويركز فيها فقط على المسائل والأمور المادية الموضوعية. كما أنه لا وجود لضابط يمكن من الحكم بعلم الجاني بالعوامل من عدمه. لذا صحح أنصار هذه النظرية موقفهم، وقالوا بمعيار الرجل العادي[36]، عوض معيار العلم، وهو التصحيح الذي جعل منها من أكثر نظريات السببية قبولا، وأخذت بها غالبية التشريعات بما فيها المشرع الجزائري في نظرنا.
غير انه يمكننا القول كخلاصة، بأن أي من النظريات السابقة، وبالرغم مما قدمته من إضاءة لكثير من جوانب رابطة السببية في مجال الركن المادي للجريمة، إلا أنها لم تحل بصفة نهائية وحاسمة مشاكل هذه الفكرة القانونية، ودليل ذلك هو تشتت الفقه بالرغم من ثراءه، واضطراب القضاء بالرغم من اجتهاده، لذا فتردد المشرع عن تكريس معيار واضح ودقيق لرابطة السببية، لا يخلو من دلالات، وذلك بالنظر لأسباب التالية:
1-إن رابطة السببية ذاتها تستعصي عن التعريف وفق مفهوم مطلق ومجرد، لأن الفعل أو السلوك الإنساني يصعب تجريده بمعزل عن الظروف والعوامل المختلفة المحيطة به، لذا فمثل هذا السلوك يتميز بطابع خاص نسبي وشخصي أيضا تجعله يختلف من شخص لآخر، بل لدى الشخص الواحد من حالة لأخرى، ومن هذه العوامل والظروف، طبيعة الفعل نفسه وزمان ومكان ارتكابه، ووسيلة تنفيذه، والمحل الذي يرد عليه... لذا يجب الخروج من إطار المفهوم المطلق المجرد لعلاقة السببية إلى إطار الفهم الواقعي النسبي لها، وذلك لا يمكن إلا بتبني معيار واقعي ونسبي لهذه العلاقة، يأخذ بعين الاعتبار ظروف كل واقعة على حدة، وذلك لا يمكن أن يتأتى إلا بإعطاء القاضي سلطة تقديرية تمكنه من استخلاص هذه الرابطة من خلال الوقائع المعروضة عليه والظروف والملابسات المحيطة بها.
2- انطلاقا من التصور الواقعي النسبي لعلاقة السببية، يجب البحث فيما إن كان السلوك هو مسبب النتيجة في إطار كل قضية على حدة، وعلى أن يكون هذا السلوك متفوقا نسبيا على باقي العوامل الأخرى التي سبقته أو صاحبته أو تلته، وهذا التفوق النسبي لا يستخلص استخلاصا مجردا، بل يستخلص واقعيا بالنظر لكافة الظروف والملابسات المحيطة بالسلوك، وعلى ضوء دراسة كل العوامل بما فيها الشخصية، ومن أهم المعايير التي قد تعين القاضي في ذلك: طبيعة الجريمة وما إن كانت من الجرائم العمدية أو جرائم الخطأ، بحيث ما قد يصلح لاستخلاص العلاقة السببية في النوع الأول، قد لا يصلح لاستخلاصها في النوع الثاني. شخصية الجاني، وبحث مدى قدرته على التقدير ومدى قدرته على العلم بما يتعين عليه أن يعلمه، لأن سلوك الإنسان يصعب تقديره بمعزل عن صاحبه. مراعاة زمان ومكان ارتكاب الجريمة، لأن ما يمكن أن يكون سببا للجريمة في النهار في ظل الحركة والازدحام، قد لا يمكنه أن يكون كذلك في الليل، وما يمكن أن يصلح لأن يكون سببا للجريمة في مكان قد لا يصلح لأن يكون كذلك في مكان آخر. شخصية المجني عليه وسنه وظروفه الصحية والنفسية لها دور كبير في تقدير ما إن كان فعل الجاني هو السبب المباشر في إحداث النتيجة الضارة.
وبعبارة أخرى، يجب الخروج بصلة السببية من إطار المفهوم المجرد المطلق إلى رحاب الفهم الواقعي النسبي، كون النظريات السابقة، وإن أضاءت جوانب هذه الفكرة القانونية المعقدة، غير أن أي من هذه النظريات لم يحل بصفة نهائية مسألة السببية، ودليل ذلك أن أحكام القضاء لا تزال مترددة ومن العسير ردها إلى نظرية من النظريات، وذلك داخل البلد الواحد، إذ في الدولة الواحدة يتراوح القضاء أحيانا من النقيض إلى النقيض. لذلك يمكن القول بفإن المشرع الذي يعزف عن تكريس معيار للسببية له ما يبرره، كون صلة السببية تستعصي أحيانا على التعريف وفق مفهوم مجرد مطلق، كون الفعل الإنساني يصعب تجريده من ظروف وعوامل شتى تعطي له خصوصيته وطابعه النسبي. لذا فمن الضروري الأخذ بعين الاعتبار كل العوامل والظروف المحيطة بسلوك الإنسان، وعلى ضوئها يتم تقدير علاقة السببية، لذا يجب أن يكون السلوك المسبب للنتيجة متفوق نسبيا عن باقي العوامل الأخرى، وهو التفوق الذي يستخلصه قضاة الموضوع واقعيا ومن خلال كافة الظروف والملابسات المحيطة بهذا السلوك، في كل قضية على حدة وعلى ضوء شخصية الجاني ذاته. كما تختلف باختلاف أنواع الجرائم، فما قد يصلح معيار لاستخلاص علاقة السببية في جريمة قتل عمدي، قد لا يصلح لأن يكون كذلك في جريمة قتل خطأ، وأنه لا يمكن إعمال المقومات المادية على حساب المقومات الشخصية، فيجب أن تقدر صلة السببية بناء على مقومات السلوك المادية، ومقومات شخصية تستفاد من علم الجاني أو بما ينبغي عليه العلم به، لذا فعلاقة السببية تقوم على الفهمين المادي والشخصي، أي على الركنين المادي والمعنوي، فالسلوك الإنساني مهما كان ليس مادة مخبرية يتم إخضاعها للتجارب في المخبر. لذا يجب إعطاء القضاء سلطة في استخلاص صلة السببية، كون الحكم الذي يأتي خاليا من بيان البناء القانوني للجريمة يكون مشوبا بالقصور ويتعين نقضه، والدفع بانتفاء صلة السببية من الدفوع الجوهرية التي يتعين على المحكمة تمحيصها والرد عليها، لكن القول بوجود أو انتفاء الصلة السببية من المسائل الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها دون رقابة من محكمة النقض، غير انه لهذه الأخيرة رقابة على المعيار المعتمد من قبل محكمة الموضوع لاستخلاص هذه الصلة.
المبحث الثاني
المحاولة أو الشروع كصورة ناقصة للركن المادي
عادة ما يكتمل البنيان القانوني للجريمة بتوافر أركانها الثلاثة العامة، الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي، وهو الوضع الغالب والطبيعي لكل الجرائم، غير أن المشرع يتدخل أحيانا ويجرم بعض المظاهر السلوكية التي لا تكتمل لها كل هذه الأركان والعناصر، سيما ما يتعلق منها بالركن المادي للجريمة، فإن كان الأصل أن المشرع لا يعاقب إلا على الأفعال التي اكتملت ورتبت النتائج التي يعتد بها قانونا، إلا أنه يتدخل أحيانا بالعقاب دون أن يصل هذا الركن لهذه المرحلة، وهو الوضع في حال بعض الجرائم الناقصة التي تسمى شروعا. لذا قلنا بأن للركن المادي للجريمة صورا خاصة، تخرج عن إطار النموذج القانوني المكتمل والعادي للجريمة، والمتمثل في ارتكاب شخص لجريمة تامة فيعاقب عليه، وهو وضع جريمة الشروع وفكرة المساهمة الجنائية، التي نتناول كل منهما في مبحث مستقل.
وقد سبق القول بأن الركن المادي للجريمة – سيما في الجرائم المادية ذات النتائج- يتطلب أن يترتب عن سلوك الجاني نتيجة محظورة قانونا، وأن تربط بينهما رابطة سببية ليكتمل الركن المادي قانونا، لكن قد يحدث وأن يقوم الجاني بسلوكه المحظور كاملا، غير أن النتيجة لا تتحقق، أو أن يبدأ في سلوكه هذا ولا يكمله، سواء من تلقاء نفسه، أو نتيجة تدخل عوامل أخرى خارجة عن إرادته، وفي كلتا الحالتين يعد الجاني قد شرع في فعله المجرم كله أو بعضه دون أن يكتمل الركن المادي للجريمة، وهو ما يسمى الشروع في الجريمة أو المحاولة فيها. وهو وضع يعني انه شرع في ارتكاب الجريمة، غير أنها لم تكتمل، مما يجعلها عبارة عن جريمة ناقصة أوقفت في مراحها الأولى، أو استكمل السلوك فيها وخاب أثرها لسبب خارجي لا دخل لإرادة الجاني فيه. وذلك حتى نكون بصدد جريمة الشروع المعاقب عليه، لأنه لو كانت لإرادة الجاني دخل في وقف الجريمة، لكنا أمام فكرة العدول الاختياري التي تنفي جريمة الشروع أصلا. لذا سنحاول أن نبين معنى الشروع وأنواعه والعلة من العقاب عليه، في هذا التمهيد، لنخصص المطالب لأركان جريمة الشروع فقط، بالنظر لخصوصية هذه الأركان في هذا النوع من الجريمة.
أولا: مفهوم جريمة الشروع
عرف البعض الشروع بأنه: الحالات التي يفشل فيها الفاعل في تحقيق جريمته، أي لا تتحقق النتيجة المادية المطلوبة لقيام الجريمة، ورغم ذلك تم تعريض المصالح والحقوق المحمية قانونا للخطر، لأن الشروع ينطوي على احتمال الإجهاز عليها في حال البدء في تنفيذ الجريمة. لذا يمكننا القول، أن الشروع اعتداء محتمل على مصلحة أو حق محمي جنائيا، والمشرع يحمي هذه الأخيرة من الاعتداءات الفعلية ومن مجرد احتمال وقوع مثل هذه الاعتداءات[37]، لذا فالشروع جريمة توافر فيها الركن المعنوي ولكن تخلف فيها اكتمال الركن المادي فقط، سواء كان هذا التخلف بصورة جزئية أو كلية ونكون أمام جريمة ناقصة، وهذا النقص في البنيان القانوني للركن المادي للجريمة ينصب تحديدا على عنصر النتيجة القانونية التي لم تتحقق لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه، وبالتالي تصوير جريمة الشروع على النحو السابق، يستدعي إدراج الملاحظات التالية:جوهر الشروع أنه جريمة ناقصة، وهذا النقص ينحصر فقط في تخلف تحقق النتيجة، رغم ارتكاب السلوك المجرم كله أو في جزء منه.وتبعا لما سبق، الشروع لا يثور كأصل عام، إلا بالنسبة للجرائم المادية ذات النتائج، وبالتالي فهو غير ممكن التصور في الجرائم الشكلية ذات السلوك المجرد المحض – وقد سبقت الإشارة لذلك- كونها في جوهرها جرائم تمثل مرحلة الشروع، وبالتالي لا يمكن تصور الشروع في الشروع. الشروع جريمة لم يكتمل ركنها المادي، لكن الركن المعنوي فيها يبقى ركنا أساسيا لا يمكن تصور قيامها بدونه، وتلك إذن الحكمة من العقاب على الشروع، وبالتالي يمكن القول مبدئيا، بأنه لا شروع في الجرائم غير العمدية.
ثانيا: الهدف أو العلة من العقاب على الشروع
في حقيقة المر ثار السؤال في بعض الدول عن العلة من العقب عن جريمة الشروع، خاصة وان المشرع يعاقب على الاعتداءات الفعلية على المصالح والحقوق المحمية قانونا، كما ثار تساؤل آخر حول قدر العقاب عن جريمة الشروع، وما إن كان يجب أن يكون مساويا للعقاب عن الجريمة التامة أم اقل أم أكثر ؟
فبخصوص العلة من العقاب[38]، يرى الفقه أن الشروع كجريمة وإن كان قد خاب أثرها ولم تعد تشكل اعتداء فعليا، فإنها تحولت إلى اعتداء محتمل أو خطر يهدد المصالح والحقوق المحمية قانونا، وأن المشرع مثلما يحمي هذه الحقوق من الاعتداءات الفعلية، فإنه يحميها أيضا من الاعتداءات المحتملة، والشروع جريمة تهدد بالخطر، ومصدر هذا الخطر أفعال مادية ملموسة والتي حتى وإن كانت ناقصة، إلا أنها تعد بادرة لارتكاب الجرائم وتنبئ بخطورة إجرامية لدى فاعلها أو القائم بها. لذا يعبر بعض الفقه في هذا النوع من الجرائم، بأنه بالرغم من تخلف النتيجة المحظورة قانونا، إلا أن الجريمة قد تمت من الناحية الشخصية، لكنها خابت من الناحية المادية، وأن الاضطراب الذي تحدثه الجريمة الخائبة في المجتمع، أشد خطورة من الاضطراب الذي يحدثه الشروع البسيط، الذي يقصد به عدم اكتمال السلوك.
ثالثا: أنواع الشروع ومجال تطبيقه
نصت المادة 30 من قانون العقوبات الجزائري، على أنه: " المادة 30 :" كل المحاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها، تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها." ، ونصت المادة 31 :" المحاولة في الجنحة لا يعاقب عليها إلا بناء على نص صريح في القانون. والمحاولة في المخالفة لا يعاقب عليها إطلاقا.". من نص المادة 30 يتضح أنه للشروع صورتين، صورة الجريمة الخائبة التي يفرغ فيها الجاني كل نشاطه المادي ورغم ذلك لا تتحقق النتيجة المحظورة قانونا، لظروف مستقلة عن إرادة الجاني أو لظروف مادية يجهلها أصلا، وهو ما بينته الفقرة الثانية من المادة 30. مستعملة عبارة " لم يخب أثرها"، بينما بينت الفقرة الأولى صورة الشروع الناقص أو الجريمة الناقصة أو الجريمة الموقوفة، وهي الصورة التي لم يكتمل فيها السلوك أصلا، كون الجاني أوقف- لم يتوقف بمحض إرادته- لذا استعملت المادة عبارة " إن لم توقف" المقصود بها الإيقاف الاضطراري، لكون العدول الاختياري يخرجنا أصلا من نطاق جريمة الشروع.
وبالتالي يمكننا القول بأن الشروع إما أن يكون تاما وتقابله الجريمة الخائبة التي لم تتحقق فيها النتيجة المحظورة قانونا، لكنها تبقى ممكنة الوقوع، والجريمة المستحيلة، وشروع ناقص وتقابله الجريمة الموقوفة لأن السلوك فيها أوقف قبل اكتماله، وقبل انتظار تحقق النتيجة من عدمه، على أن يكون هذا التوقف اضطراريا لا اختياريا، لأنه سبق القول أن العدول الاختياري ينفي جريمة الشروع تماما. وبالتالي الشروع نوعان، شروع تام وشروع ناقص وهما نوعا أو صورتا الشروع.
أما فيما يخص مجال تطبيق نظرية الشروع، فيمكننا القول من خلال استقراء المادتين 30 و31 من تقنين العقوبات الجزائري، بأن الشروع متصور في كل أنواع الجنايات بحسب المادة 30 ق ع ج، وفي الجنح في الحالات التي يوجد فيها نص صريح يعاقب على الشروع بحسب المادة 31/1[39]، ولا شروع إطلاقا في مجال المخالفات التي إما أن تتم كاملة أو لا تتم أصلا بحسب المادة 31/2 ق ع ج. وعلة عدم العقاب على الشروع في المخالفات هو أنها جرائم بسيطة لا تنطوي على خطورة إجرامية كبيرة لدى الجاني، في حين أن العقاب على الشروع قرر أصلا لمواجهة الخطورة الإجرامية لدى الجناة. كما أن المخالفات في العادة عبارة عن صور سلوكية تقع بالمخالفة لأمور تنظيمية وإدارية، ارتأى فيها المشرع العقاب على السلوك ذاته، لا النتائج المترتبة عنه.
وعموما يمكن القول أن الشروع عبارة عن جريمة شأنه شأن الجرائم التامة، وكل ما في الأمر أن الركن المادي فيه غير مكتمل العناصر، لذا لا بد وأن تكتمل هل باقي الأركان اللازمة لقيام الجرائم، وهي الأركان العامة الثلاثة المعروفة، الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي، وإن كان الركن الشرعي لا يثير أي إشكال، بحيث القاعدة العامة في العقاب على الشروع في الجنايات هي المادة 30، وفي الشروع في الجنح نص المادة 31/1 بالإضافة إلى النص الخاص الذي يعاقب على الجنحة، كما لا يثير الركن المعنوي أي إشكال، بحيث هو نفسه الركن المعنوي المشترط في الجرائم التامة- ولنا عودة إلى ذلك- ويبقى الركن المادي هو الذي يثير بعض الصعوبات، بحيث سبق القول بأن معيار التفرقة بين الجرائم التامة وجرائم الشروع هو عدم اكتمال الركن المادي في الأخيرة، الأمر الذي يثير بعض الصعوبات حول المرحلة التي يجب أن يصل فيها التنفيذ المادي للسلوك، ومعيار التفرقة بين المراحل المعاقب عليها من المراحل غير المعاقب عليها، وكذا معيار التفرقة بين العدول المعاقب عليه والعدول غير المعاقب عليه. والموقف من نوع من الجرائم تسمى :" بالجرائم المستحيلة" لذا فالمطالب التي سنتناولها في حقيقة الأمر تخص عناصر الركن المادي غير المكتمل في جريمة الشروع، لأنه سبق القول بان الركنين الشرعي والمعنوي لا يثيران أي إشكال، وإن كنا سنعود للركن المعنوي في الأخير بنوع من التفصيل المختصر، لتبيان بعض الأوضاع
الخاصة.
المطلب الأول
البـــدء في التنفيذ كعنصر أول في الركن المادي لجريمة الشروع
الجريمة كمشروع إجرامي يهدف من خلاله الجاني لتحقيق نتيجة معينة، يمر بالعديد من المراحل، منها ما يعاقب عليه المشرع، ومنها ما هو غير معاقب عليه، ومعيار التفرقة بين المرحلتين هو " البدء في التنفيذ"[1]، بحيث لا عقاب على المراحل التي تسبقه، على عكس المراحل التالية له، الأمر الذي يقتضي منا تبيان هذه المراحل والتمييز بينها، ثم البحث في المعيار المميز لفكرة البدء في التنفيذ التي تعد محور دراسة نظرية الشروع في الجريمة.
الفرع الأول
المراحل غير المعاقب عليها قانونا
سبق القول بأن القانون لا يعاقب على النوايا مهما كانت شريرة، لذا فهو لا يعاقب على كل المسائل الداخلية النفسية التي لم تتجسد في الحيز المادي ولم يعبر عنها بفعل مادي، وعلى أساس ذلك، فإنه لو تصورنا مسار الجريمة كمشروع، نجدها تمر بالعديد من المراحل، تنتهي بمرحلة أخيرة هي مرحلة تمام الجريمة، وهي المرحلة التي تهمنا في دراستنا هذه كون الشروع مرحلة سابقة عليها، لتبقى أمامنا مراحل أخرى، يمكن لنا القول بأن البعض منها نفسي خالص[2]، والبعض الآخر يقترن ببعض السلوكات.
أولا: مرحلة النوايا الكامنة[3]
وهي مرحلة عبارة عن أفكار ونوايا تختلج صدر الجاني، وتكون فيها الجريمة عبارة عن مجرد فكرة كامنة يشوبها التفكير لغاية عقد التصميم على ارتكابها، وهي مراحل لا يحفل بها القانون ولا يعاقب عليها، حتى ولو أفصح عنها صاحبها للغير، ما لم يرق هذا الإفصاح لحد التحريض.
ومعظم القوانين الحديثة لا تعاقب على هذه المرحلة، وتتفق بأنه ليس للقانون سلطان على النوايا ولا على ما يختلج بصدر الإنسان، حيث أنها عبارة عن نوايا لم تحدث اضطرابا بالمجتمع بعد، خاصة وأن النوايا عبارة عن أحاديث نفس من الصعوبة إثباتها والتأكد من وجودها، وأنه من الأفضل عدم العقاب عليها لترك باب العدول مفتوحا لتشجيع الأشخاص عليه، وبالتالي ليس للقانون سلطان على الضمائر حتى وإن كان العزم على ارتكاب الجرائم يشكل خطيئة أخلاقة تستحق التأنيب والتكفير، وإن كان أنصار المدرسة الشخصية يرون العقاب على هذه المرحلة، كونها تعبر عن إرادة إجرامية تعد مصدر للقلق والاضطراب في المجتمع، والخطورة الإجرامية هي المراد الذي ينبعث منه الإجرام، وأنه لمعالجة هذا الأخير يجب أن نعالج الداء من أساسه.
ثانيا: مرحلة النوايا الكاشفة عن خطورة إجرامية
وهي مرحلة بالرغم من أنها لا تزال في طور النوايا والخواطر، إلا أنها وعلى عكس المرحلة السابقة تقترن بقدر من السلوك الذي يفصح عنها، إذ يبدأ في التحضير لجريمته، كشراء المعدات اللازمة لارتكاب الجريمة، إلا أنها مرحلة ليست قاطعة الدلالة على ارتكاب الجريمة بالفعل، غير أننا نجد في بعض الأحيان المشرع يتدخل بالعقاب على هذه المرحلة بوصفها جرائم مستقلة لا بوصفها شروع في ارتكاب جرائم، مثل تجريم حيازة سلاح بدون رخصة[4]، أو جريمة تقليد المفاتيح[5].
وعلة عدم العقاب على المرحلة التحضيرية للجرائم، هو أنها أعمال قابلة للتأويل في مرماها، مما يجعلها غير كافية للكشف عن نية الفاعل بصورة واضحة وأكيدة، فمن اشترى آلة حادة يكون قد اشتراها لاستعمالها في قتل غريمه، أو لغرض آخر مشروع، وبالتالي هي أعمال مبهمة وقابلة للتأويل، لذا فليس من الحكمة العقاب على ظواهر وأمارات لا ترقى لمرتبة الوقائع الثابتة.
ثالثا: مرحلة البدء في تنفيذ الجريمة
وهي المرحلة التي تمثل الشروع في الجريمة المعاقب عليها، وهي تشمل كل فعل يعتبر بدء في تنفيذ الجناية أو الجنحة إذا كان معاقب على الشروع فيها، وهي مرحلة تتميز بتجاوز الجاني لمرحلة التحضير لجريمته والشروع في تنفيذ عدوانه على الحق أو المصلحة المحمية قانونا، على نحو يمكن القول معه أن الجاني تجاوز مرحلة العزم والتفكير والتحضير، وانتقل لمرحلة تنفيذ العمل الإجرامي. لكن الإشكال الكبير الذي يواجهنا ولا يزال يواجه الفقه، هو مسألة المعيار الذي يمكننا من الفصل بين المرحلة التحضيرية ومرحلة البدء في التنفيذ، خاصة وانه هناك أحوال كثيرة لا يمكن فيها الجزم ما إن كانت الأفعال التي أتاها الجاني تعد أعمال تحضيرية أو تجاوزت البدء في التنفيذ. إذ في الكثير من الأحيان ما تظهر الأعمال التحضيرية على أنها بدء في التنفيذ والعكس صحيح[6].
الفرع الثاني
معيار التمييز بين الأعمال التحضيرية والبدء في التنفيذ
انقسم الفقه بغرض إيجاد معيار دقيق يمكن من التمييز بين الأعمال التحضيرية والبدء في تنفيذ الجريمة، - وكالعادة- إلى اتجاهين أساسيين، اتجاه موضوعي يركز على ماديات الجريمة أو على ركنها المادي، وآخر شخصي يركز على نفسية الجاني وذهنيته وخطورته الإجرامية، وبين هذا وذاك، نجد الفقه قد أضاف مذهبا ثالثا اتخذ موقف وسط، وسمي بالاتجاه أو المذهب المختلط، آخذا من مزايا كل من المذهبين السابقين وتاركا مساوئهما. بالإضافة إلى بعض المحاولات الفقهية الفردية الأخرى، وأهمها معيار الفقيه البلجيكي جارو.
أولا: المذهب الموضوعي أو المادي
وفقا لأنصار المذهب المادي أو الموضوعي، نكون بصدد البدء في تنفيذ الجريمة، بالشروع في ارتكاب الركن المادي المكون للجريمة، على النحو المرسوم في النص التجريمي، وما عدا ذلك – أي قبل هذه المرحلة- يعد العمل تحضيريا غير معاقب عليه، ففي جريمة السرقة لا يعد بدء في التنفيذ سوى الفعل الذي يمس به الجاني حيازة الغير للمال، كوضع اليد بالفعل على هذا المال، وفي جريمة القتل لا يعد بدء في التنفيذ سوى الفعل الذي يتضمن خطر إزهاق روح المجني عليه، كإطلاق الرصاص اتجاهه، وما عدا ذلك يعد من قبيل العمال التحضيرية كون النص القانوني لم يجعلها من مكونات الركن المادي للجريمة.
وبالتالي تمتاز هذه النظرية بإرسائها لمعيار واضح وسهل ودقيق، بالرغم من أنه وجهت لها انتقادات تتمحور في مجملها بأنها لا تحقق حماية فعالة للمجتمع ضد مجرمين أظهرت أفعالهم أنهم تقربوا كثيرا من تحقيق نتائجهم المقصودة، وتؤدي إلى إفلات الكثير من الجناة من العقاب، لا لشيء سوى لأنهم لم يرتكبوا بعد فعلا من الأفعال المصورة في نص التجريم، بالرغم من أنهم أبانوا بوضوح عن خطورة إجرامية كبيرة، إذ وفقا لمذهب هذه النظرية لا يعد الشخص مرتكبا لجريمة السرقة، بالرغم من اقتحامه المنزل وتفتيشه الخزانة، إلا إذا عثر على الأموال ووضع يده عليها[7]، ولا يعد مرتكبا لجريمة القتل من صوب السلاح اتجاه غريمه وأطلق النار عليه إلا بعد أن يصيبه.
والانتقادات السابقة وغيرها، جعلت من أنصار هذا المذهب يحاولون إنقاذه عن طريق التوسع في المعيار السابق، قائلين بأن البدء في التنفيذ، وبالإضافة إلى البدء في تنفيذ الفعل المكون للركن المادي للجريمة، فهو أيضا البدء في ارتكاب كل فعل يعتبر ظرفا مشددا للجريمة، مثل الكسر والتسور والتسلق في جريمة السرقة، غير أن هذا التوسع لم يجعل النظرية تسلم من انتقادات جديدة، وأهمها أنه ليست كل الجرائم مما يمكن أن تقترن بالظروف المشددة، كما انه وفي الجرائم التي تقبل ذلك، هناك ظروف لا يمكن إخضاعها لهذا المعيار، مثل ظرف التعدد وظرف الليل في جريمة السرقة، حيث لا نكون أمام جريمة السرقة إذا ارتكبت نهارا، على عكس الحالة التي ترتكب فيها ليلا، لذا قيل أنه معيار غير دقيق.
لذا حاول أنصار هذا الاتجاه إنقاذه مرة أخرى، قائلين هذه المرة بأن البدء في التنفيذ هو ارتكاب فعل واضح الدلالة على النية الإجرامية للفاعل، حيث أنه إن كان العمل التحضيري يحتمل أكثر من دلالة كونه قابل للتأويل، فإن البدء في التنفيذ لا يفصح سوى عن دلالة واحدة، وهي اتجاه الجاني نحو ارتكاب الجريمة. غير أن ما يمكن ملاحظته بخصوص هذا التوسع، هو هجر الجوانب الموضوعية التي يعتمدها أنصار المذهب الموضوعي دوما، ودخولهم متاهات النوايا التي يعتمدها في الأصل أنصار المذهب الشخصي.
ثانيا: المذهب الشخصي أو الذاتي
مؤدى هذا الاتجاه، أن البدء في التنفيذ هو كل فعل يصدر عن الجاني ويفصح عن خطورته ونيته الواضحة في ارتكاب الجريمة، أي هو كل سلوك يسلك به الجاني نهائيا طريق الجريمة، ويصبح عدوله عنها أمرا غير محتمل، أو هو الفعل الذي يؤدي حالا ومباشرة إلى ارتكاب الجريمة، بحيث لم يعد يفصل الجاني عنها سوى خطوة صغيرة لو ترك وشأنه لخطاها، ويعبر عن ذلك بالقول: " حرق الجاني سفنه أو جسوره وراءه". ويلاحظ على هذه النظرية أنها تركز اهتمامها على إرادة الجاني، بحيث يعد بدءا في التنفيذ كل فعل يعد كذلك في نظر الجاني، إذ يؤدي حالا ومباشرة إلى ارتكاب الجريمة بحسب نيته، وهي النية التي تستخلص من الظروف المحيطة بالجاني، كسوابقه وعلاقته بالمجني عليه وأنواع الأسلحة والوسائل التي يستعملها... وبالتالي نكون أمام البدء في التنفيذ كلما كان الفعل الذي أتاه الجاني في ظروف معينة يكشف عن نيته الإجرامية ويدل على أنه لو ترك على حاله لأفضى الفعل إلى تحقيق النتيجة المجرمة.
ومن الانتقادات الموجهة لهذا المذهب، أنه مذهب تعوزه الدقة والوضوح والانضباط، إذ يصعب القطع بتوافر نية ارتكاب الجريمة لمجرد صدور فعل عن الجاني قد يحتمل أكثر من دلالة، وأنه اتجاه يقلب منطق الأمور، إذ عوضا أن يكون الفعل هو مظهر الاستدلال على النية، أصبحت هذه الأخيرة مظهر للدلالة على خطورة الفعل، وبعبارة مختصرة لا يمكننا دراسة الركن المعنوي للجريمة قبل دراسة ركنها المادي. وإن كانت هذه النظرية في حقيقة الأمر تحمي بفعالية المجتمع وتضحي بالحريات الفردية.
لكن وفي رأينا نرى بأن إعمال النظريتين معا، يمكن أن نحدد به، وإن لم يكن بدقة فبدرجة كبيرة، البدء في تنفيذ الجريمة، خاصة في الحالة التي لا نهمل فيها الظروف المحيطة بالفعل وبالجاني، كأن يكون الفعل ذاته صالحا لإحداث النتيجة المجرمة قانونا، وذلك بحسب المجرى العادي للأمور، مع مراعاة حالة الجاني والمجني عليه، وزمان ومكان ارتكاب الجريمة، ودون إهمال نية الجاني في الظروف التي ارتكب فيها فعله. ولعل ذلك ما دفع إلى ظهور المعيار المختلط أو المرن الذي توسط الاتجاهين السابقين.
ثالثا: المذهب المختلط ( المرن)
أمام الانتقادات التي وجهت لكلا الاتجاهين السابقين – وإن كان الاتجاه الموضوعي هو الأكثر قبولا قضاء- اقتنع الفقه بضرورة إيجاد معيار مختلط سمي بالمعيار المرن، حيث اعتبروا البدء في التنفيذ، هو الفعل الذي يؤدي حالا ومباشرة وفقا للمجرى العادي للأمور إلى ارتكاب الجريمة، وأن يقع هذا الفعل في زمن قريب نسبيا من لحظة تنفيذ الجريمة، وأن تكون نية الجاني واضحة لا غموض فيها على عزمه النهائي لارتكاب جريمته. وبالتالي المعيار وفقا لهذا الاتجاه، ليس موضوعيا بحتا ولا شخصيا صرفا، وإنما هو مزيج بينهما، يستمد من النظرية الموضوعية خطورة الفعل وصلاحيته وفقا للمجرى العادي للأمور لتحقيق النتيجة، ويستمد من النظرية الشخصية دلالة الفعل على عزم صاحبه على تحقيق الجريمة. كما يحسب لأنصار هذا الاتجاه عدم التقيد بالمعايير الجامدة والمجردة، بل تعتمد التقدير الواقعي المتغير الذي يختلف من جريمة لأخرى، ومن فاعل لآخر، سيما في ظل خطورة فكرة البدء في التنفيذ الذي يعد التضييق أو التوسع فيه تعديا على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، لذا رأى أنصار هذا الاتجاه، تقدير البدء في التنفيذ على ضوء جملة من الاعتبارات لا المعايير، وأهمها: وجوب ارتكاب فعل من الأفعال التي تدخل في تكوين الركن المادي للجريمة، كون الجرائم أفعال قبل كل شيء، وأن يكون فعل مرتبط على الأقل بالركن المادي برباط سببي وزمني يفضي في نهاية المطاف ووفقا للعادي والمألوف والمتصور إلى حدوث النتيجة المحظورة قانونا.
وأن يفصح السلوك السابق عن نية إجرامية نهائية لدى الجاني. زيادة على الأخذ بعين الاعتبار بكافة الظروف والملابسات، سواء تعلقت بالسلوك ذاته، أو بالجاني أو بالظروف المحيطة بهما معا، وهي الظروف والملابسات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال حصرها سلفا كونها تنأى عن كل حصر، بل يترك تقديرها لقضاة الموضوع يقدرونها في كل حالة على حدا.
رابعا: رأي الفقيه البلجيكي جارو
وهي محاولة أيضا للمزج بين المذهبين الشخصي والموضوعي، حيث يرى هذا الفقيه الأخذ من المذهب المادي أو الموضوعي " الأفعال" لكن مع وصفها وتقييدها، حيث يعتد فقط بالأفعال التي لا لبس فيها التي تعبر صراحة على كونها بدء في التنفيذ، وهي تلك الأفعال التي لا تسمح بالعدول وتؤدي حالا ومباشرة لارتكاب الجريمة، وهو ما استمد من المذهب الشخصي، لذا فالبدء في التنفيذ commencement d’exécution هي تلك الأفعال التي لا لبس فيها non équivoque والتي تشكل فعلا بدء في التنفيذ، وتؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة Tendant directement à le commettre، واستعار أيضا عبارة أنصار المذهب الشخصي، وهي أن الجاني يقطع جسوره وراءه lorsque l’individu à ente,du couper les tous pont derrière lui.
خامسا: موقف المشرع الجزائري
نرى شخصيا انه باستقراء المادة 30 من تقنين العقوبات الجزائري، أن المشرع الجزائري أخذ بالرأي الأخير، أي رأي الفقيه البلجيكي جارو، حيث نصت هذه المادة على أنه:" كل محاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها، تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها."[8].
غير أن المعيار الصحيح للبدء في التنفيذ، في رأي الكثير من الفقه، هو وجوب وجود علاقة موضوعية بين فعل الشروع وتلك الجريمة التي يراد الشروع فيها، وهي العلاقة التي تتحدد بتحديد الحكمة من تجريم الشروع ذاته، وهي تجريم الشروع لاعتدائه على الحق جزئيا أو تعريضه للخطر، لذا يجب أن يكون الفعل يمثل خطرا مباشرا أو مصر لخطر مباشر على الحق الذي تحميه القاعدة الجنائية، وهي الأمور التي لا يمكن أن تستنتج فقط من عقد العزم من قبل الشخص على الاعتداء على الحق المحمي قانونا، وإنما بناء على إمكانات موضوعية يصح القول معها أن العدوان على الحق قد صار وشيكا، أي أن يكون الفعل صالح حسب المجرى العادي للأمور أن يفضي مباشرة إلى الجريمة، وأن كل ما منع من تمامها هو حائل خارج عن إرادة الجاني، وهو ما يقتضي بالضرورة النظر إلى طبيعة الجريمة ذاتها، والظروف والملابسات التي صاحبت ارتكابها، لأنه ما يصلح لأن يكون بدء في تنفيذ جريمة ما، قد لا يكون صالحا لبدء تنفيذ جريمة أخرى، لذا فصلاحية الفعل يجب أن تكون على درجة من القوة يمكن القول معها بأن وقوع الجريمة أصبح أمرا وشيكا، وهي الأفعال التي تبدو للرجل العادي شديدة القرب من الجريمة إلى الحد الذي يحمله إلى الاعتقاد بأنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الوقوع، لذا فالمعيار هو ذو طبيعة موضوعية خالصة وما الركن المعنوي سوى نفسه في الشروع والجريمة التامة، وهي الحكمة من تجريم الشروع[9]. في حين يرى البعض وجوب تجاوز المعايير السابقة والوقوف عند تقدير واقعي متغير يتجاوز المعايير المجردة، خاصة وأن خطورة معيار البدء في التنفيذ مزدوجة، فهي إما أن تؤدي إلى التوسع أو التضييق من العقاب وفي الحالتين يكون ذلك على حساب مبدأ الشرعية الجنائية، لذا وجب تقدير معيار البدء في التنفيذ بناء على جملة من الاعتبارات لا المعايير المجردة، أهمها ارتكاب فعل من الأفعال المعتبرة من ماديات الجريمة أو على الأقل يرتبط بها برابطة سببية وزمنية تفضي في نهاية المطاف ووفقا للعادي والمألوف والمتصور إلى إحداث النتيجة المحظورة قانونا، وأن يفصح الشخص بهذا الفعل على نية إجرامية نهائية ليست مستقلة بل كاشفة عن دلالة الفعل الذي يوقع، أن يستهدف السلوك أو الفعل السابق المقرون بنية إجرامية مصلحة أو حق محمي قانونا، مع الأخذ بعين الاعتبار بكافة الظروف والملابسات المحيطة بفعل الجاني وبالجاني ذاته، وهي عوامل لا يمكن تحديدها سلفا ولا إخضاعها للحصر، بل تترك لقضاة الموضوع يقدرونها في كل حالة على حدة. ويعبر الفقه عن ذلك بمعيار اللامعيار للبدء في التنفيذ، لذا ينبغي تجاوز الصيغ النظرية المجردة وصولا إلى تقدير واقعي يمكن من أن يختلف الأمر من جريمة لأخرى، ومن جاني لآخر، خاصة في ظل أننا بصدد سلوكات إنسانية نسبية ومتغيرة بطبيعتها لا يمكن أن تحيط أية نظرية مهما بدت محكمة من الإحاطة بكافة جوانبه، لذا فلا مناص من إعمال المظاهر الواقعية التي تكتنف الجريمة ذاتها،وتتعلق بالفاعل نفسه
المطلب الثاني
العنصر الثاني من الركن المادي للشروع
عدم تمــــام الجريمة
الشروع في حقيقته مرحلة من مراحل الجريمة التامة، أو هو جريمة غير تامة، وعدم التمام راجع لوقف الفعل أو خيبة أثره، وهو ما يبين صور الشروع، وهما صورتان، الشروع الناقص أو الجريمة الموقوفة أين لا يتم السلوك بأكمله، وصورة الشروع التام أين يتم السلوك كله ولا تتحقق النتيجة، ويسمى الجريمة الخائبة.
ولا فرق قانونا بينهما حيث في كلاهما يتدخل المشرع بالعقاب على الشروع، وإن كانت فكرة الجريمة المستحيلة قد أثارت جدلا فقهيا وقضائيا كبيرين، من زاوية أن عدم تحقق النتيجة أمر وارد منذ البداية، حيث أن الإخفاق فيها ظاهر منذ البداية، وإن كان هذا الخلاف قد دفع بعض التشريعات إلى التدخل لفضه صراحة، إلا أن البعض الآخر لم يفعل مثلما هو الشأن بالنسبة لغالبية التشريعات، بما فيها المشرع الجزائري. لذا فتخلف النتيجة لسبب خارج عن إرادة الجاني، يعد العنصر الثاني من عناصر الركن المادي لجريمة الشروع، إذ لا يمكن أن نكون بصدد المحاولة أو الشروع إلا في الحالات التي لا تتم فيها الجريمة، إما لإيقاف الجاني عن إتمامها وهو وضع الشروع الناقص أو الجريمة الناقصة، أو لكون أثر سلوكه خاب
أو يستحيل أن يرتب النتيجة المقصودة مثل حالات الجريمة الخائبة أو الجريمة المستحيلة، وهي حالة الشروع التام. وبالتالي يجب أن يكون تخلف النتيجة بسبب ظرف أو سبب خارج عن إرادة الجاني،لأنه لو كانت لإرادته دخل في عدم تحقق النتيجة كنا بصدد العدول الاختياري الذي ينفي جريمة الشروع أصلا[10]، في حين هذه الخيرة تقتضي تخلف النتيجة لسبب أو ظرف خارج عن إرادة الجاني. لذا فهذا الركن يقتضي منا دراسة العدول الاختياري الذي يخرجنا من مجال جريمة الشروع، وتمييزه عن العدول الاضطراري الذي يقيم هذه الجريمة، وكذا تناول الحالات التي يلتبس فيها العدول. كما يقتضي منا الوضع الوقوف عن فكرة الجريمة المستحيلة.
الفرع الأول
العدول عن إتمام الجريمة
من شروط قيام جريمة الشروع، عدم تحقق النتيجة، على أن يكون ذلك راجع لسبب خارجي لا دخل لإرادة الجاني فيه، أي أن يكون مضطرا في ذلك، سواء أوقف أو منع، أو كانت النتيجة غير ممكنة الوقوع أو يستحيل وقوعها، وهو الأمر الذي يؤكد في مجال نظرية العدول، أنه حتى يكون هناك شروع، يجب أن يكون عدول الجاني عدولا اضطراريا، حيث إن كان اختياريا انتفت الجريمة، لذا فالمسألة تقتضي منا تناول العدول الاختياري أولا، باعتباره يخرجنا من نطاق جريمة الشروع، لنتناول بعده العدول الاضطراري الذي يبقينا في نطاق هذه الجريمة، وفي نقطة ثالثة نتناول نوع من العدول المختلط الذي يجمع بين النوعين السابقين.
أولا: العدول الاختياري
يهدف المشرع إلى خلق حافز لدى الجاني على عدم المضي في مشروعه الإجرامي إلى نهايته، فنص على عدم عقابه إن هو عدل بإرادته عن إتمام الجريمة التي شرع في تنفيذها، وهي الحالة التي تعرف بالعدول الاختياري أو العدول الإرادي، أين يقوم الجاني بنفسه بالحيلولة دون وقوع النتيجة، كأن يدخل لمنزل لأجل سرقته لكنه يعود أدراجه من تلقاء نفسه دون أن يقوم بسرقة الأموال، أو أن يشهر سلاحه في وجه غريمه ثم يعدل عن ذلك قبل الضغط على الزناد. ويرى البعض أننا نكون بصدد عدول اختياري إذا سارع الجاني إلى إلغاء مفعول النتيجة بعد وقوعها، كأن يقدم طعاما مخلوطا بالسم لغريمه، وسرعانما يسارع لتنبيهه وإعطاء الترياق للمجني عليه، مما يحول دون إحداث أثار السم، غير أن الفقه الفرنسي في هذه الحالة يسميه توبة إيجابية لاحقة، خاصة وأن جريمة التسميم في القانون الفرنسي – وهو نفس الوضع في القانون الجزائري- جريمة شكلية تقوم بمجرد تقديم السم دون ربطه بضرورة تحقيق النتيجة.
لذا فالعدول الإرادي بجب أن يكون مبعثه إرادة الجاني نفسه وليس سببا آخر[11]، ولا يهم بعد ذلك الدافع لهذا العدول، فقد يكون ندما أو الخوف من افتضاح الأمر أو شفقة على المجني عليه أو خشية إلقاء القبض عليه، أو حتى رغبة من الجاني في تأجيل التنفيذ لمرة أخرى لاحقة، وكل ما يهم في الأمر هو أن يكون العدول من تلقاء نفس الجاني، أي نابع من أسباب داخلية نفسية. لذلك يمكن القول أن شروط العدول الاختياري أو الإرادي هي:
- تراجع تلقائي من قبل الجاني عن إتمام جريمته بالرغم من قدرته على المضي فيها.
- أن يكون هذا التراجع نابع من إرادة الجاني وبكامل حريته.
- أن يكون العدول قبل إتمام الجريمة، وإلا أصبح مجرد توبة، وهذه الأخيرة تكون سببا لتخفيف العقاب لا لامتناعه.
- لا يمكن تصور العدول إلا في الشروع الناقص، أي الجرائم الناقصة لا الخائبة ولا المستحيلة.
ثانيا: العدول الاضطراري
وهو عدول غير إرادي أو غير اختياري، ويرجع إلى ظروف خارجية تفرض على الجاني عدم إتمام جريمته، بمعنى أن تكون إرادة الجاني مضطرة للعدول، كأن يصاب الجاني بحالة إغماء بعد بدءه التنفيذ ولا يستطيع إتمامها، أو كمن يدخل منزل مريدا سرقته ولا يجد أموال فيعود أدراجه، ففي هذه الحالات جريمة الشروع تكون قائمة وموجبة للعقاب، كون العدول كان بتأثير عوامل خارجية تدفع الجاني للعدول عن جريمته، في حين المشرع يشجع فقط العدول الاختياري ليكون دافعا لعدم المضي في إتمام الجرائم.
ثالثا: العدول المختلط
وهو عدول يكون ثمرة عوامل إرادية وأخرى غير إرادية، كالجاني الذي يخيل إليه سماع أصوات أقدام فيظن أنهم أصحاب البيت، فيعدل عن إتمام جريمة سرقة المنزل الذي كان قد دخله، أو يسمع بوق سيارة الشرطة فيعتقد باكتشاف أمره فيتوقف عن إتمام تنفيذ جريمته، وعموما هي حالات توجد فيها حقيقة ظروف خارجية بعيدة عن إرادة الجاني، غير أنها لا تصل إلى حد إجباره عن العدول، غير أنها أحدثت لديه بعض المؤثرات النفسية جعلت منه يعدل بالرغم من أنه كان بإمكانه المواصلة، وهنا ثار تساءل عما إن كان مثل هذا العدول عدولا إراديا يحول دون قيام جريمة الشروع، أم عدول اضطراري لا يحول دون قيام جريمة الشروع وعقاب الجاني عنها؟. أحدث حكم العدول المختلط خلافا فقهيا كبيرا، حيث ذهب بعض الفقه إلى ترجيح الطابع الإرادي للعدول باعتبار أن العامل الخارجي الذي اعتقده الجاني ما هو إلا باعث، ومن مبادئ القوانين العقابية الحديثة أنها لا تهتم بالبواعث، وبالتالي يلحق العدول المختلط في حكمه بالعدول الإرادي الذي لا تقوم به جريمة الشروع. بينما ذهب اتجاه فقهي آخر للقول بالطابع اللاإرادي للعدول المختلط، لأن العدول لا يكون إراديا إلا إذا كان مبعثه أسباب نفسية داخلية وما عدا ذلك فهو عدول اضطراري تقوم به جريمة الشروع وتوجب العقاب.
بينما ذهب اتجاه فقهي ثالث وسط، للقول بوجوب الاعتداد بالعامل الغالب في العدول، فإن كان العامل الغالب هو الإرادة، فالعدول يكون اختياريا لا تقوم به جريمة الشروع، وإن كانت العامل الغالب هو العامل الخارجي، كان العدول اضطراريا تقوم به جريمة الشروع، وفي حالة الشك في تغليب أحدهما للآخر يغلب العامل الإرادي لأن الشك يفسر لمصلحة المتهم. ونرى ترك المسالة للسلطة التقديرية للقاضي، ليقدر ما إن كان بإمكان الجاني الاستمرار في جريمته بالرغم من قيام الظرف الخارجي أم أثر في نفسيته بشكل حال دون تمكنه من الاستمرار في التنفيذ، فإن كان الاختيار بيد الجاني وعدل عن إتمام جريمته كان عدولا اختياريا، وفي الحالة العكسية يكون عدولا اضطراريا تقوم به جريمة الشروع، ودوما يفسر لشك في مصلحة المتهم. وهو الموقف الذي نراه متبعا في القانون الجزائري، فللقاضي أن يقدر المسألة تبعا لظروف كل قضية على حالـــة.
hadia369
2013-01-29, 00:15
الفرع الثاني
الجريمة المستحيلة كصورة خاصة للشروع
قد يستحيل ارتكاب الجريمة وذلك بعدم تحقق نتيجتها لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه، كأن يطلق الشخص الرصاص اتجاه شخص آخر بقصد قتله، فإذا بهذا الأخير قد يكون توفي نتيجة سكتة قلبية قبل إصابته بالرصاص، أو كمن يضع يده في جيب شخص آخر بغرض سرقته لكنه يتفاجا بوجود الجيب فارغا، أو كمن يحاول قتل شخص بسلاح يكون قد أفرغ من قذائفه دون أن يعلم[12]، وهي ما تسمى بالجريمة المستحيلة التي أثارت خلافا فقهيا فرنسيا كبيرا، حول مفهومها ومدى ضرورة العقاب عليها، خاصة في ظل خلو تقنين العقوبات الفرنسي من نص يبين موقفه من هذا النوع من الجرائم[13]، لذا انصب الخلاف حول ما إن كان مد حكم الجريمة الخائبة على الجريمة المستحيلة، باعتبار أن المجرم في كلتا الحالتين يكون قد استنفذ كامل السلوك المجرم غير أن النتيجة تخلفت لسبب خارج عن إرادته، لذا ثار التساؤل عما كان يعاقب عليها مثل الجريمة الخائبة، أم أنها نوع من الجرائم يخرج أصلا من نطاق الشروع المعاقب عليه، باعتبارها جرائم مستحيل الوقوع منذ البداية.
وللإجابة عن هذا السؤال، ثار الخلاف مثلما هو عليه الوضع دوما بين الاتجاهين التقليديين، الاتجاه الموضوعي والاتجاه الشخصي، الأول ويضع نصب أعينه ماديات الجريمة ويرى عدم العقاب على الجريمة المستحيلة في كافة صورها، والثاني الخطورة الإجرامية لدى الجاني، ويرى العقاب على الجريمة المستحيلة بكل أنواعها، كون الجاني قد أبان عن خطورة إجرامية كانت كامنة لديه، غير أن تطرف المذهبين أدى في النهاية – ومثلما هو عليه الحال دوما- إلى ظهور مذاهب توفيقية، وهي مذاهب حاولت هذه المرة التفرقة بين صور الاستحالة، منها ما يرى أن الاستحالة قد تكون مطلقة وقد تكون نسبية، والثاني يرى أنها قد تكون قانونية وقد تكون مادية، وكل منها يحاول العقاب على نوع من الأنواع دون النوع الآخر.
أولا: الاتجــــاه الشخصي
العقاب على الجريمة المستحيلة في كافة صورها
يرى أنصار المذهب الشخصي بأنه لا فرق بين الجريمة المستحيلة والجريمة الخائبة، وبين النوعين والجريمة الموقوفة، ففي كل هذه الأنواع يكون الجاني مرتكبا لجريمة الشروع، وعلة ذلك أن المشرع في عقابه على الشروع لم ينظر إلى الضرر المادي الذي قد يصيب الفرد والمجتمع من جريمة الشروع، بل ينظر إلى الخطورة الإجرامية التي أظهرها الجاني بأفعال خارجية ذات صلة مباشرة بالجريمة، فكلما توفرت مثل هذه الخطورة لدى الجاني توجب عقابه دون حاجة للبحث ما إن كانت الجريمة مستحيلة أو ممكنة أو ما إلى غير ذلك، فوفقا لأنصار هذا الاتجاه، استحالة تحقق النتيجة في الجريمة المستحيلة لا يمحي عن الجاني خطورته الإجرامية، سيما وأن علة العقاب على الشروع هو عدم تعريض المصالح والحقوق للخطر، وهو ما عيب عليها، كون الخطورة تستمد من خطورة الفعل ذاته مضافا لها خطورة الجاني.
ثانيا: الاتجاه الموضوعي ( المادي )
عدم العقاب على الجريمة المستحيلة في كافة صورها
وهو أقدم الاتجاهات والذي يتبناه الفقه الألماني وبعض الفقه الفرنسي، والذي يبنون رأيهم على أنه لا يمكن الشروع فيما لا يمكن الشروع فيه، ولا يمكن البدء في تنفيذ ما لا يمكن تنفيذه، وأن كل ما أفصح عليه الجاني في الجريمة المستحيلة، هو نية إجرامية، والقانون لا يعاقب على النوايا ما لم ترتب أضرارا اجتماعية، وفي الجريمة المستحيلة لا يوجد ضرر ولا مجرد تهديد بحصول هذا الضرر، وبالتالي الأمر لا يستحق لا التجريم ولا العقاب. غير أن ما وجه لهذه النظرية من انتقادات هو تضييقها كثيرا من نطاق العقاب مما يعصف بحقوق المجتمع، فالشخص الذي يضع يده في جيب شخص آخر ويجده خاويا وفقا لهذه النظرية لا يعاقب، بالرغم من أن فعله يعد شروعا تاما، لذلك هجرت هذه النظرية ولم يبق في الفقه من يؤيدها.
ثالثا: الاتجـــاه التوفيقي
التفرقة بين أنواع الاستحالة
من بين أهم الاتجاهات التوفيقية التي حاولت الجمع بين مزايا المذهبين المادي والشخصي وهجر مساوئهما، اتجاهين رئيسيين، أحدهما فرق بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية، والثاني فرق بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية، وكل منهما حصر العقاب على نوع دون الآخر، وفق ما سيتضح من الآتي.
1- التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية
قصر العقاب على الاستحالة النسبية دون الاستحالة المطلقة
وهو اتجاه ينسب في حقيقة الأمر لأنصار المذهب الموضوعي أو المادي، وميزوا بين نوعين من الاستحالة، استحالة مطلقة ولا عقاب عليها، واستحالة نسبية تبرر عقاب الجاني. ورأوا بأن الاستحالة المطلقة قد تتعلق بمحل الجريمة أو بوسيلة ارتكابها، ومثال الأولى أن يكون المحل المادي للجريمة أو موضوعها منعدما، كأن يكون الشخص المراد قتله في جريمة القتل متوفيا من قبل، أو محاولة إجهاض امرأة غير حامل أصلا، ومثال عدم صلاحية الوسيلة كاستعمال سلاح ناري للقتل ويكون غير صالح لذلك، أو يكون خاليا من الرصاص أو محاولة التسميم بمادة غير مؤذية للصحة تماما. وهنا لا يمكن القول بوجود جريمة الشروع ولا يمكن العقاب عليها.
وأما الاستحالة النسبية فقد ترد أيضا على المحل أو على الوسيلة، لكن لا أن يكون المحل غير موجود أصلا أو الوسيلة غير صالحة أصلا، وإنما أن يكون المحل وقت الجريمة فقط غير موجود،
أو استعمال الوسيلة لم يكن بالنحو الصحيح لتشغيلها، ففي مثال جريمة القتل، كأن يكون المجني عليه لحظة ارتكاب الفعل غير موجود بالمكان الذي اعتاد أن ينام فيه، أو استعمال السلاح لم يكن بالطريقة السليمة،
أو في جريمة السرقة السابقة نقل المجني عليه قبل ارتكاب الجريمة إلى جيب آخر. وفي هذا النوع من الاستحالة تقوم جريمة الشروع ويعاقب المجني عليه. كون الاستحالة في هذا النوع عبارة فقط عن جريمة خائبة لا مستحيلة.
وهي التفرقة التي انتقدت بشدة من قبل الفقه، على اعتبارها تفرقة غير منطقية، كون الاستحالة نوع واحدة وحالة واحدة ولا تقبل أي تفرقة، فالجريمة إما أن تكون ممكنة وإما ألا تكون ممكنة، أي مستحيلة، ولا توجد درجات للاستحالة. لذا ظهر اتجاه آخر وسط يفرق بين أنواع الاستحالة، لكن يقول بنوعين آخرين منها، وهي استحالة قانونية وأخرى مادية.
2- التفرقــــة بين الاستحالة المادية والاستحالة القانونية
قصر العقاب على الاستحالة المادية دون الاستحالة القانونية
وهو اتجاه وسط تبناه فريق من الفقه الفرنسي، والذي على غرار ما قام به أنصار الاتجاه الأول، قام بالتفرقة بين نوعين من الاستحالة، لكنه جعلها استحالة مادية وأخرى قانونية، وقصر العقاب على الاستحالة المادية دون الاستحالة القانونية. ووفقا لهذا الاتجاه، الاستحالة القانونية قد ترجع بصفة عامة إلى انعدام محل الجريمة أو انتفاء عنصر من عناصرها القانونية، فهنا لا جريمة ولا شروع ولا عقاب، حيث الجريمة لا تقوم أصلا بدون عنصر من العناصر المتطلبة قانونا لقيامها، كسبق وفاة المراد قتله أو ملكية الجاني للمال المسروق الذي اعتقد أنه ملك للغير، في حين الاستحالة المادية ترجع إلى سبب مادي واقعي لا قانوني، كعدم استعمال وسيلة ارتكاب الجريمة استعمالا سليما، وهنا تقوم جريمة الشروع ويعاقب عليها الجاني.
رابعا: موقف المشرع الجزائري من الجريمة المستحيلة
يتضح من نص المادة 30 من تقنين العقوبات الجزائري، أن المشرع الجزائري يعاقب على الجريمة المستحيلة، إذ يعاقب بصراحة على الاستحالة المادية وفقا للرأي السابق، حيث استعمل فكرة " الظرف المادي" دون الظرف القانوني، لأن هذا الأخير لا يقيم الجريمة أصلا، حيث نصت المادة على أنه:" ...حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها.". غير أن المشرع يستثني بعض الحالات الخاصة، مثلما هو الشأن بالنسبة لجريمة الإجهاض، المنصوص والمعاقب عليها بموجب نص المادة 304، حيث يتوقف العقاب على هذه الجريمة على حمل المرأة أو مجرد افتراض حملها. في حين يرى البعض تعليق العقاب على الجريمة المستحيلة على عنصر " العلم"، وهو أهم عناصر القصد الجنائي، حيث إن كان الجاني لا يعلم بأن الوسيلة غير صالحة لإحداث النتيجة، أو أن محل الجريمة لا يوجد أو منعدم عوقب، أما إن كان يعلم بذلك فهو لا يعاقب كون علمه هذا يقود لعلمه أن النتيجة مستحيلة الحدوث وبالتالي يعلم جيدا أن الجريمة لا تقوم[14].
.
المطلب الثالث
الركن المعنوي لجريمة الشروع
الشروع جريمة، وبالتالي لا يكفي لقيامها مجرد البدء في تنفيذ الركن المادي للجريمة، وعدم تحقق النتيجة، وإنما يجب أن يتوفر لدى الجاني قصد تحقيق هذه الجريمة، وهنا يمكن القول بأنه لا فرق بين جريمة الشروع والجريمة التامة من حيث الركن المعنوي، بل الفرق ينحصر في الركن المادي فقط، وبالضبط في عنصر النتيجة، حيث تتحقق في الجريمة التامة، وتتخلف في جريمة الشروع. لذا يمكن القول أن جريمة الشروع جريمة عمدية يجب لقيامها اتجاه قصد الجاني إلى إتيان السلوك المجرم بقصد تحقيق النتيجة المجرمة قانونا، وبمعنى آخر يجب أن تنصرف إرادة الجاني في البداية إلى تحقيق جريمة تامة، وليس مجرد الشروع فيها، فإذا ثبت أن إرادة الجاني لم تتجه إلى إتمام الجريمة، وإنما الوقوف بفعله عند حد معين، كالجرح مثلا، فلا يمكن أن يسأل عن المحاولة في القتل، لأنه لم يقصد تحقيقه، بل يسأل عن الضرب المفضي للوفاة باعتباره جريمة مستقلة وقائمة بذاتها. ونتيجة لما سبق، سنحاول دراسة الشروع في الجرائم غير العمدية وفي الجرائم المتجاوزة القصد.
الفرع الأول
الشروع في الجرائم غير العمدية
دون استعراض الخلاف الفقهي، يمكن القول مباشرة، أنه لا يمكن تصور الشروع في الجرائم غير العمدية، كون الركن المعنوي في هذا النوع من الجرائم لا يقوم على إرادة تحقيق النتيجة، بل هذه الأخيرة تحققت فقط لاتخاذ سلوك خاطئ، وسبق القول في الشروع أن الجاني يريد تحقيق النتيجة وتتخلف لظرف خارج عن إرادته، وبالتالي لا شروع في الجرائم غير العمدية، وإن كان يمكن تخلف جريمة يقيم جريمة غير عمدية أخرى، فقيادة السيارة بسرعة فائقة في طريق مزدحم بالمارة لا يعد شروعا في القتل الخطأ لكن يقيم جريمة تجاوز السرعة المحددة قانونا، وإصابة شخص دون أن تحدث له الوفاة، لا يعد جريمة الشروع في القتل الخطأ، بل يشكل جريمة أخرى هي جريمة الجروح الخطأ.
الفرع الثاني
الشروع في الجرائم المتعدية ( المتجاوزة) القصد
وهي جرائم يقترف فيها الجاني سلوكا معينا قاصدا منه تحقيق نتيجة إجرامية معينة، فإذا بالنتيجة التي تتحقق تكون أشد جسامة، لكن لم يكن يقصدها الجاني إطلاقا، وبالتالي لا يمكن تصور الشروع فيها كونها نتيجة كانت غير مقصودة أصلا، والركن المعنوي في جريمة الشروع يقتضي إرادة النتيجة ورغم ذلك تتخلف.
وإذا ما قامت أركان الشروع السابقة، فإن عقوبة الشروع في القانون الجزائري عقوبة ذات عقوبة الجريمة التامة، وهو اتجاه موقف قانوني يساوي بين الجريمة التامة وجريمة الشروع، وإن كانت هناك قوانين تخفف من جرائم الشروع مقارنة مع الجريمة التامة، غير أن هذا الموقف المتعلق بالمساواة في العقاب هو الموقف القانوني للمشرع ولا يوجد ما يمنع القاضي من إعمال سلطته التقديرية في تقدير العقوبات ومبدأ تفريد العقاب.
hadia369
2013-01-29, 00:16
المبحث الثالث
المساهمــــة الجنائية
الاشتراك الجنائي أو الإسهام الجرمي
لئن كانت الجريمة في صورتها العادية تقع من شخص واحد، إلا أنها قد تمثل أحيانا مشروعا إجراميا يسهر ويقوم على تنفيذه أكثر من شخص واحد، فتتحول الجريمة إلى مشروع جماعي بعدما كانت مشروعا فرديا، وهو ما يمثل فكرة المساهمة الجنائية التي تعني ارتكاب الجريمة الواحدة من طرف شخصين أو أكثر، وهي الفكرة التي نظمها المشرع الجزائري في المواد من 41 إلى 46 من تقنين العقوبات الجزائري، وذلك تحت عنوان: "المساهمون في الجريمة".
ماهية المساهمة الجنائية
تقتضي النظرية العامة للجريمة، أن المشرع لا يتدخل بالعقاب عليها إلا إذا اكتملت أركانها بغض النظر عن الشخص الذي ارتكبها، إلا أنه هناك حالات يقوم فيها العديد من الأشخاص الذي يتقاسمون الأدوار التي تختلف وتتفاوت في طبيعتها ودرجتها في تنفيذ هذه الجريمة، وهو المقصود من المساهمة الجنائية.
وتختلف المساهمة الجنائية التي نحن بصدد دراستها، عن فكرة المساهمة الضرورية التي يقصد بها تلك المساهمة القانونية التي تتطلبها بعض أنواع الجرائم التي لا تقبل بطبيعتها أن يرتكبها شخصا واحدا، مثل جريمة الرشوة التي تتطلب الراشي والموظف المرتشي، وجريمة الزنا التي تطلب شخصين احدهما يكون متزوجا، وجريمة التآمر التي تتطلب العديد من الأشخاص الذين يتآمرون ضد الوطن... والعديد من الجرائم الأخرى التي لا تقوم بطبيعتها ووفقا للقانون بفعل شخص واحد.
في حين أن فكرة المساهمة الجنائية التي نحن بصدد دراستها، تعني أن الجريمة من الجرائم القابلة بطبيعتها أن يرتكبها شخصا واحدا، إلا أننا نجد العديد من الأشخاص الذين يساهمون في تنفيذها، سواء تامة أو عند مرحلة الشروع، وبالتالي هي فكرة تتطلب جريمة واحدة – فالجرائم المتعددة تبعدنا عن فكرة المساهمة الجنائية-، كما تتطلب تعدد الجناة- إذ الجاني المنفرد يبعدنا أيضا عن فكرة المساهمة الجنائية-. لذا فالمساهمة الجنائية، تتطلب وحدة الجريمة وتعدد الجناة. وهما الشرطين الضروريين لجعلنا أمام هذه الفكرة الجنائية.
أولا: وحـــدة الجريمة
تقتضي فكرة المساهمة الجنائية أن يرتكب العديد من الجناة جريمة واحدة تقبل طبيعتها أن يرتكبها شخصا واحدا، لذا يجب أن تتضافر جهود هؤلاء في تنفيذ الجريمة،- وذلك بأن تجمع بينهما الوحدة المادية- وحدة الركن المادي- والوحدة المعنوية – وحدة الركن المعنوي-.
1- الوحدة المادية:
فكرة المساهمة الجنائية تقتضي قيام العديد من الجناة الذين تختلف وتتفاوت أدوارهم في ارتكاب جريمة واحدة، ووحدة الجريمة أول ما تتجسد فإنها تتجسد في وحدة الركن المادي لها، وهذا الأخير يتطلب وحدة السلوك ووحدة النتيجة، لكن إن كانت نتيجة الجريمة واحدة، فوحدة السلوك وإن كانت تعني سلوك واحد أدى لحدوث النتيجة السابقة، غير انه سلوك مشكل من تعدد الأفعال المشكلة لسلوك إجرامي واحد، وأن يساهم كل فعل من هذه الأفعال في تحقيق النتيجة وأن يرتبط بها برابطة سببية، بحيث لو استبعدنا فعل من هذه الأفعال وبالرغم من ذلك حدثت النتيجة، فالقائم بهذا الفعل لا يعد مساهما في الجريمة. وبالتالي يمكن القول بأن فكرة الوحدة المادية تعني وحدة الركن المادي، والتي تتأكد من خلال وحدة النتيجة وارتباطها برابطة سببية مع كل الأفعال التي أتاها الجناة، أي أن يتوفر لدى كل جاني عناصر الركن المادي الأساسية والمتمثلة في سلوك ونتيجة علاقة سببية تربط بين هذا السلوك والنتيجة الواحدة التي تحققت.
2-الوحدة المعنوية:
ويقصد بها أن تكون هناك وحدة ذهنية ورابطة معنوية تجمع بين جميع المساهمين في ارتكاب الجريمة، وذلك من علم وإرادة تهدف إلى ارتكاب نفس النتيجة سواء كان بينهم اتفاق سابق أو مجرد تفاهم، والتفاهم هو مجرد توفر نية الاشتراك معاصرة لارتكاب الجريمة، عكس الاتفاق الذي يكون سابقا لارتكاب الجريمة فإن التفاهم يكون معاصرا لها، أي لحظة ارتكابها، كأن يرى أحدهم يجري وراء الآخر لأجل قتله، فيمسك به بغرض تمكين الجاني منه بالرغم من أنه لم يكن هناك اتفقا سابق بينهما، وقد لا يكون يعرفه أصلا. وفقدان مثل هذه الرابطة المعنوية، يحول الجريمة من جريمة مساهم فيها إلى مجموعة جرائم.
ثانيا: تعدد الجـــــناة
سبق القول بأن المساهمة الجنائية تفترض وحدة الجريمة بركنيها المادي – وإن كانت النتيجة واحدة فالأفعال متعددة- والمعنوي، وأن يساهم العديد من الأشخاص في ارتكاب هذه الجريمة، أي وجود أكثر من جاني واحد يساهم في هذه الجريمة التي تصبح تشكل لهم مشروعا إجراميا واحدا، وبالتالي وجود العديد من الأشخاص الذين يرتبكون العديد من الجرائم لا يجعلنا أمام المساهمة الجنائية، ولا وجود شخص واحد يرتكب العديد من الجرائم، إذ هذا الوضع يجعلنا أمام فكرة تعدد جرائم الشخص الواحد.
هذا وبعد أن تناولنا مفهوم المساهمة الجنائية، وشروطها، سنحاول من خلال ثلاثة مطالب أن نتناول المشاكل التي تثيرها المسؤولية الجنائية، لنخصص المطلبين الآخرين لنوعيها، المساهمة الأصلية والمساهمة التبيعة.
المطلب الأول
المشاكل التي تثيرها المساهمة الجنائية
إن ارتكاب جريمة واحدة بركن مادي واحد تتعدد فيها الأفعال والنتيجة واحدة، وكل فعل من هذه الأفعال يساهم في إحداثها ويرتبط بها برابطة سببية، يجعلنا نتساءل عن دور كل فعل من هذه الأفعال في تحقيق هذه النتيجة الواحدة، حيث أنه من المؤكد أن دور هذه الأفعال ليس متساويا، ومن ثم فمن الضروري ألا تكون مسؤولية كل المساهمين على نفس القدر من الأهمية، وهنا كان من الواجب تحديد دور كل منهم لتحديد مسؤوليته، وهو ما يثير فكرة تحديد دور كل مساهم في إحداث النتيجة المحظورة قانونا.
الفرع الأول
تقييم الأدوار لتحديد المسؤوليات
لأجل تحديد دور كل مساهم من المساهمين، ودور الفعل الذي قام به في إحداث النتيجة المحظورة قانونا، وبالتالي تحديد قدر مسؤوليته عن الجريمة التي ارتكبت كثمرة لنشاطات الجميع، ظهر اتجاهين أساسيين، أولهما لا يفصل بين المساهمين ولا يولي أهمية لأية تفرقة بينهم، والثاني يقيم تفرقة بينهم ويجعل منهم مساهمين وشركاء، وسمي الأول بمذهب التوحيد بين المساهمين، وسمي الثاني بمذهب استقلال المساهمين، وهو ما نوضحه في النقطتين التاليتين.
أولا: مذهب التوحيد بين المساهمين
وهو مذهب يعتمد على نظرية تعادل الأسباب التي سبق وأن بيناها في دراسة علاقة السببية، حيث يرى أنصار هذا المذهب أن منطق الأمور لا يتفق والتمييز بين أعمال الجناة القائمين على تنفيذ جريمة واحدة، فالجريمة حسنهم هي نتاج تضافر جميع جهود المساهمين فيها، وكل مساهم فيها أيا كان الفعل الذي أتاه ودور هذا الفعل في إحداث النتيجة، فهو مسؤول عن هذه الجريمة مسؤولية كاملة، باعتباره فاعلا لها لا باعتبار فعله ساهم في إحداث النتيجة. وعليه فجميع أعمال المساهمين متساوية في إحداث النتيجة، وهي بذلك متساوية في الأهمية، كما هي متساوية أيضا في المسؤولية الجنائية، وبذلك يستبعد أنصار هذا المذهب كل تفرقة بين الفاعل والشريك، بل الكل يعد فاعل أصلي للجريمة.
غير أن هذا المذهب وجهت له العديد من الانتقادات، أهمها أن الجريمة الواحدة يستحيل أن يرتكبها العديد من الفاعلين الأصليين فقط، لأن ذلك يؤدي إلى تعدد الجرائم وهو أمر غير منطقي في مجال فكرة المساهمة الجنائية، إذ هذه الفكرة تقتضي أن نكون بصدد جريمة واحدة يسهر على تنفيذها العديد من الجناة، كما أن المساواة بين كل الفاعلين أمر يجافي العدالة، ويتنافى ومبدأ التفريد العقابي الذي يقوم على فكرة إنزال العقوبات تبعا لخطورة كل مجرم على حدة، لذا نجد غالبية الرأي الفقهي والموقف التشريعي والقضائي يرفض هذا الرأي.
ثانيا: مذهب استقلال المساهمين
وهو مذهب يقيم تفرقة بين الفاعلين الأصليين والشركاء، وهو الرأي الراجح فقها وقضاء، واتبعته غالبية التشريعات، وهو مذهب بنادي أنصاره بوجوب التمييز بين المساهمين في الجريمة بحسب الدور الذي قام به كل منهم، وعلى ذلك تقسم أدوار الجريمة إلى نوعين، أدوار رئيسية يقوم بها المساهمين الأصليين، وأدوار ثانوية يقوم بها الشركاء أو الفاعلين التبعيين. غير أن أنصار هذا الاتجاه انقسموا بخصوص المعيار الذي يمكن من التمييز بين الأفعال الرئيسية والأفعال الثانوية أو التبعية، وبالتالي المعيار الذي يبين الفاعلين الأصليين والفاعلين التبعيين أو الشركاء، وكالعادة تنازع المسألة المذهبان المادي والشخصي. الأول ويركز كالعادة على الركن المادي للجريمة، والثاني على الركن المعنوي لها أو نية الفاعل.
1- المذهب الشخصي :
وهو المذهب الذي ركز على الركن المعنوي أو النفسي للجريمة، ورأى أنصاره بأن الركن المادي للجريمة لا يمكننا من التمييز بين الأعمال الرئيسية والأعمال الثانوية، لذا يجب إعمال الركن المعنوي، وذلك بالاستناد إلى نية وإرادة المساهم وما إن كان يريد أن يكون فاعلا أصليا أو مجرد شريك، فالفاعل الأصلي تتجه إرادته إلى تحقيق النتيجة على أساس أنها تحقق مصلحته وهو سيدها، بينما الشريك هو من توفرت لديه فقط نية الاشتراك، وأن تتجه إرادته لأن يكون فعله مجرد فعل يساعد ويدعم به أفعال الفاعل الأصلي، فالجريمة ليست مشروعه الإجرامي ولا يريد تنفيذها ما لم ينفذها غيره. غير أن هذا المذهب غامض وصعب للإثبات، إذ كيف يمكننا الغوص في أغوار النفس واستخلاص نية الشخص وتبينها والحكم عليها ما إن كانت تريد الجريمة كمشروع أو اشتراك فقط. لذا هجر هذا المعيار من غالبية الفقه وأحكام القضاء.
2- المذهب الموضوعي أو المادي:
وهو المذهب الذي يركز أنصاره على الركن المادي للجريمة للتمييز بين الأفعال الرئيسية التي يعد صاحبها فاعلا أصليا للجريمة، وبين الأفعال الثانوية التي يعد فاعلها مجرد شريك، وذلك بالاستناد لنوع العمل ومدى خطورته المادية، فمتى كانت الأعمال خطيرة فالمساهمة تكون أصلية، ومتى كانت الأعمال ثانوية وأقل جسامة وخطورة كانت المساهمة تبعية وفاعلها مجرد شريك.
وللتمييز بين الأعمال الخطيرة وتلك الأقل خطورة، يرى أنصار هذا الاتجاه الاستناد للركن المادي للجريمة ذاته، فالأعمال الخطيرة هي كل فعل يدخل في الأعمال التنفيذية المشكلة للركن المادي للجريمة، سواء كله أ جزء منه، أما الأعمال الثانوية غير الخطيرة، فهي تلك الأفعال التي لا ترقى لمرتبة الأفعال التنفيذية المكونة للركن المادي للجريمة، بل مجرد أعمال مسهلة أو محضرة للأعمال التنفيذية السابقة، ويعمل في ذلك بمعيار البدء في التنفيذ الذي سبق وان بينته هذه النظرية في جريمة الشروع. وبالتالي استقر الفكر القانوني على ضرورة التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك، لكن ثارت مسألة البحث عن طبيعة العلاقة بينهما، وهو ما نتناوله في النقطة الموالية.
الفرع الثاني
طبيعة العلاقة بين الفاعل الأصلي والشريك
في الحقيقة إن أعمال الشريك هي مجرد أعمال تحضيرية غير معاقب عليها في ذاتها، لولا فعل الفاعل الأصلي الذي يجذبها لدائرة التجريم ويكسبها قيمة قانونية، وبمعنى آخر أعمال الشريك تجرم فقط لتبعيتها لفعل مطابق للنموذج التشريعي للجريمة، وبالتالي هناك علاقة فعلية وقانونية بين أعمال الشريك وأعمال الفاعل الأصلي، وهي العلاقة التي لا يمكن إنكارها بأي حال من الأحوال، لكن السؤال يتعلق بالبحث في طبيعة هذه العلاقة، وهي الفكرة التي حاول الفقه بحثها، لكنه اختلف حول تكييفها، ويمكن رد هذا الخلاف إلى نظريتين أساسيتين، نظرية تقليدية وهي نظرية الاستعارة، ونظرية حديثة وسميت بنظرية التبعية، وهو ما نبينه في النقطتين التاليتين.
أولا: نظرية الاستعارة
وهي نظرية يرى أنصارها بأن الشريك يستعير إجرامه من فعل الفاعل الأصلي، إذ هناك علاقة استعارة بين الفاعل الأصلي والشريك، حيث يضفي فعل الأول الصفة الإجرامية على الفعل الثاني، أو أن الشريك يستعير الصفة الإجرامية لأفعاله غير المجرمة أصلا من فعل الفاعل الأصلي، لكن داخل هذا الاتجاه ذاته ثار التساؤل حول مدى هذه الاستعارة، وهنا انقسم هذا الاتجاه ذاته إلى اتجاهين، أحدهما يرى أنها استعارة مطلقة والآخر يراها مجرد استعارة نسبية.
1- نظرية الاستعارة المطلقة:
ويرى أنصارها أن الفاعل الأصلي يلقي بظله كاملا على الشريك، بمعنى أن هذا الأخير يستعير كل الظروف العينية والشخصية اللصيقة بالجريمة وبالفاعل الأصلي، مما يجعلهما متساوين في المسؤولية الجنائية والتي تعني أيضا تطبيق نفس الجزاء الجنائي عليهما.
2- نظرية الاستعارة النسبية:
وهي النظرية التي يرى أنصارها عكس رؤية أنصار النظرية الأولى، ويرون بأن الشريك يستعير من الفاعل الأصلي التجريم دون العقاب، حيث يستعير منه الظروف العينية الموضوعية اللصيقة بالجريمة، دون الظروف الشخصية اللصيق بالفاعل، مما يجعلهم غير متساوين في المسؤولية ولا في الجزاء.
ثانيا: نظرية التبعية
وهي نظرية في الحقيقة تستند لفكرة مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه المعروفة في القانون المدني، ويرى أنصارها أن فعل الشريك هو فعل مستقل في ذاته عن فعل الفاعل الأصلي، غير أنه غير مستقل استقلالا تاما، إذ وقوع فعل الفاعل الأصلي المتمثل في اقتراف الركن المادي للجريمة، يجعل من فعل الشريك يتبعه وتصبغ عليه الصفة الإجرامية، وإلا فلا مجال للقول باشتراكه في الجريمة، غير أن كل منهما مستقل بظروفه الشخصية، وبالتالي يستقل كل واحد بخصوص الجزاء بحسب الخطورة الإجرامية، كما يستقلان في المسؤولية المدنية، ولا يسأل الشريك عن الجرائم المحتملة التي يقترفها الفاعل الأصلي.
hadia369
2013-01-29, 00:21
المطلب الثاني
المساهـــمة الأصــلية
الفاعــل الأصلــــــــي
المادتان 41 و45 من قانون العقوبات الجزائري
يمكن القول اختصارا أنه لا جريمة دون فعل ولا جريمة دون فاعل، وهو الفاعل الذي قد يكون وحيدا أو متعددا، أو وحيدا وله شريك أو عدة شركاء، أو عدة فاعلين لهم شريك واحد أو عدة شركاء، وبالتالي لا جريمة بشركاء فقط، وفاعل الجريمة قد يرتكبها بصورة مباشرة مثل الفاعل المادي أو الفاعل المباشر، وقد يرتكبها بطريقة غير مباشرة مثل المحرض أو الفاعل المعنوي. لكنهما يبقيان صاحبا الجريمة.
والفاعل الأصلي وفقا لتقنين العقوبات الجزائري نصت عليه المادتان 41 و45، حيث بينت الأولى الفاعل المادي أو الفاعل المباشر، وذلك في الفقرة الأولى منها، في حين بينت الفقرة الثانية المحرض، في حين تناولت المادة 45 فكرة الفاعل المعنوي.
المطلب الأول
الفــــاعل المـــــباشر
( الفاعل المادي أو الفاعل المنفرد )
يعرف الفقيه الفرنسية رو Roux الفاعل المادي المنفرد أو الفاعل المباشر، بأنه:" الشخص الذي ساهم نشاطه أو امتناعه في ارتكاب الجريمة."، وبالتالي الفاعل هو من يرتكب الواقعة المجرمة بنص القانون، أو هو الشخص الذي يتولى لوحده تنفيذ كافة الأفعال المكونة للجريمة، بحيث لا يكون من أحد على مسرح الجريمة غيره، وهو ما يقتضي بحث فكرة الركن المادي والركن المعنوي لديه.
الفرع الأول
الركن المادي لجريمة الفاعل المباشر
نصت المادة 41 من تقنين العقوبات الجزائري، وفي توضيحها لمعنى الفاعل المباشر بأنه:" ... من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة"، وبالتالي الفاعل المباشر هو الفاعل الذي تكون مساهمته مباشرة في ارتكاب الجريمة، فما معنى المساهمة المباشرة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 41 من تقنين العقوبات الجزائري ؟
المساهمة المباشرة في تنفيذ الجريمة، هي إتيان الأفعال الأعمال التنفيذية المكونة للركن المادي للجريمة، سواء كان شخصا منفردا أو عدة فاعلين أصليين، ومعيار البدء في التنفيذ هو المعيار المحدد للأعمال التنفيذية للركن المادي على النحو المبين سابقا، بالإضافة إلى إعمال معيار آخر مكمل، وهو المتمثل في ظهور الجاني على مسرح الجريمة وأن يكون لصيق الصلة بالتنفيذ ومعاصر له.
غير أنه هناك حالات يظهر فيها الشخص وكأنه بعيد عن مسرح الجريمة، غير أنه يعد فاعلا مباشرا للجريمة، مثل خادم المنزل الذي يترك باب سيده مفتوحا لتمكين اللصوص من سرقته، وكذا مراقب الطريق، والشخص الذي يمسك بالشخص الهارب من غريمه ليمكن هذا الأخير من قتله – في هذه الحالة الشخص في الحقيقة موجود على مسرح الجريمة-... مما يعني أن معيار الظهور على مسرح الجريمة ليس معيارا حاسما في كل الحالات.
.
الفرع الثاني
الركن المعنوي لجريمة الفاعل المباشر
يجب أن يتوفر لدى الفاعل المباشر أو الفاعل المادي مع غيره من الفاعلين أو الشركاء – كوننا بصدد نظرية المساهمة الجنائية- رابطة ذهنية واحدة، وذلك بأن يكون كل المساهمين في الجريمة على علم بكل الأفعال التي تتضافر لتحقيق الركن المادي للجريمة، ويريدون النتيجة التي تسفر عن جميع الأفعال المتضافرة السابقة، والعلم يجب أن ينصرف لما هو من عمل الشخص وكذا عمل غيره من باقي المساهمين، وأن يريد كل مهم النتيجة أو النتائج المتمخضة عن هذه الأفعال.
وأن انتفاء الرابطة المعنوية والذهنية لدى الجناة، يخرجنا من مجال المساهمة الجنائية ويجعلنا نسأل كل فاعل عن جريمة مستقلة بقدر السلوك الذي أتاه، لذا فإن إطلاق الرصاص على مجني عليه واحد من قبل العديد من الفاعلين وفي لحظة واحدة يجعلهم مساهمين في جريمة القتل متى توفرت لديهم وحدة الرابطة الذهنية، غير أنه إذا انتفت هذه الأخيرة، سأل الشخص الذي أصابت رصاصته المجني عليه عن جريمة قتل عمدن وسأل الباقين كل منهم مستقلا عن محاولة القتل إن لم تصب رصاصاتهم الشخص المجني عليه.
المطلب الثاني
المحرض كفاعل أصلي
التحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى الشخص الفاعل وجعله يصمم على ارتكابها، ولم يكن المحرض فاعلا أصليا في القانون الجزائري إلا بتعديل قانون 82-04 المؤرخ في 13-02-1982، ويعد ذلك خروجا عن الاتجاه التقليدي الذي أخذت به معظم التشريعات، وكذا خروجا عن توصيات المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات المنعقد بأثينا سنة 1957 الذي أوصى بجعل التحريض " جريمة مستقلة" عن المساهمة، وخروجها عن المساهمة الأصلية لأن التحريض يتقصه التنفيذ، ولا بالمساهمة التبعية كون المحرض هو صاحب خلق فكرة الجريمة وهو من جعل الفاعل يصمم على ارتكابها.
والتحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى شخص آخر ذهنه كان خاليا منها، أو هو جعل الفاعل يصمم عليها، وذلك بالتأثير على نفسية هذا الشخص ودفعه لغاية تنفيذ ركنها المادي، بمعنى التحريض يعني خلق فكرة الجريمة في ذهن كان خاليا منها أو على الأقل زينها له ودفع به على تنفيذها[1]. أو هو خلق التصميم لدى الفاعل بارتكاب الجريمة، ودفعه نحو ارتكابها، وهو التعريف الذي تبناه المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات سنة 1957، والتحريض يؤدي إلى نتيجتين الأولى نفسية تتمثل في القرار الذي يتخذه الفاعل الذي وجه له التحريض، والنتيجة الثانية مادية تتمثل في الجريمة التي ارتكبها بناء على القرار النفسي السابق، ويستوي أن يكون المحرض هو صاحب الفكرة الإجرامية أم اقتصر دوره على تزيين الفكرة التي كانت من خلق من حرض شخصيا. وسنحاول تبين أركان التحريض كجريمة في الفرع الموالي.
الفرع الأول
أركان جريمة التحريض
التحريض جريمة من جرائم المساهمة الجنائية، وبالتالي فهو كأي جريمة يشترط الأركان العامة الثلاثة لقيامها. وهي الركن الشرعي، والركن المادي والركن المعنوي.
1- الركن الشرعي للتحريض
الركن الشرعي لجريمة التحريض تضمنته المادة 41/2 من قانون العقوبات الجزائري، بنصها:" ...يعد فاعلا...كل من حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة
أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي.". ومن متطلبات الركن الشرعي لجريمة التحريض، أن ينصب التحريض على ارتكاب جريمة أو مجموعة جرائم من المنصوص والمعاقب عليها قانونا، لذا فإن خلق العداوة والبغضاء والكراهية لدى شخص آخر لا يرقى لمرتبة التحريض، لذا فالموضوع المحدد لعملية التحريض هو ارتكاب جريمة بعينها[2]، وأن يكون مباشر وبفعل إيجابي.
2- الركن المادي للتحريض
قوام السلوك في جريمة التحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى الفاعل و/أو إيجاد التصميم لديه على ارتكابها، وتقتضي فكرة خلق الجريمة أن ذهن الفاعل كان في الأصل خاليا منها، لولا تحريضه من قبل الشخص المحرض وجعله يصمم عليها، كما قد تكون الفكرة من الفاعل ابتداء لكن المحرض جعله يصمم على تنفيذها، بعدما كان الفاعل مترددا بخصوص ذلك، وكل النشاطات السابقة عبارة عن أفعال إيجابية لا سلبية، وبالتالي يمكن القول بأنه لا تحريض عن طريق الامتناع أو بعمل سلبي، أيا كانت دلالته الإجرامية، فسكوت الشخص أمام فاعل يروي له تفاصيل الجريمة التي سيرتكبها لا يجعله مرتكبا لجريمة التحريض كون موقفه كان سلبيا في حين التحريض جريمة إيجابيا.
والسلوك الإيجابي في جريمة التحريض غير مقيد باستعمال طريقة محددة – وإن كان مقيد بالوسيلة المادية-، فقد يكون التحريض عن طريق القول أو الكتابة، وقد يكون باللفظ العادي أو بوسائل الاتصال أيا كان نوعها، طالما كانت الوسيلة معبرة عن إرادة المحرض وقصده في خلق فكرة الجريمة لدى الغير وجعله يصمم على ارتكابها. والأصل في التحريض أن يكون شخصيا، موجه لشخص أو أشخاص محددين ويمكن تعيينهم، دون اشتراط توفر العلم بين الأطراف، كون التعارف بينهما ليس من شروط قيام جريمة التحريض، غير أن توجيه التحريض لأشخاص غير محددين يعد جريمة مستقلة بحد ذاتها، وهي الجريمة المنصوص والمعاقب عليها في القانون الجزائري بموجب المادة 100 منه[3]. كما يجب أن يكون التحريض منصبا على ارتكاب جريمة من جرائم قانون العقوبات دون اشتراط نوعها أو ذكر وصفها القانوني للفاعل، وإنما يكفي التحريض على ارتكاب الواقعة المكونة لركنها المادي، وبالإضافة إلى كل ما سبق، حددت المادة 41/2 الوسائل التي بموجبها يتم التحريض، وهي الوسائل أو الأفعال التي بينت على سبيل الحصر لا على سبيل المثال، وبالتالي المسألة قانونية لا يجوز تفسيرها تفسير واسعا، كما لا يجوز القياس عليها، وهذه الوسائل في قانون العقوبات الجزائري من الوسائل المادية التي يشترط إتيانها قبل ارتكاب الجريمة، ويمكن الاستعانة فيها بوسيلة واحدة أو أكثركما يجوز جمعها كلها وهــــي:
1- الهبـــــة:
والهبة قد تكون مبلغا من المال، كما قد تكون أي عقار أو منقول أو سلعة من السلع، أو عبارة عن تقديم خدمة، ويمكن أن تقدم بطريقة مباشرة أو مجرد الوعد بتقديمها، غير أن كل ما يشترط فيها أن يكون تقديمها أو الوعد بتقديمها سابقا على ارتكاب الجريمة.
2- الوعـــــد:
الوعد هو أن يقطع الجاني على نفسه وعدا بأداء خدمة أو أداء عمل أو تقديم هبة للفاعل في حال ما إن ارتكب الجريمة المحرض على ارتكابها، بشرط أن يقطع مثل هذا الوعد قبل تنفيذ هذه الجريمة.
3- التهديــــد[4]:
التهديد هو أن يقوم الشخص المحرض بالضغط على إرادته بتهديده بارتكاب أفعال أو القيام ببعض التصرفات التي من شأنها أن ترهب المهدد وتدفعه لارتاب الجريمة[5]، ويشترط أن يكون التهديد أيضا سابقا على ارتكاب الجريمة.
4-إساءة استعمال السلطة أو الولاية:
وفي هذه الحالة، يشترط أن يكون للشخص المحرض سلطة على المنفذ، وهي السلطة التي قد تكون قانونية كسلطة الرئيس على المرؤوس[6]، وقد تكون فعلية كسلطة رب العمل على العامل، أو كأن تكون ولاية كولاية الأب على أبناءه، فيستغل مثل هؤلاء مثل هذه السلطة لتحريض تابعيهم لتنفيذ الجريمة.
5- التحايل والتدليس الإجرامي:
التدليس الإجرامي هو تعزز الكذب بأفعال مادية ومظاهر خارجية تساهم في إقناع الغير بالانصياع لرغبة المحرض، وذلك باتخاذه لأفعال مادية كاذبة تشجع وتدفع الغير لارتكاب الجريمة.
وبالتالي جريمة التحريض يجب وأن تتم بإحدى هذه الوسائل أو أكثر، وهي الوسائل التي نذكر بأنها وردت على سبيل الحصر لا المثال، وهي كلها من الوسائل المادية التي يشترط إتيانه قبل إقدام المنفذ على ارتكاب الجريمة التي حرض عليها، وبشرط أن يكون التحريض موجه لشخص أو أشخاص محددين لا لعامة الناس، كون التحريض العام سبق القول أيضا أنه جريمة مستقلة قائمة بذاتها ( المادة 100 ق ع ج).
ثالثا: الركن المعنوي لجريمة التحريض
جريمة التحريض جريمة عمدية، يجب أن يتوفر لدى الشخص المحرض القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، وهو العلم بأن سلوكه يؤدي إلى خلق فكرة الجريمة لدى المنفذ أو على الأقل جعله يصمم عليها إن كانت الفكرة أصلا من المنفذ، وأن يريد هذه الجريمة والنتائج التي تتمخض عنها، لكنه لا يسأل عما زاد من نتائج محتملة لم يكن يعلمها ولا يريدها.
لفرع الثاني
الشروع والاشتراك في التحريض
باعتبار التحريض جريمة قائمة بذلتها وفقا للقانون الجزائري، حيث أنها جريمة تنتهي بإقناع الشخص الذي حرض بارتكاب الجريمة، وبتقديم إحدى الوسائل المادية المذكورة حصرا في المادة 41/2 ق ع ج، فيكون بذلك المحرض مقترفا لجريمة التحريض بغض النظر عن ارتكابها من قبل الشخص الذي حرض من عدمه، ففي حال ما لم ينفذها سأل فقط المحرض عن جريمة التحريض، وفي حال ارتكبها الفاعل سأل عنها كفاعل مادي مباشر وسأل الآخر كمحرض، لذا نتساءل عما إن كانت جريمة التحريض تقبل الشروع والاشتراك، وه ما نتناوله في النقطتين التاليتين.
أولا: الشروع في جريمة التحريض
جريمة التحريض تبدأ بتقديم إحدى الوسائل المذكورة أعلاه، وتنتهي بخلق فكرة الجريمة أو تزيينها لدى الجاني وخلق التصميم لديه على ارتكابها، وبالتالي هي جريمة يمكن القول بنوع من التجاوز أنها مستقلة – نقول بنوع من التجاوز، لأن الحقيقة القانونية أن المشرع جعلها جريمة مساهمة لا مستقلة- وتنتهي عند هذا الحد، فالمحرض في حقيقة الأمر فاعل أصلي لجريمة التحريض، وليس له أي دور في الجريمة الأصلية التي يرتكبها المنفذ، لذا فإن عدم إتمام المنفذ للجريمة التي حرض عليها، أمر خارج في حقيقته عن إرادة المحرض، لكن ذلك لا ينفي عنه أنه قام بجريمة التحريض التي توقفت عند حد الشروع، وهو تفسير البعض للمادة 46 من تقنين العقوبات الجزائري[7]، غير أننا لا نوافق هذا الرأي، كون جريمة التحريض نتيجتها خلق فكرة الجريمة لدى الجاني وجعله يصمم على ارتكابها، وبالتالي في الحالة السابقة الجريمة كانت تامة وليست مجرد جريمة انتهت في طور الشروع. لكن يمكن تصور العدول عن جريمة التحريض، في الحالة التي يخلق فيها الجريمة في ذهن الفاعل وجعله يصمم على ارتكابها ويقدم وسيلة من الوسائل المحددة بالمادة 41/2، ولكن قبل إقدام الفاعل على التنفيذ يسارع ويسحب وسيلته المادية، وهنا إن كان العدول اضطراريا أمكن القول بقيام لشروع في التحريض، وفقا للقواعد العامة، وإن كان اختياريا لا عقاب على الفعل، إعمالا للقواعد العامة في جريمة الشروع دوما.
.
ثانيا: الاشتراك في التحريض
إذا كان هناك محرضا واحد وفاعلا واحدا للجريمة، عد كل منهما فاعلا أصليا لها، الأول بصفته محرض والثاني بصفته فاعل أصلي لها، ما لم تتوفر شروط الإكراه في حالة استعمال التهديد، غير أنه يثار التساؤل عما إن كان يمكن تصور تعدد المحرضين. إن طبيعة وسائل التحريض التي تعد كلها من الوسائل المادية، تسمح بقبول فكرة الاشتراك في التحريض، كأن يشتري أحدهما هدية ويقدمها للثاني الذي يقدمها بدوره للمنفذ ويخلق فكرة الجريمة في ذهنه ويجعله يصمم على ارتكابها، وبذلك يكون مقدم الهدية شريك في التحريض، بشرط أن يتوفر لديه قصد الاشتراك في التحريض وتتجه إرادته لذلك، كون جريمة التحريض جريمة عمدية، التي تشرط العلم والإرادة بالسلوك وبالنتائج، لذا فهو لا يسال عن النتائج المتجاوزة لقصده. ولا يشترط أن يكون عالما بالمنفذ، بل كل ما يشترط أن يكون عالما بوجود جريمة التحريض على جريمة.
المطلب الثالث
الفاعل المعنوي كمساهم أصلي
الفاعل المعنوي كصورة من صور المساهمة الجنائية نصت عليه المادة 45 من تقنين العقوبات الجزائري، ويقصد بالفاعل المعنوي الشخص الذي يستخدم شخص آخر كأداة لارتكاب الجريمة، وأن يكون هذا الشخص غير مسؤول جنائيا بسبب وضعه أو صفته الشخصية، وذلك باستعمال أية وسيلة من الوسائل، سواء كانت تلك المبينة في التحريض أو غيرها، وقد عرف المؤتمر الدولي السابع لقانون العقوبات المنعقد في أثينا سنة 1957 الفاعل المعنوي، أنه :" من يدفع نحو ارتكاب الجريمة منفذا لا يمكن مسائلته جنائيا". لذا فهناك وجه شبه كبير بين المحرض والفاعل المعنوي، وهو ما نبينه في فرع، لنتناول في الثاني أركان جريمة الفاعل المعنوي.
الفرع الأول
الفرق بين المحرض والفاعل المعنوي
وبالتالي، الفاعل المعنوي يقترب كثيرا من المحرض، غير أن الأخير يحرض شخص مسؤول جنائيا مستعملا في ذلك وسيلة مادية من الوسائل المحددة حصرا بنص المادة 41/2، في حين الأول، يستعمل شخص غير مسؤول جنائيا أو شخص حسن النية وكأنه أداة مادية، حيث قد يكون شخص غير مسؤول جنائيا، مثل الصغير غير بالغ سن الرشد والمجنون[8]، أو بسبب وضعه كأن يكون حسن النية[9]، ولا يشترط في ذلك استعمال وسيلة محددة. وقد نص المشرع الجزائري على الفاعل المعنوي بموجب المادة 45 التي قضت على انه:" من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها."[10].
لذا فوجه التشابه بين المحرض والفاعل المعنوي، أن الأول يستعمل شخص مسؤول جنائيا، في حين الثاني يستعمل شخص كأداة مادية، وعليه فإن المنفذ في التحريض يعاقب باعتباره الفاعل الأصلي للجريمة المحرض عليها، في حين لا فاعل أصلي للجريمة في حالة فاعل معنوي لأنه شخص منذ البداية غير معاقب عليه ، وفي كلا الجريمتين لا ينفذان الجريمة بنفسيهما بل بغيرهما. لكننا نرى بأن المنفذ في حالة الفاعل المعنوي قد يخضع لتدبير من تدابير الأمن، بينما حسن النية فلا يعاقب لانتفاء القصد لديه والخطأ فالجريمة إن كانت تقوم بالخطأ سأل عنها كأن يكون ملزم بواجب التحري. والحيطة والحذر .
الفرع الثاني
أركان جريمة الفاعل المعنوي
جريمة الفاعل المعنوي جريمة شأنها شأن سائر الجرائم الأخرى، تحتاج لقيامها الأركان الثلاثة العامة، وإن كان الركن الشرعي لا يطرح أي إشكال وهو نص المادة 45 من تقنين العقوبات الجزائري. فإننا سنركز على الركنين المادي والمعنوي.
أولا: الركـن المادي لجريمة الفاعل المعنوي
على عكس جريمة التحريض، فإن المشرع الجزائري لم يحدد الوسائل التي يلجأ إليها الفاعل المعنوي لأجل الدفع بالشخص المستعمل كأداة لارتكاب الجريمة، وعلى ذلك فكل الوسائل يمكن أن تصلح لقيام جريمة الفاعل المعنوي، بل وتقوم حتى في ظل انعدم مثل هذه الوسائل. بشرط أن يحرض الشخص حسن النية
أو غير المسؤول جنائيا، على الركن المادي لجريمة من الجرائم المعاقب عليها قانونا، دون شرط تبين وصفها أو تكييفها، كما لا يشترط التعارف بين الشخصين، حيث كل ما يلزم أن يعلم الشخص أنه يحرض شخص غير مسؤول أو غير معاقب بسبب وضعه أو صفته. وبالتالي هي جريمة تقوم بنشاط إيجابي ينصب على خلق فكرة الجريمة لدى الشخص ودفعه لارتكابها شأنه شأن التحريض.
ثانيا: الركن المعنوي لجريمة الفاعل المعنوي
المنفذ في جريمة الفاعل المعنوي مجرد أداة مادية استخدمت في تنفيذ الجريمة، وبالتالي فلا مسؤولية ولا عقاب عليه، فهو لا بالفاعل الأصلي ولا بالشريك، بل المسؤول الوحيد هو الفاعل المعنوي وهو مسؤول عن النتائج التي أرادها وتلك التي لم يردها أو لم يتوقعها أصلا، لأنه كان عليه أن يتوقع بأن يتعامل مع شخص غير مميز وغير مدرك وعليه أن يضع في حسبانه أن هذا الشخص قد يتجاوز ما طلب منه.
المبحث الثاني
المســـاهمة التبـــعية ( الاشتراك )
يقصد بالمساهمة التبعية أو ما يسمى بالاشتراك، تعدد الجناة في المرحلة السابقة على البدء في تنفيذ الجريمة، سيما في مرحلة التحضير والإعداد للجريمة، فهي لا تعني قيام الجاني بدور أصلي أو رئيسي في تنفيذ الركن المادي للجريمة، وإنما القيام فقط بالأدوار الثانوية أو التبعية السابقة عن هذا التنفيذ، غير أنها أفعال ترتبط بالنتيجة النهائية المترتبة عن الجريمة برابطة سببية، دون أن تعتبر هذه الأفعال أو الأعمال في ذاتها بدءا في تنفيذ الجريمة، وبعبارة أخرى أكثر اختصارا، الشريك هو الشخص الذي يقوم بنشاط تبعي غير رئيسي يرتبط بجريمة ارتكبها فاعل أو فاعلين أصليين برابطة سببية[11]. وبالتالي الشريك في حقيقة الأمر لا يرتكب فعلا مجرما قانونا في حد ذاته، وإنما يكتسب صفته الإجرامية من الفعل التنفيذي الذي يرتكبه الفاعل الأصلي للجريمة، وبالتالي ما دام أن الشريك لم يرتكب أي نشاط أو سلوك أو فعل يدخل في التكوين القانوني ( النموذجي ) للركن المادي للجريمة، وبالتالي في حقيقة الأمر لا يوجد نص قانوني يطبق على هذا الفعل، ما دام النص الذي يعاقب على الجريمة التي ارتكبها الفاعل الأصلي لا يطبق على فعل الشريك، وهنا في حقيقة الأمر أين ظهرت نظريتي الاستعارة والتبعية، والخلاف الفقهي الذي ساد الفقه حول البحث في طبيعة العلاقة بين الفاعل الأصلي والشريك. وقد بين المشرع الجزائري معنى الشريك في نص المادة 42 من تقنين العقوبات، بينما بين نص المادة 43 من يعد في حكم الشريك، وبعبارة أخرى النص الأول بين الشريك الفعلي، بينما بينت المادة 43 الشريك حكما – إن صح القول-. حيث باستقراء المادتين تتبين أركان الاشتراك. وسنبين في مطلب أركان الاشتراك، لنتناول في الثاني بعض الأوضاع المتعلقة بالاشتراك.
.
المطلب الأول
أركـــان الاشتراك
لكي تقوم جريمة الشريك ويعاقب بهذا الوصف، لا بد من توفر الأركان الثلاثة العامة المشترطة لقيام أي جريمة، غير انه يمكننا القول بأن الشرط المفترض الأول هو وقوع الجريمة الأصلية التي يرتكبها الفاعل الأصلي، وأن تكون الأعمال الثانوية التي ارتكبها الشريك مرتبطة بهذه الجريمة برابطة سببية، وهي أفعال الاشتراك التي بينتها نصوص القانون، ويشترط أخيرا أن يكون الشريك متعمدا هذه المساهمة.
الفرع الأول
الركن الشرعي للاشتراك
نصت المادة 42 من تقنين العقوبات الجزائري على أنه:" يعد شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا[12]، لكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأعمال التحضيرية
أو المسهلة أو المنفذة لها مع عله بذلك.". بينما بينت المادة 43 من هم في حكم الشريك، وهي المادة التي نصت على أنه:" يأخذ حكم الشريك من اعتاد أن يقدم سكنا أو ملجأ أو مكان للاجتماع لواحد أو أكثر[13]، من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع العلم بسلوكهم الإجرامي[14]."، وباستقراء المادتين، يمكن القول أن الاشتراك هو كل من عاون الفاعل
أو الفاعلين الأصليين في ارتكاب جناية أو جنحة، سواء تمت أو توقفت عند حد الشروع، وأن تنصب هذه المساعدة أو المعاونة على المرحلة التحضيرية للجريمة، أو لتسهيل ارتكابها ماديا، أو تسهيل تنفيذها، وبالتالي النظرة المجردة لنوع هذه الأعمال غير معاقب عليها قانونا وفقا لما تناولناه في نظرية الشروع، غير أنها تنجذب لدائرة التجريم لكونها ترتبط بجريمة الفاعل الأصلي وكانت سببا معينا أو مسهلا لتنفيذها، وهو في الحقيقة تجسيد فعلي لنظرية الاستعارة على الأقل في جانبها التجريمي الموضوعي دون الشخصي – سنبين مسألة استثناء الاستعارة الشخصية لاحقا-، لذا وما دامت أفعال الشريك غير معاقب عليها في حد ذاتها بل لارتباطها بالجريمة الأصلية، لذا فهذه الأخيرة يجب أن تتوفر فيها بعض الشروط، أهمها:
1- أن يشكل الفعل الذي يقوم به الجاني جريمة من الجرائم المعاقب عليها قانونا. لكن بوصف الجناية
أو الجنحة، إذ لا مساهمة ولا اشتراك في المخالفات.
2- ألا يكون فاعل الجريمة الأصلية توفر لديه سبب من أسباب الإباحة، لأنه سبق القول أن مثل هذه الأسباب يستفيد منها كل من ساهم في ارتكاب الجريمة، سواء كان فاعلا أصليا أو مجرد شريك.
كما تجب الإشارة إلى بعض العناصر المتمثلة في أن إفلات الفاعل الأصلي من العقاب لا يمنع من قيام الاشتراك وعقاب الشريك في حال امتناع مسؤولية الفاعل الأصلي أو قيام مانع من موانع العقاب لديه. لأنها أسباب شخصية يستفيد بها المتوفرة لديه دون غيره. كما أن عدم عقاب الفاعل الأصلي بسبب قيام عذر لديه لا يحول دون عقاب الشريك، كون العذر أيضا من السباب الشخصية.
الفرع الثاني
الركن المادي للاشتراك
لعقاب الشريك عن الأفعال التي ساعد بها الفاعل الأصلي، يجب وأن يرتكب أو يأتي إحدى أفعال الاشتراك المنصوص عليها في المادتين 42 و 43 من تقنين العقوبات الجزائري، وهي أفعال وردت على سبيل الحصر، كوننا بصدد نص تجريمي يجب إعمال مبدأ الشرعية بخصوصه، وهي بالتالي أفعال أو أعمال لا يجوز تفسيرها تفسيرا واسعا لا القياس عليها، وهذه الأعمال هي:
أولا: أعمال المساعدة أو المعاونة
أعمال المساعدة أو المعاونة، هي كل فعل أو عمل من شأنه أن يعين أو يساعد أو يدعم به الشريك الفاعل الأصلي، بشرط أن تبقى هذه الأفعال في حدود مرحلة ما قبل البدء في تنفيذ الجريمة، أو بعد ذلك دون أن يظهر الشريك على مسرح الجريمة، لأن الظهور على مسرح الجريمة (مكان ارتكاب الجريمة) يجعل من الشخص فاعلا أصليا لا مجرد شريك، لذا فالشريك يجب أن يساعد الفاعل الأصلي في المرحلة التحضيرية لارتكاب الجريمة، كشراء سلاح وتقديمه للفاعل مع علمه بهدف هذا الأخير. أو أن تكون هذه الأعمال معاصرة لارتكاب الجريمة لكن بعيد عن مكان تنفيذها. أما أعمال المساعدة اللاحقة لارتكاب الجريمة، فليست وسيلة من وسائل الاشتراك، وإنما يمكن أن تشكل جريمة مستقلة بذاتها، غير أن بعض الفقه يرى أنه يمكن الاشتراك بأعمال لاحقة على ارتكاب الجريمة، بشرط أن يكون هناك اتفاق سابق بين الشريك والفاعل الأصلي على القيام بها، وهنا يكون الشخص شريكا بالاتفاق لا بالمساعدة، مثل تدبير الشخص الوسائل اللازمة لتمكين الجناة من الفرار، أو إخفاء معالم الجريمة بعد ارتكابها، وإن لم يكن هناك اتفاق، فهذه الأعمال تعد جريمة مستقلة، مثل إخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة، أو التستر على الفارين، أو أي جريمة يعاقب عليها المشرع بصفة مستقلة، ويعد الشخص فاعلا أصليا فيها. لا شريك في الجريمة الأخرى التي أخفى فيها المعالم أو الآثار.
ثانيا: إيواء الأشرار أو إخفائهم
إيواء أو إخفاء الأشرار في حقيقته يعد عملا من الأعمال اللاحقة لارتكاب الجريمة الأصلية، التي من المفروض أن تخضع لما ورد سابقا، غير أنه وتطبيقا للمادة 43 اعتبرت من يقوم بمثل هذه الأفعال في حكم الشريك، لكن بتوفر الشروط الواردة بهذه المادة، وهذه الشروط المحددة حصرا هي : الاعتياد أو تكرار تقديم مسكن أو ملجأ لأشرار يقومون بأعمال اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو الأشخاص
أو الأموال، والاعتياد يعني قيام الشخص بمثل هذه الأعمال لأكثر من مرة واحدة، بمعنى من ارتكب الفعل لأول مرة لا يعد كذلك.
وقد أضاف المشرع الجزائري في المادة 91 من قانون العقوبات صورة أخرى من صور الاشتراك، وهي المتمثلة في أعمال المساعدة اللاحقة أيضا، حيث نصت هذه المادة على أنه: المادة 91 ( المادة 60 من القانون 06-23 المؤرخ في: 20-12-2006):" مع عدم الإخلال بالواجبات التي يفرضها سر المهنة، يعاقب بالسجن المؤقت لمدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تتجاوز عشرين سنة في وقت الحرب، وبالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج في وقت السلم، كل شخص علم بوجود خطط أو أفعال لارتكاب جرائم الخيانة أو التجسس أو غيرها من النشاطات التي يكون من طبيعتها الإضرار بالدفاع الوطني ولم يبلغ عنها السلطات العسكرية أو الإدارية أو القضائية فور علمه بها. علاوة على الأشخاص المبينين في المادة 42 يعاقب باعتباره شريكا من يرتكب دون أن يكون فاعلا أو شريكا أحد الأفعال الآتية:
1- تزويد مرتكبي الجنايات والجنح ضد أمن الدولة بالمؤن أو وسائل المعيشة وتهيئة مساكن لهم أو أماكن لاختفائهم أو لتجمعهم وذلك دون أن يكون قد وقع عليه إكراه ومع علمهم بنواياهم،
2- حمل مراسلات مرتكبي هذه الجنايات وتلك الجنح وتسهيل الوصول إلى موضوع الجناية أو الجنحة
أو إخفائه أو نقله أو توصيله وذلك بأي طريقة كانت مع علمه بذلك.
وعلاوة على الأشخاص المعنيين في المادة 387 ق ع ج[15]، يعاقب باعتباره مخفيا من يرتكب من غير الفاعلين أو الشركاء الأفعال الآتية:
1- إخفاء الأشياء أو الأدوات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجناية أو الجنحة والأشياء
أو المواد أو الوثائق المتحصلة من الجنايات أو الجنح مع علمه بذلك،
2- إتلاف أو اختلاس أو تزييف وثيقة عمومية أو خصوصية من شأنها تسهيل البحث عن الجناية أو الجنحة أو اكتشاف الدليل عليها مع علمه بذلك.
ويجوز للمحكمة في الحالات المنصوص عليها في هذه المادة أن تعفي أقارب أو أصهار الفاعل لغاية الدرجة الثالثة من العقوبة المقررة."
الفرع الثالث
الركن المعنوي لدى الشريك
جرائم الاشتراك من الجرائم العمدية، لذلك يشترط لدى الشريك توفر القصد الجنائي لديه بعنصريه العلم والإرادة، العلم بكل الأفعال التي تؤدي إلى تحقيق النتيجة، سواء كانت من أفعاله أو أفعال غيره، وأن يريد النتائج المترتبة عنها، ولا يسأل عما زاد عن ذلك من نتائج متجاوزة قصده، فهو يسأل فقط في حدود قصده.
المطلب الثاني
الأوضاع الخاصة للاشتراك والعقاب عليه
باعتبار الاشتراك جريمة معاقب علها قانونا، فهي تحتاج على دراسة مدى جواز قيام الشروع فيها، وكذا جواز القول بالاشتراك في الاشتراك، وتحديد العقوبة المقررة للشريك.
الفرع الأول
الشروع والاشتراك في الاشتراك
بالنظر لخصوصية جريمة الاشتراك التي تعد في الأصل جريمة غير معاقب عليها لولا قيام الفاعل الأصلي بجريمته، فيمكن القول بأن الاشتراك جائز في الجنايات والجنح التامة، منا يجوز الاشتراك في الجرائم الناقصة ( جرائم الشروع)، جرائم معاقب عليها أيضا، فيجوز الاشتراك في الشروع في جناية
أو الشروع في جنحة، بشرط أن تكون الجنحة مما يعاقب على الشروع فيها، غير أن ما يحتاج الدراسة هو الشروع في الاشتراك، والاشتراك في الاشتراك، الذين نتناولهما في النقطتين التاليتين.
أولا: الشروع في الاشتراك:
يرى البعض أنه لا يمكن الحديث عن الشروع في الاشتراك، سيما في الفروض التي تنتفي فيها رابطة سببية بين السلوك والجريمة المتحققة، كون الشروع يفترض أن الفعل المرتكب لم يمتلك القدرة الفعلية على تحقيق النتيجة، وبما أن الاشتراك ليس جريمة قائمة بذاتها ومستقلة عن الجريمة الأصلية، وبالتالي لا يمكن الشروع في الاشتراك لأن الشروع يستلزم البدء في تنفيذ جريمة وفقا للنص التجريمي الأصلي. وبالتالي من يباشر عمل من أعمال الاشتراك، دون أن تتفاعل سببيا مع الجريمة الأصلية المرتكبة، لا يمكن اعتباره شريكا في الجريمة لأنه شرع في الاشتراك فيه، ومثال ذلك إعارة شخص مسدس لشخص آخر لأجل قتل أحد الأشخاص، فيقوم الجاني بقتله عن طريق الخنق لا باستعمال المسدس، فلا يد شريكا كونه انتفت العلاقة السببية بين فعله والنتيجة التي تحققت. وهي نقطة تقود لدراسة أثر عدول الشريك على قيام الجريمة.
ثانيا: عدول الشريك
عدول الشريك قبل بدء الفاعل الأصلي في تنفيذ جريمته مقبول قانونا، أما ذلك غير جائز بعد البدء في تنفيذ الجريمة من قبل الفاعل الأصلي. غير أن التساؤل يثار حول مسألة عدول الفاعل الأصلي عن ارتكاب جريمته، وهنا يمكن القول بأن الاشتراك غير معاقب عليه في حد ذاته ما لم تقع الجريمة الأصلية من قبل الفاعل الأصلي، وبالتالي الشرط الأولي لعقاب الشريك هو ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونا من قبل الفاعل الأصلي، غير أنه في حالة عدول هذا الأخير لا نكون بصدد جريمة، وبالتالي لا اشتراك جنائي في فعل لا يعد جريمة[16].
ثالثا: الاشتراك في الاشتراك
الاشتراك في الاشتراك أمر جائز، مثل الصيدلي الذي يقدم مادة سامة لشخص آخر مع علمه أن هذا الأخير سيسمم بها شخص آخر، ورغم ذلك يريد مساعدته على ارتكاب هذه الجريمة بمثل هذه المادة، فيعد كلاهما شريك في جريمة القتل بالتسميم. وذهب بعض الفقه إلى القول أن الاشتراك في الاشتراك لا عقاب عليه، كونه مساهمة في فعل لا عقاب عليه في حد ذاته، لأنه سبق القول بأن أفعال الاشتراك لا عقاب عليها ما لم يرتكب الفاعل الأصلي الجريمة الأصلية ما لم تكن هناك علاقة اتصال مباشر بين الشريك والفاعل الأصلي، غير أن هذا الرأي لا أساس قانوني له، كون القانون يعاقب على الاشتراك متى وجدت علاقة بين الفعل الأصلي وأفعال الاشتراك، وأن توفرت رابطة ذهنية بين الفاعلين، وبالتالي شريك الشريك يعاقب عن الجريمة التي ارتكبها الفاعل الأصلي بوصفه شريكا فيها لا بوصفه شريك الشريك.
الفرع الثاني
عقوبة الاشتراك وأثر الظروف على عقوبة الشريك
نصت المادة 44 من تقنين العقوبات الجزائري على أنه: يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة. ولا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو الإعفاء منها إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف. والظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم فيها يترتب عليها تشديدها أو تخفيفها، بحسب ما إذا كان يعلم أو لا يعلم بهذه الظروف.ولا يعاقب على الاشتراك في المخالفة على الإطلاق.".
وبالتالي يتضح أن كل مساهم مستقل بظروفه الشخصية سواء كانت مشددة أو مخففة أو معفية من العقاب أو من المسؤولية، أما بالنسبة للظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة فتسري على كل من ساهم في الجريمة سواء بوصفه فاعلا أصليا أو مجرد شريك، بشرط توفر العلم بها، أي أن يعلم بها الشريك[17].
hadia369
2013-01-29, 00:22
الفصل الرابع
الركن المعنوي للجريمة
إن مجرد ارتكاب ماديات الجريمة المتمثلة في عناصر ركنها المادي، لا تكفي لقيام الجريمة قانونا ومسائلة فاعلها جنائيا، بل يجب أن يتوفر لدى مرتكبها قدر من الخطأ أو الإثم، وهو ما اصطلح على تسميته بالركن المعنوي للجريمة[18]، المتمثل في توفر صلة نفسية بين الفاعل وماديات الجريمة[19]، وبالتالي يمكن القول أنه لا جريمة بدون خطا مهما كانت النتائج التي تمخضت عنها، وهو ما يعني أيضا توفر صلة نفسية بين الفاعل والنتيجة التي تحققت، بحيث يمكن وصف هذا السلوك بأنه سلوك خاطئ أو مؤثم[20]. فالجريمة إذن يجب وأن تقوم على ركنين أساسيين، بالإضافة إلى الركن الشرعي، هما الركن المادي المتمثل في ماديات الجريمة التي تعد المظهر الذي تبرز به في العالم الخارجي، وركن معنوي يتحقق بموقف الإرادة من الفعل المادي، وهو الموقف الذي قد يتخذ صورة القصد، كما قد يتخذ صورة الخطأ، وكلاهما يفترض القدرة على توجيه الإرادة نحو ماديات الجريمة، غير أنه في حالة القصد تتجه الإرادة نحو الفعل والنتيجة معا، وفي حالة الخطأ تتجه الإرادة نحو الفعل دون النتيجة، التي تتحقق بصورة غير مقصودة.
والمشرع لا يشير إلى هذه العلاقة النفسية بين الفاعل والفعل، إلا بكلمة واحدة في العادة، كاستعماله عبارة " من يرتكب عمدا"[21]، " عن قصد أو بقصد"[22]، أو بغرض[23]، " مع العلم"،" أو "بإهمال"[24]، أو " بنية"[25]... كون معظم القوانين لم تتصد لتعريف الركن المعنوي للجريمة، لذا فالفضل يعود لفكر الفقه الجنائي الحديث في تحديد نطاق الركن المعنوي للجريمة واستجلاء غموضه، وجعل القانون يعاقب الأشخاص ليس لأنهم " فعلوا" وإنما لأنهم " أخطئوا"، وعليه فقد أصبح من المبادئ الراسخة في الوجدان القانوني الجنائي المعاصر، وهو المبدأ القاضي بأنه :" لا عقوبة دون خطأ"، وما يزال تحتفظ به القوانين من جرائم غير عمدية، هو مجرد استثناء على المبدأ في حدود لا تنال من فعاليته وأهميته[26]. وبذلك يعد الركن المعنوي من الأركان التي لا تصور لقيام الجريمة بدونه، كقاعدة عامة باعتباره العنصر النفسي لها، فلكي تقوم المسؤولية الجنائية لمقترف الفعل المجرم لا تكفي مجرد النسبية المادية للفعل له، وإنما يلزم أن تتوافر رابطة نفسية بينهما تصلح أن تكون أساسا للحكم بتوافر العنصر المعنوي أو الأدبي للجريمة.
أهمية الركن المعنوي
يعد الركن المعنوي من أهم مكونات البناء القانوني للجريمة، الذي لا يكتمل – هذا البناء القانوني- إلا بهذا الركن، الذي إن لم يتوفر فلا نكون أمام جريمة عمدية، وإن كان يمكن أن يجعلنا أمام جريمة غير عمدية إن كان الفعل يقبل مثل هذا الوصف، وبتوفر هذا الركن تكتمل الجريمة قانونا ويحق مسائلة فاعلها من جهة، ومن جهة ثانية، تظهر أهمية الركن المعنوي، في أنه الركن الذي يلعب دورا كبيرا في تحديد وتقدير الجزاء المقرر لمرتكب الجريمة، إذ يتدرج الجزاء الجنائي في جسامته ومقداره، بقدر درجة الإثم أو الخطأ التي يكشف عنها الركن المعنوي للجريمة، عكس العصور الماضية التي كانت فيه درجة الجزاء ترتبط فحسب بدرجة وجسامة العدوان المادي الذي وقع وما أسفر عنه من نتائج دونما أي اعتداد بما توافر لدى الجاني من خطأ. كما تكمن أهمية هذا الركن، في كونه ضمانة لتحقيق العدالة، كون توقيع عقوبة على شخص لم تربطه صلة نفسية بجريمة ارتكب مادياتها، يعد مجافاة للعدالة، كون هذه الأخيرة تقتضي أن يوقع الجزاء الجنائي فقط على المخطئ في أفعاله، والخطأ لا يمكن تصوره إلا لدى شخص توفرت لديه رابطة نفسية بينه وبين الفعل الذي اقترفه، وهي الرابطة التي تبين اتجاه إرادته لمخالفة أحكام القانون الجنائي بارتكابه لهذا الفعل، وبذلك فقط تكون إرادته مخطئة أو آثمة أو منحرفة.
علاقة الركن المعنوي بفكرة المسؤولية الجنائية
دون استعراض مختلف التطورات التاريخية، يمكننا القول بأن ظهور الركن المعنوي للجريمة، كان نتيجة التطورات التي عرفتها فكرة المسؤولية الجنائية، بالرغم من استقلال كل منهما عن الآخر، كون الركن المعنوي ركن من الأركان العامة للجريمة، في حين المسؤولية الجنائية، هي حصيلة أركان الجريمة مجتمعة، والتي تؤدي عند قيامها أو ثبوتها إلى خضوع الجاني للعقاب. وبذلك المسؤولية الجنائية، وعلى عكس الركن المعنوي، نتيجة قانونية لقيام الجريمة أو أثر من آثارها لا ركن من أركانها[27].
وكخلاصة للتمهيد لدراسة الركن المعنوي للجريمة، يمكن القول أن قانون العقوبات أو القانون الجنائي، يخاطب بأوامره ونواهيه الإنسان الواعي المدرك صاحب الإرادة الحرة والسليمة فقط، لذا فالشخص يسأل عن الأفعال التي يأتيها وهو مدرك لما يقوم به من أفعال ومقدر لمدى خطورتها قانونا، وهذه الإرادة وهذا الإدراك هما اللذان يتشكل منهما الركن المعنوي للجريمة، وهو القول الذي ينطبق على كل الجرائم سواء كانت عمدية أو غير عمدية[28]. الأمر الذي جعل الفقه يرى بأن الركن المعنوي بصفة عامة، يتطلب مجموعة من العناصر تكاد تكون مشتركة بين في كل صور هذا الركن، وهذه العناصر هي: إرادة النشاط المكون للركن المادي للجريمة، العلم بكافة العناصر الواقعية الجوهرية اللازمة قانونا لقيام الجريمة، العلم بصلاحية النشاط لإحداث النتيجة، توافر موقف نفسي للفاعل إزاء النتيجة، فقد يريدها وقد يتوقعها فقط ويعتقد بقدرته على تجنبها.
صور الركن المعنوي للجريمة:
للركن المعنوي للجريمة صورتين، صورة القصد الجنائي ونكون بصدده متى كانت إرادة الفاعل واعية وتقصد وتريد إحداث النتيجة المجرمة قانونا، وصورة الخطأ الجنائي ونكون بصددها متى كانت إرادة الفاعل مهملة في ارتكاب النشاط المادي وغير قاصدة تحقيق النتيجة المجرمة قانونا، والتي يرتبط توقيع الجزاء الجنائي بحصولها، لذا سنحاول تقسيم دراسة الركن المعنوي للجريمة إلى مبحثين، نتناول في الأول القصد الجنائي أو الجرائم العمدية أو القصدية، لنتناول في الثاني صورة الخطأ الجنائي أو الجرائم غير العمدية.
.
المبحث الأول
القصد الجنائي أو القصد الجرمي ( العمـــــــد)
بالرغم من أن القصد مشترط في كل الجرائم العمدية، غر أن المشرع لم يعرفه، وترك المهمة للفقه الذي تصدى بغزارة لوضع تعريف لهذا العنصر القانوني المهم، لذا سنحاول أن نتناول محاولات الفقه الزاخرة في هذا الشأن في إطار مطلب أول نتناول من خلاله مفهوم القصد الجنائي لنتناول في الثاني عناصر القصد الجنائي، وفي الثالث أنواع وصور القصد الجنائي.
المطلب الأول
مفهوم القصد الجنائي
يقتضي موضوع القصد الجنائي وتحديد ماهيته، أن نتناول التعريف به وتبيان عناصره والخلاف الفقه الذي ثار بشأن ذلك. من خلال الفروع التالية.
الفرع الأول
التعريف بالقصد الجنائي وتحديد أبعاده
أولا: تعريف القصد الجنائي
يعني القصد الجنائي لغة، توجيه الإرادة نحو تحقيق هدف ما، أما اصطلاحا في لغة القانون الجنائي، فيعني توجيه الإرادة نحو ارتكاب الفعل المحظور قانونا، وهناك من القوانين التي عرفت القصد الجنائي، منها القانون الجنائي اللبناني في المادة 188 منه التي عرفت القصد بأنه:" إرادة ارتكاب الجريمة على نحو ما عرفها القانون". أما فقهيا، فالفقهاء اختلفوا منذ عدة قرون حول ما إن كان القصد عنصرا نفسيا بسيكولوجيا، أو مجرد حركة أو امتناع أدى إلى تحقيق النتيجة المجرمة قانونا، وتمخض عن هذا الخلاف ظهور نظريتين رئيسيتين تنازعتا في تعريف القصد الجنائي، النظرية التقليدية للقصد والنظرية الوضعية.
1- النظرية التقليدية ( الكلاسيكية) للقصد:
ومن أهم زعماء هذه النظرية الفقيه الفرنسي ( إميل غارسون)، وحسبه فإن القصد يعني:" إرادة الشخص ووعيه وعلمه بأنه يرتكب فعلا أو امتناعا مجرم قانونا"، وبالتالي حتى يكون الإنسان متعمدا
أو مرتكبا لجريمة عن قصد، يكفي أن يكون مدركا لخطورة سلوكه، وعالما بأن هذا السلوك محظور قانونا، وما دام هذا العلم مفترضا تطبيقا لقاعدة " لا عذر بجهل القانون" فيكفي عمليا حسب أنصار هذا الاتجاه، أن يكون السلوك المكون لركن المادي للجريمة صادرا عن إرادة حرة غير مكرهة، وعن وعي وإدراك سليم، أي ألا يكون الشخص منعدم الأهلية أو مجنونا أو مكرها[29]، وبعد ذلك لا يهم أن يكون الفاعل صاحب إرادة آثمة أو صاحب خطورة إجرامية على المجتمع، أم أن فعله ناتج عن مجرد عدم استقامة أو سوء تقدر أو عدم توقع لنتائج فعله، وبالتالي هي نظرية لا تفرق أصلا بين العمد ومجرد الخطأ، ونفهم بأنه يرون بأنه للركن المعنوي صورة واحدة هي صورة العمد. وهو وضع النظرية الشخصية دوما التي تركز على الإرادة دون الفعل.
2- النظرية الوضعية أو الواقعية:
وهي النظرية التي نجد على رأس أنصارها الفقيه الإيطالي ( أنريكو فيري) وهو رائد المدرسة الوضعية الحديثة في علم الإجرام، وبحسبه القصد لا يعني فقط إرادة مجردة، بل القصد يعني الباعث الشرير الذي دفع بالشخص إلى ارتكاب الجريمة، فالفعل لا يعاقب عليه القانون إلا إذا نتج عن رغبة حقيقية في المساس بالمجتمع، وكلما انعدمت الإرادة الآثمة وكان الباعث نبيلا انتفى القصد وانعدمت المسؤولية الجنائية للفاعل، وهنا نلاحظ أننا لا زلنا بصدد النظرية الشخصية، المركزة على الإرادة الآثمة، والخلط بين الركن المعنوي والمسؤولية الجنائية، وهي نظرية لا تستقيم مع ما هو معمول به قانونا، سيما وأن القوانين الحديثة لا تحفل بالبواعث.
ثانيا: تحديد القصد الجنائي
باستقراء الاجتهاد القضائي المطبق في الدول الغربية، خاصة في فرنسا، نجد بأن آراء المدرسة التقليدية هي المطبقة، كما يبدو ذلك من معظم النصوص القانونية الجزائية، ولعل ذلك راجع لواقعية وبساطة هذه النظرية وسهولة تطبيقها في تحديد القصد الذي يعتمد تحديده على:
- الإدراك: وهو أن الإنسان ما دام مدركا وغير مجنون وغير مكره أو غير مميز جنائيا فإن إدراكه مفترضا.
- الإرادة: لا يكفي العنصر الذهني السابق، بل لا بد أن يصدر الفعل عن إرادة حرة غير مكرهة.
- العلم: وهو العنصر المفترض في غالب الأحيان، والذي يعني علم الشخص بأنه يرتكب سلوكا محظور قانونا.
والعناصر الثلاثة السابقة من العناصر السهلة الاستخلاص والاستنتاج، كونها عناصر ملموسة تمكن القاضي من استخلاص القصد بكل سهولة، دون الاعتماد على الجوانب النفسية والبسيكولوجية الصعبة الإثبات. وتبعا لما سبق، يمكن تعريف القصد بأنه:" إرادة النشاط والعلم بالعناصر الواقعية الجوهرية اللازمة لقيام الجريمة، وبصلاحية النشاط لإحداث النتيجة المحظورة قانونا مع توفر قصد تحقيق ذلك"، وبالتالي يمكن القول بأن عناصر العمد أو القصد الجنائي هي ذاتها عناصر الركن المعنوي، والمتمثلة عموما في: إرادة النشاط المكون للركن المادي للجريمة سواء تمثل في فعل إيجابي وهو الغالب دوما، أو مجرد امتناع أحيانا. العلم بالعناصر الواقعية الجوهرية اللازمة لقيام الجريمة. العلم بصلاحية النشاط أو الامتناع لإحداث النتيجة[30]. توافر الصلة النفسية بين الفاعل والنتيجة متمثلا هذا العنصر في قصد تحقيق هذه النتيجة، وينبغي أن يكون هذا القصد واضحا لا لبس فيه على نحو يأخذ فيه صورة العزم واليقين.
الفرع الثاني
عناصر القصد الجنائي
كل التعاريف التي قيلت في تعريف القصد الجنائي، تدور حول محورين أو نقطتين أساسيتين، الأولى وهي " الإرادة"، والثانية وهي : العلم"، فبخصوص الإرادة تتجه غالبية التعريفات إلى ضرورة اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة، وبخصوص العلم فيشترط أن يعلم الجاني بجميع أركان هذه الجريمة، وبتحقق هذين العنصرين مجتمعين يقوم القصد الجنائي وبانتفائهما أو انتفاء أحدهما ينتفي هذا القصد.
أولا: عــنصر العــلم
يعد العلم كعنصر مكون للقصد الجنائي، حالة نفسية تجعل من مرتكب الجريمة عالما بجميع أركانها وعناصرها وفقا لما حدده ورسمه المشرع في النص الجنائي أو في النموذج القانوني للجريمة، وينتفي العلم بالجهل بهذه العناصر والأركان[31]، وبانتفاء العلم ينتفي القصد، مثلما ينفيه أيضا الغلط[32]. غير أنه العلم بعناصر الجريمة يقتضي تبيان العناصر التي يقتضي العلم بها، وتلك العناصر التي لا تؤثر في قيام عنصر العلم، التي حتى وغن لم يعلم بها الجاني، قام قصده الجنائي، وهو ما نتناوله في النقطتين التاليتين.
1- العناصر التي يتعين العلم بها:
يقوم عنصر العلم كأحد أهم أركان القصد الجنائي، على العلم بالعناصر والوقائع التي تعطي الوصف المتميز لجريمة ما مقارنة بسائر الجرائم الأخرى، وذلك وفقا لما رسمه المشرع في إطار النموذج التشريعي لها، وعلى العموم يعني العلم الإحاطة بكل واقعة ذات أهمية قانونية في تكوين الجريمة، سواء كانت عناصر أساسية أو مفترضة. وأهم هذه العناصر والوقائع:
أ – محل الجريمة أو الحق المعتدى عليه:
العلم بموضوع الجريمة، أو الحق أو المصلحة المعتدى عليها من أهم العناصر الواجبة لقيام الجريمة وبالتالي يجب أن يعلم بها الجاني، مثل ملكية الغير للمال المسروق في جريمة السرقة، وكون الإنسان حي في جريمة القتل... وأن كل جهل بهذا العنصر يجعل من العلم منتفيا وينتفي بذلك القصد الجنائي.
ب- العلم بأن الفعل الذي يأتيه الجاني محظور قانونا، أي أنه يشكل جريمة من جرائم قانون العقوبات، وإن كانت مسألة العلم بالقانون قد أثارت العديد من الجدل الفقيه.
ج- العلم بزمان ومكان ارتكاب الجريمة، لكن متى كان هذين العنصرين من العناصر المكونة للجريمة، كجريمة التجمهر في مكان عام أو جريمة السكر العلني والقذف في مكان عام والمزايدة في زمن الحرب والكوارث الطبيعية...
د- العلم بالظروف المتطلبة قانونا في الجاني أو المجني عليه، كالعلم بحمل المرأة أو افتراض حملها في جريمة الإجهاض، والعلم بأن الشخص جزائري في جريمة الخيانة، والعلم بصفة الموظف في جريمة الرشوة، والعلم بالمرأة المتزوجة في جريمة الزنا...
ه- توقع النتيجة كون مجرد الغلط في النتيجة ينفي القصد الجنائي، ويسأل الشخص عن جريمة غير عمدية إن كان يمكن قيامها بهذا الوصف.
2- الوقائع التي لا يتعين العلم بها
من أهم العناصر أو الوقائع التي لا يشترط العلم بها لقيام هذا العنصر الهام من عناصر القصد الجنائي، هي كل المسائل والعناصر التي تخرج عن نطاق تكوين أركان الجريمة، مثل نص قانون العقوبات والظروف المشددة للعقوبة والأهلية الجنائية وتوافر شروط العقاب.
أ- نص قانون العقوبات:
لا يشترط لتوفر القصد الجنائي أن يعلم الجاني علما حقيقيا بنص قانون العقوبات أو القوانين المكملة له، بحيث أن كل جهل أو خطا في فهم وتفسير هذه النصوص لا يؤثر على توفر القصد الجنائي تطبيقا للمبدأ الدستوري " لا يعذر أحد بجهل القانون"، والتي نصت عليه بعض القوانين صراحة ضمن نصوص قانون العقوبات، كالقانون اللبناني في نص المادة 223 منه التي قضت انه:" لا يمكن لأحد أن يحتج بجهله الشريعة الجزائية أو تأويله إياها تأويلا مغلوطا فيه." حيث هناك قاعدة افتراض علم الكافة بأحكام قانون العقوبات.
ب- الظروف المشددة للعقوبة:
لا يشترط أيضا لقيام القصد الجنائي لدى الجاني، أن يعلم الأخير بالظروف المشددة للعقاب، كونها ليست من العناصر التي تدخل في التكوين القانوني للجريمة، بل هي مجرد ظروف تتعلق بمسائل أخرى، في حين أن القصد الجنائي يتعلق بأركان الجريمة دون غيرها، لذا فالشخص الذي نسي أنه مسبوق فلا يؤثر على قيام ظرف العود لديه.
ج- عناصر الأهلية أو المسؤولية الجنائية:
مثلما سبق القول، فإن كل المسائل غير المتعلقة بأركان الجريمة ليس لها علاقة بالقصد الجنائي، لذا فعناصر الأهلية الجنائية أو عناصر المسؤولية الجنائية لا يؤثر العلم أو الجهل بهما في شيء على عنصر العلم المتطلب في قيام القصد الجنائي، فمن كان يعتقد بإصابته بمرض عقلي عند ارتكابه الجريمة ثم تبين انه سليم، فإن ذلك لا يؤثر على قصده الجنائي.
د- شروط العقاب:
ما قيل بخصوص الظروف المشددة للعقوبة وعناصر الأهلية والمسؤولية الجنائية يمكن قوله بخصوص شروط العقاب. التي لا يؤثر الخطأ أو الجهل بها بشيء في قيام القصد الجنائي.
ثانيا: عنصـر الإرادة
الإرادة قوة داخلية نفسية تتحكم في سلوك الإنسان وتوجهه، وهي بذلك نشاط يصدر عن وعي وإدراك بهدف بلوغ هدف معين، والإرادة في القانون الجنائي، هي القوة المسيطرة والموجهة للسلوك المادي نحو تحقيق نتيجة محظورة قانونا، أو مجرد قيادة هذا السلوك في الجرائم الشكلية. وقد ثار خلاف فقهي بخصوص علاقة الإرادة بالنتيجة، ما دامت الإرادة تسيطر فقط على السلوك وان النتيجة اثر له، ومعنى ذلك أنه لا أثر للإرادة على النتيجة، فهي كل ما تتحكم به هو السلوك، غير أن مناقشة هذه المسألة تنازعته نظريتان أيضا، نظرية العلم ونظرية الإرادة. نظرية العلم، ويرى أنصارها بأن الرابطة بين النتيجة والإرادة هي رابطة ضعيفة، فمجرد وجود علاقة ولو بسيطة ( مجرد تصور أو توقع للنتيجة) يكفي للقول بإرادة النتيجة، كون هذه الأخيرة مجرد نتيجة طبيعية للسلوك لا يمكن السيطرة عليها، كونها حصلت كنتيجة لاحقة لهذا السلوك ولا يمكن للإرادة أن تسيطر على الأفعال اللاحقة للسلوك. أما أنصار نظرية الإرادة، فيرون ضرورة أن تكون الرابطة بين الإرادة والنتيجة رابطة قوية بحيث تتجه إرادة الفاعل إليها وترغب في تحقيقها، بحيث تسيطر الإرادة على النتيجة مثلما تسيطر على السلوك.
الفرع الثالث
لحظة توفر القصد الجنائي وكيفية إثباته
أولا: لحظة توافر القصد الجنائي
إذا كان القصد الجنائي هو إرادة تحقيق الركن المادي للجريمة مع العلم بعناصره، فيجب لقيامه أن يتعاصر مع الركن المادي دون تفرقة بين ما يعد سلوكا وما يعد نتيجة، وإن لم تكن هناك صعوبة مثلا في جريمة القتل الفورية أين يطلق الشخص النار على آخر فيرديه قتيلا، فهنا يعد القصد قد تحقق في اللحظتين معا، لحظة إتيان السلوك، ولحظة تحقق النتيجة الفورية، غير أنه قد يحدث أن يتوفر القصد في إحدى اللحظتين دون الأخرى، وذلك لا يمنع من القول بتوفره أيضا، كالشخص الذي يندم بعد وضعه السم في طعام شخص آخر، غير أن الوفاة تحدث، فهنا يكون القصد متوفرا في حقه بالرغم من قيامه فعلا لحظة إتيان السلوك وتخلفه لحظة تحقق النتيجة، أو في الحالة العكسية – أين يتحقق القصد لحظة النتيجة دون أن يكون متوفرا لحظة السلوك-، مثل الصيدلي الذي يخطئ في تركيب دواء طلبه منه شخص معين، فيضع في هذا الدواء مادة سامة ويسلمه للمريض ثم بعد أن يغادر الأخير يكتشف خطأه لكن يمتنع عن تنبيهه مع قدرته على ذلك، رغبة منه في تحقق نتيجة الوفاة، ففي هذه الحالة أيضا يعد القصد متوفرا بالرغم من معاصرته فقط للنتيجة وتخلفه لحظة إتيان السلوك. وبهذا يمكن القول باختصار، أنه يكفي قيام القصد بعنصريه العلم والإرادة في أية مرحلة من مراحل تنفيذ الركن المادي، كون هذا الأخير حتى وإن أمكننا نظريا تحليله لعناصر، غير أن ذلك لا ينال من حقيقته كوحدة مادية واحدة يكفي توفر القصد فيها في أية لحظة من لحظاتها.
ثانيا: إثبات القصد الجنائي
القصد يعد ركن من أركان الجريمة التي لا قيام لها بدونه، لذا يجب إثباته وإقامة الدليل على توفره، وتلك مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض، غير أن إثبات المسائل النفسية لا يكون بطريق مباشر وإنما بطرق غير مباشرة بالاستدلال والاستنتاج من ظروف وملابسات كل قضية على حدة، خاضعا في ذلك للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع دون رقابة عليهم من محكمة النقض، لأنها مسألة استنتاج ليس هناك مظهر بذاته يقطع بتوفره على سبيل الحتم والجزم واليقين. ويجب أن يظهر في الحكم وإلا كان معيبا ومعرضا للنقض والإبطال.
المطلب الثاني
صور القصد الجنائي
يقسم فقهاء القانون الجنائي القصد الجنائي ( العمد ) عدة تقسيمات، فيقسم إلى قصد عام وقصد خاص، وقصد محدد وقصد غير محدد، وقصد مباشر وقصد غير مباشر.. وفي الغالب المشرع لا يرتب أية نتيجة قانونية على هذه الأنواع، ما عدا بخصوص التقسيم الأول- القصد العام والقصد الخاص- لكن باقي التقسيمات الأخرى يرى الفقه أن أثرها ينحصر في تقدير العقوبة الموقعة على الجاني، دون أن يكون لها أثر على الجريمة وقيامها.
الفرع الأول
القصد الجنائي العام والقصد الجنائي الخاص
أولا: القصد الجنائي العام
القصد الجنائي العام هو القصد المطلوب في كل الجرائم العمدية، وينحصر في إطار النموذج التشريعي المنصوص عليه في النص، ولا يمتد للغرض الذي يسعى إلى تحقيقه الجاني، وبغض النظر عن غاية وباعث الجاني من وراء اقترافه الجريمة، بل ينحصر فقط في الهدف الضروري والمباشر للسلوك الإجرامي، وهو بذلك لا يختلف من جاني لآخر في الجريمة الواحدة.
ثانيا: القصد الجنائي الخاص
القصد الجنائي الخاص، هو ذلك القصد الذي نكون بصدده عندما يتطلب القانون بالإضافة إلى القصد الجنائي العام، تحقق غاية معينة يبتغيها الجاني، وتكون هي التي دفعته لارتكاب الجريمة، وهي التي يستدل عليها بطرح سؤال بسبب ارتكاب الجاني لجريمته، لذا فالغاية التي يتضمنها القصد الخاص في حقيقتها مسألة خارجة أصلا عن وقائع الجريمة المتطلبة في تكوين نموذجها التشريعي، تؤدي في حال اشتراطها إلى اكتمال الركن المعنوي للجريمة. ولا يختلف القصد الجنائي العام على القصد الجنائي الخاص من حيث العناصر المكونة لكل منهما، كون القصد الجنائي الخاص يتطلب بدوره عنصري العلم والإرادة في حدود معينة تدور في الغاية التي يتطلبها المشرع، ونجد المشرع عندما يتطلب قصدا خاصا يستعمل عبارات مثل " بقصد" أو " بقصد الإضرار" أو " بغرض"....
الفرع الثاني
القصد الجنائي المحدود والقصد الجنائي غير المحدود
أولا: القصد الجنائي المحدود
نكون بصدد القصد الجنائي المحدود، لما يحدد الجاني بدقة موضوع جريمته ويحدد ويحصر النتائج المراد تحقيقها من خلالها، أما ارتكاب الجريمة دون تحديد موضوعها ولا النتائج المراد تحقيقها، يجعلنا بصدد قصد غير محدد، وكلا النوعين يشترطان العلم والإرادة دون أن يفرق القانون ما يترتب عنهما بخصوص العقوبات، فكلاهما معاقب عليه لكن كثيرا ما يعد القصد المحدد ظرفا مشددا بالنظر لجسامة النتائج المترتبة عنه.
الفرع الثالث
القصد الجنائي المباشر والقصد الجنائي غير المباشر ( الاحتمالي)
بالرغم من تشابه هذا التقسيم مع السابق، إلا أنه يختلف عنه في أساس التقسيم، حيث يعتمد في هذا التقسيم مدى اتجاه الإرادة إلى النتيجة والرغبة فيها أو قبولها، لذا يكون القصد مباشرا عندما تتجه إرادة الجاني لارتكاب الجريمة التي أرادها بكل عناصرها إلى تحقيق نتيجة معينة كأثر أكيد لسلوكه مع رغبة في حدوثها، مثل إطلاق النار على شخص محدد رغبة في قتله.
أما إذا كان الجاني يتوقع إمكانية حدوث النتيجة ما بارتكابه سلوكه المجرم دون أن يكون متأكدا من حدوث هذه النتيجة، باعتبارها ممكنة الوقوع، ورغم ذلك غامر بارتكاب هذا السلوك، فهنا نكون أمام قصد احتمالي غير مباشر باعتباره قد قبل النتيجة التي تحققت، بمعنى أننا نكون بصدد قصد احتمالي في جميع الحالات التي يتوقع فيها الجاني النتيجة كأثر ممكن من سلوكه ومع ذلك يتصرف كأنه قابل بحدوثها بدليل عدم تراجعه عن سلوكه.
hadia369
2013-01-29, 00:24
المبحث الثاني
الخطأ الجــــنائي
الركن المعنوي للجريمة غير العمدية
الجرائم إما أن تكون عمدية تقوم بتوفر القصد الجنائي هو الأصل، وإما غير عمدية تقوم بمجرد توفر الخطأ الجنائي[1]، فالجريمة العمدية إن كانت تقوم على قصد إتيان السلوك وترتيب النتائج الضارة المترتبة عليه، فالجريمة غير العمدية أو الجريمة الخطئية، فيكفي فيها إتيان سلوك حتى دون قصد إتيانه أو قصد تحقيق النتيجة. وغالبية المشرعين لم يعرفوا الخطأ، بل اكتفوا بتبيان صوره، وهي الصور التي تتضح في الغالب بمناسبة تجريم الجروح الخطأ والقتل الخطأ، وهو ما فعله المشرع الفرنسي في المادتين 319 و320 من تقنين العقوبات الفرنسي، التي أوردها المشرع الجزائري في المادتين 288 و289 من تقنين العقوبات الجزائري، وهي صور تبين بأن الخطأ هو إخلال الجاني بواجبات الحيطة والحذر التي تتطلبها الحياة الاجتماعية حتى ولو لم يتوقع النتيجة الإجرامية، كونه كان بإمكانه أن يتوقعها، لذا توصف إرادته في هذه الحالة بأنها آثمة لمجرد أنها لم تلتزم باتخاذ التدابير اللازمة لتفادي وقوع النتائج الضارة والمحظورة المترتبة عن سلوكه[2]. وعليه يظهر بجلاء الفرق بين الخطأ الجنائي والقصد الجنائي، كون الإرادة في الأول تسيطر على السلوك المادي دون النتيجة، هذه الأخيرة التي قد لا يكون يتوقعها أصلا، أو توقعها واعتقد أنه بإمكانه تجنبها، بينما في القصد تسيطر الإرادة على ماديات الجريمة وتسعى أيضا لتحقيق النتيجة وترغب فيها، لكن هذا القول لا يعني إطلاقا انعدام أية علاقة بين النتيجة والإرادة في الجرائم غير العمدية، بحيث أنه إذا ثبت بأن هذه العلاقة منعدمة فلا تقوم الجريمة ولا يسأل المتهم على النتيجة لأنه لم يثبت الخطأ في جانبه متى اتخذ قدر معين من الحيطة والحذر، أي اتخاذ جانب من الحيطة والحذر كافي لنفي القصد الجنائي.
المطلب الأول
ماهية الـــخطأ الجنائي
الخطأ الجنائي هو انحراف الشخص إراديا غير مكره عن واجبات الحيطة والحذر التي تقتضيها الحياة الاجتماعية، لذا فإتيانه سلوك متصف بالتهور يجعله سلوك محظور بالرغم من انتفاء قصد إتيانه، ومن ذلك يتضح أن الخطأ الجنائي مفهوم غير مفهوم القصد الجنائي، ويتعين تناول ماهيته وعناصره في الفرعين التاليين.
الفرع الأول
مفهوم الخطأ الجنائي
لم يعرف المشرع الخطأ الجنائي غير العمدي تاركا المهمة للفقه، الذي عرف الخطأ بأنه إخلال بالتزام عام يفرضه المشرع على الأفراد بالتزام الحيطة والحذر فيما يباشرونه من نشاط، وذلك حرصا على المصالح التي يحميها القانون[3]. وعرفه البعض بأنه " اتخاذ الفاعل سلوكا منطويا على خطر وخمول إرادته في منع هذا الخطر من التحول إلى ضرر" أو " إخلال شخص عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون، وعدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يفضي تصرفه إلى إحداث النتيجة الجرمية، سواء أكان لم يتوقعها في حين كان ذلك في استطاعته ومن واجبه، أم توقعها ولكن حسب غير محق أن بإمكانه تجنبها"،
أو هو :" اتجاه الإرادة إلى السلوك الإجرامي دون قبولها بتحقق النتيجة الإجرامية التي يفضي إليها هذا السلوك مع عدم الحيلولة دون وقوعها "، وقد عرفته محكمة النقض المصرية، بأنه تصرف الشخص تصرفا لا يتفق والحيطة التي تقضي بها ظروف الحياة العادية، فهو بذلك عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي أحاطت بالشخص المسؤول.
ويمكن أن نستنتج مما سبق بأن الخطأ الجنائي يقوم على فكرة " إمكانية التوقع" كونها الفكرة الضرورية التي بدونها لا يقوم الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية وتخرجنا لمجال الحادث الفجائي، خاصة وأننا بها نبقى في دائرة الإرادة اللازمة للركن المعنوي في صورتيه، القصد والخطأ، واستنادا لذلك يتلخص الخطأ غير العمدي في عدم توقع الجاني لما يترتب على سلوكه من نتائج، بالرغم من كون هذه النتائج في ذاتها مما يمكن توقعها، أو مما يجب أن يتوقعها، كما قد يرتكز على توقع الجاني لما يمكن أن يفضي إليه سلوكه، لكن رغم ذلك يمضي فيه معتقدا أنها نتائج قد لا تحدث، أو ظنا منه أنه اتخذ ما يلزم من احتياطات للحيلولة دون حدوث هذه النتائج، في حين أن مثل هذه الاحتياطات لم تكن كافية. لذا فبعيدا عن التعاريف، سنحاول تنال جوهر الخطأ وأساس العقاب عليه في النقاط التالية.
أولا: جوهر الخطأ
جوهر الخطأ يختلف من حيث الزاوية التي ينظر منها إليه، فمن وجهة نظر اجتماعية يتمثل جوهر الخطأ في إخلال الجاني بواجبات الحيطة والحذر، مما يترتب عليه إضرارا بالحقوق والمصالح التي يحميها القانون، وهو بذلك إتيان سلوك أو الإحجام عن إتيان سلوك ينطوي على خطر المساس ببعض الحقوق والمصالح التي تتطلب درجة من الحرص والانتباه حال التعامل معها أو التواجد في نطاقها المادي، ومن وجهة نظر نفسية يعد جوهر الخطأ في الغلط الذي ينشأ من الجهل ببعض الحقائق الاجتماعية أو القانونية فيما تمليه على الأفراد من واجب الالتزام بالسلوك الحريص، فتجربة الحياة تزودنا بمجموعة من الحقائق التي تخاطب الكافة، وقد لا تكون هذه الحقائق مكتوبة ومع ذلك فهي بمثابة قواعد اجتماعية ترسم حدود السلوك سواء باتباعه أو الواجب تفاديه.
ثانيا: أساس العقاب على الخطأ
الخطأ وعلى خلاف القصد الجنائي لا يعد سببا عاما لقيام المسؤولية الجنائية، بل يعتبر سببا خاصا لقيامها في جرائم معينة بذاتها، وإن كانت المسؤولية في القصد الجنائي هي مسؤولية أدبية قوامها الإثم
أو الخطيئة، فإن المسؤولية الجنائية في الخطأ هي أشبه ما تكون بمسؤولية اجتماعية قوامها الإضرار بالحقوق والمصالح القانونية بالإهمال أو الرعونة أو ما إلى ذلك من صور الخطأ، وبمعنى آخر لا يعاقب القانون الجاني في الخطأ عن إرادته الآثمة بل عما صدر عنه من نشاط صادر عن إرادة خاملة أو غافلة، وبالتالي المسؤولية الجنائية عن الخطأ لا تتقرر إلا بناء على نص خاص، إن لم يوجد امتنع العقاب عن السلوك كجريمة عمدية.
الفرع الثاني
عناصر الخـــطأ
تتحدد عناصر الخطأ في إرادة السلوك سواء كان فعلا أو امتناعا، وهو العنصر المشترك بين كافة صور الركن المعنوي، والعنصر الثاني انتفاء إرادة تحقيق النتيجة وهو العنصر الحاسم للتمييز بين القصد الجنائي والخطأ غير العمدي ، والعنصر الثالث هو انتفاء العلم بصلاحية السلوك لإحداث النتيجة كليا أو أن يتخذ هذا العلم أدنى درجاته وهي درجة الإمكان ، وأهم ما نتناوله عنصر العلم .
أولا: عنصر العلم
العلم في الخطأ غير العمدي يمثل عنصرا هاما كونه العنصر المميز للخطأ عن باقي صور الركن المعنوي للجريمة ويميز الخطأ حتى في حد ذاته، حيث أن موقف الجاني من العلم بصلاحية النشاط لإحداث النتيجة المحظورة قانونا يتحدد في إحدى الصور الثلاث التالية: إما انتفاء العلم كلية على نحو لا يتوقع فيه الجاني حدوث النتيجة وليس في مقدوره توقعها، وهي صورة تقترب أكثر لفكرة القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، وبالتالي تخرج من نطاق صور الخطأ تماما، كالشخص الذي تنفجر عجلة سيارته فجأة لخطأ في الصنع فيصدم شخصا ويرديه قتيلا، أو كالشخص الذي يصطاد في الليل في منطقة خالية تماما من السكان فيطلق رصاصة على ما رآه يتمشى معتقدا أنه فريسة فإذا به شخص، ففي مثل هذين المثالين انتفى علم الجاني بإمكانية إحداث سلوكه للنتيجة التي وقعت ولم يكن أصلا بإمكانه توقعها، وأما الصورة الثانية فهي انتفاء علم الجاني بصلاحية سلوكه لإحداث النتيجة مع عدم توقعه حصولها لكن كان بإمكانه أن يتوقع ذلك، كترك الأم سما أمام أطفالها مما يمكن أن يأخذه أحدهم، أما الصورة الثالثة فتتمثل في توفر علم الجاني بصلاحية سلوكه في إحداث النتيجة في أدنى درجات العلم، وهي درجة الإمكان، لكنه كان يأمل في عدم حصولها معتمدا في ذلك على مهارته وخبرته، ويسمى هنا الخطأ مع التبصر أو الخطأ الواعي، كمن يقود سيارته بسرعة كبيرة ليلا والشارع يخص بالمارة محاولا اللحاق بميعاد فاته ويترتب على ذلك أن يصدم أحد المارة ويودي بحياته.
ثانيا: عنصر الإدراك
وهو عنصر ذهني ضروري في كل الجرائم، سواء كانت عمدية أو غير عمدية، فالخطأ مثلما سبق القول هو انحراف عن السلك العادي المألوف، لذا يجب أن يكون المخطأ مدركا لتصرفاته، وإلا انتفى عنصر هام من عناصر الخطأ.
ثالثا: عنصر الإرادة
السلوك الذي يأتيه الشخص في الجرائم غير العمدية يبقى دائما سلوكا إراديا، لأنه أراد أن يتصرف على النحو الذي تصرف به، وكل ما في الأمر أنه لم يرد فقط تحقيق النتيجة التي ترتبت عن سلوكه، وهو ما يميز الخطأ عن العمد.
رابعا: عنصر الانحراف
يشترط لقيام الخطأ إمكانية نسب الضرر لمسببه، لذلك يشترط أن يثبت أن السلوك المنحرف للشخص هو الذي سبب النتيجة الضارة كما يجب أن يثبت بأنه سلوكه يشكل سلوك منحرف. لكن السؤال الذي يطرح، هو : ما المعيار الذي يمكننا من التمييز بين السلوك العادي السلوك المنحرف؟. بصدد البحث عن هذا المعيار، تأثر الفقه الجنائي بأفكار القانون المدني، وهو ما تجلى في فكرة وحدة الخطأين المدني والجنائي[4]، وذلك باستعارتهم معيار الخطأ من القانون المدني، وهو معيار الرجل العادي، حيث لكي يقاس سلوك الشخص وبحث ما إن كان منحرفا أم لا، يقاس بسلوك الرجل العادي الذي هو رب الأسرة العاقل المعتني بشؤون نفسه وشؤون أسرته، والذي لا هو بالرجل الخارق الذكاء ولا بالأبله، بل هو متوسط الحذر والذكاء والسن والثقافة، فإن وجدنا سلوك الشخص مخالف لسلوك هذا الرجل، قلنا بقيام الخطأ، وإن وجدنا بأن الشخص العادي كان سيتصرف مثلما تصرف الشخص انتفى الخطأ، دون أن يهمل في ذلك أيضا مختلف الظروف والملابسات المحيطة بالجريمة وهو أمر خاضع لسلطة قضا الموضوع دون رقابة عليهم من محكمة النقض.
المطلب الثاني
صور الخــــطأ الجنائي ودرجاته
للخطأ الجنائي صور حددها المشرع، وأثارت الخلاف ما إن كانت على سبيل الحصر أو على سبيل المثال، وفي العادة التشريعات متفقة بخصوصها، كما انه للخطأ درجات وحالات وضوابط وأثارت العديد من الجدل الفقهي، وهو ما نتناوله باختصار في الفرعين التاليين.
الفرع الأول
صور الخطأ الجنائي
حدد المشرع الجزائري صور الخطأ الجنائي بمناسبة نصه على أخطر الجرائم غير العمدية، وهما جريمتي الجروح الخطأ والقتل الخطأ، المنصوص والمعاقب عليهما بموجب المادتين 288 و289 من تقنين العقوبات الجزائري[5]، اللتان أوردتا صور الخطأ على سبيل الحصر لا المثال، لذلك لا يجوز القياس عليها ولا تفسيرها بصورة موسعة إعمالا لبدا الشرعية الجنائية، وهذه الصور هي: الرعونة، عدم الاحتياط، الإهمال وعدم الانتباه، عدم مراعاة الأنظمة والقوانين.
أولا: الرعــــــونة
وهي الصورة التي يسميها الفقه أيضا ب:" الخطأ الفني"، وهي تعني نوع من الطيش والخفة وسوء التقدير في عمل يتعين من القائم به أن يكون على دراية وعلم به، أو هي سوء تقدير للكفاءة والقدرة، وهي في العادة تنجم عن عدم مراعاة قواعد الخبرة الإنسانية الخاصة أو المهنية التي توجبها ممارسة مهنة
أو حرفة معينة، من ناحية، ومن ناحية ثانية، قد تنجم عن مسلك إيجابي يقوم به الجاني كان يتعين عليه الامتناع عن القيام به بالكيفية التي تم بها، أو في الوقت الذي تم فيه، كالطبيب الذي يقوم بإجراء عملية جراحية لمريض دون أن يراعي في ذلك أبسط الأصول المهنية والقواعد العلمية، فيترتب على ذلك موت المريض، أو دون أن يستعين بطبيب تخدير، أو يكتفي بتخدير موضعي بينما توجب الأصول العلمية أن يكون تخديرا كليا، وكذا صاحب البناء الذي يتقاعس عن صيانة عقاره وترميمه فيتسبب في قتل خطا. وعليه،
ومثلما تقدم، تقوم حالة الرعونة نتيجة موقف أو سلوك سلبي، في الحالات التي يحجم فيها الجاني عن اتخاذ عمل كان توجبه قواعد الخبرة المهنية باتخاذه، كالممرضة التي يستغرقها مشاهدة إحدى المسلسلات التلفزيونية أو مواصلة الثرثرة مع زميلاتها فلا تقوم إعطاء المريض المتواجد في حالة خطر دواءه في الميعاد المحدد بما يؤدي إلى وفاته.
ثانيا: عـــدم الاحتياط
وتسمى فقهيا أيضا " عدم الاحتراز"، وهي حالة تقوم بمجرد الاستخفاف بالأمر وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث الضرر الممكن تصور حدوثه من أمر قابل لإحداث مثل هذا الضرر، وبالتالي عدم الاحتياط في جوهره عبارة عن اتخاذ موقف إيجابي يتمثل في مباشرة الجاني لسلوك كان يتعين عليه الامتناع عن إتيانه، نظرا لما يترتب عليه من أضرار، وأن قواعد الخبرة الإنسانية العامة تأبى إتيان مثل هذه السلوكات في مثل هذه الظروف، كسائق السيارة الذي يقود سيارته بسرعة جنونية في شارع مليء بالمارة فيصدم أحدهم فيقتله، أو كالأب الذي يسلم ابنه الصغير عجلا فيفلت منه ويصدم أحد الأشخاص فيقتله.
ثالثا: الإهمال وعدم الانتباه
الإهمال هو سلوك يتمثل في عدم بذل الشخص العناية اللازمة في عمل يتطلب مثل هذه العناية، كمن يهمل صيانة سيارته ويصدم شخصا بسبب عدم اشتغال المكابح، وبالتالي الإهمال هو اتخاذ موقف سلبي من عمل كان يتعين اتخاذه وفقا لما تمليه قواعد الخبرة الإنسانية العامة، مما يجعل من هذا الامتناع يرتب نتائج ضارة، كامتناع حارس ممر السكة الحديد عن إغلاق ممر الراجلين وقت مرور القطار مما يجعله يصدم أحد المارة، أو الأم التي تترك رضيعها بجوار موقد غاز مشتعل مما يؤدي إلى سقوطه في إناء ماء مغلي. أما عدم الانتباه فهو انحراف يتمثل في عدم اكتراث الشخص بضرورة اليقظة الدائمة فيسبب ذلك ضررا للغير.
رابعا: عدم مراعاة الأنظمة والقوانين
على خلاف صور الخطأ السابقة التي تقوم كلها على مخالفة قواعد الخبرة الإنسانية العامة
أو الأصول العلمية والمهنية، فإن هذه الصورة تعد أبسط وأسهل صور الخطأ للإثبات، إذ يكفي مقارنة سلوك الشخص مع متطلبات القوانين والأنظمة، فمجرد كون السلوك مخالفا للوائح والأنظمة تقوم الجريمة، مثلما هو الأمر في مخالفة قوانين المرور أو قواعد البوليس المنظمة لحركة سير المركبات واستخدام الآلات والأسلحة، ويستوي في هذه القواعد أن تكون صادرة عن السلطة التشريعية كما هو الشأن بالنسبة للقوانين بالمعنى الضيق للمصطلح، أو عن السلطة التنفيذية مثل لوائح التنفيذ والتنظيم والضبط، أو صادرة عن السلطات الإدارية في الحدود المسموح لها بإصدار مثل هذه اللوائح، وفي هذه الصورة قد يجد الشخص نفسه أمام جريمتين، جريمة مخالفة الأنظمة واللوائح حتى وإن لم يترتب عليها أي ضرر، وجريمة أخرى تتمثل فيما أحدثته هذه المخالفة من أضرار للغير. ومخالفة الأنظمة واللوائح عبارة عن خطأ مفترض لا تلتزم المحكمة بإقامة الدليل على توفره، على خلاف صور الخطأ الأخرى، فبمجرد مخالفة الأنظمة والقوانين ينعت سلوك المخالف بالخاطئ، وافتراضه يرقى لمرتبة حد القرينة القاطعة التي لا تقبل إثبات العكس.
والملاحظ بأن هذه الصورة الوحيدة من صور الخطأ التي لا يشترط فيها المشرع حصول نتيجة معينة بل مجرد مخالفة اللائحة أو النظام يقيم الجريمة، بل أن حصول نتيجة محظورة قانونا تجعل الشخص يسأل عن جريمتين. مما يجعل من هذه الصورة جريمة شكلية أو جريمة سلوك محض، على خلاف باقي الصور الأخرى التي تعد فيها الجريمة غير العمدية جريمة مادية ذات نتيجة ضارة يشترطها المشرع لقيام الجريمة.
الفرع الثاني
ضابط الخطأ الجنائي وحالاته
اختلف الفقه بخصوص الضابط الحاكم للخطأ، وكالعادة انحصر الخلاف بين المذهبين الموضوعي والشخصي، وظهر الاتجاه التوفيقي، كما حاول الفقه تحديد حالات الخطأ، وهو ما نبينه في النقطتين التاليتين.
أولا: ضابط الخطأ
بعد أن تتحدد صورة الخطأ على النحو السابق، وجب البحث عن المعيار الذي يقاس به هذا الخطأ، وثار تساؤل عما إن كان يرجع في ذلك إلى معيار شخصي يتمثل فيما توقعه الجاني بالفعل، أو كان بإمكانه أن يتوقعه، أو فيما كان يجب أن يتخذه من احتياطات، أم يرجع في ذلك إلى معيار موضوعي يتمثل في معيار الرجل العادي المتمثل في الشخص متوسط الذكاء والحذر والحيطة بعيدا عن حرص الجاني ذاته؟، وهنا كالعادة ظهر المعيار الموضوعي المعتمد على " معيار الرجل العادي"، والذي انتقد على أساس أنه معيار مادي لا يلاءم فكرة نفسية متمثلة في الركن المعنوي، لذا طرح البعض المعيار الشخصي المتمثل في بحث موقف الجاني نفسه في ظروفه الآنية والواقعية مع مختلف جوانب شخصيته وما يتمتع به من ذكاء وقدرات، وبالتالي إن كان الجاني ولا أحد سواه يعلم أو يتوقع بصلاحية سلوكه لإحداث النتيجة قام الخطأ في جانبه، أما إذا كان الجاني متواضع القدرات ومحدود الخبرة وقليل الذكاء يجهل بصلاحية سلوكه لإحداث النتيجة أو لا يتوقع ذلك فإن الخطأ ينتفي في جانبه، ويميل الفقه إلى اعتبار المعيار الشخصي أكثر ملائمة لتقدير فكرة الخطأ واستخلاص عنصر العلم لدى الجاني. وغالبية الفقه يرى أنه يجب إعمال معيار مختلط يجمع ما بين المعيار الشخصي والمعيار الموضوعي، حيث يؤخذ من المعيار الموضوعي معيار الشخص العادي إذا وجد ضن نفس الظروف، حيث إذا وجد الجاني قد التزم بقدر من الحيطة والحذر في تصرفه يوافق ما كان يفعله الشخص المعتاد الذي وجد في مثل ظروفه، انتفى خطأه، أما إذا بذل قدرا من الحيطة والحذر أقل من ذلك نسب إليه الخطأ. نحن نرى أن هذا المعيار ما هو إلا تكريس لمعيار موضوعي، ونرى أنه بما أننا بصدد الركن المعنوي فالقاضي يأخذ في اعتباره دوما المعيار الشخصي باعتبار الركن المعنوي ينطوي أكثر على جوانب نفسية أكثر منها موضوعية.
ثانيا: حالات الخطأ
للخطأ حسب غالبية الفقه، حالتين أيا كانت الصورة التي اتخذها، وهي إما أن يكون خطئا واعيا وإما أن يكون خطئا غير واعي. فالخطأ الواعي faute consciente، ويسمى أيضا الخطأ بتبصر أو الخطأ المصحوب بتوقع، هو الحالة التي يتوقع فيها الجاني حصول النتيجة الضارة لكنه لا يريدها، ويأمل في عدم حدوثها، إما نتيجة لاحتياط اتخذه يحول دون حدوثها في حين لم يكن كافيا، والحالة التي لا يتخذ فيها أصلا أي احتياطات للحيلولة دون حدوثها، مما يعني أنه يستوي لديه حدوثها من عدمه. والحالة الثانية، هي الخطأ غير الواعي faute inconsciente، ويطلق عليه أيضا الخطأ بغير تبصر أو الخطأ غير المصحوب بتوقع، وهي الحالة التي لا يتوقع فيها الجاني حدوث النتيجة الضارة، في حين كان يجب عليه أن يتوقع ذلك أو من واجبه أن يتوقعها، وطالما لم يتوقع الجاني النتيجة، فإنه على عكس الحالة السابقة لا يتخذ أي إجراءات تحول دون حدوث النتيجة.
الفرع الثالث
الخطأ المدني والخطأ الجنائي
نصت المادة 124 وتقابلها في القانون المصري المادة 163 التي نصت على أنه :" كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض" ، وبالتالي المشرع المدني لم يحصر صور للخطأ كما لم يحدد لها درجات.لذا ثار تساءل منذ زمن، ما إن كان المشرع الجنائي بدوره يرتب المسؤولية الجنائية عن الخطأ أيا كانت درجته، أم أنه خلافا للمشرع المدني يستلزم أن يرقى الخطأ إلى درجة من الجسامة حتى يمكن أن يرتب المسؤولية الجنائية غير العمدية . ولقد ساد ولزمن طويل قديما أن الخطأ يقسم إلى ثلاث درجات، الخطأ الجسيم الذي تكون نتيجته الضارة متوقعة من قبل الجميع، والخطأ البسيط، الذي يكون ضرره متوقع فقط من قبل الرجل المعتاد، والخطأ اليسير جدا وهو الخطأ الذي يكون ضرره غير متوقع وغير ممكن إلا بانتباه غير عادي يفوق انتباه ما يحظى به الرجل العادي، وهي الدرجات الثلاث التي يجب أن ينظر إليها في كل حالة على حده آخذين بعين الاعتبار للسن ودرجة الثقافة، وكان التساؤل في ظل هذه التفرقة : بأي درجة يقوم الخطأ الجنائي ؟ وما إن كان يقوم كل من الخطأ المدني والخطأ الجنائي بدرجة واحدة؟ وهو السؤال الذي تنازع إجابته اتجاهان.اتجاه أول : استقلال الخطأ المدني عن الخطأ الجنائي، ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن ما يقوم به الأول لا يجب أن يقوم به الثاني، وإن كان الخطأ الجسيم والبسيط قد يقوم بها كلا نوعي الخطأ، فإن الخطأ اليسير جدا لا يمكن أن يقوم به سوى الخطأ المدني، وذلك بالنظر لما بين الخطأين من فوارق، أهمها:اختلاف الخطأين من حيث الطبيعة، واختلافهما من حيث الجزاء، واختلافهما من حيث عبء الإثبات. والاتجاه الثاني : وحدة الخطأ الجنائي والخطأ المدني، يرى أنصار هذا الاتجاه أنه لا فارق بين الخطأين وأن ما يقوم به الخطأ المدني يصح أن يقوم به أيضا الخطأ الجنائي، خاصة وأن كلاهما يقاس بمعيار واحد هو معيار الرجل العادي، وكل ما هو موجود من فروق ينحصر في أن القانون المدني لم يبين صور الخطأ المدني في حين المشرع الجنائي حصر صوره ما ذلك إلا نتيجة تقيد المشرع بمبدأ الشرعية الجنائية. وهو الاتجاه الذي تحول إليه القضاء الفرنسي وما سايره أيضا القضاء المصري.
hadia369
2013-01-29, 00:26
المطلب الثالث
الشروع والاشتراك في الجرائم غير العمدية
باختصار شديد، وبالنظر لبساطة المسألة سوف لن نقسم هذا المطلب إلى فروع، حيث أنه لا شروع ولا اشتراك في الجرائم غير العمدية، خاصة وأن هذه الأخيرة في غالبيتها من المخالفات في حين سبق القول بأن الشروع لا يكون إلا في الجنايات وفي الجنح بموجب نص خاص ولا شروع إطلاقا في المخالفات، وهو نفس الوضع تقريبا بالنسبة للاشتراك....كما أنه لا ظروف تشديد ولا تخفيف بخصوص الجرائم غير العمدية ما عدا ما قضت به المادة 290 من تقنين العقوبات الجزائري التي تضاعف العقوبة المقررة في حالة ارتكاب الجريمة في حالة سكر أو ارتكاب الجريمة ومن بعدها محاولة الهرب من المسؤولية[6]، وإن كان ذلك قد يقيم أيضا جريمة أخرى هي جريمة التهرب من المسؤولية أو عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر.
الفصل الخامس
تصنيــــف الجرائم
سبق لنا القول عند تناولنا لتقسيمات الجريمة وتصنيفها بناء على الركن المعنوي للجريمة، الذي تناولنا فيه التقسيم الثلاثي أو القانوني، وكذا تمييز الجريمة إلى عادية وسياسية وعسكرية، أننا سنرجئ الحديث عن باقي التصنيفات والتقسيمات الأخرى المعتمدة على الركنين المادي والمعنوي، إلا ما بعد استيعاب كنه ومضمون وأبعاد هذين الركنين، لذا سنحاول أن نتناول من خلال مبحثين التصنيفات المعتمدة على الركن المادي، والأخرى المعتمدة على الركن المعنوي. على أننا سنختصر قدر الإمكان بخصوص بعض التصنيفات التي سبق تناولها في مواضع أخرى من هذه الدراسة، وكذا بخصوص الجوانب الإجرائية المتعلقة بفائدة التفرقة، كونها مسائل يصعب استيعابها قبل دراسة قانون الإجراءات الجزائية.
المبحث الثاني
تقسيم الجرائم بحسب طبيعة وتكوين الركن المادي
بالنظر للركن المادي للجريمة، يمكن تقسيم الجرائم عدة تقسيمات، منها ما يأخذ بعين الاعتبار عنصر الزمن الذي يستغرقه إتمام الركن المادي للجريمة، حيث تقسم الجرائم بالنظر إلى ذلك إلى جرائم وقتية وجرائم مستمرة، كما تقسم بحسب النظر إلى السلوك إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية، أو بالنظر لتعدده إلى جرائم اعتياد وجرائم بسيطة أو بالنظر إلى النتيجة إلى جرائم ذات النتائج وجرائم شكلية.
المطلب الأول
تقسيم الجرائم إلى وقتية ومستمرة
وأساس هذا التقسيم، هو الزمن الذي يستغرقه تحقق أركان الجريمة، الركن المادي والركن المعنوي معا، واستنادا لذلك تكون الجريمة وقتية إن لم يستغرق ارتكابها سوى برهة زمنية قصيرة، أما إذا امتد ذلك فتعد الجريمة مستمرة. والعبرة بالزمن الذي استغرقه الركن لا للأثر الذي ترتب عليها، فالقتل نتيجته إزهاق الروح إلى الأبد وبالتالي هو جريمة مستمرة الآثار، وليس هذا هو المقصود، وإنما وقتية السلوك التي أزهقت الروح، أما الجريمة المستمرة فركنها المادي مصحوبا بالركن المعنوي، يستغرق زمنا طويل نسبيا، سواء كان الاستمرار للسلوك دون النتيجة أو لهذه الأخيرة دون السلوك، فالاستمرار قد ينظر له من خلال الفعل كما قد ينظر له من خلال النتيجة الجرمية التي تحققت، بشرط أن تظل إرادة الجاني حاضرة طيلة الوقت الذي استغرقه الركن المادي، وبمعنى آخر مواكبة الركن المعنوي للركن المادي، وإلا خرجت الجريمة من المعنى الفني للجريمة المستمرة، لذا يميز الفقه بين نوعين من الاستمرار.الاستمرار المتجدد، وهو الاستمرار الذي يستلزم تدخل إرادة الجاني بصفة متجددة وهي حالة مواكبة الركن المعنوي لحالة الاستمرار وتسمى الجريمة عندئذ ب: délit continu successif ، والاستمرار الثابت أو المضطرد، وهو الاستمرار الذي إذا انطلق بقي بذاته دون حاجة إلى تدخل جديد من قبل إرادة الجاني، وبمعنى آخر دون حاجة لمواكبة الركن المعنوي لحالة الاستمرار وتسمى الجريمة عندئذ ب : délit continu permanent وهو ما يسميه الفقه بأنه الجريمة الوقتية في حد ذاتها في الحالة التي تخلف فيها أثار، وهو رجوع من جديد للتقسيم التقليدي بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة، على أن يفهم بأن الاستمرار هو ما يلزم تدخل إرادة الجاني طوال فترة الاستمرار وأن يفهم من الجرائم الوقتية ما يحدث من آثار فورية حتى ولو كانت ممتدة في الزمن.وهو ما يحتم علينا لمزيد من التوضيح تبيان المعيار المعتمد للتقسيم بين الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة.
الفرع الأول
معيار التمييز بين الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة
kجد الفقه يتنازعه معياران، الأول هو معيار طبيعة الاعتداء في حد ذاته، والثاني هو معيار الامتداد الفعلي للزمن الذي تستغرقه الجريمة .
أولا: معيار طبيعة الاعتداء
وهو المعيار الذي يذهب أنصاره للتفرقة بين الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة إلى اعتماد طبيعة الاعتداء ذاته، وهل هو قابل في حد ذاته للاستمرار من عدمه، فإذا كان الاعتداء في طبيعته قابلا للاستمرار كانت الجريمة مستمرة، مثل جريمة إخفاء الأشياء المسروقة حتى ولو استمر الإخفاء للحظة فقط كون الإخفاء بطبيعته قابلا للاستمرار، وإن كان غير قابل لذلك كانت الجريمة وقتية
ثانيا: معيار الامتداد الفعلي للزمن الذي تستغرقه الجريمة
وهو المعيار الذي يرى أنصاره، إلى أن العبرة في التفرقة بين المؤقت والاستمرار هو الامتداد الفعلي للزمن الذي يستغرقه تحقق عناصر الجريمة، فالركن المادي قد يتخذ وضع الاستمرار في الجريمة الواحدة مرة وقد يتخذ وضع التأقيت في وضع آخر في ذات الجريمة، وكل ذلك بحسب ارتكاب الجاني للواقعة، وبالتالي الجريمة التي قد يتمثل بها أنها وقتية يمكن أن تقع مستمرة والعكس صحيح، والعبرة في كل ذلك بالزمن الفعلي الذي استغرقه ارتكاب الجريمة بركنيها المادي والمعنوي، لذا يرى أنصار هذا الاتجاه أن تقسيم الجرائم إلى وقتية ومستمرة له طابعا نسبيا، فالسرقة في أغلب صورها جرائم وقتية، ومن المتصور أن تكون مستمرة مثل حالة سرقة التيار الكهربائي، وجريمة القتل في أغلب صورها جريمة وقتية لكن قد تكون جريمة مستمرة في حالة القتل بالتسميم عن طريق إعطاء جرعات من السم على فترات ممتدة عبر الزمن خاصة إن كانت الجرعة الواحدة غير كافية لإحداث الوفاة، لكن مجموع هذه الجرعات هو الذي أحدث الوفاة، وجريمة استعمال المزور في أغلب صورها جرائم مستمرة لكن قد تقع وقتية مثل الحالة التي يبرز فيها الجاني بطاقة مزورة ويخبئها مباشرة. وبالتالي خلاصة هذا الرأي أن تقسيم الجرائم إلى وقتية ومستمرة ليس تقسيما مطلقا بل نسبيا، حيث ليس هناك جرائم وقتية بطبيعتها أو جرائم مستمرة بطبيعتها ولكن هناك جرائم يغلب فيها أن تكون وقتية وأخرى يغلب فيها أن تكون مستمرة. غير أن الإشكال المطروح هو انعدام معيار تشريعي من خلاله يمكن تحديد ما إن كان الزمن مستمرا أو مؤقتا، وهو ما جعل أنصار هذا الاتجاه يتركون المسألة للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع يستنتجه من النص المقرر للجريمة ذاته.
والجرائم المستمرة لا تنحصر في الجرائم الإيجابية فقط، بل يمكن أن تشمل أيضا الجرائم السلبية مثل عدم تسليم طفل لمن له الحق في حضانته، وقد يظهر أحيانا أن الجريمة الوقتية قد تستغرق وقتا زمنيا كجريمة السرقة والتزوير، لكن رغم ذلك تبقى مثل هذه الجرائم جرائم وقتية، والاستمرار نسبي قد يستغرق دقائق أو ساعات أو أيام أو أكثر كما أن الاستمرار قد يلحق السلوك كما قد يلحق النتيجة مثل جريمة إخفاء أشياء مسروقة.
hadia369
2013-01-29, 00:28
لمطلب الثاني
صور الخــــطأ الجنائي ودرجاته
للخطأ الجنائي صور حددها المشرع، وأثارت الخلاف ما إن كانت على سبيل الحصر أو على سبيل المثال، وفي العادة التشريعات متفقة بخصوصها، كما انه للخطأ درجات وحالات وضوابط وأثارت العديد من الجدل الفقهي، وهو ما نتناوله باختصار في الفرعين التاليين.
الفرع الأول
صور الخطأ الجنائي
حدد المشرع الجزائري صور الخطأ الجنائي بمناسبة نصه على أخطر الجرائم غير العمدية، وهما جريمتي الجروح الخطأ والقتل الخطأ، المنصوص والمعاقب عليهما بموجب المادتين 288 و289 من تقنين العقوبات الجزائري[5]، اللتان أوردتا صور الخطأ على سبيل الحصر لا المثال، لذلك لا يجوز القياس عليها ولا تفسيرها بصورة موسعة إعمالا لبدا الشرعية الجنائية، وهذه الصور هي: الرعونة، عدم الاحتياط، الإهمال وعدم الانتباه، عدم مراعاة الأنظمة والقوانين.
أولا: الرعــــــونة
وهي الصورة التي يسميها الفقه أيضا ب:" الخطأ الفني"، وهي تعني نوع من الطيش والخفة وسوء التقدير في عمل يتعين من القائم به أن يكون على دراية وعلم به، أو هي سوء تقدير للكفاءة والقدرة، وهي في العادة تنجم عن عدم مراعاة قواعد الخبرة الإنسانية الخاصة أو المهنية التي توجبها ممارسة مهنة
أو حرفة معينة، من ناحية، ومن ناحية ثانية، قد تنجم عن مسلك إيجابي يقوم به الجاني كان يتعين عليه الامتناع عن القيام به بالكيفية التي تم بها، أو في الوقت الذي تم فيه، كالطبيب الذي يقوم بإجراء عملية جراحية لمريض دون أن يراعي في ذلك أبسط الأصول المهنية والقواعد العلمية، فيترتب على ذلك موت المريض، أو دون أن يستعين بطبيب تخدير، أو يكتفي بتخدير موضعي بينما توجب الأصول العلمية أن يكون تخديرا كليا، وكذا صاحب البناء الذي يتقاعس عن صيانة عقاره وترميمه فيتسبب في قتل خطا. وعليه،
ومثلما تقدم، تقوم حالة الرعونة نتيجة موقف أو سلوك سلبي، في الحالات التي يحجم فيها الجاني عن اتخاذ عمل كان توجبه قواعد الخبرة المهنية باتخاذه، كالممرضة التي يستغرقها مشاهدة إحدى المسلسلات التلفزيونية أو مواصلة الثرثرة مع زميلاتها فلا تقوم إعطاء المريض المتواجد في حالة خطر دواءه في الميعاد المحدد بما يؤدي إلى وفاته.
ثانيا: عـــدم الاحتياط
وتسمى فقهيا أيضا " عدم الاحتراز"، وهي حالة تقوم بمجرد الاستخفاف بالأمر وعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث الضرر الممكن تصور حدوثه من أمر قابل لإحداث مثل هذا الضرر، وبالتالي عدم الاحتياط في جوهره عبارة عن اتخاذ موقف إيجابي يتمثل في مباشرة الجاني لسلوك كان يتعين عليه الامتناع عن إتيانه، نظرا لما يترتب عليه من أضرار، وأن قواعد الخبرة الإنسانية العامة تأبى إتيان مثل هذه السلوكات في مثل هذه الظروف، كسائق السيارة الذي يقود سيارته بسرعة جنونية في شارع مليء بالمارة فيصدم أحدهم فيقتله، أو كالأب الذي يسلم ابنه الصغير عجلا فيفلت منه ويصدم أحد الأشخاص فيقتله.
ثالثا: الإهمال وعدم الانتباه
الإهمال هو سلوك يتمثل في عدم بذل الشخص العناية اللازمة في عمل يتطلب مثل هذه العناية، كمن يهمل صيانة سيارته ويصدم شخصا بسبب عدم اشتغال المكابح، وبالتالي الإهمال هو اتخاذ موقف سلبي من عمل كان يتعين اتخاذه وفقا لما تمليه قواعد الخبرة الإنسانية العامة، مما يجعل من هذا الامتناع يرتب نتائج ضارة، كامتناع حارس ممر السكة الحديد عن إغلاق ممر الراجلين وقت مرور القطار مما يجعله يصدم أحد المارة، أو الأم التي تترك رضيعها بجوار موقد غاز مشتعل مما يؤدي إلى سقوطه في إناء ماء مغلي. أما عدم الانتباه فهو انحراف يتمثل في عدم اكتراث الشخص بضرورة اليقظة الدائمة فيسبب ذلك ضررا للغير.
رابعا: عدم مراعاة الأنظمة والقوانين
على خلاف صور الخطأ السابقة التي تقوم كلها على مخالفة قواعد الخبرة الإنسانية العامة
أو الأصول العلمية والمهنية، فإن هذه الصورة تعد أبسط وأسهل صور الخطأ للإثبات، إذ يكفي مقارنة سلوك الشخص مع متطلبات القوانين والأنظمة، فمجرد كون السلوك مخالفا للوائح والأنظمة تقوم الجريمة، مثلما هو الأمر في مخالفة قوانين المرور أو قواعد البوليس المنظمة لحركة سير المركبات واستخدام الآلات والأسلحة، ويستوي في هذه القواعد أن تكون صادرة عن السلطة التشريعية كما هو الشأن بالنسبة للقوانين بالمعنى الضيق للمصطلح، أو عن السلطة التنفيذية مثل لوائح التنفيذ والتنظيم والضبط، أو صادرة عن السلطات الإدارية في الحدود المسموح لها بإصدار مثل هذه اللوائح، وفي هذه الصورة قد يجد الشخص نفسه أمام جريمتين، جريمة مخالفة الأنظمة واللوائح حتى وإن لم يترتب عليها أي ضرر، وجريمة أخرى تتمثل فيما أحدثته هذه المخالفة من أضرار للغير. ومخالفة الأنظمة واللوائح عبارة عن خطأ مفترض لا تلتزم المحكمة بإقامة الدليل على توفره، على خلاف صور الخطأ الأخرى، فبمجرد مخالفة الأنظمة والقوانين ينعت سلوك المخالف بالخاطئ، وافتراضه يرقى لمرتبة حد القرينة القاطعة التي لا تقبل إثبات العكس.
والملاحظ بأن هذه الصورة الوحيدة من صور الخطأ التي لا يشترط فيها المشرع حصول نتيجة معينة بل مجرد مخالفة اللائحة أو النظام يقيم الجريمة، بل أن حصول نتيجة محظورة قانونا تجعل الشخص يسأل عن جريمتين. مما يجعل من هذه الصورة جريمة شكلية أو جريمة سلوك محض، على خلاف باقي الصور الأخرى التي تعد فيها الجريمة غير العمدية جريمة مادية ذات نتيجة ضارة يشترطها المشرع لقيام الجريمة.
الفرع الثاني
ضابط الخطأ الجنائي وحالاته
اختلف الفقه بخصوص الضابط الحاكم للخطأ، وكالعادة انحصر الخلاف بين المذهبين الموضوعي والشخصي، وظهر الاتجاه التوفيقي، كما حاول الفقه تحديد حالات الخطأ، وهو ما نبينه في النقطتين التاليتين.
أولا: ضابط الخطأ
بعد أن تتحدد صورة الخطأ على النحو السابق، وجب البحث عن المعيار الذي يقاس به هذا الخطأ، وثار تساؤل عما إن كان يرجع في ذلك إلى معيار شخصي يتمثل فيما توقعه الجاني بالفعل، أو كان بإمكانه أن يتوقعه، أو فيما كان يجب أن يتخذه من احتياطات، أم يرجع في ذلك إلى معيار موضوعي يتمثل في معيار الرجل العادي المتمثل في الشخص متوسط الذكاء والحذر والحيطة بعيدا عن حرص الجاني ذاته؟، وهنا كالعادة ظهر المعيار الموضوعي المعتمد على " معيار الرجل العادي"، والذي انتقد على أساس أنه معيار مادي لا يلاءم فكرة نفسية متمثلة في الركن المعنوي، لذا طرح البعض المعيار الشخصي المتمثل في بحث موقف الجاني نفسه في ظروفه الآنية والواقعية مع مختلف جوانب شخصيته وما يتمتع به من ذكاء وقدرات، وبالتالي إن كان الجاني ولا أحد سواه يعلم أو يتوقع بصلاحية سلوكه لإحداث النتيجة قام الخطأ في جانبه، أما إذا كان الجاني متواضع القدرات ومحدود الخبرة وقليل الذكاء يجهل بصلاحية سلوكه لإحداث النتيجة أو لا يتوقع ذلك فإن الخطأ ينتفي في جانبه، ويميل الفقه إلى اعتبار المعيار الشخصي أكثر ملائمة لتقدير فكرة الخطأ واستخلاص عنصر العلم لدى الجاني. وغالبية الفقه يرى أنه يجب إعمال معيار مختلط يجمع ما بين المعيار الشخصي والمعيار الموضوعي، حيث يؤخذ من المعيار الموضوعي معيار الشخص العادي إذا وجد ضن نفس الظروف، حيث إذا وجد الجاني قد التزم بقدر من الحيطة والحذر في تصرفه يوافق ما كان يفعله الشخص المعتاد الذي وجد في مثل ظروفه، انتفى خطأه، أما إذا بذل قدرا من الحيطة والحذر أقل من ذلك نسب إليه الخطأ. نحن نرى أن هذا المعيار ما هو إلا تكريس لمعيار موضوعي، ونرى أنه بما أننا بصدد الركن المعنوي فالقاضي يأخذ في اعتباره دوما المعيار الشخصي باعتبار الركن المعنوي ينطوي أكثر على جوانب نفسية أكثر منها موضوعية.
ثانيا: حالات الخطأ
للخطأ حسب غالبية الفقه، حالتين أيا كانت الصورة التي اتخذها، وهي إما أن يكون خطئا واعيا وإما أن يكون خطئا غير واعي. فالخطأ الواعي faute consciente، ويسمى أيضا الخطأ بتبصر أو الخطأ المصحوب بتوقع، هو الحالة التي يتوقع فيها الجاني حصول النتيجة الضارة لكنه لا يريدها، ويأمل في عدم حدوثها، إما نتيجة لاحتياط اتخذه يحول دون حدوثها في حين لم يكن كافيا، والحالة التي لا يتخذ فيها أصلا أي احتياطات للحيلولة دون حدوثها، مما يعني أنه يستوي لديه حدوثها من عدمه. والحالة الثانية، هي الخطأ غير الواعي faute inconsciente، ويطلق عليه أيضا الخطأ بغير تبصر أو الخطأ غير المصحوب بتوقع، وهي الحالة التي لا يتوقع فيها الجاني حدوث النتيجة الضارة، في حين كان يجب عليه أن يتوقع ذلك أو من واجبه أن يتوقعها، وطالما لم يتوقع الجاني النتيجة، فإنه على عكس الحالة السابقة لا يتخذ أي إجراءات تحول دون حدوث النتيجة.
الفرع الثالث
الخطأ المدني والخطأ الجنائي
نصت المادة 124 وتقابلها في القانون المصري المادة 163 التي نصت على أنه :" كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض" ، وبالتالي المشرع المدني لم يحصر صور للخطأ كما لم يحدد لها درجات.لذا ثار تساءل منذ زمن، ما إن كان المشرع الجنائي بدوره يرتب المسؤولية الجنائية عن الخطأ أيا كانت درجته، أم أنه خلافا للمشرع المدني يستلزم أن يرقى الخطأ إلى درجة من الجسامة حتى يمكن أن يرتب المسؤولية الجنائية غير العمدية . ولقد ساد ولزمن طويل قديما أن الخطأ يقسم إلى ثلاث درجات، الخطأ الجسيم الذي تكون نتيجته الضارة متوقعة من قبل الجميع، والخطأ البسيط، الذي يكون ضرره متوقع فقط من قبل الرجل المعتاد، والخطأ اليسير جدا وهو الخطأ الذي يكون ضرره غير متوقع وغير ممكن إلا بانتباه غير عادي يفوق انتباه ما يحظى به الرجل العادي، وهي الدرجات الثلاث التي يجب أن ينظر إليها في كل حالة على حده آخذين بعين الاعتبار للسن ودرجة الثقافة، وكان التساؤل في ظل هذه التفرقة : بأي درجة يقوم الخطأ الجنائي ؟ وما إن كان يقوم كل من الخطأ المدني والخطأ الجنائي بدرجة واحدة؟ وهو السؤال الذي تنازع إجابته اتجاهان.اتجاه أول : استقلال الخطأ المدني عن الخطأ الجنائي، ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن ما يقوم به الأول لا يجب أن يقوم به الثاني، وإن كان الخطأ الجسيم والبسيط قد يقوم بها كلا نوعي الخطأ، فإن الخطأ اليسير جدا لا يمكن أن يقوم به سوى الخطأ المدني، وذلك بالنظر لما بين الخطأين من فوارق، أهمها:اختلاف الخطأين من حيث الطبيعة، واختلافهما من حيث الجزاء، واختلافهما من حيث عبء الإثبات. والاتجاه الثاني : وحدة الخطأ الجنائي والخطأ المدني، يرى أنصار هذا الاتجاه أنه لا فارق بين الخطأين وأن ما يقوم به الخطأ المدني يصح أن يقوم به أيضا الخطأ الجنائي، خاصة وأن كلاهما يقاس بمعيار واحد هو معيار الرجل العادي، وكل ما هو موجود من فروق ينحصر في أن القانون المدني لم يبين صور الخطأ المدني في حين المشرع الجنائي حصر صوره ما ذلك إلا نتيجة تقيد المشرع بمبدأ الشرعية الجنائية. وهو الاتجاه الذي تحول إليه القضاء الفرنسي وما سايره أيضا القضاء المصري.
المطلب الثالث
الشروع والاشتراك في الجرائم غير العمدية
باختصار شديد، وبالنظر لبساطة المسألة سوف لن نقسم هذا المطلب إلى فروع، حيث أنه لا شروع ولا اشتراك في الجرائم غير العمدية، خاصة وأن هذه الأخيرة في غالبيتها من المخالفات في حين سبق القول بأن الشروع لا يكون إلا في الجنايات وفي الجنح بموجب نص خاص ولا شروع إطلاقا في المخالفات، وهو نفس الوضع تقريبا بالنسبة للاشتراك....كما أنه لا ظروف تشديد ولا تخفيف بخصوص الجرائم غير العمدية ما عدا ما قضت به المادة 290 من تقنين العقوبات الجزائري التي تضاعف العقوبة المقررة في حالة ارتكاب الجريمة في حالة سكر أو ارتكاب الجريمة ومن بعدها محاولة الهرب من المسؤولية[6]، وإن كان ذلك قد يقيم أيضا جريمة أخرى هي جريمة التهرب من المسؤولية أو عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر.
الفصل الخامس
تصنيــــف الجرائم
سبق لنا القول عند تناولنا لتقسيمات الجريمة وتصنيفها بناء على الركن المعنوي للجريمة، الذي تناولنا فيه التقسيم الثلاثي أو القانوني، وكذا تمييز الجريمة إلى عادية وسياسية وعسكرية، أننا سنرجئ الحديث عن باقي التصنيفات والتقسيمات الأخرى المعتمدة على الركنين المادي والمعنوي، إلا ما بعد استيعاب كنه ومضمون وأبعاد هذين الركنين، لذا سنحاول أن نتناول من خلال مبحثين التصنيفات المعتمدة على الركن المادي، والأخرى المعتمدة على الركن المعنوي. على أننا سنختصر قدر الإمكان بخصوص بعض التصنيفات التي سبق تناولها في مواضع أخرى من هذه الدراسة، وكذا بخصوص الجوانب الإجرائية المتعلقة بفائدة التفرقة، كونها مسائل يصعب استيعابها قبل دراسة قانون الإجراءات الجزائية.
المبحث الثاني
تقسيم الجرائم بحسب طبيعة وتكوين الركن المادي
بالنظر للركن المادي للجريمة، يمكن تقسيم الجرائم عدة تقسيمات، منها ما يأخذ بعين الاعتبار عنصر الزمن الذي يستغرقه إتمام الركن المادي للجريمة، حيث تقسم الجرائم بالنظر إلى ذلك إلى جرائم وقتية وجرائم مستمرة، كما تقسم بحسب النظر إلى السلوك إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية، أو بالنظر لتعدده إلى جرائم اعتياد وجرائم بسيطة أو بالنظر إلى النتيجة إلى جرائم ذات النتائج وجرائم شكلية.
المطلب الأول
تقسيم الجرائم إلى وقتية ومستمرة
وأساس هذا التقسيم، هو الزمن الذي يستغرقه تحقق أركان الجريمة، الركن المادي والركن المعنوي معا، واستنادا لذلك تكون الجريمة وقتية إن لم يستغرق ارتكابها سوى برهة زمنية قصيرة، أما إذا امتد ذلك فتعد الجريمة مستمرة. والعبرة بالزمن الذي استغرقه الركن لا للأثر الذي ترتب عليها، فالقتل نتيجته إزهاق الروح إلى الأبد وبالتالي هو جريمة مستمرة الآثار، وليس هذا هو المقصود، وإنما وقتية السلوك التي أزهقت الروح، أما الجريمة المستمرة فركنها المادي مصحوبا بالركن المعنوي، يستغرق زمنا طويل نسبيا، سواء كان الاستمرار للسلوك دون النتيجة أو لهذه الأخيرة دون السلوك، فالاستمرار قد ينظر له من خلال الفعل كما قد ينظر له من خلال النتيجة الجرمية التي تحققت، بشرط أن تظل إرادة الجاني حاضرة طيلة الوقت الذي استغرقه الركن المادي، وبمعنى آخر مواكبة الركن المعنوي للركن المادي، وإلا خرجت الجريمة من المعنى الفني للجريمة المستمرة، لذا يميز الفقه بين نوعين من الاستمرار.الاستمرار المتجدد، وهو الاستمرار الذي يستلزم تدخل إرادة الجاني بصفة متجددة وهي حالة مواكبة الركن المعنوي لحالة الاستمرار وتسمى الجريمة عندئذ ب: délit continu successif ، والاستمرار الثابت أو المضطرد، وهو الاستمرار الذي إذا انطلق بقي بذاته دون حاجة إلى تدخل جديد من قبل إرادة الجاني، وبمعنى آخر دون حاجة لمواكبة الركن المعنوي لحالة الاستمرار وتسمى الجريمة عندئذ ب : délit continu permanent وهو ما يسميه الفقه بأنه الجريمة الوقتية في حد ذاتها في الحالة التي تخلف فيها أثار، وهو رجوع من جديد للتقسيم التقليدي بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة، على أن يفهم بأن الاستمرار هو ما يلزم تدخل إرادة الجاني طوال فترة الاستمرار وأن يفهم من الجرائم الوقتية ما يحدث من آثار فورية حتى ولو كانت ممتدة في الزمن.وهو ما يحتم علينا لمزيد من التوضيح تبيان المعيار المعتمد للتقسيم بين الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة.
الفرع الأول
معيار التمييز بين الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة
kجد الفقه يتنازعه معياران، الأول هو معيار طبيعة الاعتداء في حد ذاته، والثاني هو معيار الامتداد الفعلي للزمن الذي تستغرقه الجريمة .
أولا: معيار طبيعة الاعتداء
وهو المعيار الذي يذهب أنصاره للتفرقة بين الجرائم الوقتية والجرائم المستمرة إلى اعتماد طبيعة الاعتداء ذاته، وهل هو قابل في حد ذاته للاستمرار من عدمه، فإذا كان الاعتداء في طبيعته قابلا للاستمرار كانت الجريمة مستمرة، مثل جريمة إخفاء الأشياء المسروقة حتى ولو استمر الإخفاء للحظة فقط كون الإخفاء بطبيعته قابلا للاستمرار، وإن كان غير قابل لذلك كانت الجريمة وقتية
ثانيا: معيار الامتداد الفعلي للزمن الذي تستغرقه الجريمة
وهو المعيار الذي يرى أنصاره، إلى أن العبرة في التفرقة بين المؤقت والاستمرار هو الامتداد الفعلي للزمن الذي يستغرقه تحقق عناصر الجريمة، فالركن المادي قد يتخذ وضع الاستمرار في الجريمة الواحدة مرة وقد يتخذ وضع التأقيت في وضع آخر في ذات الجريمة، وكل ذلك بحسب ارتكاب الجاني للواقعة، وبالتالي الجريمة التي قد يتمثل بها أنها وقتية يمكن أن تقع مستمرة والعكس صحيح، والعبرة في كل ذلك بالزمن الفعلي الذي استغرقه ارتكاب الجريمة بركنيها المادي والمعنوي، لذا يرى أنصار هذا الاتجاه أن تقسيم الجرائم إلى وقتية ومستمرة له طابعا نسبيا، فالسرقة في أغلب صورها جرائم وقتية، ومن المتصور أن تكون مستمرة مثل حالة سرقة التيار الكهربائي، وجريمة القتل في أغلب صورها جريمة وقتية لكن قد تكون جريمة مستمرة في حالة القتل بالتسميم عن طريق إعطاء جرعات من السم على فترات ممتدة عبر الزمن خاصة إن كانت الجرعة الواحدة غير كافية لإحداث الوفاة، لكن مجموع هذه الجرعات هو الذي أحدث الوفاة، وجريمة استعمال المزور في أغلب صورها جرائم مستمرة لكن قد تقع وقتية مثل الحالة التي يبرز فيها الجاني بطاقة مزورة ويخبئها مباشرة. وبالتالي خلاصة هذا الرأي أن تقسيم الجرائم إلى وقتية ومستمرة ليس تقسيما مطلقا بل نسبيا، حيث ليس هناك جرائم وقتية بطبيعتها أو جرائم مستمرة بطبيعتها ولكن هناك جرائم يغلب فيها أن تكون وقتية وأخرى يغلب فيها أن تكون مستمرة. غير أن الإشكال المطروح هو انعدام معيار تشريعي من خلاله يمكن تحديد ما إن كان الزمن مستمرا أو مؤقتا، وهو ما جعل أنصار هذا الاتجاه يتركون المسألة للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع يستنتجه من النص المقرر للجريمة ذاته.
والجرائم المستمرة لا تنحصر في الجرائم الإيجابية فقط، بل يمكن أن تشمل أيضا الجرائم السلبية مثل عدم تسليم طفل لمن له الحق في حضانته، وقد يظهر أحيانا أن الجريمة الوقتية قد تستغرق وقتا زمنيا كجريمة السرقة والتزوير، لكن رغم ذلك تبقى مثل هذه الجرائم جرائم وقتية، والاستمرار نسبي قد يستغرق دقائق أو ساعات أو أيام أو أكثر كما أن الاستمرار قد يلحق السلوك كما قد يلحق النتيجة مثل جريمة إخفاء أشياء مسروقة.
.
الفرع الثاني
أهمية تقسيم الجرائم إلى جرائم وقتية وجرائم مستمرة
لتقسيم الجرائم إلى جرائم مستمرة وجرائم مؤقتة أهمية تتبين من نتائج التفرقة ذاتها، منها نتائج ترتبط بالقواعد الجنائية الموضوعية، ومنها ما يتعلق بالقواعد الجنائية الإجرائية.
أولا: النتائج المرتبطة بالقواعد الجنائية الموضوعية
من أهم النتائج المرتبطة بتقسيم الجرائم إلى جرائم وقتية وجرائم مستمرة، من الناحية الموضوعية، مسألة سريان النص الجنائي من حيث الزمان والمكان. ففي الجرائم المستمرة يسري القانون الجنائي الأشد لو عمل به قبل انقطاع حالة الاستمرار حتى ولو كانت قد بدأت في ظل القانون القديم الأصلح، حيث تعد الجريمة قد وقعت في ظل القانون الجديد حتى ولو كان قد بدأت في ظل القانون القديم، وهو الأمر الذي لا يعمل به بخصوص الجرائم المؤقتة، أما من حيث سريان النص الجنائي من حيث المكان، يتحدد مكان وقوع الجريمة المستمرة بكل مكان قامت فيه حالة الاستمرار، فأي جزء قام في إقليم الدولة يعد نشاطا إجراميا كاملا وليس جزءا من جريمة وقع بعضها على إقليم الدولة وبعضها في الخارج، ويضيف البعض أهمية تكمن في وقت تقدير قيام الركن المعنوي، حيث أنه في الجرائم الوقتية يجب أن يتعاصر كل من الركن المادي والركن المعنوي، وإن تراخى الأخير فلا قيام للبنيان القانوني للجريمة المؤقتة، لكن في الجريمة المستمرة يمكن أن يتراخى أحدهما عن الآخر لذا يقدر الركن المعنوي على عنصر العلم بعد بدء السلوك كحيازة الشخص بداية لشيء مسروق عند الحيازة كان حسن النية ثم يعلم بالحقيقة ويستمر في ذلك.
ثانيا: النتائج المرتبطة بالقواعد الجنائية الإجرائية
أهم النتائج المترتبة على تقسيم الجرائم إلى جرائم وقتية وأخرى مستمرة من ناحية القواعد الجنائية الإجرائية، ما يتعلق بقواعد الاختصاص والتقادم، وقوة الشيء المقضي به. فبخصوص الاختصاص في الجرائم المستمرة، تكون مختصة كل المحاكم التي قامت في دائرة اختصاصها حالة الاستمرار
أو بدأت أو انقطعت، على عكس الجرائم الوقتية حيث يتحدد بمكان وقوع الجريمة، وبخصوص التقادم المسقط للدعوى، في الجرائم الوقتية يبدأ سريان التقادم بخصوصها من لحظة وقوعها، بينما في الجرائم المستمرة يبدأ التقادم من اليوم التالي لانتهاء حالة الاستمرار فيها وليس من اليوم الذي بدأت فيه حالة الاستمرار. وبخصوص قوة الشيء المحكوم به، في الجرائم المستمرة تنصرف قوة الشيء المقضي به إلى كل حالة الاستمرار السابقة على صدور الحكم، وما يحصل بعد ذلك من قبل إرادة الجاني للإبقاء على حالة الاستمرار يشكل جرائم جديدة تجوز محاكمته عنها دون أن يمس ذلك بمبدأ عدم جواز محاكمة الشخص عن الفعل مرتين، على عكس الجريمة الوقتية التي ينصرف فيها الحكم إلى الجريمة المقامة عنها الدعوى كلها. وبخصوص العفو فإن العفو الصادر عن الجريمة الوقتية، يمحو الجريمة ويمنع بالتالي رفع الدعوى العمومية عنها ثانية، في حين العفو الصادر في الجريمة المستمرة فإنه لا يحول دون رفع الدعوى العمومية عنها متى تجددت حالة الاستمرار، هذا ونشير بأن الفقه يضيف إلى النوعين السابقين، الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة، نوعا وسطا وهو الجريمة الوقتية المتتابعة.
الفرع الثالث
الجرائم الوقتية المتتابعة
وهو نوع من الجرائم التي يطلق عليها أيضا مصطلح الجريمة ذات الأفعال المتلاحقة
أو المتكررة، وهي الجريمة التي ترتكب من أجل غرض إجرامي واحد من قبل مرتكبها غير أنها تقوم بأفعال متعددة ومتماثلة يجمع بينها وحدة الحق المعتدى عليه، وتستهدف إحداث نتيجة إجرامية واحدة، وبالتالي هي نوع من الجرائم الوقتية تصبح متتابعة ويشترط لكي تكون كذلك الشروط التالية.
أولا: تماثل الأفعال وتتابعها
في الأصل كل الأفعال التي تتشكل منها الجريمة تعد جريمة مستقلة في حد ذاتها، حيث لو اكتفى الجاني بواحد منها عوقب عليه كجريمة، كضرب الجاني للمجني عليه عدة ضربات أو تزييف عدد من الأوراق النقدية، وهي جريمة بالرغم من أنها تظهر على أنها تعدد الجرائم إلا أنه في هذا النوع من الجرائم تعد جريمة واحدة لا توقع عليه من أجلها سوى عقوبة واحدة، كون تعدد وتماثل الأفعال في هذه الحالة لا يعد تعددا للركن المادي للجريمة، وذلك لوجود نوع من التقارب بين تكرار الأفعال دون اشتراط أن تقع في وقت واحد ولا في مكان واحد.
ثانيا: وحدة الحق المعتدى عليه
الشرط الثاني في هذا النوع من الجرائم، هو أن تقع الأفعال المتتابعة أو المتماثلة الحاصلة في توقيت متقارب على حق واحد محمي قانونا، كجريمة الضرب بعدة ضربات تمس حق واحد هو حق المجني عليه في سلامة جسده، وفي جريمة تزوير النقود هو حق الدولة في الثقة في عملتها وسلامة اقتصادها. غير أن القفه لم يتفق حول اشتراط أن يكون شخص المجني عليه شخصا واحدا، فجانب من الفقه يرى أنه إذا تعدد المجني عليهم أصبحنا بصدد تعدد للجرائم، سيما في جرائم الأشخاص، بينما ذهب اتجاه ثاني من الفقه أن لا يقضي أن يكون الشخص المجني عليه شخصا واحدا، فالوحدة مشترطة في الحق المعتدى عليه لا في الأشخاص.
ثالثا: وحدة المشروع الإجرامي
يستتبع الشرطين السابقين، أن يكون ما يجمع الأفعال السابقة المتتابعة والمتتالية مشكلة لمشروع وغرض إجرامي واحد لدى الجاني، أي خطة إجرامية واحدة تعددت عناصرها ووسائل تنفيذها.
وبالرغم من أن هذه الجريمة من الجرائم الوقتية مثلما تدل عليه تسميتها، إلا أنه تخضع في أحكامها لأحكام تشبه تلك التي تخضع لها الجرائم المستمرة، سيما ما تعلق بما يلزم من زمن طويل نسبيا يستغرقه ارتكاب الركن المادي لهذا النوع من الجرائم، ونؤيد هذا الرأي سيما بخصوص النقاط التي تناولناها سابقا بخصوص أهمية التقسيم ما بين الجرائم المستمرة والجرائم الوقتية بخصوص القانون الأشد وسريان القانون من حيث الزمان والمكان أو من حيث القواعد الجنائية الإجرائية من حيث التقادم وحجية الحكم ...
المطلب الثاني
الجرائم الإيجابية والجرائم السلبية
وهو التقسيم الذي يستند إلى طبيعة السلوك الإجرامي، وما إن كان يتخذ صورة إيجابية أو صورة سلبية، وبيان ذلك يتضح من خلال القواعد الجنائية التي يسنها المشرع كونها قواعد قد تتضمن أوامر للأفراد كما قد تتضمن نواهي، ففي حال مخالفة الأوامر يكون الشخص مرتكبا لجريمة سلبية وفي حال ما كنت تتضمن المخالفة لنهي عدت الجريمة جريمة إيجابية. فانتهاك النهي يكون بإتيان الجاني لحركة إرادية مادية يسعى من خلالها لتحقيق النتيجة المجرمة قانونا، وهو النوع الغالب والأهم من بين أنواع الجرائم.أما انتهاك الأوامر، فيتمثل في امتناع الجاني عن القيام بعمل يأمر به القانون ويعد ذلك اتخاذ لموقف سلبي من قبله اتجاه القاعدة الجنائية التي تأمره بالفعل. وهناك طائفة ثالثة من الجرائم تتوسط الطائفتين السابقتين، وهي الجرائم التي يكون فيها السلوك متكونا من فعل إيجابي وامتناع في ذات الوقت، ويرى الفقه أنه نوع إذا نظر إليه بتمعن لوجد أنه يميل للجرائم الإيجابية أكثر.
الفرع الأول
وقوع الجريمة الإيجابية عن طريق الامتناع
شغلت مسألة ما إن كان يمكن تصور قيام الجريمة الإيجابية عن طريق الامتناع الفقه، وأثارت بذلك جدلا فقهيا منذ زمن بعيد، وأغلب مجال كان مدارا لمثل هذا الجدل، هو الجريمة القتل والتساؤل عما عن كان يمكن أن يتم عن طريق الامتناع أم لا، كامتناع الأم عن إرضاع ابنها فيموت، أو امتناع مراقب الشاطئ عن إنقاذ الغريق فيموت، أو امتناع الممرضة عن إعطاء المريض الدواء فتسوء حالته ويموت، وإن كان يمكن أيضا أن يثار الإشكال بالنسبة لجرائم أخرى غير القتل، وعموما تنحصر المسألة في إطار الجرائم ذات النتائج وأن تكون من الجرائم العمدية أيضا، ويضاف لكل ذلك ألا يكون الجاني قد قام بعمل حتى لا نكون بصدد جريمة إيجابية، وتمثلت الاتجاهات الفقهية في حل مسألة الجرائم الإيجابية عن طريق الترك
أو الامتناع يمكن أن نميز بين الاتجاهات الفقهية الثلاث التالي تناولها.
أولا:عدم إمكان العقاب على النتيجة الإيجابية إن كانت نتيجة امتناع
وهو اتجاه يرى أنصاره أن من امتنع عن فعل لا يمكن القول أنه ارتكبه، أو قصده، وذلك أن الامتناع عبارة عن عدم والعدم لا يمكن أن يفضي إلا إلى عدم مثله، ونجد هذا الاتجاه سائدا في الفقه الفرنسي والقضاء الفرنسي، حيث يرون أن الحالات التي يمكن أن تتم فيها نتيجة إيجابية عن طريق الامتناع يجب أن يحددها المشرع بموجب نص خاص نظرا لخصوصيتها وأشهر قضية في القضاء الفرنسي تدلل على ذلك هو القضية الشهيرة بتسمية حبيسة بواتييه LA SEQUESTSTREE DE POITIERS حيث رفض قضاة بواتييه إدانة المدعو مونييه بتهمة إستعمال العنف والتعدي لما جعل أخته المريضة مرضا عقليا تحيا لعدة سنوات في غرفة لا يدخلها هواء نقي ولا ينفذ إليها ضوء إلى غاية أن تدهورت حالتها الصحية، وبررت المحكمة قضائها بأنه لا يمكن للعنف والتعدي أن يقوم دون وقوع هذا العنف أو التعدي.
ثانيا: إمكان وقوع الجريمة الإيجابية عن طريق الترك
وهو اتجاه يرى أنصاره أن السلب مظهر للتعبير عن الإرادة مثل الإيجاب تماما، وأن موطن الصعوبة فقط حسب أنصار هذا الاتجاه يكمن في استخلاص رابطة السببية بين امتناع الجاني والنتيجة المجرمة التي تحققت، حيث في مثل هذه الحالات يصعب القطع بتوفر العلاقة السببية، لذا نجدهم يشترطون للجزم بقيام مثل هذه الرابطة أن يكون الجاني ملتزما التزاما قانونيا أو تعاقديا بالعمل على منع وقوع هذه النتيجة، ويلزم أن يتدخل المشرع لتقرير ذلك بموجب نص صريح في القانون، وهو ما له مثيل في القانون الإيطالي لسنة 1930 في المادة 40/2 التي قضت أنه : " عدم منع التي يلتزم الشخص قانونا بمنعها يعادل إحداثها " والقانون الألماني لسنة 1975 في المادة 13 التي قضت أنه :" من يحجم عن تفادي نتيجة، تشكل عنصرا في جريمة، لا يعاقب بمقتضى أحكام هذا القانون إلا إذا كان ملزما قانونا بمنع تحقق هذه النتيجة، وكان الامتناع يعادل الإيجاب في تحقيق هذا العنصر".
ثالثا: وهو اتجاه يتفق مع الرأي السابق في إمكان تحقق النتيجة الإيجابية عن طريق الترك، غير أنه لا يضيف شرط وجوب أن يكون الجاني ملزما قانونا أو تعاقديا بمنع حدوث النتيجة المجرمة، فالقانون حسبهم يعاقب على النتائج المجرمة دون أن يعبأ بوسيلة تحققها، وعليه تستوي كل الوسائل من حيث صلاحيتها لإحداث النتيجة، وبالتالي لا يشترط سلوك معين لإحداث مثل هذه النتيجة
الفرع الثاني
أهمية تقسيم الجرائم إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية
وهو تقسيم أكثر ما يفيد في نظرية المحاولة أو الشروع، حيث يرى غالبية الفقه أن نظرية الشروع مقصورة على الجرائم الإيجابية دون الجرائم السلبية التي إما أن تقع كاملة وإما ألا تقع. وتتجلى حكمة التجريم في الجرائم البسيطة في خطورة الفعل في ذاته وما قد ينجم عنه من ضرر على الحق المحمي قانونان، أما حكمة تجريم الجرائم الاعتياد فتتجلى في حالة الاعتياد التي يتواجد عليها الجاني التي تصبح مصدر الخطورة الحقيقية التي لأجلها يعاقب على الفعل وليس الفعل في ذاته.
المطلب الثالث
الجرائم البسيطة وجرائم الاعتياد
هناك جرائم لا تكمن خطورتها في ارتكاب الفعل مرة واحدة، وهو حال الجريمة البسيطة، بينما تكمن خطورتها في تكرار الفعل أكثر من مرة، وحينها لا يكون محل التجريم هو السلوك في حد ذاته، بل الاعتياد عليه.
الفرع الأول
معيار التفرقة بين الجرائم البسيطة وجرائم الاعتياد وأهمية ذلك
جرائم الاعتياد، هي جرائم لا تكتمل قانونا إلا بارتكاب الفعل المكون للجريمة أكثر من مرة دون أن يحدد المشرع عدد هذه المرات وأن الفقه السائد أن تقع مرتين وأكثر، في حين هناك رأي آخر يخول السلطة التقديرية للقاضي في تقدير عدد مرات الفعل الذي تكتمل به الجريمة المستمرة قانونا على ضوء ما يستخلصه من توافر حالة الاعتياد لدى الجاني.
أولا: عناصر الاعتياد
الاعتياد يكون بتكرار الفعل في إطار زمني معين. فبخصوص تكرار الفعل، القانون لم يحدد عدد المرات التي يوجب أن يتكرر فيها الفعل، لذا ثار خلاف فقهي حول تحديد عدد المرات، بين اتجاه يرى وجوب تحديده في عدد معين، وهو اتجاه اكتفى بتكرار الفعل مرتين، والبعض الآخر في إطار نفس الاتجاه أن يتكرر الفعل أكثر من ثلاث مرات. ي حين ذهب اتجاه ثاني إلى عدم تحديد الأفعال بعدد معين، ووجوب ترك المسألة للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، وحجتهم في ذلك أن العدد ليس مطلوبا في حد ذاته، وإنما هو مجرد قرينة على توافر حالة الاعتياد، وقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى تبني الاتجاه الأول وقررت أن يكون تكراره مرتين على الأقل. وهناك عنصر الإطار الزمني ، لتوفر حالة الاعتياد هو أن يتكرر الفعل دون أن يكون الفعل الأول قد سقط بالتقادم، وهو رأي نتبناه كثيرا فما دام التقادم المسقط في اعتبار المشرع يعد قرينة على نسيان الجريمة، فمن باب أولى يجب أن يكون كافيا لنسيان سلوك غير مجرم لوحده ما لم يتكرر، خاصة وأنه سبق القول أن تجريم هذا النوع من الجرائم يجد أساسه في نظر المشرع من خطورة فعل التكرار لا من خطورة السلوك ذاته.
ثانيا: أهمية تقسيم الجرائم إلى جرام بسيطة وجرائم اعتياد
تكمن أهمية تقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد، في كون هذه الأخيرة تخضع في أحكامها إلى أحكام قريبة من تلك التي تخضع لها الجرائم المستمرة، كون كلاهما يستغرق زمنا طويل نسبيا وما يترتب عن ذلك من تطبيق القانون من حيث الزمان، إذ يسري القانون الجديد حتى ولو كان أكثر شدة على فعل التكرار إن كان قد وقع في ظله، وفي التقادم يسري القانون من أول يوم يلي اكتمال فعل التكرار. غير أن أهم فرق، هو أن المضرور لا يحق له المطالبة بالتعويض كون ما هو مجرم، هو فعل التكرار والعادة لا ما لحق المجني عليه من أضرار.
لكن تبقى هناك صعوبة استخلاص البناء القانوني لجريمة الاعتياد، حيث يرى بعض الفقه أنه هناك صعوبات ثلاث تعترض استخلاص البناء القانوني لهذه الجريمة : أولى الصعوبات، هي ما إن كانت جريمة الاعتياد تقوم بتكرار الفعل مرتين أو أكثر دون عبرة بالزمن الزمن الذي يستغرقه هاذان الفعلان أمي نبغي اشتراط مثل هذا الزمن، والفقه السائد يرى وجوب ألا يمر وقت زمني بين الفعلين يؤدي إلى تقادم هذه الجريمة، وانتقد هذا الرأي على أساس أن الفعل الواحد في جريمة الاعتياد هو عنصر فيها لا تكتمل به الجريمة قانونا وأنه لا مجال للكلام عن التقادم ما لم يكتمل البناء القانوني للجريمة، لذا يجب ترك المسألة للسلطة التقديرية للقاضي. وتتمثل الصعوبة الثانية في تحديد " ذاتية " الفعل المكون لحالة الاعتياد حينما تقترن به بعض الظروف، مثل جريمة الإقراض بالربا في الحالة التي يقرض فيها الشخص عدة قروض لآخر في وقت واحد، وهنا واضح ألا تقوم جريمة الاعتياد لكن في الحالة التي يقرض فيها الشخص بموجب عقد واحد عدة قروض لأشخاص متعددين، فهنا يرى البعض أن الفعل يعد واحد ولا تقوم به جريمة الاعتياد، غير أن البعض يرى أنها عدة قروض وبالتالي لا مناص من قيام جريمة الاعتياد.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه هناك تبعا للتقسيم السابق نوع آخر من الجرائم نتناوله في النقطة الموالية
الفرع الثالث
جرائم الاعتياد، الجرائم المستمرة والجرائم متتابعة الأفعال
التفرقة والنتائج
أولا: التفرقة
بين الأنواع الثلاثة السابقة نقاط التقاء، ونقاط تفترق من خلالها عن بعضها البعض، فهي كلها يتطلب تحققها وقتا من الزمن مما يبرر خضوعها لنوع متشابهة من الأحكام القانونية، غير أن ذلك لا يمنع من وجود فروقات هامة بينها نوجزها في النقاط التالية:تفترض جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة الأفعال أفعالا متعددة ومتماثلة، في حين الجريمة المستمرة كل ما تتطلبه فعل واحد يستغرق مدة من الزمن، جرائم الاعتياد كل فعل منها لا يشكل لوحده جريمة مستقلة، على عكس جرائم الأفعال المتتابعة التي يمكن أن يسأل فيها الجاني عن كل فعل باعتباره يشكل جريمة مستقلة بذاتها. الجريمة المركبة هي الجرائم التي يكون بنيانها القانوني قائما على عدة أفعال جرمية مختلفة تدخل كعنصر من عناصرها أو كظرف مشدد لها كدخول حرمة مسكن للسرقة، هما فعلين مجرمين ومستقلين، غير أنها تعتبر جريمة واحدة كون المشرع جمعهما في نموذج قانوني واحد، أما الجريمة المتتابعة الأفعال أو المتعاقبة، فهي الجريمة التي تتكون من عدة أفعال متتابعة تعتبر كلها جريمة واحد بالنظر لورود كل الاعتداءات على ذات المصلحة المحمية تنفيذا لمشروع إجرامي واحد، كضرب الشخص عدة ضربات متتابعة أو اختلاس أموال الدولة على دفعات والزنا المتتابع مع شريك واحد وحيازة عدة قطع من المخدرات وسرقة التيار الكهربائي عدة أيام والبناء المتوالي بدون ترخيص
ثانيا: النتائج المترتبة عن تقسيم الجرائم إلى بسيطة واعتيادية
من أهم نتائج التفرقة بين الجرائم البسيطة والجرائم الاعتيادة، هي نتائج إجرائية، أولها بخصوص تقادم الدعوى، حيث يسري التقادم بخصوص جرائم الاعتياد من اليوم التالي لآخر فعل من الأفعال المكونة للجريمة قانونا، ولا عبرة في ذلك بالمدة التي تفصل بين الفعلين المكونين لحالة الاعتياد. وفيما يتعلق بالاختصاص المكاني، الاختصاص بنظر جريمة الاعتياد ينعقد لكل محكمة من المحاكم ارتكب في دائرة اختصاصها فعل من الأفعال المتطلبة لتكوين حالة الاعتياد، على عكس الجريمة البسيطة تخضع لاختصاص محكمة مكان اقترفاها، فيما يتعلق بقوة الشيء المقضي به، متى أدين شخص بجريمة اعتياد ليس هناك ما يمنع من رفع الدعوى عليه متى ارتكب بعد الحكم، مرة أخرى الجريمة بفعلين أو أكثر، من دون الأفعال التي سبق الحكم عليه بسببها.وفيما يتعلق بالسريان الزماني للنص، النص القانوني الجديد ولو أسوأ من القديم يطبق على جريمة الاعتياد في فعلها الأخير الذي تقوم به حتى ولو كانت الأفعال السابقة وقعت في ظل القانون القديم.
المطلب الرابع
الجرائم ذات النتائج والجرائم الشكلية
ومعيار التقسيم بين النوعين من الجرائم، هو بالنظر لعناصر ومكونات الركن المادي للجريمة، فالجريمة ذات النتيجة هي الجريمة التي تكتمل فيها عناصر الركن المادي، بينما الجرائم الشكلية هي اتجاه إرادة الجاني لارتكاب السلوك دون النتيجة وتسمى في هذه الحالة أيضا جرائم السلوك المجرد أو الجرائم الشكلية مقابلة للجرائم المادية، وهي الجرائم ذات النتيجة أو جرائم الضرر مقابلة لجرائم الخطر وقد كانت جرائم الخطر موضوع المؤتمر الدولي العاشر المنعقد بروما سنة 1969. وهو تقسيم سبق تناوله، ونختصر أهميته في النقاط التالية: تكمن أهمية التقسيم بين الجرائم المادية والجرائم الشكلية من عدة أوجه أهمها تتعلق بالقواعد الجنائية الموضوعية سيما في مجال الشروع في الجريمة ومجال علاقة السببية. حيث أنه بخصوص الشروع في الجريمة، فلا يكون إلا في الجرائم ذات النتائج دون جرائم السلوك المحض أو المجرد أو ما تسمى بالجرائم الشكلية التي لا مجال للكلام عن الشروع فيها. وبخصوص البحث عن علاقة السببية، فلا مجال لبحثها في مجال الجرائم الشكلية لانعدام النتيجة فيها وهي التي يحتم البحث ما إن كان يربطها بسلوك الجاني علاقة سببية..
المطلب الخامس
الجرائم المركبة والجرائم متتابعة الأفعال
الجريمة المركبة، هي تلك الجريمة التي يتألف النشاط المكون لركنها المادي من أكثر من فعل، كجريمة النصب التي لا تكتمل قانونا إلا بوقوع فعلين متميزين، هما استخدام الوسائل الاحتيالية ومن ثم الاستيلاء على مال الغير. وبذلك فمن حيث الجوانب الموضوعية تخضع الجريمة المركبة من حيث سريان النص من حيث الزمان للقانون الجديد على كل الجريمة حتى ولو بدأ سريان القانون بعد اقتراف الفعل الأول.
ومن حيث الجوانب الإجرائية ينعقد الاختصاص في الجرائم المركبة لكل محكمة وقع في دائرة اختصاصها فعل من الأفعال المكونة للجريمة، حتى بخصوص مبدأ الإقليمية حيث ينعقد الاختصاص لقضاء كل دولة من الدول التي وقع بإقليمها فعل من الأفعال المكونة لهذه الجريمة، كما أن تقادم الدعوى لا يبدأ في السريان إلا من اليوم التالي لاقتراف آخر فعل مكون للجريمة المركبة بل في جريمة النصب في اليوم الموالي لأخر عنصر من عناصر التسليم.
أما تعريف الجريمة متتابعة الأفعال، هي تلك الجرائم التي تتمثل في أفعال متعددة يجمع بينها بالرغم من هذا التعدد تماثل الحق المعتدى عليه ووحدة الغرض الإجرامي، كمن يصدر عدة شيكات بدون رصيد لشخص واحد عن دين واحد، وهي بذلك جريمة تقوم بعدة أفعال يصلح كل منها لتكوين جريمة مستقلة وكل منها يتكون من ركن مادي وآخر معنوي لكن تصبح جريمة واحدة لتماثل الحق المعتدى عليه ولوحدة الغرض الإجرامي وبالتالي لا يطبق عليها سوى عقوبة واحدة.
المبحث الثاني
تقسيم الجرائم بالنظر لركنها المعنوي
بالنظر للركن المعنوي للجريمة، الذي انتهينا منه منذ قيليل، فهناك تقسيم واحد للجرائم، وهي جرائم عمدية وأخرى غير عمدية، وسنحاول بنوع من الاختصار تناول كل نوع منها في مطلب مستقل.
المطلب الأول
الجرائــــم العمدية
الجريمة العمدية، هي تلك الجريمة التي يتطلب المشرع لقيامها توفر القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، إرادة السلوك – وهي صورة مشتركة بين الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية – وإرادة النتيجة، بالإضافة إلى العلم بكل العناصر الواقعية الجوهرية اللازمة لقيام الجريمة والعلم بصلاحية السلوك لإحداث النتيجة، وهي صورة العلم الذي إن اتخذ درجة اليقين كان القصد مباشرا وإن اتخذ درجة الاحتمال كنا بصدد القصد الاحتمالي أو القصد غير المباشر، وأن الغالبية العظمى من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات من الجرائم العمدية، وعادة ما يعبر عنه المشرع بعبارات مثل كل من ارتكب " عمدا " أو كل من ارتكب " عالم" وأن كل الجنايات عمدية وأغلب الجنح عمدية أما المخالفات فالقليل منها فقط عمدي.
المطلب الثاني
الجرائم غير العمدية
وتسمى أيضا بالجريمة الخطئية أو بجريمة الإهمال، وهي تلك التي لا يتطلب المشرع لقيامها توافر القصد الجنائي لدى الجاني كون كل ما يلزم فيها إرادة السلوك مع العلم بكافة العناصر الواقعية الجوهرية اللازمة لقيام الجريمة – وهو أيضا عنصر مشترك ما بين الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية - دون إرادة النتيجة ، لكن مع العلم بصلاحية السلوك لإحداث النتيجة. وبالتالي تختلف الجريمة غير العمدية عن الجريمة العمدية، في كون الأولى توجب توافر قصد تحقيق النتيجة عكس الجرائم غير العمدية، ومن ناحية ثانية درجة العلم المتطلبة في الجرائم العمدية ترقى لمرتبة اليقين أو الاحتمال، بينما في الجرائم غير العمدية فتتوقف درجة العلم عند درجة الإمكان أي العلم بإمكان تحقق النتيجة كأثر للسلوك.
وهناك نوع من الجرائم قد يثير اللبس بين النوعين السابقي،ن وهو ما يسمى بالجرائم المادية DELIT MATERIELS التي تقع بمجرد إتيان النشاط المكون لركنها المادي حتى ولو لم يقم الركن المعنوي لدى الجاني، و لا حتى مجرد الخطأ أو الإهمال، بل هي جرائم تقوم بالركن المادي وحده دون الركن المعنوي، كالجرائم المرورية والجرائم الضريبية والجرائم الجمركية، وهو ما أثار حفيظة أنصار الفكر الجنائي الحديث الذين يطالبون بجعل الإثم أو الخطأ كأساس للمسؤولية الجنائية، إلا أن المبرر يكمن في القول بأن الجرائم المادية لا تعني انتفاء الركن المعنوي وإنما يجعل فيها المشرع ارتكاب الفعل المادي قرينة على توفر الخطأ لديه وتنقل عبء الإثبات من عاتق النيابة إلى عاتق المتهم الذي له أن يثبت انتفاء مسؤوليته بانتفاء الخطأ من جانبه.
ومن أهم النتائج المترتبة على تفقسيم الجرائم إلى عمدية وغير عمدية، من حيث العقوبة المقررة، فعقوبات الجرائم غير العمدية في العادة عقوبات مخففة مقارنة بالعقوبات المقررة للجرائم العمدية، ومن حيث إمكان العقاب على الشروع، فلا شروع في الجرائم غير العمدية ولا اشتراك فيها.
الباب الثاني
نظرية المسؤولية الجـــنائية
لا يكفي مجرد ارتكاب الجريمة بأركانها المبينة على النحو السابق لاعتبار مقترفها مسؤول عنها مسؤولية جنائية، وبالتالي استحقاق العقاب المقرر لها بل يجب أن تتوفر فيه العناصر القانونية اللازمة المكونة للمسؤولية الجنائية، لأنه هناك فرق كبير بين فكرة الجريمة وفكرة المسؤولية الجنائية، فالجريمة إن كانت تقوم ببنيانها القانوني بموجب الأركان الثلاثة العامة، فإن المسؤولية الجنائية أو كما يسميها البعض " الأهلية الجنائية" أو " أهلية الإسناد". لا تقوم ولا تتحقق إلا إذا كان الفاعل وقت اقترافه الجريمة يتمتع بملكتي " الوعي والإدراك" من ناحية، وبالقدرة على الاختيار أو حرية الاختيار من ناحية ثانية، وبدون هذه العناصر تنتفي المسؤولية الجنائية وبالتالي لا مجال لتوقيع الجزاء على الفاعل، بالرغم من ارتكابه الجريمة على النحو الموصوف قانونا، وإن كان ذلك لا يمنع من خضوعه للتدابير الاحترازية أو تدابير الأمن كصورة ثانية من صور الجزاء الجنائي، وهي التدابير التي توقع على من توفرت في جانبه خطورة إجرامية. لذا فأساس توقيع العقوبة هي المسؤولية الجنائية، والخطورة الإجرامية أساس توقيع التدابير الاحترازية أو الأمنية، وبالتالي المسؤولية الجنائية شرط ضروري لإمكان الحديث عن توقيع العقوبة على الفاعل، وقوام المسؤولية الجنائية الوعي والإدراك من ناحية، والإرادة وحرية الاختيار من ناحية ثانية[7]. لذا فنظرية المسؤولية الجنائية تقتضي الحديث عن الشخص الفاعل، حيث إن كانت أركان الجريمة تنصرف إلى الفعل المادي، فإن نظرية المسؤولية الجنائية تنصرف أكثر إلى الشخص الفاعل، لذا نجد الكثير من الفقه يتناول المسؤولية الجنائية في إطار نظرية " المجرم والجزاء"، لذا فضلنا نحن تناول المسؤولية الجنائية ضمن باب مواز لنظرية الجريمة، وكانت خطتنا في البداية أن فقسم هذا الباب إلى فصلين، فصل يتعلق بالشخص المجرم المسؤول وموانع هذه المسؤولية، وآخر يتعلق بنظرية الجزاء، غير أن قولنا بترك نظرية الجزاء لتكون موضوع مطبوعة مستقلة، جعل من هذا الباب يختل توازنه مقارنة بالباب الأول، غير أن هدف المطبوعة يتجاوز مراعاة الجوانب الشكلية، ويركز فقط على النواحي الموضوعية الهادفة لإفادة الطالب بالتفاصيل التي قد يتم تجاوزها في المحاضرات، لذا فتركيزنا في هذا الباب المختصر سيكون من خلال فصلين نتناول في الأول فكرة المسؤولية الجنائية ذاتها، على أن نتناول في الثاني موانع هذه المسؤولية. كون فكرة المسؤولية الجنائية أو الجزائية[8]، تتطلب تحديد مفهومها وذلك بتحديد معناها وأساسها وبيان شروطها، من جهة، ومن جهة ثانية تحديد الحالات التي تنتفي فيها المسؤولية الجنائية أو تمتنع من القيام بالرغم من ارتكاب الفعل المجرم قانونا.
الفصل الأول
ماهية المسؤولية الجنائية
قبل أن نتناول مفهوم المسؤولية الجنائية وبيان أساسها وشروطها وتمييزها عما يشابهها من أفكار قانونية، تجدر بنا الإشارة بأنه هناك العديد من الفقهاء من يتناول دراسة هذه الفكرة في إطار دراسته للركن المعنوي للجريمة، وذلك بسبب النقاط القانونية الكثيرة المشتركة بينهما، سيما فيما يخص موانع المسؤولية التي تعد في حد ذاتها موانع في الحقيقة لقيام الركن المعنوي للجريمة، وأيضا ارتباطهما معا بفكرتي الأهلية الجنائية وفكرة العدالة، وكذا اتخاذ المسؤولية الجنائية للعديد من الصور تبعا لتعدد صور الركن المعنوي ذاته، حيث نجد المسؤولية العمدية التي تقابل صورة القصد الجنائي و عنصر العمد، والمسؤولية غير العمدية التي تقابل صورة الخطأ، والمسؤولية المتعدية أو المتجاوزة القصد تبعا لصورة القصد الجنائي المتعدي
أو المتجاوز، وهي نقاط التشابه الكثيرة التي جعلت من البعض يرى بأن الركن المعنوي هو ركن في المسؤولية الجنائية، بالرغم من نقاط الخلاف الكثيرة بينهما على نحو ما سنتبينه.
المبحث الأول
مفهوم المسؤولية الجنائية وتحديد أساسها القانوني
يقصد بالمسؤولية الجنائية في مجال النظرية العامة للجريمة، الالتزام بتحمل النتائج المترتبة على وقوع الفعل المجرم، وهي بهذا الوصف لا تعد ركنا أو عنصرا في الجريمة، بل هي الأثر أو النتيجة القانونية لها، وأيا كان الخلاف الفقهي حول مفهوم المسؤولية الجنائية، فهي باختصار تحمل تبعة الأفعال التي يجرمها القانون الجنائي، وفكرة تحمل التبعة لا تعني سوى تطبيق العقوبة، غير أن ما تجدر الإشارة إليه، أنه على خلاف الوقت الحاضر الذي تقام فيه المسؤولية الجنائية للإنسان العاقل البالغ فقط، فإن الشرائع القديمة عرفت مسؤولية الحيوان والجماد، بل وحتى الموتى في قبورهم، وفسر ذلك بنسبة الجريمة للأرواح الشريرة التي تتقمص هذه الأشياء وتسخرها في ارتكاب الجرائم، غير أنه حديثا أصبحت المسؤولية لا يمكن أن تسند إلا للإنسان لأنه الكائن الوحيد الذي يمكنه أن يفهم ويستوعب أوامر ونواهي القانون، كما أن ما يتضمنه القانون من جرائم لا يمكن تصور ارتكابه إلا من قبل الإنسان وكذلك الشأن بالنسبة للجزاءات التي يتضمنها والتي لا يمكن تصور إنزالها إلا بالإنسان، ولا يتصور تحقيق أغراضها إلا إذا نفذت على الإنسان، وكاستثناء أصبحت تتقرر مسؤولية الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية.
المطلب الأول
تعريف المسؤولية الجنائية وتمييزها عما يشابهها من أفكار قانونية جنائية[9]
يقصد بفكرة المسؤولية الجنائية أهلية الإنسان العاقل الواعي بأن يتحمل الجزاء العقابي نتيجة اقترافه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، كون لفظ المسؤولية مرادف للفظ المسائلة، أي مسائلة الشخص عن اختياره الجريمة كسلوك مخالف للقانون ومناقض له، وهو سؤال يحمل معنى اللوم والاستنكار والتهديد بتوقيع الجزاء نتيجة اختيار هذا السلوك المجرم. لذا فالمسؤولية الجنائية ليست ركنا من أركان الجريمة، بل هي حصيلة أو أثر لأركان الجريمة مجتمعة، وهي الحصيلة التي اجتمعت في شخص إنسان عاقل مميز ومريد وله القدرة على الاختيار. وعليه فالمسؤولية الجنائية تتميز عن كل أركان الجريمة، بما فيها الركن المعنوي المشابه لها كثيرا، فالركن المعنوي ركن في الجريمة ولا يمكن البحث في توفر المسؤولية الجنائية إلا بعد أن تقوم الأركان العامة الثلاثة للجريمة بما فيها الركن المعنوي، بل المسؤولية الجنائية وبالإضافة إلى توفر أركان الجريمة، يجب أن يتوفر أيضا عناصر الوعي والإرادة وحرية الاختيار لدى الجاني.
كما تختلف المسؤولية الجنائية أيضا عن فكرة " الأهلية الجنائية"، فهذه الأخيرة تعني صلاحية مرتكب الجريمة لأن يسأل عنها، أي إمكانية الشخص أن يكون مسؤولا عن أفعاله، وهي مرتبطة بسن معينة تختلف حوله التشريعات الجنائية، مما يجعلها شرطا لقيام المسؤولية الجنائية أو عنصرا من عناصرها، فالمسؤولية الجنائية لا تقوم إلا بتوافر الأهلية الجنائية بحيث حيثما تنتفي هذه الأخيرة تنتفي المسؤولية الجنائية.
المطلب الثاني
أساس المسؤولية الجنائية
المسؤولية الجنائية كفكرة قانونية جنائية يجب وأن تستند إلى أساس خاص يبرر مشروعية توقيع الجزاء على الشخص مرتكب الجريمة، لأن المنطق القانوني السليم يستدعي أساسا منطقيا بموجبه وعلى أساسه يمكن مسائلة الشخص، وهو الأساس الذي مثل البحث فيه مسألة فلسفية انكب على دراستها فقهاء القانون على مدار القرنين الأخيرين[10]، حيث اختلفوا وانقسموا بخصوص هذا الأساس اختلافا شديدا ومتباينا، وهو الخلاف الذي يمكن رده إلى اتجاهين أو مذهبين أساسيين، تمثلهما مدرستين عريقتين هما المدرسة التقليدية والمدرسة الوضعية، الأولى نادت بفكرة " حرية الاختيار" كأساس للمسؤولية الجنائية، فيما نادى أنصار المدرسة الوضعية بفكرة " الجبرية أو الحتمية" كأساس، وهو ما نبينه في فرعين، لكن مثلما هو الأمر دوما كلما وجد اتجاهين، يوجد اتجاه وسط توفيقي يحاول تفادي مساوئ كل اتجاه والأخذ بمزاياه، وهو ما نبينه في الفرع الثالث.
الفرع الأول
المــــــذهب التقليدي
مذهب حرية الاختيار
أساس المسؤولية الجنائية هو المسؤولية الأدبية أو الأخلاقية
وهو المذهب الذي يقيم أنصاره المسؤولية الجنائية على فكرة أن الإنسان المكتمل لمداركه العقلية يصبح حرا في تصرفاته ويوجه إرادته حيثما يشاء ويريد، وبالتالي يكون مسؤولا عن كل أفعاله وحيثما يوجه إرادته يتحمل مسؤوليته، وعليه فالجريمة وليدة إرادة الإنسان الحرة، لذا فوفقا لأنصار المدرسة التقليدية يجب أن يتوفر عنصري الإرادة وحرية الاختيار لتقوم المسؤولية الجنائية للشخص، فالإرادة وحرية الاختيار فقط تمكن من القول بأن الإنسان يسأل عن اختيار أو سلوكه طريق الجريمة، واعتباره مخطئا قانونا، لذا فلا يسأل الصغير أو المجنون أو المكره أو النائم، ففي كل هذه الحالات تنعدم المسؤولية الجنائية لعدم قيام الإرادة وحرية الاختيار وبالتالي انتفاء عنصر الخطأ في سلوك الشخص، لأن الخطأ يقاس بمدى إدراك الإنسان لفعله الخاطئ، وللخطأ والمسؤولية الجنائية درجات تقاس وفقا للقدر الذي ينقص به الإدراك والاختيار. إذن باختصار، أساس المسؤولية الجنائية وفقا لأنصار المدرسة التقليدية، وفي جوهرها هي لوم على سلوك مخالف للقانون كان باستطاعة الفاعل أن يسلك غيره، لذا فهي مسؤولية أدبية و أخلاقية. كون الإنسان مخير في أفعاله وليس مسيرا وبالتالي عليه دوما أن يسلك الطريق نحو الفعل غير المجرم وأن يوجه إرادته نحو ذلك[11].
الفرع الثاني
المـــذهب الوضـــعي
مذهب الجبرية أو الحتــمية
على عكس الاتجاه التقليدي، ذهب أنصار المدرسة الوضعية إلى القول بأن الإنسان ليس مخيرا وإنما مسيرا، وبالتالي تصرفاته ليست وليدة اختياره وحريته، وإنما حتمية عليه لعوامل لا دخل لإرادته فيها، وهي عوامل وراثية وخلقية ومزاجية وبيئية واجتماعية، وما الإرادة إلا ثمرة لهذه العوامل التي قد تدفع الشخص إلى ارتكاب الجريمة كقدر محتوم مكتوب عليه[12]، غير أنه بالرغم من امتناع حرية الاختيار فإن المسؤولية الجنائية لا تمتنع، فيسأل الصبي كما يسأل المجنون، شأنهما شأن الشخص العاقل، وكل ما في الأمر أن المسؤولية قابلة فقط للتخفيف لكنها لا تمتنع.
.
الفرع الثالث
المذهب التوفـــيقي
وهو مذهب أقام أنصاره أساس المسؤولية الجنائية على محاسن الاتجاهين السابقين، فأقامها على أساس التمييز وحرية الاختيار، دون إهمال الظروف والعوامل الشخصية والاجتماعية المحيطة بالشخص الجاني.
المطلب الثالث
خصائص المسؤولية الجنائية
في حقيقة الأمر، تتحدد خصائص المسؤولية الجنائية تبعا للأساس الذي تبنى عليه، وبما أن الأساس السائد في التشريعات الجنائية الوضعية، هو مذهب حرية الاختيار، فإن خصائص المسؤولية الجنائية تبعا لذلك، أن الإنسان هو موضوعها، وبذلك تكون مسؤولية شخصية.
الفرع الأول
الإنسان موضوع أو محل المسؤولية الجنائية
السائد فقها وتشريعا وقضاء أن الإنسان هو محور أو موضوع أو محل المسؤولية الجنائية، على عكس ما كان سائدا قديما، أين عرفت مسؤولية الحيوان والنبات والجماد، كما أن الجريمة سلوك إرادي، والإرادة جوهر الركن المعنوي للجريمة، وهي التي تقف خلف السلوك الإجرامي وهي الإرادة التي لا يمكن أن تكون إلا إرادة إنسانية تصدر عن إنسان، لذا فالمسؤولية الجنائية لا يتحملها إلا الإنسان كونه المدرك والمميز والفاهم لحقيقة الأفعال والمختار لها، لذا فالإنسان هو الذي يرتكب الجريمة وهو الذي يتحمل مسؤوليتها، خاصة وأن الجزاءات الموجودة بالقانون لا يمكن تصور إنزالها بغير الإنسان، ولا يمكن تصور تحقيقيها لأغراضها إلا إذا نفذت فيه، سواء تمثلت هذه الأغراض في الردع العام أو الردع الخاص
أو التهذيب أو الإصلاح والعلاج. غير أن التطور القانوني انتهى إلى الاعتراف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، والذي لا يزال يثير الجدل لغاية اليوم، حول إمكانية مسائلة الشخص المعنوي جزائيا، وهو الجدل الفقهي الذي انعكس على التشريعات الوضعية، حيث أنكر اتجاه قيام المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، لكن هو أمر مسلم به في تقنين العقوبات الجزائري. وهو ما تكون لنا عودة إليه.
الفرع الثاني
شخصية المسؤولية الجنائية
من المسلمات في القانون الجنائي مبدأ شخصية العقوبة، حيث لا توقع العقوبة إلا من تقررت مسؤوليته الجنائية عن الجريمة التي وقعت، وبالتالي فالمسؤولية الجنائية شخصية، حيث لا تقوم إلا لدى الشخص مرتكب الجريمة أو المساهم فيها بوصفه فاعلا أو شريكا، فالعدالة الجنائية تأبى تحميل المسؤولية لشخص لا علاقة له بالجريمة المرتكبة، وهو مبدأ إلهي تقرر في القرآن الكريم حيث ليس للإنسان إلا ما سعى، في قوله عز وجل في الآيات من 36 إلى 39 من سورة النجم : وفي الآية 286 من سورة البقرة " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" وفي الآية 46 من سورة فصلت" من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها"، وفي الآية 15 من سورة الإسراء :" ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى" وفي الآية 33 من سورة لقمان :" لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا"، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه".
غير أن مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية لم تعرفه القوانين الوضعية إلا حديثا، حيث كانت تعرف القوانين القديمة فكرة المسؤولية الجنائية الجماعية، حيث كانت تمتد لتشمل أسرة الجاني وأقربائه وعشيرته، وهو الوضع الذي امتد لغاية ما قبل الثورة الفرنسية، غير أنه اليوم أضحى المبدأ من المبادئ الدستورية والجنائية، حيث لا يعرف القانون الجنائي المسؤولية عن أفعال الغير مثل القانون المدني، ما عدا في بعض الفروض النادرة مثل الجرائم الصحفية....
المبحث الثاني
شروط المسؤولية الجنائية
في حقيقة الأمر شروط المسؤولية الجنائية تختلف باختلاف الأساس الذي بنيت عليه، فحيث يكون أساسها حرية الاختيار فإن شروطها تتمثل في ضرورة توافر الإدراك وحرية الاختيار، وحيث يكون أساسها الجبرية أو الحتمية فإنه يشترط لتقرير المسؤولية الجنائية توفر الخطورة الإجرامية، لذا يجب أن نتناول كل هذه الشروط، حيث الأصل في أساس المسؤولية الجنائية حرية الاختيار فإن شروطها الإدراك والاختيار، وحيث أساسها الجبرية فإن شرطها الأساسي توفر الخطورة الإجرامية – وهو نضيفه فقط للاستيعاب وننبه مرة أخرى هو أنه من الشروط في القوانين التي تأخذ بمذهب الجبرية-، وهو ما نبينه في المطلب التالي، بعد أن نبين شرط أساسي يتمثل في التمتع بالأهلية الجنائية.
المطلب الأول
التمتع بالأهلية الجزائية
الأهلية الجزائية مجموعة من الصفات والعناصر التي يتوجب أن تتوفر في الشخص حتى يمكن نسب الجريمة إليه، بوصفه فاعلها عن وعي وإدراك، وهي لا تثبت إلا للإنسان باعتباره الوحيد من بين الكائنات الذي يملك قدرة الإدراك وحرية الاختيار، وكنتيجة لذلك فالجريمة لا يمكن أن يقترفها إلا الإنسان، غير أن صفة الإنسان وإن كانت ضرورية فهي غير كافية لتوفر الأهلية الجنائية، فقد ترتكب جريمة من قبل إنسان غير أن أهليته تمتنع لجنونه أو صغر سنه، وبالتالي ليكون الشخص آهلا لتحمل المسؤولية الجنائية أن يكون حيا وعاقلا وبالغا سنا معينة وهو ما نبينه في النقاط التالية.
الفرع الأول
وقوع الجريمة من إنسان حي
صفة الإنسان شرط لازم لوصف السلوك المخالف للقاعدة الجنائية بوصف الجريمة، بحيث هذه الأخيرة لا يمكن أن ترتكب إلا من إنسان، وبالتالي الشرط الأول للأهلية الجنائية هو صدور الجريمة عن إنسان، وأن كل فعل صادر عن جماد أو حيوان دون أن يكون هناك دور للإنسان فيه فهو لا يعد جريمة، إذ غير الإنسان مستبعد من الخطاب الجزائي تجريما وعقابا ومسؤولية. كما أنه لا يكفي أن تكون الجريمة صادرة عن إنسان، بل يجب أن يكون هذا الأخير حيا، بالنظر لخاصية شخصية العقوبة التي تعني بداهة سقوطها بوفاة الجاني إذ بذلك تنتفي الغاية من توقيع الجزاء كما ينتفي محلها الذي يوقع عليه.
الفرع الثاني
أن يكون الجاني عاقلا وبالغا
يعد العقل أساس تحمل المسؤولية، لأن العقل هو مناط الإدراك، لذلك فالشخص المصاب بمرض
أو عاهة عقلية لازمته وقت ارتكاب الجريمة انعدمت أهليته وبالتالي مسؤوليته الجنائية، والعقل وفقا لاتفاق التشريعات الجنائية الحديثة يتطلب سنا معينة حتى وإن اختلفت بشأنه التشريعات، فالعقل يتدرج حسب المراحل السنية وهو لا يكتمل قانونا إلا ببلوغ السن التي يحددها قانون العقوبات.
المطلب الثاني
التمتع بالوعي وحرية الإرادة
( التبعة الجــزائية)
لا يكفي لقيام المسؤولية الجنائية ارتكاب الفعل المجرم من شخص آهل جنائية، أي إنسان حي بالغ سن معينة، بل يجب إضافة إلى ذلك أن يكون متمتع بشرط التبعة الجزائية التي تقوم على عنصري الوعي والإرادة[13].
الفرع الأول
الوعـــــــي والإدراك
يقصد بالوعي أو الإدراك، قدرة الإنسان على فهم ماهية سلوكه وتقدير ما قد يترتب عليه من نتائج، ويعني في مجال المسؤولية الجنائية أن يعي الشخص أنه بصدد سلوك محظور قانونا، غير أنه باختياره يوجه إرادته نحو القيام به، فيعد بذلك مسؤول جنائيا عنه. والقدرة السابقة في حقيقة الأمر، هي قدرة واقعية تتعلق بماديات الفعل في ذاته ونتائجه، كما هو الأمر في الواقع المألوف، وهي القدرة الاجتماعية التي تستمد من قواعد الخبرة الإنسانية العامة، في التمييز بين الخير والشر، والمسموح والممنوح والمباح والمحظور، وهو الفهم الواقعي من حيث الفعل بذاته وما قد يرتبه من نتائج، وليس الفهم القانوني، حيث الشخص قد يأتي فعلا يجهل أصلا أن قانون العقوبات يجرمه، إذ العلم بقانون العقوبات والتكييف الذي يتضمنه أمر مفترض، فالعلم ليست له علاقة بالإرادة، كونه لا يعذر شخص بجهل القانون.
الفرع الثاني
حريـــة الإرادة
ويقصد بحرية الإرادة حرية الشخص على الاختيار وقدرته على توجيه سلوكاته نحو القيام بالفعل
أو تركه، وحتى تتوفر حرية الإرادة يجب أن يكون الفعل مما يمكن القيام به، بحيث إذا كان مستحيلا فلا محل للقول بحرية الإرادة، وأن يكون أمام الشخص بدائل تمكنه من الاختيار من بينها.كما تعني الإرادة توجيه الذهن إلى تحقيق عمل معين، فهي إرادة قد تكون واعية، كما قد تكون غير واعية، فالمجنون يريد أفعاله والصغير كذلك، غير أن إرادتهما غير واعية، والإدراك يجب توفره وقت إتيان الجريمة، أي الأفعال المادية المكونة لها حيث يجب أن يكون معاصرا لها، فإن انتفى يكون شرط أساسي من شروط قيام المسؤولية الجنائية قد تخلف وبالتالي لا تقوم، أما قدرة الاختيار فتعني قدرة الشخص على توجيه إرادته، إذ يفترض تعدد الخيارات أمام الشخص ومن ثم يوجهها الوجهة التي يختارها، الأمر الذي يجعل منه يختلف عن الإرادة، فهذه الأخيرة تتعلق بالجريمة في ركنيها المادي والمعنوي، بينما حرية الاختيار موقعها المسؤولية الجنائية كمحصلة لأركان الجريمة مجتمعة، ومعلوم انه قد توجد الجريمة وتتخلف المسؤولية، وحرية الإرادة موجود متى كانت الظروف المحيطة بالجاني تركت له حرية التصرف، بينما هناك ظروف تنقص منها أو قد تعدمها مثل الإكراه أو الضرورة، وبذلك يتعين الإنقاص من المسؤولية الجنائية أو امتناع قيامها أصلا تبعا للمقدار الذي ترك لحرية تصرف الشخص.
ومثلما ذكرنا سابقا، سنضيف شرط ثالثا يتعلق بشروط المسؤولية في القوانين التي تأخذ بالجبريةن وهو شرط الخطورة الإجرامية.
الفرع الثالث
شرط الخطورة الإجرامية
وهي فكرة اعتنقها أنصار المدرسة الوضعية لتأسيس المسؤولية الجنائية، ومنها قرروا استبعاد العقوبات التقليدية وإحلال التدابير الاحترازية محلها لحماية المجتمع من تكرار الجريمة في المستقبل، وتعرف الخطورة الإجرامية بأنها: حالة أو صفة نفسية لصيقة بشخص الجاني تنذر باحتمال إقدامه على ارتكاب جريمة أخرى في المستقبل، ومن هذا التعريف تتضمن الخطورة الإجرامية عنصرين، الجريمة السابقة المرتكبة، واحتمال وقوع جرائم جديدة في المستقبل. فشرط الجريمة السابقة أو التي وقعت شرط أساسي من شروط القول بانطواء الشخص على خطورة إجرامية، فضرورة ارتكاب الجريمة وتوقيع التدبير يحكمه مبدأ الشرعية الجنائية، حيث مثلما تخضع العقوبة لهذا المبدأ، فالتدابير الاحترازية تخضع له أيضا، وبالتالي بجب توفر هذه الجريمة وإلا فلا مجال للقول بالخطورة الإجرامية حتى ولو كانت نفسية الجاني تنطوي على خطورة اجتماعية عالية، بالرغم من أن البعض عارض ذلك، بحجة عدم وجوب انتظار وقوع ضرر الجريمة ما دامت الخطورة متوفرة، فيمكن توقيع التدابير دون انتظار وقوع الجريمة، دفاعا عن المجتمع.
وأما الشرط الثاني للقول بتوفر الخطورة الإجرامية، فيتمثل في احتمال وقوع جريمة جديدة في المستقبل، وهو ما تكشف عنه الجريمة السابقة التي تبين الشخصية الإجرامية لدى الجاني، وتوفر دلالات وإمارات لديه يخشى مع توفرها إقدام الجاني على ارتكاب جرائم جديدة في المستقبل، فالإمارات ضرورية بالنظر لكون الخطورة الإجرامية حالة نفسية يستحيل تبينها وإثباتها ما لم يتدعم بإمارات ودلالات تدل عليها، وفحص شخصية الجاني للبحث عن الاستعدادات الجنائية لديه وذلك من مختلف نواحي شخصيته، مثل بعض الظروف التي ترتكب فيها الجريمة، أو ارتكاب جرائم جسيمة.
الفصل الثاني
موانع المسؤولية الجنائية
سبق القول أن جوهر المسؤولية الجنائية يقوم على الوعي والإدراك الذين يسيران حرية الاختيار، وبالتالي تمتنع المسؤولية الجنائية كلما انعدم هذا الوعي أو هذه الإرادة، ويترتب على ذلك عدم توقيع العقوبة على الشخص بالرغم من ارتكابه للجريمة على النحو الموصوف قانونا، وبالرغم من توفر أركانها القانونية العامة والخاصة، مع ما تتضمنه هذه الأركان من عناصر قانونية، غير أن امتناع المسؤولية وإفلات الفاعل من العقوبة لا يمنع من خضوعه للتدابير الاحترازية أو تدابير الأمن، كصورة من صور الجزاء، لأنه سبق القول أنه إن كانت المسؤولية أساس توقيع العقوبة، فأساس توقيع التدابير هو توفر الخطورة الإجرامية. وبالتالي موانع المسؤولية قد تكون ناشئة عن انعدام الإرادة، مثل حالة الإكراه وحالة الضرورة – في القوانين التي تجعل منها مانعا من موانع المسؤولية لا سببا من أسباب الإباحة-، وإما أن تكون ناشئة عن انعدام الوعي مثل صغر السن أو الجنون، وهو ما نتناوله في مبحثين متتاليين، نتناول في الأول موانع المسؤولية الناشئة عن انعدام الوعي، وفي الثاني تلك المتعلقة بانعدام الإرادة.
لكن قبل ذلك، نود أن نشير أن كون المسؤولية تقوم على كل من الإدراك وحرية الاختيار وتخلف أحد هذين العنصرين أو تخلف أحدهما يترتب عليه انتفاء وتخلف المسؤولية الجنائية، أو الحيلولة دون توقيع شق الجزاء لأسباب شخصية توفرت في مرتكب الجريمة أو علقت بشخصه، مع بقاء بفعله يتسم بالصفة التجريمية من الناحية القانونية، كما قد تقيم مسؤوليته المدنية عنها، ولأن موانع المسؤولية الجنائية أسباب شخصية، فهي لا تنتج أثرها إلا بخصوص الشخص الذي توفرت لديه دون باقي المساهمين أو الشركاء معه في الجريمة، والفرق واضح ما بين مبدأ الشرعية الذي يقضي بالا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وفكرة المسؤولية الجنائية المبنية على فكرة الخطأ، فمبدأ الشرعية لما ينظر للأفعال المجرمة أنها أفعال ماسة بالقيم الجماعية المشتركة، التي يعد إتيانها مصدرا للوم الاجتماعي، كونها تمثل اعتداء على القواسم المشتركة بين أفراد المجتمع، وهم الأفراد الذين يصنفون إلى محترم ومعاد لهذه القيم والقواسم الاجتماعية المشتركة، ومبدأ الشرعية يعني لا وجود للجريمة ما لم يكن الفعل مخالف لنص جنائي، وبالتالي وفقا للمبدأ لا فرق بين الشخص المسؤول وغير المسؤول، فالشخص الذي توفر لديه مانع من موانع المسؤولية إذا ما أتى هذا الفعل فوفقا لمبدأ الشرعية قد أتى جريمة، ما دامت تصرفاته تخالف النصوص الجنائية، ولا أحد بمقدوره القول غير ذلك، كون موانع المسؤولية في حقيقة الأمر لا تمنح الحق لهؤلاء بمخالفة قانون الجماعة الذي ارتضته لنفسها، وبالتالي لا تأثر لموانع المسؤولية من كونها تصرفات مجرمة، أو أفعال تشكل جرائم، فتعليق المسائلة يتعلق بالشخص لا الفعل وبمن توفر لديه السبب دون غيره ممن ساهم معه في ارتكاب الجريمة ما لم يكن يتوفر لديه ذات المانع. ويرى البعض أن دراسة موانع المسؤولية الجنائية، يبرز فكرتين رئيسيتين، هما الشعور والإرادة، فالشعور الآثم والإرادة الآثمة هما أساسا المسؤولية الجنائية، وكلما انتفى الإثم عنهما انتفت المسؤولية الجنائية، وذلك لا يعني أنه هناك سببين لمنع المسؤولية الجنائية، وإنما هما فكرة واحدة.وعلى ذلك، فكرة الجريمة مستقلة عن فكرة المسؤولية الجنائية، غير أن ذلك لا يعني الاستقلال التام بينهما، فالمسؤولية الجنائية لا يمكن أن تستمد وجودها إلا من خلال الجريمة، فبدون الجريمة لا يمكن تصور من هم مسؤولين عنها، غير أنه بالإضافة لوجود الجريمة، تقتضي المسؤولية الجنائية زيادة عن ذلك وجود فكرة الخطأ، وإذ قلنا الخطأ، فذلك يعني بالضرورة حرية الإرادة، واختيار ارتكاب الجريمة سواء تعمدا
أو بغير عمد، وعموما أن يكون الشخص في موضوع نفسي يسمح له بالحكم على تصرفاته، فالمشرع لا يولي قيمة قانونية إلا للتصرفات التي يأتيها من بإمكانه تقييم تصرفاته.
لذا فموانع المسؤولية أسباب أو أحوال أو أمور تعترض سبيل المسؤولية الجنائية فتخفف منها
أو تعدل مسارها أو تعدمها كلية، ومنها ما هو طبعي كصغر السن، وبعضها عارض أو مؤقت مثل الجنون وعاهة العقل والإكراه المعنوي وحالة الضرورة – في بعض القوانين-، وهي موانع شخصية على خلاف أسباب الإباحة، وأنها لا تزيل الصفة التجريمية عن الفعل لذا فهي تمنع توقيع العقوبة فقط دون التدابير الاحترازية وقيام المسؤولية المدنية، عكس أسباب الإباحة، غير أنها قريبة جدا من موانع العقاب، كون هذه الأخيرة بدورها شخصية، غير أن وجه للخلاف أن موانع العقاب لا تمحي الجريمة ولا تستبعد المسؤولية الجنائية عنها، بل تستبعد العقاب فقط، وذلك لتوفر بعض الاعتبارات الاجتماعية التي يقدر معها المشرع إعفاء الشخص من العقاب خير من توقيعه عليه.
ويذهب رأي في الفقه أن موانع المسؤولية الجنائية لم ترد في قانون العقوبات على سبيل الحصر، فهي وردت على سبيل المثال لذا يمكن أن تستوعب كل ما يسفر عنه العلم أو الواقع العملي من أسباب أخرى، على عكس اتجاه فقهي آخر يرى أن موانع المسؤولية وردت في قانون العقوبات على سبيل الحصر، وأن كل ما في الأمر أنها تقبل التفسير الواسع والقياس على عكس مسائل التجريم والعقاب.
المبحث الأول
موانع المسؤولية الناشئة عن انعدام الوعي
من الموانع التي تمنع المسؤولية الجنائية من القيام قانونا، وتتعلق بانعدام الوعي لدى الشخص الذي يتجرد من ملكتي الوعي والإدراك، وبالتالي من القدرة على فهم دلالة أفعاله وإدراك أبعادها القانونية، هما مانعين أساسيين، الجنون وصغر السن، وهناك من التشريعات تضيف مانع ثالث يتعلق بالغيبوبة الناشئة عن السكر الاضطراري. وسنتناول كل مانع من هذه الموانع في مطلب مستقل.
المطلب الأول
صغر السن كمانع للمسؤولية الجنائية
سبق القول أن قوام المسؤولية الجنائية يتمثل في الوعي والإدراك، أي قدرة الشخص على فهم حقيقة أفعاله وتمييز ما هو مباح وما هو محظور منها، وذلك بالضرورة لا يمتلكه الشخص دفعة واحدة ولا أن يولد معه، بل تنمو هذه الملكة بنمو الشخص وتقدمه في السن، فالشخص يولد منعدم الوعي والإدراك ويبقى كذلك في السنوات الأولى من عمره، والمسماة بمرحلة الطفولة، لتبدأ هذه الملكة في النمو لديه شيئا فشيء مع تقدم السنين، غير أنها تبقى منقوصة في مرحلة الطفولة المنقوصة ومرحلة المراهقة، وهي المسألة التي تراعيها التشريعات الجنائية في خطابها للأشخاص، فهي لا تحاسب الأطفال عن أخطائهم الجنائية مثلما تحاسب البالغين، بل أن مسؤولية الطفل أو الصبي غير المميز تتدرج بحسب المرحلة السنية التي يمر بهـــا[14].
الفرع الأول
علة عدم مسائلة الحدث
صغر السن من الأسباب المتعلقة بفقدان التمييز، شأنه شأن الجنون والسكر، باعتبار الصغير لا يعقل كنه الفعل أو الترك، إذ ليس بمقدوره أن يتخذ موقفا عقلانيا يعتد به القانون ويحاسبه أو يعاقبه عليه، حيث ينظر الصغير لقيم المجتمع نظرة مادية غريزية تدنو من الغرائز الحيوانية، والمشرع لا يخاطب الحيوانات، كون مثل هذه القيم تكتسب بالتدرج في الضمير الإنساني لغاية اكتمال النمو العقلي والنفسي، غير أن مثل هذه السن لم يقع عليها اتفاق الفقه الحديث، وإن كانت فكرة معاملة الأحداث معاملة متميزة قد بدت منذ القدم، ونجد إميل غارسون قد نادى بإخراج الأحداث من قانون العقوبات، وذلك منذ بداية القرن العشرين، وفعلا خرج الأحداث من نطاق قانون العقوبات فعلا من سنة 1945 وحذت الكثير من الدول العربية حذو ذلك، حيث يخضع الأحداث إلى إجراءات تربوية وإصلاحية وحماية ومراقبة، مما يبعد فكرة المسؤولية الجنائية عن الأحداث، غير أن تقسيم مراحل السن للحدث لا يزال يثير الخلاف ويطرح الإشكاليات.
وتختلف التشريعات العقابية الوضعية في تحديدها السن التي يعد فيها الشخص قد بلغ سن الرشد الجنائي، وبالتالي مسؤول جنائيا، وذلك باختلاف السياسة الجنائية التي نتهجها كل دولة، إلا أن غالبية التشريعات تعتبر الطفل ما دون سن السابعة منعدم التمييز وبالتالي تنعدم مسؤوليته الجنائية عن كل الأفعال المحظورة التي يأتيها[15]، وهي السن التي تمتد في قوانين أخرى لحد سن الثانية عشر وحتى سن الخامسة عشر في قوانين أخرى.
الفرع الثاني
موقف المشرع الجزائري
قضت المادة 49 من تقنين العقوبات الجزائري على أنه: :" لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية أو التربية.ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات لا يكون محلا إلا للتوبيخ. ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 إما لتدابير الحماية أو التربية أو لعقوبات مخففة.". وباستقراء هذا النص، نجد المشرع الجزائري قد قسم المراحل السنية إلى ثلاثة مراحل، وتبعا لها تتدرج المسؤولية الجنائية للشخص، المرحلة الأولى وهي مرحلة ما دون سن الثالثة عشر، والمرحلة الثانية الممتدة من 13 حتى 18، ومرحلة المسؤولية الكاملة ما بعد 18 سنة.
أولا: المرحلة الأولى: ما دون ال 13 سنة (مرحلة انعدام المسؤولية )
وفي هذه المرحلة تكون أهلية الشخص قانونا منعدمة تماما، وهي المرحلة التي لا يكون فيها الشخص مسؤول إطلاقا، والعبرة في تحديد السن هي بيوم ارتكاب الجريمة حتى ولو كان الشخص يوم المحاكمة قد فاق هذه السن، وهو ما حددته المادة 443 من قانون الإجراءات الجنائية الجزائري، غير أن انعدام مسؤولية الصبي في هذه الفترة لا يمنع من إخضاعه لتدابير الحماية أو التربية التي ترمي لحماية الحدث لا لعقابه. وذلك لا يعني أن مسؤوليته مخففة، بل هي مسؤولية جنائية منعدمة، وتدابير الحماية والتربية مقررة لمصلحته خارج المؤسسات العقابية.
ثانيا: المرحلة الثانية: المرحلة بين 13-18(المسؤولية الجنائية المخففة ( الناقصة))
المرحلة الممتدة بين سن الثالثة عشرة والثامنة عشرة، تكون فيها أهلية الشخص ناقصة وتبعا لذلك تكون مسؤوليته الجنائية مخففة، وفي هذه المرحلة التي يعد فيها الشص حدثا تطبق عليه إما تدابير الحماية والتربية شأنه شأن الصبي غير المميز، أو تطبيق بعض العقوبات المخففة المنصوص عليها ضمن المادة 50 من تقنين العقوبات الجزائري، التي قضت أنه: :" إذا قضي بأن يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 لحكم جزائي فإن العقوبة التي تصدر عليه تكون كالآتي: 1-إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤبد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة. 2- وإذا كانت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا.". كما أضافت المادة 51:" في مواد المخالفات يقضى على القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 إما بالتوبيخ وإما بعقوبة الغرامة.".
ثالثا: المرحلة الثالثة: مرحلة البلوغ(المسؤولية الجنائية الكاملة)
مرحلة بلوغ الشخص وفقا لقانون العقوبات الجزائري هي ببلوغه سن الثامنة عشر سنة حسب المادتين 49 من تقنين العقوبات الجزائري وكذا نص المادة 442 من تقنين الإجراءات الجزائية الجزائري، وببلوغ الشخص هذه المرحلة السية يكون مسؤول مسؤولية جنائية كاملة.
المطلب الثاني
الجنون كمانع للمسؤولية الجنائية
الجنون هو فقدان الشخص لملكاته العقلية على نحو يجرده من الوعي والإدراك، وكذا القوة على التمييز، وقد نصت المادة 47 من تقنين العقوبات الجزائري، على أنه:" :" لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة وذلك دون الإخلال بأحكام الفقرة 2 من المادة 21 [16]."[17].وبالتالي المشرع اعتبر الجنون أو عاهة العقل مانعا من موانع المسؤولية الجنائية، بالنظر لما يرتبه من فقدان للشعور والتمييز والإرادة، غير أن الجنون وإن كان يحول دون مسائلة الشخص بتوقيع العقوبات عليه، فإنه لا يحول دون إنزال التدبير الاحترازية عليه باعتباره ينطوي على خطورة إجرامية، وبذلك في العادة ما يوضع في المصحات العقلية أو النفسية. وسنتناول تفصيل حكم هذا المانع، في فرع، لنخصص الثاني لشروط الاستفادة منه.
الفرع الأول
حكم الجنون وعاهة العقل
وهو مانع نصت عليه أيضا المادة 62 من تقنين العقوبات المصري، والمادة 122-1 من تقنين العقوبات الفرنسي على أنه :" لا يسأل جنائيا من كان وقت ارتكاب الفعل مصابا بمرض عقلي أو عصبي
أو عدم تمييزه أو القدرة على التحكم في أفعاله ". ونص على الجنون في القانون اللبناني المادتان 231 و232 من قانون العقوبات، حيث نصت الأولى على أنه:" يعفى من العقاب من كان في حالة جنون أفقدته الوعي والإرادة"، ما يلاحظ على النص وإن كان أقامها على أساس فقد الوعي والإرادة التي تقوم عليهما المسؤولية الجنائية إلا أنه أسبق المادة بعبارة " لا عقاب " مما قد يفهم منه أن الجنون مانع من موانع العقاب لا مانع من موانع المسؤولية، ولم يبن كل هؤلاء المشرعين ولا المشرع الجزائري مدلولا محددا للجنون أو عاهة العقل، لذا يرى غالبية الفقه، أنه في قانون العقوبات، يقصد بالجنون، الاضطراب الحاصل في القوى العقلية للشخص بعد تمام نموها بما يؤدي إلى فقد القدرة على التمييز والإدراك، وقد يكون الجنون نتيجة مرض يصيب المخ أو ناتج عن شيخوخة طاعنة في بعض الحالات، كما يمكن أن يكون الجنون مطبقا إذا أصاب كل الملكات الذهنية للشخص، وهنا يفقد الأهلية ويمنع قيام المسؤولية، وقد يكون متقطعا يأخذ صورة نوبات تتخللها فترات إفاقة، وهنا لا يرتب أثره إلا إذا ارتكبت الجريمة أثناء إحدى نوبات الجنون دون نوبات الإفاقة[18].
والجنون بمعناه العام، يشمل حالة العته أو البله أو الضعف العقلي وهي الحالة التي تصاحب الشخص منذ ولادته وتفيد وقوف ملكاته العقلية أو الذهنية دون مستوى النضج الطبيعي، بمعنى يجب النظر لفكرة الجنون كمانع من موانع المسؤولية ليس بمعناه القانوني أو بمعناه الطبي الدقيق، بل يجب أن يمتد ليغطي كل الحالات المرضية التي من شأنها أن تؤدي إلى فقد الوعي أو الإرادة، سواء وصفت بالجنون أو وصفت بغير ذلك، بما يجعله يشمل كل من الأمراض العقلية والعصبية والنفسية التي تؤثر في المخ فتفقده الوعي والإرادة المعاصر لارتكاب الجريمة. لذا نجد بأنه عرف، بأنه فقدان الشخص لملكاته العقلية على نحو يترتب عليه تجرده من الوعي والقدرة على التمييز، وإن كان يؤدي إلى امتناع المسؤولية فهو لا يمنع من اعتباره خطرا إجراميا لا يحول دون توقيع التدابير الاحترازية كالإيداع في مصحة عقلية. وقد أخذ حكم المجنون الشخص المصاب بالبارنوياك Baranoiaque وهو الشخص الذي تأتيه نوبات هذيان وشك وريبة، فهنا قد يضطر حد قتل من يضطره، ويسمى جنون Manie أو هذيان الاضطهاد غير أنه مسؤول مثلا عن السرقة إذ لا علاقة لها بمثل هذا الاضطهاد[19].
غير أن أنصار المدرسة الوضعية الإيطالية كانت لههم نظرة أخرى، فاعتبروا المجنون مسؤول جنائيا ولا يمكن أن يخرج عن نطاق القانون الجنائي، حيث أن مسؤوليته اجتماعية أساسها الخطورة الإجرامية الكامنة لديه، وبالتالي يجب توقيع التدابير الاحترازية عليه وذلك بوضعه في المصحات العقلية حتى يشفى من نونه وتزول خطورته الإجرامية، ورغم أن التشريعات الحالية تميل للاتجاه التقليدي، المتمثل في بناء المسؤولية الجنائية على حرية الاختيار، ومن ثم لا يمكن مسائلة المجنون جنائيا لانعدام هذه الحرية لديه، وإن كانت تأخذ بفكرة التدابير الاحترازية بخصوص المجنون وهو ما يعني الأخذ أيضا بأفكار المدرسة الوضعية.
الفرع الثاني
الشروط الواجب توفرها لامتناع المسؤولية بسبب الجنون
حتى يعد الجنون مانعا من موانع المسؤولية الجنائية، يجب أن تتوفر فيه ثلاثة شروط أساسية، هي:
1- إصابة المتهم فعلا بجنون أو عاهة عقلية.2- فقد الشعور أو الاختيار بخصوص العمل الذي سلكه الشخص.3- معاصرة الجنون أو العاهة العقلية لوقت ارتكب الجريمة. وهو ما نتناول تفصيله في النقاط الثلاث التالية.
أولا: إصابة المتهم بجنون أو عاهة عقلية
الجنون من وجهة النظر القانونية، يشمل كافة صور اضطراب القوى الذهنية لدى الشخص، الأمر الذي يفقده التمييز وحرية الاختيار، لذا نجد القاضي الجزائي لا يتقيد بالمعنى الطبي الدقيق للجنون، بل يكفيه أن يتأكد من أن أثر العاهة العقلية أفقدت الشخص التمييز أو حرية الاختيار لحظة ارتكابه الجريمة، سواء كان ذلك راجعا لمرض يصيب المخ، وهو الجنون في معناه الطبي[20]، أو خلل يصيب الجهاز العصبي للشخص، أو أي اضطراب في الصحة النفسية له، لكن يستبعد من مدلول الجنون كل صور الاختلالات والاضطرابات النفسية، كحالات الشخصية السيكوباتية التي تسيطر على الشخص فتجعله في عداء مستمر مع المجتمع، وكذا حالات الانفعال الشديد أو حالات ثورة العاطفة.
ثانيا: فقد الشعور أو القدرة على الاختيار
إن لم يؤدي الجنون أو عاهة العقل إلى إفقاد الشخص لشعوره وقدرة اختياره، فلا يعد مانعا من موانع المسؤولية، ولا يقصد بفقد الشعور والاختيار زوالهما زوالا تاما، بل يكفي إضعافهما أو الانتقاص منهما إلى حد التأثير على إرادة الجاني، وهي مسألة موضوعية متروكة لتقدير قضاة الموضوع دون معقب عليهم من محكمة النقض، وللقاضي في ذلك حق الاستعانة بالخبرة الطبية والنفسية.
ثالثا: معاصرة الجنون لوقت ارتكاب الجريمة
حتى يعد الجنون أو العاهة العقلية مانعا من موانع المسؤولية، يجب أن يكون معاصرا لوقت ارتكاب الجريمة، أي أن يعتري الشخص لحظة ارتكابه الجريمة ( وبالضبط ارتكاب ركنها المادي)، فلا عبرة قانونا بالجنون السابق لهذه اللحظة، إذا كان الشخص قد عفي منه وقت ارتكابه الجريمة، ولا عبرة أيضا بالجنون
أو العاهة العقلية التي تطرأ على الشخص بعد ارتكابه الجريمة، بحيث في هذه الحالة يعد سببا يحول دون مواصلة إجراءات الدعوى أو امتناع توقيع العقوبة عليه، بحيث إن اعترى الشخص جنون بعد ارتكاب الجريمة وقبل إجراءات المحاكمة فإن ذلك يعد حائلا يحول دون محاكمته، وإن اعتراه الجنون وقت المحاكمة توقفت إجراءاتها، وإن طرأ بعد المحاكمة وصدور الحكم، فإنه يوقف فقط تنفيذ العقوبة لغاية شفائه إن كان جنونا من النوع الذي يشفى. غير أنه وفقا للقانون الجزائري وتطبيقا للمادة 21 من تقنين العقوبات فإنه تنزل به التدابير الاحترازية المتمثلة في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية[21].
وباستجماع المرض أو العاهة العقلية للشروط الثلاثة السابقة، يصبح مانعا من موانع المسؤولية الجنائية، يمنع توقيع العقوبة على المصاب به، وهو من الموانع الشخصية التي على غرار موانع المسؤولية كلها لا يستفيد منه إلا من توفر في حقه.
hadia369
2013-01-29, 00:29
المبحث الثاني
موانع المسؤولية الناشئة عن انعدام الإرادة
إن امتناع المسؤولية الجنائية – يسميها البعض عوارض المسؤولية- لا يشترط أن يكون ماسا بالوعي والتمييز فقط، وذلك بأن ينعدما، بل قد يكون الإنسان مميزا وعاقلا وواعيا لحقيقة ودلالات فعله، لكنه قد يكون متجرد من إرادته كلية كما في حالة الإكراه المادي، وقد ينتقص منها فقط على نحو يجعلها إرادة معيبة غير حرة، مثلما هو الأمر بالنسبة للإكراه المعنوي وحالة الضرورة- في القوانين التي تجعل منها سببا من أسباب الإباحة- وكذا الغيبوبة الناشئة عن التخدير أو السكر الاضطراري في بعض الدول، لذا سنتناول هذا المبحث من خلال مطلبين، نتناول فيهما فقط حالة الإكراه بنوعيه، وكذا حالة الغيبوبة الناشئة عن السكر، دون حالة الضرورة التي تناولناها في مجال أسباب الإباحة، وأنه يشترط فيها ذات الشروط التي سبق تناولها حتى ولو كانت مانعا من موانع المسؤولية.
المطلب الأول
الإكــــــــــراه
الإكراه نوعان، إكراه مادي وهو الذي تنعدم فيه إرادة الشخص كلية، ومثاله أن يمسك شخص بيد شخص آخر ويجبره على التوقيع على محرر مزور، أو على شيك بدون رصيد، وهو نوع من الإكراه يعدم الإرادة كلية، وفي هذه الحالة لا يسأل الشخص عن جرائمه. وهناك إكراه معنوي، وهو إكراه لا يعدم الإرادة تماما، وإنما يجردها فقط من حريتها، كالتهديد بإنزال الأذى بشخص إن لم يرتكب جريمة ما، والإكراه كمانع من موانع المسؤولية تضمنته المادة 48 من تقنين العقوبات الجزائري[22].وسنحاول أن نتناول نوعا الإكراه وأنواعه، قبل أن نتناول الشروط المتطلبة فيه حتى يكون مانعا من موانع المسؤولية.
الفرع الأول
نوعـــــــا الإكراه
هناك نوعين للإكراه، إكراه مادي أين تنعدم إرادة الفاعل في حقيقة الأمر ولا يكون لها وجود، ويلحق بالإكراه المادي حالة القوة القاهرة والحادث الفجائي، وبين الإكراه المعنوي أين تبقى الإرادة لكن مجال الاختيار أمامها يكون ضيقا إلى أبعد الحدود. أو هو وجود الشخص في وضع لا يمكن معه إلا ارتكاب الجريمة، والمشرع الفرنسي في نص المادة 64 لما عالج مسألة الإكراه والجنون عالجها بطريقة توحي انه يعتبرهما من أسباب الإباحة حيث يشرع في المادة بالنص:" لا جناية ولا جنحة". والإكراه في معناه العام، هو حمل الغير على إتيان ما يكره، وفي المجال الجنائي هو حمل الشخص على إتيان جريمة، سواء كانت في صورة فعل أو امتناع، وهو كما سبق على نوعين، مادي وهو ما يقع في الغالب على جسم الغير ويعطل دائما إرادته، وأما المعنوي أو الأدبي فينصب على معنويات الغير ويحد كثيرا من حرية الاختيار، واختلاف النوعين في الطبيعة يترتب عليه بالضرورة اختلاف في الحكم القانوني، ويرى البعض أن الأول يعد مانع من قيام الجريمة والثاني مانع من موانع العقاب.
أولا: الإكـــراه المــادي(La contrainte physique)
الإكراه المادي هو أن يحمل الجاني بالقوة المادية التي يكون مصدرها فعل الإنسان على إتيان الفعل أو الامتناع المكون للجريمة، أي دفع الشخص باستعمال قوة مادية ليس بمقدوره دفعها، كحجز الشاهد حتى لا يشهد في المحكمة بالجريمة المستدعى للإدلاء بشهادته فيها، ومن يباشر الإكراه المادي في حقيقة الأمر يباشر سلب لإرادة من وقع عليه الإكراه فيحمله على إتيان عمل أو الامتناع عن القيام بعمل. ومن غير العدل والمنطق معاقبة الشخص أو مسائلته عن فعل لم يكن لإرادته دور في ارتكابه، غير أن كلاهما يعد مرتكبا للجريمة كفاعل أصلي للجريمة، غير أن أحدهما مسؤول عنها والآخر غير مسؤول عنها، كوننا نتكلم عن مانع من موانع المسؤولية، مما يعني أن الجريمة أمر وقوعها ثابت، وعرف الإكراه المادي، بأنه قوة مادية تشل الإرادة وتعدمها بصفة عارضة أو مؤقتة وتفقد الإنسان سيطرته على أعضاء جسمه وقد تدفعه إلى ارتكاب ماديات إجرامية، أو هي قوة مادية تفرض على الإنسان عمل ما لا يجب عليه أن يعمله، أو تمنعه من عمل ما يجب عليه عمله، وقد يكون مصدر تلك القوة خارجي، كقوة الطبيعة أو الحيوان أو الإنسان، وهو الغالب، وقد يكون مصدرها داخليا، كان يصاب الشخص بشلل مفاجئ فيسقط على طفل فيقتله، أو يأخذ النوم إنسان في قطار فيتجاوز المسافة التي لأجلها دفع أجرة القطار.. والقاعدة أن من يسأل في حالة الإكراه المادي هو الشخص المكره لا الذي وقع عليه الإكراه، كون قصده الجنائي في مثل هذه الحالة يكون قد انتفى، بل أن الركن المادي في حقيقته لم يقم به الشخص الذي وقع عليه الإكراه بل من مارس هذا الإكراه. ويشترط لكي يرتب الإكراه أثره أن تكون القوة التي تعرض لها المكره قوة غير متوقعة وغير مستطاع مقاومتها، وإلا عد المكره مرتكبا لجريمة غير عمدية. الأمر الذي يتطلب منا تناول القوة القاهرة والحادث الفجائي في النقطتين التاليتين.
1- القوة القاهرة la force majeur
القوة القاهرة في هذا المقام تلحق في حكمها بالإكراه المادي حسب البعض - نحن نرى أنها حالة الضرورة وليست إكراها ماديا - كون الجاني في كلتا الحالتين لا يأتي نشاطا إراديا غير أنه في حالة الإكراه سلب الإرادة يكون بفعل نشاط إنساني، بينما في حالة القوة القاهرة يكون بفعل قوى الطبيعة أو فعل الحيوان، ويضيف البعض حتى حالة فعل الشخص الغير مسؤول جنائيا، كما أن الفرق الجوهري هو أنه في حالة الإكراه المادي يكون هناك فاعل ألي للجريمة وهو من مارس الإكراه، بينما في حالة القوة القاهرة لا يكون أمامنا مسؤول، غير أنهما يشتركان في الشروط بحيث كلاهما يشترط عدم إمكان التوقع imprévisible وألا يكون بإمكان الشخص مقاومة هذه القوةirrésistible .، وإن انعدم أحد هذين الشرطين سؤل الشخص بحسب الأحوال عن جريمة عمدية أو غير عمدية فمن يركب حيوان يعلم أنه جامح وصعب المراس ويتعمد ذلك ويحدث بذلك أضرارا للغير، أو المرأة المتزوجة التي كان بإمكانها مقاومة مغتصبها ولم تفعل تكون قد ارتكبت جريمة الزنا.
2- الحادث الفجائي cas fortuit
الحادث الفجائي قوة غير متوقعة تنشأ عن فعل الإنسان أو قوى الطبيعة التي لا تترك مجالا أمام الشخص ليعمل فيه اختياره، كدفع طفل أمام سائق سيارة كان متبعا كافة التعليمات القانونية أو سائق السيارة الذي يصاب بعمي ألوان مفاجئ فيدهس شخصا كان مارا أمامه بالطريق، وهو بذلك شأنه شأن القوة القاهرة لا يكون أحدا مسؤولا عنه، غير أنه خلافا لحالتي الإكراه المادي والقوة القاهرة هنا الشخص يمارس نوعا من النشاط لكنه نشاط مشروع غير مجرم ولا ينطوي على خطأ، ويشترط فيه أيضا ألا يكون متوقعا ولا يمكن مقاومته. لذا فشروط الإكراه المادي أن يكون غير متوقع، إذ التوقع أو إمكانية التوقع تمكن الشخص من تجنبه، وأن يكون مستحيل الدفع، ولم يرد أن يكون مصدره إنسان، حيث أن هذا الاتجاه يرد أسباب الإكراه المادي إلى عوامل الطبيعة أو الحيوان.
ثانيا: الإكـراه المعـــنويLa contrainte morale
الإكراه المعنوي، هو ممارسة ضغط على إرادة الإنسان لحمله على ارتكاب جريمة معينة، فهو وإن لم يقض على وجود الإرادة نهائيا من الناحية المادية، فهو شل حركتها وأفقدها قوتها على الاختيار. أو هو ضغط شخص على إرادة شخص آخر لحمله على توجيهها إلى سلوك جرمي[23]. وهناك من الفقه من يصور حالة الإكراه المعنوي الخارجي ويضيف لها الإكراه المعنوي الداخلي، المتمثل في حالة الانفعال الشديد والهوى الذي يذهب بقوى الضبط والسيطرة لدى الفرد وهي القوى الكابحة، غير أن مثل هذه الحالات وإن كانت تمنع قوى الإرادة، إلا أن المشرع الفرنسي والجزائري لم يأخذا بها، خاصة وان الحقيقة الواعية تؤكد أن غالبية الجرائم هي نتيجة مثل هذه الحالات، لذا فالقانون لا يجعلها مانع من موانع المسؤولية، بل يلقي على الإنسان عبء مقاومتها[24]. وقد يكون مصدر الإكراه المعنوي، تأثير خوف أو من وقوع خطر
أو ضرر جسيم على وشك الوقوع وليس بالإمكان الإفلات منه أو دفعه إلا بارتكاب الجريمة، كتسليم شخص لوديعة مودعة لديه تحت تأثير التهديد بالقتل مما يحول دون ارتكابه لجريمة خيانة الأمانة، أو أن تأتي المرأة المتزوجة فعل الزنا تحت التهديد دون أن تكون مرتكبة لجريمة الزنا. لذا نجد جانب من الفقه يرى أن الإكراه المعنوي لا يختلف في طبيعته عن الإكراه المادي، وأن الخلاف الوحيد بينهما ينحصر في الوسيلة المؤثرة في الإرادة، بينما جانب آخر - ونؤيده - يرى أنه في الإكراه المادي حقيقة الركن المادي للجريمة تنسب لمن مارس الإكراه وأن المكره في حقيقته لم يمارس أي ركن مادي، على عكس الإكراه المعنوي أين نجد الشخص المكره من قام بالركن المادي للجريمة. بينما هناك من يرى في الإكراه المعنوي ما هو إلا صورة من صور حالة الضرورة . ويرى البعض أن الإكراه المعنوي يضغط على الإرادة إلا أنه لا يعدمها، وهو من هذه الناحية يختلف عن القوة القاهرة والإكراه المادي، فالحقيقة أن المكره معنويا ينتقص لديه الاختيار ويظل مميزا ومدركا لماهية أفعاله ونتائجها، فالاختيار هو الذي ضيق من مجاله إلى أقصر الحدود، حيث يجد الشخص نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، وهو إما الرضوخ للإكراه وارتكاب الجريمة، وإما يقبل بوقوع الخطر أو التهديد أو الشر أو الضرر الذي هدد به.
الفرع الثاني
الشروط الواجب تطلبها في الإكراه كمانع للمسؤولية الجنائية
حتى يعد الإكراه مانعا من موانع المسؤولية الجنائية، يجب أن يستجمع شرطين أساسيين بدونهما لا تتوفر فيه صفة المانع من المسؤولية، الشرط الأول، وهو أن يكون مصدر الإكراه الإنسان، وأما الشرط الثاني، فهو أن يكون سبب الإكراه غير متوقع ويستحيل دفعه. وهو ما نتناوله في النقطتين التاليتين.
أولا: أن يكون مصدر الإكراه إنسان
حتى يكون الإكراه مانعا من موانع المسؤولية الجنائية، يجب أن يكون مصدره إنسان، وهو المصدر الذي يجعل الإكراه يتميز عن بعض الأفكار القانونية الأخرى التي حتى وإن كانت تشترك معه من حيث كونها تمنع قيام المسؤوليه إلا أن مصدرها غير الإنسان، كحالة القوة القاهرة التي تعد الطبيعة مصدرا لها كالزلازل والفيضانات والعواصف، كما قد يكون مصدرها الحيوان، كحالة جموح دابة، كما قد تتمثل في المرض الذي يصيب الإنسان أو النعاس الذي يعتريه فيرتكب جريمة مدفوعا بذلك، فهي أيضا مانعا للمسؤولية. كما يختلف الإكراه عن الحادث الفجائي الذي لا يجرد الشخص من إرادته بل يجرد فعله من عنصر الخطأ، كمن يقود سيارته محترما لقواعد السير وإذا بشخص أرعن يعبر الطريق أمامه فجأة في غير المكان المخصص لعبور الراجلين، غير ملتزم بأدنى قواعد التبصر والانتباه فيصدمه ويتسبب ذلك في وفاته، فهنا يعد السائق بصدد حادث فجائي كان سببه خطأ المضرور ذاته وبذلك تمتنع مسؤوليته الجنائية.
ثانيا: أن يكون سبب الإكراه غير متوقع ويستحيل دفعه
يجب أن يكون الإكراه المسلط على الشخص غير متوقع بالنسبة له، حتى يعتد به كمانع من موانع المسؤولية الجنائية، وعدم التوقع مسألة موضوعية يستقل بتقديرها قضاة الموضوع تبعا لظروف كل قضية على حدة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، يجب أن يكون دفع هذا الإكراه من قبل الشخص المكره مستحيلا، فإن كان يمكن دفعه يمتنع الزعم بأنه أعدم إرادة الشخص، فلا يمكن لشاب قوي البنية مثلا أن يحتج بالإكراه المسلط عليه من قبل صبي صغير محدود القدرات. هذا ويضيف البعض، ألا يكون للجاني يد في حصول هذا الإكراه، وفي حقيقة الأمر شرط عدم التوقع يغني عنه.
المطلب الثاني
الغيبوبة الناشئة عن السكر الاضطراري
الغيبوبة كمانع من موانع المسؤولية أخذت به العديد من التشريعات الجنائية، غير أننا سنركز على القانون المصري ونعطيه كنموذج، مع مقارنته أحيانا مع القانون اللبناني، على اعتبار ن الأول مصدر للثاني، وفي هذا القانون نصت المادة 62 على حالة الغيبوبة بنصها : " لا عقاب على من يكون فاقد الشعور
أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل.... لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهرا عنه أو على غير علم منه بها"، ويستفاد من هذا النص بمفهوم المخالفة استبعاد حالة تناول هذه العقاقير
أو المواد المخدرة بإرادة الشخص، حيث المادة اشترطت تناولها قهرا أو بغير علم من الشخص .ومن شروط تطبيق هذه الحالة هو أن يؤدي تناول هذه العقاقير إلى فقد الشعور وقت ارتكاب الجريمة مع تناولها قهرا
أو عن غير علم بحقيقة هذه العقاقير. وبينت المادة 235 من قانون العقوبات اللبناني ذلك بالنص :" يعفى من العقوبة من كان حين اقتراف الفعل بسبب طارئ أو قوة قاهرة في حالة تسمم ناتجة عن الكحول أو المخدرات أفقدته الوعي أو الإرادة. وإذا نتج التسمم عن خطأ الفاعل كان هذا مسؤولا عن كل جريمة غير مقصودة ارتكبها. ويكون مسؤولا عن الجريمة المقصودة إذا توقع حين أوجد نفسه في تلك الحالة بسبب خطأه إمكان اقترافه أعمالا إجرامية. وإذا وجد نفسه في تلك الحالة قصدا بغية ارتكـــاب الجريمة شددت عقوبته وفقا للمادة 257".
الفرع الأول
المقصود بالسكر أو التسمم
يقصد بالسكر أو التسمم كمانع من موانع المسؤولية، الحالة التي يفقد فيها الشخص الوعي والإرادة بصفة مؤقتة وعارضة على إثر تعاطيه لكمية من سائل مسكر أو مادة مخدرة كافية لإحداث هذا الأثر. أما الكحول والمخدرات، فيقصد بها كل المواد الكحولية أيا كانت تسميتها أو نوعها، وأيا كانت نوعية أو شكل المواد المخدرة دون التقيد بالجدول المبين بقانون المخدرات، كما يستوي الوسيلة التي يتعاطى بها الشخص الكحول أو المخدرات، سواء كان ذلك عن طريق الفم أو الشم أو الحقن أو امتصاص مسام الجلد له أو أية وسيلة أخرى. والسكر وتناول المخدرات حالة مؤقتة دوما وليست مثل الحالة المرضية الناتجة عن الإدمان كما أنها ليست حالة دائمة كالجنون.
الفرع الثاني
السكـــــر الإرادي
السكر الذي يؤدي إلى الغيبوبة ويمنع قيام المسؤولية الجنائية، هو السكر اللاإرادي أو الذي يتناوله الشخص مكرها أو عن طريق الخطأ، لذا نجد الفقه قد أثار مسألة تناول عقاقير مخدرة أدت إلى غيبوبته
أو سكر بإرادة الشخص الحرة، وحدود المسؤولية في هذه الحالة، خاصة وأن المسؤولية تقوم على مدى القدرة على الإدراك والتمييز، والشخص في مثل هذه الحالات يكون فاقدا للقدرة على التمييز والإدراك، ومن بين ما جاء به الفقه هو عقد الشخص العزم على ارتكاب الجريمة ثم يعمد إلى السكر لبث الجرأة فيه لتنفيذ الجريمة، هــنا يرى أن عقد العزم قد تم قبل تناول المادة وبالتالي يسأل، وإن كنا التبرير يجب أن ينصب حول وقت الجريمة الذي كان فيه الشخص فاقدا للقدرة على التمييز والإدراك، وهذا لا يعني أننا لا نحمل مسؤولية لهذا الشخص، لكن يجب أن نبحث عن أساس آخر لها، أما ما عدا هذا الفرض فالفقه ميز بين أربعة آراء.
أولا: المسائلة على أساس الإهمال وعدم الاحتياط
وهو اتجاه يرى أنصاره، أن الشخص الذي يتناول المخدر أو المسكر مع علمه بطبيعة ما يتناوله وبإرادته، يعد مسؤولا مسؤولية جنائية على أساس الإهمال وعدم الاحتياط، لأن المسكر أو المخدر أفقد الجاني الشعور والقدرة على التحكم. لكن أخذ على هذا الرأي الملاحظات التالية: أنه رأي يؤدي إلى الإعفاء من المسؤولية بناء على فقدان الشعور والإدراك، وهي مسألة متطلبة في كل من نوعي الجرائم العمدية وغير العمدية، إذن لا يمكن القول بالمسؤولية أيضا على أساس الإهمال وعدم الاحتياط كون هاتين الصورتين من صور الخطأ تقوم بدورها على الإدراك والتمييز. القول بهذا الرأي، يؤدي إلى عدم مسائلة الشخص في الحالة التي لا تحتمل فيها الجريمة الارتكاب إلا عمدا، مثلما هو الشأن بالنسبة لجريمة الاغتصاب في القانون المصري وكذا جريمتي القذف والسب .
ثانيا: المسائلة عن جرائم عمدية
وهو رأي يرى أنصاره معاقبة من يفقد إفاقته عمدا مع علمه بذلك، ويسأل عن جريمة عمدية رغم انعدام القصد الجنائي لديه، وإنما القانون يحمله نتيجة قصده الاحتمالي. وقد وجهت انتقادات لهذا الرأي أيضا، تمثلت أساسا في كون القصد الاحتمالي يستلزم توفر النية لدى الجاني قبل ارتكاب الجريمة.
ثالثا: موقف محكم النقض المصرية
وهو رأي يقوم على التفرقة بين الجرائم التي لا تتطلب سوى القصد الجنائي العام، وتلك التي تتطلب قصدا جنائيا خاصا، فالجاني يحمل مسؤولية الجرائم العمدية التي تقوم على القصد الجنائي العام، بالرغم من فقده الشعور نتيجة السكر والغيبوبة الاختيارية، بينما الجرائم التي تتطلب قصدا جنائيا خاصا، فلا يحمل الجاني مسؤوليتها سوى على القصد العام إن كانت مثل هذه الجرائم ممكن أن تتحول إلى ذلك، وإن لم تكن تحتمل ذلك فلا يسأل الشخص جنائيا .كجريمة القتل العمد التي يرى الفقه أنها جريمة عمدية تتطلب قصدا خاصا، وفي حال فقد هذا القصد الخاص وتحوله إلى قصد عام تصبح جريمة الضرب المفضي إلى الموت، وهي جريمة تتطلب فقط قصدا جنائيا عاما، وهو موقف قضائي مصري يرى فيه الفقه المصري، أنه موقف يفتقر إلى السند القانوني، زيادة على خلطه بين الأهلية الجنائية والركن المعنوي للجريمة.
رابعا: قيام المسؤولية على أساس العمد المفترض
تجنبا للانتقادات السابقة التي وجهت للآراء الثلاثة السابقة، حاول البعض، أن يبني مسؤولية الشخص فاقد الشعور نتيجة المخدر أو السكر الذي تناول عمدا مع علمه بحقيقة المادة، على أساس العمد المفترض افتراضا لا يقبل إثبات العكس، وأن يفترض بأن الجاني أثناء ارتكابه جريمته كان مالكا لشعوره، وبالتالي يكون مسؤولا عن الجريمة التي ارتكبها، سواء كانت جريمة عمدية أو غير عمدية، ذات قصد عام أو ذات قصد خاص. مما يعني تحمل الشخص المسؤولية عن الجريمة التي ارتكبها كما ولو كان في حال إفاقة تامة.
ويرى البعض الميل للرأي الذي يرى وجوب ما إن كانت الجريمة تحتمل العقاب على صورتي العمد والخطأ، أم يعاقب عليها في صورة العمد فقط، فإن كانت تحتمل الصورتين يسأل الشخص مسؤولية غير عمدية، وإن لم تكن كذلك امتنعت مسؤوليته الجنائية في ظل عدم وجود نص صريح يقرر مثل هذه المسؤولية ولا يجب اصطناع أنواع جديدة من المسؤولية لا وجود لها من حيث الواقع ولا سند لها إذا قيل أنها مسؤولية مفترضة.
hadia369
2013-01-29, 00:31
:mh31::mh31::mh31:الخاتمة1الخاتمة1
جزاك الله خيرا الأخت هادية لو سمحت اذا ممكن ملخصات باقي المقاييس أكون ممتنة لك .
جعلها الله في ميزان حسناتك
أنتظر الملخصات بفارغ الصبر لأنني كنت أعاني من وعكة صحية .
رنيم ألاء
2013-02-01, 13:34
شكرا الاخت هادية و تمنياتي للجميع النجاح بإذن الله.
hadia369
2013-02-03, 23:57
جزاك الله خيرا الأخت هادية لو سمحت اذا ممكن ملخصات باقي المقاييس أكون ممتنة لك .
جعلها الله في ميزان حسناتك
أنتظر الملخصات بفارغ الصبر لأنني كنت أعاني من وعكة صحية .
مقدمة في قانون الإجراءات الجزائية
قانون الإجراءات الجزائية تعرض لعدة لعدة تعديلات منها تعديل 2001 الذي تضمن أكثر من 57 مادة التي تخص ضمانات المتهم و قد أستبدل المشرع الجزائري المصطلحات بمصطلحات أخرى كالمادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية ومنها الحبس المؤقت و الإفراج.
إن مرحلة جمع الإستدلالات هي مرحلة مهمة فهو يحاول التقليص من مهام ضباط الشرطة القضائية 13 الى 28 ق.ا.ج.
المشرع الجزائري عدل المادة 50 و جعل من الحبس المؤقت الذي هو أخطر إجراء ماس بحرية المتهم .
الدليل بني عليه الإتهام أما الإستدلال فهو كل ما يمكن الإستئناس به كالمسدس- السم-السكين.
مهام ضباط الشرطة القضائية لديهم إختصاصات عادية - وقائية- قمعية . التفتيش - المواصلات - التسرب المادة 65/11 .أضيف لضباط الشرطة القضائية إختصاصات أخرى في حالة التلبس بجنحة أو جناية إذا تعلق الأمر بالجرائم المبينة في المواد 37-40-65 الجرائم التالية : المخذرات - تبييض الأموال - تمويل الإرهاب - الجرائم العابرة للحدود - جرائم معلوماتية - الجريمة المنظمة - و جرائم أخرى .
و إختصاصات غير عادية و هي
1-حالة تلبس بالجريمة المنصوص عليها في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية
2-النذب القضائي المنصوص عليه في المواد 138 الى 142 من قانون الإجراءات الجزائية و الذي ينص على أنه يجوز لقاضي التحقيق أن يكلف بطريق الإنابة القضائية أي قاض من قضاة محكمته أو أي ضابط ضابط من ضباط الشرطة القضائية أو أي قاض من قضاة التحقيق بالقيام بما يراه لازما من إجراءات التحقيق النيابة العامة تتابع مرتكب الفعل و تطالب بتوقيع العقوبة من هنا يبدأ تحريك الدعوى العمومية المادة 36 معدلة من قانون الإجراءات الجزائية لسنة2006 فالتحريك هو السير فيها.الإذن بالتفتيش, الإستعانة بطبيب فهنا الفرق بين التحريك و المباشرة .
المباشرة هي إبداء النيابة العامة آراء أمام غرفة الإتهام فهي خرجت من يد وكيل الجمهورية أي تنتقل من مرحلة التحريك الى مرحلة المباشرة .
و يجب أن تكون الجريمة سببت ضررا و أن تكون الدعوى قابلة لأن تقدم الى القضاء.
الدعوى العمومية
شكوى مصحوبة بادعاءمدني
المادة 73-74-75 نسحب الشكوى أو نطلب تعويض أو نتدخل في الدعوى العمومية أمام وكيل الجمهورية * شكوى مصحوبة بادعاء مدني * أو نتدخل أمام قلم كتاب الضبط قبل الجلسة للمطالبة بالتعويض * السب و الشتم - جنح الأحداث - جنح الصحافة *
المادة 13 الى غاية 28 ضباط الشرطة القضائية و هم 03 :
1- رئيس البلدية
2- محافظي الشرطة
3- ضباط الشرطة
القيود الإجرائية : أمر باحضار - الحبس المؤقت - الرقابة القضائية - الإفراج.
الدعوى العمومية
1- تعريفها : هي إدعاء النيابة العامة باسم المجتمع لملاحقة مرتكب الفعل و المطالبة بتوقيع العقوبة عليه أمام الجهات القضائية و هي بذلك تحرك الدعوى و تباشرها .فبمجرد وقوع الجريمة تنشأ الدعوى العمومية أي ينشأ للدولة حق في العقاب .
2-خصائصها : أ * تحريك الدعوى العمومية : هي إتخاد أول إجراء و بداية السير فيها كأن ترسل النيابة ضابطا للتفتيش .
ب* مباشرة الدعوى العمومية : هي إبداء طلبات أمام الجهات القضائية للمطالبة بتوقيع العقوبة. أو بالأحرى هي إلتماسات النيابة العامة بتوقيع العقوبة .
ج* قيود تحريك الدعوى العمومية : للتطرق اليها لابد أن نتطرق أولا الى طرق تحريك الدعوى العمومية
و يقصد بقيود مباشرة الدعوى العمومية هو منع النيابة العامة من تحريك الدعوى العمومية في جرائم أوردها المشرع في قانون العقوبات على سبيل الحصر الإ بناءا على شكوى أو طلب أو إذن .
3- طرق تحريك الدعوى العمومية:
الأصل : أن تحريك الدعوى العمومية هو من الإختصاصات الأصيلة للنيابة العامة
إلا أنه لا يجوز لهذه الأخيرة أن تحركها في جرائم محددة في القانون على سبيل الحصر الا بناءا على أحد توافر أحد الشروط التي سنوردها إستثناءا.
الإستثناء : قيود تحريك الدعوى العمومية هي الشكوى - الطلب - الإذن.
- 1الشكوى : هو البوح بما يختلج داخل نفس الإنسان أي أنه لا يمكن الحديث عن تحريك الدعوى العموميةفي جرائم حددها قانون العقوبات على سبيل الحصر الا بناءا على شكوى يتقدم بها المضرور الى النيابة العامة يبلغها فيها عن الضرر الذي أصابه و بالتالي نلاحظ أن المشرع الجزائري قد فصل بين الحق الناشيء للدولة بمجرد إرتكاب الجريمة في متابعة الجاني و تسليط العقوبة عليه و إحتراما لحرية الأشخاص و مراعاة لبعض الإعتبارات الشخصية أهمها حماية الأسرة منحت النيابة العامة للأفراد في بعض الجرائم حرية التقدير تحريك الدعوى العمومية من عدم تحركها .
فالشكوى هي بلاغ يتقدم به من أصابه ضرر من جراء إرتكاب أحد الأشخاص لجريمة في حقه للسلطات العامة لتبدأ النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية و مباشرتها و يجوز تقديم شكوى كتابيا أو شفويا و هي تخص الجرائم التالية :
1- زنا أحد الزوجين
2- السرقة التي تقع بين الأقارب و الحواشي الى الدرجة الرابعة
3- هجر الأسرة أو عدم دفع النفقة
4- إغتصاب فتاة و التزوج بها .
5- جنح الصحافة
6-الجرائم التي تقع على الأحداث.
7- السب و الشتم و القذف *جرائم إعتبار*
-2الطلب: يترك المشرع الجزائري لبعض الهيئات الرسمية أن تتقدم الى النيابة العامة بطلب متابعة من أرتكب عليها جرائم و هي من الجيش الشعبي الوطني جرائم التوريد الذي يبيع لها مواد البناء و الإستهلاك المادة 161-162 من قانون العقوبات الجزائري يقوم وزير الدفاع بالطلب .
- 3الإذن : معناه أن تطلب النيابة اعامة الإذن من الهيئات المنتخبة *البرلمانية* الإذن أي السماح لها بمتابعة أصحاب الحصانة البرلمانية باعتبار أنه لا يجوز قانونا متابعة النائب بالبرلمان إلا بناءا على إذن من النيابة العامة لدى هيئة البرلمانية.
يجتمع المجلس و ينزع الحصانة بالأغلبية من الأعضاء *50+1 لمتابعة هذا المنتخب.
أسباب إنقضاء الدعوىالعمومية
-مرحلة جمع الإستدلالات : هي مرحلة مهمة , من إختصاص الضباط القضائيين, من هم الذين يقومون بمهمة الضبط القضائي ؟ حسب نص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية : * يقوم بمهمة الضبط القضائي رجال القضاء و الضباط و الأعوان و الموظفون المبينون أدناه *
قسم المشرع الجزائري ضباط الشرطة القضائية الى 3 فئات , فيشمل الضبط القضائي حسب النص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية :
1-ضباط الشرطة القضائية .
2- أعوان الضبط القضائي
3- الموظفون و الأعوان المنوط بهم قانونا بعض مهام الضبط القضائي
-1ضباط الشرطة القضائية:جاء المشرع الجزائري في المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية ليبين لنا الأشخاص الذين يتمتعون بصفة ضباط الشرطة القضائية , و هم 07 فئات :
-1رؤساء المجالس الشعبية البلدية
-2ضباط الدرك الوطني
- 3محافظوا الشرطة
- 4ضباط الشرطة
هؤلاء الأربعة لم يشترط فيهم المشرع أي شروط لاكتساب صفة الضبط القضائي .
- 5ذوو الرتب في الدرك , و رجال الدرك الذين أمضوا في سلك الدرك ثلاث سنوات على الأقل و الذين تم تعيينهم بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل و وزير الدفاع الوطني , بعد موافقة لجنة خاصة ,
-6مفتشوا الأمن الوطني الذين قضوا في خدمتهم بهذه الصفة ثلاث سنوات على الأقل و عينوا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير الداخلية , بعد موافقة لجنة خاصة ,
- 7ضباط و ضباط الصف التابعين للمصالح العسكرية للأمن الذين تم تعيينهم خصيصا بموجب قرار مشترك بين وزير الدفاع و وزير العدل .
*2أعوان الضبط القضائي: هؤلاء شملتهم المادة 19 من قانون الإجراءات الجزائية بالنص التالي : *يعد من أعوان الضبط القضائي مصالح الشرطة و ذوو الرتب في الدرك الوطني و مستخدمو مصالح الأمن العسكري الذين ليست لهم صفة ضباط الشرطة القضائية *
*3الموظفون و الأعوان المنوط بهمقانونا بعض مهام الضبط القضائي : و هؤلاء نصت عليهم المادة 21 من قانون الإجراءات الجزائية في الجرائم التي تقع داخل إختصاصهم و هم رؤساء الأقسام و المهندسون و الأعوان الفنيون و التقنيون المختصون في الغابات و حماية الأراضي و إستصلاحها بالبحث و التحري و معاينة جنح و مخالفات قانون الغابات و تشريع الصيد و نظام السير و جميع الأنظمة التي عينوا فيها بصفة خاصة و إثباتها في محاضر ضمن الشروط المحددة في النصوص الخاصة .
أضاف المشرع الجزائري في قانون السجون المعدل في سنة 2005 مدراء المؤسسات العقابية في الجرائم التي تقع داخل و خارج المؤسسات العقابية (أي محيط المؤسسة العقابية)
*سلطات الولاة في مجال الضبطالقضائي:ينعقد لوالي الولاية صفة الضبط القضائي في الجرائم الماسة بأمن الدولة , و أشترط لذلك شروط تم النص عليها في المادة 28 من قانون الإجراءات الجزائية :
- 1أن تكون الجريمة ماسة بأمن الدولة .
-2أن يكون ذلك على سبيل الإستعجال .
- 3أن لاتكون السلطة القضائية قد أخطرت بعد.
- 4أن يقوم هو بنفسه بإتخاذ الأجراءات , أو يكلف بذلك كتابة ضباط الشرطة القضائية المختصين .
الحلقة الخامسة : قانون الإجراءاتالجزائية
حـــــــــصريـــا
عنها لإجراءات التحقيق خاصة .
4- إذا كان الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجنحة قاصرين لم يكملوا الثامنة عشرة.
5- أشخاص معرضين لحكم بعقوبة الإعتقال.
*إختصاصات وكيل الجمهوريةالإقليمي أو المكاني : يتحدد الإختصاص المحلي لوكيل الجمهورية طبقا لنص المادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية بــ:
1- مكان وقوع الجريمة
2-محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم فيها.
3- المكان الذي تم في دائرته القبض على أحد هؤلاء الأشخاص حتى و لو حصل هذا القبض لسبب آخر .
إستثناءا: غير أن المشرع الجزائري أضاف لوكيل الجمهورية إختصاص وطني في الجرائم الآتية :
1-الجريمة المنظمة
2-الإرهاب و التخريب
3-الجرائم العابرة للحدود
4-جرائم المخدرات
5-جرائم تبييض الأموال
الحلقة الرابعة : قانون الإجراءاتالجزائية
إختصاص ضباط الشرطةالقضائية
نص المشرع الجزائري على إختصاص ضباط الشرطة القضائية في نص المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية بقوله " يمارس ضباط الشرطة القضائية إختصاصهم المحلي في الحدود التي يباشرون ضمنها وظائفهم المعتادة , إلا أنه يجوز لهم و في حالة الإستعجال أن يباشروا مهمتهم في كافة دائرة إختصاص المجلس التابع له".
الإختصاصات العادية لضباطالشرطة القضائية: و هي المهام التي يقومون بها بعد إرتكاب الجريمة بصفتهم هذه و و المشرع الجزائري لم يحدد تحديدا دقيقا مهام ضباط الشرطة القضائية إلا في نصوص معينة و ترك لهم الخيار في إتخاذ كل إجراء من شأنه الوصول الى مرتكبي الفعل و بالرجوع إلى المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية و التي نصت على ما يلي : يقوم بمهمة الضبط القضائي رجال القضاء و الضباط و الأعوان و بعض الموظفين :
1-البحث و التحري عن الجرائم المقررة في قانون العقوبات و جمع الأدلة عنها ما لم يبدأ فيها تحقيق إبتدائي.
2- تلقي الشكاوى و البلاغات .
3-الخروج إلى مكان وقوع الجريمة .
4- جمع الإيضاحات .
5- جمع الأدلة , سماع أقوال مرتكبي الفعل و الشهود .
6- الإستعانة بالخبراء .
7- التفتيش .
8- توقيف المشتبه به.
9- إخطار وكيل الجمهورية عن الجرائم التي تقع في دائرة إختصاصهم , و إن كانت في حالة تلبس فيجب إخطاره فورا .
10 تحرير محضر .
الإختصاصات غير العادية لضباطالشرطة القضائية : و هي المهام التي تعقد لهم في حالة التلبس و هذا ما نصت عليه المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية , و يعرف التلبس بأنه مشاهدة الجريمة و هي تقع .
1- حالة تلبس: جاءت في الفقرة الأولى من المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية , النص على حالة تلبس حقيقي حيث يقول " توصف الجناية أو الجنحة بأنه في حالة تلبس إذا كانت مرتكبة في الحال أو عقب إرتكابها " كحالة تلبس بزنا وقع في الحال أو مشاهدة الجريمة عقب إرتكابها . حالة التلبس الإعتباري نصت عليه المادة 41 في فقرتها 2 من قانون الإجراءات الجزائية و التي نصت على ما يلي : " كما تعتبر الجناية أو الجنحة متلبسا بها :
1* إذا كان الشخص المشتبه في إرتكابه إياها في وقت قريب جدا من وقت قريب جدا من وقت وقوع الجريمة.
2* قد تبعه العامة بالصياح .
3- أو وجدت في حيازته أشياء كالمسدس أو وجدت آثار أو دلائل تدعو إلى إفتراض مساهمته في الجناية أو الجنحة كالخدوش على وجهه أو وجود قطرة دم على ثيابه . و تتسم بصفة التلبس كل جناية أو جنحة وقعت و لو في غير الظروف المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين , إذا كانت قد أرتكبت في منزل و كشف صاحب المنزل عنها عقب وقوعها و بادر في الحال بإستدعاء أحد ضباط الشرطة القضائية لإثباتها".
إختصاصات ضباط الشرطة القضائية فيحالة التلبس :
أ- إخطار وكيل الجمهورية فورا للإسراع في إتخاذ الإجراءات حتى لا تساعد على تلاشي أدلة الإثبات.
ب- عدم السماح لمن كان ففي موقع الجريمة بمبارحة المكان .
ج- التفتيش و التي عالجت أحكامه في المادة 44 الى 47 من قانون الإجراءات الجزائية : 1* لا يجوز التفتيش إلا بإذن من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق مع وجوب إستظهار الأمر قبل الدخول إلى المنزل و هذا ما نصت عليه المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية . 2* حضور صاحب المنزل المبتغى تفتيشه فإذا تعذر عليه الحضور وقت التفتيش , و إذا كان المتهم هاربا فيستعين الضابط بشخصين من العامة للتفتيش و هذا ما نصت المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية .
ميعاد التفتيش: نصت عليه المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية بقولها :" لا يجوز التفتيش من الساعة الثامنة ليلا الى الساعة الخامسة صباحا ".
الإستثناء : غير أنه يجوز التفتيش ليلا و نهارا كالفنادق و محلات بيع المشروبات و كذلك بيوت الدعارة في جرائم المخدرات و الجرائم الماسة بأمن الدولة و جرائم الإرهاب و التخريب .
التوقيف للنظر : نصت عليه المادتين 50-51 من قانون الإجراءات الجزائية و ميعاده 48 ساعة يجوز مده مرة واحدة بعد إستطلاع رأي وكيل الجمهورية , مع العلم أنه تضاعف كل الآجال إذا تعلق الأمر بالجرائم الماسة بأمن الدولة على أن لا يتجاوز التوقيف للنظر 12 يوم في الجرائم الموصوفة إرهابية و تخريبية .
شروط التوقيف للنظر :
ــــ لك الحق في الإتصال بعائلتك .
ــــ لك الحق في المطالبة بالفحص الطبي.
النذب القضائي : يجوز لوكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق التنازل عن بعض إختصاصاته لضباط الشرطة القضائية بإستثناء الإستجواب و تحليف اليمين.
الحلقة الخامسة : قانون الإجراءات الجزائية
التحقيقالإبتدائي:
1* النيابة العامة :هي هيئة منظمة إجرائية قضائية , تطالب بتطبيق قانون العقوبات على المتهم بإسم المجتمع و هي طرف في الدعوى العمومية معنى أنها تقاضي مرتكب الفعل .
*خصائص النيابة العامة:
-الخاصية الأولى أنها سلطة إتهام.
-لا يجوز للنيابة العامة أن تغيب عن الدعوى العمومية و لو لحظة وإلا رفضت الدعوى شكلا لعدم إكتمال أطرافها.
-النيابة العامة لا تقبل التجزئة .
-عدم مسؤولية النيابة العامة .
-عدم جواز رد النيابة العامة.
1-عدم تجزئة: النيابة العامة وحدة واحدة لا تقبل التجزئة , فإذا قام وكيل الجمهورية بتحريك الدعوى العمومية يجوز لمساعد النائب العام أن يباشرها و يجوز للنائب العام الطعن فيها.
2- تشكيل النيابة العامة: تمثل النيابة العامة لدى المجلس القضائي بالنائب العام يساعده مساعد النائب العام قد يكون واحدا أو أكثر.
يمثل النيابة العامة لدى المحكمة العامة وكيل الجمهورية وقد يساعده مساعد وكيل الجمهورية واحد أو أكثر و هذا ما نصت عليه المادة 33 الى 35 من قانون الإجراءات الجزائية.
3-عدم مسؤولية النيابةالعامة: النيابة العامة غير مسؤولة عن الإجراءات التي تتخدها حيال المتهم خلال الدعوى .
4- عدم جواز رد النيابةالعامة: لا يجوز طلب رد النيابة العامة عن الدعوى العمومية.
إختصاصات النيابة العامة "مهامها": عالج المشرع الجزائري إختصاصات النيابة العامة في المادتين 29 و36 من قانون الإجراءات الجزائية.
1) إختصاصات النيابة العامةكسلطة إتهام إختصاص أصيل :
1* التصرف في المحاضر جميع الإستدلالات الواردة من ضباط الشرطة القضائية إما بحفظ الدعوى العمومية أو إحالتها على المحكمة إذا كانت الأدلة قوية على مرتكب الفعل.
2* تحريك الدعوى العمومية من أجل توقيع العقوبة على مرتكب الفعل , و مثاله : الأمر بتفتيش منزل المتهم , فهو يعد أول إجراء من إجراءات السير في الدعوى العمومية من أجل المطالبة بتوقيع العقوبة على مرتكب الفعل .
3*مباشرة الدعوى العمومية , و يراد بها إبداء طلبات و إلتماسات النيابة العامة , و هي الجهة القضائية المختصة في إجراءات التقاضي بطلب فتح التحقيق و بالطعن في قرارات قاضي التحقيق أمام غرفة الإتهام و أن تلتمس تطبيق عقوبة .
4* تلقي شكاوى و البلاغات و يقدر ما يتخذ بشأنها .
5* يتلقى المحاضر و يتصرف فيها.
6* الأمر بإتخاذ جميع الإجراءات للوصول الى مرتكب الفعل .
7* إبداء الطلبات أمام الجهات القضائية المختلفة .
8* الطعن في الأحكام و القرارات الصادرة عن الجهات القضائية .
9* المرافعة في الجلسات .
10* تنفيذ قرارات و أحكام الجهات القضائية .
أسباب حفظ الدعوى العمومية: 1- الأسباب القانونية: قيود رفع الدعوى العمومية(الشكوى , الإذن ,الطلب ) أسباب الإباحة التي نصت عليها المادة 30 و 40 من قانون العقوبات و هي الأمر بالقانون , الدفاع الشرعي ,الإذن بالقانون , تحفظ الدعوى العمومية إنعدام الجريمة .
2- الأسباب الموضوعية: عدم معرفة الفاعل * تفاهة الأدلة* تفاهة الجريمة
الأمر بالحفظ , أمر إداري لا يجوز الطعن فيه أمام غرفة الإتهام و يجوز لوكيل الجمهورية الرجوع فيه إذا تبين له أن هناك أسباب تستدعي إلغائه .
2) إختصاصات النيابة العامةكسلطة تحقيق إستثناءا في حالات التلبس: أجاز المشرع الجزائري إستثناءا في المادتين 58 و 59 من قانون الإجراءات الجزائية للسيد وكيل الجمهورية أن يتخذ حيال المتهم بعض إجراءات التحقيق , و التي يختص بها أصلا السيد قاضي التحقيق و ذلك في الجناية و الجنحة المتلبس بها , فيجوز لوكيل الجمهورية إصدار أمر [احضار المتهم و كذا إستجواب المتهم بحضور محاميه و إن وجد .
أولا - الجناية المتلبس بها: نصت عليها المادة 58 من قانون الإجراءات الجزائية :
1- أن تكون الجناية في حالة تلبس .
2- أن لا يكون قاضي التحقيق قد أخطر بعد.
3- أن يصدر أمرا بإحضار المتهم .
4- إستجواب المتهم بشرط حضور محاميه إن وجد , لآن الإستجواب من إختصاص قاضي التحقيق أصلا .
المادة 58 من قانون الإجراءات الجزائية : " يجوز لوكيل الجمهورية في حالة الجناية المتلبس بها إذا لم يكن قاضي التحقيق قد أبلغ بها , أن يصدر أمر بإحضار المشتبه في مساهمته في الجريمة ."
ويقوم وكيل الجمهورية بإستجواب الشخص المقدم إليه بحضور محاميه إن وجد , فإذا حضر ذلك الشخص من تلقاء نفسه و معه محاميه , أستجوب بحضور هذا الأخير."
ثانيا - الجنحة المتلبس بها: نصت عليها المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية :1-أن تكون الجنحة في حالة تلبس .
2- أن يكون مرتكب الجنحة المتلبس بها لا يقدم ضمانات كافية .
3- أن يكون الفعل معاقبا عليه بعقوبة حبس .
4- أن لا يكون قاضي التحقيق قد أخطر بعد .
5-أن يصدر أمرا بحبس المتهم .
6- إستجواب المتهم عن هويته و الأفعال المنسوبة إليه .
7- أن يحيله على المحاكمة في ميعاد أقصاه 08 أيام, فإذا مرت و لم يحله الى المحكمة يطلق صراحه فورا و إلا أعتبر حبسا تعسفيا .
المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية : "إذا لم يقدم مرتكب الجنحة المتلبس بها ضمانات كافية للحضور و كان الفعل معاقبا عليه بعقوبة الحبس و لم يكن قاضي التحقيق قد أخطر بالحادث , يصدر وكيل الجمهورية أمرا بحبس المتهم بعد إستجوابه عن هويته و عن الأفعال المنسوبة إليه .
و يحيل وكيل الجمهورية المتهم فورا على المحكمة طبقا لإجراءات الجنح المتلبس بها , و تحدد جلسة للنظر في القضية في ميعاد أقصاه ثمانية أيام إبتداءا من يوم صدور أمر الحبس".
إستثناءا: لا تطبق أحكام هذه المادة بشأن :
1-جنح الصحافة
2-الجنح ذات الصبغة السياسية.
3-الجرائم التي تخضع المتابعة عنها لإجراءات التحقيق خاصة .
4- إذا كان الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجنحة قاصرين لم يكملوا الثامنة عشرة.
5- أشخاص معرضين لحكم بعقوبة الإعتقال.
*إختصاصات وكيل الجمهوريةالإقليمي أو المكاني : يتحدد الإختصاص المحلي لوكيل الجمهورية طبقا لنص المادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية بــ:
1- مكان وقوع الجريمة
2-محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم فيها.
3- المكان الذي تم في دائرته القبض على أحد هؤلاء الأشخاص حتى و لو حصل هذا القبض لسبب آخر .
إستثناءا: غير أن المشرع الجزائري أضاف لوكيل الجمهورية إختصاص وطني في الجرائم الآتية :
1-الجريمة المنظمة
2-الإرهاب و التخريب
3-الجرائم العابرة للحدود
4-جرائم المخدرات
5-جرائم تبييض الأموال
و البقية تأتي...
الحلقة السادسة : قانون الإجراءات الجزائية
2* قاضي التحقيق :
التحقيق هو كل إجراء من إختصاص قاضي التحقيق أصلا يتخذه لإستظهار الحقيقة و الوصول إليها.
عالج المشرع الجزائري التحقيق الإبتدائي في المواد من 38 إلى 175 من قانون الإجراءات الجزائية .
مفهوم قاضي التحقيق :
قاضي التحقيق هو قاض حكم أصلا , يجوز له أن يفصل في الدعوى العمومية إذا أستدعي لذلك , يعين بمرسوم رئاسي لمدة 03 سنوات قابلة للتجديد و تنهى مهامه بنفس الطريقة و هذا طبقا لنص المادة 39 من قانون الإجراءات الجزائية .
*خصائص التحقيق :
1- الخاصية الأولى إستقلال قاضي التحقيق .
2- مسؤولية قاضي التحقيق , يسأل قاضي التحقيق عن الخطأ الذي أرتكبه .
3-تدوين التحقيق , يدون التحقيق في محاضر تسمى محاضر التحقيق بمعرفة كاتب الضبط و ترقم كل الصفحات ليسهل بعد ذلك الرجوع إليه في حالة الضرورة .
4- سرية التحقيق , بمعنى أنه سري للجمهور و علني للمتقاضين أو الخصوم طبقا لنص المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية.
*إختصاصات قاضي التحقيق الإقليمي أو المكاني :
يختص قاضي التحقيق بــ: 1- مكان وقوع الجريمة
2- محل إقامة المشتبه .
إستثناءا : غير أنه يجوز لقاضي التحقيق أن يمدد إختصلصه فيصبح وطنيا في الجرائم التالية :
1-الجرائم الموصوفة إرهابية و تخريبية .
2-الجرائم العابرة للحدود .
3- جرائم المخدرات .
4- جرائم المعالجة الآلية للمعلومات .
5- الجرائم المنظمة.
6- جرائم تبييض الأموال.
طرق إتصال قاضي التحقيق بالدعوى العمومية :
أناط المشرع الجزائري قاضي التحقيق ,بإختصاصات التحقيق كأصل عام , و له في سبيل الوصول الى إستظهار الحقيقة أن يتصل بالدعوى العمومية بإحدى الطريقتين :
الطريق الأول :إما أن يأمره وكيل الجمهورية بطلب إفتتاح تحقيق.
الطريق الثاني: إما أن يتقدم الطرف المضرور أمام قاضي التحقيق مباشرة بشكواه و يسمى هذا الطريق بالشكوى المصحوبة بإدعاء مدني لأن الشاكي سيتأسس أمام قاضي التحقيق كطرف مدني , سيطالب بالتعويض .
*إختصاصات قاضي التحقيق "مهامه":
تنقسم إختصاصات قاضي التحقيق الى قسمين :
القسم الأول : و يسمى , إختصاصات قاضي التحقيق في جمع الأدلة .
القسم الثاني : و يسمى, الإجراءات التي تتخذ ضد المتهم (القيود الإجرائية).
1)- إختصاصات قاضي التحقيق في جمع الأدلة :
عبر عن ذلك المشرع الجزائري في المادة 68 من قانون الإجراءات الجزائية حيث تقول : "يقوم قاضي التحقيق وفقا للقانون , بإتخاذ جميع الإجراءات التي يراها ضرورية للكشف عن الحقيقة , بالتحري عن أدلة الإتهام و أدلة النفي".
1- البحث و التحري , و من هنا فلقاضي التحقيق صفة الضبط القضائي .
2- الخروج إلى مكان وقوع الجريمة , للمعاينة و جمع الأدلة أو تعيين ضابط من ضباط الشرطة القضائية .
3- إعادة تمثيل الجريمة , على شرط أن يستطلع رأي وكيل الجمهورية .
4-الأمر بإعادة إخراج الجثة , بعد إخطار وكيل الجمهورية بإعتباره طرفا في الدعوى.
5- سماع الشهود و تحليفهم اليمين , طبقا لنص المادة 93/2 من قانون الإجراءات الجزائية.
ملاحظة : لا يجوز للشاهد أن يطلب التعويض في الدعوى المدنية المرتبطة بالدعوى العمومية .
6- التفتيش , جاء في نص المادة 81 من قانون الإجراءات الجزائية , يجوز أن يباشر قاضي التحقيق التفتيش سواء بنفسه أو أن ينوب ضابط الشرطة القضائية عنه على أن يخطر وكيل الجمهورية بذلك بدون الإخلال بالمواد 44 , 45 , 46 و 47 من قانون الإجراءات الجزائية .
7- تعيين الخبرة , يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر بتعيين خبير .
8- تعيين مترجم , لقاضي التحقيق أن يأمر بتعيين مترجم إن كان أحد الخصوم أجنبيا أو أصما أو أبكم .
9- الإستعانة بالقوة العمومية .
10 -الإستجواب , نصت عليه المواد من 100 الى 108 من قانون الإجراءات الجزائية .
* اوامر التصرف التي يصدرها قاضي التحقيق في ملف التحقيق :
بعد إنتهاء التحقيق يتصرف قاضي التحقيق بأحد الطريقتين :
1-إصدار أمر بأن لا وجه للمتابعة , و هذا طبقا لنص المادة 163 من قانون الإجراءات الجزائية لأسباب موضوعية أو قانونية .
1)الأسباب القانونية:
قيود رفع الدعوى العمومية : الشكوى ,الإذن , الطلب.
أسباب الإباحة التي نصت عليها المادتين 30 و 40 من قانون العقوبات و هي الأمر بالقانون , الإذن بالقانون , الدفاع الشرعي.
موانع المسؤولية التي نصت عليها المادة47 الى 51 من قانون العقوبات و هي الجنون و الإكراه , القاصر .
2)الأسباب الموضوعية :
*عدم كفاية الأدلة .
*عدم وجود المشتبه.
2- إصدار أمر الإحالة إذا رأى أن الأدلة قانونية لإدانة المتهم , و هناك طريقتين : 1- إذا كانت جنحة أو مخالفة : يحيلها الى السيد وكيل الجمهورية الذي يحيلها بدوره على محكمة الجنح و المخالفات.
2- أما إذا كانت جناية ك فيحيلها غلى السيد وكيل الجمهورية الذي لديه مهلة 03 أيام ليحيلها بدوره الى السيد النائب العم الذي له مهلة 05 أيام ليبدي إلتماساته و من ثم يحيلها على غرفة الإتهام التي تصدر بشأنها أمرا بإلإحالة أمام محكمة الجنايات , و هذا طبقا لنص المادة 166 من قانون الإجراءات الجزائية .
الحلقة السابعة ***قانون الإجراءات الجزائية***
غرفة الإتهام :
عالج المشرع الجزائري أحكام غرفة الإتهام من المادة 176 الى المادة 211 من قانون الإجراءات الجزائية.
تعريف غرفة الإتهام : تعتبر غرفة الإتهام هيئة قضائية , مقرها المجلس القضائي , و هي تعتبر هيئة تحقيق من الدرجة الثانية إذ أنها تراقب غرف التحقيق المتواجدة بالمحاكم التابعة لهذا المجلس القضائي و لها كذلك أن تعيد إجراء التحقيق كليا أو جزئيا أو تطلب إستكمال التحقيق و لها كذلك أن تراقب ضباط الشرطة القضائية.
تشكيل غرفة الإتهام : تشكل في كل مجلس قضائي غرفة إتهام واحدة على الأقل ويعين رئيسها و مستشاروه لمدة ثلاث سنوات(03) بقرار من وزير العدل و هذا طبقا لنص المادة 176 من قانون الإجراءات الجزائية . و تنعقد غرفة الإتهام إما بإستدعاء من رئيسها و إما بناءا على طلب النيابة العامة كلما دعت ضرورة لذلك و هذا ما نصت عليه المادة 178 من قانون الإجراءات الجزائية.
قرارات غرفة الإتهام :قرارات غرفة الإتهام قابلة للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا.
إختصاصات غرفة الإتهام : يجوز لغرفة الإتهام أن تختص بكل إجراء من إجراءات التحقيق , و لها في سبيل الوصول الى ذلك, إصدار الأوامر التالية :
1- الأمر بالإحضار.
2- الأمر بالقبض.
3-الأمر بالإيداع .
4- الأمر بالحبس المؤقت.
5-الرقابة القضائية.
6- حق التصدي : مفاده أن تتصدى غرفة الإتهام للجنح و المخالفات , الجرائم التي لم يردها ذكرها في أمر الإحالة الواردة إليها من النائب العام.
7- مراقبة و تأديب ضباط الشرطة القضائية و و ذلك إذا أخل أحد ضباط الشرطة بإلتزاماته و لغرفة الإتهام الحق في تأديبه إذا إرتكب جريمة فتنزع منه صفة الضبطية القضائية ليتابع بعد ذلك قضائيا.
*أوامر التصرف التي تصدرها غرفة الإتهام في ملف التحقيق ك
1- إصدار أمر بأن لا وجه للمتابعة لأسباب موضوعية أو قانونية .
2- أمر الإحالة أمام محكمة الجنايات .
3- يجوز لها إحالة الدعاوى الموصوفة جنح و مخالفات على محكمة الجنح و المخالفات.
التنظيم القضائي: يمكن تقسيمه الى 03 تنظيمات قضائية و هي :
* التنظيم الأول : المحكمة
تعتبر المحكمة هيئة قضائية , تفصل في كل الدعاوى و النزاعات إلا ما أستثني بنص , يرأس رئيس يسمى " رئيس المحكمة" و تنقسم الى قسمين أساسيين و هما القسم المدني و القسم الجزائي ( هذا الأخير فيه قاض تحقيق أو أكثر ).
تتشكل المحاكم من أقسام و يمثل النيابة العامة أمامها و كيل الجمهورية لدى المحكمة , و تصدر المحكمة أحكام إبتدائية وفي بعض الأحيان عندما ينص القانون على ذلك تصدر أحكام إبتدائية نهائية , و يوجد تقريبا 290 محكمة.
التنظيم الثاني : المجلس القضائي
هو هيئة قضائية أعلى من المحكمة بدرجة , ينظر أمامه في الطعون بإلإستئناف الواردة إليه من المحاكم, و يتشكل من جزئين مدني و جزائي.
يتشكل المجلس القضائي من غرف , و يمثل النيابة العامة أمامها النائب العام لدى المجلس القضائي و و يصدر قرارات قابلة للطعن بالنقض أمام المحكمة العليا و و يوجد في كل ولاية مجلس قضائي تقريبا.
التنظيم الثالث: المحكمة العليا
و هي أعلى هيئة قضائية , و هي محكمة قانون و ليست محكمة موضوع بمعنى تراقب مدى مطابقة قرارات المجالس للقوانين , وهي تنظر في الطعون الواردة إليها بالنقض و يمثل النيابة العامة أمامها النائب العام لدى المحكمة العليا , و هي تحتوي على غرف جزائية و غرف مدنية.
قانون الإجراءات الجزائية : الحلقةالثامنة
من بين الإجراءات التي يتخذها قاضيالتحقيق هي :
1- إجراءات إدارية.
2-إجراءات قضائية .
الإجراءات إدارية تبدأ من الخروج و الذهاب الى مكانالجريمة
-إعادة تمثيل الجريمة
-الإستجواب
-البحث و التحري
-الإنابة القضائية
-الشهود و تحليفهم اليمين (الضباط لا يحلفون اليمين ومن هنا يختلف الأمر في إختصاص الضباط مع قاضي التحقيق).
من خصائص التحقيق أن يكون مدونا(مكتوبا) بجميع تفاصيلهو يدون بحضور كاتب التحقيق.
نفس الشيء بالنسبة لتشكيل المحاكم فلا تكون إلا بحضوركاتب الجلسة (هيئة القضاء, وكيل الجمهورية , كاتب الجلسة ) لا تنعقد بدونهم وإجراءات قاضي التحقيق للوصول الى الحقيقة.
أضاف المشرع في المواد 81-82-83 التفتيش , ضباط الشرطةالقضائية لا يجوز لهم التفتيش بدون إذن للتفتيش .
التفتيش للسيد قاضي التحقيق و أعفاه من إصدار إذنالتفتيش .
التفتيش له شروطه و هي:
*حضور صاحب السكن و رضاه ( في حالة عدم رضاه يحرر محضرعدم التفتيش )
*ميعاد التفتيش.
التفتيش هو أخطر الإجراءات و هو نوعان :التفتيشالإجرائي و القانوني .
كيفية لإجراء التفتيش :لم ينص عليها المشرع ,فلو أمر قاضي التحقيق بتفتيش سيارة هنا يقتصر التفتيش فقط على مرآبالسيارة.
لو دخلنا للتفتيش لا بد من الإستئدان و لا بد منإحترام النساء و الأطفال ؛ و يعتبر إعتداء على الضمانات في حالة عدم إحترام التفتيشكما هو الحال أيضا في إجراء الإستجواب.
المادة 46 من قانون الإجراءات الجزائية : المتهم بريءحتى تثبت إدانته هذا لا يدخل في القانون و إنما في تكوين القاضي و المحامي و ضابطالشرطة (يدخل في الأخلاق )
إذا أعطينا الإختصاصات لضباط الشرطة القضائية و منعناالبعض منها , فننادي بوضع مرحلتين للدعوى العمومية و هي مرحلة التحريك و جمعالإستدلالات ثم مرحلة التحقيق .
إذا تبين لوكيل الجمهورية أو النيابة العامة أنالتفتيش باطل فعليهما تصحيحه.
المشرع الجزائري عدل نص المادة 65 من قانون الإجراءاتالجزائية (التفتيش في الجرائم العابرة للحدود)
المادة 65 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية:
"يجوز لضباط الشرطة القضائية بعد حصول على إذن مسبق منوكيل الجمهورية , أن يستخدم القوة العمومية إحضار الأشخاص الذين لم يستجيبواللإستدعاءين بالمثول "
المشرع الجزائري إستحداث المادة و جعل الأمر جوازي فيحالة عدم حضوره بعد تلقيه إستدعاءين يتم الحصول على إذن من وكيل الجمهورية بإستعمالالقوة العمومية.
المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية:
مدة التوقيف للنظر 48 ساعة تبدأ من وقت القبض علىالمشتبه , أي تبد أ من يوم أن أدخلك في السجل ؛ يتم تسجيل توقيت التوقيفللنظر.
المادة 63 من قانون الإجراءاتالجزائية
يقوم ضباط الشرطة القضائية و تحت رقابتهم أعوان الشرطةالقضائية , بالتحقيقات الإبتدائية بمجرد علمهم بالجريمة ؛ إما بناءا على تعليماتوكيل الجمهورية و إما من تلقاء أنفسهم. المشرع الجزائري أخطأ هنا فضباط الشرطةالقضائية لا يقومون بالتحقيقات الإبتدائية ؛فالمشرع فتح مجالا لضباط الشرطةالقضائية و هنا إنتهاك للضمانات.
المشرع الجزائري مرة يقول التحقيق الإبتدائي يقوم بهقاضي التحقيق و مرة أخرى يقوم به ضباط الشرطة القضائية ؛ لكن الأصل أن التحقيقالإبتدائي هو من إختصاص قاضي التحقيق ، لأن في التحقيق يمكن أن نعترف و بالتالييعتبر دليل قاطع و بالتالي على القاضي أن لا يقف عند الإعتراف و إنما يواصلتحقيقاته ( لأنه ممكن أن يكون المتهم تحت الضغط )
إجراءات ضباط الشرطة القضائية هي إدارية لا يجوزإستئنافها لكن أوامر قاضي التحقيق يجوز إستئنافها أمام غرفةالإتهام.
بالنسبة لقاضي التحقيق , المتهم يطعن في 03 أوامر , أما وكيل الجمهورية فله أن يطعن في كل الأوامر ؛ فهنا نلاحظ جليا أن الضماناتمنتهكة.
المادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية:
يجوز لوكيل الجمهورية الطعن في كل قرارات قاضي التحقيقو القرارات لا ترسل حتى يراها و يبدي رأيه فيها و يمهر عليها"
المادة65 و قد عدل المشرع الجزائري نص المادة 65مكرر18.
المادة 65 مكرر 11: عالج المشرع الجزائريالتسرب و خصص له 07 مواد من 65 مكرر11 الى 65 مكرر18
المادة 65 مكرر 5:
تتكلم عن إعتراض المراسلات , تسجيل الأصوات و إلتقاطالصورة و هي خاصة بالجرائم المذكورة.
المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية: الخاصة بحالات التلبس.
إذا أراد ضباط الشرطة القضائية إلتقاط الصور و إعتراضالمراسلات , لابد أن توصف :
-جناية في حالة تلبس.
-أعطاها حكم إعتباري
-إرتكبها في منزل أحدهم.
قانون الإجراءات الجزائية : الحلقة التاسعة
تبييض الأموال: هو مال غير مشروعمتحصل عليه من إرتكاب الجريمة ,
لتبييض الأموال لا بد من المرور بمراحل :
1-مرحلة الركود , بمعنى تبقى متخفية عن السلطاتالعمومية
2-مرحلة تحوياها.
3-مرحلة الإدماج (دمجها في الأموالالنظيفة)
إعتراض المراسلات : جاء التسرب فيالمادة 65 مكرر 11 ويقصد به : قيام ضابط أو عون الشرطة القضائية تحت مسؤولية ضابطالشرطة القضائية المكلف بتنسيق العملية بمراقبة المشتبه في إرتكابه الجناية أوالجنحة بإيهامهم (مغالطتهم ) أنه الفاعل معه أو الشريك أو خاف (مستتر) و مدة التسرب 04 أشهر يمكن أن تجدد العملية.
في الفساد أوجد المشرع 23 جريمة في قانونالفساد.
موانع المسؤولية :الجنون , الإكراهبنوعيه , حالة الضرورة , القاصر (الحدث) المواد من 47 الى 51 من قانونالعقوبات.
موانع المسؤولية هي التي تمنع قيام المسؤولية الجنائية ( يعتبر غير مسؤول جنائيا و لا توقع عليه العقوبة ) ؛ فمن أصابه جنون وقت إرتكابالجريمة لا عقوبة عليه , والجنون نوعان :
1- جنون مستمر
2- جنون متقطع.
الجنون : هو مرض إما يعطل الملكات عن أداء وظائفهاللتمييز بين الخير و الشر أي ملكاته العقلية و الذهنية أصابها مرض.
1- الجنون المتقطع : هي نوبات تصيب الإنسان مؤقتا .
الأمراض النفسية: كل الأمراض التيتصيب أفراد المجتمع , الخوف , الهستيريا ترجع الى أسباب إجتماعية و دينية وإقتصادية و سياسية ؛ لكن المشرع لم يتطرق الى الأمراض النفسية.
هناك مانع آخر تكلم عنه المشرع الفرنسي و المصري ؛ وهو رضاء المجني عليه. و موانع المسؤولية تقابلها موانع العقاب.
موانع العقاب : يكون الجاني بالغاعاقلا لكن يمنع العقاب عليه , و يوجب الحق في التعويض.
فيما يخص السرقة بين الأصول و الفروع و الأزواج لاعقاب فيها ( لا عقوبة جنائية و لكن تبقى المسؤولية المدنية)
الأعذار المعفية و المخففة في العقوبة :من يبلغ السلطات العام على جماعة ترتكب جرائم ضد الدولة قبل إرتكابها , يعفى من العقوبة و إذا أرتكبت تخفف عليه العقوبة .
أسباب الإباحة :نصت عليها المادتين 39 و 40 من قانون العقوبات و هي الأمر بالقانون , الإذن بالقانون و الدفاع الشرعي ونعني بأسباب الإباحة أنها تنقل الفعل من دائرة التجريم الى دائرة الإباحة , لاعقوبة جنائية و لا مدنية .
الفرق بين موانع المسؤولية و أسباب الإباحة :
أن في موانع المسؤولية : لا عقاب و يبقى التعويضقائما.
أما في أسباب الإباحة : فلا جريمة و بالتالي لامسؤولية مدنية و لا جنائية.
موانع الإرادة:الغلط , الإكراه , التدليس , العته السفيه ( عيوب الإرادة).
قيود رفع الدعوى العمومية:
-1* الشكوى:تتخذ فيها الإجراءات بناءا علىشكوى
1- زنا أحد الزوجين.
2-السرقة بين الأقارب و الحواشي الى الدرجة الرابعةالمواد ( 368 و 369 من قانون العقوبات ) لا عقاب تعتبر مانع من موانعالعقاب.
3- ترك الأسرة ( ليس فقط بين الأزواج و إنما كذلك بينالأصول و الفروع)
4- إصدار شيك بدون رصيد
5- إغتصاب فتاة و التزوج بها بشرط أن يصحح وليهاالزواج .
6-جنح الصحافة ( في تعديل2001 أصبح للنيابة العامة هيالتي تحرك الدعوى في الجنح الصحافة)
7- الجرائم التي تقع على الأحداث , لا يتخذ ضده إجراءإلا فيما يخص الأحداث .
8- جرائم السب و الشتم و القذف * جرائمالإعتبار*
2*-الطلب: لا يجوز للنيابة العامة تحريكالدعوى فيما يخص الجرائم التي تتعلق بالمؤسسة العسكرية و ذلك بناءا على طلب من وزيرالدفاع أو من ينوب عنه حفاظا على اسرار المؤسسة العسكرية .
3*- الإذن: خاص بالهيئات البرلمانية :
- نواب البرلمان بغرفتيه.
- مجلس الأمة , و قد عالج ذلك في دستور 1996 ؛ لا يتخذضد النائب الإجراءات القضائية أو القانونية فيما يتفوه به داخل البرلمان من سب وشتم و ذلك لأنه يمثل الشعب.
لا تتخذ ضد النائب أي إجراء متابعة أو إلقاء القبض عندإرتكابه الجريمة إلا إذا أذن له بمتابعة النائب ، إما برفع الحصانة ( إجتماع المجلس بأغلبية أعضائه 2/1 + 1 للموافقة على رفع الحصانة.
الحصانة لا تنزع إلا بإجتماع البرلمان و لا ترفعالحصانة حتى و إن كان ذلك في حالة تلبس .
في حالة رفض نزع الحصانة , لا بد من إنتظار عهدةالبرلمان ؛ و يمكن بعد ذلك تحريك الدعوى العمومية و يتخذ إجراء قطع التقادم وإنتظار إنتهاء العهدة حتى لا يفلت من العقاب.
المباديء الأساسية :
1- حق الدفاع.
2- التسمية خلال مراحل الدعوى "مشتبه فيه , متهم"
3-حقوق و ضمانات الضحية.
4- إحترام التفتيش , إجراءاته لم ينصعليها.
5- قرينة البراءة
6- يجب السماح للمتقاضين بإستئناف حكم محكمةالجنايات.
7- نوعية الإجراءات .
8- إحترام حقوق الدفاع .
9- تيسير الإجراءات
10 -تقليص مدة الحبس المؤقت .
hadia369
2013-02-04, 00:07
مضمون قانون الإجراءات المدنية و الإدارية
مضمون قانون الإجراءات المدنية و الإدارية
لقد استحدث المشرع الجزائري قانوناجديدا للاجراءات المدنية و الادارية وهذا القانون رقم 08-09 المؤرخ في 25 فبرايرسنة 2008 الجريدة الرسمية عدد 21 لسنة 2008 و طالما ان العمل به لم يتم إلا حديثافإنه يجدر بنا ان نعرف ولو القليل عن الإجراءات الجديدة التي أقرها المشرع الجزائريمن خلال هذا القانون فماهي أهم الملاحظات التي سجلت به؟
1-ان الملاحظ لعنوانهذا القانون يجده قد اصبح يضم الاجراءات المدنية والادارية بمعنى ان المشرعالجزائري قد خص المسائل الادارية بقواعد قانونية تحكمها وهذا ما يلاحظ من خلالزيادة عدد مواده بحيث اصبحت1065 مادة.
2- من الملاحظ ان المشرع الجزائري اقر بان تمثيل الخصومبمحامي وجوبي امام جهات الاستئناف و الطعن بالنقض وهذا ما تؤكده المادة10 من ق.ا.م. الجديد بقولها"تمثيل الخصوم بمحام وجوبي امام جهات الاستئناف والنقض ما لم ينصالقانون على خلاف ذلك." وهذا خلافا للقانون القديم.
3-تحديد قيمة النزاع يكون بالنظر الىالطلبات الاصلية والمقابلة و الاضافية خلافا للقانون القديم وهذا وفقا لنص المادة25من ق.ا.م الجديد والتي تنص على انه" يتحدد موضوع النزاع بالادعاءات التي يقدمهاالخصوم في عريضة افتتاح الدعوى ومذكرات الرد".
4-ملاحظة :بالاطلاع على نص المادة 13 منقانون الاجراءات المدنية الجديد نجدها لاتذكر الاهلية وتحصر شروط الدعوى في الصفةوالمصلحة و الاذن اذ تنص على انه "لا يجوز لاي شخص التقاضي مالم تكن له صفة ولهمصلحة قائمة او محتملة يقرها القانون يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة في المدعياو المدعى عليه كما يثير تلقائيا انعدام الاذن اذا ما اشترطهالقانون".
5-اقر المشرع الجزائري في هذا القانون الجديد انشاء هيكلقضائي تنظيمي جديد وهو الاقطاب المتخصصةوهذا تحت الباب الثاني من الفصل الاول فيالاختصاص النوعي للمحاكم وهذا وفقا للمادة 32 منه وتختص هذه الاقطاب دون سواها والمنعقدة في بعض المحاكم بالنظر في المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية و الافلاسوالتسوية القضائية و المنازعات المتعلقة بالبنوك ومنازعات الملكية الفكرية والمنازعات البحرية والنقل الجوي ومنازعات التامينات.
5- يتحدد الفصل للمحكمة بحكم في اول واخردرجة حتى ولو كانت قيمة الطلبات المقابلة او المقاصة القضائية تتجاوز قيمة 200.000دج.
6 -التكليف بالحضور للجلسة اصبحت مدته 20 يوما حسب وفقاللمادة 16 من ق.ا.م الجديد وفي السابق 10 ايام بين اليوم المحدد لاول جلسة وتاريخالتسليم و تمديد تبليغه كذلك للخارج الى 3 اشهر.
7-في حالة جدولة قضية امام قسم غير معنيبالنظر فيها يحل الملف الى القسم المعني عن طريق امانة الضبط بعد اخطار رئيسالمحكمة مسبقا وهذا وفقا للمادة 32 ق.ا.م الجيد خلافا لما هو عليه في القانونالقديم.
8- تمديد اجل المعارضة والاستئناف و التماس اعادة النظر و الطعن بالنقض للاشخاصالمقيمين بالخارج المادة 404 ق. ا.م الجديد
9-كذلك اشترط المشرع الجزائري في القانونالجديد التبليغ الرسمي شخصيا وهذا طبقا للمادة 408 ق.ا.مالجديد.
10-اقر المشرع الجزائري لرئيس كل قسم الحق في اصداراوامر استعجالية دون الرجوع الى رئيس المحكمة كما في القانون القديم فهذه الاوامرمن اختصاص رئيس المحكمة.
11-كذلك اصبح التكليف بالوفاء يتم من قبل المحضر القضائيبتبليغ رسمي للسند التنفيذي خلال 15 يوما في حين في السابق كان 20يوما.
12-ادراج جملة من المواد التي تشرح كيفية الحجز و توضيحالحجز التحفظي على الحقوق الصناعية و التجارية وهذا بخلاف القانون القديم وتولىالقانون الجديد شرح عملية الحجز على العقارات الغير المشهرة وفقا للمادة766 منهخلافا للقانون القديم.
13- فيما يخص التماس اعادة النظر نجد ان ق.ا.م الجديداورد حالتين فقط بعد صدور الحكم اكتشاف ورقة كانت محتجزة لدى الخصم .بخلاف القانونالقديم.
14- اجراء الاستئناف ميعاده محدد بشهر واحد سواء في القانون القديم او الجديد الا انالقانون الجديد جاء بمبدا وهو تبليغ رسمي الى الشخص المذكور فيالحكم.
************************
***************
أما فيما يخصالمسائل المتعلقة بالنظام العام في قانون الاجراءات المدنية و الادارية الجديد فهيكمايلي:
1- الاختصاص النوعي للاقطاب المتخصصة المنعقدة في بعض المحاكم و التي تختص بالنظر دونسواها في المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية و الافلاس والتسوية القضائية والمنازعات المتعلقة بالبنوك و منازعات الملكية الفكرية و المنازعات البحرية و النقلالجوي ومنازعات التامينات وهذا وفقا للمادة32 من قانون الاجراءات المدنية الجديد. وعدم الاختصاص النوعي من النظام العام تقضي به الجهة القضائية تلقائيا في اي مرحلةكانت عليها الدعوى.
2-الاختصاص النوعي للمجالس هو ايضا من النظام العام وفقاللمادة 34 من ق.ا.م الجديد.
3- اشتراط الطرفين على مخالفة قواعد الاختصاص الاقليمي ومنحها لجهة قضائية غير مختصة فهنا يعتبر لاغيا الا اذا تم بين التجار وفقا للمادة 45 من ق.ا.م.الجديد وهنا يمكن القول بان هذه القواعد من النظام العام.4- انعدامالاهلية و انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي او المعنوي فهو من النظام العام ويثير القاضي تلقائيا انعدام الاهلية و التفويض لممثل الشخص الطبيعي او المعنويالمادة65 من نفس القانون.
4-الدفع بعدم القبول كانعدام الصفة و انعدام المصلحة والتقادم و انقضاء الاجل المسقط وحجية الشيء المقضي فيه من النظام العام و يجب علىالقاضي ان يثير تلقائيا الدفع بعدم القبول اذا كان من النظام العام لا سيما عدماحترام اجال طرق الطعن او عند غياب طرق الطعن المادة69 من نفسالقانون.
5-ابلاغ الاوراق و المستندات التي يقدمها كل طرف دعمالادعاءاته الى الخصم الاخر المادة 70 من نفس القانون.
6-اخالالغير في الخصومة يجب ان يتم قبل اقفال باب المرافعات المادة 200 من نفسالقانةن.
7- مسائل رد القاضي المادة 246 منه
8-محاولات الصلح في الاحول الشخصية وجوبية المادة 439 مننفس القانون.
10-الاختصاص النوعي للقسم الاجتماعي اختصاص مانع المادة 500 من نفس القانون.
11- اجال رفع الدعوى امام القسم الاجتماعي المادة 504 مننفس القانون.
12- اختصاص المحكمة المطروحة عليها دعوى الحيازةالمادة527 من نفس القانون.
13- لاتقبل دعوى الحيازة ممن سلك طريق دعوى الملكيةالمادة529 من نفس القانون.
14-الاختصاص النوعي و الاختصاص الاقليمي للمحاكمالادارية من النظام العام المادة807
15- شكلية و اجراءات و اجال دعوى تصحيح الاخطاء الماديةالمادة964 من نفس القانون.
16- شكلية اتفاق التحكبم المادة 1012 من نفس القانون. واجال الطعن في حكم التحكيم المادة 1059 من نفسالقانون
hadia369
2013-02-04, 00:13
ونستخلص من نص المادة 15 وجوب توفر مجموعة من البيانات في عريضة الافتتاح تحت طائلة عـدم قبولهـا
شكلا وهي :
-/1 الجهة القضائية التي ترفع أمامها الدعوى .
-/2 اسم ولقب وموطن المدعي .
-/3 اسم ولقب وموطن المدعى عليه فإن لم يكن له موطن معلوم فآخر موطن له .
-/4 الإشارة إلى طبيعة وتسمية ومقر الشخص المعنوي وصفة ممثله القانوني أو الاتفاقي .
-/5 أن تتضمن عريضة افتتاح الدعوى موجز للوقائع والطلبات والوسائل التي تؤسس عليها الدعوى .
-/6 الإشارة عند الاقتضاء إلى المستندات والوثائق المؤيدة للدعوى .
ولم يكتف القانون الجديد ببيان شكل العريضة الافتتاحية فقط، بل ب .ين الخطوات التي تتبع من أجل قيد الدعوى،
والحصول على نسخة العريضة لتبليغها عن طريق المحضر القضائي للمدعى عليه، وفق للمواد 16 و 17 ق إ م وإ د :
(1 تق .يد الدعوى في سجل خاص لدى كتابة ضبط الجهة القضائية المرفوع أمامها الدعوى تبعا لترتيب ورودها، مـع
بيان أسماء وألقاب الخصوم ورقم القضية وتاريخ أول جلسة .
(2 يسجل أمين الضبط رقم القضية وتاريخ أول جلسة على نسخ العر يضة الافتتاحية، ويسلمها للمـدعي بغـرض
تبليغها رسميا للخصوم .
(3 يجب احترام أجل 20 يوما على الأقل بين تاريخ تسليم التكليف بالحضور والتاريخ المحدد لأول جلسة ما لم ينص
القانون على خلاف ذلك .)ويمددهذا الأجل ثلاث أشهر للمقيمين بالخارج (.
(4 لا تق .يد الدعوى إلا بعد دفع الرسوم القضائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ،و يفصـل الـرئيس الجهـة
القضائية فيكل نزاع يعرض عليه حول دفع الرسوم بأمر غير قابل لأي طعن )ولائي(.
(5 يجب إشهار عريضة رفع الدعوى لدى المحافظة العقارية إذا تعلق الأمر بعقار و /أوحق عيني عقاري مشهر طبقـا
للقانون .وتقديمها في أول جلسة ينادى فيها على القضية تحت طائلة عدم قبولها شكلا، مالم يثبت إيداعها للإشهار .
و .ذا يكون القانون الجديد بذلك قد ع .ين شكل
Read more: ملخص السداسي الأول -إجراءات مدنية وإدارية- - منتديات الحقوق و العلوم القانونية http://www.droit-dz.com/forum/showthread.php?t=4510#ixzz2Jsg7tpv8
أما المادة 305 فقد منحت لقاضي الاستعجال سلطة إكراه الخصم على الاستجابة للأمـر بواسـطة الغرامـة
التهديدية، ويعود لنفس القاضي القيام بتصفيتها .
ثانيا :اختصاص قاضي الاستعجال بموجب نصوص خاصة
حسب المادة )300 )يكونقاضي الاستعجال مختصا أيضا في المواد التي ينص القانون صراحة على أ .ـا مـن
اختصاصه، وفي حالة الفصل في الموضوع يحوز الأمر الصادر حجية الشيء المقضي فيه ((.
لقد أجمع الفقه على عدم اكتساب أوامر الاستعجال لأي حجية لكو .ا ذات طبيعة مؤقتة ولا تمي بأصل الحـق،
إلا أن القانون الجديد استحدث مسألة جواز الفصل في الموضوع من قاضي الاستعجال في المواد التي يـنص القـانون
صراحة على أ .ا من اختصاصه وفي هذه الحالة يحوز الأمر الصادر بشأنه حجية الشيء المقضي فيه مثله مثل الأحكـام
الصادرة في الموضوع .
ومن بين الحالات التي ورد في شأ .ا نص قانوني يمنح الاختصاص لقاضي الاستعجال نذكر على سبيل المثال :
/1 إخلال المحلات المهنية :
عملا بنص المادة 35 من القانون رقم 02 -90 المتعلق بالوقاية من التراعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسـة
حق الإضراب، فإنه يمنع على العمال المضربون احتلال المحلات المهنية للمستخدم حينما يهدف هذا الاحتلال عرقلـة
حرية العمل .
والاختصاص هنا ينعقد لقضاء الاستعجال .
/2 الطرد بسبب ترك الأمكنة :
تجيز المادة 09 من المرسوم رقم 65 -63 طرد المستأجر بموجب أمر من قضاء الاستعجال شريطة إثبات ترك الأمكنة
من طرف محضر قضائي وعدم استجابة المستأجر مدة تزيد على شهر للإعار الموجه لشغل الأمكنة .
الفصل الرابع
أوامر الأداء والأوامر على العرائض
وهما حالتان لا يخضع العمل .ما إلى القواعد المقررة في رفع الدعاوى سواء العادية أو الخاصة بقضاء الاستعجال .
أولا :أوامر الأداء
تعتبر أبسط وسيلة مخولة للدائن وأقصرها مدة من أجل استعادة الدين دون الحاجة إلى رفع دعـوى قضـائية وفقـا
للقواعد العام، وهذا ما دلت عليه صياغة المادة 306 التي تبدأ بعبارة ً "خلافاللقواعد المقررة في رفع الدعاوى ".
-1 شروط اللجوء إلى أوامر الأداء :
نستخلصها من نص المادة 306 ، بحيث يجب أن يكون الشخص دائنا بدين من النقود وأن يكون الدين مستحقا
وحال الأداء، ومعين المقدار، وثابت بالكتابة، الكتابة العرضية المتضمنة الاعتراف بدين أو التعهد بالوفـاء أو فـاتورة
مؤشر عليها من المدين .
وللإشارة فقد أضاف المشر ع في القانون الجديد شرط أن يكون الدين مستحقا كما أكد على الكتابة العرضـية
المتضمنة ....وغايتهأن الديون المثبتة بموجب عقود توثيقية محمية بالقوة التنفيذية لهذه السندات، أمـا الـديون الـتي
تتضمنها كتابة عرفية فهي تخضع للتقاضي إن لم يستجب المدين بإرادته .
-2 إجراءات المطالبة بالدين :
تتم إجراءات المطالبة بالدين وفقا لما جاء في المادة 306 على النحو التالي :
أ -تقديم طلب في شكل عريضة على نسختين إلى رئيس المحكمة التي يوجد في دائرة اختصاصها موطن المدين .
ب -يجبأن يتضمن الطلب :
-اسم ولقب الدائن وموطنه الحقيقي أو المختار في الجزائر؛
-اسم ولقب المدين وموطنه الحقيقي أو المختار في الجزائر؛
-ذكر تسمية وطبيعة الشخص المعنوي ومقره الاجتماعي، وصفة ممثله القانوني أو الاتفاقي؛
-عرض موجز عن سبب الدين ومقداره .
ج -إرفاقجميع المستندات المثبتة للدين مع العريضة .
ولا تخضع الطلبات الرامية إلى استصدار أوامر الأداء لأي من الإجراءات المتعلقة بالتكليف بالحضور .
-3 الأحكام المتعلقة بالفصل في الطلب :
نصت عليها المادة 307 بالقول ))يفصلالرئيس في الطلب بأمر خلال أجل أقصاه 05 أيام من تاريخ إيداع الطلب .
إذا تبين أن الدين ثابت أمر المدين بالوفاء بمبلغ الدين والمصاريف وإلا رفض الطلب .
الأمر بالرفض غير قابل لأي طعن دون المساس بحق الدائن في رفع دعوى وفقا للقواعد المقرر لها ((.
إن أهم ما استحدثه المشرع في هذه المادة مقارنة بالمادة 176 فقرة 01 أن الفصل في الطلب يتم بموجب أمر مسـتقل
وليس عن طريق التأشير أسفل العريضة، وأنه حدد أجلا للفصل في الطلب أقصاه 05 أيام من تاريخ إيداع الطلـب،
بينما احتفظ بباقي الأحكام .
-4 تسليم نسخة من أمر الأداء :
لقد اعتمد المشرع طريق الاختصار بالنسبة للإجراءات المتعلقة بتسليم ونفاذ أوامر الأداء مما يشـكل تبسـيطا
حقيقيا وتأكيدا فعليا للطابع المميز للقواعد المقررة لها .
بعد صدور أمر الأداء تتبع الإجراءات وفقا للآتي )المادة308
-يسلم رئيس أمناء الضبط إلى الدائن نسخة رسمية من أمر الأداء .
-يتم التبليغ الرسمي وتكليف المدين بالوفاء بأصل الدين والمصاريف في أجل 15 يوما .
-يجب أن يشار في التكليف بالوفاء تحت طائلة البطلان بأن للمدين حق الاعتراض على أمر الأداء في أجل 15
يوما تبدأ من تاريخ التبليغ الرسمي .
ويقدم الاعتراض على أمر الأداء بطريق الاستعجال أمام القاضي الذي أصدره وللاعتراض أثر موقف لتنفيذ أمر
الأداء .
وقد نصت المادة 309 على أنه إذا لم يرفع الاعتراض في الأجل المح دد أي بعد مرور 15 يوم من تاريخ التبليـغ
الرسمي يحوز أمر الأداء قوة الشيء المقضي به، وفي هذه الحالة يقوم رئيس أمناء الضبط بمنح الصيغة التنفيذية لطالـب
التنفيذ بعد تقديم شهادة عدم الاعتراض، وللدائن بعد ذلك مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري .
وقد نصت الفقرة 02 من المادة 309 على أن كل أمر أداء لم يطلب إمهاره بالصيغة التنفيذية خلال سـنة 01
واحدة من تاريخ صدوره يسقط ولا يرتب أي أثر .
ثانيا :الأوامر على العرائض
هي إحدى حالتين لا يخضع الطلب فيها للإجراءات المقررة للدعاوى والهدف من ورائها إثبات حالة أو توجيه
إنذار أو إجراء استجواب لا يمس بحقوق الأطراف أو اتخاذ تدبير مؤقت .
وقد نصت المادة 310 على مايلي ))الأمر على عريضة أمر مؤقت يصدر دون حضور الخصوم مـا لم يـنص
القانون على خلاف ذلك .
تقدم الطلبات الرامية إلى إثبات الحالة أو توجيه إنذار أو إجراء استجواب في موضوع لا يمس بحقوق الأ طـراف
إلى رئيس الجهة القضائية المختصة ليفصل فيها خلال أجل أقصاه ثلاثة 03 أيام من تاريخ إيداع الطلب ((.
-1 الطبيعة القانونية للأوامر على العرائض :
هي سندات تنفيذية تصدر بدون حضور الخصوم مالم ينص القانون على خلاف ذلك كما أ .ـا ذات طبيعـة
مؤقتة بموجب نص صريح في المادة 310 أعلاه .
أما بالنسبة للاختلاف القائم حول تصنيف الأوامر على العرائض ضمن الأعمال الولائية أو القضائية، فلم يعـد
لذلك أي جدوى لتعلق الاختلاف أصلا بقابلية الأمر على عريضة للطعن، فالأوامر الولائية غير قابلة بطبيعتـها لأي
وجه من أوجه الطعن ولا رقيب على موقف القاضي عكس الأوامر القضائية .
وما دام الأمر على عريضة بموجب القانون الجديد قابل للمراجعة والتعديل في حالة الاستجابة ممن له مصـلحة
وهو أشبه حينئذٍ بالتماس إعادة النظر وقابل للاستئناف من المتضرر في حال رفض الطلب فهو إذا أمر قضائي .
والأوامر على عرائض واج بة النفاذ بناءا على النسخة الأصلية رغم قابليتها للمراجعة والتعـديل والطعـن، ولا
تخضع لإجراءات التكليف بالحضور أو آجال الوفاء .
وعليه شمولها بالنفاذ الفوري أي طبيعتها الاستعجالية دون المساس بأصل الحق تقتضي التعجيل وأحيانا مفاجـأة
من صدرت عليه .
-2 الإجراءات المتعلقة بالأوامر على عرائض :
حسب المادة 311 توجه الطلبات الرامية إلى استصدار أمر على عريضة إلى رئيس الجهة القضائية المختصـة في
شكل عريضة من نسختين 02 ويجب أن تكون معللة وتتضمن الإشارة إلى الوثائق المحتج .ا، وإذا كان الطلب متصل
بخصومة قائمة فيجب ذكر المحكمة الم عروض أمامها الخصومة، ويتم الفصل في الطلب خلال أجل أقصاه ثلاثة 03 أيام
من تاريخ إيداعه .
ويجب هنا أن يكون الأمر على عريضة مسببا ً، ويكون ً قابلا للتنفيذ بناءا على النسخة الأصلية .وكل أمر علـى
عريضة لم ينفذ خلال أجل ثلاثة 03 أشهر من تاريخ صدوره يسقط ولا يرتب أي أثر .
وقد نصت المادة 312 على مايلي )في حالة الاستجابة إلى الطلب يمكن الرجوع إلى القاضي الذي أصـدر
الأمر للتراجع عنه أو تعديله .
وفي حالة عدم الاستجابة إلى الطلب يكون الأمر بالرفض قابلا للاستئناف أمام رئيس ا .لس القضائي .
يرفع الاستئناف خلال 15 يوما من تاريخ أمر الرفض .
يجب على رئيس ا .لس القضائي أن يفصل في هذا الاستئناف في أقرب الآجال .
لا يخضع هذا الاستئناف للتمثيل الوجوبي بمحاٍم .
تحفظ النسخة الثانية من الأمر ضمن أصول الأحكام بأمانة الضبط بالجهة القضائية المعنية ((.
منقول
بارك الله فيك اسأل الله أن تكوني من الناجحين
رنيم ألاء
2013-02-04, 18:47
بارك الله فيك اخت هادية إن شاء الله من الناجحين.
algeria1one
2013-02-04, 23:13
بارك الله فيك الأخت
hadia369
2013-02-05, 12:46
بارك الله فيك اسأل الله أن تكوني من الناجحين
ربي يحفظك وان شاء الله بالتوفيق
hadia369
2013-02-05, 12:47
بارك الله فيك اخت هادية إن شاء الله من الناجحين.
شكرا جزيلا وربي يحفظك
hadia369
2013-02-05, 12:48
بارك الله فيك الأخت
شكررا وربي يحفظك
wiwi cheba
2013-02-05, 21:08
:dj_17: أرجو منكم أن تساعدوني في مذكرة تخرج حول قاضي الإثبات في القانون الجنائي و بالخصوص خطة المذكرة :sdf::sdf::sdf::sdf::sdf: شكرا
جزاك خيرا لاخت هادية استسمحك بطلب صغير ملخص الاداري و المنازعات الادارية جعلها الله في ميزان حسناتك
hadia369
2013-02-06, 16:09
جزاك خيرا لاخت هادية استسمحك بطلب صغير ملخص الاداري و المنازعات الادارية جعلها الله في ميزان حسناتك
الشخصـــــية القانونية الإعتبارية (المعنوية)
تعتبر فكرة الشخصية القانونية المعنوية مدخلا هاما لدراسة القانون الإداري ، بالنظر للدور الذي لعبته في جمع أطراف قانونية طبيعية فردية تشترك في الأهداف و تختلف في المهام والموارد والجهود ، كما أنها قامت بدور أكبر من حيث رعايتها المتواصلة والدائمة لمصالح الفرد بإزاحتها للكثير من المشاكل التي تسببت في تعطل المصالح أو انقضائها لقلة موارد الفرد منعزلا أو لقصر عمره أو محدودية طاقاته ، فهي بذلك أرست مفاهيم قوية على أسس صلبة ساهمت بشكل كبير في تحصين الدولة من زوالها بزوال القائمين عليها ، بل وتجاوزته إلى عزل مفاهيم سياسية وصفات أتسمت عبر العصور بالأزلية و الشخصنة المتعلقتين بالنظام السياسي و الحكام لترفع الكثير من المفاهيم السياسية والقانونية كالسيادة والسلطة العامة إلى مصاف التأصيل في فكرة الدولة ملحقة إياها بالصفة الاعتبارية الخالدة بخلود الفرد .
وتجلى دور فكرة الشخصية القانونية المعنوية أكثر في التنظيم الإداري لما كان لها من أثر إيجابي على سير المؤسسة الإدارية حيث تحددت أقاليم السلطة والإختصاص داخل التنظيم بين وحداته و خارجه ممثلا في علاقة التنظيم الإداري بالتنظيمات الأخرى داخل ذات الدولة أو خراجها. فقد منحت الفكرة للفرد أطرا من خلالها يتحرك بنشاطه لصالحها وباسمها و هو ما ادى إلى اتساع المبدأ الجماعي للفرد مقننا و مضبوط .
تعريف الشخصية المعنوية :
إن الشخصية المعنوي هي شخصية ناجمة عن بناء فكري أي من نسج الخيال إعترف لها المشرع بالوجود نظريا و جعلها موضوعا أو محلا للحق ، و يمكن تعريفها قانونا كالتالي :
يعرفها البعض على أنها كيان له أجهزة خاصة و ذمة مالية .
و هناك من يعرفها على أنها مجموعة من الأشخاص تستهدف غرضا مشتركا أو مجموعةمن الأموال ترصد لمدة زمنية محددة لتحقيق غرض معين ، بحيث تكون هذه المجموعة من الاشخاص المكونين لها مستقلين عن العناصر المالية لها ، أي أن تكون لها أهلية قانونية لإكتساب الحقوق و تحمل الإلتزامات ، و أن تكون لهذه المجموعة من الأشخاص أو الأموال مصلحة جماعية مشتركة مستقلة عن المصالح الذاتية الفردية لأفراد المجموعة .
و يعرفها آخرون على أنها مجموعات من الأشخاص و الأموال ، التي نظرا لخصوصية أهدافها و مصالحها ، يمكنها القيام بنشاط مستقل أي مميز عن الأفراد الذين يكونون هذه المجموعات ، فيتعلق الأمر مثلا بالدولة و البلديات...
كما تعرف كذلك بانها كل مجموعة من الاشخاص أو الأموال تقوم لتحقيق غرض معين ، و يمنحها القانون الشخصية لتحقيق ذلك.
و هناك من عرفها على أنها مجموعة من الأشخاص أو الأموال ترمي إلى تحقيق غرض معين ، و تمنح الشخصية القانونية بالقدر اللازم لتحقيق هذا الغرض .
و يجدر بالذكر أن اصطلاح الأشخاص الاعتبارية يعني صراحة أنها تكتسب الشخصية القانونية حكما أي بنص القانون الذي اعتبرها كذلك وفي نفس الوقت يعني ضمنا انها ليست أشخاصا طبيعية وإنما يمنحها المشرع تلك الصفة القانونية الاعتبارية لكي تتمكن من أن تمارس حقوقا وتلتزم بواجبات في سبيل تحقيق أغراض اجتماعية معتبرة سواء للمجتمع كله او لطائفة من طوائفه .
و لفكرة الشخصية المعنوية ثلاث عناصر جوهرية لابد من توافرها ،وهي :
- وجود مجموعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال في ظل تنظيم معين يحقق ترابط و وحدة و أهداف هذه المجموعة ، و هذا ما يسمى بعنصر الديمومة .
- وجود غرض مشترك تسعى إلى تحقيقه هذه المجموعة .
- الإعتراف بها من قبل المشرع.
تكييف طبيعة فكرة الشخصية المعنوية :
إن فكرة الشخصية المعنوية لم تحظى بقبول و تأييد جميع الفقهاء ، فمنهم رفض وجود هذه الفكرة من أساسها ، و منهم من أكد وجودها، و حتى من إعترف بوجدها إختلف مع غير في مسألة تكييف طبيعة هذه الفكرة، و لكل حججه في ذلك .
فمن الفقهاء من رفض هذه الفكرة ، و على رأسم Leon DUGUIT و Gaston JEZE ، فحسب هؤلاء الفقهاء القانونيين، إن الشخص المعنوي هو أحد المفاهيم الميتافيزيقة ، فالشخص المعنوي لا وجود له من الناحية الواقعية ، هناك فقط أشخاص طبيعية ، فقد ذهب دوجيي إلى حد القول بصريح العبارة " لم أرتشف قط فنجان قهوة مع شخص معنوي" .
فأصحاب هذا الإتجاه يرى أنه لا فائدة ترجى من الإعتراف بفكرة الشخصية المعنوية و ليس لها أي اساس أو قيمة في عالم القانون و أنه يمكن الإستغناء عنها بالإعتماد على أفكار و نظريات قانونية أخرى كبدائل لها مثل فكرة الملكية المشتركة و فكرة التضامن الإجتماعي و المراكز القانونية .
غير ان غالبية الفقه أنكر ما ذهبت إليه هذه النظرية المنكرة لوجود فكرة الشخصية المعنوية ، و حجتهم في ذلك أنه لو كان الشخص الطبيعي هو الوحيد الذي يمكن القبول به كمحل للحق ، لما أمكن على الإطلاق تفسير بعض ظواهر الحياة القانونية ، فحسب هؤلاء مثلا يوجد في الدولة عنصر ثابت لا و دائم لا يؤثر فيه تغير الحكام و تبدلهم ، أي تغير الحكام لا يؤدي إلى تغيير الدولة بحد ذاتها ، فحتى يتحقق عنصر الديمومة لا بد من الاخذ بفكرة الشخص المعنوي .
و هذا ما أكده الأستاذ J.L. AUBERT بقوله : " إن وجود الشخصية المعنوية و طبيعتها لم تصبح اليوم محل نقاش ، لأن الحياة القانونية اليوم ، حقيقة جعلت من الأشخاص المعنوية شركاء يوميين للأشخاص الطبعيين ".
hadia369
2013-02-06, 16:10
معايير التمييز بين الاشخاص المعنوية العامة و الأشخاص المعنوية العامة :
هناك عدة معيير للتفرقة بين ما هو شخص معنوي خاص و ما هو شخص معنوي عام ، يمكن إجمال أهما فيما يلي :
فكرة المنشأة العامة :فإذا كان هذا الشخص من إنشاء الدولة فهو شخص عام و إذا كان من إنشاء الأفراد فهو منشأة خاصة .
غير أن هذا المعيار لا يحقق التفرقة لأن هناك أشخاص معنوية تتدخل الدولة في إنشائها و لكنها لا تعد شخصا معنويا عاما مثل الجمعيات ، كما أن هناك أشخاص معنوية خاصة تنشأها الدولة مثل الشركات ذات رأسمال مختلط عام و خاص .
فكرة الهدف : وفقا لهذا المعيار فإن الأشخاص المعنوية العامة تستهدف تحقيق المنفعة العامة ، أما الأشخاص المعنوية الخاصة فهي تستهدف تحقيق المصلحة الخاصة .
غير أن هذا المعيار يبقى رغم وجاهته غير جامع مانع ، لأن هناك أشخاص معنوية خاصة تستهدف تحقيق المصلحة العامة مثل المشروعات الخاصة ذات النفع العام كالمدارس الخاصة .
معيار طبيعة النشاط : وفقا لهذا المعيار فإن الشخص المعنوي العام هو الشخص الذي يقوم بنشاط عام ، بينما الشخص المعنوي الخاص يقوم بنشاط خاص .
غير أن هذا المعيار يبقى في الواقع غير دقيق نظرا لكون أشخاصا معنوية عامة تقوم باعمال ذات طبيعة خاصة.
معيار الانضمام الإجباري : الأشخاص المعنوية العامة هي التي يكون الإنضمام إليها إجباري أي ملزما ، أما الأشخاص المعنوية الخاصة يكون إختياريا .
غير أن هذه المعايير جميعها تبيقى عاجزة إلى حد ما عن التفرقة بين الشخص المعنوي العام و الشخص المعنوي الخاص، و يبقى المعيار الراحج في التمييز بينهما يتمثل في المعيار المركب أو المزدوج ، و الذي يقوم على عنصرين ، هما :
- عنصر ذاتي ، يتمثل في إرادة المشرع التي تتضمنها النصوص القانونية المنشئة للشخص المعنوي المراد تحديد طبيعته ، فالوقوف على إرادة المشرع و الكشف عنها يساعد على تحديد نوعية الشخص المعنوي ، هل هو عام أم خاص .
- عنصر موضوعي ، يتكون من المعايير الستة السابق الإشارة إليها كدلائل على نوعية الشخص المعنوي هل هو عام أم خاص .
أنواع الأشخــــــاص الإدارية المعنوية :
يوجود نوعين رئيسيين من الأشخاص المعنوية هي : الأشخاص المعنوية العامة ، والأشخاص المعنوية الخاصة، مع ما تتمتع به الأشخاص المعنوية الخاصة من أهمية في نطاق القانون الخاص فتظهر بشكل الشركات والمؤسسات و الجمعيات التي تنشأ
بمبادرات الأفراد لتحقيق الربح أحياناً وتحقيق النفع العام أو المصلحة العامة في أحيان أخرى.
و الشخصية المعنوية العامة تحتل أهمية أكبر بكثير في نطاق القانون العام الذي لا يعرف غير هذا النوع من الأشخاص المعنوية رغم أن نظرية الشخصية المعنوية نشأت في ظل القانون الخاص .
و قد درج الفقه والقضاء على تقسيم الأشخاص المعنوية العامة إلى ثلاث أنواع :
أولاً : الأشخاص المعنوية الإقليمية
و هي الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية التي يتعلق اختصاصها في نطاق جغرافي معين من الدولة وهي تشمل الدولة والوحدات المحلية الأخرى كالولاية و البلدية .
1- الدولة : و هي أهم الأشخاص المعنوية على الإطلاق ولهذا فقد ورد النص عليها في القانون المدني على أن الدولة هي أول الأشخاص الاعتبارية و هي الشخص المعنوي العام الذي تتفرع عنه الأشخاص المعنوية الأخرى وهي التي تمنح الشخصية المعنوية الخاصة للأفراد والهيئات الخاصة وتمارس الرقابة عليها .
و الدولة باعتبارها شخص معنوي عام تشمل سلطات الدولة الثلاث : السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، باعتبارها شخص معنوي واحد . إلا أن هذه الوحدة في شخصية الدولة لم تكن أمراً مسلماً به فقد اختلف الفقه في شأنها .
فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الاعتراف بالشخصية المعنوية العامة للدولة يقتصر على مجال معين من نشاط الدولة وهو الحقوق المادية والتصرفات التي تندرج في القانون الخاص ، أما بالنسبة لتصرفات الدولة التي تحمل طابع السلطة وامتيازاتها فما هي إلا اختصاصات يمارسها ممثلوا الدولة في الحدود التي رسمها القانون تحقيقاً للمصلحة العامة و لعل الدافع وراء تبني هذا الرأي الخشية من تعسف الدولة وجورها على الحريات العامة إذا ما اعتبرت تصرفات الدولة حقاً من حقوقها , بينما ذهب رأي آخر إلى ثنائية شخصية الدولة ، فتكون شخصاً معنوياً خاصاً إذا ما تصرفت في مجال الحقوق المالية أو الحقوق الخاصة المشابهة لتصرفات الأفراد وينطبق عليها القانون الخاص وتعتبر شخصاً معنوياً عاماً إذا قامت بعمل بدخل في ضمن نطاق السلطة العامة وهنا تخضع تصرفاتها لأحكام القانون العام .
إلا أن هذه الآراء لم تلبث أن انتهت ، وأصبح الرأي السائد فقهاً وقضاءً أن شخصية الدولة وحدة لا تتجزأ وهي تشمل جميع تصرفات الدولة و أعمال الخاصة منها و التي تتسم بطابع السلطة العامة و هو رأي يتماشى مع المنطق القانوني السليم .
2- الوحدات الإقليمية و المحلية : ترتبط فكرة الأشخاص المعنوية العامة المحلية بالديمقراطية التي تسمح لكل إقليم من أقاليم الدولة أن يدير شؤونه المحلية من خلال ممثليه من سكان الإقليم في الولاية و البلدية .
ثانياً : الأشخاص الاعتبارية العامة المرفقية
يطلق عليها أيضاً الإعتبارية الفنية أو المصلحية ، وتنشأ لتحقيق مصالح عامة للأفراد تحت رقابة الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية التابعة لها، و تسمى هذه الأشخاص بالهيئات أو المؤسسات العامة قد لجأ المشرع إلى إنشاء هذه الأشخاص لتباشر إدارة المرافق العامة التي تتطلب نوعاً من الاستقلال الفني عن الحكومة المركزية لضمان فاعلية وكفاءة الإدارة ، و تختلف هذه الأشخاص عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أنها مقيدة بالهدف الذي أنشأت من أجله، في حين تكون الأخيرة مقيدة بالحدود الجغرافية للإقليم الذي تمثله حيث أن الأشخاص الاعتبارية المرفقية تهدف إلى تحقيق أغراض متنوعة منها ما هو إداري أو اجتماعي أو اقتصادي، فإن هذا الاختلاف يقود إلى اختلاف أنظمتها القانونية حسب النشاط الذي تتولاه ، أما الأشخاص الإقليمية فالقاعدة العامة أنها تتمتع بذات التنظيم القانوني .
كذلك تفترق الأشخاص الاعتبارية المرفقية عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أن الأخيرة تقوم على فكرة الديمقراطية التي تؤكد حق سكان الوحدات المحلية بإدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم ، بينما تقوم فكرة الشخصية الاعتبارية المرفقية على ضرورة ضمان الكفاءة الإدارية وحسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع الفني ولا علاقة للديمقراطية في ذلك ، كما هو الحال في الجامعات و المستشفيات.
ثالثاً : الأشخاص المعنوية المهنية
بسبب التطور المستمر في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول وتأثير هذا التطور على القانون الإداري وأحكامه ظهرت فكرة جديدة لأشخاص معنوية أخرى تتمثل في المنظمات والاتحادات ذات الطابع المهني ، تتولى إدارة مرافق عامة ينشأها المشرع لتحقيق مصالح عامة ، ومن ذلك الاتحاد الأدباء والكتاب ، تتمتع هذه الأشخاص بالاستقلال ولها إصدار اللوائح الخاصة بتأديب أعضائها وممارسة المهنة التي تشرف عليها .
hadia369
2013-02-06, 23:16
تعـــــــريف القرار الإداري و تحديد عناصره
تعريف القــــــــــــــرار الإداري:
نال موضوع القرار الإداري عناية الكثير من الفقهاء , كما أسهم القضاء الإداري في الكشف عن الكثير من ملامحه , و رغم اختلاف تعريفات الفقه و القضاء للقرار الإداري من حيث الألفاظ فأنه ينم عن مضمون واحد . فقد عرفه العميد " دوجي " بأنه كل عمل إداري يصدر بقصد تعديل الأوضاع القانونية كما هي قائمة وقت صدوره أو كما تكون في لحظة مستقبلة معينة و عرفه " بونار " بأنه كل عمل إداري يحدث تغييراً في الأوضاع القانونية القائمة و عرفه " رفيرو " بأنه العمل الذي بواسطته تقوم الإدارة باستعمال سلطتها في تعديل المراكز القانونية بإرادتها المنفردة.
أما في الفقه العربي , فقد عرفه الدكتور " سامي جمال الدين " بأنه تعبير عن الإرادة المنفردة لسلطة إدارية بقصد أحداث أثر قانوني معين ، و جاء في تعريف الدكتور " ماجد راغب الحلو " بأن القرار الإداري هو إفصاح عن إرادة منفردة يصدر عن سلطة إدارية ويرتب آثاراً قانونية و يتضح من هذا التعريف أن هناك عدة شروط يجب توافرها لنكون أمام قرار إداري وهي:
- أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية .
- أن يصدر بالإرادة المنفردة للإدارة .
- ترتيب القرار لأثار قانونية .
أولاً : أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية :
يشترط في القرار الإداري أن يصدر من سلطة إدارية وطنية سواء أكانت داخل حدود الدولة أو خارجها من دون النظر إلى مركزية السلطة أو عدم مركزيتها , والعبرة في تحديد ما إذا كانت الجهة التي أصدرت القرار وطنية أم لا ليس بجنسية أعضائها , وإنما بمصدر السلطة التي تستمد منها ولاية إصدار القرار و لكي نكون أمام قرار إداري ينبغي أن يصدر هذا القرار من شخص عام له الصفة الإدارية وقت إصداره ولا عبرة بتغير صفته بعد ذلك , وهو ما يميز القرار الإداري عن الأعمال التشريعية والقضائية .
ثانياً : صدور القرار بالإدارة المنفردة للإدارة .
يجب أن يصدر القرار من جانب الإدارة وحدها , وهو ما يميز القرار الإداري عن العقد الإداري الذي يصدر باتفاق أرادتين سواء أكانت هاتين الإرادتين لشخصين من أشخاص القانون العام أو كان أحدها لشخص من أشخاص القانون الخاص ، و القول بضرورة أن يكون العمل الإداري صادراً من جانب الإدارة وحدها ليكتسب صفة القرار الإداري لا يعني أنه يجب أن يصدر من فرد واحد , فقد يشترك في تكوينه أكثر من فرد كل منهم يعمل في مرحلة من مراحل تكوينه لأن الجميع يعملون لحساب جهة إدارية واحدة .
ثالثاً : ترتيب القـــــــــــــرار لآثار قانونية .
لكي يكون القرار إدارياً يجب أن يرتب آثاراً قانونية وذلك بإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني معين , فإذا لم يترتب على العمل الإداري ذلك فإنه لا يعد قراراً إدارياً .
لهذا نجد القضاء الإداري الفرنسي يشترط في القرار المطعون فيه بالإلغاء أن ينتج ضرراً برافع الدعوى . ومن ثم تكون له مصلحة في إلغاء هذا القرار ويتطلب توفر عنصرين أساسين للقول بوجود مصلحة للطاعن هما :
1. وجوب تولد آثار قانونية عن القرار المطعون فيه , ومن ثم يجب استبعاد القرارات التي لا يحدث آثاراً قانونية من نطاق دعوى الإلغاء.
2. أن يحمل القرار قابلية أحداث آثار قانونية بنفسه .
بناءً على ذلك فإن الأعمال التمهيدية و التقارير و المذكرات التحضرية التي تسبق اتخاذ القرار لا تعد قرارات إدارية لعدم تحقق هذين العنصرين .
hadia369
2013-02-06, 23:17
عناصــــر القرار الإداري:
يقوم القرار الإداري على عناصر أساسية إذا لم يستوفها يكون معيباً أو غير مشروع , وقد درج الفقه والقضاء على أنه يلزم أن يتوافر للقرار الإداري باعتباره عملاً قانونياً خمس عناصر لينتج آثاره ويكون صحيحاً هي : الاختصاص , الشكل , السبب , المحل , الغاية .
أولاً : الاختصـاص : أن توزيع الاختصاصات بين الجهات الإدارية من الأفكار الأساسية التي يقوم عليها نظام القانون العام ويراعى فيها مصلحة الإدارة التي تستدعي أن يتم تقسيم العمل حتى يتفرغ كل موظف لأداء المهام المناطة به على أفضل وجه , كما أن قواعد الاختصاص تحقق مصلحة الأفراد من حيث أنه يسهل توجه الأفراد إلى أقسام الإدارة المختلفة ويساهم في تحديد المسؤولية الناتجة عن ممارسة الإدارة لوظيفتها و يقصد بالاختصاص القدرة على مباشرة عمل إداري معين أو تحديد مجموعة الأعمال والتصرفات التي يكون للإدارة أن تمارسها قانوناً وعلى وجه يعتد به ، و القاعدة أن يتم تحديد اختصاصات كل عضو إداري بموجب القوانين والأنظمة ولا يجوز تجاوز هذه الاختصاصات و إلا اعتبر القرار الصادر من هذا العضو باطلاً .
و قواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام , لذلك لا يجوز لصاحب الاختصاص أن يتفق مع الأفراد على تعديل تلك القواعد , و إلا فإن القرار الصادر مخالفاً لهذه القواعد يكون معيباً بعيب عدم الاختصاص , ويكون لصاحب الشأن أن يطعن بهذا العيب أمام القضاء الإداري بدعوى الإلغاء ولا يسقط الدفع بهذا العيب بالدخول في موضوع الدعوى, ويجوز إبداؤه في أي مرحلة من مراحلها , وعلى القاضي أن يحكم بعدم الاختصاص تلقائياً لو لم يثيره طالب الإلغاء . و القواعد القانونية المتعلقة بالاختصاص يمكن حصرها بالعناصر الآتية : قواعد الاختصاص من حيث الأشخاص، و من حيث الموضوع و من حيث المكان و من حيث الزمان .
ثانيـاً : الشكــل : الشكل هو المظهر الخارجي أو الإجراءات التي تعبر بها الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد ، و الأصل أن الإدارة غير ملزمة بأن تعبر عن إرادتها بشكل معين إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك , وفي هذه الحالة يجب أن يتخذ القرار الشكلية المقررة لصدوره, كأن يشترط القانون ضرورة أن يكون القرار مكتوباً , أو استشارة جهة متخصصة قبل إصداره أو تسبيبه إلى غير ذلك من أشكال أخرى و قد درج القضاء الإداري على التمييز بين ما إذا كانت المخالفة في الشكل والإجراءات قد تعلقت بالشروط الجوهرية التي تمس مصالح الأفراد وبين ما إذا كانت المخالفة متعلقة بشروط غير جوهرية لا يترتب على إهدارها مساس بمصالحهم ويترتب البطلان بالنسبة للنوع الأول دون النوع الثاني .
[color="rgb(255, 0, 255)"]ثالثاً : السبــب : سبب القرار الإداري هو الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق القرار و تدفع الإدارة لإصداره , فالسبب عنصر خارجي موضوعي يبرر للإدارة التدخل بإصدار القرار وليس عنصراً نفسياً داخلياً لدى من إصدر القرار
فالأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها استناداً إلى قرينة المشروعية التي تفترض أن قرارات الإدارة تصدر بناءً على سبب مشروع و على صاحب الشأن إثبات العكس, أما إذا أفصحت الإدارة عن هذا السبب من تلقاء ذاتها فإنه يجب أن يكون صحيحاً وحقيقياً ، و قد استقر القضاء على ضرورة توفر شرطين في سبب القرار الإداري :
1. أن يكون سبب القرار قائماً وموجوداً حتى تاريخ اتخاذ القرار , ويتفرع من هذا الشرط ضرورتان الأولى أن تكون الحالة الواقعية أو القانونية موجودة فعلاً و إلا كان القرار الإداري معيباً في سببه , و الثاني يجب أن يستمر وجودها حتى صدور القرار فإذا وجدت الظروف الموضوعية لإصدار القرار إلا أنها زالت قبل إصداره فإن القرار يكون معيباً في سببه وصدر في هذه الحالة , كذلك لا يعتد بالسبب الذي لم يكن موجوداً قبل إصدار القرار إلا أنه تحقق بعد ذلك , وأن جاز يكون مبرراً لصدور قرار جديد .
2. أن يكون السبب مشروعاً , وتظهر أهمية هذا الشرط في حالة السلطة المقيدة للإدارة , عندما يحدد المشرع أسباباً معينة يجب أن تستند إليها الإدارة في لإصدار بعض قراراتها , فإذا استندت الإدارة في إصدار قرارها إلى أسباب غير تلك التي حددها المشرع فإن قراراها يكون مستحقاً للإلغاء لعدم مشروعية سببه.( ) بل أن القضاء الإداري درج على أنه حتى في مجال السلطة التقديرية لا يكفي أن يكون السبب موجوداً بل يجب أن يكون صحيحاً ومبرراً لإصدار القرار الإداري و قد تطورت رقابة القضاء على ركن السبب في القرار الإداري من الرقابة على الوجود المادي للوقائع إلى رقابة الوصف القانوني لها إلى أن وصلت إلى مجال الملائمة أو التناسب :
1. الرقابة على وجود الوقائع : هي أول درجات الرقابة القضائية على ركن السبب في القرار الإداري , فإذا تبين أن القرار المطعون فيه لا يقوم على سبب يبرره فأنه يكون جديراً بالإلغاء لانتفاء الواقعة التي استند عليها , أما إذا صدر القرار بالاستناد إلى سبب تبين أنه غير صحيح أو وهمي و ظهر من أوراق الدعوى أن هناك أسباب أخرى صحيحة فأنه يمكن حمل القرار على تلك الأسباب .
2. الرقابة على تكييف الوقائع : هنا تمتد الرقابة لتشمل الوصف القانوني للوقائع التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها فإذا تبين أن الإدارة أخطأت في تكييفها القانوني لهذه الوقائع فأنه يحكم بإلغاء القرار الإداري لوجود عيب في سببه , بمعنى أنه إذا تحقق القاضي من وجود الوقائع المادية التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها يتنقل للبحث فيما إذا كانت تلك الوقائع تؤدي منطقياً إلى القرار المتخذ .
3. الرقابة على ملائمة القرار للوقائع : الأصل أن لا تمتد رقابة القضاء الإداري لتشمل البحث في مدى تناسب الوقائع مع القرار الصادر بناءً عليها , لأن تقدير أهمية الوقائع وخطورتها مسألة تدخل ضمن نطاق السلطة التقديرية للإدارة .
إلا أن القضاء الإداري في فرنسا و مصر أخذ يراقب الملائمة بين السبب و القرار المبني عليه لا سيما إذا كانت الملائمة شرطاً من شروط المشروعية وخاصة فيما يتعلق بالقرارات المتعلقة بالحريات العامة ، ثم امتدت الرقابة على الملائمة لتشمل ميدان القرارات التأديبية .
رابعاً : المحـل : يقصد بمحل القرار الإداري الأثر القانوني الحال و المباشر الذي يحدثه القرار مباشرة سواء بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه ، و يجب أن يكون محل القرار ممكناً وجائزاً من الناحية القانونية , فإذا كان القرار معيباً في فحواه أو مضمونه بأن كان الأثر القانوني المترتب على القرار غير جائز أو مخالف للقانون أياً كان مصدره دستورياً أو تشريعياً أو لائحياً أو عرفاً أو مبادئ عامة للقانون , ففي هذه الحالات يكون غير مشروع ويكون القرار بالتالي باطلاً .
خامسـاً : الغاية : يقصد بالغاية من القرار الإداري الهدف الذي يسعى هذا القرار إلى تحقيقه , والغاية عنصر نفسي داخلي لدى مصدر القرار , فالهدف من إصدار قرار بتعيين موظف هو لتحقيق استمرار سير العمل في المرفق الذي تم تعيينه فيه , والهدف من إصدار قرارات الضبط الإداري هو حماية النظام العام بعناصره الثلاث السكينة العامة , والصحة العامة , و الأمن العام ، و يمكن تحديد الغاية من القرار الإداري وفقاً لثلاثة اعتبارات :
1. الأشكال التي تؤثر في مشروعية القرار الإداري : لا يمكن أن نحصر الأشكال والإجراءات التي يترتب على مخالفتها بطلان القرار الإداري إلا أن المستقر في الفقه والقضاء الإداري أن أهم هذه الشكليات تتعلق بشكل القرار ذاته , وتسبيبه والإجراءات التمهيدية السابقة على إصداره , والأشكال المقررة لحماية مصالح المخاطبين بالقرار أو التي تؤثر في الضمانات المقرر للأفراد في مواجهة الإدارة .
2. الأشكال التي لا تؤثر في مشروعية القرار الإداري : في المستقر في القضاء الإداري أنه لا يترتب البطلان على كل مخالفة للشكليات دون النظر إلى طبيعة هذه المخالفة فقد أطرد القضاء على التمييز بين الأشكال الجوهرية و الأشكال الثانوية أو غير الجوهرية ورتب البطلان على الأولى دون الثانية ، و التمييز بين أشكال الجوهرية والأشكال غير الجوهرية مسألة تقديرية تتقرر في ضوء النصوص القانونية و رأي المحكمة, و بصورة عامة يكون الإجراء جوهرياً إذا وصفه القانون صراحة بذلك , أو إذا رتب البطلان كجزاء على مخالفته , أما إذا صمت القانون فإن الإجراء يعد جوهرياً إذا كان له أثر حاسم , و بعكس ذلك فإنه يعد أجراء ثانوياُ و من ثم فإن تجاهله لا يعد عيباً يؤثر في مشروعية ذلك القرار ، و قد استقر القضاء الإداري على أن الإجراءات الثانوية والتي لا يترتب على مخالفتها بطلان القرار الإداري على نوعين : النوع الأول يتمثل في الأشكال والإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة , أما النوع الثاني فيتعلق بالأشكال والإجراءات الثانوية التي لا تؤثر في مضمون القرار كإغفال الإدارة ذكر النصوص القانونية التي كانت الأساس في إصداره .
1. أن يكون سبب القرار قائماً وموجوداً حتى تاريخ اتخاذ القرار , ويتفرع من هذا الشرط ضرورتان الأولى أن تكون الحالة الواقعية أو القانونية موجودة فعلاً و إلا كان القرار الإداري معيباً في سببه , و الثاني يجب أن يستمر وجودها حتى صدور القرار فإذا وجدت الظروف الموضوعية لإصدار القرار إلا أنها زالت قبل إصداره فإن القرار يكون معيباً في سببه وصدر في هذه الحالة , كذلك لا يعتد بالسبب الذي لم يكن موجوداً قبل إصدار القرار إلا أنه تحقق بعد ذلك , وأن جاز يكون مبرراً لصدور قرار جديد .
2. أن يكون السبب مشروعاً , وتظهر أهمية هذا الشرط في حالة السلطة المقيدة للإدارة , عندما يحدد المشرع أسباباً معينة يجب أن تستند إليها الإدارة في لإصدار بعض قراراتها , فإذا استندت الإدارة في إصدار قرارها إلى أسباب غير تلك التي حددها المشرع فإن قراراها يكون مستحقاً للإلغاء لعدم مشروعية سببه. بل أن القضاء الإداري درج على أنه حتى في مجال السلطة التقديرية لا يكفي أن يكون السبب موجوداً بل يجب أن يكون صحيحاً ومبرراً لإصدار القرار الإداري و قد تطورت رقابة القضاء على ركن السبب في القرار الإداري من الرقابة على الوجود المادي للوقائع إلى رقابة الوصف القانوني لها إلى أن وصلت إلى مجال الملائمة أو التناسب :
1. الرقابة على وجود الوقائع : هي أول درجات الرقابة القضائية على ركن السبب في القرار الإداري , فإذا تبين أن القرار المطعون فيه لا يقوم على سبب يبرره فأنه يكون جديراً بالإلغاء لانتفاء الواقعة التي استند عليها , أما إذا صدر القرار بالاستناد إلى سبب تبين أنه غير صحيح أو وهمي و ظهر من أوراق الدعوى أن هناك أسباب أخرى صحيحة فأنه يمكن حمل القرار على تلك الأسباب .
2. الرقابة على تكييف الوقائع : هنا تمتد الرقابة لتشمل الوصف القانوني للوقائع التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها فإذا تبين أن الإدارة أخطأت في تكييفها القانوني لهذه الوقائع فأنه يحكم بإلغاء القرار الإداري لوجود عيب في سببه , بمعنى أنه إذا تحقق القاضي من وجود الوقائع المادية التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها يتنقل للبحث فيما إذا كانت تلك الوقائع تؤدي منطقياً إلى القرار المتخذ .
3. الرقابة على ملائمة القرار للوقائع : الأصل أن لا تمتد رقابة القضاء الإداري لتشمل البحث في مدى تناسب الوقائع مع القرار الصادر بناءً عليها , لأن تقدير أهمية الوقائع وخطورتها مسألة تدخل ضمن نطاق السلطة التقديرية للإدارة .
1. استهداف المصلحة العامة.
2. احترم قاعدة تخصيص الأهداف.
3. احترام الإجراءات المقررة.
تصنيف القـــــــرارات الإدارية:
تنقسم القرارات الإدارية إلى أنواع متعددة حسب الزاوية التي ينظر منها إلى القرار أو حسب الأساس الذي يقوم عليه التقسيم ، فمن حيث التكوين توجد قرارات بسيطة وأخرى مركبة ومن حيث أثرها تقسم إلى قرارات منشئة وقرارات كاشفة ومن زاوية رقابة القضاء توجد قرارات خاضعة لرقابة القضاء وقرارات لا تخضع لرقابة القضاء وفي حيث نفاذها في مواجهة الأفراد تقسم إلى قرارات نافذة في حق الأفراد وأخرى غير نافذة في حقهم وأخيراً من حيث مدى القرارات وعموميتها توجد قرارات فردية وأخرى تنظيمية :
أولا : القرارات الإدارية من حيث التكوين (قرارات بسيطة وقرارات مركبة )
تنقسم القرارات الإدارية من هذه الجهة إلى قسمين
القسم الأول: القرارات البسيطة أو المستقلة وهي تلك القرارات التي تتميز بكيان مستقل وتستند إلي عملية قانونية واحده غير مرتبطة بعمل قانوني أخر كالقرار الصادر بتعين موظف أو ترقيته أو نقلة وهي الصورة الأكثر شيوعاً في القرارات الإداري .
القسم الثاني : فيسمى بالقرارات المركبة وهي تلك القرارات التي تدخل في عملية قانونية مركبة تتم من عدة مراحل ومن هذه القرارات قرار نزع الملكية للمنفعة العامة وقرار إرساء المزاد أو أجراء المناقصة في العقود الإدارية فالقرار الإداري الصادر بنزع الملكية للمنفعة العامة تصاحبه أعمال إدارية أخرى قد تكون سابقة أو معاصرة أو لاحقه له وتتم على مراحل متعددة تبدأ بتقرير المنفعة العامة للعقار موضوع نزع الملكية ثم أعداد كشوف الحصر لها وأخيراً صدور قرار نقل الملكية أو تقرير المنفعة العامة .
تظهر أهمية هذا التقسيم في أن القرارات البسيطة يمكن الطعن فيها بالإلغاء باعتبارها قرارات إدارية نهائيه أما في حالة القرارات المركبة فلا يجوز الطعن بالقرارات التمهيدية أو التحضيرية التي تتطلب تصديق جهات إدارية أخرى ولا يمكن الطعن بالإلغاء إلا بالقرار الإداري النهائي نتاج العملية المركبة و مع ذلك فقد سمح القضاء الإداري بفصل القرار الإداري الذي يساهم في عملية مركبة وفق ما يسمي بالأعمال القابلة للانفصال وقبل الطعن فيها بصفة مستقلة وبشروط معينة .
فقد استقر القضاء الإداري في فرنسا على أن القرارات الإدارية السابقة على أبرام العقد أو الممهدة لانعقاده مثل قرارات لجان فحص العطاءات ولجان البث في العطاءات وقرار استبعاد احد المتقدمين وقرار إرساء المزايدة أو إلغائها هي قرارات إدارية مستقلة عن العقد يجوز الطعن بها بدعوى الإلغاء وسمحت نظرية الأعمال الإدارية المنفصلة لمن له مصلحة من الغير أن يطعن بالإلغاء في هذه القرارات أما المتعاقدون فليس لهم أن يطعنوا في هذه القرارات إلا أمام قاضي العقد وعلى أساس دعوى القضاء الكامل .
ثانيا : القرارات الإدارية من حيث آثارها (قرارات منشئة وقرارات كاشفة )
يمكن تقسيم القرار الإدارية من حيث طبيعة آثارها إلى قسمين :
القسم الاول : قرارات منشئة وهي القرارات التي يترتب عليها أنشاء مراكز قانونية جديدة أو أحداث تغيير في المراكز القانونية القائمة تعديلاً أو إلغاء , كالقرار الصادر بتعيين موظف عام أو فصله أو معاقبته.
القسم الثاني : من القرارات فيسمى بالقرارات الكاشفة ويقصد بها القرارات التي لا تحدث مركزاً قانونياً جديداً وإنما تقرر حالة موجودة أو تكشف عن مركز قانوني قائم مسبقاً , مثل القرار الصادر بفصل موظف لصدور حكم ضده بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو القرار الذي يتضمن تأكيد أو تفسير قرار سابق دون أن يضيف إليه ، و يتبين من ذلك أن أثر القرارات الكشافة ينحصر في إثبات وتقرير حالة موجودة من قبل ولا يتعدى ذلك إلى أنشاء مراكز قانونية جديدة .
و تبدو أهمية التفرقة بين القرارات الإدارية الكشافة والقرارات الإدارية المنشئة في أمرين :
ثالثا : القرارات الإدارية من حيث رقابة القضاء (قرارات تخضع للرقابة وقرارات لا تخضع للرقابة )
تنقسم القرارات الإدارية من زاوية خضوعها لرقابة القضاء , إلى قرارات تخضع لرقابة القضاء وهذا هو الأصل , وقرارات لا تخضع لرقابة القضاء وهي القرارات المتعلقة بأعمال السيادة أو تلك التي منعت التشريعات الطعن فيها أمام القضاء .
- القرارات الخاضعة لرقابة القضاء .
تعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأجدى صور الرقابة والأكثر ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وما تتمتع به أحكام القضاء من قوة وحجية تلزم الجميع بتنفيذها و احترامها ، و الأصل أن تخضع جميع القرارات الإدارية النهائية لرقابة القضاء أعمالاً لمبدأ المشروعية , ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة الأول يسمى القضاء الموحد , أما الثاني فيسمى نظام القضاء المزدوج .
و مع ذلك فقد وجه النقد إلى هذا النظام من حيث أنه يقضي على الاستقلال الواجب للإدارة بتوجيهه الأوامر إليها بما يعيق أدائها لأعمالها , مما يدفع الإدارة إلى استصدار التشريعات التي تمنع الطعن في قراراتها , ولا يخفي ما لهذا من أضرار بحقوق الأفراد وحرياتهم ، و من جانب آخر يؤدي هذا النظام إلى تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية للموظفين مما يدفعهم إلى الخشية من أداء عملهم بالوجه المطلوب خوفاً من المساءلة .
- القرارات غير خاضعة لرقابة القضاء .
القرارات الإدارية التي لا تخضع لرقابة القضاء تتمثل في صنفين الأول يتعلق بأعمال السيادة أو الأعمال الحكومية , أما الثاني فيشمل القرارات الإدارية التي يحصنها المشرع من رقابة القضاء لاعتبارات خاصة .
رابعا : القرارات الإدارية من حيث نفاذها في مواجهة الأفراد (قرارات نافذة وقرارات غير نافذة )
تنقسم القرارات الإدارية من حيث أثرها بالنسبة للأفراد إلى قرارات ملزمة للأفراد ونافذة بحقهم ،وعليهم احترامها و إذا قصروا في ذلك اجبروا على التنفيذ ، وهذا الأصل في القرارات الإدارية و قرارات إدارية يقتصر أثرها على الإدارة و تسمي الإجراءات الداخلية و منها المنشورات والتعليمات على اختلاف أنواعها وتعليمات شارحة ،أو آمره أو ناصحه أو مقرره ومؤكده و هذا النوع من القرارات غير نافذ في حق الأفراد وغير ملزم لهم ،ولا يحتج بها عليهم ، بل ان من القضاء من أنكر على التعليمات صفتها القانونية وأعتبرها من قبيل الاعمال المادية معللين ذلك بانها موجهة من الرؤساء الاداريين الى موظفين وليس من الواجب على هؤلاء إطاعتها ولا يمكن إلزامهم بها الا بطريق غير مباشر عن طريق العقوبات التأديبية ، بيد ان هذا القول لا يمكن الاعتداد به لان مخالفة التعليمات بنتج عنها بطبيعة الحال التهديد بالمساس بالمركز الشخص للموظف ونعتقد ان هذا كاف لاضفاء طابع العمل القانوني على التعليمات ، الا ان ما يميز هذا النوع من القرارات هو انها غير موجهه للافراد ولا ترتب أثار قانوني في مواجهتهم لانها تخاطب الموظفين فقط ، و يترتب على هذا التقييم ان الاجراءات الداخلية أو التعليمات لا يمكن ان تكون موضوعا لدعوى الإلغاء ،فلا يقبل من الافراد الطعن بالإلغاء ضدها لانها غير نافذة في مواجهتهم،كما انه لا يقبل من الموظف الذي تخاطبه هذه القرارات الطعن فيها بالإلغاء لانه يقع على عاتقه أطاعتها والعمل بها و إلا تعرض للعقوبات التأديبية .
1. أن القرارات المنشئة ترتب آثارها منذ صدورها أما القرارات الكاشفة فترجع آثارها إلى التاريخ الذي ولدت فيه الآثار القانونية التي كشف عنها القرار , إلا أن ذلك لا يعتبر إخلالاً بمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية , لأن أثر القرارات الكاشفة فوري إذ تكشف عن العمل القانوني المنشئ للمركز القانوني محل القرار الكاشف .
2. القرارات الكاشفة يجوز للإدارة سحبها دون التقيد بميعاد محدد مطلقاً , أما القرارات الإدارية المنشئة فإن سحبها يكون مقيد بميعاد الطعن بالإلغاء .
1. نظام القضاء الموحد : في هذا النظام من القضاء تنحصر الرقابة القضائية في نطاق ضيق من جانب القضاء , يتمثل في التعويض عن الأضرار التي قد تنتج من جراء تطبيق القرارات الإدارية ، و يسود هذا النظام في إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى , ومقتضاه أن تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الإدارة أو بين الهيئات الإدارية نفسها ، و هذا النظام يتميز بأنه أكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعة إذ يخضع الأفراد والإدارة إلى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يسمح بمنح الإدارة أي امتيازات في مواجهة الأفراد ، بالإضافة إلى اليسر في إجراءات التقاضي إذا ما قورنت بأسلوب توزيع الاختصاصات القضائية بين القضاء العادي والإداري في نظام القضاء المزدوج .
2. نظام القضاء المزدوج : يقوم هذا النظام على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين, جهة القضاء العادي و تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة عندما تتصرف كشخص من أشخاص القانون الخاص , ويطبق القضاء على هذا النزاع أحكام القانون الخاص ، و جهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والإدارة عندما تظهر الأخيرة بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الأفراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام ، و وفقاً لهذا النظام تخضع جميع القرارات الإدارية لرقابة القضاء الإداري إلغاءً وتعويضاً , إلا في استثناءات معينة تتعلق بأعمال السيادة والقرارات التي حصنها المشرع من رقابة القضاء .
hadia369
2013-02-06, 23:22
جزاك خيرا لاخت هادية استسمحك بطلب صغير ملخص الاداري و المنازعات الادارية جعلها الله في ميزان حسناتك
باقي الملخصات من هنا وهي قيمة من خلال هذا الرابط
http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=1042475
hadia369
2013-02-06, 23:26
المنازعات الإدارية
محكمة التنازع
المبحث الاول :النظام القانوني لمحكمة التنازع .
المطلب الأول:مصادر النظام القانوني لمحكمة التنازع و خصائصها:
أ/ مصادر النظام القانوني لمحكمة التنازع : تتمثل مصادر النظام القانوني لمحكمة التنازع في النصوص القانونية الخاصة التي تنظم محكمة و نصوص قانونية عامة لها علاقة بها .
2/ النصوص القانونية الخاصة : و يتمثل اول في المادتين :152/4 و 153من دستور 1996. و القانون العضوي , رقم / 98-03 المؤرخ في . 03/06/1998. المتعلق باختصاصات محكمة التنازع و تنظيمها و عملها. حيث نصت المادة :152/04 من دستور 1996 : « تؤسس محكمة التنازع تتولى الفصل في حالات تنازع الاختصاص بين المحكمة العليا و مجلس الدولة .»
أما المادة :153 فنصت على : يحدد قانون عضوي تنظيم المحكمة العليا و مجلس الدولة و محكمة التنازع و عملهم , و اختصاصاتهم الأخرى . فالفقرة الرابعة من المادة : 152 تعد بمثابة شهادة ميلاد دستورية لمحكمة التنازع , إذ أن المشرع الدستوري شرع فيها الضمانة لحسن سير النظام القضائي المزدوج بتأسيسه لمحكمة التنازع أو كل لها تحكيمي محدد , و هو الفصل في الحالات تنازع الاختصاص بين المحكمة العليا و مجلس الدولة و من النصوص التطبيقية تجسد هذا المعنى و هذه الغاية في ثوب قانوني دقيق و كامل .اما المادة :153 فنصت ان الثوب الذي يفرغ فيه نظام محكمة التنازع يكون في شكل قانون عضوي ان ما جاء في اخرها : و اختصاصاتهم الاخرى , من شانه اثارة عدة تساؤلات قانونية بانفرادها باختاص المحدد السالف الذكر الوارد في المادة/ 152/04 من دستور 1996 .و ثانيا في القانون العضوي رقم : 98-03 المؤرخ في : 03/06/1998 و المتعلق باختصاصات محكمة التنازع و نظامها و عملها و يعد بطاقة تعريفها و من خلال تفحص اولي لهذه البطاقة القانونية نجد انه تكثفها عدة نقائص منهجية و شكلية و موضوعية .و من حيث منهجية القانون العضوي : 98/03 المتمثلة في سوء ترتيب و تقسيم مواده حسب واضح محدد تسهل فهما , و يتمثل هذا النقص في عدم تخصيص فصل لاختصاصات محكمة التنازع رغم ان المادة 153 من دستور : 1996 نصت صراحة على ذلك , و ان القانون العضوي : 1998-*03 هو بذاته نص على ذلك اذ انه يتضمن 35 مادة مقسمة الى 5 فصول .الفصل الاول : يشمل احكام عامة . و يتشكل الفصل الثاني : من
7 مواد تتعلق بتشكيلة محكمة التنازع ,اما الفصل الثالث فيحتوي على: 03 مواد مخصصه لعمل محكمة التنازع والفصل الربع من 19 ماجة تشمل الاجراءات المتبعة امامها ,اما الخامس من مادتين تتعلقان بالحكام الانتقالية والختامية .وفضلا عن ذلك وعلى سبيل ان المواد 3و15و16و17/2و18.
كلها تتعلق بمجال اختصاص محكمه التنازع ,لكنها وردة في الفصل المعنون بالاجراءات ,كما اجرجت في هذا الفصل ايضا المواد : 31و 32رغم ان هناك موضوع خاص بقرارات محكمه التنازع . اما من الناحية الشكلية ورد في التاشيرات التي استند عليها في اصدار هذا القانون العضوى ,المادة : 19من دستور 1996...التي نصت على الوظيفة الاستثشارية لمجلس الدولة في فقرتها الثالثة ,فما علاقة ذلك بمحكمة التنازع التي تعد مؤسسة قضائية دستورية ,مهمتها قضائية اصلا ؟...اما من حيث الموضوع فيمكن ملاحضة سوء توظيف المصطلاحات القانونية والمتمثلة في عبارة الاختصاص : الوارد في المادة : 152من جستور : 1996. وعبارة :منازعات الاختصاص .التي وردت في نص المادة: 03 من القانون العضوى98/03 وشتان بين العبارتين لغة واصطلاحا . ضف الى ذلك مخالفة المادة : 03 من القانون العضوى : 98-03 المادة:152/4 من دستور:96 ,اذ ان هذه الاخيرة جاءت بمجال اختصاص محكمة التنازع في الفصل في حالات تنازع الاختصاص بين المحكمة العلياومجلس الدولة باعتبارها قمة هرمى القضاء العادى والقضاء الادارى ,بتنما حددت المادة 03/من القانون العضوى : 98/03 مجال اختصاص محكمة التنازع في الفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية الخاضعة للنظامالقضائى العادى والجهات القضائية الخاضعة للنظام القضائى الادارى و فضلا عن هذا التعبير الطويل الممل كان يمكن القول :جهات القضاء العادى: ( محاكم –مجالس –المحكمة العليا).وجهات القضاء الادارى (محكم ادارية –مجلس الدولة). يلاحظان مضمن اختصاص محكمة التنازع الوارد في المادة : 03 من القانون العضوى: 98/02 يشمل الفصل في كل حالات تنازع الاختصاص بتن جهات القضاء العادى و جهات القضاء الادارى و هو التكريس الاشمل والاوفى لمجال اختصاص محكمة التنازع , مخالفا لما نصت عليه المادة: 152/ 04 من دستور: 1996.الذى حصر مجال اختصاصتها بالفصل في حالات تنازع الاختصاص بين المحكمة العليا ومجلس الدولة فقط ,وهذا ما ادى ببعض الاساتذة (01) الى القول بعدم دستورية المادة : 03 من القانون العضوي : 98/03 , الا انه بالاستناد عبارة «واختصاصاتهم الاخرى»..المنصوص عليها في المادة : 153 من دستور : 1996 من شانها يبرير توسيع مجال اختصاص محكمة التنازع الوارد في القانون العضوي مقارنة بما نصت عليه صراحة المادة : 152/ 04 من دستور : 1996.
2./النصوص القانونية العامة التى لها علاقة بمحكمة التنازع: ونكتفى هنا بتحديدها كونها تشكل النظام القانونىالعام لمحكمو التنازع والتي تستند اليها في القيام باختصاصتها المذكورة في تاشيرات القانون العضوى 98/03باعتبارها مصدره القانونى ,وهى : 1/ الامر 65-278 المعدلو المتمم المؤرخفي 16/11/1965و المتضمن التنظيم القضائى.2/الامر66-154المؤرخ في12 /12/1989 المعدل والمتمم والمتضمن قانون الاجراءات المدنية.3/القانون 89-22 المؤرخ في 12/12/1989 المعدل والمتمم والمتعلق بالمحكمة العليا.4/القانون العضوى 98-01 المؤرخ في 30/05/7/1998 و المتعلق بمجلس الدولة.5/القانون العضوى 98-02 المؤرخ في 30/05/1998 والمتعلق بالاحكام الادارية.
ب/خصائص محكمة التنازع :بناء على النصوص القانونية السالفة الذكر و المتعلقةبالنظام القانونى لمحكمة التنازع يمكن ان نستنتج ان محكمة التنازع تتمتع بجملة من الخصائص تميزها عن بقية المؤسسات الدستورية المستحدثة من قبل دستور 1996 .
( 01 ):انظر مقال :رشيد خلونى , محكمة التنازع ,المدرسة الوطنية للادارة, المجلد : 08 العدد 2 و 1998ص 07.
ومن اهمها : *ان محكمة التنازع نابعة للنظام القضائى باعتبارها مؤسسة قضائية دستورية مستقلة عن جهات القضاء الادارى او العادى وليست مؤسسة ادارية تقع خارج هرمى التنظيمين القضائين العادى والادارى ومن ثمة لها وضع متميز ومكلنة خاصة .
*تشكيلة اعضائها يسودها مبدا التناوب والتمثيل المزدوج بتن قضاة القضاء الادارى و قضاة القضاء العادى على حد ما سيتم توضيحه في معرض الكلام عن اعضائها .
*ان قضاء محكمة التنازع قضاء تحكيمى محدد و ليس باختصاص عام ,فهو يقتصر على الفصل في حالات تنازع الاختصاص بين جهات القضاء الادارى و جهات القضاء العادى .
*واخيرا قضاؤها ملزم سواء لجهات القضاء الادارى او العادى ,و نهائى غير قابل لاي طعن.
المطلب الثاني:قواعد تنظيم محكمة التنازع: وسندرس من خلالها طبيعة تشكيلها ونظام سير عملها
1/تشكيلتها:تعرضت المواد 05 الى 10من القانون العضوى 98-03 المتعلق بمحكمة التنازع الى اعضاء محكمة التنازع ,ومن خلالها يمكن القول ان تشكيلها يسودها مبدأ التمثيل المزدوج ومبدأ التناوب ما بين قضاة القضاءين الادارى والعادى .وعلى هذا الاساس فهي تتشكل من 07 قضاة من بينهم رئيس خاضعون للقانون الاساسي للقضاء.يعين رئيس محكمة التنازع لمدة 03 سنوات بالتناوب من بين قضاة المحكمة العليا او مجلس الدولة بموجب مرسوم رئاسي بناء على اقتراح وزير العدل وبعد الاخذ بالراى المطابق للمجلس الاعلى للقضاة و بنفس الاجراءات يعين نصف عدد اعضائها من قضاة المحكمة العليا و النصف الاخر من قضاة مجلس الدولة.ودائما وبنفس الاجراءاتيعين اضافة لتشكيلة محكمة التنازع قاضى بصفته محافظ دولة و قاضى بصفته محافظ دولة مساعد ,لمدة 03 سنوات .الا ان القانون هنا لم يبين جهة انتماء محافظ الدولة و مساعده كما هو عليه بالنسبة لقضاة محكمة التنازع ,وهذا من شأنه المساس بمبدأ ازدواجية التمثيل و التناوب ,كما لم يبين مدى التاثير القانونى للراى المطابق للمجلس الاعلى للقضاء على المرسوم الرئاسي المتضمن تعين قضاة محكمة تنازع في حالة عدم الحصول على الرأى المطابق للمجلس الاعلى للقضاء ؟كما يعين وزير العدل كاتب ضبط رئيسي يتولى تسير كتابة ضبط محكمة التنازع.
2/نظام سير اعمالها :تتلخص قواعد سير محكمة التنازع فيما نصت عليه المادتين 12و13 من القانون العضوى 98-03,اللجان فيهما انه لصحة مداولات محكمة التنازع يجب ان تكون مشكلة من 05 على الاقل من بينهم عضوان من المحكمة العليا و عضوان من مجلس الدولة برئاسة رئيس محكمة التنازع ,و في حالة حدوث مانع لحضور هذا الاخير يخلفه القاضى الاكثر اقدمية دون ان يتبين مصدر انتمائه ,اذ يحتمل ان يكون القاضى الاكثر اقدمية لا ينتمي الى الجهة القضائية التى تراس محكمة التنازع وهذا لا يخدم مبدأ التناوب خاصة انهم كلهم خاضعون للقانون الاساسي للقضاة وعليه فانه من الافضل لفكرة التناوب في حالة وجود مانع لرئيس محكمة التنازع ان يخلفه القاضى الاكثر اقدمية ضمن القضاة الممثلين لنفس الجهة القضائيةالتى ينتمي اليها الرئيس .اما المواد 27و28و29من القانونالعضوى 98-03 نصت على ان المحكمة التنازع تعقد جلساتهابدعوة من رئيسها و هو الذى يشرف على ضبط الجلسة.كما تفصل الدعاوى المرفوعة امامها بمقتضى قرارات تتخذ باغلبية الاصوات ,و في حالة تساويها يرجح رأى الرئيس و هذا خلال مدة 06 اشهر من تاريخ تسجيلها.كما احالت المادتين 13و14 اعداد النظام الداخلي لمحكمة التنازع و الموافقة عليه الى اعضائهاو الذى يحدد كيفيات عملها خاصة استدعائها الاعضاء و توزيع الملفات وكيفية اعداد التقارير.
- المبحث الثاني:اختصاصات محكمة التنازع و اجراءات رفع الدعوى واحكامها:
المطلب الاول :اختصاصات محكمة التنازع:انطلاقا من المادتين 152 /1 و 153 من الدستور96 والمواد رقم 15 الى18 القانون العضوي 98-03 المتعلق بمحكمة التنازع خاص ومحدد
قانونا ,يقتصر على حل مسالة التنازع الأختصاص بين درجات القضاء الأداري والقضاءالعادي دون التطرق الى موضوع الدعوة المنشورة امامها إلا في حالة ما إذا كان النظر في الموضوع ضروري لتحديد الجهة القضائية المختصة مثل حالة تناقض احكام نهائية صادرة عن القضاء الإداري المادي والقضاء العادي او حالة الدعوة التي تشكل حالة إعتداء مادي التي تفرض على القاضي الغوص في الموضوع للتثبيت من حالة الإعتداء المادي قبل تحديد الجهة القضائية المختصة وهذه الحالة الأخيرة خاصة بمحكمة التنازع الفرنسية وهذا لكون الفصل في الدعوة المتعلقة بحالة الإعتداء المادي من إختصاص القاضي العادي ( المدني ) بإعتباره قاضي حامي الملكية بينما في الجزائر فإن هذه الحالة لا تطرح شكلا كون الفصل فيها يعود للغرف الإدارية بالمجالس القضائية تبعا بالمعيار العضوي الذي كرسته المادة 07 من ق.إ.م المحددة لختصاصاتها. - كما لا يمكن لمحكمة التنازع ان تتدخل في نزاعات الإختصاص بين الجهات القضائية التابعة لنفس التنظيم. - و على هذا الاساس يمكن تقسيم حالات التنازع الى تنازع الاختصاص الاجابي و السلبي و حالة التنازع الاحكام و نظام الاخطار
(الاحالة) .
- تنازع الاختصاص الاجابي : و تتمثل هذه الحالة في تمسك كل من جهتي القضاء العادي و القضاء الاداري باختصاصهما في نفس النزاع موضوعا و اطرافا .
الا ان هذا التعريف البسيط للتنازع الاجابي وفق ما نصت عليه المادة : 16 من القانون العضوي : 98-03 يتماشى مع الغاية الأساسية المبتغاة من تكريس الازدواجية القضائية والمتمثلة في وجود قضاء إداري مختص قضائيا دون مدنيا دون سواه بالفصل في النزاعات الادراية واستبعاد تدخل القضاء العادي في ذلك وهي الحالة الوحيدة التي تقضي إلى تنازع الاختصاص الايجابي إذ أن تعريفه السابق الوارد في المادة 16 من قانون العقوبات 98-03 يسوده غموض وغير منطقي من الناحية العملية باعتبار أن الادرادة كأصل عام في النزاعات الإدارية تكون مدعى عليه فكيف للمدعى (شخص طبيعي غالبا ) عندما يرافع الادراة أمام القضاء العادي الذي يتمسك باختصاصه ويحكم لصالحه في الموضوع فهنا الادارة المدعي عليها ما عليها وفق الطعون القضائية المتاحة في قانون الإجراءات المدنية إلا أن الطعن بالاستئناف ضد الحكم الابتدائي وفي حالة تأييده من طرف المجلس القضائي المختص يبقى لها أن تطعن ضد قرار المجلس النهائي بالنقض أمام المحكمة العليا وفي حالة تأييد القرار محل الطعن بالمقض فلا يمكن تصور إطلاقا أن المدعي بعد حصوله على قرار نهائي قضى لفائدته سواء من حيث مسألة الاختصاص ومن حيث الموضوع أن يرفع نفس الدعوى موضوعا وأطرافا إلى الجهة القضاء الاداري ؟
أن الادارة المدعي عليها أن ترفع نفس الدعوى موضوعا وأطرافا إلى جهة القضاء الإداري فهنا تصبح مدعية لا يمكن أن تطلب وتثير من حيث الموضوع نفس الحجج والوسائل ومن ثمة الطلبات التي أثارها المدعي أمام القضاء العادي لتحقيق شرط وحدة الموضوع المنصوص عليه في المادة 16/02 من ق ع 98-03 لإذن شروط تحقيق هذه الحالة لا يمكن إطلاقا تصورها عمليا والمتمثلة في :
1 * القضاء المزدوج لجهات القضاء العادي والاداري باختصاصاتها بالفصل في نفس النزاع .
2 * وحدة النزاع من حيث الأطراف والموضوع والطلبات .
ولفهم هذه الحالة فهما سليما فالضرورة تدفعنا إلى معرفة وضعها في القانون الفرنسي وتتمثل هذه الحالة في أنها تجمع بين محكمة عادية والسلطة الإدارية المدعى عليها عكس وضعها في القانون ع 98-03 تتجسد في حالة تمسك محكمة تابعة للقضاء العادي باختصاصها في الفصل في موضوع دعوى ترى السلطة الإدارية (المدعى عليها ) أنه يعود الاختصاص فيه للقضاء الإداري ومن أجل منع المحكمة العادية من الفصل في موضوع الادارة إلى تحريك إجراءات التنازع عن طريق المحافظ باعتباره ممثل السلطة العامة بناء على طلب الإدارة المدعى عليها يتولى ممارسة صلاحية الاعتراض على اختصاص المحكمة العادية وهذه الموجبة الدفع بعدم الاختصاص مفرغ في مذكرة إلى وكيل الجمهورية لدى تلك المحكمة يعرض فيه أسباب عدم اختصاص القاضي العادي والمحكمة ملزمة بالفصل في هذا الاعتراض ففي حالة اعترافها بعدم اختصاصها فهي الخصومة القضائية وما على المدعى إلا أن يوجه دعواه إلى القضاء الاداري أو يطعن بالاستئناف أما إذا رفضت المحكمة العادية الدفع بعدم اختصاصها يجب أن تبلغ ذلك للمحافظ خلال مدة 05 أيام وتؤجل الفصل في موضوع الدعوى وللمحافظ مهلة 15 يوما لاخاذ قرار التنازع الذي يجبر المحكمة العادية على عدم اتخاذ أي اجراء قضائي في الدعوى ويحيل قرار التنازع إلى المحكمة التنازع ولهذه الأخيرة مهلة 3 أشهر من الحل إما تأيد قرار التنازع من ثمة ينزع الاختصاص في نظر الدعوى من المحكمة العادية وما على المدعي إلا توجيه دعواه أمام القضاء المختص أو أن يلغي قرار التنازع وهنا يتأكد اختصاص المحكمة العادية لا يمكن إثارة التنازع لنفس الدعوى
تنازع اختصاص سلبي : وهو أكثر وضوحا من الحالة السابقة مهمته حماية المتقاضين من خطر انكار العدالة ووفقا للمادة 16 من ق ع 98-03 نكون أمام تنازع اختصاص سلبي في حالة القضاء المزدوج من طرف جهات القضاء الاداري والعادي بعدم اختصاصهما في نفس الدعوى موضوعا وأطرافا على أساس أن التنظيم القضائي الآخر هو المختص نوعيا ومن ثمة نستخلص شروطا والمتمثلة في :
1- اصدار كل جهة من القضاءين العادي والاداري حكمين بعدم اختصاصهما في الفصل في نفس الدعوى على أساس أن موضوعها يدخل في اختصاص القضاء الآخر
2- أن تتحقق وحدة الدعوى من حيث الأطراف والموضوعات والطلبات
حالة نقض أحكام نهائية : نصت المادة 17/02 من ق ع على ما يلي :" في حالة تناقض بين أحكام نهائية ودور مراعاة للأحكام المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه تفصل محكمة تنازع بعديان في الاختصاص وتتحقق في هذه الحالة شروط هي :
*صدور قرارين نهائيين عن كل من مجلس الدولة ومحكمة النقض فصلا في نفس النزاع من حيث موضوعه فقط .* أن يتناقض الحكمان فيما قضى به بصفة تؤدي إلى انكار العدالة هنا على المحكمة التنازع .
* اختصاصها التحكيمي الأصول في مسألة تنازع الاختصاص بخبرة على التصدي لموضوع النزاع بصفة سيادية لتفصيل محدد الجهة القضائية المختصة بالفصل فيه ومن ثمة ابطال قرار الجهة القضائية المختص نوعيا وتثبيت قرار الجهة القضائية المختصة نوعيا ومنبت هذهالحالة في فرنسا هي قضية : Rosai والتي صدر عقبها قانون :20/04/1932 , الذي نظمها وقائع هذه القضية في حال أن السيد : زواوي , ركب سيارة يقودها صديق له وأصيب بجروح اثر اصطدام مع عربة تابعة للجيش .
- رفع الدعوى أما المحكمة المدنية طالبا التعويض رفضت هذه الآخيرة دعواه على أساس الضرر كان سبب سيارة تابعة للجيش ( مرفق عام ) راجع أمام محكمة الإدارية التي بدورها رفضت دعواه على أساس ان سبب الحادث يعود إلى السائق السيارة الخاصة إذ نتج عن هذه القضية صدور حكمين متعارضين مع الجهتين قضائيتين عادية وإدارية وأصبح المتقاضي في حالة انكار للعدالة نتيجة عدم انصاف السيد: Rosai وحبر الضررر الذي لحقه هذه الوضعية أصدر المشرع الفرنسي القانون السالف الذكر وأجاز للمتقاضي اللجؤ إلى محكمة التنازع لكي يفصل في موضوع بحكم نهائي غير قابل للطعن
التنازع على أساس الاحالة : نصت عليها المادة : 18 من : ق .ع 98-03 , بما يلي : " إذا لاحظ القاضي المحظر في الخصومة أن الجهة قضائية قضت باختصاصها أو بعدم اختصاصها وأن قراره سيؤدي إلى تناقض في أحكام قضائية لنظامين مختلفين يتعين عليه إحالة ملف القضية بقرار منسب غير قابل لأي طعن إلى المحكمة التنازع للفصل في موضوع الاختصاص وفي هذه الحالة تتوقف كل الاجراءات إلى غاية صدور قرار محكمة التنازع عند الاحالة يتعين على الكاتب الضبط للجهة القضائية المنظرة ارسال نسخة من قرار الاحالة إلى محكمة التنازع كل الوقائع المتعلقة بالاجراءات في آجال شهر واحد ابتداءا من تاريخ النطق بهذا القرار.
- يتضح من هذا النص أن هذه الحالة لها طابع وقائي يهدف إلى ايجاد حل قضائي قبل ظهور حالة تناقض أحكام نهائية عن كلا القاضيين العادي والاداري .
- وتتمثل أنه في حالة صدور حكم عن الجهة قضائية عادي أو إدارية باختصاصاتها أو عدم اختصاصها ونزاع معين ويرفع ذات النزاع أمام قاضي ثاني ويلاحظ أن قراره يؤدي إلأى حالة تناقض في أحكام صادرة عن القضاء العادي والقضاء الإداري أي أن القاضي الثاني المخطر في حالة اقتناعه بأن القرارالذي سيصدره يتناقض مع قرار سابق فصل في نفس النزاع باختصاصه أو عدم اختصاصه.
- هنا أوجبت المادة 18من ق ع 98-03 على القاضي الثاني اصدار قرار مسبب غير قابل لأي طعن بإحالة القضية أمام محكمة التنازع للفصل في موضوع الاختصاص وهنا على كاتب ضبط الجهة القضائية المخطرة ارسال نسخة من قرار الاحالة مصحوبا بملف القضية في أجل شهر من تاريخ النطق بالاحالة الذي ينتج من أثاره تةقف كل الاجراءات سواء على مستوى القضاء العادي أو الاداري الخاصة بالقضية لغاية صدور قرار المحكمة التنازع لتحديد الجهة القضائية المختصة قانونا بالفصل فيها .
- أحالت المادة : 19/02 , من : ق. ع 98-03 , إلى تطبيق الاجراءات المنصوص عليها في قانون الاجراءات المدنية الخاصة بتنازع الاختصاص بين القضاة وبموجب المادة : 31 من نفس القانون التي نصت على لأت تخت مسؤولية رئيس محكمة التنازع تبلغ كتابة الضبط المحكمة ملف القضية المحالة ونسخة من القرار إلى الجهة القضائية المخطرة في أجل أقصاه شهر من تاريخ النطق بالقرار .
المطلب الثاني : اجراءات رفع الدعوى أمام محكمة التنازع :
-طبقا للمواد : 17/01 إلى 21 من :ق.ع :98-03 , ترفع الدعوى أمام محكمة التنازع باحدى الطريقتين عن طريق القاضي بتطبيق نظام الاحالة وقد سبق توضيح الاجراءات الخاصة بهذه الكيفية أو من قبل المعنيين ففي حالة تنازع الاختصاص الايجابي أو السبي على حد ما جاء في المادة : 17/1 , من ق. ع 98-03 , على المعنيين رفع دعوى تنازع الاختصاص خلال مدة شهرين يبدأ سريانها من تاريخ صيرورة القرار الأخير غير قابل لأي طعن أمام الجهات القضاء الإداري أو العادي.
- يتضح مما سبق أن إثارة حالة التنازع الاختصاص أمام محكمة التنازع مقيدة بشرطين :
شرط زمني محدد بشهرين اعتبارا من تاريخ عدم قابلية القرار الأخير لأي طعن سواء أما القضاء العادي أو الاداري دون ان يبين مصير الدعوى التي ترفع خارج هذا الأجل بصفة دقيقة.هل هذا الشرط من النظام العام أم لا ؟ خاصة أنه لم يترتب عن عدم احترامه بطلان الدعوىأن يكون القرار الأخير غير قابل للطعن أمام جهتي القضاء الاداري فهنا أيضا النص يسوده الغموض فهل عدم قابلية القرار الأخير للطعن مرده وجوب أن يكون صادرا عن أعلى هيئة قضائية سواء كانت ادارية أو عادية أو أنه أصبح نهائي غير قابل للطعن لفوات أجل الاستئناف أو النقض مثلا خاصة أنه يمكن عمليا تصور كلتا الفرضيتين .
- أهم بقية الاجراءات فتتمثل في أن الدعوى تنازع الاختصاص وكذا حالة تناقض قرارات نهائية ترفع بعريضة مكتوبة تسجل بكتابة ضبط موقعة من قبل محام معتمد لدى المحكمة العليا أو المجلس الدولة وتعفى الدولة من هذا الشرط فترفع العرائض من الوزير المعني أومن موظف مؤهل لهذا الغرض .
- أهم الملاحظات التي يمكن تسجيلها على القانون العضوي : 98-03 المتعلق بمحكمة التنازع سواء من حيث تنظيمها وسيرها واختصاصها الاجراءات المتبعة وفعالية هذه المحكمة في حل المسائل تنازع الاختصاص بين جهات القضاء العادي والاداري .
- نظرا لحداثتها وعدم نشر قراراتها في المجلة خاصة : ق. ع 98-03 وهذا لكونها تعد دعامة أساسية لنجاح ازدواجية القضاء المكرس في دستور : 96 وللقيام بهذا الدور الأساسي لا بد من أن تتوفر لها إطار قانوني وكاف ولا يتأتى ذلك إلأا بإعادة مراجعة المادة : 152 ,من دستور: 96 والقانون العضوي: 98-03 , من المنهجية والمضمون وصولا لانسجام بين النص الدستوري والنص التشريعي لغة واصطلاحا .
مفهوم المسؤولية الإدارية
خطة البحث
مقدمة
المبحث الأول : مفهوم المسؤولية الإدارية
المطلب الأول: تعريفها
المطلب الثاني : خصائصها
المبحث الثاني : الأنظمة المختلفة للمسؤولية في القانون الإداري
المطلب الأول : المسؤولية الإدارية في النظام الأنجلوسكسوني
المطلب الثاني : المسؤولية الإدارية في نظام الولايات المتحدة
المطلب الثالث : المسؤولية الإدارية في النظام الفرنسي
المبحث الثالث : المسؤولية الإدارية في النظام الجزائري
الإدارية قبل وأثناء الاستقلال
المطلب الثاني : المسؤولية المطلب الأول : المسؤولية الإدارية بعد الاستقلال
الخاتمة
مقـــدمة :
لغة يقصد بها قيام شخص ما بأفعال أو تصرفات يكون مسؤولا عن نتائجها ,أي حالة مؤاخذة أو تحمل التبعة عن أمور وأفعال أتاها إخلالا بقواعد وأحكام أخلاقية واجتماعية وقانونية فالمسؤولية بالمعنى العام قد تكون أخلاقية وأدبية وقد تكون قانونية فالمسؤولية الأدبية والأخلاقية تنعقد على مخالفة قواعد وواجبات أخلاقية شرط توفر عنصرين هما تمتع الإنسان بقدرة التمييز و بين ا لخير و الشر و القدرة على حرية الاختيار و التصرف و لا تدخل في دائرة القانون كونها ذاتية أمام الضمير و أمام الله إما المسؤولية القانونية فلها عنصر موضوعي خارجي ينتج عن مخالفة التزام قانوني و يرتب التعويض كما جاء في قانون المادة : 124 من القانون المدني كل عمل أيا كان و يسبب ضررا للغير يلزم إن كان سببا في حدوثه بالتعويض و تتنوع المسؤولية القانونية بتنوع فروع النظام القانوني فهناك المسؤولية المدنية الجنائية الدولية و الدستورية و الإدارية .و من خلال مما سبق يمكن إثارة التساؤل التالي :- هل تعتبر الإدارة مسؤولة عن الأضرار التي تسببها ؟ وعلى من تعود ؟ و تحت أي نظام قضائي يمكن البت فيها ؟
المبحث الأول : مفهوم المسؤولية الإدارية :
المطلب الأول : تعريف المسؤولية الإدارية : فالمسؤولية الإدارية تعرف بأنها الحالة القانونية التي تلتزم فيها الدولة أو المؤسسات و المرافق و الهيئات العامة الإدارية نهائيا بدفع التعويض عن الضرر أو الأضرار التي تسببت للغير بفعلها المشروع أو غير المشروع على أساس الخطأ الرفقي أو الخطأ الإداري أو على أساس نظرية المخاطر.
و تتميز المسؤولية الإدارية بعدة صفات و خصائص .
المطلب الثاني : خصائص المسؤولية الإدارية :
من أهم خصائص المسؤولية الإدارية أنها :
1- مسؤولية قانونية : لقيام المسؤولية الإدارية يتطلب توفر شروط و هي :أ/ اختلاف السلطة الإدارية و المرافق و المؤسسات العامة صاحبة الأعمال الإدارية الضارة عن الأشخاص المضرورين .ب/ تتحمل الدولة و الإدارات العامة صاحبة الأعمال الإدارية الضارة عبء التعويض بصفة نهائية للمضرور مع توفر العلاقة السببية بين الأفعال الضارة و النتيجة التي أصابت المضرور
ج/ عدم دخول مال في ذمة الأشخاص المضرورين من قبل الدولة و الإدارة العامة بصورة مسبقة .
2- المسؤولية الإدارية غير مباشرة : و يظهر ذلك من خلال تحمل الدولة و الإدارة العامة لأعمال موظفيها الضارة مع وجود علاقة التبعية .
3- ذات نظام قانوني مستقل و خاص بها : قد تخضع لقواعد القانون الإداري و تفصل فيها جهات القضاء الإداري المختص و قد تخضع لقواعد القانون العادي ( مدني ) , ( تجاري ) , و تفصل فيها جهات القضاء العادي فهي مسؤولة ليست عامة و لا مطلقة و إنما تخضع لنظام قانوني خاص .
4- المسؤولية الإدارية حديثة و سريعة التطور : هي مسؤولية حديثة جدا قياسا بالمسؤوليات القانونية الأخرى فباعتبارها مظهر من مظاهر تطبيقات فكرة الدولة القانونية لم تظهر إلا في نهاية القرن : 19 و بداية القرن : 20 .فبعدما كان يسود مبدأ عدم مسؤولية الدولة و الإدارة العامة ظهر مبدأ مسؤولية الدولة تدريجيا من مسؤولية العامل و الموظف إلى المسؤولية عن الأخطاء الإدارية الجسيمة فقط إلى مسؤولية الدولة عن كل خطأ إداري مرفقي يسير أو جسيم إلى مسؤوليتها عن أعمال الضارة بدون خطأ على أساس نظرية المخاطر .
المبحث الثاني : المذاهب المختلفة للمسؤولية في القانون الإداري .
المطلب الأول : في النظام الانجلو سكسوني : كانت بريطانيا تعتنق مبدأ عدم المسؤولية الإدارية عن أعمال موظفيها القائم على عدة مبررات منها القاعدة الدستورية التاريخية القائلة أن الملك لا يخطي و شخصو الدولة في شخص الملك , فالملك لا يسأل عن أعماله غير المشروعة .امتدت تلك الحماية و الحصانة إلى موظفي الدولة لاانهم في خدمة الملك إلا أن هذا المبدأ لم يكن مطلقا فقد عليه استثناءات :
•4 تقررت مسؤولية الدولة عن العقود التي تبرمها انحصر تطبيقه في دائرة المسؤولية التقصيرية فقط .
• اقتصر مبدأ عدم المسؤولية على الموظفين التابعين للمصالح العمومية و الهيئات المركزية إقامة المسؤولية على عاتق الموظف شخصيا ( قرار مجلس اللوردات ) إعفاء المسؤولية عن شخص التاج .و في سنة : 1947 صدر قانون يقر مسؤولية التاج عن أعمال موظفيه و أقام مسؤولية الدولة على نفس الأسس التي تقوم عليها لدى الأشخاص الطبيعيين .و منه أصبحت الدولة مسؤولة قانونيا إذا ما هي أضرت المواطن نتيجة خطأ قامت به .هذا التطور الذي أتى به قانون: 1947 , أحدث خطوة أكيدة كبيرة نحو خلق تأكيد دور القضاء الإداري في منازعات الإدارة .
المطلب الثاني : في نظام الولايات المتحدة الأمريكية :
كانت المحاكم الأمريكية تأخذ و تطبق في بادىء الأمر مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها الضارة على أساس ( إن الملك لا يخطى ) – القاعدة الإنجليزية - و بالتالي لا يسأل الموظف و لا تسأل الدولة . و تطبيق هذه القاعدة أدى إلى نتائج غير منطقية لان التاج في انجلترا مصدر جميع السلطات و لكن مصدر السلطات في الولايات المتحدة الأمريكية هو الشعب . لذلك اتجه القضاء إلى تقرير مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تصيب الأفراد تدريجيا حتى تكفل المشرع عام : 1946 .لأول مرة بتقرير مسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها في قانون خاص الذي قرر مسؤولية الدولة الاتحادية عن أعمال موظفيها أمام القضاء على أساس الخطأ .المطلب الثالث : في النظام الفرنسي : عاشت مثل بقية الدول عهود الملكيات المستبدة و ساد فيها مبدأ عدم مسؤولية الدولة عامة و مبدأ مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها خاصة و بتأثير من أفكار الفلاسفة و توجيه الفقه و القضاء , بدأ تحول فرنسا عن تطبيق مبدأ عدم المسؤولية إلى مبدأ المسؤولية و لا على أساس التفرقة بين نوعين من الأعمال للدولة : أعمال إدارية شبيهة بأعمال الأفراد العاديين ( أعمال إدارية مجردة) تقوم بها الدولة بأساليب و تصرفات القانون الخاص يوصفها تاجر أو صانع ...و هذه الأعمال شملها مبدأ مسؤولية الدولة ، و أعمال مستمدة من السلطة العامة و هي التي فيها الدولة كسلطة إكراه لها منتصف القرن : 19 أخذت المحاكم الإدارية الفرنسية في الأخذ بمسؤولية الإدارة من أعمال موظفيها التي تسبب إضرار للغير و جاء حكم بلانكو الشهير 1873 ليعطي للقضاء الإداري الفرنسي الضوء الأخضر في مواجهة السلطة العامة في الدولة في رسم معالم هذه المسؤولية و إرساء قواعدها الموضوعية المستقلة من قواعد المسؤولية المدنية و قد أخذ القضاء الإداري الفرنسي مستغلا بقواعده الموضوعية و قواعد الاختصاص التي تحكم المسؤولية الإدارية يتوسع في مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها عن طريق التوسع في الأساس القانوني لهذه المسؤولية حتى توصل في القرن : 20 ليشمل بمبدأ المسؤولية هذا جميع أعمال الدولة دون تمييز بين أعمال السلطة العامة و أعمال الإدارة .
تطور مبدأ مسؤولية الدولة في النظام الجزائري :
أ/ المسؤولية قبل الاحتلال :كان النظام السائد في الجزائر خلال هاته الفترة هو النظام الإسلامي و تطبيق للحديث الشريف لا ضرار في الإسلام .إذا كان يرفع الظلم عن الرعية مهما كان مصدره .و مع تطور الزمن و غلبة الطابع الدنيوي استدعى الأمر إيجاد نظام قانوني يتولى النظر في المظالم فظهرت نظرية ( نظر المظالم ) .و هي القضاء الإداري بالمفهوم الحالي .يهدف هذا النظام إلى محاكمة كبار المسؤوليين في الدولة .و في العهد الأتراك لم تتغير الأمور كثيرا إذا احتفظ الدايات و البايات بنظر المظالم . إلا انه كان نظر حسب أهوائهم مما أحدث هوة جعلت للجزائريين يحجمون عن التظلم أمام سلطات الأتراك .
ب/ مسؤولية الدولة أثناء الاحتلال الفرنسي : في عهد الأمير عبد القادر كان الأمير مختصا بذاته في نظر المظالم حفاظا على حقوق المواطنين مطبقا في ذلك أحكام الشريعة الإسلامية و أحكامه تعد نهائية لا يجوز الطعن فيها .بما أن سياسة الاحتلال تهدف إلى تحقيق مصالحه فمن الطبيعي انه يهدم مبدأ تقرير مسؤولية الدولة عن أعمالها الضارة تجاه الجزائريين .و رغم انه إنشاء محاكم قضاء إداري بموجب مرسوم : 30/09/1953( * قسنطينة , الجزائر , وهران ) تحت إشراف مجلس الدولة الفرنسي إلا أن تطبيق مبدأ مسؤولية الدولة بقي حكرا على ما تعلق بالفرنسيين و الأجانب و ذلك حتى لا يفتح المجال للجزائريين للمطالبة بالاستقلال او القيام بثورة تجر إلى ذلك .إذا فمبدأ عدم مسؤولية الدولة هو الذي كان سائدا , و كذا التمييز العنصري , أسست محاكم سيطر عليها محلفون أوربيون و مجالس بلدية يهيمن عليها العنصر الفرنسي فيما يخص الملكية و نظام الظرائب .
المطلب الثاني : مبدأ مسؤولية الدولة و الإدارة العامة في الجزائر بعد استعادة السيادة الوطنية : الجزائر التي عانت طويلا من استبداد و تعسف الإدارة الاحتلالية و انحرف العدالة صار يتعين عن العدالة أن تصبح أداة للدفاع عن المصالح الثورة ووسيلة لتوعية الجماهير لا أداة قهر و إكراه . فكان ينظر أن يسود مبدأ مسؤولية الدولة .فعلا عرفت الجزائر بعد الاستقلال مبدأ مسؤولية الدولة و طبقت النظرية الفرنسية المتكاملة قضائيا و تشريعيا و فقهيا إلى غاية : 1965 .حيث صارت الدولة مسؤولة وتوسعت مسؤوليتها القانونية على أساس الخطأ الشخصي للموظف العام إلى الخطأ المرفقي ثم نظرية المخاطر الإدارية . و عقب موجه التشريعات التي حدثت .قررت المادة: 145 من قانون البلدية مسؤولة عن الأخطاء التي يرتكبها رئيس البلدية رقم 90/09 المؤرخ في 17/04/90 الولاية مسؤولة مدنيا عن الأخطاء التي يرتكبها أعضاء المجلس الشعبي الولائي و يمكنها الطعن لدلى القضاء المختص ضد مرتكبي هذه الأخطاء .يرتب على الخطأ القضائي تعويض من الدولة و يحدد القانون شروط التعويض و كيفياته فهذه النصوص تعطي دليل قوي على اعتناق الدولة للنظام القانوني و القضائي الجزائري لمبدأ مسؤولية الدولة و الإدارة العامة بصورة واسعة و يرجع ذلك إلى :
1/ وجود نزعة حب الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و كره الظلم و لا مساواة .
2/ انتشار الوعي الاجتماعي و السياسي و القانوني لدى الرأي العام الجزائري .
بفعل السياسات التعليم و التكوين فأصبح الفرد يواجه السلطات و المؤسسات العامة في الدولة و يطالبها قضائيا بواسطة دعوى التعويض و المسؤولة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يصيبه بفعل نشاط الدولة و الإدارة العامة الضار .
3/ مساعدة النظام القضائي الجزائري على تطبيق نظرية المسؤولية الإدارية بصورة واسعة و تبيين النظام القانوني للمسؤولية الإدارية في فرنسا لأسباب تاريخية و منطقية .
و من بين قرارات المحكمة العليا – الغرفة الإدارية – قرارها الصادر : 17/04/1982 .
قضية وزير الصحة العمومية و مدير القطاع الصحي لمدينة القل , ضد عبد المؤمن الطاهر و من معه , حيث جاء في إحدى حيثياته « حيث أن المسؤولية الإدارية تخضع لقواعد ذاتية لها و إن أحكام القانون المدني هي أجنبية غير مطبقة عليها – فنظم المسؤولية الإدارية تقسم إلى نظام قضائي و نظم تشريعية » .
الخاتمـــــــــــــــة :
إن مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمالها ووظائفها المختلفة لم يظهر إلا حديثا فبعدما ساد عدم مسؤولية الدولة مطلقا بفترة طويلة إلى تحملها المسؤولية جزئيا و لعل لحكم بلانكو الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية عام : 1873 بعد نقطة انطلاق ووضع القواعد الأساسية للمسؤولية الإدارية إلى تحملها المسؤولية الدولة و الإدارة يتطور و يكتمل في بنائه القانوني / تدريجيا لأسباب و عوامل متلاحقة و متظافرة .و قد يعد حكم بلانكو المرجع الأساسي لخصائص قانون المسؤولية الإدارية .
مسؤولية الطبيب و الصيدلي
المقدمة
إن الأخطاء الصادرة من الفنيين كالأطباء و الصيادلة هي من طبيعة خاصة مما يثير النقاش حول كيفية تحديدها و ماهيتها و ما يترتب عليها من نتائج ، فمسؤولية الأطباء بكافة أنواعهم و الصيادلة أثارت جدلا كبيرا في ساحات القضاء .
و تبدو حساسية الميدان الطبي من خلال اتصاله بالجسم الإنساني و ما يقتضيه ذلك من احترام و تقدير فالقضاء في حيرة بين أمرين:
1- حماية المرضى مما قد يصدر من الأطباء من أخطاء تكون لعا أثار سلبية ، ضمان توفير العناية الطبية اللازمة من خلال تأكيد مسؤولية الأطباء أو الصيادلة .
2- توفير الحرية اللازمة للأطباء في معالجة مرضاهم ، فالطبيب الذي يخشى إرهاب المسؤولية سيتردد عن فحص المريض و تبنى الطرق اللازمة التي تستدعيها حالته فعمل الأطباء يجب أن يكون في جو كاف من الثقة و الاطمئنان .و لعلى أول و أهم ما يبرز المسؤولية الطبية هي طبيعة الخطأ المرتكب و كيفية تصنيفه لما ينطوي عليه من عمل فني و تعقيد علمي دقيق و لهذا حاولنا تكييف المسؤولية الطبية و ذلك بالتعرف على طبيعتها القانونية ، و على طبيعة التزام الطبيب إن كانت التزام ببذل العناية أم بتحقيق النتيجة .و على ضوء هذا الطرح سنجيب على الإشكالية التالية:على أي أساس تصنف مسؤولية الطبيب و الصيدلي ضمن القطاع العام والخاص ؟.
خطة البحث :
المبحث الأول : مسؤولية الطبيب و الصيدلي ضمن القطاع العام .
*/ المطلب الأول : مسؤولية الطبيب ضمن القطاع الصحي العام.
*/ المطلب الثاني : مسؤولية الصيدلي ضمن القطاع الصحي العام .
المبحث الثاني : مسؤولية الطبيب و الصيدلي ضمن القطاع الصحي الخاص .
*/ المطلب الأول :مسؤولية الطبيب في عيادته .
*/ المطلب الثاني : مسؤولية الصيدلي في صيدليته .
الخاتمة:
المبحث الأول : مسؤولية الطبيب و الصيدلي ضمن القطاع العام .
يعتبر المستشفى من المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية حسب ما ينص عليه القانون العام الخاص بتنظيم و سير هذا المرفق و يعرف هذا الأخير بجانب نشاطاته الإدارية و التنظيمية نشاطا أساسيا أسس من أجله و هو النشاط الطبي
و لهذا سنتناول مسؤولية الطبيب و الصيدلي التابعين لمرفق المستشفى العمومي ضمن مطلبين منفصلين .
المطلب الأول : مسؤولية الطبيب ضمن القطاع الصحي العام .
يتميز النشاط الطبي بأعمال مختلفة يقوم بها تقنيون مختلفون وعليه فإن للطبيب علاقات مختلفة تربطه بهذا القطاع.
علاقة الطبيب بالمستشفى :
يعتبر الطبيب تابعا للمستشفى الذي يعمل به و أن علاقة التبعية القائمة بين الطبيب و المستشفى و لو كانت علاقة تبعية إدارية فإنها تكفي لأن يتحمل المستشفى خطا الطبيب.
و علاقة التبعية تقوم كلما كان للمتبوع سلطة فعلية على التابع في الرقابة و التوجيه و لو كانت هذه الرقابة قاصرة على الرقابة الإدارية فمناط علاقة التبعية أن يكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة عمله و في الرقابة عليه و محاسبته و لا يلزم لقيام رابطة التبعية أن تجتمع للمتبوع سلطة الإشراف الفني و الإداري على التابع معا
علاقة الطبيب بالمريض :
قي المستشفى العام هي علاقة شخص مكلف بأداء خدمة عامة و تتحدد بمقتضى اللوائح المنظمة لنشاط المرفق الصحي العام.فهي ليست علاقة عقدية بل هي من طبيعة إدارية أو لائحية و من ثم لا يمكن إقامة مسؤولية المستشفى على أساس المسؤولية العقدية إن ما يقع من أخطاء خلال العمل الطبي أي ما يقوم به الطبيب من عمل فني كالتشخيص و العلاج و الجراحة و العناية و المتابعة إلى غير ذالك يقع على عاتقه وحده و يتحمل عبئه النهائي .
فارتكاب الطبيب لخطأ طبي يمكن أن يوقع عليه عدة مسؤوليات هذا بطبيعة الحال إذا توفرت شروط كل منها فهناك المسؤولية الجنائية التي تتبع بتوقيع العقاب الجنائي و هناك المسؤولية المدنية التي تستوجب الحكم بالتعويض و هناك المسؤولية التأديبية التي ترتب الجزاء التأديبي من نقابة الأطباء أو الجهة الإدارية التابع لها .
و تؤكد المحكمة الإدارية في هذا الصدد مبدأين هامين :
1 - تعرض الطبيب للجزاء التأديبي الإداري عن الأخطاء الطبية التي يرتكبها خارج نطاق عمله .
2- جواز توقيع الجزاء الإداري بالإضافة إلى الجزاء التأديبي الذي توقعه النقابة .
الاختصاص القضائي بدعوى المسؤولية :
المبدأ العام هو أن الأخطاء التي يرتكبها الطبيب العامل بمستشفى عام خلال قيامه بعمله تدخل في اختصاص القضاء الإداري بشرط ألا تشكل أخطاء شخصية منفصلة عن أداء الخدمة الصحية المكلف بأدائها .
يختص القضاء الإداري وحده بدعاوى المسؤولية المرفوعة على طبيب المستشفى العام بسبب خطأه الطبي المرتكب أثناء قيامه بعمله و لكن بشرط ألا ينفصل ذلك الخطأ عن الخدمة الصحية المطلوب أداؤها ، و لا يعتبر منفصلا عن تلك الخدمة الخطأ المرتكب أثناء قيام الطبيب بعمله الفني فهو ليس خطأ شخصي رغم أنه يظهر الإنسان بكل ما ينطوي عليه من ضعف و هفوات .
فالهدف من هذا هو حمل الإدارة على تغطية الأخطار الصادرة من تابعيها أثناء قيامهم بأعمال المرفق ، فالمضرور ضمانا لحصوله على حقه ينبغي عليه اختصام المتبوع أمام القضاء الإداري .
و لكن الأمر يختلف بطبيعة الحال إذا كان الخطأ الذي ارتكبه الطبيب غريبا عن عمله داخل المرفق الصحي ، فهو هنا يخضع للقضاء العادي فتنطبق القواعد في المسؤولية المدنية و ذلك مثل الأخطاء التي يرتكبها أطباء المستشفيات العامة خلال اشتغالهم لحسابهم الشخصي أي أثناء قيامهم بالكشف الخاص لحسابهم .
المطلب الثاني : مسؤولية الصيدلي ضمن القطاع الصحي العام :
كم سبق و أن تناولنا مسؤولية الطبيب ضمن القطاع العام فإن مسؤولية الصيدلي ضمن نفس القطاع لا تخرج عن علاقة التابع و المتبوع .
غير أن الأضرار التي تلحق المريض بسب الأدوية التي يتعاطاها قد تثير مسؤولية الطبيب أو الصيدلي أو الصانع لها أو مسؤوليتهم معا فالطبيب عند كتابة و صفة العلاج يخضع للالتزام ببذل العناية في أن يكون الدواء ناجعا و لكنه لا يلتزم بشفاء المريض.
أما الصيدلي فالقاعدة العامة هي إلزامه بنتيجة فهو مدين بالتزام محدد يتمثل في تقديم أو بيع أدوية صالحة و سليمة و لا تشكل بطبيعتها خطرا على حياة المرضى الذين يتعاطونها و إذا كان يضمن سلامة الأدوية التي يبيعها أو يركبها إلا أنه لا يضمن فعالية تلك الأدوية و مدى نجاحها في العلاج فهو التزام بعناية يلتزم بصدده بتقديم الدواء المتفق مع الأصول العلمية القائمة بهدف شفاء المريض و هو يشترك في هذا المجال مع الطبيب في التزامه بالعناية ، لذا فإن الخطأ الناجم عن مسؤولية الصيدلي في القطاع العام تباشر فيه الدعوى ضمن القضاء الإداري ليتحمل المتبوع أعباء التعويض للمريض المتضرر و يوقع من جهته العقاب على التابع له في نفس الوقت .
المبحث الثاني : مسؤولية الطبيب و الصيدلي ضمن القطاع الصحي الخاص :
على عكس الحال بالنسبة للمستشفيات العامة فإن التجاء المريض إلى المستشفيات أو العيادات الخاصة لا يكون عادة إلا بناءا على عقد و لو ضمني بينه و بين إدارتها فعقد الاستشفاء هو الذي يحكم العلاقة التعاقدية بينهما خالف الأمر في العلاقة اللائحية التي تربط المريض بالمستشفى العام و عليه سنرى مسؤولية الطبيب في عيادته الخاصة و كذا مسؤولية الصيدلي في صيدليته أو مخبره
المطلب الأول : مسؤولية الطبيب في عيادته .
إن الأمر يختلف عند لجوء المريض إلى عيادة أو مستشفى خاص فإذا كان العقد مع إدارة المستشفى موضوعه تقديم الخدمات العادية للمريض أثناء علاجه و إقامته كم سنرى بالتفصيل إلا أن العقد الطبي يكون محله الأعمال الطبية بكل ما تحمله من فن طبي .
و مع ذلك قد يبرم المريض العقدين مع شخص واحد يكون طبيبا يملك المستشفى الخاصة أو يستقل بإدارتها بناءا على عقد مع مالكها.
و كم سبق أن ذكرنا بصدد المستشفيات العامة أن الراجح هو أن الطبيب يعتبر تابعا للمستشفى أو الجهة التي يعمل فيها و لا ينفي قيام علاقة التبعية و بالتالي مسؤولية المستشفى عن أخطاء الطبيب ، و بطبيعة الحال تتحمل الإدارة نصيبها في التعويض إذا كان الخطأ مشتركا أم بالنسبة للعيادات و المستشفيات الخاصة لا تعد مسئولة عن أعمال الطبيب أو الجراح المهنية حيث يتمتع كل واحد منهم بالاستقلال في عمله الفني و لكن القضاء يتحفظ بالنسبة للطبيب الأجير الذي تربطه بالعيادة أو المستشفى علاقة عمل ، و يقرر مسؤولية المستشفى عن خطأ الطبيب نظرا لوجود عقد طبي بين المريض و المستشفى أو العيادة التي يعمل فيها الطبيب حيث يعتبر المستشفى مسئولا عن كل خطأ يصدر من العاملين فيه . و إذا كان خطأ الطبيب قد اتضح لنا من خلال العرض السابق فإن خطأ المستشفى يمكن أن يبدو من خلال تقديم الخدمات التي يحتاجها المريض أثناء إقامته فيه و بصفة خاصة تنفيذ تعليمات الطبيب فيما يتعلق بتلك الخدمات كنظام الطعام و النظافة و تقديم العلاج بصفة منتظمة من أدوية و حقن إلى غير ذالك .كم يقوم خطأ المستشفى عند عدم توفير التجهيزات الخاصة اللازمة لاستقبال المرضى و علاجهم و رعايتهم و لا يكفي توفرها بل لابد من سلامتها و قد تقوم مسؤولية العيادة أو المستشفى الخاص عند إخلاله بتوفير العدد الكافي من العاملين و الممرضات لحسن أداء المستشفى للخدمات الطبية و يشترط في العاملين و بصفة خاصة الممرضات حيازتهم على الشهادات المطلوبة و أن يكونوا على درجة كافية من التخصص و الكفاءة .
المطلب الثاني : مسؤولية الصيدلي في صيدليته .
يمكن أن تثور مسؤولية الصيدلي إذا ما قام ببيع الدواء مباشرة للمريض دون أمر من الطبيب و يستوي في هذا الصدد أن يكون الصيدلي قد قام من نفسه باختيار الدواء أو إعطائه للمريض دون أن يكون المريض قد طلب هذا النوع من الدواء بالذات ، و لا يتابع الصيدلي إذا ما استمر في بيع دواء معين حتى يتم اكتشاف دواء آخر أكثر فعالية ، إذ يتعلق الأمر بالتقدم و التطور الطبي .و يعتبر الصيدلي تابعا لصاحب الصيدلية باعتباره متبوعا لأنه هو الذي اختار الصيدلي و عليه رقابته ، إلا أن قيام المسؤولية يشترط توفر القواعد العامة أي وقوع الخطأ بمناسبة الوظيفة أو بسببها .و يخرج عن نطاق مسؤولية المتبوع ما يرتكبه التابع من خطأ لم يكن بينه وبين ما يؤدي من أعمال الوظيفة ارتباط مباشر و لم تكن هي ضرورية فيما وقع من خطأ و لا داعية إليه فإذا دخل عامل بصيدلية منزل المجني عليه بعد منتصف الليل بحجة إسعافه من مغص مفاجئ ثم قتله فلا يسأل صاحب الصيدلية بصفته مسئولا عن أعمال تابعه ( العامل بالصيدلية ) لأنه لم يكن وقت ارتكاب الجريمة يؤدي عملا من أعمال وظيفته و إنما وقعت الجريمة منه خارج زمان الوظيفة و مكانها و نطاقها و يغير أدواتها و من ثم فلا تلحقه مسؤولية المتبوع .
الخاتمة : من خلال السرد الذي تناول مسؤولية الطبيب و الصيدلي ضمن القطاعين العام والخاص فإننا نخلص إلى أن قيام المسؤولية لكليهما يعود على أساس تصنيف الخطأ المرتكب ما إذا كان خطأ شخصيا أو مرفقيا و كذا علاقة الطبيب و الصيدلي بوصفه تابعا أو متبوعا و من هنا فإن اختصاص القضاء يتحدد حسب العلاقة التي تربط الطبيب و الصيدلي بالقطاعين و كذا تصنيف الخطأ لتحديد المسؤولية و توقيع الجزاء.
مسؤولية المستشفى
المقدمة
أطراف النزاع: الطاعن بالإستئناف : ب م .
المطعون ضده: المستشفى الجامعي بقسنطينة.
الوقائع: ( قطع الساق اليمنى للفتاة يسمينة )
- وضع الجير على ساق الفتاة يسمينة لمدة 35 يوم .
- اللجوء إلى قطع الساق اليمنى للفتاة بعد تطور حالتها الصحية .
الإجراءات:
- صدور قرار من الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي بقسنطينة بتاريخ
2/4/1966 الذي رفض تعويض الأضرار التي لحقت بابنة السيد ب م .
- إيداع ب م عريضة بتاريخ 11/6/1967 لإستئناف ضد قرار الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي بتاريخ 15/4/1970.
الإدعاءات:
- إدعاء ب م بقيام المسؤولية بناءا على الخطأ في العلاج وفي تنظيم المرفق .
- إدعاء المستشفى الجامعي بعدم مسؤوليته لأنه لم يرتكب أي خطأ في العلاج ولا في تنظيم المرفق.
المشكل القانوني:
هل الضرر الذي لحق يسمينة كان سببه خطأ في تنظيم وتسيير مصالح المستشفى ؟ هل يرتب هذا الخطأ المسؤولية الإدارية ؟ وما أهم الآثار المترتبة عن هذا الخطأ ؟
الحل القانوني:
منطوق القرار:
لهذا السبب يقضي المجلس الأعلى ببطلان قرار مجلس قضاء قسنطينة وتعويض المستأنف.
وقبل التطرق إلى الخطة المقترحة نتعرض أولا لتعريف مرفق المستشفى والذي يعتبر مؤسسة عمومية ذات طابع إداري حسب ما ينص عليه القانون العام الخاص بتنظيم وسير المستشفيات وتقوم من أجل غايتها الأصلية وعلى تقديم خدمات صحية بنشاطاتها المتمثلة أولها إداري تنظيمي وثانيها أساسا طبي علاجي ونظرا لخصوصية نشاطها الخيري الذي يعرف تطورا مستمرا متماشيا وتطور العلوم الطبية زيادة على تميزه بجوانب مختلفة ومعقدة , تحتمل أن تسبب أضرار مختلفة ومأسوية وفي بعض الحالات يصعب وبسبب خصوصيتها تحديد العلاقة بينها وبين هذا النشاط , لذا فإن مسؤولية المستشفى وإن كانت تخضع للقواعد العامة للمسؤولية الإدارية إلا أنها تخضع أيضا لقواعد خاصة تعود إلى طبيعة نشاط المستشفى ومن ثم فهي تبنى على أساس الخطأ المرفقي بما فيها الخطأ البسيط والخطأ الجسيم وهذا حسب طبيعة العمل الذي تقوم به.
المبحث الأول: تحديد نشاط المؤسسة واساس مسؤوليتها .
مط01: نشاطات المستشفى.
يعرف مرفق المستشفى بجانب نشاطاته التنظيمية الإدارية نشاطا أساسيا أسس من أجله وهو النشاط الطبي حيث يميز هذا النشاط بأعمال مختلفة يتولاه تقنيون مختصون من حيث التكوين والمستوى والمهني تطرح على القاضي في حالة إلحاقها أضرارا بالمتضررين صعوبات في تحديد أساس قيام المسؤولية وعليه ميز الفقه والقضاء الإداريين في النشاط الطبي نوعين:
أولهما : عمل طبي والثاني: عمل علاجي .
وقد إقترح الفقهاء بين العمل الطبي والعمل العلاجي وذلك إنطلاقا من معيارين:
1- المعيار العضوي: العمل الطبي وفقا لهذا المعيار هو:
• العمل الذي يقوم به الطبيب أو الجراح المختص.
• العمل الذي يقوم به تقني آخر تحت إشراف الطبيب أو المختص أو الجراح .
ويكون عمل علاجي العمل الذي يقوم به تقنيون آخرون غير الأشخاص المذكورين وعليه العمل الطبي لا تترتب عليه المسؤولية إلا في حالة الخطأ الجسيم والعمل العلاجي لا تترتب عليه المسؤولية إلا في حالة الخطأ البسيط . وقد إنتقد هذا التمييز لأنه غير مقنع وفي غير صالح الضحية خاصة في حالة العمل الطبي إذ يقوم الطبيب ببعض الأعمال الخفيفة مما يصعب على الضحية إثبات الخطأ الجسيم لهذه الأعمال لهذا فقد تخلى القضاء والفقه على هذا المعيار وأخذ بالمعيار المادي الذي يستند إلى طبيعة العمل.
2- المعيار المادي: فالعمل الطبي وفقا لهذا المعيار :
هو العمل الذي يتميز بالصعوبة ويتطلب معرفة خاصة تكتسب بعد دراسات طويلة,العمل العلاجي هو العمل العادي الذي يبنى أساسا على تنفيذ أوامر إستثنائية بمسؤولية المستشفى تتأسس في حالة العمل الطبي وفقا لهذا المعيار على الخطأ البسيط والخطأ الجسيم.
مط02: أساس قيام مسؤولية المستشفى.
بعدما تطرقنا إلى التمييز بين العملين الطبي والعلاجي فإنه يترتب على هذا التمييز تحديد الخطأ الذي تترتب عليه مسؤولية المستشفى ولذلك تطرقنا للخطأ بين البسيط والجسيم.
فرع01: الخطأ البسيط: نظرنا لصعوبة وضع تعريف الخطأ البسيط في مجال مسؤولية المستشفى يقوم القاضي الإداري بتقديره حسب عناصر مختلفة كالأخذ بعين الإعتبار ملاحظات القاضي الجزائي وكذلك مراعاة الوسائل المرفوقة وهي الوسائل التي تضرر منها الضحية أو المريض. والخطأ البسيط قد يكون ناجم عن الخطأ في تنظيم وسير مرفق المستشفى كالتأخير في إستقبال المرضى والعلاقات السيئة بين الطبيب والأعوان الشبه طبية وسوء إستعمال أو خلل في العتاد الطبي وكذلك إنعدام الرقابة الطبية كما قد يكون ناجم عن الخطأ في تقديم العلاج كالحقن مثلا.
فرع02: الخطأ الجسيم: يصعب تحديد الخطأ الجسيم إنطلاقا من الإمكانيات التقنية والتكنولوجية المستعملة في الطب وكذلك الإمكانيات المحدودة للقاضي أمام الجانب التقني لهذا العمل ويختلف الخطأ الجسيم عن الخطأ الشخصي بحيث يؤخذ بعين الإعتبار في الخطأ الشخصي بنية الأداء.
كما يختلف الخطأ البسيط في الطابع غير العادي للخطأ الجسيم والخطأ الجسيم إما يكون في تشخيص المرض أو سوء إختيار العلاج المناسب أو ناجم عن الخطأ في عملية العلاج.
المبحث الثاني: سوء تنظيم وتسيير المرفق كأساس لمسؤولية المستشفى الجامعي بقسنطينة وآثاره .
مط01: سوء تنظيم وتسيير المرفق ..
إن الأضرار التي لحقت بالفتاة ياسمينة والمتمثلة في قطع ساقها اليمنى كان أحد أسبابها هو إنعدام الرقابة الطبية والسبب الآخر هو العلاقة السيئة بين الطبيب والأعوان الشبه طبية.
حيث إنه عند إصابة الفتاة ياسمينة بكسر على مستوى ساقها الأيمن دخلت إلى المستشفى الجامعي بقسنطسنة لتلقي العلاج وهذا بتاريخ 3/9/1967 .
وفعلا فقد تم وضع الجبس لها من الممرض المختص بالجبير تحت إشراف الطبيب المعالج ورغم ظهور الحمى التي تجاوزت 38 م وظهور الآلام على مستوى الساق في اليوم الأول إلا أن الجبس لم ينزع وبقيت ساق الفتاة مجبرة
3 أيام إلى غاية 6/9/1967 مما أدى إلى تفاقم حالة الكسر وتعفنه وبالتالي الإضطرار إلى قطع ساق ياسمينة.
إن الضرر الذي لحق ياسمينة كان بالإمكان تداركه في اليوم الأول لولا إنعدام الرقابة الطبية من قبل الممرضين فلو لاحظ الممرض المكلف بمراقبة حالة ياسمينة (ظهور الحمى والألم) لقام بإخبار الطبيب المعالج وتم نزع الجبس لها وتطهير الكسر وإستخدام تقنيات جراحية المتاحة في هذا المجال وحيت أنه يلاحظ في المستشفيات العلاقة السيئة بين الطبيب والممرض وعدم وجود تكامل مهني بينما هو الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى حدوث أضرار للمرضى مثل الضرر الذي حصل للفتاة ياسمينة.
إن الرقابة هي من الأعمال العلاجية التي يقوم بها الممرض وإهماله في الرقابة يعد خطأ بسيط وبما أن الممرض ينتمي إلى إدارة المستشفى الجامعي بقسنطينة فإن المستشفى الجامعي بقسنطينة هو المسؤول عن خطأ الممرض.
مط02: آثــــاره .
إن إنعدام الرقابة الطبية أو الإهمال في الرقابة وكذلك العلاقة السيئة بين الطبيب والممرض هي أحد الأسباب الرئيسية للضرر الذي لحق ياسمينة وبما أن الأعوان الشبه طبية المكلفين بالرقابة ينتمون إلى إدارة المستشفى الجامعي بقسنطينة فإن هذه المتشفى هي المسؤولة عن تعويض والد الفتاة ياسمينة وهذا ما قضى به قرار المجلس الأعلى ( الغرفة الإدارية) بتاريخ : 15 /04 /1980.
الخاتمة
ومن كل ما تطرقنا إليه من تحليل القرار الذي بين أيدينا الذي بمجرد معرفة محتوياته قبل أن نبين ملابسات والإجراءات التي إتخذها أعوان المستشفى المتمثلين في الطبيب المعالج والممرض المسؤول عن مراقبة الطفلة ياسمينة وبإسقاط الأراء التي ظهرت وبين مسؤولية المستشفى على أساس مبدئين أساسيين وهما : الخطأ الجسيم والخطأ البسط الذي ظهر في إنعدام تنظيم وتسيير مصالح المستشفى الجامعي بقسنطينة ومن هنا قضى المجلس الأعلى بابطال قرار مجلس قضاء قسنطينة وتعويض الطفلة
hadia369
2013-02-06, 23:32
ملخص في المنازعات
http://www.4shared.com/file/21691979/ef117d59/__online.html
hadia369
2013-02-06, 23:43
:dj_17: أرجو منكم أن تساعدوني في مذكرة تخرج حول قاضي الإثبات في القانون الجنائي و بالخصوص خطة المذكرة :sdf::sdf::sdf::sdf::sdf: شكرا
دور القاضي الجنائي في ظل مبدأالأقتناع القضائي
http://www.univ-biskra.dz/fac/droit/images/revues/mntda/r5/mk5a13.pdf
lafleuramouna
2013-02-11, 14:14
شكرا كثيرا على الجهد المبدول
ان شاء الله تكوني من الناجحين يا رب
barkka allaho fiki okheti koun tzidi telgayena الاجراءات الجزائية
hadia369
2013-02-14, 22:55
barkka allaho fiki okheti koun tzidi telgayena الاجراءات الجزائية
http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=1042481
رنيم ألاء
2013-02-15, 12:19
والله تستاهلي النجاح بإذن الله تعالى.
خيرالدين أبو انس
2013-02-15, 21:14
يا خويا روةح الله يزوجك ولا كنت متزوج يعطيك الدرية الصالحة ان شاء الله
هدا واش كان خاصني
houssam0h0
2013-02-15, 23:53
ربي يخليك هادية على الملخصات سلكتينا
princesse 22
2013-02-15, 23:58
الف شكر لكم و الله ينحجكم و ينجحنا جميعا
زهرة حموية
2013-02-17, 00:57
شكرًا جزيلا ربي ينجحك إنشاء الله
sami.362
2013-02-19, 22:59
بارك الله فيك اخي الكريم
hadia369
2013-02-22, 23:53
بالتوفيق لكل المشاركين وربي يوفقكم
houari2008
2013-02-23, 12:12
ارجوا ان تفيدنا بملخصات خاصة بانتقال الالتزام تحوله و انقضائه....,وجميع الدعاوى المدنية بالشرح من دعوى مباشرة و غير مباشرة ,بوليصية..... بارك الله فيكم .
السلام1
جزاك الله خيرا اختي هادية و ان شاء الله نتمنالك تنجحي على الخير اللي راكي ديري فيه
الخاتمة1
houari2008
2013-02-23, 14:19
و ان أمكن الاثبات في المسؤولية العقدية و التقصيربة جازكم الله خيرا و بالتوفيق للجميع
hadia369
2013-02-23, 21:21
و ان أمكن الاثبات في المسؤولية العقدية و التقصيربة جازكم الله خيرا و بالتوفيق للجميع
http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=196372
الدعاوي
hadia369
2013-02-23, 21:33
لقد درج الفقهاء على تعريف الالتزام بأنه رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين يترتب بمقتضاها على الطرف المدين تجاه الطرف الدائن نقل حق عيني أو القيام بعمل أو امتناع عن عمل. ومن هذا المنطلق إذا نظرنا إلى هذه الرابطة من زاوية الدائن سميت بالحق الشخصي وإذا نظرنا إليها من زاوية المدين سميت إلتزاما، غير أنه يلاحظ أن تسمية الإلتزام تغلب على تسمية الحق الشخصي نظرا لأهمية دور الملتزم في تمكين صاحب الحق من استيفاء حقه. غير أن الضرورة العملية تقتضي أن يوفي الدين شخص آخر غير المدين وتبعا لذلك ينتقل الدين أو الحق من ذمة إلى أخرى و هو ما يعبر عنه بانتقال الإلتزام ويقصد بهذا الأخير تحويل الرابطة القانونية التي تربط الدائن والمدين من ذمة الدائن إلى شخص آخر يحل محله أو من ذمة المدين إلى شخص غيره يصير ملزما بالدين بدلا منه مع المحافظة على الإلتزام بجميع صفاته ومميزاته وتوابعه بحيث يخلف الدائن الجديد الدائن الأصلي في الحق ذاته الذي كان له (حوالة الحق) أو يحل المدين الجديد محل المدين الأصلي في التزامه بالدين ذاته مع إخلاء ذمة هذا الأخير منه (حوالة الدين) وقد نظم المشرع المغربي حوالة الحق من الفصول 189 إلى227 كما أنه قد أغفل تنظيم حوالة الدين عكس القوانين الحديثة الأخرى فقد أقرت بحوالة الدين بعد أن عرفت حوالة الحق وكان الفقه الجرماني هو السباق إلى ذلك حيث مهد لتشريع حوالة الدين في القانون الألماني وتبعه في ذلك كل من القانون السويسري والقانون المدني الإيطالي، كما أن هذا الموضوع يكتسب أهميتين : أهمية نظرية تتجلى في تيسير التصرفات القانونية أما الأهمية العملية تتجلى في تسهيل التعامل بين الملتزمين وبالتالي استقرار المعاملات.
وانطلاقا من هاته الأهمية التي يكتسيها انتقال الالتزام نتساءل عن ما هو الأساس النظري لانتقال الالتزام؟ وما هي أنواع انتقال الالتزام وأحكامه وكذا العمليات الشبيهة به ؟
لمعالجة هذه الإشكالية نقترح التصميم التالي :
المبحث الأول : الأساس النظري لانتقال الالتزام
المبحث الثاني : انتقال الالتزام : أنواعه أحكامه والعمليات القانونية الشبيهة به
المبحث الأول : الأساس النظري لانتقال الالتزام
لمعرفة الأساس النظري لانتقال الالتزام فلا بد من معرفة التطور التاريخي لانتقال الالتزام والحق موضوع الانتقال (المطلب الأول) ثم معرفة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى تطور فكرة انتقال الالتزام (المطلب الثاني)
المطلب الأول : التطور التاريخي للالتزام والحق موضوع هذا الانتقال
كان الالتزام في القانون الروماني يتصف بالشخصية ويصعب بالتالي انتقاله، ثم بعد التطور الذي شهدته القوانين الحديثة سمحت بالتالي بانتقاله، لهذا سوف نتحدث عن التطور التاريخي للالتزام (الفقرة الأولى) وعن الحق موضوع الانتقال (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : التطور التاريخي لانتقال الالتزام
إن القانون الروماني إعتد بالصفة الشخصية الإلتزام واعتبره مجرد رابطة قانونية فاستحال مع هذه الفكرة السماح بالخلافة الخاصة وذلك راجع إلى عدة أسباب منها : الصفة الشخصية البحتة الالتزام بمعنى أن الالتزام كرابطة شخصية أساسها ثقة الدائن في شخص المدين، ثم الشكلية وهي تفترض أن العقد لا تنشىء اثاره بين أطرافه ثم كذلك ارتباط الالتزام بشخص المدين وهذا يعني أن الالتزام كان يقع على شخص المدين وليس على ذمته المالية ومن هذا المنطلق نقول أن انتقال الالتزام بمقوماته وخصائصه ما بين الأحياء لم يكن معروفا في القانون الروماني بل كان معروفا فقط انتقال الالتزام بسبب الموت من دائن عند موته إلى ورثته من بعده فيصبح هؤلاء هم الدائنون مكانه ولكن بفعل تطور فكرة الالتزام بدأ عنصر الرابطة الشخصية في الالتزام يتقلص رويدا رويدا وبدأ العنصر المادي فيه يبرز شيئا فشيئا بحيث أصبح من الميسور في ظل هذه الفكرة المتطورة تصور إمكانية إنتقال الالتزام من الدائن إلى آخر باعتبار الالتزام قيمة مالية لا رابطة شخصية وبالنظر إلى موضوعه لا بالنسبة إلى أطرافه ومن التشريعات التي أقرت بحوالة الحق دون حوالة الدين نجد تشريعات بعض دول المغرب العربي نذكر منها قانون الالتزامات والعقود المغربي ومجلة الالتزامات والعقود التونسية أما القانون المدني الجزائري الصادر باللغة العربية في 20/02/1975 نجده أقر كلا من حوالة الحق وحوالة الدين وقبل هذا التاريخ كان يقر حوالة الحق وحدها. ونفس الشيىء بالنسبة للقانون الليبي أقر الحوالتين معا. أما إذا رجعنا إلى بلدان المشرق العربي وعلى الخصوص منها التشريع المصري فقد أقر كلا من حوالة الحق وحوالة الدين ونفس الأمر بالنسبة للتشريع السوري أقر بالحوالتين معا. أما فيما يخص القانون المدني الفرنسي وأكثر التقنينات اللاتينية أقرت بانتقال الحق ولم تأخذ بحوالة الدين. أما الفقهاء المسلمون فقد أخذوا بحوالة الدين معتمدين ذلك على قول الرسول (ص) "مطل الغني ظلم وإذا أحيل أحدكم على ملء فليحتل" ولم يكن الدافع إلى حوالة الدين في الشريعة الإسلامية ضرورة إقتصادية التي تحتمها حاجات التعامل كما هو الشأن في القانون الحديث إنما كان الدافع هو الرفق بالمدين. هذا فيما يخص التطور التاريخي فماذا عن الحق موضوع الانتقال ؟
الفقرة الثانية : الحق موضوع الانتقال في الالتزام
الأصل في الحق الذي يقع عليه انتقال الالتزام أن يكون حقا شخصيا بغض النظر عما إذا تمثل في العمل أو في الامتناع عن عمل أو في دين نقدي أوحتى في شيئ غير معين بذاته متى كان الحق المتصل به حقا شخصيا كالحق المترتب على الوعد بالبيع أو على بيع معلق على شرط قبل تحقق الشرط. ونظرا لكون اصطلاح الحق ورد في الفصل 192 مرسلا غير مقيد إلا بالخصومة، ونظرا لكون الحوالة من جهة ثانية غالبا ما تنطوي على بيع، والبيع يرد على الحق سواء كان عينيا أو شخصيا أو معنويا، لهذا التبرير نرى أن المقصود بالحق في الفصل 192 ليس هو الحق الشخصي فقط وإنما أيضا الحق العينيي وكذلك ما يعبر عنه البعض بالحق المعنوي أو الذهني.
المطلب الثاني : العوامل الاجتماعية والإقتصادية ودورها في تغيير النظرية الشخصية الالتزام
إن بفعل التطور الصناعي والإقتصادي خلال القرن التاسع عشر كان له أثر فعال في ظهور الحاجة الماسة إلى مبادئ قانونية جديدة مغايرة للمبدإ الشخصي في الالتزام ويتمثل هذا التطور بالخصوص في تقدم الآلات الميكانيكية وانتشار استعمالها مما نتج عنها مخاطر تصيب الناس في جسدهم وأموالهم وكان هذا سببا في تأسيس المسؤولية عن الخطإ المفروض بل حتى في خلق نظرية تحمل التبعية كما أن بفعل التطور في العلاقات المالية والتجارية بين الأفراد أدى هذا إلى قبول مبدأ انتقال الالتزامات سواء من الناحية الإيجابية "حوالة القبول" أو من الناحية السلبية "حوالة الدين"، وهكذا أصبح الالتزام في القانون الحديث عكس ما كان عليه في القانون الروماني، لم يعد الالتزام علاقة بين شخصين بالذات وإنما أصبح علاقة بين ذمتين، وهذا يعني أن الالتزام قيمة مالية لا رابطة شخصية، هذا فيما يخص العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى انتقال الالتزم فماذا عن أنواعه وأحكامه، وكذلك العمليات القانونية الشبيهة به؟ وهذا ما نتطرق إليه في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: أنواع وأحكام انتقال الالتزام والعمليات القانونية الشبيهة به
من أجل التعمق أكثر في موضوع انتقال الالتزام لا بد من التطرق إلى أنواع انتقال الالتزام والعمليات القانونية الشبيهة به (المطلب الأول) ثم الحديث عن أحكام انتقال الالتزام (المطلب الثاني).
المطلب الأول: أنواع انتقال الالتزام والعمليات القانونية الشبيهة به
الفقرة الأولى: أنواع انتقال الالتزام
حسب الفصال 189 من قانون الالتزامات والعقود، فإن الالتزام ينتقل إما بمقتضى القانون أو بمقتضى الاتفاق.
فيما يخص انتقال الالتزام بمقتضى القانون، يكون في الحالات التالية:
1- انتقال الحقوق إلى الوريث بموت المورث.
2- انتقال حق المستأجر الذي يتنازل عن إيجاره إلى الغير المتنازل له ما لم يكن في العقد نص يمنع المستأجر من التنازل عن حقه أو ما لم يكن التنازل يأتلف مع طبيعة المأجور ( 668 ).
3- حلول الملك الجديد محل سلفه في الحقوق الناجمة عن الإيجار القائم شرط أن يكون هذا الإيجار قد أجري بدون غش، وأن يكون له تاريخ سابق على التصرف (694).
4- حلول الدولة محل المضرور عندما يحكم عليها بوصفها مسؤولة عن أخطاء رجال التعليم العام وموظفي الشبيبة والرياضة وإما من الغير (85).
5- حلول المحال له محل الوريث الذي حول حقه في التركة حيث ينتقل بحكم القانون الحقوق والالتزامات المتعلقة بالتركة إلى المحال له ( 209 م).
أما فيما يخص انتقال الالتزام بمقتضى الاتفاق وهذا يعني أن انتقال الحق قد يكون مصدره اتفاق المتعاقدين كأن يتفق الدائن مع الغير على أن يحول له حقه في ذمة المدين فيحل الغير محل الدائن في هذا الحق نفسه ويسمى الدائن محيلا لأنه يحيل الغير بالحق المترتب له في ذمة المدين ويسمى الغير وهو الدائن الجديد محالا له لأن الدائن أحال بحقه ويسمى المدين عليه لأن الدائن الأصلي أحال عليه الدائن الجديد. وحوالة الحق عن طريق الاتفاق هو الذي خصه المشرع بالبحث في المواد من 180 إلى 208 ق ل ع.
الفقرة الثانية: العمليات القانونية الشبيهة بانتقال الالتزام
إن انتقال الالتزام قد يشتبه به مجموعة من العمليات القانونية لهذا سوف نركز عن الفرق بين الحوالة والتجديد، فمن حيث الانعقاد فعقد حوالة الحق وعقد التجديد شأنهما شأن كافة العقود المسماة ما يتطلب فيها ما يتطلب في التعاقد بصفة عامة، أما من حيث حصول اتفاق الأطراف ففي حوالة الحق يتم الاتفاق بين طرفين اثنين هما الدائن القديم والدائن الجديد أي بين المحيل والمحال له، أما في التجديد بتغيير الدائن فإن الاتفاق يتم بين أطراف ثلاثة، المدين والدائن القديم والدائن الجديد. أما فيما يخص مبدأ الرضائية، الرضا المطلوب في حوالة الحق هو رضا المحيل ورضا المحال له فقط ولا يكون رضا المدين المحال عليه مطلوبا، عكس ذلك في التجديد بتغيير الدائن، فيتطلب الأمر رضا الجميع أي رضى المدين والدائن القديم والدائن الجديد، أما فيما يرجع للحق أو الدين المنتقل فالحق الذي ينتقل إلى الدائن الجديد "المحال له " في حوالة الحق هو نفس الحق الذي في ذمة المدين " المحيل". أما في التجديد بتغيير الدائن فقد ينقضي الدين القديم ويحل محله دين جديد شغل ذمة المدين، وللقيام هذا الالتزام الجديد لا بد من وجود اتفاق بين المدين والدائن الجديد ولذلك كان لا بد من رضا المدين.
وخلاصة القول فإن التجديد بتغيير الدائن يشبه حوالة الحق بتغيير طرف من أطراف الالتزام القديم وهو الدائن، ويختلف عن حوالة الحق في أنه يقضي الالتزام القديم ويحل محله التزام جديد يختلف عن الالتزام القديم بتأميناته وصفاته ودفوعه.
المطلب الثاني: أحكام الالتزام
سوف نتناول في هذا المطلب شروط انتقال الالتزام وذلك من خلال (الفقرة الأولى) وآثار انتقال الالتزام خلال الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: شروط انتقال الالتزام
نجد على أن لانتقال الالتزام نوعان من الشروط، وهناك شروط تتعلق بانتقال الالتزام الإرادي وأخرى تتعلق بالانتقالات الجبرية.
- انتقال الالتزام الإرادي: نتحدث عن الالتزام الإرادي عندما تكون إرادة المدين مأخوذة بعين الاعتبار في تحقيق هذا الانتقال فأحيانا تكون موافقته ضمنية أي أن مجرد عدم الطعن يعني الموافقة.
وكمثال على انتقال الالتزام الإرادي: انتقال تأشيرة السفر وشرط هذا الانتقال أنه لا يمكن أن يتم إلا بإعلام وكالة الأسفار (المدين) وذلك على الأقل خلال سبعة أيام قبل بدإ الرحلة بواسطة رسالة مضمونة ، يشترط أن يتوفر المستفيد المحال على نفس الشروط المفترضة في المحيل وخاصة بالسفر والإقامة (حسب ف 195 ق ل ع).
- الانتقال الجبري للالتزام : مفاده أن يؤدي لانتقال حق شخص ما في عقد ما ولو دون موافقته ومثاله في حالة تفويت عقار معين عن طريق البيع حيث يؤدي هذا التفويت لانتقال كل الحقوق والتوابع المتعلقة بهذا العقار ومنها عقد الكراء (ف202 ق ل ع) ما لم يشترط المشتري تصفية العقار من كل توابعه والحقوق المترتبة فالمكتري يصبح ملزما في الاستمرار في هذا العقد وليس له أن يوافق أويرفض لأن من مصلحته أن يبقى لصيقا بعقد الكراء الأصلي فحقه في الانتفاع بالعين المكتراة يبقى مصانا بعقد الكراء الأول على الرغم من تغيير الطرف المتعاقد معه فلا يفسخ عقد الكراء بهذا التفويت ويحل المالك الجديد محل من تلقى العقار في كل حقوقه والتزاماته الناتجة عن الكراء (ف61 ق ل ع م) ومن الشروط الأساسية في الانتقال الجبري للالتزام ضرورة إيراد هذا الانتقال في محرر ثابت التاريخ.
الفقرة الثانية : آثار انتقال الالتزام
يترتب على انتقال التزام انتقال الالتزام ذاته بجميع مقوماته وخصائصه صفاته، وضمانته ودفوعه
1- انتقال الالتزام بجميع صفاته : فلو كان التزاما تجاريا أو قابل للتنفيذ بأن كان مستند إلى حكم قضائي أو إلى سند رسمي أو كان التزاما تضامنيا أو غير قابل الانقسام أو كان التزاما يتيح للدائن فوائد أو نحو ذلك فإنه ينتقل إلى الدائن الآخر أو إلى المدين الآخر بهذه الصفات ذاتها.
2- انتقال الالتزام بجميع ضماناته : فلو كان التزاما مضمونا برهن أو بحق اختصاص أو برهن حيازة أو بحق امتياز أو بكفالة شخصية فإنه ينتقل إلى الدائن الآخر أو إلى المدين الآخر مع التأمين الذي يضمنه. غير أن الكفالة شخصية كانت أو عينية لا تنتقل فيما يتعلق بحوالة الدين إلا برضاء الكفيل.
3- انتقال الالتزام بجميع الدفوع التي ترد عليه : فلو كان المدين يستطيع أن يدفع الالتزام بسبب من أسباب البطلان كانعدام الرضا أو عدم قيام المحل أو عدم مشروعية السبب أو عدم استيفاء الشكل الواجب أو نقص الأهلية أو عيب من عيوب الإرادة، أو كان يستطيع أن يدفع الالتزام بسبب من أسباب الانقضاء كالوفاء أو المقاصة أو الابراء أو التقادم فإن هذا المدين يستطيع أن يتمسك بهذا الدفع قبل الدائن الجديد في حوالة الدين أن يتمسك بهذا الدفع قبل الدائن.
خاتمة :
نستنتج مما سبق على أن القوانين الحديثة قد تأثرت بمجموعة من العوامل الاقتصادية و الاجتماعية وكذا السياسية مما جعل بعض التقنينات تأخذ بحوالة الحق وبحوالة الدين و السؤال الذي يطرح ما هي الأسباب التي جعلت المشرع المغربي يقوم بتنظيم حوالة الحق فقط في ق.ل.ع.م دون تنظيم حوالة الدين؟
لأن المشرع المغربي على غرار المشرع الفرنسي تشبع بالنظرية الليبرالية البورجوازية
المــــراجـــــــــع:
1- ذ.عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني ج 3.
2- ذ. عبد الكريم شهبون: الشافي في شرح قانون الالتزامات والعقود المغربي.
3- ذ. المختار عطار: الوجيز في شرح القانون المدني أوصاف الالتزام وانتقاله وانقضائه الطبعة الأولى سنة 2001.
4- دكتور عبد الودود يحيى: حوالة الدين، دراسة مقارنة في الشريعة الإسلامية والقانوننين الألماني والمصري.
5- د. مامون الكزبري: أوصاف الالتزام وانتقاله وانقضاءه (الجزء الثاني).
6- محمد الشيلح: مرشد الحيران.
7- الدرقاوي: الحوالة في الفقه الإسلامي والوضعي.
hadia369
2013-02-23, 21:36
احكام الالتزام
شروط التنفيذ العيني الجبري
1أن يكون التفنيذ العيني للالتزام لا يزال ممكناً لأنه لو استحال خطأ المدين يصار
إلى التعويض أما إذا استحال بسبب أجنبي فينقضي الالتزام.
2.أن لا يكون في التنفيذ العيني أرهاق للمدين بشرط أن لا يؤدي العدول عن التفنيذ
العيني الجبري إلى إلحاق الدائن ضرراً جسيم ففي هذه الحالة تكون مصلحة الدائن
أولى بالرعاية.
3.أن يطلب الدائن التنفيذ العيني الجبري.
4.أن يكون بيد الدائن سند تنفيذي كالكمبيالة.
5.أن لايكون امتناع المدين عن التنفيذ مشروعاً كـ(الحق في الحبس للضمان).
كيفيـة وقـوع التنفيـذ العينـي الحجـري:-
1.الالتزام بنقل حق عيني يرد على عقار /لا مجال للتنفيذ العيني الجبري إذا تكفل
المدين عن تنفيذ التزامه بتسجيل التصرف في دائر التسجيل العقاري(الطابو)
وإنما للدائن الحق في المطالبة بالتعويض فقط.
2.الالتزام بفعل حقعيني يرد على منقول:- ونفرق بين حالتين:
أ)معين بالذات (قيمي) في هذه الحالة تنقل ملكية الشيء بمجرد انعقاد العقد
وإذا امتنع المدين عن تسليمه كان للدائن إجباره على التسليم مالم يسلمه
المدين إلى مشتري ثاني حسن النية.
ب)منقل معين بالنوع والمقدار (مثلي) لا تنتقل ملكيته هذا الشيء بانعقاد
العقد وإنما بالإفراز فإذا امتنع المدين عن التسليم كان للدائن إجباره على
ذلك بواسطة القضاء إما آذا لم يكن لدى المدين مثل الشيء الملزم بتسليمه
كان للدائن الحصول عليه على نفقة المدين.
3.الالتزام بالقيام بعمل:-
أ)إذا كانت شخصية المدين محل اعتبار في العقد فللدائن إجباره على التفنيذ
بواسطة الغرامة التهديدية.
ب)وبعكسه يتم التفنيذ على نفقة المدين من قبل شخص آخر.
4.الالتزام بالامتناع عن عمل:-
أن الإخلال بهذا الالتزام يعد مخالفة فإن كانت تقبل الإزالة يلزم المدين بإزالتها
كمن يبني داراً تحجب النور والهواء نن جاره فيلزم بإزالته أما إذا كانت
المخالفة لا تقبل الإزالة فلا محال إلا أن يطالب المدين بالتعويض كالمحامي
الذي يفشي سر موكله.
الغرامـة التهديدية:-
عندما يخل المدين بتنفيذ التزامه وكانت شخصيته محل اعتبار في تنفيذ الالتزام
فللدائن أن يطلب من القضاء الحكم عليه بغرامة التهديدية وهي عبارة عن
مبلغ نقدي يقدره القاضي عن كل وحدة زمنية (يوم أو أسبوع) يتأخر فيها المدين
عن تنفيذ التزامه علماً أن قرار الحكم هذا غير قابل التنفيذ لغاية انكشاف موقف
المدين حيث يحكم بعدها بتعويض نهائي يراعي في تقديره العنت (العناد) الذي
ظهر من المدين.
الإعـذار:-
هو تنبيه يوجه من الدائن إلى المدين ينبهه فيه الى انه متاخر في تنفيذ التزامه
بحيث تترتب مسؤوليته عن الإضرار التي تصيب الدائن جزاء تأخره في التنفيذ.
ويقع الإعذار بإنذار المدين بورقة رسمية بواسطة كاتب العدل أو بأي طلب
كتابي آخر.
hadia369
2013-02-23, 21:40
* القانون المدني : الالتزامات :
أولا : مصادر الالتزام : العقد ـ الإرادة المنفردة ـ الفعل الضار ـ الفعل النافع ـ القانون .
ثانيا : أحكام الالتزام : وسائل حماية حقوق الدائن ـ أوصاف الالتزام ـ انتقال الالتزام ـ انقضاء الالتزام
hadia369
2013-02-23, 21:43
المدخل للعلوم القانونية :
أولا : نظرية القانون : تعريف القانون وتحديد نطاقه ـ تقسيم القانون ـ مصادر القانون ـ تفسير القانون ـ تطبيق القانون .
نظرية الحق : تعريف الحق ـ أشخاص الحق ـ محل الحق ـ أنواع الحق ـ انقضاء الحق
ثانيا : * القانون الإداري :
أولا : مدخل عام لدراسة القانون الإداري .
ثانيا : التنظيم الإداري .
ثالثا : النشاط الإداري .
* القانون الجنائي :
أولا : النظرية العامة للجريمة : الجريمة ـ أركان الجريمة ـ الأفعال المباحة ـ المساهمة ـ المسؤولية الجزائية .
ثانيا : الإجراءات الجزائية : لمحة عن التطور التاريخي للتشريع الجزائي الجزائري ـ مرحلة الاستدلالات ـ الدعوى العمومية ـ المحاكمة ـ طرق الطعن .
.
* القانون المدني :
أولا : عقد البيع .
ثانيا :عقد الإيجار .
ثالثا :التأمينات ( شخصية وعينية ) .
* القانون الإداري : الأعمال الإدارية والمنازعات :
أولا : الأعمال الإدارية ( القرارات ، العقود ) .
ثانيا : الرقابة على أعمال الإدارة .
ثالثا : الجهات القضائية المختصة بعملية الرقابة .
رابعا : الدعاوى القضائية الإدارية .
* المرافعات ( قانون الإجراءات المدنية ) .
أولا : التنظيم القضائي الجزائري .
ثانيا : النظرية العامة للاختصاص .
ثالثا : نظرية الدعوى .
رابعا : التحكيم .
* القانون الجنائي الخاص :
أولا : الجرائم على الأشخاص .
ثانيا : الجرائم على الأموال .
* علم الإجرام والعقاب :
أولا : علم الإجرام :
ـ تعريف الظاهرة الإجرامية في المدارس العلمية المختلفة .
ـ مدى تأثر القوانين الوضعية والقوانين الجزائية بهذه المدارس .
ـ العوامل الإجرامية .
ثانيا : علم العقاب :
ـ العقوبة ن أنواعها وأهدافها .
ـ المؤسسات العقابية الجزائية .
hadia369
2013-02-23, 21:49
المسؤولية المدنية بصفة عامة
http://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=570214
http://www.boxiz.com/blogs/884
houari2008
2013-02-24, 20:08
merci bkp ma soeur hadia bon courage
houari2008
2013-02-24, 20:19
شكرا الاخت نادية على تقديم المعلومات و الدروس و لكن انا كنت اقصددعوى المباشرة و الغير المباشرة و البولصية و الصورية بالشرح و الاثبات في المسؤولية العقدية و التقصيرية لأنه موضوع جد مهم و وكان موضوع الاثبات خاصة في المسؤولية التقصيرية محل سؤال في ماجيستير بن عكنون سنة 2009 على ما أظن لذلك رأيت ان يفيدنا الزملاء بهذه المواضيع وشكرا على المجهود الاخت نادية .
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir