المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد على من يرى كفر الشعوب المسلمة


أبو مصعب الجزائرى
2009-04-04, 00:27
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المؤمنين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :



من المسائل التي نخالف فيها غيرنا من أهل البدع؛ هي مسألة التكفير بالعموم أو اعتقاد أن الأصل في الناس؛ الكفر، أي انهم عادوا بجملتهم وعوامهم وعامتهم إلى الكفر، وبالتالي يتعاملون مع هذه الشعوب على انها شعوب كافرة.

وهذه من المسائل التي هي خلاف بيننا وبين غيرنا من الطوائف البدعية.

لأن الطوائف البدعية في هذا الباب من الغلاة؛

# إما أنهم يُكفرون بالعموم، ويرون ان الأصل في الناس هو؛ الكفر، ويتعاملون مع الناس في الأصل على أساس البراءة من الإسلام، وليس البراءة من الكفر والشرك، ولهذا عمدوا إلى استحلال الدماء والأموال الأعراض.

# وهناك طوائف أقل منهم سوءاً وشراً؛ توقفوا في الحكم على هذه الشعوب، فلم يحكموا لها بإسلام، ولم يحكموا لها بكفر - أي جعلوها في منزلة بين المنزلتين -

والذي نعتقده؛ أن هذه الطوائف من الطوائف الغالية.

نحن نعتقد؛ أن الأصل في أمتنا الإسلام.

فعندما تدخل بلداً من البلاد، تجد فيه المساجد ويُرفع فيه الآذان، والناس يذهبون فيه إلى الصلوات، ويُسمون الله على ذبائحهم، ويستقبلون القبلة، ويتشهدون بكلمة التوحيد، وهذه علامات الإسلام.

لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله) [2].

فهذه من علامات الإسلام.

وقد ذكر الكاساني في "بدائع الصنائع"؛ العلامات التي يُحكم على الرجل بالإسلام في "كتاب الجهاد"، وقال؛ إما بالنص - أي بكلمة التوحيد - وإما بالدلالة - أي بعمل من الأعمال التي يتميز بها أهل الإسلام عن غيرهم، وإما بالتبعية [3].

وشعوبنا عندها الكلمة - النص - والدلالة - الأعمال - والتبعية - آبائهم مسلمون وأمهاتهم مسلمات -

فمن اعتقد أن الأمة - بمجملها وعامتها - قد عادت إلى الكفر والشرك؛ فهذا ضلال.

ولو أردنا ان نفصل سبب ضلالهم يطول الحديث، ولكن هم يعتقدون؛ ان الكفر قد حل بالبلاد - هكذا يقولون - فبعضهم يرى؛ أنه ما دام قد سميت هذه الدار بـ "دار كفر"، فقد أُطلق على أهلها أنهم كفار، وهذه قاعدة معروفة من قواعد أتباع فرق وطوائف الخوارج، أنه إذا كفر الإمام؛ كفرت الرعية، وصاروا جزءاً من طائفته!

والناس ليسوا جزءاً من الطائفة – الدولة – لأن هؤلاء مقهورون، محكمون.

وتعرفون فتوى شيخ الإسلام في "ماردين" [4].

وتعرفون؛ أن كثيراً من البلاد الإسلامية قد حُكمت بالكفر، كالأندلس، ومصر من قبل العبيدين، وماردين والعراق من قبل التتار، والشرق الإسلامي كله، ولم يحكم أهل الإسلام قط على أن الشعوب - بمجرد سقوط الدولة المسلمة الحاكمة عليهم - قد كفرت وأن الناس قد خرجوا من الإسلام، لم يقل أحدٌ من أهل الإسلام بهذا.

كان الخوارج يعتقدون؛ أن دارهم وطائفتهم هي دار الإسلام، وأن الديار المخالفة لهم - الذين لم يدخلوا في دينهم ولم يدخلوا في حكمهم - هي دار ردة، وبالتالي من دخل فيها فهو مرتد وكافر.

وهذا ضلال من ضلالتهم.

# وبعضهم قال: أن هؤلاء الساكنين لهذا الديار لم يظهروا الكفر بالطاغوت! والأصل أنهم يعلنوا البراءة - لما يقرءوا من كلام أهل الإسلام؛ بأن البراءة يجب أن تُعلن، كما قال إبراهيم عليه السلام: {إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ} [الممتحنة: 4].

ولكنهم ينسون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [5].

فسمى إنكاره بالقلب؛ إيمان، فكيف يُحكم على قلوب الناس بأنها رضيت أو أنكرت؟! لا بد بأن يأتوا بعمل ظاهر يدل على المتابعة.

وشعوبنا لم تتابع، ففي كل فرصة تُظهر هذه الأمة ولاءها للإسلام.

ولما جاء أهل البدع من الديمقراطيين، وقالوا للناس؛ "انتخبونا باسم الإسلام"! الشعوبُ أعطتهم ما يريدون، وهذا يدل على أن الشعوب تريد الإسلام.

ولو أُستنفروا لأي قضية باسم الإسلام؛ شعوبنا تُقدم وتُضحي.

هذا الشعب الأفغاني؛ بماذا سيق للجهاد؟ سيق براية "لا اله إلا الله"، بماذا اُستحث الشعب الجزائري للجهاد؟ باسم "لا اله الله الله" قام وتحرك.

فمادة الإسلام في الشعوب قوية، والإسلام في قلوبهم، إذن الشعوب مسلمة.

وهذه الطوائف لا يمكن أن تكون من طوائف أهل السنة، ونحن لا نلتقي معهم.

طوائف أهل البدع تعتقد؛ ان هذه الأمة لا تصلح للتكليف، بينما نحن نعتقد أنها صالحه الآن للتكليف، بل والتكليف بذروة سنام الإسلام - وهو الجهاد -

ولكن شعوبنا تحتاج إلى المعلم، وإلى المبين لهم، لأن شعوبنا ربما فهمت أن الجهاد يكون ضد "الأجنبي" فقط.

الفلسطينيون فهموا؛ أن الجهاد ضد اليهود، ومع هذا فالجهاد سارٍ فيهم، لكنهم يحتاجون إلى من يفهمهم؛ ان الجهاد ضد المرتدين أيضاً، ليقلبوا فوهة البندقية.

إذن الشعوب؛ شعوب مسلمة، فيها دلائل وإمارات الإسلام، ولا يُكفر واحد من هذه الشعوب إلا بدليل، أي أن يأتي بعمل مكفر، عندنا من الله عز وجل فيه برهان، ولا يجوز تكفير الأمة.

أمة الإسلام ما زالت كما هي.

والنبي صلى الله عليه وسلم تعامل حتى مع الذين هم في آخر الزمان، تعامل معهم كأمة، ولم يتعامل معهم كشخوص.

أما جماعات التكفير؛ فبعضهم لا يرى إلا عشرة أو خمسة عشر فرداً هم المسلمون، والبقية كفرة، وبعضهم يرى؛ أن طائفته - وهم مئتان أو ثلاثمائة فرد – هم المسلمون فقط.

فمن هم هؤلاء الذين يقاتلون مع المهدي - وهم بالآلاف -؟! وأين الذين يقاتلون مع عيسى ابن مريم؟! إذا كان الذي بقي من أهل الإسلام مائة أو مائتين أو ثلاثمائة أو جماعة من الجماعات؟! أين أهل الإسلام الذين يقاتلون ثمانيين غاية تحت كل غاية ثمانيين ألفا [6]؟! أين هم هؤلاء؟!

ونحن، لأننا نعتقد بوجوب الجهاد على هذه الأمة؛ نخاطبها بهذا التكليف، فنقول لهم: "يا أمة الإسلام؛ أنتم مسلمون، عليكم أن تثوروا بالإسلام، وتجاهدوا من سلب حق الله جل وعلا في حكمكم وفي طاعتكم لهم".

نعم، يوجد في الأمة؛ جهل، ويوجد ضعف إيمان وضعف إرادة، ويوجد تلبيس من شياطين الإنس من المشايخ وعلماء السلطان والكهنة، ولذلك نقول؛ ان الأمة تحتاج إلى من يقودها.

حتى الحكام الكفرة؛ لأنهم يعلمون رصيد الإسلام في قلوب الناس، فإنهم إذا أرادوا أن يسوقوهم لعمل من أعمالهم؛ يسوقونهم باسم الإسلام.

هذا "صدام حسين"؛ لما أراد ان يقاتل الثورة الإيرانية بقيادة الشيعي الرافضي الخميني، استحثهم تحت راية "أهل السنة"، قال لهم؛ "يا أهل السنة قوموا فقاتلوا الشيعة الروافض"، وأدار المعركة بهذه الطريقة، ولذلك أيدته طوائف أهل السنة وأيده الناس؛ لأن "صدام" عندهم من أهل السنة.

حتى الخميني عندما قاتل "صدام"؛ استحثهم باسم الإسلام ومقاتلة "البعثيين" أيضاً.

وهكذا يستخدم الحكام الإسلام، مما يدل على أن شعوبنا ما زالت مسلمة وأن الراية التي تحركها حركة حقيقية صحيحة؛ هي راية الإسلام.

هذا أدلة واقعية، ولكن الدليل الشرعي واضح - كما ذكرنا في البداية - فهم يسمون على ذبائحهم، ويستقبلون القبلة.

ولا بد للمكفر لواحد من آحاد هذه الأمة؛ أن يأتي بالدليل الصريح الصحيح الواضح البرهان على تكفير هذا الشخص.

إذن نحن نحكم لهذه الشعوب بالإسلام.

نعم، هناك طوائف من هذه الشعوب قد كفرت، كعبدة الأوثان.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تلحق فئام من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد طوائف من أمتي الأوثان) [7].

نعم، يوجد من عباد القبور ومن عباد الأحجار ومن عباد الشيطان وممن دخلوا في طوائف الردة وناصروهم، وهؤلاء كلهم نحكم بحكم الله عليهم.

ولكن عندما نتحدث عن المسلم الذي لم يأت بعمل مكفر – وهذا حال عامة شعوبنا - فهؤلاء عندهم الإيمان المجمل، وحكم الشرع الذي يجب علينا أن نحكم به عليهم؛ هو أنهم مسلمون


يتبع إن شاء الله

طه الهلالي
2009-04-05, 03:06
السلام عليكم ورحمة الله
بورك فيك

الأخ سعيد
2009-04-05, 03:34
بارك الله فيك اخي ابو جابر....حزاك الله عنا كل خير

أبو مصعب الجزائرى
2009-04-06, 00:22
السلام عليكم ورحمة الله
بورك فيك


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وفيك بارك الله اخى وجزاك الله خير علي المرور

أبو مصعب الجزائرى
2009-04-06, 00:37
[center]الطوائف الثانية، هي الطوائف التي تتوقف في الحكم على الناس:

وهذه بدعة جديدة، لا يُعرف عن آوائل هذه الأمة التوقف.

ويحتجون بآية: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10]، فقالوا؛ "إذن هذا إمتحان، فقد توقف حكم الإسلام على الإمتحان!".

نقول: ولكن الآية ضدكم، لأن الآية تقول: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ}، فحكم بحكم الإيمان عليهن قبل الإمتحان، أي أنهن لو متن قبل ان يُمتحن؛ لوجب على المسلمين أن يصلوا عليهن.

وهذه الجارية التي جاءت فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ان يعتقها، فقال: (من ربك؟)، قالت: (في السماء) [8].

هل معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم بإسلامها؟! الجواب: لا، قد كان يحكم بإسلامها، ولكن جاء حكم يقتضي إمتحان، وهذه مسألة اخرى، لا تعني التوقف في الحكم.

كما أن الأصل في الناس أنهم ثقات، ولكن ربما تأتي مسألة تحتاج إلى توثق زائد، كأن يكون الرجل مستور الحال فيُحتاج إلى توثق لترتفع درجته، فمستور الحال عند أهل الحديث لا يُقبل، مع أنهم لا يحكمون بأنه مجروح، ولكن لأن هناك عمل يحتاج إلى زيادة توثق، ولا يعني أنه غير ثقة، لأن الأصل فيه أنه عدل، ولكن جاءت مسألة تحتاج التوثق في هذا الباب.

فالآية حكمت بإيمان النساء المهاجرات؛ {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}، فسماهن بالحكم الظاهر، فأنهن مؤمنات، يعني مسلمات.

فجماعات التوقف؛ أتت ببدعة جديدة، لم يأت بها أحد من أهل السنة، ونحن نخالف هذه الطوائف.

وبفضل الله – فيما أعلم – أنه حتى طوائف التوقف والتبيُن؛ بدأت تتراجع عن هذه العقيدة، وأن مشايخهم الكبار – من دون أن أذكر أسماء – قد بدأوا يعودون، فبدأوا يصلون في مساجد المسلمين، ويصلون وراء المستور.

ولا نقصد بـ "المستور" هنا؛ أنه غير معروف الإسلام والكفر! وانما نقصد من ثبت له حكم الإسلام، ولكن لا يُعرف عن حاله؛ هل أتى بمكفر أم لم يأت بمكفر - أي بالمكفر الذي انتشر في بلده - فمثل هذا؛ مسلم، نصلي وراءه، ولا نمتحن الناس حوله، ولا نمتحنه من أجل الناس أو من أجل الصلاة وراءه، بل نصلي وراءه.

أما من تبين كفره؛ فهذا نحكم له بالكفر، وهذا حكم الله عز وجل، ولا كرامة له، ولا نقدم على حكم الله عز وجل شيئاً من الأشياء ولا شخصاً من الشخوص - كائناً من كان -

إذن هذه الشعوب هي شعوب مسلمة.




#


# [size="6"]وهناك طائفة أخرى جديدة؛ حكمت على الشعب بأنه منافق!

والنفاق حين يكون حكماً - لا وصفاً -؛ يكون كفرا، فحين نحكم على رجل بأنه منافق، فنقول: هذا حكمه في دين الله أنه منافق، فمعناه في دين الله؛ أنه كافر ولكنه يُخفي على الناس كفره، وبان لنا، فهو يستر الكفر وظهر لنا، فنحكم عليه بأنه كافر، ولكن قلنا عنه أنه "منافق" لأنه يُخفي عن الناس هذا الكفر.

أما وصف النفاق؛ فموجود.

أما الاحتجاج بكلام شيخ الإسلام؛ "بأن بعض الناس لم يتصور في الدنيا إلا مسلم وكافر، ولم يتصور النفاق".

فهذا كلام عن الوجود، لا كلام عن الحكم، فهو يعني؛ أنه في الواقع يوجد مسلمون حقيقيون في الظاهر والباطن، وهناك مسلمون في الظاهر كفار في الباطن - وهم المنافقون - وهناك كفار في الظاهر كفار في الباطن، فهو يتكلم عن الوجود، لا عن الحكم.

وأن تقول؛ هذا منافق، يعني أنه ليس كافراً فقط، بل كفره مغلظ، وهو أشد من الكافر، لأن أهل العلم لم يختلفوا في أن المرتد تقبل توبته لو تاب، ولكن اختلف أهل العلم والدين؛ في الزنديق، فجمهور العلماء لا يقبلون توبته، فهو أشد عندهم من المرتد في الظاهر والباطن.

فهؤلاء الذين يقولون؛ أن الشعب قد نافق لأنه لم يدخل في طوائفهم، قد جاءوا بجهل جديد.

ودعوى؛ أننا من أهل البدع، وأننا نكفر الشعوب؛ هذا كذب، فنحن الذين لا يمكن أن يُتصور بأننا ندعو هذه الشعوب للجهاد ولإسقاط هؤلاء الطواغيت، ثم نتصور وجود النفاق فيهم.

ولا يمكن أن نتصور الحكم بتكفير الشعوب؛ لأن تحريك الناس للجهاد هو حكم شرعي، فإذا اعتقدنا في الناس الكفر؛ حينئذ يجب أن نخاطبهم بالإسلام أولاً، فقبل أن نقول لهم؛ جاهدوا، نقول لهم؛ أسلموا، ونحن لا نقول لهم؛ أسلموا، بل نقول لهم؛ جاهدوا.

فحين نقول للناس؛ جاهدوا، فواضح من كلامنا أننا لا نكفرهم، لأنا خاطبناهم بالحكم الشرعي، وفي الدنيا؛ الكافر لا يُخاطب بأحكام الشريعة - هو معذب في الآخرة على فروع الشريعة، على القول الصحيح، ولكن في الدنيا لا يُخاطب الكافر بالفروع، فلا يؤمر بالصلاة ولا بالزكاة ولا بالجهاد - بل إذا جاء ليجاهد؛ يُطرد!

لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) [9]، ولقوله: (فلن استعين بمشرك) [10].

إذن عندما نقول للناس؛ جاهدوا في سبيل الله، خاطبناهم بالإسلام.

قد يأتي ويقول المعارض - كما يقول أهل التوقف والتبين أو أهل فكر معارضة الأصل للظاهر -؛ أن الظاهر هو متابعة الطاغوت والأصل هو الإسلام، فهل نقوي الظاهر أم نقوي الأصل؟

وهذا خوض كلامي لا قيمة له، والأصل أن نتعامل مع الناس بالأصل، والظاهر الذي يُلغي الأصل؛ ينبغي أن يكون هو الظاهر المقطوع به لا الاحتمالي.

والظاهر الذي يقول به "أهل التوقف" في هذا العصر؛ هو عدم المناوأة للطاغوت، لا المتابعة، فيقولون؛ لأن الناس لم يحاربوا الطاغوت ولم يعلنوا البراءة منه.

نقول: عدم الإعلان لا يعني عدم الوجود، لأن الحديث الذي قدمناه يقول: (فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فسماه مؤمناً.

لكن إذا وجدت المتابعة الحقيقية لهذا الطاغوت، بأن دخل الفرد في طائفته وآمن بدعوته ونصر الكفر الذي جاء به؛ يكون حينها أتى بعمل ينفي الأصل، وهذا هو الطروء الجديد الذي حل لهذا الحكم بدل الحكم السابق - الذي هو الأصل -

لكن هم لا يقولون بهذا، بل يقولون؛ تعارض الظاهر مع الأصل، ولكن أي ظاهر هذا؟ هو الظاهر المحتمل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقوي أن هذا الظاهر لا يدل على الباطن، وهذا الظاهر ليس دليلاً قوياً.

فهم يقولون؛ الظاهر أنهم قد كفروا!

كيف قد كفروا؟! ما الذي أتوا به؟!

يقولون؛ لم يعلنوا البراءة من الطواغيت!

لكن إعلان البراءة من الطواغيت ليس من أصل الإيمان، هو من الإيمان الواجب، ولكن ليس من أصل الإيمان [11] - كما رأينا في الحديث -

وهكذا شبهات الذين يكفرون الشعوب ويكفرون الأمة، أو يقولون أن الأصل فيهم الكفر؛ في هذا الباب كثيرة.

واتهام أهل السنة بأنهم على منهج أولئك الغلاة؛ فرية يفتريها الناس قديماً وحديثاً.

فالإمام أحمد اُتهم بأنه من الخوارج! - كما ذكر ابن تيمية في كتاب "الفتاوى الكبرى" - عندما دخل رجل من أتباع الإمام أحمد على الإمام أحمد وهو مستلق، فقال: (يقولون عنك أنك من الخوارج)! فضحك الإمام أحمد [12].

وابن تيمية إلى الآن يُتهم بأنه من الخوارج وأنه خارجي، وهكذا اتهمه معاصروه.

وابن عبد الوهاب؛ اُتهم بأنه خارجي أيضاً.

فلا غرو ولا عجب؛ أن يأتي في هذا العصر من يقول بأن هؤلاء الذين قالوا بأن الحكام قد كفروا وخرجوا من الدين - مستدلين بأدلة صحيحة على كفرهم -؛ بأنهم من الخوارج.

ومثل هذه الالفاظ؛ ينبغي أن لا تُستعمل عند النقاش العلمي وعند الدخول في الدليل.



وبالله التوفيق.



[2] رواه البخاري.

[3] قال الكاساني رحمه الله: (الطرق التي يُحكم بها بكون الشخص مؤمنا؛ ثلاثة، نص، ودلالة، وتبعية، أما النص؛ فهو أن يأتي بالشهادة أو بالشهادتين، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا... وأما بيان ما يحكم به بكونه مؤمنا من طريق الدلالة؛ فنحو أن يصلي كتابي أو واحد من أهل الشرك في جماعة... وأما الحكم بالإسلام من طريق التبعية؛ فإن الصبي يحكم بإسلامه تبعا لأبويه - عقل أو لم يعقل -) [البدائع، كتاب السير، فصل: بيان ما يعترض من الأسباب المحرمة للقتال].

[4] ماردين؛ مدينة تقع بين رأس العين ونصيبين في شمالها، فيها قلعة عظيمة من الصخر، وكان يقال لها في المئة الرابعة من الهجرة؛ "الباز"، وكانت معقل أمراء بني حمدان، وهي اليوم تحت الحكم التركي، وفتوى الشيخ في المجموع: ج28/ص135.

[5] رواه مسلم.

[6] قال صلى الله عليه وسلم: (اعدد ستاً بين يدي الساعة؛ موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) [رواه البخاري].

[7] رواه الإمام أحمد.

[8] عن الشريد رضي الله عنه؛ أن أمه أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: (عندي جارية سوداء - أو نوبية - فأعتقها؟)، فقال صلى الله عليه وسلم: (ائت بها)، فدعوتها فجاءت، فقال لها: (من ربك؟)، قالت: (الله)، قال: (من أنا؟)، فقالت: (أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال: (أعتقها، فإنها مؤمنة) [رواه الإمام أحمد].

[9] رواه الإمام أحمد.

[10] رواه مسلم.

[11] قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: (مسألة إظهار العداوة؛ غير مسألة وجود العداوة، فالأول: يُعذر به مع العجز والخوف، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}، والثاني؛ لا بد منه، لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت) [الدرر: ج8/ص359].

[12] قال الإمام أحمد: (بلغني أن أبا خالد وموسى بن منصور وغيرهما، يجلسون في ذلك الجانب، فيعيبون قولنا، ويدّعون؛ أن هذا القول أن لا يقال مخلوق ولا غير مخلوق، ويعيبون من يُكفر، ويقولون؛ إنا نقول بقول الخوارج!)، ثم تبسم أبو عبد الله كالمغتاظ [الفتاوى الكبرى: ج5/ص117].

[