المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفكر الثوري الاستبدادي ( 4/ 1 )


عبدالحق صادق
2013-01-09, 22:27
الفكر الثوري الاستبدادي ( 4/ 1 )

الفكر الثوري الاستبدادي دخيل على ثقافتنا الاسلامية استورده النظام الناصري من الفكر الماركسي الشرقي و هو سبب اغلب ما تعانيه امتنا اليوم من ازمات
هذا الفكر لوث الثقافة الاسلامية بأفكار خطيرة أساءت لها و للدعوة الاسلامية و شوهت صورة الاسلام لدى غير المسلمين
فإذا لم يتغير الفكر الذي نشا في ظل الانظمة الثورية الاستبدادية فلن تسقط تلك الانظمة و لو سقطت
لا يطلب من اصحاب هذا الفكر الالحاد بشكل صريح و لكن التوغل في هذا الفكر شيئا فشيئا يوصل الى الالحاد و العياذ بالله لأن جذوره الحادية
و احيانا تختلط الثقافة الاسلامية مع هذا الفكر فيخرج مزيج خطير يشوه صورة الاسلام الحق اسميته الاسلاميون الثوريون
من صفات أصحاب الفكر الثوري الاستبدادي و سماته الآتي :
نزعة الأنا المتضخمة و الكبر و العزة الجوفاء الآثمة و النظرة الاستعلائية و احتقار الآخرين و الاستخفاف بهم و هذه الصفة تتسبب بخلافات كبيرة بين اصحاب هذا الفكر و تمزق صف الامة و الاوطان
فارغون و لديهم رغبة جامحة في الظهور و من اجل ان يثبتوا ذواتهم و يشبعوا رغبتهم يعمدوا الى هدم بنيان الناجحون فترى أكبر همهم البحث في قمامة الانترنت عن الاشاعات و الفضائح التي تطعن بالشرفاء و الناجحون و نشرها و التحدث بها
ضعف الوازع الديني و الاخلاقي فيستحلون أعراض المسلمين ولا يتورعون عن قذف الشرفاء بأقسى التهم و الاوصاف
تحطيم جميع الرموز سواء دينية او فكرية او غيرها و تعظيم و رفع رمزهم الاوحد لحد الآلوهية
فتراهم لا هم لهم سواء الطعن بالعلماء الربانيين و الكتاب و المفكرين و الاغنياء و الرؤساء و احيانا الرموز التاريخية
المعايير العلمية و المنطقية مغيبة و الاوراق مخلوطة لديهم لذلك يفتقدون الأسلوب المنطقي السليم في التفكير من اجل الوصول الى الحق لذلك يصعب إقناعهم بالحق
الجانب العقلي هزيل و العاطفي متضخم لديهم و هذا يؤدي لعدم وضوح الرؤية و طمس الحقيقة فمن السهل قيادتهم و توجيههم في أي اتجاه من قبل الطغاة و اصحاب المصالح الضيقة
نفوسهم لئيمة فتراهم يطأطئون الرؤوس امام صاحب السلطة الظالم و يتمردون أمام الراقي الذي يحترمهم
لذلك سوف تعاني كثيرا من هذه الصفة السلطات التي ستحكم الشعوب التي خرجت لتوها من ربقة الاستبداد
للموضوع تتمة

ترقب1
2013-01-11, 12:54
شكرا لك اخي

salimo123
2013-01-11, 18:48
http://www.djelfa.info/vb/images/icons/icon1.gif
الفكر الثوري الاستبدادي ( 4/ 1 )

الفكر الثوري الاستبدادي دخيل على ثقافتنا الاسلامية استورده النظام الناصري من الفكر الماركسي الشرقي و هو سبب اغلب ما تعانيه امتنا اليوم من ازمات
هذا الفكر لوث الثقافة الاسلامية بأفكار خطيرة أساءت لها و للدعوة الاسلامية و شوهت صورة الاسلام لدى غير المسلمين
فإذا لم يتغير الفكر الذي نشا في ظل الانظمة الثورية الاستبدادية فلن تسقط تلك الانظمة و لو سقطت
لا يطلب من اصحاب هذا الفكر الالحاد بشكل صريح و لكن التوغل في هذا الفكر شيئا فشيئا يوصل الى الالحاد و العياذ بالله لأن جذوره الحادية
و احيانا تختلط الثقافة الاسلامية مع هذا الفكر فيخرج مزيج خطير يشوه صورة الاسلام الحق اسميته الاسلاميون الثوريون
_____________________
أممممممممممممم :rolleyes::rolleyes:
:confused:

salimo123
2013-01-11, 18:50
http://www.alhejazi.net/images/103_3_500.jpg

الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة



الجزء الأول



سعد الشريف


في الرؤية الكونية للمذهب الوهابي ما يلفت بوضوح الى نزعة رسولية شديدة الضراوة بدأت بالمؤسس وانتقلت الى الأجيال المتناسلة من مدرسته. ليس تنزيه الذات الإيمانية وحده العنصر المحرّض على الإعلاء من شأن المعتقد الوهابي في مقابل المعتقدات الأخرى، ولا هو وحده الدافع الأوحد للإحساس بالتفوق على الآخر، بل ثمة عناصر متشابكة ومتظافرة تجعل من مؤسس المدرسة الوهابية ومن التحق به وناصر دعوته ظاهرة بترية وحركة تمرّد داخل المجال العقدي الإسلامي، على أرضية شعور متخيّل بامتلاك الحقيقة المطلقة، والتي تشكّل ابتداءً إطاراً عصبوياً لنشوء جماعة ما، إذ لا يمكن للأفراد الإنتظام في إطار جمعي مالم تتوفر عناصر ربط من نوع (أيديولوجية، مصلحة، عرق، خطر..)، ثم ما تلبث أن ترسم الجماعة لنفسها استراتيجية لتجسيد نفسها مادياً على الأرض، ثم السعي لجهة تحويل الرؤية الكونية الى واقع، أي الانتقال من الايديولوجية الى الاستراتيجية.

يصوغ الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، قاضي المجمعة الأسبق والمشرف على مجموعة (الدرر السنيّة في الأجوبة النجدية)، الرؤية الكونية الوهابية بطريقة لافتة، بقوله بأنه بعد وفاة الشيخ إبن تيمية وتلامذته وأتباعهم (إنتقضت عرى الإٌسلام، وعُبِدَت الكواكب والنجوم، وعُظِّمت القبور، وبُنيت عليها المساجد، وعُبدت تلك الضرائح والمشاهد، واعتمد عليها في المهمات، دون الصمد الواحد..). تلك هي الرؤية الكونية الوهابية، ثم ينتقل للحديث عن الاستراتيجية بما نصّه: (فبعث ـ أي الله سبحانه وتعالى ـ في القرن الثاني عشر، عند من خبر الأمور وسبر، ووقف على ما قرره أهل العلم والأثر، الآية الباهرة، والمحجّة الظاهرة، شيخ الإسلام والمسلمين، المعدود من أكابر السلف الماضين، والمجدد لما درس من أصول الملّة والدين، السلفي الأول، وإن تأخر زمنه عند من خبر وتأمل، بحر العلوم، أوحد المجتهدين، الشيخ: محجمد بن عبد الوهاب..)1.

حين نسبر عميقاً تلك المعادلة العقدية الوهابية، نجد أنفسنا أمام حزم متوالية من النصوص الأيديولوجية، المكرورة في محاولة، كما يبدو، لتأكيد الموقف العقدي التنزيهي. في التفاصيل، ثمة اضطراب ظاهري في الرؤية الوهابية حول تكفير الآخر، بدأت من مؤسس المدرسة نفسها، أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وانتقلت عبر سلالته وأتباعه وأهل دعوته. يرصد كلٌ من حمادي الرّديسي وأسماء نويرة شكل المنعرجات الحادة في خطاب التكفير لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب بما نصّه:

(ففي العديد من المرات ينكر ـ أي إبن عبد الوهاب ـ أنه جاء بالتكفير والقتال وأنه يسب الصالحين أو أمر بإحراق دلائل الخيرات، مدّعياً أن نسبة التكفير “كذب وبهتان” لا تصدر من “عقل عاقل”. ولكنّه يعترف بأشياء نسبت إليه منها “أنا أكفّر من عرف دين الرسول، ثم ـ بعد ما عرفه ـ سبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله. فهذا الذي أكفّره. وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك”. فإن كان المسلمون على دين محمد، فأين الإشكال؟ يقرّ ابن عبد الوهاب في (كشف الشبهات) أن “من عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس..فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه ولا يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو أشرّ من الكافر الخالص”. وفي رسالة الى المطاوعة يحثّهم فيها على التكفير يقول “فما بالكم لم تفشوه في الناس، وتبيّنوا لهم أن هذا كفر بالله مخرج عن الإسلام”؟ وفي ردّه على ابن سحيم، الذي لقّبه ابن عبد الوهاب بـ “عدو الله” وبجاهل “من أجهل الناس”، يقول “أنت تظن أن من صلّى وادّعى أنه مسلم لا يكفّر”. وفي رسالة لأهل الرياض يقول “كلهم كفّار مرتدّون عن الإسلام” ويذكر في أكثر من مرة أن أصحاب الرسول أجمعوا على “قتلهم وتحريقهم إلا ابن العباس في التحريق فقال: يقتلون بالسيف”. وأوضح ما كتبه في رسالة إلى مطاوع حيث يعترف بنفسه على نفسه:”أعلم أني عرفت بأربع مسائل. الأولى، بيان التوحيد مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس. الثانية، بيان الشرك، ولم كان في كلام من ينتسب إلى العلم..الثالثة: تكفير من بان له التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه ونفّر الناس منه..والرابعة، الأمر بقتال هؤلاء خاصّة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع، صدّقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان، في التوحيد، وفي نفي الشرك وردوا عليَّ التكفير والقتال)2.

هذا الصورة الكثيفة للغاية التي خلص إليها الرديسي ونويرة، تمثّل عنصر التحريض لبحث واسع النطاق في النصوص الوهابية ذات الطبيعة التحريضية، أي التي تشتمل على مخزون هائل ومضغوط من الكراهية الدينية إزاء الآخر، ما يدفع الى تقصّي ما ورد في كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك المتحدّرين من مدرسته، في التكفير والكراهية الدينية.

التكفير: خفي وجلي


في الصورة الأولى، قد لا يعتنق الشيخ ابن عبد الوهاب موقفاً تكفيرياً ضد (الأعيان)، بحسب زعمه، ولكن ما نلبث نجد أنفسنا أمام ماورائية مثيرة، حين يضع معايير صارمة وبالغة التقييد لـ (لإيمان) بما يجعله ضيقاً حرجاً، ينطبق حصرياً عليه وأتباعه دون سواهم، فيصبح ماعداهم خارج نطاق الإيمان، بل واقعون بلا مناص في دائرة الكفر.

ففي رسالة له جاء (ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام..)3. وقد يعني (الذنب) الذي لا يخرج من وجهة نظره المرء من دائرة الإيمان أو ملة الإسلام. ولكن الأمر هنا ليس على نحو التسامح، إذ المنطلق في التكفير يبدأ من النقطة الفاصلة ليس بين الإيمان وعدم الإيمان بالله، بل بالطريقة التي يتم الإيمان بها. ففي رسالة يرد فيها على رسالة بعث بها إليه محمد بن عبّاد مطوع ترمداء، وصف فيها الشيخ ابن عبد الوهاب علماء سدير (..إن هؤلاء ماعرفوا التوحيد، وإنهم منكرون دين الإسلام..)4.

لا يجد الشيخ إبن عبد الوهاب غضاضة في الإذعان لما لحق به من إتهامات، هي تمثّل خصائص لازمة لخطه العقدي، ففي رسالة يقول فيها ما نصّه (أعلم أني عرفت بأربع مسائل، الأولى: بيان التوحيد مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس. الثانية: بيان الشرك ولو كان في كلام من ينتسب إلى العلم (وفي نسخة إلى علم)، أو عبادة من دعوة غير الله، أو قصده بشيء من العبادة..الثالثة: تكفير من بان له أن التوحيد هو دين اله ورسوله ثم أبغضه ونفر الناس عنه..الرابعة: الأمر بقتال هؤلاء خاصة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)5.

وفيما ينفي ابن عبد الوهاب عن نفسه تهمة التكفير، يعود مرة أخرى في مكان آخر ويصدر حكماً عاماً بتكفير أهل البوادي بقوله:

(من المعلوم عند الخاص والعام ما عليه البوادي أو أكثرهم، فإن كابر معاندهم لم يقدر على أن يقول أن عنزة وآل ظفير وأمثالهم مثلهم مشاهيرهم والأتباع إنهم مقرّون بالبعث ولا يشكّون فيه، ولا يقدر أن يقول إنهم يقولون إن كتاب الله عند الحضر وأنهم عانقوه ومتّبعون ما أحدث آباؤهم مما يسمونه الحق ويفضلونه على شريعة الله..)6.

ثم يصعّد لهجة التكفير بقوله (..فإن كان للوضوء ثمانية نواقض ففيهم ـ أي في أهل البوادي ـ من نواقض الإسلام أكثر من المائة ناقض..)7.

المثير في رد إبن عبد الوهاب تهمة التكفير عن نفسه أنه هو الآخر ينطوي على تكفير، لأن عدم إقرار البوادي بأنهم على الكفر بعد أن أتوا بنواقض الإسلام، يستلزم تكفيرهم، بناء على قاعدة (من لم يكفّر كافراً فهو كافر)، كقوله:

(وأن البوادي يفعلون من النواقض مع علمهم أن دين الرسول عند الحضر، وجحدوا كفرهم وأنتم تذكرون أن من ردّ شيئاً مما جاء به الرسول بعد معرفته أنه كافر. فإذا كان المويس وابن اسماعيل والعديلي وابن عباد وجميع أتباعهم كلهم على هذا فقد صرّحتم غاية التصريح أنهم كفّار مرتدّون، وإن إدعى مدع أنهم يكفّرونهم أو ادعى أن جميع البادية لم يتحقق من أحد منهم من النواقض شيئاً أو إدعى أنهم لا يعرفون أن دين الرسول خلاف ماهم عليه فهذا كمن إدعى أن إبن سليمان وسعود وإبن دواس وأمثالهم عبّاد زهاد فقراء..)8.

ثمة لغة عقدية جازمة تضمر دلالات غاية في الخطورة، إلى جانب ما تنبىء عنه من نزعة وصائية وتنزيهية متعالية. يقول إبن عبد الوهاب (أقطع أن كفر من عبد قبة أبي طالب لا يبلغ عشر كفر المويس وأمثاله)9. فمن أين جاء بهذا القطع، وهو أمر يرجع حكمه إلى الله؟

في مقابل اللهجة التكفيرية المتصاعدة والمفتوحة على الأعيان وأهل الزمان، أي أهل زمانه ومن سبقه، يعود إبن عبد الوهاب ويدفع عن نفسه تهمة التكفير. ففي رسالة وجّهها الى السويدي عالم من أهل العراق، ردّ فيها على ما يقوله الناس فيه، ومنها:

(ماذكرتم أني أكفّر جميع الناس إلا من اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة. وياعجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون، وكذلك قولهم إنه يقول لو أقدر أهدم قبة النبي صلى الله وسلم لهدمتها. وأما (دلائل الخيرات) فله سبب وذلك أن أشرت على من قبل نصيحتي من إخواني أن لا يصير في قلبه أجل من كتاب الله ويظن أن القراءة فيه أجلّ من قراة القرآن..)10.

وبصرف النظر عن كل المواقف الدفاعية للشيخ إبن عبد الوهاب، فقد بات معلوماً بل وشائعاً أن الدعوة إلى هدم قبة النبي صلى الله عليه وسلم لم تصدر سوى من أهل دعوة الشيخ إبن عبد الوهاب، وباتت معروفة، وقد جاء في كتاب ابراهيم بن سليمان الجبهان (تبديد الظلام وتنبيه النيام)، الذي أشرفت إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، برئاسة المفتي السابق الشيخ عبد العزيز إبن باز، على طباعته بإذن تحت رقم 4411/5 بتاريخ 11/7/1400هـ ما نصّه: (نحن لاننكر أن بقاء البنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف لما أمر به الرسول)!!، ويضيف قائلاً: (وإن إدخال قبره في المسجد ـ أي المسجد النبوي ـ أشد إثماً واعظم مخالفة)، وينتهي للقول بأن (سكوت المسلمين على بقاء هذه البنية لايصيرها أمراً مشروعاً)11. وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن بقاء القبة النبوية فقال ما نصّه: (القبة عاد عسى الله يسهل هدمها)، بحسب ما جاء في مقطع مشهور في اليوتيوب.

عوداً الى خطاب التكفير لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، نجد أنفسنا تارة أمام رؤية تكفيرية مخفّفة كقوله:

(وأما التكفير فأنا أكفّر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبّه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفّره وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك. وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكناً ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة “وجزاء سيئة سيئة مثلها” وكذلك من جاهر بسبّ دين الرسول بعد ما عرفه)12.

ثم ما تلبث أن تضطرب الرؤية، كما جاء في رسالة وجّهها إلى علماء الديار المقدّسة، حيث ينفي ابن عبد الوهاب عن نفسه تكفير البوادي بقوله: (أشاعوا عنّا من التكفير وأني أفتيت بكفر البوادي الذي ينكرون البعث والجنّة والنار وينكرون ميراث النساء مع علمهم أن كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بالذكر أنكروا)، ثم يقول، وهنا موضع تأمل: (فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس في أرضنا، إستنكر العوام ذلك، وخاصتهم الأعداء ممن يدّعي العلم..)13. ويضيف: (فلما أفتيت بكفر تبر البوادي من أهل القرى مع علمه بما أنزل الله وبما أجمع عليه العلماء كثرت الفتنة وصدق الناس بما قيل فينا من الأكاذيب والبهتان)14.

من الواضح، أن الشيخ إبن عبد الوهاب لا يستند في رؤيته الى نصوص دينية موضع إجماع المسلمين عامة مثل (قولوا لا إله الله تفلحوا)، ولا روايات تاريخية مشهورة من تاريخ الإسلام المبكر، كرواية أسامة بن زيد الذي قتل إمرءًا فوبّخه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، وحين ردّ بأنه قالها عن غير يقين أو قالها وهو خائف، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم موبّخاً: فهل شققت عن قلبه. في إشارة إلى أن خبايا النيّات موكولة إلى الله وحده. في المقابل، يتجاوز الشيخ ابن عبد الوهاب الحدود العامة المتّفق عليها في الإيمان والإسلام، ليضع شروطاً لم ترد لا في حديث ولا في سيرة المسلمين الأوائل، من قبيل تقسيم التوحيد الى ثلاثة أقسام: توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، فلم يخضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه لإمتحان في التوحيد بالطريقة التي يرسمها إبن عبد الوهاب، ولم تكن القبائل تسأل عن الأنواع الثلاثة للتوحيد، بل كانت الفطرة دليلاً على الإيمان بالله وحده لا شريك، بل لم نجد في أي من مصنّفات العلماء الأوائل ولا حتى سجالاتهم الفكرية ما يشير الى وجود هذا التقسيم، بالرغم من أن موضوعات لاهوتية عدّة كانت حاضرة في نقاشات التيولوجيين المسلمين الأوائل.

الجدير بالذكر هنا، أن الشيخ إبن عبد الوهاب ذكر في رسالة وجّهها إلى عالم من أهل المدينة يقول له فيها (..فما اختلفنا في شيء من شرائع الاسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك، ولا في شيء من المحرمات..). فماهو مصدر الاختلاف إذن؟ يقول في مكان آخر: (أساس الأمر ورأسه ودعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم الأمر بعبادة الله وحده لا شريك والنهي عن عبادة من سواء)15. فقد وضع شروطاً صارمة كيما يكتسب المرء صفة المسلم، فلا بد أن يؤمن بتوحيد الأولوهية (وأن الذي يدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الألوهية) وليس توحيد الربوبية. ثم يقول: (وأن دين الاسلام اليوم من أغرب الأشياء أعني دين الاسلام الصرف الذي لا يمزج بالشرك والبدع)16. وخلص من هذا الإعداد الجدلي الى حقيقة صادمة: (واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون الأولياء والصالحين في الرخاء والشدة ويطلبون منهم تفريج الكرباء...)17.

ولنا وقفة هنا مع كتاب (قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين)، لحفيد الشيخ إبن عبد الوهاب، عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، والذي اشتمل على نصوص مستفيضة تؤكّد على أن كفر زمان ما قبل جدّه وزمانه أشدّ من كفر الأولين. وقال:

(وقد وقع الأكثر من متأخري هذه الأمة في هذا الشرك.. علموا أن لا إله إلا الله تنفي الشرك الذي وقعوا فيه، وأنكروا التوحيد الذي دلت عليه، فصار أولئك المشركون أعلم بمعنى هذه الكلمة: “لا إله إلا الله” من أكثر متأخري هذه الأمة، لا سيما أهل العلم منهم الذين لهم دراية في بعض الأحكام وعلم الكلام، فجهلوا توحيد العبادة، فوقعوا في الشرك المنافي له وزينوه، وجهلوا توحيد الأسماء والصفات وأنكروه، فوقعوا في نفيه أيضا. وصنفوا فيه الكتب لاعتقادهم أن ذلك حق وهو باطل. وقد اشتدت غربة الإسلام حتى عاد المعروف منكرا، والمنكر معروفا، فنشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: “ بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ)18.

في نص آخر يزيد الشيخ عبد الرحمن بن حسن على غيره بأن أرجع زمان الجاهلية الثانية الى ما بعد القرون الثلاثة الأولى حيث (عمّ الجهل بالتوحيد الذي هو أصل دين الإسلام..وصارت عبادة الأكثرين مشوبة بالشرك والبدع)، ليخلص للقول: (فكم ضل بسبب الجهل بمعناها ـ أي معنى لا إله إلا الله ـ من ضلّ وهم الأكثرون..)19. ويؤكّد هذه الخلاصة بقوله:

(فهذا الذي ذكرناه هو حال الأكثرين من هذه الأمة بعد القرون الثلاثة، وسبب ذلك الجهل بمعناها واتباع الهوى، فيصرفه عن اتباع الحق، وما بعث الله به رسله من توحيده الذي شرعه لعباده ورضيه لهم..كحال أكثر من يقولها قديما وحديثا، ولكن في أواخر هذه الأمة أكثر.. فما أشبه ما وقع في آخر هذه الأمة بحال أهل الجاهلية من مشركي العرب وغيرهم. بل وقع ما هو أعظم من الشرك في الربوبية مما يطول عدّه)20.

القول بأن كفر أهل زمان ابن عبد الوهاب وما قبله أشدّ من كفر من كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تكرر كثيراً في أدبيات الوهابية. فقد ذكر محمد أحمد باشميل في كتابه (كيف نفهم التوحيد)، الصادر سنة 1406هـ (أبو جهل وأبو لهب أكثر توحيدًا وأخلص إيمانًا به من هؤلاء المسلمين الذين يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله؟) ص 12. وجاء أيضاً في كتاب (فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد)، تأليف عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، وتحقيق د. الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريّان، دار المؤيد، 2002ـ الطبعة الثامنة، (أن مشركي أهل هذه الأزمان، أجهل بالله وبتوحيده من مشركي العرب، ومن قبلهم) ص 70.

ورغم أن إبن عبد الوهاب ينفي تكفير الأعيان، كما في الأسماء الواردة في رسالة لسليمان بن سحيم مثل ابن عربي وشمسان وأولاده وغيرهم ولكنه يعود بعد ذلك ويؤصّل لتكفيرهم بناء على رؤية عقدية معيارية. يقول في رسالة موجّهة لإبن سحيم يذكر فيها ما جاء في رسالة الأخير (فصار في أوراقه يقول: أما من قال لا إله إلا الله لا يُكفَّر، ومن أمّ القبلة لا يُكفَّر) ويرد عليه (فإذا ذكرنا لهم الآيات التي فيها كفره، وكفر أبيه، وكفر الطواغيت يقول نزلت في النصارى..)21.

يتمسّك ظاهراً بدعوى عدم تكفير العموم، ولكن حين يضع معايير خاصة وضيّقة في عقيدة التوحيد، يكون أكثر الناس على خلاف معها، وبالتالي يصبحوا في ضوء تلك المعايير كفّاراً!. يقول في إحدى رسائله (ولا نكفّر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصرّ مستكبراً معانداً، كغالب من نقاتلهم اليوم..)22.

ما يثير الغرابة، أن معرفة الله وأداء الفرائض لا يجعل المرء مؤمناً ولا يعصم ذلك دمه. فعدم معرفة لا إله الا الله ترفع عصمة الدم

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما نصّه: (أن الكثير من أهل هذه الأزمنة وقبلها، قد غرّهم من أنفسهم أمران: الأمر الثاني: أن الأكثر ظنوا أن انتسابهم الى الإسلام، ونطقهم للشهادتين، عاصم للدم والمال..)23. بل ثمة نصوص واضحة لدى إبن عبد الوهاب، ترى في أمة المسلمين في زمانه بأنهم أشبه بالكفار الذين قاتلهم الرسول (ص) كونهم (يعرفون الله ويعظمونه ويحجّون ويعتمرون ويزعمون أنهم على دين إبراهيم الخيل وأنه يشهدون أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر الا الله وحده لا شريك له..)، فما المشكلة إذن؟ يقول أنهم (يدعون الصالحين مثل الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم..)، الفارق أن (مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازون عيسى والملائكة..)24.

وفي رسالة له إشتملت على أحكام بالتكفير لأشخاص بعينهم بل وأهل زمانه، الذي اعتبر (ماهم عليه من دين الجاهلية)، ويخاطب الرجل المعني بالرسالة (فانظر يا رجل حالك وحال أهل هذا الزمان أخذوا دينهم عن آبائهم ودانوا بالعرف والعادة، وماجاز عند أهل الزمان والمكان دانوا به وما لا فلا..)25. ولمزيد من التوضيح والايغال في خطاب التكفير يقول: (ولا يمكن في العالم إلا أنه تقف على كل مسمى منهما مثل الطاغوت أكاد (وفي الدرر السنيّة: تجد) سليمان والمويس وعريعر وأبا ذراع والشيطان رءوسهم، كذلك قف عند الأرباب منهم أكادهم (وفي الدرر السنية: تجدهم) العلماء والعباد كائناً من كان..). ثم يقول: (ومع هذا يقول لكم شيطانكم المويس..)26.

ثمة معادلة صعبة، وإلى حد ما مقفلة، يضعها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في قضية التوحيد، فهو في الوقت الذي يشترط الإيمان الكامل بالمواصفات التي رسمها لناحية درء القتال، يفترض في مكان آخر أن لا سبيل الى الإيمان بالتوحيد الخالص إلا تحت ظلال السيوف. في رسالة له، يشرط إبن عبد الوهاب رفع حكم التكفير في حال العمل بالتوحيد، ويقول: (إعملوا بالتوحيد ودين الرسول، ويرتفع حكم التكفير والقتال..)27. وينفي إبن عبد الوهاب عن مشايخه معرفة معنى لا إله إلا الله (مامنهم رجل عرف ذلك)، ثم يضيف (فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت، أو زعم عن مشايخه أن أحداً عرف ذلك فقد كذب وافترى ولبس على الناس ومدح نفسه بما ليس فيه)28.

ولنتأمل في هذا المقطع: (وقولكم إننا نكفر المسلمين كيف تفعلون كذا كيف تفعلون كذا، فإنا لم نكفر المسلمين بل ما كفّرنا إلا المشركين..)29. بمعنى آخر، أن إبن عبد الوهاب لا يعتقد بوجود مسلمين في الأصل حتى يلام على تكفيرهم، بل هم مشركون ولذلك كفّرهم. يوضّح إبن عبد الوهاب ذلك في رسالة كتبها إلى أحمد بن ابراهيم مطوّع مرات من بلدان الوشم جاء فيه (أن التوحيد الذي ندعو إليه دين الله ورسوله، وأن الذي ننهي عنه في الحرمين والبصرة والحسا هو الشرك بالله..)30.

وفي لغة مباشرة وجازمة، لا يتردد في إبن عبد الوهاب في إصدار حكم تكفيري مطلق وهو يخاطب مساجليه: (إنكم تعرفون أن البادية قد كفروا بالكتاب كله، وتبرءوا من الدين كله واستهزءوا بالحضر الذين يصدقون بالبعث، وفضلوا حكم الطاغوت على شريعة الله واستهزءوا بها مع إقرارهم بأن محمداً رسول الله وأن كتاب الله عند الحضر لكن كذبوا وكفروا واستهزءوا عناداً). ثم يستنكر على من أنكر نقدهم: (ومع هذا تنكرون علينا كفرهم وتصرحون بأن من قال لا إله إلا الله لا يكفّر..)31.

لا يكتفي بتكفير البدو، بل وكل من طاله حكم التكفير، بل يصبح الحكم ناجزاً ضد من يعترض تكفير من كفّره هو، وهذا ما يذكره في نواقض الإسلام، حيث يذكر في الناقض الثالث: (من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحّح مذهبهم كفر إجماعاً)32. وحتى ينفي عن نفسه الانفراد بموقف عقدي خطير كهذا، يتوسّل بخلاصة تاريخ التكفير في المجال الإسلامي ويقول: (ولو ذهبنا نعدد من كفره العلماء مع ادعائه الإسلام وافتواىبردته وقتله لطال الكلام..)33.

في تكفير الأعيان أيضاً، يقول إبن عبد الوهاب في رسالة شديدة اللهجة لسليمان بن سحيم يقول فيها:

(وقبل الجواب نذكر لك أنك أنت وأباك مصرحون بالكفر والشرك والنفاق..وأنت إلى الآن أنت وأبوك لا تفهمون شهادة أن لا إله إلا الله أنا أشهد بهذا شهادة يسألني الله عنها يوم القيامة أنك لا تعرفها إلى الآن ولا أبوك، ونكشف لك هذا كشفاً لعلك تتوب إلى الله وتدخل في دين الإسلام..)34.

ويعتبر هذا النص الراديكالي كاشفاً عن نزعة رسولية غير مسبوقة، لما تنطوي عليه من تجاوز لمعايير الحكم بإسلام الأفراد، كيف والحال عكس ذلك تماماً حيث يجزم إبن عبد الوهاب بأنه يعلم حقيقة إيمان بن سحيم وأبيه، بما يتطلب سبراً وتفتيشاً للنيّات. ما يزيد الأمر تعقيداً ودهشة، أن إبن عبد الوهاب يسرد أدلة على موقفه ويضع ذلك في سياق حكم عمومي، أو رؤية عقدية شاملة كقوله: (أن الناس قيما مضى عبدوا الطواغيت عبادة ملأت الأرض بهذا الذي تقرّ أنه من الشرك..)35. وينطلق من العموم الى الخصوص، أي بما يجيز إصدار حكم بالتكفير على الأعيان بعد أن ثبتت على العموم يقول: (وأما أهل السنة فمذهبهم: أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك، ونحن ما كفرنا الطواغيت وأتباعهم إلا بالشرك وأنت رجل من أجهل الناس تظن أن من صلى وادعى أنه مسلم لا يكفر..)36.

ثمة إشارة ضرورية هنا: أن الرؤية العقدية/ الكونية لدى الشيخ ابن عبد الوهاب تفضي الى حكم إجمالي يستوعب طوائف عديدة من الأمة، إن لم يكن الأغلبية فيها، وبالتالي فإن صدور حكم بتكفير الأعيان أو جماعات محدّدة أو حتى بلدات معيّنة يندرج في إطار الحكم الإجمالي. ففي رسالته لجماعة من أهل شقراء يقول لهم:

(أن مصداق قولي فيما ترونه فيمن ارتد من البلدان أولهن (ضرما) وآخرهن (حريملا) هم حصلوا سعة فيما يزعمون أو مازادوا إلا ضيقاً وخوفاً على ما هم قبل أن يرتدوا. وأنتم كذلك المعروف منكم إنكم ما تدينون للناقر وهم على عنفوان القوة في الجاهلية فيوم رزقكم الله دين الإسلام الصرف وكنتم على بصيرة في دينكم وضعف من عدوكم أذعنتموا له حتى أن يبغى منكم الخسر ما يشابه لجزية اليهود والنصارى..)37.

جاء العلماء من أتباع إبن عبد الوهاب وردّدوا الكلام نفسه من قبيل أن ليس العامة فحسب بل والعلماء أيضاً جهلوا معنى (لا إله الا الله) وهذا الجهل يعود الى أزمنة غابرة، فقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن شيخ يدعى أحمد بن مشرف بأن ما يعلم عنه هو (صحة المعتقد في توحيد الأنبياء والمرسلين، الذي جهله أكثر الطوائف..) ، وأن الأشاعرة ـ الذين هم أكثر المسلمين السنّة اليوم ـ أخطأوا في ثلاث من أصول الدين، منها تأويل الصفات، كما أخذوا ـ بحسب قولهم ـ ببدعة عبد الله بن كلاب في كلام الرب تعالى وتقدّس، وأخطؤوا أيضاً في التوحيد، ولم يعرفوا من تفسير لا إله الا الله إلا أن معناها: القادر على الاختراع. ثم يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ:

(فإذا كان العلماء في وقتنا هذا، وقبله، في كثر من الأمصار، ما يعرفون من معنى لا إله الا الله، إلا توحيد الربوبية، كمن كان كان قبلهم في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، اغتروا بقول بعض العلماء، من المتكّلمين: إن معنى لا إله الا الله القادرة على الإختراع...)38.

وفي رسالة للشيخ عبد الرحمن بن حسن الى الإخوان والأعيان من أهل الأحساء: (ولا نعلم أحداً من علماء الأحساء صدع بهذا الدين، وعرفه، وعرّفه)39. وبطبيعة الحال، فإن المقصود بالدين هو معنى لا إله إلا الله. الرؤية العقدية الوهابية التي تستبطن حكماً تتلخص في التالي: ان المسلمين الحاليين، كما الكفّار، مقرّون بالربوبية ولا يشهدون بالألوهية.

وقد سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحقيقة ما يدعو إليه، فقدّم شرحاً مسهباً يشتمل على الرؤية العقدية الوهابية للعالم الاسلامي في زمانه، ويمكن اختصارها في أن المسلمين قد عادوا الى (الجاهلية) التي غزت كل الأقطار بما فيها بلاد الحرمين مكة والمدينة. وجاء على ذكر مصر فقال عنها:

(وأما بلاد مصر وصعيدها وفيومها وأعمالها، فقد جمعت من الأمور الشركية، والعبادات الوثنيّة، والدعاوى الفرعونية، ما لا يتسع له كتاب، ولا يدنو له خطاب، و لاسيما عند مشهد: أحمد البدوي، وأمثاله، من المعتقدين المعبودين، فقد جاوزوا بهم: ما ادعته الجاهلية، لآلهتهم، وجمهورهم: يرى من تدبير الربوبية، والتصريف في الكون، بالمشيئة، والقدرة العامة، ما لم ينقل مثله عن أحد من الفراعنة، والنماردة... وقد استباحوا عند تلك المشاهد، من المنكرات، والفواحش، والمفاسد، ما لا يمكن حصره، ولا يستطاع وصفه..)40.

وقال مثل ذلك وأكثر منه عن اليمن التاريخية، وبلاد الشام، والعراق وبلدان الجزيرة العربية قاطبة.

في الحكم عن مواكلة الشيعي والسلام عليه، والانبساط معه، وتقديمه في المجالس، أجاب الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ما نصّه: (لا يجوز لأنه موالاة ومودة) واستدل بذلك (والله تعالى قد قطع الموالاة بين المسلمين والمشركين، بقوله: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) ويقول في مكان آخر: (وأما مجرّد السلام على الرافضة، ومصاحبتهم ومعاشرتهم، مع اعتقاد كفرهم وضلالهم، فخطر عظيم، وذنب وخيم، يخاف على مرتكبه، من موت قلبه وانتكاسه..)41. وانسحب الحكم نفسه على طوائف عديدة داخل المجال الإسلامي، دع عنك أتباع الديانات الأخرى.

وللمرء أن يتخيّل كيف يكون الحكم على باقي بلاد المسلمين، حين تصبح البلاد النجدية (كما يصفها علماء الوهابية في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن بعده) بدار الهجرة بما تشتمل عليه من أحكام دينية.

في الفتاوى ذات المضمون العقدي ما يكشف عن خارطة أيديولوجية واسعة يتم فيها موضعة الفرق والطوائف والأفراد على أساس حدّي الإيمان والكفر. ففي فتوى رقم (11621) لعضو هيئة كبار العلماء الأسبق الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين وموضوعها: حكم الشرع في الإخوان والصوفية والشيعة والأشعرية. ولنتأمل طويلاً في عبارة (حكم الشرع)، لأن في ذلك نزعة اقتلاعية وتنزيهية، تنطوي على احتكار تفسير النص الديني ونزع أي مشروعية للآخر ـ الديني. يقول السؤال: ما هو حكم الشرع في الإخوان، والصوفية، والشيعة، والأشعرية؟ لم يقم بن جبرين بتصحيح عبارة السائل، بل مضى في الإجابة بصورة مباشرة، وكأنه يقرّ بأن ما سيقوله هو حكم الشرع (والأمر ليس كذلك، بطبيعة الحال)، ولندقق في الإجابة:

(أما الإخوان المسلمون فإنهم من أهل الخير إذا كانوا على طريقة أهل السنة لا يدعون الأموات ولا يتركون العبادات ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولو حصل من بعضهم شيء من النقص في الأعمال، وأما الصوفية المتأخرون فإنهم غلوا في الأولياء وأسقطوا عنهم التكاليف وعبدوهم مع الله فهم بذلك مشركون مطيعون لغير الله في معصية الله، وأما الشيعة فهم الرافضة يدَّعون أنهم شيعة علي أي أحبابه ويدَّعون أنهم يوالون أهل البيت وقد كذبوا فهم يعادون زوجات النبي وعمه العباس وسائر أقاربه من بني هاشم الذين هم من أهل البيت، ويقصرون أهل البيت على علي وفاطمة وابنيهما وذريتهما ويسبون بقية الخلفاء ويطعنون في القرآن ويدعون غير الله، وقد كفروا بذلك، وأما الأشعرية فيدعون أنهم على عقيدة أبي الحسن الأشعري مع أن الأشعري رحمه الله قد تاب من هذه العقيدة والتزم معتقد أهل السنة وتابع الإمام أحمد وأتباعه الآن على مذهب الكُلابية وهم مُبتدعة ينكرون أكثر الصفات)42.

وقد جاء في جواب الشيخ إبن باز عن الصوفيين وحقيقتهم وعن كتب محي الدين بن عربي ما نصّه:

(الصوفية أقسام: وهم في الأغلب مبتدعة عندهم أوراد، وعبادات يأتون بها ليس عليها دليل شرعي، ومنهم ابن عربي، فإنه صوفي مبتدع ملحد، وهو المعروف محي الدين بن عربي، وهو صاحب أحداث الوجود، وله كتبٌ فيها شرٌ كثير، فنحذركم من أصحابه وأتباعه؛ لأنهم منحرفون عن الهدى، وليسوا بالمسلمين، وهكذا جميع الصوفية..)43.

لا يتطلب مضمون الفتاوى توضيحاً كثيراً، فلا تكاد طائفة من الطوائف المذكورة في الفتاوى من نالت دمغة الإسلام الكامل، وغير المشروط، بل تمّ توصيم الغالبية بأحكام الشرك والكفر والإبتداع. هل في ذلك ما يشير الى أمر ما؟ بالعودة الى أدبيات الوهابية القديمة والحديثة يظهر أن الطائقة النقيّة في عقيدتها والحائزة على جدارة المعرفة التوحيدية تقتصر على أتباع إبن عبد الوهاب وحده.

على سبيل المثال، في كتاب (مشاهير المجددين في الإسلام)، لمصنّفه صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، عضو هيئة كبار العلما، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية، طبع الإدارة العامة للبحوث والدعوة، الرياض، وقدّم له المفتي السابق للمملكة الشيخ عبد العزيز بن باز، والكتّاب عبارة عن ترجمة للشيخ إبن تيمية والشيخ إبن عبد الوهاب. لنتأمل في رد الفوزان على من قال بأن إبن تيمية أفتى بفتاوى تخالف فتاوى أئمة أهل السنة والجماعة، فقال مانصّه:

(وهذا من الكذب على شيخ الإسلام إبن تيمية فهو لم ينفرد بقول يخالف به الأئمة جميعا، سواء الأئمة الأربعة أو أئمة السلف الذين هم قبل الأربعة كما سبق بيانه فلم يقل قولاً إلا وله سلف فيه من الأئمة، وأهل السنة والجماعة..)، ثم يستدرك الفوزان لجهة إعادة تعريف وصف (أهل السنة والجماعة) ويقول ما نصّه:

(اللهم إلا أن يريد هذا القائل بأهل السنة والجماعة جماعة الأشاعرة والماتريدية – فهذا اصطلاح خاطئ؛ لأن المراد بأهل السنة والجماعة حقاً من كان على طريقة الرسول وأصحابه وهم الفرقة الناجية، وهذا الوصف لا ينطبق إلا على الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واتبع طريقهم، والأشاعرة والماتريدية خالفوا الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة في كثير من المسائل الاعتقادية وأصول الدين فلم يستحقوا أن يلقبوا بأهل السنة والجماعة وهؤلاء لم يخالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وحده بل خالفهم عامة الأئمة والعلماء الذين ساروا على نهج السلف)44.

ويصف الفوزان أهل زمان الشيخ ابن عبد الوهاب بقوله: (لم يدعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه)، ثم يعقّب: (ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع، لا نجد من يغضب لله، ويغار حميّة للدين الحنيف، لا عالماً ولا متعلّماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً)45.

وفي رسالة منسوبة الى إثنين من أهل العلم ممن عاصرا الشيخ إبن عبد الوهاب، وهما محمد بن غيهب ومحمد بن عيدان إلى عبد الله محمد بن غيهب: (الباعث للكتاب إخبارك عن ديننا قبل أن يجيء هذا الشيخ لهذا القرن يدعوهم إلى الله وينصح لهم ويأمرهم وينهاهم، حتى أطلع الله به شموس الوحي وأظهر به الدين وفرق به أهل الباطل..). وفي واحدة من النصوص المثيرة للجدل والتي تنطوي على الرؤية العقدية الإجمالية للوهابية إزاء المسلم الآخر، ولكن هذه المرة علىى لسان شخصين يفترض ابن عبد الوهاب أنهم من التائبين أو الذين جددوا إسلامهم بناء على ما جاء به هو، جاء في الرسالة ما نصه:

(فديننا قبل هذا الشيخ المجدد لم يبق منه إلا الدعوى والإسم فوقعنا في الشرك فقد ذبحنا للشياطين ودعونا الصالحين ونأتي الكهان ولا نفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ولابين توحيد الربوبية الذي أقر به مشركو العرب وتوحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل، ولا نفرق بين السنة والبدعة فنجتمع لليلة النصف من شعبان لصلاتها الباطلة التي لم ينزل بها من سلطان ونضيع الفريضة، ونقدم قبل الصلاة الوسطى - صلاة العصر - من الهذيان ما يفوتها عن وقت الاختيار إلى وقت الضرورة..

هذا وأضعافه من البدع لم ينهنا عنه علماؤنا بل أقرونا عليه وفعلوه معنا فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا ينصحون جاهلًا ولا يهدون ضاًلا والكلام من جهتهم طويل عصمنا الله وإياك من الاقتداء بهم واتباع طريقتهم فكن منهم على حذر إلا القليل منهم. يكفيك عن التطويل أن الشرك بالله يخطب به على منابرهم ومن ذلك قول ابن الكهمري: اللهم صل على سيدنا وولينا ملجأنا منجنانا معاذنا ملاذنا. وكذلك تعطيل الصفات في الطيبي فيشهد أن الله لا جسم ولا عرض ولا قوة. فقبل هذا الشيخ لا تؤدى أركان الإسلام كالصلاة والزكاة فلم يكن في بلدنا من يزكي الخارج من الأرض حتى جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)46.

ورغم أن الرسالة لم تثبت في مصادر أخرى محايدة، خصوصاً وأن فيها إقراراً مبالغاً فيه بضلال ما كان عليها كاتبا الرسالة، وسرداً تفصيلياً لممارسات تنبذها الوهابية، وكأن الرسالة كتبت بطلب يشتمل على براءة من اعتقاد سابق، بل هي توحي بالطريقة التي تميل إليها المدرسة الوهابية من أن كل ما عليه الآخر باطل محض، ولا سبيل إلى الخلاص منه إلا نبذه والاعتناق الفوري لعقيدة إبن عبد الوهاب.

ثمة تناقض خفي في العقيدة الوهابية، فهي في الوقت الذي تدعو الى نبذ التقليد وتعتبره صنواً للشرك بالله، تتمسّك برؤيتها العقدية وتعتبرها معيارية بل وإنقاذية، إذ بدونها تصبح عقيدة المرء باطلة، تؤول الى إحباط العمل. وكانت ثمة رؤية قديمة أسهب في عرضها مطوّلاً محمد صديق حسن القنوجي، المقرّب مدرسياً وعقدياً الى الحنبلية الوهابية، بقوله: (والمقلّد غير مطيع لله وللرسول، بل يطيع من يقلده من الأئمة والكبراء، بل هو مشاق بهذا لهما، حيث ترك إطاعة الله واتّباع الرسول، وأطاع غيرهما من غير حجة نيّرة وبرهان جلي)47. وقال تحت عنوان فرعي (تقليد المذاهب من الشرك): (تأمل في مقلدة المذاهب كيف أقروا على أنفسهم بتقليد الأموات من العلماء والأولياء، واعترفوا بأن فهم الكتاب والسنة كان خاصاً بهم...)، وتساءل: فما ندري ما عذرهم عن ذلك غداً يوم الحساب والكتاب؟ وما ينجيهم من ذلك العذاب والعقاب؟ ثم أورد أمراً لا صلة له بالتقليد كقوله: (وأهل زماننا اليوم، إذا جاءتهم شدّة تركوا الله، ودعوا فلاناً وفلاناً، واستغاثوا بهم في البر والبحر، فهم أخف شركاً وأيسر كفراً من أهل زماننا هذا)48.

التكفير.. سنّة وهابية ماضية!


لم تتوقف مفاعيل الرؤية الكونية الوهابية، ولم يتقرر سحب الحكم الإجمالي والعمومي على معتقدات المسلمين من التداول، وكأنما تبطن الصلاحية المفتوحة للرؤية الكونية الوهابية، أن الأخيرة إما أخفقت بعد قرنين من الحركة الدعوية السلمية والعنفية في تبديل معتقدات غالبية المسلمين المصنّفين بكونهم كفّاراً، أو مشركين، أو مبتدعة، أو أن للوهابية وظيفة أخرى ودوراً لا تعيش دون القيام به، وقد يكون (تكفير الآخر مبرر وجود للذات). كتب الشيخ صالح الفوزان في الباب الأول من (كتاب التوحيد) بعنوان: (الإنحراف في حياة البشرية ولمحة تاريخية عن الفكر والإلحاد والشرك والنفاق)، يقول: (فشا الجهل في القرون المتأخرة، ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى، فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة بسبب دعاة الضلال، وبسبب البناء على القبور..الخ)49.

وفي الفصل الخامس يتحدّث الفوزان عن الجاهلية، ويفرّق بين الجاهلية العامة والجاهلية الخاصة، وأن الجاهلية العامة انتهت بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك جاهلية خاصة (ببعض الدول وبعض البلدان وبعض الأشخاص وهذه لا تزال باقية). ثم يردّ بصورة غير مباشرة على سيد قطب في كتابه (جاهلية القرن العشرين)، ويقول ما نصّه: (وبهذا يتّضح خطأ من يعممون الجاهلية في هذا الزمان فيقولون: جاهلية هذا القرن وما شابه ذلك، والصواب أن يقال: جاهلية بعض أهل هذا القرن أو غالب أهل هذا القرن..)، وكأنه يلمح الى أن ثمة طائفة لم تقع في الجاهلية وهي الوهابية.

وأسهب الفوزان في الحديث عن ظاهرة البدع في حياة المسلمين، حتى لايكاد زمان ولا مصر ولا طائفة إلا كانت البدعة علامة بارزة في كل منها، ونقل عن ابن تيمية قوله: (أن عامة البدع المتعلّقة بالعلوم والعبادات إنما وقع في الأمة في أواخر الخلفاء الراشدين)؛ ثم صار الفوزان يعدّد البدع بحسب رؤيته العقدية بدءً من القدر والإرجاء والتشيع والاعتزال والجهمية والحرورية وتقاسمت بلاد الشام والعراق وخراسان هذه البدع، باستثناء المدينة المنورة التي لم تسلم هي الأخرى فقد (كان بها من هو مضمر لذلك). أما اليوم (فإن غالب الناس من المسلمين قلّدوا الكفار في عمل البدع والشركيات..)50.

وفي نسخة أخرى من الكتاب نفسه، أي (التوحيد) المخصّص للصف الأول من المرحلة الثانوية، والصادر عن وزارة التربية والتعليم المملكة العربية السعودية لسنة 1424هـ وصف الأشاعرة والماتريدية بالشرك، وقال عن المشركين الأوائل: (فهؤلاء المشركون هم سلف الجهمية والمعتزلة والأشاعرة)51.

يفّرق الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه: (القول المفيد على كتاب التوحيد) بين توحيد الربوبية وتوحيد العبودية، فالمسلمون، على حد قوله، مجمعون على القسم الأول، أما القسم الآخر أي توحيد العبودية فقد (كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب). المسلمون اليوم واقعون حسب الشيخ بن عثيمين ما وقع فيه الأقوام السالفة، حيث أنهم لم ينكروا وجود الرب (لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة‍‍!!) ولذلك يوصي بأن يتم التركيز (على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون، وهم مشركون، ولا يعلمون)، وفق هذه الرؤية العقدية المحدّدة، يخرج الشيخ العثيمين الغالبية الساحقة من المسلمين من مسمى أهل السنة والجماعة، ويقول بأن المسلمين، من غير أتباع المذهب السلفي والوهابي:

(لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنّة والجماعة؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة، فأهل السنّة منتسبون للسنّة؛ لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنّة فيما ذهبوا إليه من التحريف. وأيضاً الجماعة في الأصل: الاجتماع، وهم غير مجتمعين في آرائهم؛ ففي كتبهم التداخل، والتناقض، والاضطراب، حتى إن بعضهم يضلّل بعضاً، ويتناقض هو بنفسه)52.

وفي أحد اللقاءات المفتوحة مع الشيخ محمد بن صالح العثيمين بمنزله كل يوم خميس، والتي ابتدأت أواخر شهر شوال من العام 1412هـ وانتهت يوم الخميس الرابع عشر من شهر صفر من العام 1421هـ، سئل ما يلي: هناك من ينكر إستعمال مصطلح أهل السنة والجماعة، ويقول: نقول: السلفيين أو السلف؛ لأن في ذلك إدخالاً للأشاعرة و الماتريدية في هذا المصطلح؟، فأجاب ما نصّه:

(من الخطأ أن ندخل أهل البدع مهما كانت بدعتهم في الاسم المطلق لأهل السنة والجماعة ، فإن أهل السنة والجماعة لا يدخل فيهم من خالف السلف فيما هم عليه، وفيما خالفهم فيه، فمثلاً: إذا كان هذا الرجل ينكر من صفات الله وأسمائه ما ينكره فهو ليس من أهل السنة والجماعة فيما أنكره، وإن كان منهم في أمور أخرى؛ لأن أهل السنة والجماعة يرون أن الإنسان قد يجتمع فيه بدعة وسنة، كفر أصغر وإيمان، فهذا الرجل الذي خالف السلف في صفات الله نقول: هو ليس من أهل السنة والجماعة في صفات الله، وإن كان منهم في أعمال أخرى، كالمسائل الفقهية مثلاً، فنحن نمنع أصلاً أن يكون صاحب بدعة من أهل السنة في بدعته، وحينئذٍ نسلم من هذا الإشكال الذي أدى إلى تضارب آراء العلماء. فالذي نرى أن أهل البدع في بدعهم ليسوا من أهل السنة والجماعة ؛ لأن هذه البدعة ليس عليها أهل السنة والجماعة وكيف يكون من أهل السنة والجماعة وهو مخالف لهم؟!! السائل: وهل مصطلح أهل السنة والجماعة يستعمل للسلفيين أم لا؟ الجواب: أبداً، لا حاجة لذلك؛ لأن أهل السنة والجماعة حقيقةً هم من كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.. السائل: - كمثال - نجعل النووي وإبن حجر من غير أهل السنة والجماعة؟ الشيخ: فيما يذهبان إليه في الأسماء والصفات ليسا من أهل السنة والجماعة..)53.

وكما هو واضح، فإن المعايير التي يضعها إبن عثيمين، شأن العلماء السابقين رجوعاً الى الشيخ إبن عبد الوهاب، تفضي إلى إخراج الأغلبية الساحقة من المسلمين السنّة من مسمى (أهل السنة والجماعة)، كونهم لا يؤمنون بالتقسيم الذي وضعه الوهابية لعقيدة التوحيد. ومن الغريب أن الإمام النووي والشيخ ابن حجر ليسا، بحسب إبن عثيمين، من أهل السنة والجماعة أيضاً.

وكما أصدر الشيخ إبن عبد الوهاب حكماً بكفر أشخاص بعينهم مثل سليمان بن سحيم وأبيه، والمويس وغيرهم، فقد جاء من يعيد إحياء سنّة التكفير في أيامنا. وقد شهدت البلاد في مطلع التسعينيات من القرن الماضي ظاهر تكفير غير مسبوقة، بدأت بالأفراد ذكوراً ونساءً على خلفية المطالب بإصلاحات وحقوق سياسية وإجتماعية، أو دول بما فيها الدولة السعودية التي وصمت بأنها دولة كافرة بعد أن حكّمت قوانين وضعية الى جانب أحكام الشريعة. وتطوّر الأمر الى توجيه أحكام بالكفر المشفوعة بقرار القتل مثل تكفير الكاتب الليبرالي تركي الحمد. وفي مارس من العام 2008، أفتى الشيخ عبد الرحمن البرّاك، وهو أحد روّاد الفتوى الشرعية في الوسط الوهابي، بكفر كاتبين سعوديين لكتابتهما مقالات وصفها بأنها (متصادمة مع الشرع)، هما عبد الله بن بجاد العتيبي، ويوسف أبا الخيل، مطالبًا بمحاكمتهما بتهمة الردة، فإذا لم يرجع كل منهما عن قوله: (وجب قتله مرتدًّا فلا يغسّل ولا يكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون).

وجاءت الفتوى على خلفية مقال كتبه العتيبي في يناير 2008 بصحيفة (الرياض) بعنوان (إسلام النص وإسلام الصراع)، ومقال آخر في الصحيفة نفسها للكاتب أبا الخيل نشر في ديسمبر 2007 بعنوان (الآخر في ميزان الإسلام)54.


الهوامش


1ـ أنظر: الدرر السنيّة في الأجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن بن محمد النجدي، الطبعة السابعة، 2004، الجزء الأول ـ العقائد، ص 16

2 ـ حمادي الرّديسي وأسماء نويرة، الرّدّ على الوهّابيّة..في القرن التاسع عشر، نصوص الغرب الإسلامي نموذجاً، صدر عن دار الطليعة، بيروت، سنة 2008 ص 114 ـ115

3 ـ الرسائل الشخصية، قام بالتصحيح والمقابلة على نصخ خطيّة ومطبوعة، صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، ومحمد بن صالح العليقي، المجلد السابع من مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب ص 11

4 ـ المصدر السابق، ص ص 19 ـ20

5 ـ المصدر السابق، ص ص 24 ـ 25

6 ـ المصدر السابق، ص 25

7 ـ المصدر السابق، ص ص 25 ـ26

8ـ المصدر السابق ص 25

9ـ المصدر السابق، ص 27

10 ـ المصدر السابق ص 37

11 ـ إبراهيم الجبهان، تبديد الظلام وتنبيه النيام، دار المجمع العلمي بجدة، الطبعة الثالثة 1979، ص 389

12 ـ الرسائل الشخصية، مصدر سابق، ص 38

13 ـ المصدر السابق، ص 39

14 ـ المصدر السابق، ص 41 ـ42

15 ـ المصدر السابق، ص ص 46 ـ 47

16 ـ المصدر السابق، ص ص 65، 66

17 ـ المصدر السابق، ص ص 69

18 ـ عبد الرحمن بن حسن، قرّة عيون الموحدين، دراسة وتحقيق: بشير محمد عيون، الناشر: مكتبة المؤيد، الطائف، المملكة العربية السعودية/ مكتبة دار البيان، دمشق، الجمهورية العربية السورية، الأولى، 1411هـ/1990م، ص 16

19 ـ المصدر السابق، ص 25، 26

20 ـ المصدر السابق، ص ص 42، 70

21 ـ الرسائل الشخصية، مصدر سابق، ص 88

22ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الأول، مصدر سابق ص 234

23 ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الثامن، مصدر سابق ص 206

24ـ الرسائل الشخصية، الرسالة التاسعة عشرة ص ص 124 ـ 125

25 ـ المصدر السابق، ص ص 170، 171

26ـ المصدر السابق، ص 172 ـ 173

27 ـ المصدر السابق، ص 182

28ـ المصدر السابق، ص 187

29ـ المصدر السابق، ص 189

30ـ المصدر السابق، ص 204

31ـ المصدر السابق، ص 209

32ـ المصدر السابق، ص 213

33ـ المصدر السابق، ص 220

34ـ المصدر السابق، ص 226

35ـ المصدر السابق، ص 227

36ـ المصدر السابق، ص 233

37ـ المصدر السابق ص 292

38ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، مصدر سابق، الجزء الأول، ص ص 319، 320ـ 321

39ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الأول، ص 324

40ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الأول، ص 382

41 ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء الثامن، ص 439، 451

42ـ الموقع الرسمي للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين على الإنترنت، رقم الفتوى11621

43ـ أنظر الموقع الرسمي للشيخ إبن باز على الشبكة الالكترونية:

http://www.binbaz.org.sa/mat/10231

44 ـ الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، من مشاهير المجددين في الإسلام، تقديم الشيخ عبد العزيز بن باز، طبع خاص، ص 18

45ـ المصدر السابق، ص 37

46ـ المصدر السابق، ص 37 ـ 38 عن كتاب (علماء نجد خلال ستة قرون)، للشيخ عبد الله البسام، الجزء الثاني ص 605 ـ606

47 ـ محمد صديق حسن القنوجي البخاري (ت 1235هـ) الدين الخالص، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الاولى 1995، الجزء الثالث، ص 11

48 ـ القنوجي البخاري، المصدر السابق، الجزء الأول ص 140

49 ـ الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، كتاب التوحيد، (طبع خاص رقم 119)، ص 7

50 ـ المصدر السابق، ص ص 112، 116

51 ـ الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، كتاب التوحيد، وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية، سنة الطبع 1424هـ ص ص 66 و67

52 ـ الشيخ محمد بن صالح العثيمين، القول المفيد على كتاب التوحيد، الجزء الأول ص ص 5، 6 أنظر الرابط:

http://www.saaid.net/book/open.php?cat=1&book=81

53 ـ سلسلة لقاءات الباب المفتوح مع الشيخ محمد بن صالح العثيمين، في الفترة ما بين 1412 ـ 1421، نشرت على موقع صيد الفوائد على شبكة الإنترنت، الجزء الثامن ص 29

54 ـ أنظر: موقع العربية. نت بتاريخ 24 فبراير 2010،

http://www.alarabiya.net/mob/ar/101336.html
(javascript:onClick=history.go(-1);)

salimo123
2013-01-11, 18:58
http://www.alhejazi.net/images/104_2_500.jpg من الكتب والمراجع التكفيرية الوهابية
الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

الجزء الثاني ـ تكفير المعيّن والعموم


وبإمكان المرء تتبّع كتابات علماء المذهب منذ الأيام الأولى لنشأته حول مسألة التكفير،ينفرد المذهب الوهابي بأنه صاحب أضخم تراث تكفيري في تاريخ الإسلام، والمناظرات المتصاعدة والمغلقة داخل الدائرة الوهابية، حتى يبدو وكأن مسألة التكفير ركيزة أساسية للمذهب، ومصدر لوجوده وحيويته وتميّزه.


سعد الشريف

تاريخياً، لم ينشغل مذهب في الاسلام بمسألة التكفير تقعيداً، وشرحاً، وتطبيقاً كما انشغل المذهب الوهابي، فلا يكاد عالمٌ فيه إلاّ وله رأيٌ في التكفير، إن لم يكن فتاوى تكفيرية ضد فعل أو قول، أو شخص، أو طائفة، وأحياناً طوائف، بل تكفير أغلبية الأمة كما في رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه وأحفاده، وكما جاء أيضاً في بعض الشروحات على كتاب (التوحيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب (أنظر على سبيل المثال: شرحي الشيخ الشيخ صالح الفوزان، والشيخ إبن عثيمين).
في المعجم العقدي الوهابي: التكفير المطلق هو تنزيل الحكم بالكفر على الفعل والقول (من قال كذا أو من فعل كذا كفر)، أما التكفير المعيّن فيشمل الشخص الذي فعل الكفر، وأما تكفير العموم فيشمل طائفة أو طوائف لتلبّسها بفعل/أفعال أو قول/أقوال كفرية، بحسب التفسير العقدي الوهابي.
تنطلق القراءة في تراث الكراهية الدينية لدى الوهابية من اقتفاء جذور تلك الكتابات التأسيسية للتكفير في المجال التيولوجي الوهابي. إلى جانب آراء الشيخ إبن تيمية والشيخ إبن عبد الوهاب في تكفير المعيّن، فإن كتاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين (1194 ـ 1282) مفتي الديار النجدية في زمانه الموسوم (تكفير المعيّن)، يمثّل مرجعاً رئيسياً في المجتمع الديني الوهابي. وقد بدأ في الفصل الأول من كتابه بعنوان (في التحذير من تكفير المسلمين)، ونقل بأن (ظاهرة التكفير من أوائل البدع التي ظهرت في الإسلام، على يد الخوارج..)(1). ونقل أيضاً: (ولقد نهى الإسلام عن تكفير المسلمين نهياً شديداً، وحذّر من ذلك تحذيراً عظيماً..)، وعقّب قائلاً: (فوظيفة المسلم أن يدعو إلى الله على بصيرة، ولم يؤمر أحدٌ أن يحكم على مافي سرائر الخلق..ولتعلم أخي المسلم أن خطأك في تكفير كافر خير من حكمك على مسلم بالكفر)(2).
ونقل كلاماً للشوكاني حازماً يشدّد فيه على عدم التساهل في إصدار حكم بكفر شخصٍ ما وقال ما نصّه: (فلابدّ من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه، فلا إعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ تلفّظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه..)(3). ويعتبر هذا الرأي في حدّه النظري آية في التسامح الديني، ولكن المشكلة تكمن في تطبيق المبادىء العامة على الواقع، حيث تبدو المسافة الفاصلة بين ما هو نظري وما هو عملي/ تطبيقي شاسعة، فقد يختفي التشدد في إطلاق حكم بتكفير في المستوى النظري، ولكن ما يلبث أن يصبح التسامح في التكفير ظاهراً بل متفشيّاً. ففي تعليق له على كلام إبن تيمية في عدم تكفير كثير من المتأخّرين لغلبة الجهل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، بدا متشدّداً وقال بكفر مثلاً من يقوم بزيارة المشاهد المشهورة في أكثر بلاد المسلمين، واعتبرهم مشركين كفّار(4). ويعلق قائلاً: (ونحن نعلم أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الاسلام أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية البعد، وأنه من الشرك الذي حرّمه الله ـ تعالى ـ لم يقدموا عليه، فكفّرهم جميع العلماء ولم يعذروهم بالجهل، لا كما يقول بعض الضالين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهّال..)(5). فهذا مثال واحد عن التناقض بين ماهو نظري وماهو عملي وتطبيقي.
وقد تسبّب إفراط رموز المدرسة الحنبلية والوهابية وخصوصاً الشيخ إبن تيمية والشيخ إبن عبد الوهاب في إطلاق أحكام التكفير في إحداث ردود فعل واسعة بين المسلمين من أتباع المذاهب الأخرى، حتى أصبحت وصمة (الخوارج) ملاصقة للمدرسة الوهابية، الأمر الذي دفع بعض المناصرين للوهابية لتصنيف المقالات والكتب دفاعاً عن رموز المذهب. ومن نافلة القول، أن وصمة الخارجي باتت تستعمل في الصراع الداخلي بين الوهابيين أنفسهم، فصار أتباع تنظيم القاعدة الذين يكفّرون الدولة السعودية وعلماءها هم الخوارج، بحسب بيانات هيئة كبار العلماء ومشايخ وزارة الداخلية السعودية.
ومهما يكن، شعر الوهابيون بأنّهم باتوا هدفاً لانتقادات غالبية المسلمين بسبب إسرافهم في الإستعمال المسرف لأحكام التكفير، حتى صارت آلة تظهير المشيخة هي النيل من معتقدات الآخرين وإخراجهم من دائرة الإيمان الديني. وقد كتب أحدهم ردّاً على تشنيع خصوم إبن تيمية وإبن عبد الوهاب والتابعين لهما في مسألة التكفير، وأنهم يسلكون مسلك الخوارج، ولكنه لم يغفل الموقف الأولي الذي قامت عليه العقيدة الوهابية. كتب أبو العلا الراشد: (عندما ننقل عن أهل العلم خطورة التسرّع في مسألة التكفير، والتحذير من تكفير المسلم، فلا يعني هذا اغلاق باب الردة، أو الحكم بالإسلام على من دلّ الدليل على كفره وردته، فإن الإنحراف في التكفير لا يقابل بانحراف آخر لا يقلّ خطراً عنه، وهو الإرجاء، وعدم تكفير الكافرين المجمع على كفرهم)(6).
إن الرد النمطي الذي يسوقه المنافحون عن ابن تيمية وابن عبد الوهاب أنهم لا يكفّرون دون دليل، وهذا صحيح، ولكن أي دليل؟ هم يضعون معايير خاصة في الايمان وعدم الايمان تجعل من كثير من المؤمنين خارج دائرة الإيمان وبالتالي يصح الدليل على كفرهم!
يلتزم علماء الوهابية بقول لابن تيمية في إبلاغ الحجّة كطريقة في تكفير شخص ما معيّن، إذ لا يتطلب الابلاغ فهم الحجة، (إذا كان من بلغته يفهممها لو أراد، وإنما يشترط بلوغها على وجه يمكن معه العلم..)(7). في المقابل، نقرأ كلاماً للشيخ الشوكاني ما نصّه: (إعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار)(8)
وقد صنّف الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاباً يشتمل على مسائل أربع وقواعد أربع يفرّق فيها بين المسلم والمشرك، فألّف (كتاب التوحيد) يقول فيه ما نصّه: (ومن نوع هذا الشرك: الإعتكاف على قبور المشهورين بالنبوّة، أو الصحبة، أو الولاية، وشدّ الرحال إلى زيارتها، لأن الناس يعرفون الرجل الصالح، وبركته، ودعاءه، فيعكفون على قبره، ويقصدون ذلك، فتارة: يسألونه، وتارة: يسألون الله عنده، وتارة: يصلون ويدعون الله عند قبره)(9).
من غريب الردود ما نقرأ عن نفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب تكفيره للعموم بقوله (سبحانك هذا بهتان عظيم)(10)، ثم مايلبث في رسالة أخرى لاحقة يقول فيها: (فلما جرى في هذا الأمة، ما أخبر به نبيها صلى الله عليه وسلم...وصار ناس من الضالين: يدعون أناساً من الصالحين، في الشدّة والرخاء، مثل: عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، ودعي بن مسافر، وأمثالهم..) ثم يقول: (واعلم أن المشركين في زماننا: قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون الملائكة، والأولياء، والصالحين، ويريدون شفاعتهم..)(11).
يعيب الشيخ إبن عبد الوهاب على العلماء الذين يأمرون أتباعهم بعدم تكفير شخص قال لا إله إلا الله، ويقول: (وهذا القول، تلقته العامة من علمائهم، وأنكروا ما بينه الله ورسوله، بل كفروا من صدق الله ورسوله في هذه المسألة، وقالوا: من كفر مسلماً فقد كفر، والمسلم عندهم: الذي ليس معه من الإسلام شعرة، إلا أنه يقول لا إله إلا الله)(12).
وعلّق ابن عبد الوهاب بعد نقله كلاماً للشيخ إبن تيمية في التكفير:
(وكلامه في كل موضع وقفنا عليه من كلامه لا يذكر عدم تكفير المعين إلا ويصله بما يزيل الإشكال أن المراد بالتوقف عن تكفيره قبل أن تبلغه الحجة، وأما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير أو تفسيق أو معصية، وصرح أيضاً أن كلامه في غير المسائل الظاهرة فقال في الرد على المتكلمين لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منه الردة عن الإسلام كثيرا قال: وهذا إن كان في المقالات الخفية فقد يقال أنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها ولكن هذا يصدر عنهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها مثل عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ومثل إيجابه للصلوات الخمس وتعظيم شأنها ومثل تحريم الفواحش والزنا والخمر والميسر، ثم تجد كثيرا من رؤسهم وقعوا فيها فكانوا مرتدين).
ثم ذكر مسألة تكفير المعين بعد بلوغ الحجة وقال: (لا نعلم عن واحد من العلماء خلافا في هذه المسألة والحمد لله)(13). وقال:(فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه قد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل..)(14). وأضاف: (فلم يمنع من التكفير كونه جاهلاً). وهنا يندلع سيل الأسئلة الاستنكارية: فلمن وضع حديث (رفع عن أمتي..)؟، وماهي مصاديق آيات رفع الحرج؟، ولماذا العلماء وغيرهم لايستوون في مرتبة واحدة؟، وكيف لا يعذر الجاهل؟، وقد قال تعالى: (وما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولا) الإسراء ـ 15، فبأي وجه نظرت إلى الآية وجدت أن الله سبحانه وتعالى لا يعذّب أحداً لجهل بدين ما لم يلق عليه الحجة، فإنما يكفُّر الكافر بعد علم، وإلا ما معنى حديث: كل إبن آدم يولد على الفطرة..الخ، وهو مصداق للآية المباركة (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله). نعم، ظهر لاحقاً إتجاه في المدرسة الوهابية ميّز بين نوعين من الجهل، الجهل داخل دائرة الاسلام والمسلمين، وجهل خارجها، وأطلق عليهم (أهل الفترات) الذين يعيشون في مناطق نائية ولم يصلهم خبر رسالة الاسلام، فيمتحنون يوم القيامة.
http://www.alhejazi.net/images/abu_baker_aljazairi_210.jpg ابو بكر الجزائري: تكفيري كفّره وهابي مثله! وفي رسالة بعث بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب الى الشيخ عبد اللَّه بن عيسى قاضي الدرعية وإبنه عبد الوهاب، قال: (فقد ذكر لي أحمد أنه مشكل عليكم الفُتيا بكفر هؤلاء الطواغيت مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس، والذين يعبدونهم مثل طالب وأمثاله...)(15). وفي رسالة أخرى إلى عبد الرحمن بن ربيعة - أحد علماء ثادق - قال بعد كلام: (فمن عبد اللَّه ليلا ونهارا ثم دعا نبيا أو وليا عند قبره، فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، لأن الإله هو المدعو، كما يفعل المشركون اليوم عند قبر الزبير أو عبد القادر أو غيرهم، وكما يفعل قبل هذا عند قبر زيد وغيره...)(16). وخلص الى القول بأن (وهذا الشرك الذي أذكره اليوم قد طبق مشارق الأرض ومغاربها، إلا الغرباء المذكورين في الحديث وقليل ماهم)(17).
(وإن صح عندك الإجماع على تكفير من فعل هذا أو رضيه ـ أي من جعل وسائط مع الله ـ أو جادل فيه فهذه خطوط المويس وابن اسماعيل واحمد بن يحي عندنا في إنكار هذا الدين والبراءة منه وهم الآن مجتهدون في صد الناس عنه فإن استقمت على التوحيد وتبينت فيه ودعوت الناس إليه وجاهرت بعدواة هؤلاء خصوصاً ابن يحيي لأنه من أنجسهم وأعظمهم كفراً وصبرت على الأذى في ذلك فأنت أخونا وحبيبنا وذلك محل المذاكرة في المسائل التي ذكرت..)(18).
وفي رسالة أرسلها إلى سليمان بن سحيم قاضي الرياض، خاطبه فيها قائلاً (نذكر لك أنك أنت وأباك مصرحون بالكفر والشرك والنفاق..)، ثم يقول: (أنت وأبوك لا تفهمون شهادة أن لا إله إلا الله أنا أشهد بهذا شهادة يسألني الله عنها يوم القيامة أنك لا تعرفها إلى الآن ولا أبوك..)(19). ثم يقول:
(وإنمّا كفّرنا هؤلاء الطواغيت أهل الخرج وغيرهم بالأمور التي يفعلونها هم منها أنهم يجعلون آباءهم وأجدادهم وسائط، ومنها أنهم يدعون الناس إلى الكفر، ومنها أنهم يُبغّضون عند الناس دين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويزعمون أن أهل العارض كفروا لما قالوا لا يعبد إلا الله وغير ذلك من أنواع الكفر..)(20)
و بعث إلى أحد علماء الإحساء يقال له أحمد بن عبد الكريم، وقد شكّ في مسألة تكفير المعيّن بعد أن قرأ كلاماً لإبن تيمية، فجاءه الجواب بأن نقده نقداً جارحاً بقوله:
(إذا أعمى الله القلب فلا حيلة فيه، وأنا أخاف عليك من قوله تعالى “ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون”، والشبهة التي دخلت عليك هذه البضيعة التي في يدك تخاف تغدي أنت وعيالك إذا تركت بلد المشركين وشاك في رزق الله، وأيضاً قرناء السوء أضلوك كما هي عادتهم، وأنت والعياذ بالله تنزل درجة درجة أول مرة في الشك، وبلد الشرك وموالاتهم والصلاة خلفهم، وبراءتك من المسلمين مداهنة لهم، ثد بعد ذلك طحت على ابن غنام وغيره، وتبرأت من ملة إبراهم، وأشهدتهم على نفسك باتباع المشركين من غير إكراه لكن خوف ومداراة..)(21).
وفيما فصّل في مسألة تكفير الأنواع لا الأعيان، فإنه بدا كما لو أنه يميل الى أشد من ذلك، ولفت ألى أنه لو مضى على طريقة صاحب (الإقناع) لشرف الدين الحجّاوي الدمشقي (لكفّرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم)(22)، وقد فعل ابن عبد الوهاب ذلك، حين أكّد في رسالة للأحسائي على (ردّة الفخر الرازي عن الإسلام مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة)(23).
وذكر الشيخ عبد الله وإبراهيم أبناء عبد الطيف وسليمان بن سحمان قالوا: إن أهل العلم والحديث لم يخـتلفوا في تكفير الجهمية..)(24). وسئل الشيخ عبد الله، والشيخ ابراهيم إبنا الشيخ عبد اللطيف، والشيخ سليمان بن سمحان عن الجهمية؟ فأجابوا: (أما الجهمية، فالمشهور من مذهب أحمد، وعامة علماء السنة، رحمهم الله، تكفيرهم، لأن قولهم صريح في مناقضة ماجاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب..)(25)، وقال في مكان آخر (أن الامام أحمد، وأمثاله، من أهل العلم والحديث، لا يختلفون في تكفير الجهمية، وأنهم ضلال زنادقة مرتدون..)(26). وختم: (وأما الإباضية في هذه الأزمان، فليسوا كفرة من أسلافهم، والذي يبلغنا أنهم على دين عبّاد القبور، وانتحلوا أموراً كفرية..ومن كان بهذه المثابة فلا شك في كفره، فلا يقول بإسلامهم إلا مصاب في عقله ودينه)(27).
ولعل أهم ما صدر في تكفير الجهمية، ما ورد في كتاب (إجماع أهل السنة النبويّة على تكفير المعطّلة الجهمية)، وهو عبارة عن مجموع يضم عدّة رسائل لكل من الشيخ العلامة إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (1280 ـ 1329هـ)، والشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ (1265 ـ 1339هـ)، والشيخ العلامة سليمان بن سحمان الفزعي الخثعمي (1266 ـ 1349هـ)، وهو يندرج في السلسلة السلفية للرسائل والكتب النجدية (5 ـ 8). وينطلق مصنّف الكتاب من أن الإسلام تعرّض لعملية تحريف في تاريخه من خلال نشر علم الكلام ومنطق اليونان، وأن من تزعم هذا المذهب هو الجهم بن صفوان الذي وصفه المصنّف بأنه (رأس الفرقة الضالة، الكافرة، الخاسرة، الجهمية)(28) وقد أخذها عن الجعد بن درهم، وكانوا يمثلون الخط الذي يقول بخلق القرآن وضد الخليفة المتوكل الذي قرّب أحمد بن حنبل وضد المعتزلة.
وقد كتب مشايخ من الوهابيين رسائل في تكفير الجهمية وتكفير من شك في كفرهم: (وأنهم ضلال زنادقة، وأن الصلاة لا تجوز خلف من لا يكفّر الجهمية، وأن هذا هو مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه..)(29).
من بين الرسائل المدرجة في الكتاب، رسالة بعنوان (كشف الأوهام والإلتباس عن تشبيه بعض الأغبياء من الناس) للشيخ سليمان بن سمحان الفزعي الخثعمي، غاية ما أراد إثباته من كل المناقشات التي دارت حول تكفير الجهمية واختلاف العلماء حول تكفيرهم بالمطلق، أن كفرهم لا مراء وجدال فيه، وأنَّ من لم يكفّرهم أو يشك في كفرهم فهو كافر: (لا خلاف بين العلماء في الجهمية مطلقاً، بل قد ذكر شيخ الاسلام في بعض أجوبته تكفير الإمام أحمد للجهمية، وذكر كلام السلف في تكفيرهم وإخراجهم من الثلاث والسبعين فرقة، وغلّظ القول فيهم، وذكر الروايتين في تكفير من لم يكفّرهم..)(30). وشمل الحكم الأباضية (فأباضية أهل هذا الزمان على ما بلغنا جهمية، عبّاد قبور، ليسوا على مذاهب أسلافهم الماضين..)(31).
وحين واجه إشكالية أن ليس كل جمهور أهل السنة والجماعة تكفّر الجهمية، ردّ الخثعمي بالقول:
(فالجواب أن يقال لهذا الغبي الجاهل: قد ذكر أهل العلم بأن من لم يكفّر المشركين، أو شكَّ في كفرهم فهو كافر، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام العشرة: (الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم فهو كافر)(32).
ومن الناحية التاريخية، كانت للجهمية باشتقاقاتها الإعتزالية العقلانية حيثية شعبية وازنة ومكانة لدى السلطان، بدليل أن فتاوى الحنبلية بوجوب إعادة الصلاة وراء إمام جهمي: (وقد صرّح الإمام أحمد فيما نقل عنه إبنه عبد الله وغيره أنه كان يعيد صلاة الجمعة وغيرها، وقد يفعله المؤمن مع غيرهم من المرتدين إذا كان لهم شوكة ودولة..)(33).
التكفير للجهمية شمل غيرهم أيضاً: (وبهذا كفّروا من يقول القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، وأن الله ليس على العرش..وهم عند كثير من السلف مثل: ابن المبارك، ويوسف بن أسباط، وطائفة من أصحاب أحمد ليسوا من الثلاث وسبعين فرقة التي افترقت عليها الأمة)(34). وانسحب الحكم على من سواهم مثل (الجهال المقلدين لهم من المتكلمين وغيرهم، ممن دخل عليه شيء من كلام الجهمية من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، من طوائف أهل البدع الذين أحسنوا الظن بمن قلدوه، ممن نزع إلى مذهب الجهمية..)(35).
نشير إلى أن هناك من نقد كتاب (إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية)، واعتبره مليء بالمجازفات والإطلاقات، وقد اشتغل أبي محمود عماد الدين الفرج على وضع كتاب بهذا الشأن في موقع (جنوب مصر السلفية) الذي يشرف عليه، وقدّم فيه بعضاً مما ورد في الكتاب من مواطن الإنتقاد، (وهي كثيرة) حسب قوله، ولكن اكتفى ببعضها (لدلالتها على غيرها). ومن بين ما ذكره (أن في الدرر ـ للشوكاني ـ إطلاقات لا تنبغي)، ويرى الفرج بأن الجهمية ثلاث فرق: المعتزلة، والصفاتية، والجهمية التي تثبت الأسماء مجازاً ولذلك أشكل على من قال بكفرهم كأعيان بل انتقد القول (أن من لم يكفّر الجهمية بأعيانهم فهو كافر).
مثال آخر، إبن حجر الهيتمي الذي قال الشيخ سليمان بن سمحان في كتابه (البيان المبدي لشناعة القول المجدي)(36) عنه ما نصّه:
(إن هذا الرجل ممن أعمى الله بصيرته، وأضله على علم، وقد انقدحت في قلبه الشبهات، وصادف قلباً خالياً، فهو لا يقبل إلا ما لفقوا من الترهات، وما فاض من غيض ذوي الحسد والحقد والتمويهات، بما لا يجدي عد ذوي العقول السليمة والألباب الزاكية المستقيمة).
وقال أيضاً في كتابه (الصواعق المرسلة الشهابية ص 277)، (وابن حجر المكي ـ عامله الله بعدله ـ من الغالين في الصالحين، ومن الثالبين لأئمة المسلمين.. ومن كانت هذه حاله، وهو أقواله فحقيق أن لا يلتفت إليه). بل تجد في كتب الجنابلة والوهابية أوصافاً ترميه بالضلال والإبتداع والجفاء والتعصب والقبورية والجهل والغلو(37).
وبصورة عامة، فإن الرؤية الكونية للوهابية تقول: إن كل بلد لا يقام فيه أحكام الاسلام تعتبر من وجه بلد كفر، وكل مسلم لا يقدر على إظهار دينه ولا يهاجر فحكمه حكم أهل بلده، أي كفّار (فحكمه حكمهم في الظاهر)(38).
وقد صدر حكم بكفر بلدان بعينها، لأنها مسكونة بطائفة تفعل الكفر. على سبيل المثال:
(إذا كان يعلم أن جهمية دبي وأبي ظبي ونحوهم شر فرقة، وأن الجهمي رديء المذاهب، ويعلم أن من في هذه البلدتين من المسلمين عصاة ظالمون لأنفسهم، ويعلم أن الخوارج من أهل البدع المارقين بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم كلاب النار، وأنهم دانوا بشر المذاهب، وأنهم قد جاءوا بأعظم فرية فما هذا التحامل والتجازف في مسبة من عاداهم وأبغضهم وحذر عن مجالستهم وأغلظ في ذلك..)(39).
وقد حكم علماء الوهابية على (جهمية دبي وأبي ظبي وأباضية أهل الساحل وجهميته) بالكفر (فهؤلاء قد بلغتهم الدعوة، وقامت عليهم الحجة، وقد وقعت المخاصمة والمجادلة بينهم وبين من هناك من طلبة العلم وراسلوا المشايخ..الخ)(40). وقد أفتى الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ سيمان بن سمحان الفزعي الخثعمي بما نصّه (لا تصح إمامة من لا يكفّر الجهمية والقبوريين أو يشك في تكفيرهم..)(41).
وسئل الشيخ محمد بن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ عن الكفر في وقت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فأجاب بما نصّه:
(واعلم أن أهل نجد باديتهم وحاضرتهم، قبل دعوة شيخ الإسلام، وعلم الهداة الأعلام، مجدد ما اندرس من معالم الإسلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه، في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، قد اشتدت غربة الإسلام فيما بينهم، واستحكمت، وعمّ الشر وطمّ، وفشا الشرك، وشاع الكفر وذاع، في القرى والأمصار، والبادية والحاضرة، وصارت عبادة الطواغيت والأوثان، ديناً يدينون به...)(42).
http://www.alhejazi.net/images/alfozan_210.jpg الفوزان: التنظير للتكفير تأصيل التكفير

إتفقت كلمة علماء الوهابية من المؤسس ونزولاً الى المتأخرين بأن الإقرار بالشهادتين لا تنفع وليس مانعاً من التكفير(43). وأن عصمة الدم والمال إنما تتحقق (بوجوب الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه مع الإنخلاع من الشرك، والبراءة من أهله)(44). ولذلك فإن الحقيقة التي يلزم الإذعان لها (أن عامة الكفّار والمشركين من عهد نوح إلى وقتنا هذا جهلوا وتأوّلوا، وأهل الحلول والإتحاد كابن عربي وابن الفارض والتلمساني وغيرهم من الصوفية تأولوا، وعباد القبور والمشركون الذين هم محل النزاع تأولوا..)(45).
يقول معدّ كتاب (فتاوى الأئمة النجدية):
(لقد ظن فريق من المنافحين، عن المشركين وإسلامهم المزيف: أن رخصة الخطأ، تدرأ حكم الكفر عمّن وقع في الشرك جاهلاً، ولم يدر هؤلاء أن لازم هذا الأمر، الهوي في مستنقع عدم تكفير طوائف من الكفّار والزنادقة، قد أجمعت الأمة على كفرها، وكفر من شك في كفرها، ولم يلتزموه تعذر عليهم أن يقيموا فرقاً بين ما التزموه، وما لم يلتزموه)(46).
ولذلك يقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، والقاضي عبد العزيز قاضي الدرعية، ومن حوله من العلماء ما نصّه: (من لم يدخل في دين الإسلام، بل أدركته دعوة الشيخ ـ أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ وهو على كفره، كعبدة الأوثان، فحكمه حكم الكافر الأصلي، لأنا لا نقول: الأصل لإسلامهم، والكفر طارىء عليهم..)(47).
وهو رأي يستظل بآراء لأبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بأن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يحكم عليه بحسب ظاهره (أنه مات على الكفر، فلا يدعى له، ولا يضحّى له، ولا يتصدّق عليه)(48). وفي نصّ آخر (من بلغته دعوتنا إلى توحيد الله، والعمل بفرائض الله، وأبى أن يدخل في ذلك، وأقام على الشرك بالله، وترك فرائض الإسلام، فهذا نكفّره ونقاتله، ونشّن عليه الغارة بل بداره..)، بل استدلوا بغارة النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وغزا أهل مكة بلا إنذار ولا دعوة، وأباحوا بذلك الغارة على أهل اليمن وتهامة والحرمين والشام والعراق (ومثل هؤلاء لا تجب دعوتهم قبل القتال)(49).
وفي تكفير المعيّن، ما رواه الشيخ عبد الله عن إجماع العلماء على تكفير بشير المريسي، وهو رجل معيّن، وكذلك الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وكذلك نصير الدين الطوسي والذي تسبغ عليه المدرسة الوهابية وصفاً ازدرائياً وتسميّه (نصير الشرك) والتلمساني، وابن سبعين، والفارابي، أئمة الملاحدة، وأهل الوحدة، وأبي معشر البلخي، وغيرهم)(50).
ما يجدر الالتفات إليه، أن المفتي السابق، الشيخ عبد العزيز بن باز، يعتبر في نظر الخط الوهابي الأشد تطرفاً، غير ملتزم بالخط الأصلي للوهابية. وقد بان ذلك في تفريقه بين جاهل بلغته الرسالة فأنكرها، وجاهل لم يصله نبأها، فالأول يكفّر والثاني يرجى أمره إلى يوم القيامة فيُمتَحَن، وهذا ما لم يقله الشيخ إبن عبد الوهاب ولا أبناءه وأحفاده من بعده. ولعل هنا لفتة دقيقة، فقد جبل الأبناء والأحفاد على متابعة ما ورثوه عن أبيهم، بخلاف من هم من غير بيته فهم أكثر تحرراً ونقداً. وقد كتب أحدهم سبب الإختلاف مع الشيخ بن باز وقال: (أن عقيدته نظرية لا تطبّق على الواقع). وقد سئل الشيخ بن باز عن تكفير المعيّن، فأجاب: إذا أتى بمكفّر يكفّر، وضرب مثالاً (أن عباد القبور كما يسميهم كفّار، واليهود كفّار والنصارى كفّار ولكن عند القتل يستتابون، فإن تابوا ولا قتلوا)، حجته في ذلك أن القرآن قد بلغهم!
ولكن في جواب للجنة الدائمة للإفتاء كلاماً آخر حول الشهادتين:
(أن الموحد الذي لم يشرك بالله شيئاً ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يسمع به ولم يتمكن من السماع دون تفريط ـ وهذا على فرض وجوده في الكون ـ أنه لا يُحكم عليه بالضلال والشرك وأنه معذور بجهله)، ويقول: (ولايوجد فرق بين جهال اليهود والنصارى وبين مشركي العرب والعجم من المنتسبين للإسلام زوراً وبهتاناً..).
حول طائفتي (الخوارج والمرجئة)، يقول الشيخ عبدالله أبا بطين:
(وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلّت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفّروا من حكم الكتاب والسنة والإجماع بأنه مسلم، فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين ومحنته من تينك البليتين!!)(51).
يؤصّل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء والاستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالرياض الى ذلك في كتابه (الإرشاد الى صحيح الإعتقاد، والرد على أهل الشرك والإلحاد)، والكتاب في الأصل (حلقات أذيعت من إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية)(52). يقول:
(يجب اختيار الكتب الصحيحة السليمة، التي ألفت على مذهب السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، والمطابقة للكتاب والسنة، فتقرر على الطلاب، وتستبعد الكتب المخالفة لمنهج السلف، ككتب الأشاعرة والمعتزلة والجهمية وسائر الفرق الضالة عن منهج السلف)(53).
ومن مصاديق الشرك، حسب الفوزان: (ومن هذا طاعة الحكام والرؤساء في تحكيم القوانين الوضعية المخالفة للأحكام الشرعية في تحليل الحرام كإباحة الربا والزنى وشرب الخمر، ومساواة المرأة للرجل في الميراث، وإباحة السفور والاختلاط، أو تحريم الحلال كمنع تعدد الزوجات...وما أشبه ذلك من تغيير أحكام الله، واستبدالها بالقوانين الشيطانية، فمن وافقهم على ذلك ورضي به واستحسنه فهو مشرك كافر والعياذ بالله)(54). وكذلك تقليد الفقهاء باتباع أقوالهم المخالفة للأدلة.
من مظاهر موالاة الكفّار: (الإقامة في بلادهم وعدم الانتقال منها الى بلد المسلمين لأجل الفرار بالدين، لأن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض واجبة على المسلم لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين، ومن هنا حرّم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة)(55). بل حتى سفر السياحة الى بلاد الكفار هو من مظاهر موالاة الكفار(56).
ومن مظاهر موالاة الكفار أيضاً (الاستعانة بهم)، ولكن بعد استقدام القوات الأميركية للدفاع عن آل سعود في حرب الخليج الثانية في أغسطس 1990، وضع هامش تحت هذه العبارة ليسجَّل إستثناء (في غير حال الضرورة)(57). (ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من استقدام الكفار الى بلاد المسلمين (بلاد الحرمين الشريفين)، وجعلهم عمالاً وسائقين ومستخدمين ومربين في البيوت، وخلطهم مع العوائل، أو خلطهم مع المسلمين في بلادهم)(58). ما يلفت هنا أن بلاد المسلمين تنطبق فقط على بلاد الحرمين الشريفين!!
وفي كتاب (هل المسلم ملزم باتبّاع مذهب معيّن من المذاهب الأربعة؟!) للمدرس بالمسجد الحرام محمد سلطان المعصومي الخجندي المكي، وهو عبارة عن جواب لسؤال من مسلمي طوكيو وأوساكا في اليابان، رفعوه إليه في شهر المحرم سنة 1357هجرية وهو في الوقت نفسه شبه رد على كتاب (الإجتهاد والمجتهدون) حسب ما جاء في مقدمة الكتاب. يقول:
(وأما اتباع مذهب من هذه المذاهب الأربعة أو غيرها، فليس بواجب ولا مندوب، وليس على المسلم أن يلتزم واحداً منها بعينه، بل من التزم واحداً منها بعينه في كل مسائله فهو متعصب مخطىء مقلد تقليداً أعمى!! وهو ممن فرقوا دينهم وصاروا شيعاً)(59).
بل اعتبر المذاهب من البدع: (وهذه المذاهب أمور مبتدعة حدثت بعد القرون الثلاثة، وهذا لا شك فيه ولا شبهة وكل بدعة تعتقد ديناً وثواباً فهي ضلالة)، وقال بأن:
(بدعة المذاهب نشأ عنها افتراق الكلمة وتضليل البعض البعض حتى أفتوا بعدم جواز اقتداء الحنفي وراء الإمام الشافعي مثلاً، وإن تقوّلوا بأن أهل المذاهب الأربعة هم أهل السنة، ولكن أعمالهم تكذّبهم وتعارض قولهم وتبطله، فحدثت من هذه الباع هذه المقامات الأربع في المسجد الحرام، فتعدّدت الجماعة، وانتظر كل متمذهب جماعة مذهبه!)(60).
وقال في مكان آخر: (ولا شك أن المذهب من البدع في الدين!! وإنما أحدثه الأمراء والسلاطين لمقتضى سياساتهم أو اتباعاً لهواهم، أو حفاظاً لجاههم، أو عصبية لمشايخهم، كما هو معلوم لكل من طالع التواريخ!!)(61). فهل ينسحب ذلك على الوهابية مثلاً التي تعتبر اليوم أبرز مصداق لكلام الشيخ المعصومي؟!
تكفير الأغلبية السكانية في السعودية

تمثّل المواجهة العقدية بين علماء الوهابية والمكوّنات المذهبية الإسلامية الأخرى في المملكة إختباراً جديّاً لإمكانية التعايش بين المعتقدات في هذا البلد، ليس فقط لما تمثّله تلك المكوّنات من رمزية دينية وإجتماعية في مناطقها على وجه الخصوص، وكذلك وسط محيطاتها العقدية الكبرى خارج المملكة عموماً، ولكن لأن الطريقة التي أديرت بها المواجهة تميط اللثام عن طبيعة الخصومة والمديات التي يمكن أن تصل إليها حين توضع الخلافات المذهبية كمحك في العلاقة بين طرفين متباينين، لذلك فإن اختيار التعايش بين المعتقدات في هذا البلد يضع جدارة الدولة ومشروعيتها على المحك الدائم.
الحملة الوهابية التكفيرية ضد المذاهب الأخرى في المملكة تعود الى بداية التحالف السعودي ـ الوهابي في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي. فالدولة السعودية تحكم أغلبية كافرة، من وجهة النظر العقدية الوهابية وتتمثّل في (المالكية والصوفية في الحجاز، والإسماعيلية في الجنوب، والشيعة الإثني عشرية في الشرق).
http://www.alhejazi.net/images/maliki_5_210.jpg الوهابية تكفر السيد علوي المالكي ومن أبرز تلك المواجهات العقدية التي جرت في المملكة تلك التي تعرّض لها العالم الحجازي الراحل السيّد محمد علوي المالكي، الذي نال من التشنيع والتوصيم ما فاق حدود الأخلاق وأدب الإختلاف. فقد كتب الشيخ سفر الحوالي سنة 1412هـ/1991، وهو العام الذي برز فيه التيار الصحوي في السعودية، وبدأ يفصح فيه بصورة سافرة وصادمة عن مواقفه العقدية والسياسية إزاء القوى والأطراف الأخرى. وكان من بين ما صنّفه الحوالي كتابٌ بعنوان (مجدد ملة عمرو بن لحى وداعية الشرك في هذا الزمان) في إشارة الى المفتي الحجازي الراحل السيد محمد علوي المالكي. يقول الحوالي في مقدمة الكتاب: (ظهر منذ أشهر في بلد الله الحرام وغيرها من البلاد كتاب لداعية الشرك في هذا الزمان ومجدد ملة عمرو إبن لحي المدعو (محمد بن علوي المالكي) أسماه “شفاء الفؤاد بزيارة خير العباد” طبعته ونشرته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات”(62). ثم يقول (وقد تلقّف أهل البدع ومروجو الضلالة ودعاة الشرك والخرافة هذا الكتاب فنشروه على العامة ولبسوا به على الناس، وتحمسوا في نظرهم، للأخذ بالثأر ورد الاعتبار لمؤلفه بعد أن هتك الله ستره وفضح أمره)(63). ويختم بالقول (أظهرت رؤوس الوثنية والشرك والبدعة والضلالة رؤوسها من كل ناحية وتوجّهت سهامهم وسهام من يناصرهم من المنافقين إلى أهل السنة ورموهم عن قوس واحدة..)(64).
وكانت هيئة كبار العلماء في السعودية قد أصدرت بياناً وصفت فيه السيد محمد علوي المالكي بالضال، ونصّ قرارُ الهيئة المرقَّم 86 في 11 ذي القعدة لعام 1401هـ في الدورة السادسة عشرة المنعقدة بالطائف في شوال عام 1400 هـ:
(نظر مجلس هيئة كبار العلماء فيما عرضه سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، مما بلغه من أن لمحمد علوي مالكي نشاطاً كبيراً متزايداً في نشر البدع والخرافات، والدعوة الى الضلال والوثنية، وأنه يؤلّف الكتب ويتّصل بالناس، ويقوم بالأسفار من أجل تلك الأمور، واطلع على كتابه الذخائر المحمدية، وكتابه الصلوات المأثورة، وكتابه أدعية وصلوات، كما استمع الى الرسالة الواردة الى سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد، من مصر، وكان مما تضمنته:
(وقد ظهر في الأيام الأخيرة طريقة صوفية في شكلها لكنها في مضمونها من أضلّ ما عرفناه من الطرق القائمة الآن، وإن كانت ملّة الكفر واحدة.
وقد قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بقراءة كتابيه المذكورين اللذين اعترف أنها له ومن إعداده وتأليفه، وجمع الأمور الشركية والبدعية التي فيها وإعداد ما ينبغي أن يوجّه له، ويطلب منه أن يذيعه بصوته، وبعث له عن طريق معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين بكتاب سماحة الرئيس العام رقم 2788 وتاريخ 12 ذي القعدة سنة 1400هـ، فامتنع عن تنفيذ ما رآه المجلس، وكتب رسالة ضمنها رأيه، ووردت الى سماحة الرئيس العام لادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد مشفوعةً بكتاب معالي الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين، رقم 2053|19 وتاريخ 26/12/1400هـ.
وجاء في كتاب معاليه أنه اجتمع بالمذكور مرتين، وعرض عليه خطاب سماحة الشيخ عبد العزيز، وما كتبه المشائخ، ولكنه أبدى تمنعاً عما اقترحوه، وأنه حاول اقناعه ولم يقبل، وكتب إجابة عما طلب منه مضمونها التصريح بعدم الموافقة على إعلان توبته).
وفي الدورة السابعة عشرة المنعقدة في شهر رجب عام 1401 هـ، في مدينة الرياض، نظر المجلس في الموضوع وناقش الموقف الذي اتخذه حيال ما طلب منه ورأى أن يحاط ولاة الأمور بحاله والخطوات التي اتخذت لدفع ضرره وكف أذاه عن المسلمين، وأعدّت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بياناً يشتمل على جملة من الأمور الشركية والبدعية الموجودة في كتابه الذخائر المحمدية.
وفي الدورة الثامنة عشرة للمجلس ـ المنعقدة في شهر شوال عام 1401 هـ ـ أعيدت مناقشة الموضوع بناء على ما بلغ المجلس من (أن شرّه في ازدياد، وأنه لا يزال ينشر بدعه وضلالاته في الداخل والخارج، فرأى أن الفساد المترتب على نشاطه كبير، حيث يتعلق بأصل عقيدة التوحيد التي بعث الله الرسل من أولهم الى آخرهم لدعوة الناس اليها، وإقامة حياتهم على أساسها، وليست أعماله وآراؤه الباطلة في أمور فرعية اجتهادية يسوغ الاختلاف فيها، وأنه يسعى الى عودة الوثنية في هذه البلاد وعبادة القبور والأنبياء، والتعلق على غير الله، ويطعن في دعوة التوحيد ويعمل على نشر الشرك والخرافات، والغلو في القبور، ويقرر هذه الأمور في كتبه ويدعو اليها في مجالسه، ويسافر من أجل الدعوة لها في الخارج).
وللمرء أن يقف على العبارات المفخّمة ذات المضمون التهويلي مثل (أنه يسعى إلى عودة الوثنية في هذه البلاد) وأنه (يسافر من أجل الدعوة لها في الخارج)، فتلك عبارات اعتادت علماء الوهابية على اطلاقها ضد الخصوم، منتهكين ما كانوا قد نفوه عن أنفسهم نظرياً، على الأقل.
أما أتباع المذهب الإسماعيلي، الذين يقطنون منطقة نجران، جنوب المملكة، فقد عانوا طويلاً من سياسات التمييز الرسمية ضدّهم بسبب إنتمائهم المذهبي. وقد صدرت أحكام من قبل علماء الوهابية في المؤسسة الدينية الرسمية بتكفير الإسماعيلية. فقد قال الشيخ صالح اللحيدان، أمام جمهور علني في آب (أغسطس) 2006 أن الإسماعيليين (ظاهرهم مسلم، لكن يبطنون الكفر). ووصفت لجنة فرعية تابعة لهيئة كبار العلماء في السعودية، مهمتها تفسير العقيدة الإسلامية والشعائر، في إبريل/نيسان 2007 الإسماعيليين بأنهم (كفار فساق فجار ملحدون زنادقة). ولم يصدف أن رد أحد من المسؤولين السعوديين على هذه التصريحات أو التبرؤ منها، أو حتى سحبها من التداول، فمازالت سارية المفعول وشائعة.
وحول الشيعة الإثني عشرية، هناك عشرات الفتاوى الصادرة بحقهم بدءاً من مؤسس المذهب الوهابي الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته (الرد على الرافضة)، ومروراً بأبنائه وأحفاده والمتحدّرين من مدرسته وصولاً إلى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين. وقد جاء في جواب الأخير على سؤال (رقم 43) حول حكم دفع زكاة أموال أهل السنة لفقراء الشيعة، وهل تبرأ ذمة المسلم بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي (أي الشيعي) الفقير أم لا؟: (لقد ذكر العلماء في مؤلفاتهم في باب أهل الزكاة أنها لا تدفع لكافر ولا لمبتدع، فالرافضة بلا شك كفار..). وقال (من دفع إليهم الزكاة فليخرج بدلها، حيث أعطاها من يستعين بها على الكفر وحرب السنة، ومن وكل في تفريق الزكاة حرم عليه أن يعطي منها رافضياً، فإن فعل لم تبرأ ذمته، وعليه أن يغرم بدلها؛ حيث لم يؤد الأمانة إلى أهلها..)(65). وفي حقيقة الأمر، أن فتاوى علماء الوهابية من الشيخ ابن عبد الوهاب وحتى اليوم تقوم على تكفير الشيعة وتضعهم في مرتبة أدنى من اليهود والنصارى، بل هناك من اعتبر حرب الشيعة أولى من حرب اليهود والنصارى.
تكفير دول وطوائف وأشخاص

لا حدود لبطش التكفير، فقد يسري على دول وطوائف وأشخاص من كل الإنتماءات، وقد يشمل المقرّبين أيضاً، ليس لأن لا قرابة في التكفير، وأن من صدق عليه فعل الكفر يجب تكفيره، ولكن حقيقة الأمر أن سهولة استعمال سلاح التكفير تجعله مشاعاً، دون رادع أو حاجز.
ما يلحظ أن الموقف الشرعي من الدول يتوافق دائماً مع طبيعة موقف الدولة السعودية منها، فإن كانت حليفة أو صديقة، تحظى بحكم البراءة الشرعية، وإن كانت خصماً فإن حكم التكفير لا شك سيطالها. وغالباً ما تصدر الأحكام في وقت تكون فيه العلاقة بين البلدين قد بلغت درجة التأزم أو القطيعة أو دخلت مرحلة حرجة. على سبيل المثال، صدر حكم بتكفير الرئيس الليبي معمر القذافي سنة 1982، وذلك عقب برنامج إذاعي بعنوان (أعداء الله) تعرّض فيه لدور علماء الوهابية في تغطية جرائم آل سعود، وثم تلاه القذافي بخطاب ألقاه في (مؤتمر الشعب العام) في آذار (مارس) 1982، جاء فيه:
(والسعودية إما أن نلتقي فيها مع ثورة أو لا نلتقي.. حتى مكة، الواجب هو تحريرها قبل أن نحج إليها! لأنها تحت العلم الأمريكي والصهيوني، وفوقها الطائرات اليهودية والأمريكية، وهي تحت سيطرت اليهود والنصارى، الطائرات الإسرائيلية تحلّق كل يوم فوق السعودية، والطائرات الأمريكية (أواكس) تحلّق فوق مكة.. والمدينة ومكة الآن جوهما مدنس!! ولو أن هناك إسلاماً حقيقياً لطهرنا وحررنا مكة والمدينة أولاً.. فتحريرهما أولى من الحج إليهما في الوقت الحاضر..والاتجاه الصحيح هو التحريض على الثورة حتى يتحرر البترول العربي من قبضة الرجعية، ومن قبضة أمريكا.. السعودية ببترولها أصبحت خطراً أكثر من إسرائيل وأمريكا على العرب).
كان رد الفعل المتوقع هو أن يأتي دينياً لأن حملة برنامج (أعداء الله) وخطابات القذافي أصابت المشروعية الدينية للنظام السعودي، فانبرت هيئة كبار العلماء للرد بتكفير القذافي نفسه. وصدرت الفتوى بتاريخ 11 جمادى الأولى 1402هـ ووصفت القذافي بأنه (ضال ملحد)، وجاء بالنص: (إن مجلس هيئة كبار العلماء وهو يستنكر تمادي هذا الدعي على الإسلام والمسلمين ليقرر ويؤكد أنه بإنكاره لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستفتاءه بالحج واستهانته ببعض التعاليم الإسلامية واتجهاته الآثمة الباطلة يعتبر بذلك كافراً وضالاً مضلاً). ووقّع على البيان ستة عشر عضواً في هيئة كبار العلماء، كان من بينهم المفتي السابق الشيخ بن باز، ورئيس مجلس القضاء الأعلى السابق الشيخ صالح اللحيدان.
في سياق تكفير الدول إنتشر على موقع اليوتيوب تسجيل صوتي للشيخ صالح اللحيدان يصف فيه الدولة السورية بـ (الفاجرة الخبيثة الخطيرة الملحدة)، داعياً (للجهاد) لإسقاط الرئيس السورى بشار الأسد. وقال اللحيدان، فى تسجيل صوتى وضع على موقع (يوتيوب) في 20 نيسان (إبريل) الماضي أن (الرجل هذا نصيري.. وأبوه أخبث منه قبله..). وكما هو واضح، فإن موقف اللحيدان هنا ليس مستنداً على مقارنة بين نماذج حكم، أو دعوة لإقامة نظام ديمقراطي في سورية، بل هو محثوث بنزعة طائفية محض. فقد أسهب في الحديث عن الجذور التاريخية والمذهبية للطائفة النصيرية ونسبها إلى الفاطميين وقال بأن: (النصيرية جزء من الفاطميين الذين تقوضتهم دولتهم فى مصر، حتى مضت قرون..لا يوجد فى مصر من يقال إنه شيعى، إلا فى منتصف القرن الماضى الرابع عشر فتحت إيران مكتباً للتقريب ثم فشل). وتابع (هؤلاء النصيرية فى سوريا، هم من هذه الفرقة، شيخ الإسلام بن تيمية قال: هؤلاء أولى بالجهاد أن نجاهدهم..لما كانت الوحدة التى صارت بين مصر وسوريا فى القرن الماضي، ثم ما صلحت الوحدة بعدها تسلم حزب البعث الخبيث وكان حافظ الأسد من الضباط ثم صار ما صار).
ودعا اللحيدان الشعب السورى لمقاومة النظام السورى حتى لو ذهب ضحايا، مضيفاً:
(أرجو الله أن يوفق السوريين إلى أن يجّدوا ويجتهدوا فى مقاومة هذه الدولة الفاجرة الخبيثة الخطيرة الملحدة، أن يباغته ولو هلك من هلك منهم... يرى في مذهب مالك انه يجوز قتل الثلث ليسعد الثلثان، فلن يقتل من سوريا ثلثها إن شاء الله. نسأل الله إن يعاجل الفاجر بعقوبة ماحقة، وان تتشفى صدور المسلمين هناك..).
ما هو لافت أيضاً ما قاله اللحيدان عن سورية بأنها: (لعهد قريب أقرب شبهاً فى العادات والتقاليد من عادات الجزيرة من حجاب ونحوه). وما يلفت في كلام اللحيدان أيضاً، أنه لم يكتف بتكفير العلويين ويدعو للجهاد لإسقاط النظام، في وقت لم ينبس أحد من أمراء آل سعود بكلمة كونه تدخلاً سافراً ووقحاً في شؤون دول أخرى، بل بشّر بنموذج وهابي يراد فرضه في سورية كيما (تشفى صدور المسلمين..). ولكن ماهو أخطر في كلامه، أنها دعوة صريحة لاقتراف مجازر جماعية، بدعوى إقامة دولية سلفية. ولا ريب، أن ما قاله اللحيدان يمثّل أقصى ما يمكن أن يصل إليه الخطاب الإرهابي في شكله السادي، ومع ذلك لم نسمع أحدٌّ في الشرق أو الغرب من أدان هكذا خطاب يمثّل قمة اللامسؤولية والوحشية في عصر يراد لها زعماً أن يكون متسامحاً، تعايشياً، مسالماً.
إنفلات الخطاب الوهابي التكفيري ظهر أيضاً في في خطبة للمفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، ورئيس هيئة كبار العلماء حيث شنّ في خطبة الجمعة في 29 نيسان (إبريل) الماضي، في جامع الإمام تركي بن عبد الله وسط الرياض حملة ضد الشيعة واصفاً إياهم بالقول (يا من تظاهروا بالإيمان.. نقول لهؤلاء إعلموا أن ديننا دين حق وهدى..). وأوضح أن أولئك (الذين رفضوا الإسلام..)، في إشارة الى الشيعة، ونبّه إلى أن هؤلاء يسخِّرون إعلامهم (للهجوم على الإسلام وعقيدة المسلمين وهذه الأمة وسلامتها تحت ستار موالاة آل بيت رسول الله وكل هذا كذب..). ولم يعرف حتى اللحظة سبب مباشر لتلك الخطبة الناريّة، سوى التطورات الجارية في المنطقة بعد دخول قوات درع الجزيرة الى البحرين والتوظيف الجماعي للخطاب الطائفي.
ومن غريب أحكام التكفير، ما ورد على لسان الشيخ السلفي فالح بن نافع بن فالح الحربي في شريط (المجروحون) ـ تسجيلات أهل الحديث الجزائر، حيث قال عن الشيخ أبي بكر الجزائري، وهو من المشايخ الوهابية المعروفين، يقول الحربي عنه:
(هذا رجل ما هو معروف لا بعلم ولا بمنهج، وإنما رجل واعظ ومشهور بهذا، ولكنه مايع ضايع لا يفهم الدين، ولا عنده علم، ولا عنده فقه، ولا عنده تأصيل، ولا عنده تقعيد، ولا عنده التزام بمنهج أهل السنَّة والجماعة، ودمَّر - والله حسيبه - عقيدة أهل السنّة والجماعة في تفسيره، حتى كتبـه الأخرى فيها القبورية كما في (قصص المرسلين في كتاب رب العالمين) صفحة إحدى وثلاثين يقول: (إن الله قد أكرم إسماعيل وأمه هاجر بأن دفنا في الحجر المقابل للبيت العتيق)، فالرجل عنده أباطيل، عنده أمور خطيرة جداً.. وعنده أمور خطيرة جداً في التفسير مع الأسف، فينبغي التنّبه إلى خطورة هذا الرجل خصوصا مع شهرته وسمعته).
وحين سئل عن كتبه إن كان يجوز قراءتها، أجاب الحربي: (..فالرجل خطير فيُتجنَّب هذه الأمور التي عنده، فيُنـتبِه إِليهِ ولا يُعتمد على شهرته، عنده أمـور خطيرة)..
وفي الشريط نفسه (المجروحون)، سئل الشيخ الحربي عن الداعية الإسلامي عمرو خالد، فأجاب:
(هذا عمرو خالد، هذا ضايع، ولا مع العير ولا مع النفير، هذا الإنسان له دروس وله محاضرات للنساء وفي كذا..ويتكلَّم في السيرة، يتكلم كذاك المجرم طارق السويدان، وهُمَا من الغربيين الذين درسوا في الغرب وجاءوا ولا علم عندهم، ولا عقول، ولا تأصيل، وذاك إخواني مُحترف، وهذا - الله أعلم - إيش أصله، حلِّيق، إنسان مايع ضايع).
أما الشيخ ناصر الدين الألباني، عالم الحديث الوهابي، فيقول عن علماء الأزهر:
(ويقرّب هذا حديث الدارية وهي راعية غنم، وهو مشهورٌ معروف، وإنما أذكر الشاهد منه، حينما سألها رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أين الله؟ قالت له: في السماء. لو سألت اليوم كبار شيوخ الأزهر ـ مثلاً ـ أين الله لقالوا لك: في كل مكان! بينما الجارية أجابت بأنه في السماء، وأقرّها النبي صلى الله عليه وسلم؟...لأنها أجابت على الفطرة، وكانت تعيش بما يمكن أن نسميه بتعبيرنا العصري بيئة سلفيّة، لم تتلوّث بأي بيئة سيئة)(66).
حين نضع رأي الألباني مع ما جاء في السؤال الأول من الفتوى رقم (5213) من المجلّد الثالث من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والذي جاء فيه: كيف الرد على القائلين بأن (الله في كل مكان) تعالى عن ذلك وما حكم قائلها؟ فأجابت اللجنة بما يلي:
ج1: أولا: عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه بذاته وليس داخل العالم، بل منفصل وبائن عنه..
ثانياً: من اعتقد أن الله في كل مكان فهو من الحلولية، ويرد عليه بما تقدم من الأدلى على أن الله في جهة العلو وأنه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه فإن انقاد لما دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع وإلاّ فهو كافر مرتد عن الإسلام)، يصبح علماء الأزهر وفق هذا الجواب كفّار ومرتدون!
ونقرأ ما يقوله الشيخ الألباني عن المفسّر والداعية الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي كما ورد في شريط (وقفات مع الشعراوي وكشك) للألباني:
(هل سمعت الشعراوي يبين للناس هذه الصلاة التي أمرنا بها في آيات كثيرة كمثل قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)، نصحك وجزاه الله خير هذا لا يمكن إنكاره لما سألك كيفك أنت في الصلاة؟، بتصلي ما بتصلي؟، إلى آخر ما ذكرت أنت، لكن هل بين لك كيف لك أن تصلي؟
أنا بقولك سلفاً:- لا، ليش، إذا كنت مخطأ فقولي أخطأت، لأني على مثل اليقين أنه هو وكشك وغيره لا يعرفون يصلون، هم بيصلوا لكن لا يعرفون يصلون، ليش، لأن صلاتهم حسب ماقرؤا في مذهبهم، من كان شافعياً يرفع يديه عند الركوع ومن كان حنفياً يقول لا، وهكذا والأمثلة كثيرة وكثيرة جداً، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- (صلوا كما رأيتموني أصلي) كما أنهم لا يدندنون حول أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، ليعرف المسلم أن يأتمر بالحديث السابق (صلوا كما رأيتموني أصلي)، لماذا؟، لأنه مشغول في تفسير القرآن وبخاصة العلوم العصرية فهو ليس متفرغاً ليصحح صلاة نفسه على السنة فضلاً على أن يتفرغ لتصحيح صلاة الآخرين).
يقول الألباني عن الشيخ الإمام الشعراوي بأنه (منحرف العقيدة ولا يعلم السنّة)، وأن الشعراوي (لا يؤخذ منه علم. أن العلم شيء والإسلوب شيء آخر). وقال أيضاً (الشعراوي من علماء الأزهر وهم بعيدون كل البعد عن السنة) و(أنه أخطأ في العقيدة)، و(أنه منحرف العقيدة)، وقال عن الراحل الشيخ عبد الحميد كشك بأنه مجرد (حواش وقصاص ولا علم عنده)، و(الذي يضجج ويزعق). وكلها مثبّتة في موقع الألباني الشخصي(67).
وقد قيل ماهو أسوأ من ذلك عن الشيخ يوسف القرضاوي الذي صدّرت بحقه كتب بعناوين صارخة مثل (إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبد الله القرضاوي) للشيخ الوهابي مقبل الوادعي، وللألباني كلام مشهور في الشيخ القرضاوي منه (يوسف القرضاوي دراسته أزهرية وليست دراسة منهجية على الكتاب والسنة، وهو يفتى الناس بفتاوى تخالف الشريعة، وله فلسفة خطيرة جداً، إذا جاء شىء محرم فى الشرع يتخلص من التحريم..)(68).
في ضوء العرض السابق، ومازال هناك كلام كثيرٌ عن تراث التكفير في المدرسة الوهابية يلزم دراسته وإخضاعه للفحص كونه يشتمل بمجموعه على أسس الرؤية الكونية التي تستند إليها هذه المدرسة، وكذلك منطلقات التكفير العقدي لدى أنصارها، والتي تحدّد على اساسها طبيعة العلاقة التي تربطها بالآخر، غير الوهابي.
الهوامش

1 ـ الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين النجدي الحنبلي (1194 ـ 1282)، تكفير المعيّن، تقديم وتعليق راشد بن عامر الغفيلي، دار السلف الرياض، ص 13
2 ـ المصدر السابق، ص 14
3 ـ المصدر السابق، ص 18 ـ 19، عن الشوكاني في كتابه السيل الجرار، ج4، ص 578
4 ـ المصدر السابق، ص ص32 ـ 33
5 ـ المصدر السابق، ص 33
6 ـ أبي العلا راشد بن أبي العلا الراشد، ضوابط في تكفير المعيّن..عندي شيخي الاسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب وعلماء الدعوة الإصلاحية، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 2006 ص 11
7ـ المصدر السابق، ص 66
8 ـ الإمام الشوكاني، السيل الجرّار، دار الكتب، بيروت، المجلد الرابع، ص 578، عن موقع: www.alshawkany.net
9ـ جمع وتحقيق عبد الرحمن العاصمي النجدي، الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الطبعة السابعة، بيروت ـ 2004، الجزء الثاني كتاب التوحيد، ص 9
10 ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجدية، المصدر السابق، الجزء الأول العقائد، ص 63
11 ـ المصدر السابق، ص 66، 67
12 ـ الدرر السنية في الأجوبة النجدية، الجزء التاسع ـ كتاب حكم المرتد، ص 386
13 ـ الدرر السنيّة، الجزء التاسع، ص ص 405-406
14 ـ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كشف الشبهات، دار الثقافة للطباعة، بيروت، ص9
15 ـ مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، الجزء السابع، الرسائل الشخصية، ص 240
16 ـ مؤلفات الشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب، الجزء السابع، الرسائل الشخصية، ص 166
17 ـ المصدر السابق، ص 167
18 ـ المصدر السابق، ص 167
19 ـ الرسائل الشخصية، ص 226
20 ـ المصدر السابق، ص 232
21 ـ الرسائل الشخصية، ص ص 217 ـ 217
22 ـ المصدر السابق، ص 220
23 ـ الرسائل الشخصية، مصدر سابق ص 222
24 ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجدية، مصدر سابق، 10/437-433
25 ـ الدرر السنية، الجزء العاشر، ص ص 429 ـ 430
26 ـ المصدر السابق،ج10، ص 430
27 ـ الدرر السنية، مصدر سابق، ج10،، ص 438
28 ـ (إجماع أهل السنة النبويّة على تكفير المعطّلة الجهمية)، جمع وتحقيق وتخريج عبد العزيز بن عبد الله الزير آل حمد، دار العاصمة للنشر والتوزيع الرياض، الطبعة الأولى، 1415هـ، ص 6
29 ـ المصدر السابق، ص 10
30 ـ المصدر السابق، ص 34
31 ـ المصدر السابق، ص 34
32 ـ المصدر السابق، ص 39
33 ـ المصدر السابق، ص 42
34 ـ المصدر السابق، ص 44
35 ـ المصدر السابق، ص ص 47
36 ـ المصدر السابق، ص 67، 68
37 ـ المصدر السابق، ص 84
38 ـ المصدر السابق، ص 95
39 ـ المصدر السابق، ص 101
40 ـ المصدر السابق، ص 113
41 ـ فتتيان تتعلّقان بتكفير الجهمية...وأن الصلاة لا تصح خلف من لا يكفر الجهمية ومسائل أخرى، لكل من الشيخ ابراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ سليمان سمحان الفزعي الخثعمي، مضمومة في كتاب (إجماع أهل السنة على تكفير المعطّلة والجهمية..)، ص 162
42 ـ الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة، الجزء العاشر، حكم المرتد، ص 449
43 ـ جمعه وأعدّه، أبو يوسف مدحت بن الحسن آل فرّاج، فتاوى الأئمة النجدية حول قضايا الأمة المصيرية، الطبعة الثانية، 2007، مكتبة الرشد الرياض، الجزء الثالث ص 19
44 ـ المصدر السابق، الجزء الثالث ص 21
45 ـ المصدر السابق، الجزء الثالث ص ص 196 ـ 197
46 ـ المصدر السابق، الجزء الثالث، ص 205
47ـ المصدر السابق، الجزء الثالث، ص 227
48ـ المصدر السابق، الجزء الثالث، ص 228
49 ـ المصدر السابق، الجزء الثالث ص 228
50 ـ المصدر السابق، الجزء الثالث، ص 248
51 ـ فتاوى الأئمة النجدية، مصدر سابق، الجزء الثالث، ص 335 ـ 336
42 ـ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، الإرشاد إلى صحيح الإعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، ص 3
53 ـ المصدر السابق، ص 10
54 ـ المصدر السابق، ص 82
55 ـ المصدر السابق، ص 316
56 ـ المصدر السابق، ص ص 317
57 ـ المصدر السابق، ص 317
58 ـ المصدر السابق، ص 318
59 ـ المصدر، جمعية إحياء التراث الإسلامي، ص 7
60 ـ المصدر، ص 10
61 ـ المصدر، ص 38
62 ـ سفر الحوالي، مجدد ملة عمرو بن لحى وداعية الشرك في هذا الزمان، دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع ـ إسكندرية، توزيع دار القدس صنعاء اليمن، الطبعة الأولى 2000، ص 5
63 ـ المصدر السابق، ص 6
64 ـ المصدر السابق، ص 42
65ـ أنظر الموقع الرسمي للشيخ إبن جبرين، وبخصوص فتوى دفع الزكاة أنظر الرابط التالي:
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=6&book=67&page=3585
66ـ سلسلة قضايا عقدية، (التوحيد أولاً..يادعاة الإسلام)، العلامة محمد بن ناصر الألباني، دار الفضيلة للنشر والتوزيع، دار الهدي النبوي، الطبعة الأولى 1420هـ، ص 22
67 ـ أنظر: www.alalbany.net
انظر في الموقع نفسه: سلسلة (الهدى والنور)، شريط رقم 206، فتاوي الشعراوي تحت مسأله رقم 13، 14،15، وشريط رقم: 312، وفي موسوعه الفتاوي المسأله رقم 6، وشريط رقم 195، والمسأله في البحث في فتاوي الألباني مسأله رقم 5، وسلسلة (الهدى ولنور) ـ شريطرقم 34
68 ـ الأجوبة الألبانية على الأسئلة الأسترالية: الشريط الأول
(javascript:onClick=history.go(-1);)

salimo123
2013-01-11, 19:11
الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

الجزء الثالث ـ لاهـوت الـتـكـفـيـر

سعد الشريف

قد يكون علماء الوهابية أكثر من كتب في موضوع التكفير، ضوابطه، مصاديقه، وشروط انطباقه على المعيّن أو العموم، وحذّروا من الوقوع فيه. وبحسب أحد المنافحين عن تهمة التكفير ضد الوهابية (الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، وأنصاره إهتمّوا وأولوا عناية فائقة بمسألة التكفير وضوابطها، ومن الذي يستحق التكفير والقتال ومن الذي لا يستحق..)(1).
ولكن في المقابل، إنفردت المدرسة الوهابية بكونها الأكثر استعمالاً لسلاح التكفير ضد خصومها والمخالفين لمتبنياتها العقدية القائمة على تفسيرات خاصة وصارمة. فهل ذلك نابع، مثلاً، من نزوع دفاعي لدرء الإتّهامات عنها، الأمر الذي يجعلها تلوذ بهذا النوع من الإغراق الثقافي والفقهي لجهة إبعاد شبهة التلبّس بتهمة التكفير، أم أن الأمر يتعلّق ببساطة بعملية تأصيل شرعي للتكفير، أو كما يقول الوهابيون، بحسب العادة، نحن لا نكفّر بلا دليل أو حجّة!، أم أن ثمة أمراً ثالثاً يفيد بأن ثمة فصاماً بين الرؤية العقدية النظرية والتطبيق ال?ملي، بما يجعل الحكم منفصلاً عن موضوعه، أم لا هذا ولا ذاك، وإنما هو أمر يتعلق بتناقض بين القول والفعل؟
يتّفق الوهابيون على أن التكفير في تاريخ المسلمين بدعة خوارجية، ولكن ما يلبث أن يعتنقوها سيرة وعقيدة، حتى عابوا على من نهى عنه وحاربه وإن كان هدفه نبيلاً وهو، على سبيل المثال، (توسيع دائرة الإسلام) وإن، حسب رؤيتهم العقدية، (جيء بالمكفّرات الظاهرة).
في تواصل مع قراءتنا للمصنّفات الوهابية في موضوع التكفير، نقف عند رسالة للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن الحسن آل الشيخ (المتوفي سنة 1319هـ) بعنون (عيون الرسائل والمسائل..حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة)، وتعدّ، أي الرسالة، مرجعاً رئيساً لدى مشايخ المدرسة الوهابية، وخصوصاً في موضوع التكفير.
أورد الشيخ إسحاق في رسالته ما اعتبره أدلّة شرعيّة على تكفير المعيّن، منها ما قال بأنه جاب المناطق ووقف على ما وصف بأنها (مظاهر الكفر والإبتداع لدى الدهماء المنتسبين للإسلام)، ومنها قوله أن (بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الإخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث به، فقال له الرجل: لا تطلق عليه حتى تُعَرِّفه، وكان هذا وأجناسه لا يعبأون بمخالطة المشركين في الأسفار وفي ديارهم بل يطلبون العلم على من هو أكفر الناس من علماء المشركين، وكانوا قد لفّقوا لهم شبهات على دعواهم..).?وهم حسب قوله (عند التحقيق لا يُكَفرون المشرك إلا بالعموم، وفيما بينهم يتورعون عن ذلك)، يقول بعد ذلك (ثم دبت بدعتهم وشبهتهم حتى راجت على من هو من خواص الإخوان..). فالرجل ينكر على أهل دعوته تهاونهم في تكفير الآخرين، ويطالبهم بالإمتثال لسيرة التكفير التي جبلوا عليها وتوارثوها، إذ الأصل كما يظهر من كلامه الحكم بكفر الآخر حتى يثبت العكس!
يؤسس الشيخ اسحاق آل الشيخ رؤيته العقدية إزاء الآخر في ضوء رسائل جدّه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ليخلص للقول بأن (من له أدنى معرفة إذا رأى حال الناس اليوم ونظر إلى اعتقاد المشايخ المذكورين تحيّر جداً ولا حول ولا قوة إلا بالله، وذلك أن بعض من أشرنا إليه بحثته (..) عن هذه المسألة فقال نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك، فانظر ترى واحمد ربك واسأله العافية، فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي التي يرد عليها الشيخ عبد اللطيف..).
وفق تلك الرؤية التكفيرية، يرى الشيخ إسحاق آل الشيخ مقاطعة كل من يندرج في خانة الكفّار والمشركين وبلادهم، ومن هذه حاله لا يمكن أن يصوغ رؤية في الدين تقوم على التسامح والمحبّة والإعتدال، وهي رؤية تستوعب الأغلبية الساحقة من علماء الوهابية. يقول في رسالته المومأ إليها أعلاه:
(تأمّل اليوم حال كثير ممن ينتسب إلى الدين والعلم من أهل نجد يذهب إلى بلاد المشركين ويقيم عندهم مدة يطلب العلم منهم ويجالسهم، ثم إذا قدم على المسلمين وقيل له: إتق الله، وتب إلى ربك من ذلك، إستهزأ بمن يقول له ذلك، ويقول: أتوب من طلب العلم؟ ثم يظهر من أفعاله وأقواله ما ينبئ عن سوء معتقده وزيفه، ولا عجب من ذلك لأنه عصى الله ورسوله بمخالطة المشركين فعوقب، ولكن العجب من أهل الدين والتوحيد لانبساطهم مع هذا الجنس الذين أرادوا أن يقرنوا بين المشركين والموحّدين، وقد فرق الله بينهم في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى ال?ه عليه وسلم).
فهذا الرأي لايقف عند حدود الحكم على الآخرين، بل هو يفرض طائفة تدابير تعبّر عن هذا الحكم، ومنها القطيعة الشاملة مع من ليس مسلماً، بعد، بطبيعة الحال، نفي صفة الاسلام عنه، إن كان من المسلمين وليس على دين الشيخ ابن عبد الوهاب!
يحمل آل الشيخ على من يشيد ببلاد المشركين وبمعاملة أهلها، ويعتبر ذلك باباَ الى الشرك. يقول ما نصّه:
(ومن المصائب أنه إذا قدم هذا الجنس على المسلمين عاملوهم بمثل معاملتهم قبل الذهاب للمشركين من الإكرام والتحية، وقد يظهر منهم حكاية وثناء على بلاد المشركين واستهجان المسلمين وبلادهم، مما يعلم أنه لا يظهر إلا من سوء طويّة ويبقون على ذلك دائماً، وقليل من يستنكر ذلك منهم، وأما كون أحد يخاف عليهم الردّة والزيغ بسبب أفعالهم فلا أظن ذلك يخطر ببال أحد، فكأن هذه الأحكام الشرعية التي يحكم بها على من صدر منه ما ينافيها).
ولو قدّر للشيخ اسحاق أن يرى أهل دعوته وهم يكيلون المدائح وينخرطون في معاهدات حماية واتفاقيات تجارية وتحالف استراتيجي سيموت مرة أخرى كمداً، وماذا عنه لو قرأ مدح الشيخ عايض القرني لبلاد الغرب وما وجد فيها من احترام للقانون وآدمية الانسان فلربما أخرجه من الملّة!
في سياق متصل بالتكفير الوهابي، نقرأ للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في ردّه على برجس العراقي الذي قال بإسلام زوّار القبور، والذي يصرّ الوهابيون على تسميتهم (عبّاد القبور)، فهو يلزم العراقي بتقديم الدليل على إسلامهم بقوله: (فإن دعوى العراقي لإسلام عبّاد القبور تحتاج دليلاً قاطعاً على إسلامهم فإذا ثبت إسلامهم منع من تكفيرهم..)، متجاهلاً أصلاً لدى عامة المسلمين بقبول إسلام المرء والأصل صحة إسلام من يدّعيه ولا يجوز التحقيق في نوايا المسلمين، بل الأصل براءة ذمة المسلم، بحسب العز بن عبد السلام، وبراءته من الأقوال والأ?عال كلها. ولكن الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ يعتقد بأن ثمة معايير عقدية وضعت من قبل من يعتبرهم (أئمة الهدى ومشايخ الدين مثل شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب..) للحكم على إيمان أو كفر شخص بعينه مثل فخر الدين الرازي، أو إبن عربي، أو الزمخشري، وغيرهم وأحياناً جماعة بعينها كالقدرية والمرجئة والأشاعرة والمعتزلة والجهمية والشيعة والصوفية.. وكل ذلك بإسم الكتاب والسنة: (وإنما يكفّر من نطق بتكفيره الكتاب العزيز وجاءت به السنة الصحيحة وأجمعت على تكفيره الأمة، كمن بدّل دينه وفعل فعل الجاهلية الذين يعبدون الأنبياء والملائكة والصالحين ويدعونهم، فإن الله كفّرهم وأباح دماءهم وأموالهم وذراريهم بعبادة غيره نبياً أو ولياً أو صنماً، لا فرق في الكفر بينهم كما دلّ عليه الكتاب العزيز والسنّة المستفيضة..). ولا ريب أن من يدخلون تحت طائلة هذه التهمة غالبية المسلمين.
لنتأمل طبيعة الجدل الدائر بين العراقي والوهابي هنا لأنه يعكس خطّين عقديين متباينين، بل ورؤيتين متقابلتين، فبينما يرفض العراقي تسمية زيارة القبور (عبادة ودعاء) ويضعها في خانة أخرى هي (التوسّل والنداء) ويراه مستحباً، يصرّ الوهابي على أنه عبادة وتأليه وعلى حد قوله (وهيهات أين المفر والإله الطالب)، ولذلك يصرّ على (أنها من الشرك المكفّر)، بحسب رؤية الشيخ ابن تيمية. وما يثير الدهشة أن هذه القضية الخلافية (زيارة أو عبادة القبور) رغم أنها تنطوي على بعد سرائري، قد حسم فيها الشيخ إبن تيمية من موقعه في بلاد الشام ولم?يحضر العراق حتى يقرر معاينة ما إذا كانت زيارة الشيعة أو الصوفية للقبور والأضرحة هي من باب الزيارة أو العبادة، ولكنه خلص الى الحكم القاطع (يستتاب فإن تاب وإلا قتل بضرب عنقه).
إجماع الأمّة.. أيّ أمّة؟

ثمة صورتان متقابلتان، الأولى تفيد بأن غالبية الأمة لم تفهم معنى التوحيد الخالص كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في كتاب الله عزّ وجل، وبالتالي لا يصدق عليها، أي الأمة، إسم الإسلام أو أهل السنة والجماعة، أي أنها عادت الى الجاهلية (كما تكشف بوضوح شروحات كتاب التوحيد للشيخ العثيمين والشيخ الفوزان)، وفي الثانية نجد غالباً ما تتكرر عبارة (أجمعت أو اجتمعت الأمة عليه) أو على الحكم بتكفيره..فأي أمة تلك المعنية في أدبيات الوهابية؟ هل هي الأمة الجاهلية أو الأمة الوهابية؟!َ أم أن الأمة تصبح مطلوبة حين يراد حشدها في أي حكم وهابي بتكفير المسلم المختلف، وتصبح غائب? تماماً حين يراد عرض النظام العقدي الوهابي؟
في نصّ صريح يقول: (وإنما يكفّر الشيخ محمد من نطق الكتاب والسنة بتكفيره واجتمعت الأمة عليه، كمن بدّل دينه وفعل فعل الجاهلية الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين ويدعونهم، فإن الله كفّرهم وأباح دماءهم وأموالهم وذراريهم بعبادة غيره، نبياً أو ولياً أو صنماً لا فرق في الكفر بينهم كما دل عليه الكتاب العزيز والسنة المستفيضة..).
ثمة تناقضات غير مفهومة في نصوص التكفير الوهابية. من ذلك قول الشيخ اسحاق آل الشيخ: (أن الله تعالى لا يعذّب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول، هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله، وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب وأما أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم..). فالى جانب مخالفة هذا الرأي النصوص المرعية في الشريعة فيما يرتبط بشروط الإيمان والكفر، فإنه يوكل الأمر الى الله في الآخرة فحسب ويمنعه عنه في الدنيا مع أنه هو سبحانه من أنزل الكتب والرسالات والأحكام للدنيا والآخرة. حتى القول بأن أحكام الدنيا موكولة للبشر وأحكام الآخرة موكولة لله سبحانه وتعالى، فإنه جلّت قدرته لم يمنح بشراً سلطة الحكم على مافي قلوب الناس.
أما الآيات التي يستدل بها فلا صلة لها مباشرة بالإيمان والكفر، فهي تصدق على المسلم والكافر..كقوله تعالى (وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا)، وقوله تعالى (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) أو قوله تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين). وإن الإعراض عن الحجة أو العناد فهما ينطبقان على المسلم والكافر. وأما القول بأن حجة الله تقوم على الكفار في زمان دون آخر، وفي بقعة وناحية دون أخرى فإن الحجة تلزم أهل الزمان الذي تبلغهم والمنطقة التي تصلها، وكذا الحال بالنسبة للشخص.
من المفارقات المثيرة، أن الشيخ اسحاق آل الشيخ يعتبر مجانين الكفار كفّاراً، ولكنه يعذر في مكان ما الصغير والمجنون (لعدم عقله وتميزّه) فهما من الأربعة الذين (يدلون على الله بالحجة يوم القيامة)، بحسب حديث الأسود وأبي هريرة وغيرهما، فهل يختلف مجنون عن آخر، كما العقلاء، أم أن المعايير الوهابية في الجنون تختلف عمّا أجمعت عليه شرائع السماء والأرض!
ثمة أدلة مستفيضة ومصنّعة واجتهادات مفتوحة ومطلقة تتيح مثل هذا التساهل في إطلاق الأحكام ذات الطبيعة الإجمالية، كالقول بناءً على رأي جازم لإبن القيم مثالاً (بكفر المقلّدين لمشايخهم في المسائل المكفّرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهّلوا لذلك وأعرضوا ولم يلتفتوا..)، فهنا يصبح الحكم بكفر الجماعات جائزاً، دع عنك من لم يتمكّن من طلب الحق ومعرفته ولم يتأهل لذلك (وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم).
في رسالة بعث بها الشيخ إسحق بن عبد الرحمن آل الشيخ سالف الذكر (إلى من يراه من الإخوان وكافة الرؤساء في ساحل عمان ومن يليهم من أهل فارس وجعلان، من المنتسبين إلى السنة والإيمان)، يقول فيها بأن نجد باتت هي دار الاسلام. وخاطبهم قائلاً (حتى صار دياركم معقل الإسلام ومهاجر السادات والأعلام..). ووصف فيها الجهيمة بـ (المبتدعة الملحدين)، وتوقّف عند (أهل الملل عندنا لمّا سمعنا بمن جاسوا خلال الدين، وهمّوا باختلاس عقائد المسلمين، وأدخلوا الشبه ليصدّوا بها الناس عن الحق الواضح المستبين، من أحسائي ذي غل وفارسي مضل، فتقربوا إلى الله تعالى بالبعد عن داعي الشبهات، واطلبوا علم التوحيد بدليله من البينات).
وهنا نقطة جديرة بالتأمل وتتعلق بالهجرة، وتعني مفارقة البلد أو الجماعة المشركة والكافرة في تعبير احتجاجي غير مباشر، وتنطوي في الوقت نفسه على موقف عقدي، وهي أحد صور البراءة من المشركين، والتي تقوم على فكرة الاعتزال والانتباذ قصيّاً. وتبنى الوهابيون الحكم العقدي القائل بأن (تارك الهجرة عاصٍ مرتكب محرماً على ترك الهجر..)، إذ لا يكفي مجرد الموقف القلبي ولابد من إظهار العداوة والبغضاء للمشركين..
ونتوقف هنا أيضاً عند بعض الآراء المستمدة من الآباء المؤسسين للخط التكفيري الوهابي، وكيف أصبحت مادة ثقافية شعبية يجري تداولها بوصفها جزءاً من الدعوة، حيث لم يجد كثير من الدعاة ما يبثّونه بين أتباعهم ولعموم الناس سوى الإسهاب في تقويم معتقدات الآخرين. فقد أجاب الشيخ حامد العلي على سؤال عن تكفير المعيّن وشروط إقامة الحجة، فأجاب ابتداء (من لم يدخل في دين الإسلام فهو كافر بلا خلاف سواء بلغته الحجة أم لا..). وحول ردّة أهل الشهادتين، فيقول بعد أن ينفي دليل المعذرية يقول (على هذا تجتمع الأدلة التي تدل على أن الجهل ?عتبر في الحكم بالردة، والتي تدل على أنه غير معتبر).
من بين صور الردّة الإعتقاد بوحدة الوجود، واتخاذ قبور الصالحين آلهة معبودة، ونحو ذلك، فمن يصدق ذلك عليه؛ (فهو ليس بمسلم أصلاً). وحين نفكك هذا المقطع، نجد أن له في الأدبيات الوهابية تأصيلاً وتقعيداً، وعلاوة على ذلك مصاديق وإحالات، فوحدة الوجود يحال فيها الى الشيخ محي الدين ابن عربي، وعبادة قبور الصالحين يحال فيها الى الصوفيّة والشيعة وقد تشمل غالبية المسلمين.
هذا الرأي العقدي نجد ملامحه في النص التالي: (وكون بعض هؤلاء لم يتلقّ غير التصوّر المناقض لأصل الإسلام في بيئته ليس بعذر لأنه أصلاً لم يعرف الإسلام، وإنما عرف ديناً آخر يظنّه الإسلام، فالواجب دعوته إلى الإسلام حينئذ، لا أن يقال هو مسلم ولا يكفّر حتى تقام عليه الحجة!). بل يزيد على ذلك توضيحاً وبلغة جازمة (بل هو مثل الكافر الذي لم يعرف الإسلام أصلاً، فيُدعى إليه، وغاية ما يقال: أنه إن مات ولم تبلغه الحجة ليعلم أن ما هو فيه، ليس هو الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه يكون له حكم أهل الفترة في الآخرة).
يقتفي العلي المنطق العقدي الوهابي الذي ينطلق من رؤية كونية خاصة ليصل في نهاية المطاف إلى حكم إجمالي يخرج غالبية المسلمين من دائرة الاسلام، ولذلك بإمكان المرء أن يقرأ النتيجة من التأسيس العقدي للرؤية الكونية الوهابية. فهو حين يضع معياراً محدداً وصارماً للتوحيد، بل ولمعنى الإسلام عموماً، يؤول الى قسمة العالم الكلي بكل أديانه، والعالم الفرعي، أي عالم الإسلام بكل مذاهبه، الى مؤمنين وكفّار، ومن بين هؤلاء بحسب هذه الرؤية: (الذين يعكفون على القبور ركّعاً وسجّداً، قد تعلّقت بها قلوبهم توكّلاً وتعظيماً، وامتلأت أفئدتهم من خشيتها ورجاءها وسلّموا لها تسليماً، فهؤلاء كفارٌ ليسوا بمسلمين أصلاً، ولم يعرفوا أصل معنى الشهادتين، فكيف يطلق عليهم إسم الإسلام، وعلى أي أساس يرفعون إلى هذا المقام، فلا يقال عن هؤلاء لايكفّرون حتى تقام عليهم الحجّة، بل هم كفار، وكون هؤلاء وأمثالهم لم يجدوا غير هذا الدين فدانوا به، لا يمنع إطلاق إسم الكفر عليهم). وأنكر في الوقت نفسه مقولة ابن الوزير في أحد مفاسد التكفير وما تؤدي اليه من فرقة وتوهين للمسلمين وهذه المفسدة حري دفعها بمزيد من التحري والتدقيق والتوقف عن إطلاق حكم التكفير، وقال بالرأي نفسه الشيخ أبو حامد الغزالي.
وعارض العلي من امتنعوا عن تكفير من لم تقم عليه الحجة أو نطق بالشهادتين مهما فعل حتى بعد إقامة الحجة، وتكفير من لم يبلغه الإسلام في الدنيا حتى اليهود والنصارى..الخ. ويزعم العلي بأنه في الطائفة الوسط (الذين يجعلون شرط قيام الحجة في موضعه المشروع دون غيره، ولايعطّلون أحكام التكفير عن مواضعها الشرعية). وقد رأينا حال الوسطية المزعومة كيف أنها لا تكاد تدخل في الإسلام إلا من سار على نهج الوهابية. من أمثلة الوسطية ما قاله (ولبيان أن ما لا يبقى معه أصل الإسلام، مثل عبادة القبور، ونحو ذلك، فإنه لا يكون من مسائل العذر بالجهل..).
ما يدعو للتأمل وفي الوقت نفسه الإنكار أن العلي وهب السائل سلطة لا تصحّ إلا لله عزّ وجل، وفي أقصى الحالات لكبار العلماء والمجتهدين، وهي الحكم على إيمان الناس. يقول العلي ما نصّه: (أما قولك بم تنصحني، فأنصحك بأن لا تقدم على تكفير المعيّن ممن نطق بالشهادتين إلا إذا علمت أنه وقع في مكفّر منصوص على أن به يخرج من الملّة. فإن تردّدت في كون المكفّر يشترط له إقامة الحجة أم لا، أو وجدت العلماء تنازعوا في مسألة معينة، هل هي ممـا يشترط له البيان قبل تكفير المعين أم لا؟ ولم يتبيّن لك الصواب، ولم يمكنك أن تقيم الحجة لتخرج من الخلاف، فالسلامة لا يعدلها شيء، لاسيما إن كان المحكوم عليه ممّن لا تتعلق به أحكام أنت مخاطب بها، لكن هذا لا يمنع من إطلاق حكم الكفـر على ما قاله أو فعله، وأن الواقــع فيه ي?فر على سبيل العموم)(2).
ولنتخيّل كيف سيكون حال مجتمع ما بل والأمة بأسرها وهي تطبّق نصيحة العلي، بحيث يصبح كل شخص يرى نفسه على الدين الحق وغيره على الباطل المحض، وكيف سيفعل التكفير فعله في البيت الواحد، والعائلة الواحدة، والبلدة الواحدة، والمنطقة الواحدة، والبلد الواحد.. أليس مثل هذه النصائح ما تؤسس لحروب أهلية، وتوتّرات إجتماعية مرشّحة لأن تأخذ شكل المصادمات العنيفة بين الأفراد والجماعات..ثانياً، أليس التكفير حكم شرعي، يقوم على الأدلة الشرعية المعتبرة بحسب عقيدة علماء الوهابية، فكيف يتم تفويض حكم شرعي خطير حذّر من استعماله رسول ا?له صلى الله عليه وسلم حتى قال بأن (من قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله)، وقال (ص):(لا يرمي رجل رجلاُ بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)، فكيف قبل العلي ان يضع هذا السلاح الخطير في يد سائل من عامة الناس؟!
صورة أخرى في التكفير، وفي موقف عقدي بإيحاء واضح الدلالة والإشارة، يفتي الشيخ عبد الرحمن البرّاك بتكفير ما يصفه (المستهزىء بالدين) وهو وصف يمتلك البرّاك وحده حقّ تطبيقه. ففي سؤال جاء: (من المعلوم أن الإستهزاء بالدين أحد نواقض الإسلام، وكفرٌ مخرجٌ من الملّة، ولكن هل يقال بأن هذا المستهزئ - بعد إقامة الحجة عليه وإصراره على ذلك - كافر؟ أي هل يكفر بعينه؟ أفيدونا مأجورين). أجاب البرّاك قائلاً: (..من استهزأ بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن ومن السنة الصحيحة أو شرائع الإسلام، كالصلاة والصيام والحج فإنه يكفر بذلك بعينه، ومثل هذا لا يجهل تحريمه وقبحه من كان عائشاً بين المسلمين، فإن الله تعالى قال في المنافقين الذين سخروا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فأنزل الله فيهم: }قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم{ [التوبة: 65-66]، فحكم عليهم سبحانه وتعالى بالكفر بأعيانهم، فمن استهزأ بالله أو بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن أو بشرائع الإسلام عالماً عامداً مختاراً فإنه كافر بعينه، فنقول هو كافر، يعني أنه يصير مرتداً عن الإسلام، تجب استتابته، فإن تاب وإلا قتل..)(3).
وكان البرّاك قد أفتى بردّة كاتبين سعوديين بتهمة الإستهزاء بالدين، بما استوجب، وفق رؤية البرّاك، ردّتهما وبذلك يستتابا وإلا يقتلا. والسبب في ذلك هو مقالتين قارب فيهما الكاتبان قضايا إجتهادية تختلف عن طريقة البرّاك وعلماء الوهابية عموماً، ولم تتضمن ما ينبىء عن استهزاء بالدين في صغيرة منه أو كبيرة، وإنما هو اجتهاد في تقويم أمور ذات صلة بالدين ولا علاقة لها بالأصول الإعتقادية في الإسلام.
التكفير على قاعدة سياسية

لا ينحصر التكفير في الحقل العقدي، فقد يكتسب بعداً سياسياً، بل ثمة من أهل العلم وأهل الحكم من يريد توظيف التكفير في السجال السياسي، في سياق نزع مشروعية أي حراك سياسي بطابع مطلبي وحقوقي، كالذي يعتبر من يخرج على الحاكم ولو بطريقة سلمية خارجاً عن الإسلام، وأنه يموت ميتة جاهلية.
عبد المحسن بن حمد العباد البدر كتب في مقالة بعنوان (خطورة الإفساد في بلاد الحرمين بعد إصلاحها)، في 3 ربيع الثاني 1432هـ للتعليق على الثورات العربية ومحاولات نقل التجربة الى المملكة، واعتبر دعاة التظاهر (جناة)، والسبب؟: (لأن الدولة في هذه البلاد قائمة على تحكيم شريعة الإسلام). وحمل على مؤسسي (حزب الأمة الإسلامي) وأسبغ عليهم مسمى (حزب التسعة الرهط) ليتطابق مع الآية الكريمة (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون)، بل اعتبر مطالبة النساء بحقوقهن السياسية والاجتماعية (إنفلاتاً)، وتقليداً للغرب الك?فر!
البدر الذي يبدي منافحة واضحة عن النظام السعودي يميل إلى خلط الأوراق، فهو من جهة يوجّه سهاماً إلى التيار الليبرالي المختلف معه والذي يحمّله مسؤولية الدعوة للتظاهر والخروج على الدولة، وفي الوقت نفسه يلمح إلى ما فعله التيار في مؤسسات الدولة التعليمية خصوصاً لجهة علمنة الحياة الاجتماعية.
يقول ما نصّه: (وما حصل في الآونة الأخيرة من انفلات النساء وكذا إنشاء كليات حقوق وقانون وذوبان الجامعات الاسلامية وإضعافها في مجالات اختصاصها وغير ذلك من الأمور التي لا تنبغي ليس مردّه إلى ولي الأمر لما فيه خير وصلاح، بل مردّه إلى البطانة، وقد كان في رئاسة الديوان الملكي رجل فاضل مدة تزيد على ثلاثة عقود في عهود الملوك فيصل وخالد وفهد..وكان همزة وصل بين الملك وأهل الخير ولاسيما شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز وبعد إقالته قبل عدّة سنوات ومجيء غيره تغيّرت الحال والله المستعان). من الواضح، أن البدر يتحفّظ على عهد الملك عبد الله، الذي قرّب أبناء الشيخ عبد العزيز التويجري، وخصوصاً مستشار الملك خالد التويجري. والبدر يعتقد بأن التيار السلفي والعلماء خسروا في عهد الملك عبد الله، ولكن ذاك قبل 17 آذار (مارس) الماضي حيث أعاد الملك الإعتبار لعلماء الوهابية بحظر توجيه نقد لهم وانزال عقوبات قاسية ضد من يتعرّض لهم في وسائل الإعلام!
حمل البدر أيضا على المجموعة التي تقف وراء دعوة (نحو دولة الحقوق والمؤسسات)، والتي وقّع عليها جمع من من الرجال والنساء وجاءت عقب انفجار الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وطالبوا فيها بالإستماع لصوت الشباب وتطلعاتهم وطموحاتهم ومطالب الشعوب في الإٌصلاح والتنمية والحرية والكرامة ورفع الظلم ومقاومة الفساد.
وعارض البدر دعوة المجموعة إلى انتخاب أعضاء مجلسي الوزراء والشورى واعتبر ذلك تقليداً للغرب الكافر ولدولة الإستعمار الأولى، يقصد بريطانيا. وكان البدر قد صنّف سنة 1426هـ كتاباً بعنوان (العدل في شريعة الاسلام وليس في الديمقراطية المزعومة). يقول البدر ما نصّه: (كل من يريد التغيير في هذه البلاد بما يتفق مع ماكان عليه الغرب إما أن يكون إبتلي بمرض الشبهات وهو يريد الحرية في الرأي ولو كانت إنحلالاً، أو أبتلي بمرض الشهوات في النساء وغيرها أو يريد الوصول الى شيء من الولايات).
التكفير بشروط غير ملزمة

غالباً ما يتحدّث علماء ودعاة الوهابية عن شروط صارمة في التكفير، ولكن حين التأمّل نجد بأنها شروط غير ملزمة لهم، بل قد يكون خلافها.
في الجانب الوردي من المشهد: نشرت رابطة العالم الاسلامي رسالة مختصرة بعنوان (التكفير وضوابطه)، للدكتور منقذ بن محمود السقّار، الباحث في ادارة الدراسات والبحوث في الرابطة. استعرض فيها الكاتب قصص التكفير في تاريخ المسلمين وبين اتباع المذاهب والفرق حتى غدت سمة غالبة. يقول ما نصّه: (من أهم الأسباب التي غذّت فكر التكفير في واقعنا المعاصر ما تلقاه من توقف الكثيرين عن تكفير من لا يسع مسلماً إلا تكفيره، إذ وصل الأمر ببعضهم الى التوقف في اطلاق الكفر على اليهود والنصارى..). ثم يقول (فمثل هذا التفريط يمهّد الطريق لظهور المخالف الذي يكفّر النصارى ومن وافقهم في أعيادهم ومناسباتهم..)(4).
التكفير بشروط غير ملزمة

غالباً ما يتحدّث علماء ودعاة الوهابية عن شروط صارمة في التكفير، ولكن حين التأمّل نجد بأنها شروط غير ملزمة لهم، بل قد يكون خلافها.
في الجانب الوردي من المشهد: نشرت رابطة العالم الاسلامي رسالة مختصرة بعنوان (التكفير وضوابطه)، للدكتور منقذ بن محمود السقّار، الباحث في ادارة الدراسات والبحوث في الرابطة. استعرض فيها الكاتب قصص التكفير في تاريخ المسلمين وبين اتباع المذاهب والفرق حتى غدت سمة غالبة. يقول ما نصّه: (من أهم الأسباب التي غذّت فكر التكفير في واقعنا المعاصر ما تلقاه من توقف الكثيرين عن تكفير من لا يسع مسلماً إلا تكفيره، إذ وصل الأمر ببعضهم الى التوقف في اطلاق الكفر على اليهود والنصارى..). ثم يقول (فمثل هذا التفريط يمهّد الطريق لظهور المخالف الذي يكفّر النصارى ومن وافقهم في أعيادهم ومناسباتهم..)(4).
وفي المجمل الكتاب يشتمل على آراء جديرة بالتأمل في توضيح أبعاد الرويات والاحاديث الواردة في الكفر ومغازيها، والحاجة إلى التريّث في استعمالها كأدلة بمفردها دون النظر إلى الأبعاد الأخرى، خصوصاً وأن حكم التكفير ليس عقلياً وانما شرعي، أي يستند على أدلة سمعية ليس القياس من بينها.
يقول بأن الراسخين في العلم من علماء الإسلام (لا يعتبرون الوقوع في الكفر مسوغاً للحكم بكفر المسلم قبل تبين حاله، فإنهم يفرقون بين وصف الفعل بالكفر ووسم فاعله بهذا الحكم..)(5).
وقد أورد فيضاً من الآراء لعلماء المذاهب الاسلامية قاطبة يتوقفون فيها عن تكفير شخص بعينه فيما الاحتمالات واردة بأن يكون ما يمنع صدق الحكم عليه وأن الله سبحانه وتعالى قد يعلم منه غير ما يعلم منه من يطلق الحكم.. ومن ذلك وجوب الاكتفاء بالحكم على ظاهر المسلم والاعراض عن السرائر، وهذه قاعدة شرعية متينة.
في المقابل، ثمة صورة مناقضة تماماً يعرضها رئيس مجلس القضاء الاعلى السابق وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح اللحيدان في محاضرة له بعنوان (فضل دعوة الامام محمد بن عبد الوهاب). يبدأ اللحيدان محاضرته بما نصّه: (..عاد الى الجزيرة في غالب ربوعها ألوان من الإشراك، وفشت فيها بدع متنوعة... ومن الضلالات وجود الشرك الأكبر في هذه الجزيرة...فالإشراك متفشي والحدود مهجورة..فكان قلب الجزيرة قد خيّم عليه إظلام قاتم، وكأن الله جلّ وعلا إدّخر لأحد أبناء هذه الجزيرة من يحمل راية التوحيد، وينادي بدعوة الرسول فتقشع دعوته ظلمات الباطل ويقضى بها على معاقل الشرك والضلال)(6).
ويتسلسل اللحيدان في تقديمه تصوّره الديني الراديكالي القائم على تكفير الآخر: (..فمهما صلّى الإنسان وصام، ومهما تصدّق وبذل، مهما رفق بالناس وأحسن، إذا كان باقياً على شيء من الشرك الأكبر لم ينفعه شيء..)(7). أين هذا الجواب من كلام شقيق بن عبد الله العقيلي التابعي المتفق على جلالته حين قال: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) رواه الترمذي وإسناده صحيح.
وفي رؤيته الكونية الصارمة المشتملة على تكفير ضمني لبلاد المسلمين يقول ما نصّه: (..لم يكن في بلاد العالم الإسلامي كله شيوعاً للتوحيد وانتشاراً لإخلاص العبادة واستنكار البدع بسمة عامة كما في هذه البلاد..)(8). وبمزيد من الإيضاح: (..إن الناس إذا نسوا ما كانت عليه البلاد قبل الدعوة ظنوا أن هذا الشيء الذي نعيشه وهذا الخير الذي نتفيؤه وهذه النعم التي يتلقاها صغارنا عن كبارنا وأحياؤنا عن أمواتنا وقت حياتهم أنها كانت من تراث البلاد وكانوا عليها من قديم الزمان، بينما مبدؤها من حدود المائة والخمسين بعد الألف (1150هـ) ونشأة سلطانها بعد ذلك في عشر أو قريب من ذلك..)(9). أليس في هذا النص حكم غير مباشر بتكفير من كان يعيش قبل هذا التاريخ، أي قبل ظهور الشيخ ابن عبد الوهاب؟!
في سؤال مباشر للشيخ اللحيدان: هل الآباء والأبناء الذين وقعوا في الشركيات دون علمهم في العصور القديمة قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هل هم مشركون، أفتونا مأجورين؟
اجاب: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) البقرة ـ134. والأمر الآخر: إن الشرك الأكبر لا يعذر به أحد(10).
ويتبين من هذا الجواب أن اللحيدان يرى بأن كل من سبق دعوة ابن عبد الوهاب مشركون.
وفي سؤال عن كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) والموقف منه أجاب اللحيدان متهجّماً على كل من ينال من كتب علماء الوهابية (..إذا رأيتم أحداً يغمزها فاتهموه في عقيدته..)(11).
وفي سؤال عن موقفه من الدولة العثمانية وخروج ابن عبد الوهاب عليها، قال اللحيدان: (..فلا شك أن نجداً ومن سار على المنهج الذي سارت عليه أول إقليم في ذلك الوقت خرج عن سلطان الدولة العثمانية، لأن الشرك الأكبر لا يستنكر في وقتها والأضرحة تشيَّد على الأموات، ولا يقتل إنسان دعا بالشرك الأكبر أو يلزم)(12). وكل تلك الأحكام تصدر بتساهل مفرط، ولكن حين تخرج بنتيجة: أن الوهابية مذهب تكفيري، يقال لك بأن ذلك بهتان عظيم وعداون أثيم على الوهابية، وفرية، فإن لم يكن هذا الكلام تكفيرياً فما هو التكفير إذن؟
هنا نرى ما يعني التكفير لدى اللحيدان وأهل دعوته. في سؤال: هل صحيح أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومنهجها تتحمّل جريمة الشباب التكفيريين؟ فأجاب: (..التكفير الذي وجد في هذه الفترة هو في الحقيقة جلب لنا بعد حرب الأفغان والإتحاد السوفييتي واختلاط الشباب بأناس آخرين هناك وسماع بعض دعايات المعترضين، وإلا فجميع المتعلِّمين في المملكة من قبل عام التسعين (1390هـ) ومن عام التسعين ومن عام الأربعمائة (1400هـ)، إنما تعلَّموا على منهج كتب الشيخ وأبنائه وتلامذته ولم يكن هناك تكفير ولا تضليل ولا دعايات منهجية، ولم يكن عندنا في نجد وفي المملكة دعوة تبليغ ولا دعوة إخوان ولا دعوة سروريين..)(13).
وهذا الكلام يسترعي التأمل في كلام اللحيدان نفسه قبل ذلك، ثم استدعاءً مكثفاً لنصوص مستفيضة في رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه وأحفاده والتي تنطوي على تكفير مناطق وأعيان، وما يقال عن الإخوان الذين خرجوا على إبن سعود في 1927، وحجّتهم في ذلك أن إبن سعود عطّل الجهاد، وكذلك حركة الإخوان الثانية التي قادها جهيمان العتيبي وتحصّنوا بالحرم المكي في نوفمبر 1979، ومشايخ الصحوة الذين كتبوا (مذكرة النصيحة) والتي اشتملت على إعادة أسلمة للدولة السعودية. وفوق ذلك، فإن من يعود إلى الأدبيات العقدية لتنظيم القاعدة يجدها مبنية على كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الشرك والولاء والبراء والهجرة والجهاد..
حول التقارب مع الشيعة، يقول اللحيدان: (أما التقارب بحيث يترك الرافضة عقيدتهم ويوالون من يوالي أبا بكر وعمر وعثمان وصحابة محمد صلى الله عليه وسلم ويشهدون لعائشة بالبراءة ويؤمنون بأن القرآن لم يحرّف وأن من قال بتحريفه كفرـ وأن من اتهم عائشة بالزنا كفر.. إن أرادوا أن يتقاربوا إلينا بترك هذه الأمور كلها، فنحن نفرح بهم.. وأما أن نتقرب فنسكت عن بيان الحق ونقول: نحن إخوان. فلا شك أن هذا هو الضلال المبين، ومن يدعو إلى السكوت عن بيان الحق والسكوت عن رد الباطل، هذا لا يدعو إلى خير وإنما يدعو إلى ضلال)(14).
فهنا لايكتفي اللحيدان بإخراج الشيعة من دائرة الاسلام، بل يفترض أن الإتّهامات واقعة بالقطع، ولا حاجة للتريّث، وإذا وجدت في كتاب أو عدة كتب هل هي متبنيات عامة لدى الشيعة، كما ينسحب الحال على كل المذاهب الاسلامية الأخرى؟!
سئل اللحيدان عن حكم المشاركة في الحوار الوطني الذي يضم، حسب السائل، (علمانية ورافضية وقبورية صوفية وأهل سنة حركيين وغيرهم)، فأجاب: (لاشك أنه بادرة غير محمودة وأنه عمل غير مناسب، والناس مضت عشرات السنين ولم يوجد هذا، وكان من سبقنا خير منا من علماء وحكام)(15). فهل بحسب المنطق الوهابي يعتبر ذلك خروجاً على ولي الأمر، باعتبار أن مبادرة الحوار الوطني هي من الملك عبد الله نفسه، فإذا كانت غير محمودة، فهل ذلك يعتبر خروجاً على النظام؟! وأليس رفضه الحوار دليل على نفيه لإسلام كل تلك الجماعات؟!
سئل عن صحة الرواية القائلة بأن الشيخ أبا حامد الغزالي مات تائباً وعلى صدره (صحيح البخاري)، فأجاب: لم أطلع على هذا، لكن لن نحاسب عنه. ولم ينكر على السائل حكمه على الشيخ الغزالي بخروجه عن الاسلام، حتى يحتاج الى وضع صحيح البخاري على صدره في إشارة الى تخليه عن خطه الفكري.
التكفير يستثني الحكّام

ثمة معذّرية غير متناهية يوفّرها علماء الوهابية للحكّام، تمنع تكفيرهم في كلّ الأحوال وما يترتب على ذلك من تدابير: نزع يد الطاعة، والخروج على الحكّام. يمثّل سعيد بن وهف القحطاني من أبرز المنافحين عن الحكّام، بمن فيهم حكّام الجور. بل ثمة في كتاباته ما يلفت الى أنه ما كتب في التكفير إلا ليدافع عن الحكّام ويؤصّل لحرمة الخروج عليهم.
من الواضح أن القحطاني ينزع الى الدفاع عن الحاكم في بيان خطر التكفير، كما يظهر في تشديده على طاعة ولاة الأمر وإن طغوا. فهو يصدر عن رؤية سياسية وليس ثيولوجية، ولا يتطرق من جهة ما الى تكفير المسلم الآخر، مع أنه ينطلق في خطبته حول خطر التكفير من موقف يعتبر تساميحاً: (ولا يجوز تكفير المسلم إلا اذا تحققت الشروط في كفره وانتفت الموانع ويكون ذلك من الراسخين في العلم(16).
ولكن ما يلبث أن يدور الحديث برمّته حول تكفير الحكّام والعلماء المتماهين معهم، وانعكاسات ذلك. ويذكر من المفاسد التي تحصل بسبب التكفير: إحتقار العلماء وإهانتهم والوقوع في أعراضهم..ومن آثارها قتل الإنسان نفسه بالتفجير أو بغيره، وقتل المعاهدين والمستأمنين، والذميين، والحربيين الذين يتطلب قتالهم إذن الامام(17).
هنا تتموضع رؤية الشيخ ناصر الدين الألباني بطابعها النمطي المتوارث كقوله: (ولا شك بأن واقع أولئك العرب في عصر الجاهلية مماثل لما عليه كثير من طوائف المسلمين اليوم!)(18). ويشرح ذلك على النهج التيولوجي الوهابي (وأما غالب المسلمين اليوم الذين يشهدون بأن |لا إله الا الله" فهم لا يفقهون معناها جيداً، بل لعلهم يفهمون معناها فهماً معكوساً ومقلوباً تماماً)، فمثل هؤلاء في نظر الألباني (فهو والمشركون سواء، عقيدة، وإن كان ظاهره الاسلام)، ثم يقدّم رأياً حازماً بما نصّه: (فإني أقول كلمة ـ وهي نادرة الصدور مني ـ وهي: إن واقع كثير من المسلمين اليوم شرٌّ مما كان عليه عامة العرب في الجاهلية الأولى من حيث سوء فهمهم لمعنى هذه الكلمة الطيبة، لأن المشركين العرب كانوا يفهمون ولكنهم لايؤمنون ـ حقاً ـ بمعناها..)، ليختم بالقول: (..أنا أقول اليوم: لا فائدة مطلقة من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم، ثم تركهم في ضلالهم دون فهم هذه الكلمة الطيبة، وهذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة) لأن في الآخرة، حسب رأيه (فلا يفيد شيئاً إلا اذا كان قائلاً لها وهو فاهم معناها أولاً، ومعتقداً لهذا المعنى ثانياً)(19). وهذا الرأي نجده يتكرر لدى أكثر من رمز وهابي معاصر من الذين لا يهمهم كثرة المسلمين، بل يرون مبادرات التقريب والتوحيد بين المسلمين عبثية وبلا طائل، لأنها مبادرات لا تستند على معنى موحّد للتوحيد.
شأن كل علماء المدرسة الوهابية، فإن الألباني يرى بأن من مصادر توحّد المسلمين وافتراقهم هو توحيد الأسماء والصفات، أي إثبات كل الصفات المادية الواردة حول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم. يقول الألباني: (أنا أعرف بالتجربة أن كثيراً من إخواننا الموحّدين السلفيين يعتقدون معنا أن الله على العرش استوى دون تأويل، ودون تكييف، ولكنّهم حين يأتيهم معتزليون معاصرون أو جهميون معاصرون أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر آية لايفهم معناها الموسوس ولا الموسوَس إليه فيحار في عقيدته ويضل عنها بعيداً، لماذا، لأنه لم يتلق العقيدة الصحيحة من كل الجوانب..)، بكلمات أخرى (..أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها ليست واضحة ـ للأسف ـ في أذهان كثير ممن آمنوا بالعقيدة السلفية نفسها، فضلاً عن الآخرين الذين اتبعوا العقائد الأشعرية أو المتريدية أو الجهمية..). يقول بأن أكثر المسلمين المعاصرين اليوم حين يقولون كلمة لا إله الا الله لا يفهمون معناها الصحيح وهذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة، وأعني بها علو الله على مخلوقاته كلها..(20).
وفي السياق، حمل الألباني على علماء الأزهر واتهمهم بطريقة غير مباشرة بأنهم أجهل من راعية غنم، وقال بأن الكثير ممن يدعون العلم بالكتاب والسنة لا يعرفون أين الله!(21).
عوداً الى مقاربة سعيد بن علي بن وهف القحطاني في التكفير، فمن الواضح أن المؤلف مسكون بهوى الدفاع عن الحكّام، حتى أنه حين بدأ في الباب الأول الموسوم (أصول وضوابط وموانع في التكفير) لم يجد مفتتاحاً للباب إلا مبحث تحريم الخروج على أئمة المسلمين ووجوب طاعتهم في المعروف، دون أن يكلّف نفسه عناء الربط بين هذا المبحث وأصول وضوابط وموانع التكفير، ما لم يكن المؤلف ينزع إلى الدفاع عن السلطة في ضوء حملة التكفير التي واجهتها منذ ظهور تيار الصحوة السلفية بعد غزو العراق للكويت في أغسطس 1990.
وكرر ذلك في المبحث الثاني بعنوان (تحريم الخروج على الإمام المسلم) ونقل عن الطحاوي تحريمه الخروج على الحكّام، أو بحسب اصطلاحه ولاة الأمر (وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداً من طاعة، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية..)(22)، ولا ندري هل الجور معصية أم طاعة؟!
وقد أسهب القحطاني في التحذير من الخروج على الحكّام، وجمع ماهب ودب من أحاديث ضعيفة وموضوعة دعماً لفكرة عدم الخروج على الحكام. وحمل على الشيعة والخوارج والمعتزلة وقال بأن (قلوبهم ممتلئة غلاً وغشاً، ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص وأغشّهم للأئمة والأمّة وأشدّهم بعداً عن جماعة المسلمين)(23).
يقدّم القحطاني صورتين متقابلتين للتكفير: الأولى تقول بالحكم بالظواهر إذ الله يتولى السرائر ويورد القصة المشهورة عن أسامة الذي قتل رجلاً بعد أن قال لإ إله الا الله، وانكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وقال له (أفلا شققت عن قلبه.. الخ الرواية). الصورة المقابلة، وتحت عنوان (الإحتياط في تكفير المعيّن)، يقول (فإن مذهب أهل السنة وسط بين من يقول: لا نكفّر من أهل القبلة أحداً، وبين من يكفّر المسلم بكل ذنب دون النظر الى توفر شروط التكفير..)(24).
والسؤال أين يمكن وضع الحكم بالظاهر مقابل وسطية السنّة كما يزعمها القحطاني، بلحاظ أن كل المسلمين يصدق عليهم الحكم بالظاهر، وقد يقتلون بطريقة أسامة في حال تبنى أحد ما الرأي القائل بأن ليس كل من يقول لا إله الا الله هو مسلم حقاً، كما هو مذهب الوهابية، وبالتالي فالمسلمون جميعاً عرضة للقتل على طريقة أسامة، أليس كذلك؟!
سيقال لك: السلف متفقون على عدم تكفير المعيّن إلاّ بعد قيام الحجّة، والرد هو: ألا يتعارض قيام الحجة مع الحكم بالظاهر، واذا قيل لا: فهل مطلوب من المسلم التفتيش في عقائد المسلمين حتى يتثبّت من صحة إسلامهم، كيما يقيم الحجة؟ هذا وقد قرأنا في موانع التكفير أن الجهل والخطأ والإكراه والتأويل والاجتهاد لا تعذر في كل حال.
وفيما يجد القحطاني كل عذر لحكّام الجور، فإنه في تكفير المسلمين يرى بأن ثمة نوعاً من الكفار وهم من (ينتسبون لدين الاسلام، ويزعمون أنهم مؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم يصدر منهم ما يناقض هذا الأصل، ويزعمون بقاءهم على دين الإسلام، وأنهم من أهله، فهؤلاء لتكفيرهم أسباب متعددة ترجع كلها إلى تكذيب الله ورسوله، وعدم التزام دينه..)(25). فأين هذا التشدّد إزاء المسلمين من تسامحه المفرط إزاء حكّام الجور؟!
عارض القحطاني موقف المرجئة القائل بعدم تكفير أحد من أهل القبلة على أساس أن (في أهل القبلة المنافقين الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى، بالكتاب والسنّة، والاجماع، وفيهم من قد يظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين..)(26). فكيف عرف المنافقين من أهل القبلة؟ وكيف أنكر ظاهر المسلمين وقد أمر في بداية كتابه بالحكم بالظاهر؟
على المنوال نفسه، يقدّم خالد بن أحمد الزهراني في كتابه (الغلو في التكفير) رؤية لاهوتية في التكفير متماهية مع الرؤية الكونية لدى المدرسة الوهابية. وبخلاف موضوع التوحيد الذي يصرّ علماء الوهابية على مقاربته من منظور وهابي محض، تستدعي على الدوام أدبيات إبن تيمية، ولكن في موضوعة التكفير، بطابعه الدفاعي، يتم استحضار أهل السنة والجماعة، ليس لكون الوهابية تقرّ بصحة إسلام الطوائف السنيّة من غير الوهابية، ولكن لأن الأخيرة تدرك تماماً بأنها خاسرة في مناظرة التكفير حين تكون منفردة في الميدان، خصوصاً وأن فتاوى التكفير ?لصادرة عن علماء هذه المدرسة ضد بقية المذاهب الإسلامية السنيّة والشيعية، وكذا علماء وأقطاب كبار فيها، لا تحصى ما يجعلها في موقف واهن ومعزول. فالزهراني يرد على الدعوى القائلة بأن (أهل السنة والجماعة يكفّرون المسلمين)(27).
وهذا النص يبعث أسئلة جمّة حول المقصود بأهل السنة والجماعة، وكذا المسلمين. فإن كان المعني بأهل السنة والجماعة غالبية المسلمين فتلك دعوى باطلة إذ كيف يكفّر المسلمون أنفسهم، وإن كان المقصود بأهل السنة والجماعة هم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو إبن تيمية فقد بطل الإحتجاج من أصله.
ومع ذلك فهو ينقل عن ابن دقيق العيد قوله: (وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحداً من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنتسبين الى السنة وأهل الحديث لمّا اختلفوا في العقائد، فغلظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم)(28).
في ردّه على (شبهة التكفير والقتال المثارة حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) يقول بأن (هذه الشبهات التي يثيرها أعداء الحق هي أقوى سلاح لديهم..)(29). والحال أن ما يعتبره شبهة يستند، في الأصل والخاتمة، على فائض من الأدلّة المستمدة من كتب ورسائل إبن عبد الوهاب نفسه، سوى أن مناصري الوهابية يعتبرون تكفير علمائهم للمسلمين عموماً ومعيّنين يستند زعماً على حجة!
لكن حين يعود الزهراني إلى نصوص الشيخ محمد بن عبد الوهاب يغفل المضمون التكفيري في كلامه، وتجريده أهل زمانه والأزمنة التي سبقته بعد الشيخ ابن تيمية، لا يتوقف ولو لبرهة للتأمل في أبعادها التكفيرية، فمثلاً حين يقول بأن (التوحيد الذي أظهره هذا الرجل، يقصد نفسه ـ هو دين الله ورسوله، لكن الناس لا يطيعوننا، وأن الذي أنكره هو الشرك..)(30)، فهذا نص واضح على إخراج أهل زمانه من الاسلام، وأنه جاء لهم بالتوحيد وعصوه، وبذلك عصوا أمر الله ورسوله بحسب مضمون هذا النص.
لا بد هنا من الإضاءة على الأمثلة التي أوردها الزهراني في ردّه كيما يشارك القارىء في تقييم مثل هذه المواقف التي لم تصدر عن شخصيات عادية أو كونها تنتمي إلى مدرسة فكرية واحدة، بل هي أقرب الى المدرسة الوهابية، وأمثلة ذلك:
ـ الشيخ محمد بن علي الشوكاني: يقول عن الشيخ ابن عبد الوهاب وأتباعه (ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلاً تحت دولة صاحب نجد، وممتثلاً لأوامره يعتبر خارجاً عن الإسلام) ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، ج2 ص 5
ـ الشيخ محمد بن ناصر الحازمي: ذكر خصلتين في الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الأولى: تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها، والأخرى التجاري في سفك الدماء المعصوم بلا حجة ولا برهان. أنظر أبجد العلوم، ج3 ص 194
ـ الشيخ محمد صديق حسن خان، أعلن في كتابه (ترجمان الوهابية) براءة أهل الحديث من الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، لأنهم يعرفون بإراقة الدماء.
لا بد من الإشارة هنا الى أن الزهراني إكتفى بذكر أمثلة أو، بتعبيره (شبهات) المقرّبين من المدرسة الوهابية، وغفل آراء العشرات من علماء المدارس الإسلامية الأخرى في مصر وشمال افريقيا وبلاد الشام والعراق واليمن، وسنعرض لبعضها في محطات من البحث.
وكان أول من نبّه الى خطر ماجاء به إبن عبد الوهاب من تكفير للمسلمين الشيخ محمد بن عبد الرحمن ابن عفالق، وقد كتب ابن عبد الوهاب رسالة له موتورة، خرج فيها عن حدود اللياقة في التخاطب مع المختلف، ورماه بالكفر والفسوق، وقد أوردنا سابقاً طرفاً من رسالة إبن عبد الوهاب إليه. وقد قال إبن عفالق عن الأخير (وهذا الرجل كفّر الأمة..)، وهذا واضح في نصوص رسائله التي ذكرنا طرفاً منها في الجزء الأول من البحث. مثل ذلك قول أحمد بن علي القباني أن الشيخ ابن عبد الوهاب (كفّر هذه الأمة بأسرها، وكفّر كل من لم يقل بضلالها وكفرها). أنظر: فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب، ص 36
وأسهب سليمان بن أحمد بن سحيم في الإنكار على تكفير إبن عبد الوهاب للمسلمين، وبعث برسالة إلى علماء المناطق وقال عن دعوته: (ومنها: أنه ثبت أنه يقول: الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء)، فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب، ص 165
ويضيف: (ومن أعظمها أنه من لم يوافقه في كل ما قاله، ويشهد أن ذلك حق، يقطع بكفره، ومن وافقه، ونحى نحوه وصدّقه في كل ما قاله قال: أنت موحد، ولو كان فاسقاً..) فصل الخطاب، ص 168. وقال مثل ذلك، الشيخ علوي بن أحمد بن الحسن الحداد.
اما حسن بن عمر الشطي فذكر في ذيل كتاب (رسالة إثبات الصفات)، حيث ذكر صفات ابن عبد الوهاب ومنها (تكفيره المسلمين واعتقاده حل دمائهم، وأموالهم، وسبي ذراريهم). مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبه البدعي النجدي التي أضلّ بها العوام، ص 5، 164
وقال العالم الحجازي الكبير الشيخ أحمد بن زيني دحلان عن الوهابيين (فلا يعتقدون موحداً إلا من تبعهم فيما يقولون، فصار الموحدون على حد زعمهم أقل من كل قليل..). الدرر السنية في الرد على الوهابية ص 42، 43
وفي رأي أحمد رضا خان عن الشيخ ابن عبد الوهاب جاء (والذي يسعده أن يكفر أجداده ومشايخه وهو لا يكتفي بهذا، بل يكفّر سائر المسلمين، ومن بينهم الأئمة والمشايخ، إن إبن عبد الوهاب قد أعلن عقب ظهور دينه الجديد أن الأمة الإسلامية منذ ستمائة سنة تتخبط في ظلام الشرك وقد ردد الوهابيون قول زعيمهم فيما بعد)(31). وقال محمد بن نجيب سوقية (إن مذهبهم تكفير الأموات، ورمي الأحياء بالشرك من الموحدين)، تبيين الحق والصواب، ص 8
ما يبعث على الدهشة هي الردود التي ساقها الزهراني لتفنيد ما يعتبره شبهات وافتراءات، ويقول بأن الشيخ إبن عبد الوهاب تولّى بنفسه الرد عليها، ومنها هذا النص الملغوم والمستقطع من رسالته لأهل الرياض ومنفوحة (وقولكم: إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا؟ فإنّا لم نكفّر المسلمين، بل ما كفّرنا إلا المشركين)(32).
من يتعامل مع النص دون قراءة عميقة لعقيدة إبن عبد الوهاب يعتبره نصاً عادياً، ولكن قليل من التأمل يظهر أن الرجل لا يعترف بإسلام أهل الرياض ومنفوحة، ولذلك هو لم يكفّر مسلمين بل كفّر مشركين، لأنهم كذلك بحسب عقيدته، وأن مواصفات المسلم لا تنطبق إلا على من طابق المواصفات والمعايير الوهابية في التوحيد!
بل كل ما سيأتي بعد ذلك من آراء يندرج في السياق نفسه. على سبيل المثال، إن قوله بعدم تكفير أحد لمجرّد الظن، وتكفير الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فذاك واضح بأنه يتعامل مع أناس لم يدخلوا الإسلام حتى يصيبهم بالظن السيء أو برمي الجاهل دون علم وحجة، ولذلك يختم محاجّته بهذا القول (فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله) ودين الله ورسوله ليس سوى ما جاء به هو دون غيره!
ونقرأ في رسالة له الى حمد التويجري يذكر فيها بعض الرد على إبن سحيم (وكذلك تمويهه على العوام، أن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، نقول سبحانك هذا بهتان عظيم! بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم، في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في ألوهيته بعد ما تبيّنت له الحجة على بطلان الشرك)(33). وفي رده على التكفير بالعموم وأمره أتباعه بالهجرة اليه (..قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل..)(34).
وقد سئل مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ: ظهرت بعض المزاعم التي تقول: إن التكفير في العالم اليوم هو نتاج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويزعمون أن بعض الكتب هي كتب تأصيل لمنهج التكفير، ككتاب كشف الشبهات، والدرر السنيّة؟ فأجاب بالقول بأن كتاب كشف الشبهات (كتاب وضعه الشيخ لبيان شبه المشركين في زمانه.. ليبين فيها شبه المشركين قديماً وحديثاً.. فمن تأمل كشف الشبهات التأمل الصحيح رأى العقيدة السليمة الواضحة فيه)، وقال عن كتاب الدرر السنية فقال بأنها (رسائل مشايخ نجد وأئمة الهدى، كلها عدل، وكلها خير، وكلها توضح الحق، وكل الدرر السنيّة وما فيها من رسائل لمن درسها صادقاً خالياً من الهوى يرى فيها الحق الواضح، أما من عميت بصيرته فقد يقرأ القرآن ولا يفهمه..)(35). والتعليق على كلام المفتي: إن لم يكن في ذلك تكفير لأهل زمان ابن عبد الوهاب، وما قبله وربما ما بعده لمن لم يفهم معنى التوحيد، فما هو التكفير إذاً؟
في تعريف الزهراني لأهل السنة والجماعة على ضوء مبدأ التكفير (أهل السنة والجماعة وسط بين من يقول: لا نكفّر أحداً من أهل القبلة، وبين من يكفّر المسلم مباشرة بكل ذنب دون النظر في توفّر شروط التكفير وانتفاء موافقه). ويقول في مكان آخر (فأهل السنة يقولون: من استحلّ ماهو معلوم من الدين بالضرورة كفر، ومن قال: القرآن مخلوق أو أن الله لا يُرى في الآخرة، كفر..)(36). ونتوقف هنا عند هذا التعريف لأن ذلك يرسم حدّاً فاصلاً وقاطعاً بين الوهابيين وبين أهل السنة والجماعة التي ينزع الوهابيون الى احتكارها، ونفيها عن غيرهم من خلال القول مثلاً بأن من لا يكفر أحداً من أهل القبلة، وهو الحال الذي عليه غالبية أهل السنة والجماعة، يصبح خارجها، ومن ثم من قال بأن القرآن مخلوق، وهم غالبية أهل السنة في بداية ظهور المسألة، وكذلك من يقول أن الله لا يرى في الآخرة، وهم كل الشيعة، وبعض أهل السنة فهم في نظر الزهراني كفّار!
وما يلفت في عرض الزهراني للآراء في موضوعة التكفير، فإنه يكتفي، غالباً، برصد آراء خط مدرسي واحد مثل الامام أحمد، وابن تيمية، وابن القيم، وابن عبد الوهاب، أو المقرّبين منهم..
ذكر الزهراني موانع للتكفير منها: العذر بالجهل في حالات، وليس على سبيل الإستمرار، والخطأ، والإكراه، والتأويل وهو الذي يقصد به التلبّس والوقوع في الكفر من غير قصد لذلك، بل مع اعتقاد أنه على صواب، وهو ناشيء عن قصور في فهم الأدلة الشرعية دون تعمد المخالفة(37).
وفي مانع التأويل كلام طويل لأن أحكام التكفير التي أصدرها إبن عبد الوهاب واهل دعوته تندرج في هذا الباب ويعذر من نالهم التكفير بهذا العامل.
وفي مقالة بعنوان (رواسب الكفر عند المسلم الجديد)، وهي بحسب محتوى المقالة لكاتب وهابي، ينطلق ما نصّه (قرب عهد المسلم الجديد بالكفر يجعله يقع في بعض المخالفات القولية والفعلية، وشواهد ذلك كثيرة في القديم والحديث). وبعد أن يصف مشاهد الكفر والشرك في القديم، ينتقل إلى الحديث ويصفه بما نصّه (..وأن الإنسان قد يقع في الشرك بسبب الجهل..) ولذلك ينصح صاحب المقالة (على تعلّم العقيدة ومعرفتها والتبصّر فيها، خشية أن يقع الإٌنسان في مثل ما وقع فيها هؤلاء ولذلك كان على الداعية إلى الله أن يهتم كثيراً بمسألة العقيدة في دعوة المسلمين الجدد..).
وعاب على أولئك الذين يقومون بتخفيف اللهجة المتطرِّفة بقوله: (حتى بلغ الأمر إلى تبديل كلام الله والدعوة الى خلافه، ومن ذلك الدعوة إلى تغيير كلمة الكافر إلى (الآخر)، ونسوا أن الإسلام إسلام والكفر كفر..). ويمثّل لذلك بكلمات أوضح بما نصّه (وقد فهم كفّار قريش التوحيد أفضل مما فهمه بعض المنتسبين للإسلام في عصرنا من دعاة التقريب بين الأديان، وحوار الحضارات..)(38).
تكفير الصوفيّة

ليس حكماً جديداً تكفير الوهابية للصوفية، فقد أصدر علماؤها ومشايخها الكبار والصغار فتاوى تخرج الفرق الصوفية من دائرة الاسلام، وتشنّع عليها بأقذع الألفاظ التي يربأ خلق المسلم عن الاستماع إليها.
من بين تلك الكتابات المضادة للصوفية، ما أنكر فهد بن سليمان الفهيد في حملته المناوئة للصوفية على ماجاء في كتاب الباحث الحجازي د.عمر عبد الله كامل (التصوف بين الإفراط والتفريط)، وقال: (والعجب الذي لا ينقضي أنهم يعيدون طباعة هذه الكتب التي دسّ فيها الكفر والشرك ثم يوزعون هذه الكتب ويمدحون أصحابها)(39).
ولأنه ينطلق من رؤية سلبية إزاء التصوف، فقد اعتقد بأن كل ما يصدر عن شيوخ الصوفية ورموزها وأتباعها هي (شركيات). فقد أورد ما اعتبره ضلالات الصوفية، منها هذا الرأي للشيخ أبو العلا العفيفي:
(التصوف هو المظهر الروحي الديني الحقيقي عند المسلمين، لأنه المرآة التي تنعكس على صفحتها الحياة الروحية الإسلامية في أخص مظاهرها فإذا أردنا أن نبحث عن العاطفة الدينية الإسلامية في صفاتها ونقائها وعنفها وحرارتها وجدناها عند الصوفية). نقلاً عن التصوف الثورة الروحية في الإسلام، ص 96
فحين نقرأ هذا النص بتجرّد تام، لا نجد فيه ما يعيب خصوصاً حين يصدر عن رجل يعتقد جازماً بأن التصوف هو الجوهر الروحي للإسلام، وله مطلق الحق في الاعتقاد بذلك، سيما وأنه لا ينطوي على اعتداء على حق الآخر المسلم في الإعتقاد بما يراه ضمن اجتهاد داخل المجال الاسلامي.
ونقل المؤلف آراء أخرى لمؤلفين ومشايخ للصوفية ليس فيها ما يمثل عدواناً أو إختراقاً لمحظور ديني، بل هي تأمّلات خاصة في التصوف الإسلامي، كأقوال عبد القادر عطا، وعبد الرحمن عميرة، ومحمد أمين الكردي النقشبندي.
وحين أجمل ما اعتقده (أعظم بدع المتصوفة) حصرها في: قصد القبور، وتتبع أماكن الأنبياء والصالحين وزيارتها، والذكر، والإحتفال بالمولد النبوي، والزهد عن المباحات، وشعائر التصوف(40).
ويمثّل كتاب عبد الرحمن عبد الخالق الموسوم بـ (الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة)، نموذجاً للتكفير النمطي الذي يقوم على سوابق إزاء الآخر. فقد بدأ كتابه بمقدمة ناريّة جاء فيها (فإن أعظم فتنة أبتلي بها المسلمون قديماً وحديثاً هي فتنة التصوّف..هذه الفتنة التي تلبّست للمسلمين برداء الطهر والعفة والزهد والاخلاص، وأبطنت كل أنواع الكفر والمروق والزندقة، وحملت كل الفلسفات الباطلة ومبادىء الإلحاد والزندقة..وهم بوجه عام من الزنادقة المبتدعين والكفار المستترين..)(41).
ولا يمكن لرؤية بهذا التحامل والشناعة إلا أن تؤول الى أحكام في غاية القسوة، فقد حمّل عبد الخالق التصوّف كل ظاهرة إلحادية وإفسادية (وكان التصوف هو المعبرة التي عبر عليها الملحدون والزنادقة والمفسدون في الأرض والعباءة التي تستّر بها كل من يريد التخريب والتدمير لأمة الإسلام ورسالة القرآن..فقد تحوّل الزنادقة ومن لا أصول لهم معروفة من الأعاجم والملاحدة فدخلوا في التصوف..)(42).
رؤية إبن باز للمسلمين

يخرج الشيخ عبد العزيز بن باز، المفتي السابق للمملكة، المسلمين من دائرة الإسلام ويضعهم في دائرة الجهل والجاهلية على أساس أنهم لم يفهموا معنى لا إله الا الله أي لا معبود بالحق سواه. يقول ما نصّه: (أن الله خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به، وأرسل به رسله وأنزل به كتبه فتأمّل ذلك جيداً وتدبّره كثيراً ليتضح لك ما وقع فيه أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل الأصيل حتى عبدوا مع الله غيره، وصرفوا خالص حقه لسواه)(43)، أي أن أكثر المسلمين مشركون!
واعتبر الشيخ إبن باز أن (أهل السنة والجماعة) هم فقط من يثبتون الصفات لله سبحانه وتعالى بظاهرها، كاليد والساق والوجه، والاستواء والرؤية يوم القيامة، ومن خالف ذلك يخرج حكماً من مسمى (أهل السنة والجماعة)، ولذلك اعتبر الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم من أهل البدع وأدخل الأشاعرة فيهم لأنهم نفوا بعض الصفات وأثبتوا البعض(44).
فلم يبق من (أهل السنة والجماعة) إلا من قال بمقولة الحنابلة والوهابية حيث (أثبتوا لله سبحانه ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات..)(45).
وفي نواقض الإسلام تحدّث الشيخ إبن باز عن أنواع الردّة، ومن بينها بطبيعة الحال زيارة قبور الأنبياء والأولياء والدعاء عندهم والذي يعتبره الوهابيون (وسائط)، ما يجعلهم كفاراً، لينتقل إلى مرحلة أخرى وهو تكفير الكافر: (من لم يكفّر المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحَّح مذهبهم كفر)(46).
ومن نافلة القول فإن ثمة نوعاً من الردّة ذكره الشيخ إبن باز واستغلّه أعضاء القاعدة وغيرهم من المنتمين للتيار السلفي المعارض وهو (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين)(47). وقد ثبت مظاهرة آل سعود ومعاونتهم على المسلمين في مواطن عدديدة في أفغانستان وباكستان وفلسطين ولبنان وغيرها، فضلاً عن قضايا التسلّح والتجارة التي باتت مصدراً رئيساً لمعاونة غير المسلمين على المسلمين.
المصادر:

1 ـ خالد بن أحمد الزهراني، الغلو في التكفير بين أهل السنة والجماعة وغلاة الشيعة الإثني عشرية، تقديم الشيخ الدكتور محمد بن ابراهيم السعيدي، طبع خاص 1431هـ، ص 17
2ـ موقع الشيخ حامد العلي
http://www.h-alali.net/f_open.php?id=f30d6a9e-dc1d-1029-a62a-0010dc91cf69
3 ـ طريق الاسلام
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=9326
4ـ الدكتور منقذ بن محمود السقّار، التكفير وضوابطه، رابطة العالم الاسلامي، ص 30
5ـ المصدر السابق، ص 47
6ـ الشيخ صالح اللحيدان، محاضرة بعنوان (فضل دعوة الامام محمد بن عبد الوهاب)، أعدّها سالم الجزائري، ص 3
7ـ المصدر السابق، ص 4
8ـ المصدر السابق، ص6
9ـ المصدر السابق، ص6
10ـ المصدر السابق، ص8
11 ـ المصدر السابق، ص 9
12 ـ المصدر السابق، ص 11
13 ـ المصدر السابق، ص 14
14 ـ المصدر السابق، ص ص 15، 16
15 ـ المصدر السابق، ص 17
16 ـ د. سعيد بن علي بن وهف، خطر التكفير والإفساد والتفجير، الخطبتان الاولى والثانية، مختارات من خطب د. سعبد بن علي بن وهف، طبع خاص (د.ت)، ص 1
17 ـ المصدر السابق، ص ص 3ـ4
18 ـ محمد ناصر الدين الألباني، التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام، (أصل هذه الرسالة شريط مسجل ثم كتب وطبع في مجلة السلفية، العدد الرابع عام 1419هـ)، ص 4
19 ـ المصدر السابق، ص ص 7 ـ 9
20 ـ المصدر السابق، ص ص 11 ـ 12
21 ـ المصدر السابق، ص 13
22 ـ الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني، قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسنة، سلسلة رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني (15)، تقديم الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، طبع خاص، سنة 1417هـ، ص 14
23 ـ المصدر السابق، ص 19
24 ـ المصدر السابق، ص 35
25 ـ المصدر السابق، ص 58
26 ـ المصدر السابق، ص 116
27 ـ خالد بن أحمد الزهراني، الغلو في التكفير.. بين أهل السنة والجماعة وغلاة الشيعة الاثني عشرية (د.ت)، نسخة بي دي إف على الانترنت، تقديم الدكتور محمد ابراهيم السعيدي، 1431هـ، ص 7
28 ـ المصدر السابق، ص 13 وانظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، الجزء الرابع ص 76
29 ـ المصدر السابق، ص 15
30ـ المصدر السابق، ص 18
31 ـ أعز النكات بجواب سؤال أركات (باللغة الأوردية) عن الزهراني، الغلو في التكفير بين أهل السنة والجماعة وغلاة الشيعة الاثني عشرية، مصدر سابق ص 24
32 ـ مجموع مؤلفات الشيخ، مصدر سابق الجزء5، ص 189
33 ـ مجموع مؤلفات الشيخ، ج5 ص 60
34 ـ مجموعات مؤلفات الشيخ، ج3 ص 11
35 ـ الغلو في التكفير، الزهراني، مصدر سابق، ص 44 عن فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ـ هل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تكفيرية؟، موقع: www.alifta.net
36ـ الزهراني، المصدر السابق، ص 51
37 ـ المصدر السابق، ص 57
38 ـ توحيد الكلمة على كلمة التوحيد، ص ص 1 ـ 2 من موقع شبكة الألوكة (www.alukah.net)
39 ـ نشأة بدع الصوفية، إعداد: د. فهد بن سليمان الفهيد، (د.ت)، ص 16
40 ـ المصدر السابق، ص 32
41 ـ عبد الرحمن عبد الخالق، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، الطبعة الثانية 1984، مكتبة إبن تيمية، النقرة ـ الكويت، ص ص 5، 6
42 ـ المصدر السابق، ص 7
43 ـ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، العقيدة الصحيحة وما يضادها ونواقض الاسلام، طبع خاص، الرياض، 2000، ص 8
44 ـ المصدر السابق، ص ص 11، 25
45 ـ المصدر السابق، ص 25
46 ـ المصدر السابق، ص 26
47 ـ المصدر السابق، ص 27
(javascript:onClick=history.go(-1);)

salimo123
2013-01-11, 19:18
الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

الجزء الرابع: جدلية تكفير الكافر (القسم الأول)

سعد الشريف

إن أول ما يعثر به الباحث في الأدبيات الوهابية، وفي موضوعة التكفير على وجه الخصوص، هو هوية الكافر، ومن يصدق عليه حكم الكفر، وأيضاً مساحة التكفير ليس بالتعيين والعموم فحسب، أي على مستوى الأفراد والجماعات، بل على الأديان والمذاهب، وربما البلدان، حيث تكتسب صفة دار الإيمان أو دار الكفر، بما يسقط أي دعوى التكفير المعيّن، ويفتح أفق التكفير على مساحة تكاد تستوعب غالبية سكّان المعمورة.
ومادام محور الرؤية العقدية لدى الوهابية يتمركز على تقسيم الخلائق الى (مؤمنين وكفّار)، تصبح النتيجة القصوى (أن من أجمع أهل العلم على كفره وجب تكفيره) بحسب إبراهيم الأزرق. ولا يقتصر التقسيم عند حدّه الكلي، فهناك تقسيمات فرعية، فالمؤمنون ليسوا بالضرورة هم من ينتسبون لدين الإسلام، أو يعتنقونه عقيدة وشريعة قولاً وعملاً، ولكن ليس على الشاكلة الوهابية، ولكن هنا يصبح المؤمن خاضعاً لمعايير مختلفة قد لا تكون واردة في النصوص الدينية أو الواقع التاريخي للمسلمين، أو حتى في أقوال الأجيال الأولى في تاريخ الاسلام. بطبيعة الحال، فإن كل أتباع الديانات الأخرى، من الوجهة الوهابية، هم كفّار، وبذلك يصبح نحو خمسة مليارات إنسان كافراً في هذا الكون خارج أي نقاش حول تكفير المعيّن أو تكفير العموم، فالأصل أن هؤلاء جميعاً في التصوير العقدي الوهابي كفّار، ولهؤلاء أحكام خاصة بين ذمي، وحربي، ومعاهد، وغير ذلك، وما يترتب على ذلك من أحكام هو الأخطر من بينها: حرمة تعلّم لغتهم، والسفر الى بلادهم فضلاً عن الإقامة فيها، والتعامل معهم في بيع أو شراء، أو العطف على فقرائهم ومعاودة مرضاهم، كما تؤكّد ذلك فتاوى كبار العلماء في الوهابية.
أما في الدائرة الإسلامية، فإن من ينتسب للإسلام ليس بالضرورة أن يكون مؤمناً، فقد يصدق عليه حكم الكفر أيضاً، وقد يكون ذلك فرداً أو جماعة، بحسب انطباق شروط الحكم. يقول الأزرق (ومما لا جدال فيه.. أن هناك مُعيّنين ممن ينتسبون إلى الإسلام هم كفار..)، وهنا ينشق الجدل عن مساحة بالغة التعقيد والخطورة، إذ يصبح التكفير مهمة دينية، كما يظهر من قاعدة (من لم يكفر الكافر يكفر). ولنتخيّل حال المؤمنين بديانة واحدة وهم يقسّمون أنفسهم إلى مؤمنين وكفّار، على أساس تصوّر أن من المسلمين كفّاراً.
ولكن السؤال: كيف يثبت كفر المسلم، وهل المطلوب تفتيش عقائد الناس، دع عنك المسلمين منهم خاصة، أو الحكم عليهم في الظاهر، وهل ارتكاب الذنب يخرج المسلم من دائرة الإيمان ويقذف به في دائرة الكفر، وأي الذنوب يؤول بصاحبه الى الكفر، ومن جاء بتقسيم الكفر الى درجات أصغر وأكبر؟
في التفصيل، تسقط دعوى حرمة تتبّع عثرات المسلم، فحين يخوض بعض الدعاة في تفاصيل سيرة شخص مسلم، وكيف تنكّب من الإيمان الى الكفر، وما هي الشواهد على ذلك، بما في ذلك تفاصيل لا يراها إلا من نصب نفسه مراقباً للناس. ولذلك، فإن السؤال هل إن ظهور كفر شخص ما لأناس دون آخرين يوجب الحكم عليه بالكفر، حتى وإن كان الآخرون لا يرون فيه ذلك؟ ومن وهب بعض الناس سلطة الحكم على ذلك الشخص بالكفر، هل آية من السماء، أو بيّنة من كتاب الله. وهل الإيمان ينعكس بالضرورة على الجوارح بحسب ما يراه هؤلاء، وماذا يقول هؤلاء في من يكتم إيمانه، أو يمنعه مانع من أن يظهر في هيئة لم يعتد عليها من نصبوا أنفسهم للحكم على الناس. طائفة من الأسئلة تتولّد من ثنايا عمليات البحث في النوايا والمقاصد المستترة، فإذا كان الإيمان يقع في القلب فمن له القدرة على الوقوف على حقيقته غير المطلّع على أسرار وما ضمرته القلوب.
مسيرة التكفير تبدو مرتّبة منطقياً، من وجهة وهابية بطبيعة الحال، تبدأ بإثبات فعل الكفر، ودرجته ثم تندلع جنوحات التكفير الى أبعاد مختلفة حيث يلزم أولاً تكفير الكافر، ومن لم يفعل ذلك يكون كافراً، رغم أن لا نصّ ثابت ووثيق يستند إليه في ذلك لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الثابتة، إذ إن الإشكالية تبدأ في أصل التكفير، الذي بدت الآيات والأحاديث صارمة حازمة في إستعماله من أي طرف كان، وقد فهم الأولون من ذلك أن لو احتمل أحدهم واحداً بالمئة من ثبات المرء على الايمان لرجّحه على ماسواه وإن بلغت الشكوك والظنون نسبة 99%، لأن في ذلك صوناَ لنظام مجتمع المؤمنين، ولكف يد العدوان بين المسلمين وحتى لا يكون دين الله الذي أنزله رحمة للعالمين سبباً للتطاحن والتحارب وسفك الدماء البريئة، أو نهب الأموال الحرام، أو هتك الأعراض التي حرّم الله سبحانه.
يقترح الوهابيون أصولاً في إقامة الحجة بتكفير المعيّن، ولكن لا تبدو أنها ملزمة كالأصول الأربعة التي وضعوها في إقامة الحجة على المعيّن، وقد تطرّقنا إلى ذلك سابقاً، ولكن نذكرها هنا لمطلب آخر، فالأصول الأربعة وهي: الجهل، والتأول، والإكراه، والخطأ. وهذه الأصول لو طبّقت تطبيقاً صحيحاً لما أصاب أحداً من المسلمين سهم التكفير الوهابي.
ولكن هذه الأصول الأربعة تتعطّل قبل أن تدخل ميدان التكفير، الذي يتواجد فيه العامي، وطالب العلم، والعالم، وهؤلاء جميعاً يملكون، من وجهة وهابية، سلطة إصدار حكم بتكفير شخص أو فئة. وقد ذكرنا سابقاً مثال العامي، كما نظّر له الشيخ حامد العلي، ونذكر هنا مثال طالب العلم. يقول الأزرق: (ما يجب على طالب العلم هو أن يكفّر من ثبت كفره أصلاً، كاليهود والنصارى، ومن ظهر أمرهم كالمرتدين الذين صرحوا بمخالفة الدين..). لم يضع الأزرق نهاية لسلطة طالب العلم، ولكنّه فصّل في تكفير (كل من بدر منه فعل أو قول كفري)، وطالبه بالبحث في الموانع والشروط (وهذا الأمر يحتاج إلى جهد).
السؤال هنا إذا كان طالب العلم يملك الجهد الذي يؤهّله للحكم بكفر شخص وإيمانه يصبح حينئذ مندرجاً في خانة غير طلبة العلم، بل صار، بمعنى ما، من العلماء المجتهدين. فإذا كان كل طلبة العلم، على وجه العموم، يفعلون هذا الأمر أصبحنا أمام قضية خطيرة، لأن انتشار سلاح التكفير في أيدي عدد كبير من الأفراد يثير الشكوك ويبعث على الخوف ولا يترك أساساً لعلاقة سويّة بين الناس.
ومن غرائب ما تقرأ عن تأويل عبارات بعض من يبدو في ظاهرها الكفر، أن من حكم الشيخ إبن تيمية بكفره كابن عربي يغدو كافراً ولا يجرؤ أحد على مخالفة رأيه، حتى وإن فهم عبارات إبن عربي بغير الطريقة التي فهمها الشيخ، ولكنه لا يريد أن يباين الحكم عليه حتى لا تنطبق عليه قاعدة (من لم يكفّر كافراً فهو كافر).
ولابد، رغم ذلك كله، من إنصاف الأزرق في بعض الآراء التي خالف فيها التيار الوهابي العام، كقوله بأنه (ليس لزاماً علي أن أكفّر من تكفر أو يكفّره فلان أو أن أبحث في كفره أصلاً)، وكذلك قوله: (ولم يكلفني الشارع بالجلوس على منصة عالية ومن ثم الحكم على فلان أو علان، ولا أظن أن معك دليل يلزم بالنظر في أقوال البشر ومن ثم الحكم عليهم!)(1).
على الضد من الأزرق، كتب د. عمر المقبل، مقالة بعنوان (بل هم كفّار)، حمل فيها على من أسماهم (النخبة المثقفة)، في بلاده، لأنهم عارضوا الإسراف في التكفير من قبل علماء الوهابية، الذي دافع عنهم واعتبر التكفير موضوع اختصاص ومن (القضايا الكبار التي لا يتجشمها إلا كبار أهل العلم،الذين رسخوا فيه، وأمضوا زهرة أعمارهم في تحصيله ومدارسته، كقضايا التكفير..).
المقبل وفي رد فعل على تناول الكتّاب المحليين لمسألة التكفير بعد الحادث عشر من سبتمر وكيف ساهمت في التشيجع على العنف والتطرف الديني. وقد حظيت مقالات الكتّاب شعبية واسعة كما يعترف المقبل نفسه حين قال (كان الناس مغرمون بكل جديد، ومولعون بكل غريب..). ومن بين القضايا التي صارت موضع اهتمام الكتّاب قضية التكفير، التي اعتبر المقبل سوء استخدامها (من أكبر أسباب الشطط والانحراف في الكتابة في هذا الموضوع).
قضية التكفير، أو قضية (الأسماء والأحكام) بحسب الإصطلاح الشرعي، والمتعلّقة بـ (الايمان والتكفير والتفسيق)، تتبوأ موقعاً مركزياً في الأدبيات الوهابية. ولا يتردد المقبل في استعادة المقولات التكفيرية الراسخة: المؤمن من حكم الله عليه ورسوله بالإيمان، والكافر من كفّره الله ورسوله. ولكن كيف نعرف ذلك؟ إن كان الأمر متوقفاً على الأسماء، فليس هناك قائمة بأسماء من كفّره الله ورسوله، وإن كان بالأفعال فمن يقول أن الفهم الوهابي للنص الديني وحده الذي يسبغ على الأفعال صفة الإيمان أو صفة الكفر.
لاريب أن المقبل يستعير من المنظومة العقدية الوهابية مفاهيم الإيمان والكفر التي لا تصلح لسوى الله سبحانه وتعالى، فإن كان الله ورسوله قد حكما على شخص بالإيمان أو بالكفر، فهل منح المؤمنين علماً تفصيلياً بهم، سوى ما أفصح القرآن الكريم عن نماذج منهم. يقول المقبل بأن الحكم بالكفر والايمان وتنزيلها على الأعيان يرد الى (الراسخين في العلم، وليس لآحاد الناس)، ولكن لحظنا في مواقع سابقة بأن العامي وطالب العلم قد يحكمان أيضاً بإيمان فرد أو كفره، كما لفت العلي والأزرق، بل هناك أمثلة جمّة في هذا الصدد.
عودٌ إلى حملة المقبل على النخبة المثقّفة، حيث أن مبرر حملته هو أن الأخيرة عارضت استعمال التكفير بطريقة مبتذلة. كتب المقبل: (وأصبح هؤلاء المنهزمون يتحاشون وصف غير المسلمين بالكفر..)، ويضيف: (ولم يعرف هؤلاء أو تجاهلوا أن تسمية أتباع الملل الأخرى بـ”الكفار” يتضمن في دلالته الحكمَ على دياناتهم بالبطلان، في حين أن تسميتهم بـ”غير المسلمين” أو “غير المؤمنين”لا يتضمن هذه الدلالة الشرعية المهمة!).
ولنا وقفة تأمل هنا عند هذا المصطلح (غير المسلمين) أو (غير المؤمنين) وضرورة بيان الخطأ الذي وقع فيه الحشويون الذي يقرؤون آيات القرآن الكريم دون تدبّر. المقبل طبّق مفردة الكفّار على أهل الكتاب دون تمعّن ولا تأمّل، كاستعماله آية من سورة البيّنة (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شرّ البرية). ولو تأمّل المقبل قليلاً في الآية، لما توصّل الى القول بأن (أطلق الله ـ تعالى ـ وصف الكفر على الوثنيين وأهل الكتاب، فهم في مقابل المسلمين كفارٌ بلا ريب..). ولو صحّ مثل هذا الفهم لما كان ثمة حاجة الى عبارة (الذين كفروا من) ولبدأت الآية على الفور بـ (أهل الكتاب والمشركون في نار جهنم) باعتبارهم كفّاراً، ولكن الآية المباركة دقيقة في تحديد بعض أهل الكتاب بأنهم كفروا (الذين كفروا من أهل الكتاب..). بل هناك آيات تمدح النصارى في نفس الآية التي تذم اليهود (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدّن أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون).
ونجد وصفاً لأتباع المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) في القرآن الكريم (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة)، وجاء ذلك لتتطابق مع آية أخرى (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين). وفي آيات أخرى دلائل عظيمة ودقيقة كقوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب)، وقوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين، أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم..) الخ الآيات (القصص 52 ـ55).
فهذه الأحوال إنما ذكرت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي سمح لوفد نصارى نجران وكان مؤلّفاً من 70 رجلاً، حضروا المسجد النبوي وكان رسول الله صلى الله عليه والصحابة، وطلبوا الصلاة فيه فأذن لهم ومنع الصحابة من اعتراضهم فلم يمنعهم من دخول مسجده أو يأمرهم بالدخول في الإسلام، بل أحسن معاملتهم، وخاطبهم بودّ ورحمة، لأنه نبي الرحمة (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)(2).
العهد النبوي للنصارى

ولأولئك الذين قالوا بأن حدث ذلك بغرض تقريب النصارى واستمالتهم، فإنَّ كتاب العهد الذي وقّع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران وعموم النصارى ينفي ذلك، بدليل ما اشتمل عليه العهد نفسه. وننقل هنا نص العهد من أجل دعوة القارىء الكريم للتأمل في أبعاده ومضامينه البعيدة والعظيمة، ومن أجل المقارنة بينه وبين الأحكام الصادرة عن الذين يزعمون بأنهم يقتفون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنّته، وأحكامه.
فقد جاء في نص العهد ما يلي: (بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب كتبه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، رسول الله إلى الناس كافة، بشيراً ونذيراً، ومؤتمناً على وديعة الله فى خلقه، (ولئلاّ يكون للناس على الله حُجة بعد الرسل والبيان وكان عزيزاً حكيماً) للسيد إبن الحارث بن كعب، ولأهل ملّته، ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية فى شرق الأرض وغربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وأعجمها، معروفها ومجهولها، كتاباً لهم عهداً مرعياً، وسجلاً منشوراً، سنّة منه وعدلاً، وذمة محفوظة، من رعاها كان بالإسلام متمسكاً، ولما فيه من الخير مستأهلاً، ومن ضيّعها ونكث العهد الذى فيها، وخالفه إلى غيره، وتعدّى فيه ما أقرت، كان لعهد الله ناكثاً، ولميثاقه ناقضاً، وبذمته مستهيناً، وللعنته مستوجباً، سلطاناً كان أو غيره، بإعطاء العهد على نفسى، بما أعطيهم عهد الله وميثاقه، وذمة أنبيائه وأصفيائه، وأوليائه من المؤمنين والمسلمين، فى الأولين والآخرين: أن أحمى جانبهم، وكنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم، ومواضع الرهبان، ومواطن السياح، حيث كانوا من جبل أو واد، أو مغار، أو عمران أو سهل، أو رمل، وأن أحرس دينهم وملتهم أينما كانوا، من برّ أو بحر، شرقا وغربا، بما أحفظ به نفسى وخاصتى، وأهل الإسلام من ملّتى، وأن أدخلهم فى ذمتي وميثاقي وأماني، من كل أذى ومكروه أو مؤونة، أو تبعة، وأن أكون من ورائهم، ذاباً عنهم كل عدو، يريدني وإياهم بسوء، بنفسى، وأعوانى، وأتباعى، وأهل ملّتى. ولا نغير أسقفاً عن أسقفيته، ولا راهباً عن رهبانيته، ولا سائحاً عن سياحته، ولا هدم بيت من بيوت بيعهم، ولا إدخال شيء من بنائهم فى شيء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين، فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله، وحاد عن ذمة الله، وأن لا يحمل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبّد منهم، أو لبس الصوف، أو توحّد في الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئاً من الجزية أو الخراج، ولا يجبر أحد ممن كان على ملّة النصرانية كرهاً على الإسلام، ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هى أحسن، ويخفض لهم جناح الرحمة ويُكفّ عنهم أذى المكروه حيث كانوا، وأين كانوا من البلاد. وإن أجرم أحد النصارى، أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره، والمنع والذود عنه، والدخول فى الصلح بينه وبين من جنى عليه. ولا يُرفضوا، ولا يُخذلوا، ولا يُتركوا هُمَّلاً، لأني أعطيتهم عهد الله على أنّ لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم، وفيما عليهم. ولا يحملوا من النكاح شططا لا يريدونه، ولا يكره أهل البنت على تزويج المسلمين، ولا يضاروا فى ذلك إن منعوا خاطباً وأبوا تزويجاً، لأن ذلك لا يكون إلا بطيبة قلوبهم، ومسامحة أهوائهم، إن أحبوّه ورضوا به. إذا صارت النصرانية عند المسلم، فعليه أن يرضى بنصرانيتها، ويتبع هواها فى الاقتداء برؤسائها، والأخذ بمعالم دينها، ولا يمنعها من ذلك، فمن خالف وأكرهها على شيء من أمر دينها، فقد خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله، وهو عند الله من الكاذبين. ولهم إن احتاجوا فى مرمّة بيعهم وصوامعهم، أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد من المسلمين وتقوية لهم على مرّمتها، أن يُرفدوا علي ذلك ويعاوَنوا، ولا يكون ذلك ديناً عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء بعهد رسول الله موهبة لهم، ومنّة لله ورسوله عليهم. ولهم أن لا يُلزم أحد منهم بأن يكون فى الحرب بين المسلمين وعدوهم، رسولاً، أو دليلاً، أو وناً، أو عيناً، ولا شيئاً مما يُساس به الحرب، فمن فعل ذلك بأحد منهم، كان ظالماً لله ولرسوله عاصياً، ومن ذمته متخلياً، ولا يسعه فى إيمانه إلا الوفاء بهذه الشرائط التى شرطها محمد بن عبدالله رسول الله لأهل ملّة النصرانية. واشترط عليهم أموراً ألا يكون أحد منهم عيناً ولا رقيباً لأحد من أهل الحرب على أحد من المسلمين في سرِّه وعلانيته، ولا يأوي منازلهم عدواً للمسلمين، ولا ينزلوا أوطانهم ولا ضياعهم ولا في شيء من مساكن عبادتهم ولا غيرهم من أهل الملّة، ولا يرفدوا أحداً من أهل الحرب على المسلمين بتقويته بسلاح ولا خيل ولا رجال ولا غيرها، ولا يصانعوهم، وأن يُقْروا من نزل عليهم من المسلمين ثلاثة أيام بلياليها في أنفسهم ودوابِّهم، يبذلون لهم القِرى الذي منه يأكلون، ولا يكلَّفوا بغير ذلك، وإن احتيج إلى إخفاء أحد من المسلمين عندهم في منازلهم ومواطن عباداتهم أن يؤوهم ويرفدوهم ويواسوهم في عيشهم ما كانوا مجتمعين، وأن يكتموا عليهم، ولا يظهروا العدّو على عوراتهم ولا يخلوا شيئاً من الواجب عليهم. ومن نكث شيئاً من هذه الشرائط وتعدّاها إلى غيرها فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله وعليهم العهود والمواثيق التى أُخذت عن الرهبان وأخذتها، وما أخذ كل نبي على أمته من الأمان والوفاء لهم وحفظهم به، ولا يُنقض ذلك ولا يتغير حتى قيام الساعة). وشهد على هذا الكتاب الذى كتبه محمد بن عبدالله بينه وبين النصارى: عتيق بن أبى قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبى طالب، وأبي ذر، وأبوالدرداء، وأبوهريرة، وعبدالله بن مسعود، والعباس بن عبدالمطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وثُمامة بن قيس، وزيد بن ثابت، وولده عبدالله، وحرقوص بن زهير، وزيد بن أرقم، وأسامة بن زيد، وعمار بن مظعون، ومصعب بن جبير، وأبوالغالية، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبوحذيفة، وخوات بن جبير، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن خُفاف، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وجعفر بن أبى طالب.
لاريب أن من يقرأ هذا النص العظيم سيصاب بالدهشة، لأن محتويات العهد تخالف تماماً كل ما صدر من فتاوى ومادرج عليه العامة وطلبة العلم وبعض العلماء في توصيف أهل الكتاب، باعتبارهم كفّاراً، وما يترتب على ذلك من أحكام لاتمثّل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعاليمه. فالعهد النبوي أعلاه يؤسّس بل يؤصّل لحرية الاعتقاد وصونه، بل يعتبر العهد دليلاً راسخاً وعميقاً على أن الإسلام إنما جاء لحماية المعتقدات والأديان التوحيدية كافة، وصون أتباعها من كل ما قد تتعرض له من أخطار محدقة بهم لكونهم من هذه الديانة أو تلك. بل أرسى العهد أساساً حقوقياً متيناً حين جعل من بيوت المسلمين مأوى لكل أتباع الديانات الأخرى من أن يصيبها مكروه أو أذى من أحد من المسلمين أو من سواهم، ولم يقتصر الإيواء على الأنفس والأرواح بل تعدّى ذلك الى الممتلكات والأعراض.
إن تأكيد العهد النبوي على المسلمين بأن يعوا ويحفظوا كل ما جاء فيه وأن يرعوه حق الرعاية، ويعملوا بكل ما ورد فيه، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط نكث العهد ببراءة الذمة من الله ورسوله، تغليظاً في عظمة العهد، وتشديداً على خطره، حتى عدّ من خالف العهد إنما نكث عهد الله ورسوله وهو من الكاذبين. ثم إن الشهود على العهد، وهم كبار الصحابة والصفّ الأول في مجتمع المسلمين، لدليل أضافي على أن الأمر لم يكن عادياً، ويكفي أنه وضع معياراً لامتثال المسلم لحقيقة الإيمان بالله ورسوله وملائكته وأنبيائه وكتبه.
وبحسب قراءة أمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي محمد السمّاك، أن العهد لم يكن للنصارى حصراً، وإنما للمسيحيين عموماً، والأمر الثاني أن الإلتزام الإسلامي بنص العهد لم يعد محدداً بمسلمي الفترة الزمنية التي صدر فيها (ولكنه نصّ ملزم لكل المسلمين في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة). واستند السمّاك في رأيه على ماجاء في المقدمة (هذا كتاب أمان من الله ورسوله، للذين أوتوا الكتاب من النصارى، من كان منهم على دين نجران، وإن على شيء من نحل النصرانية، كتبه لهم محمد بن عبدالله، رسول الله الى الناس كافة؛ ذمة لهم من الله ورسوله). وكذلك الفقرة (إنه عهد عهده الى المسلمين من بعده. عليهم أن يعوه ويعرفوه ويؤمنوا به ويحفظوه لهم، ليس لأحد من الولاة، ولا لذي شيعة من السلطان وغيره نقضه، ولا تعديه إلى غيره، ولا حمل مؤونة من المؤمنين، سوى الشروط المشروطة في هذا الكتاب. فمن حفظه ورعاه ووفى بما فيه، فهو على العهد المستقيم والوفاء بذمة رسول الله. ومن نكثه وخالفه الى غيره وبدله فعليه وزره؛ وقد خان أمان الله، ونكث عهده وعصاه، وخالف رسوله، وهو عند الله من الكاذبين)(3).
في بحث موسّع بعنوان (حتى لا تبوء بها) للشيخ عبد الرحمن السحيم، والذي نشر في منتديات (مشكاة الإسلامية)، بعنوان (والله لا يغفر الله لفلان)، معالجة لمسألة التكفير. ورغم ما توهم المقدمة من أن السحيم يعارض المسارعة في التكفير، والجرأة عليه إلا أنه لا يلبث أن يتعثّر بالأسس الوهابية في الايمان والكفر. لفت السحيم الى مشاهدة له بقوله (هالني أنني جلست إلى شاب يدرس في المرحلة الثانوية، زاده من العلم: قيل وقال! ولا يظهر عليه أثر علم ولا التزام سنّة، رأيته يخوض في مثل هذه المسائل ـ أي مسائل التكفير ـ التي لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر!). هذه المشاهدة، كما هو واضح، تثير سؤالاً من نوع آخر، يتعلّق بمصادر التثقيف، والتوجيه الديني التي تربى عليها هذا الشاب وغيره من الشباب ودفعته لتداول أمر خطير وعظيم كالتكفير وبطريقة عادية وشعبوية.
أسئلة بالغة الجديّة يطرحها السحيم: من يحكم على مسلم بالخلود في النار؟ ويخلص بجملة عظيمة: من يحمل راية التكفير الواسعة يستطيع أن يقول ذلك، بل لا بُـدّ أن يقول ذلك!، ويمضي في خلاصاته: ومن يجرؤ على التكفير أو يتساهل في أمره فهو واقع في ذلك لا محالة!. ويفصّل السحيم في ذلك بحسب الترتيب المنطقي الوهابي: (إذا حكم على مُعيّن بأنه كافر فقد حكم بأن الله لا يغفر له، وقد قال بلسان حاله – إن لم يكن بلسان مقاله -: والله لا يغفر الله لفلان!).
ما يثير في عرض السحيم هو في ما يخلص إليه، حين يفطن إلى ما قد يفهم من كلامه أنه متسامح دينياً، ولذلك ما يلبث أن ينبّه قارئه السلفي/الوهابي حصراً، والذي كما يبدو قد خصّه السحيم بكلامه في البحث، كقوله (وبعد هذا لا يُظنّ أنني أدافع عن أئمة الكفر، ولا أنافح عن أهل الظلم والجور، فلكل نظام وزارة أعلام!) ثم يمضي في لغة مدقعة (ولا أقصد الذين بدّلوا نعمة الله كفرا، وبدّلوا شرعه دساتير من زبالة أفكار الكفّار! ولا أعني الذين يُوالون الكفّار جملة وتفصيلاً). إذاً ما الهدف من كل ما عرضه السحيم سابقاً؟!
السحيم كما يبدو يحاول أن يمسك العصا من وسطها، فهو لا يريد أن يعتنق مبدأ التسامح الديني، حتى لا يقال عنه بأنه متساهل في دين الله، وممالىء لأهل البدع والكفر والضلال، وفي الوقت نفسه لا يريد أن يميل كل الميل مع التكفيريين، كما يوضّح ذلك في المقارنة بين شخص يتحدّث في مسألة يقال له إذا جانب الصواب: أخطأت، وشخص آخر يتحدث في ذات المسألة فإذا جانب الصواب قيل له: كفرت.
وبخلاف المتمسّكين بمبدأ تكفير الكافر، فإن السحيم ينصح أهل دعوته بما نصّه: (أخي: لن تسأل في قبرك إلا عن هذا الرجل الذي بعث فيكم. ما تقول فيه؟ ويوم القيام تُسأل في خاصة نفسك وعن من ولاّك الله عليهم. فدع عنك هذا الأمر فالسلامة لا يعدلها شيء)(4).
من الآراء الملفتة للسحيم هو تقسيمه القوانين إلى: قسم يوافق الشريعة، وقسم يخالف الشريعة، وقسم لا يخالف ولا يوافق، وقد أجاز الصورتين الأولى والثالثة، واجتهد في الصورة الثانية (القوانين المخالفة للشريعة)، والتي قال بأنها محل النظر، مثل المحاكمات العسكرية، بحسب رأيه، وقال بأن (ليس كل حاكم خالف حكماً شرعياً يكون به كافراً) واستند في ذلك على كلام إبن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية. وأورد كلاماً لافتاً (فلو علِم الحاكم حكم الله ثم عدل عنه في قضية أو في مسألة فلا يكون كافراً كفراً يُخرج عن الملّة). ويضرب مثالاً بالقاضي الذي يعلم بحكم الله عز وجّل ثم يعدل عنه ماحاباة لشخص أو خوفاً من آخر، فإنه لا يكفر بهذا الفعل. ولكن السحيم تعثّر في هذه المسألة بالنهج الوهابي في تقسيم الكفر الى أكبر وأصغر، واعتبر فعل القاضي من باب (الكفر الأصغر، إلا أنه لا يخرجه ذلك عن الملّة).
الغريب في تسامح السحيم ما قاله في مثال الحجاج بن يوسف الثقفي وما اشتهر عنه من سفك الدماء، بل سفك دماء بعض الصحابة مثل عبد الله بن الزبير، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وغيرهم الكثير من الصحابة والعلماء، وفي قضية سفك دماء هؤلاء الأعلام يعدل فيها عن شرع الله إلى رأيه وحكمه ومجونه وجنونه، والصحابة متوافرون (ومع ذلك لم يحكموا بكفره، وإن سموّه ظالماً، أو قالوا عنه: خبيثاً، ونحو ذلك، إلا أنهم لم يكفِّروه). ولكن في المقابل، مابال علماء الوهابية ومشايخها المعاصرين قد تساهلوا في إطلاق حكم التكفير حتى بلغ من فرط استعماله أن خرجت طوائف لا حصر لها من دائرة الإسلام، بل أغلبية المسلمين صاروا بحسب المعايير الوهابية في مكان هم للكفر أقرب منهم للإيمان، مع أنّهم لم يفعلوا معشار بل دون ذلك بكثير مما فعله الحجّاج!
من وجهة نظر السحيم، فإن أفعال الكفر لا تكّفر صاحبها، سواء علم بذلك أم لم يعلم، فليس كل من فعل الكفر يعتبر كافراً. بل السحيم عقد موازنة بين آيتين في القرآن الكريم، غالباً ما يرجع علماء الوهابية إليهما في مقاربة مسألة الولاء والبراء. الآية تقول (يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنه منهم)، وقد استخدمت الآية في التدليل على تكفير من يوالي الكفّار، ولكن السحيم يرد على أصحاب هذا الرأي بآية أخرى غفل عنها التكفيريون كقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). فالله عزّ وجل أمر بالإحسان إلى طائفة من الكفار. ولعل أبلغ كلام في هذا المجال ما ورد في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينهر خالد بن الوليد عن ضرب عنق من اعتقد أنه موالٍ للكفار، فأجابه نبي الرحمة (إني لم أؤمر أن أنقّب قلوب الناس، ولا أشق بطونهم).
في تواصل مع ردود على ما يعتبره شبهات في التكفير، ردّ السحيم على القائلين بأن تصريح الربا وتشريع أبواب البنوك الربوية وما يدخل في باب استحلال ما حرّم الله بأنه كفر صريح. ولكن السحيم يفصل بين فعل الإنسان للمعاصي والموبقات التي لا تخرجه من الإسلام إلا بعد استحلالها، أي الفرق بين العمل بها واستحلالها، فقد يعمل المرء عملاً كفرياً ولكن لا يعتقد بحليّته. ويعتبر هذا الفصل بين الفعل الكفري والإعتقاد بحليّته جديد في العقل التيولوجي الوهابي، وإن كتاب (تحكيم القوانين) للشيخ محمد بن ابراهيم، والشروحات اللاحقة التي جاءت عليه لا تنتصر لمثل هذا الرأي المتسامح.
السحيم الذي يبدو أنه يرد على كتاب (الكواشف الجليّة في كفر الدولة السعودية)، يعرض كل الشبهات التي تناولها الكتاب لإثبات خروج الدولة السعودية عن خط الإسلام. فإضافة الى الشبهات سالفة الذكر، فإنه عرض شبهات أخرى وردت في (الكواشف الجليّة..)، مثل اللجوء الى محكمة العدل الدولية، والإنضمام الى هيئة الأمم ومجلسي الأمن (وهم يحكمون بغير ما أنزل الله). وردّ على ذلك بأن اللجوء الى تلك المؤسسات لم يكن طوعيّاً، بل قد يكون قهرياً، تماماً كما في حال أقيمت دعوى ضد مسلم في بلاد الغرب، التي تحكّم قوانين غير إسلامية، فهل يرفض المثول أمام قاضي المحكمة بحجة أنها محاكم دول كافرة!
وخلافاً للتقسيم الشائع في الأدبيات الوهابية، والتي غالباً ما تبدأ به أبحاثهم في التكفير، فإن السحيم يرد على شبهة تقسيم الناس الى فريقين: مؤمنين وكفّار، وعليه فإن الناس إما يوالون المؤمنين فهم منهم، وإما يوالون الكفّار فهم منهم. ويعلّق السحيم (ونسي هؤلاء أن ثمة فريقاً ثالثاً، وهم المنافقون). وينقل عمّا رواه مسلم عن المنافق والذي قال عنه بأنه (كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة). فقد اعتبر السحيم وجود فئة المنافقين حائلاً أمام التسرّع في اطلاق صفة الكفر فقد يصدق عليهم صفقة النفاق وليس الكفر، مع أن المنافقين لهم حالات تنتقل بهم بين الكفر والايمان.
أفرد السحيم مساحة لمن قال بوجوب تكفير من لم يحكم بما أنزل الله، أو من والى الكفّار، من باب تحقيق التوحيد بالكفر بالطاغوت إستدلالاً بقوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها). ولكن حين رجع الى أقوال ابن جرير وابن كثير في معنى الطاغوت لم يجد من بينها تكفير المرتد أو البراءة من الحكّام. وخلص السحيم من الغموض والخلاف الذي وقع بين كبار الصحابة حول المرتدّين والموقف العملي منهم، إلى (أن المسلم ليس ملزماً بتكفير مسلم كائناً من كان). فهل يا ترى يأخذ هذا الرأي طريقه الى سلوك العلماء وطلبة العلم والعامة، أم أن ثمة فصلاً بين ماهو نظري والموقف العملي من كل مختلف.
شيوخ التكفير

مصطلح ظهر بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ويقصد به رجال الدين الوهابيين الذين انبروا لمهمة الإفتاء في الشؤون الدينية ذات الطابع السياسي، وشكّلت فتاواهم الأساس الشرعي لبعض الأعمال المسلّحة في بلدان عدّة مثل العراق وأفغانستان وباكستان والهند والشيشان وروسيا وبريطانيا وأسبانيا والولايات المتحدة. ورغم أن التكفير عقيدة راسخة في الأدبيات الوهابية، وقد صنّفت رسائل وكتب وفتاوى في تأصيلها وتشريعها، ولكن منذ بروز التنظيمات السلفية المسلّحة المشتقة من تنظيم القاعدة بما فيها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، قبل أن يضمّ اليمن والسعودية بعد العام 2007، وتحديداً بعد مقتل قيادات التنظيم في الداخل، أصبحت فتاوى التكفير تأخذ طابعاً سياسياً، وتمثّل مادة التحريّض الرئيسية على النشاطات الجهادوية.
وفيما تبلورت صورة المشايخ التكفيريين المرتبطين بمشروع القاعدة، وهؤلاء في الغالب غير ظاهرين ويزاولون مهامهم بطريقة غير مشهودة، فيما تم إلقاء القبض على بعضهم ومازال يقبع في السجون السعودية مثل الشيخ سليمان العلوان، والشيخ ناصر الفهد، والشيخ علي الخضير، وغيرهم. في المقابل، هناك قائمة من مشايخ التكفير الذين يعتقد بأنهم أقرب الى الحكومة، وإن بدوا في الظاهر منفصلين عن مشروعها، ويقف على رأس هؤلاء الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، والشيخ ناصر العمر، والشيخ صالح الفوزان وغيرهم من الذين كان بعضهم مصنّفاً على مشايخ الصحوة، وبرزوا في تسعينيات القرن الماضي. وسنقوم بتسليط الضوء على فتاوى هذه الطبقة من مشايخ التكفير في الداخل والتي تزاول تكفيرها دون رادع قانوني، وذلك على النحو التالي:
1 ـ الشيخ البرّاك

الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البرّاك، يعتبر من صقور شيوخ التكفير، برز في مساجلات عديدة ويعتبر صاحب الفتاوى الأكثر إثارة للجدل، وهو ملهم لكثير من المشايخ القريبين والبعيدين من الحكومة.
وبخلاف قراءة السحيم، ومنافحته المحمولة على الرغبة في تبرئة ساحة المذهب الوهابي من تهمة التكفير، يقدّم الشيخ البرّاك، ومشايخ آخرين سنعرض لهم في أقسام لاحقة، مجموعة فتاوى مناقضة لكل ما قاله السحيم. وننقل هنا بعض الفتاوى من الموقع الرسمي للشيخ البرّاك:
ـ فتوى رقم 24695 بعنوان (حكم من لم يكفّر الخارجين عن شريعة الإسلام)، بتاريخ 7/3/1429هـ الموافق 14/3/2008، وجاء في سؤال الفتوى: شاع في كثيرٍ من الكتابات الصحفية جملةٌ من المخالفات الشرعية المصادمة لأحكام الشرع المطهَّر. وفي الفترة الأخيرة تجاوزت تلك الكتابات إلى المساس بقاعدة الدين ومفاهيمه الكبرى. فقد نشر بجريدة الرياض عدد (14441) مقالةٌ بعنوان : (إسلام النص، وإسلام الصراع)، قرَّر كاتبها أن من التشويه والتحريف لكلمة (لا إله إلا الله) القول باقتضائها الكفر بالطاغوت ونفي سائر الديانات والتأويلات، أو أن معناها : (لا معبود بحقٍ إلا الله). ونشر بالجريدة نفسها في العدد (14419) مقالةٌ بعنوان : (الآخر في ميزان الإسلام) قرَّر كاتبها أن الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها. وزعم أن دين الإسلام ـ خلافاً لرأي المتشددين ـ لا يكفر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من الناجين.
فأجاب الشيخ البرّاك بما نصّه:
(أخذ العلماء أن من نواقض الإسلام اعتقادَ أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب عليهم اتباعه، فهو كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).
وبهذا يتبين أن (من زعمَ أنه لا يكفرُ من الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، إلا من حاربه) ، أو زعم (أن شهادة ألا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفيَ كلِّ دينٍ غير دين الإسلام مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين) فإنه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام. فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون. فنعوذُ بالله من الخذلان وعمى القلوب، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور(5).
ـ فتوى رقم 19072 بعنوان (التفريق بين أهل الكتاب والمشركين) بتاريخ 18/2/1428هـ الموافق 7/3/2007، وجاء في سؤال الفتوى: ..فهل وصف المشركين لا ينطبق على أهل الكتاب؟ وما الفرق بين الكفّار والمشركين؟
وجاء في جواب الشيخ البرّاك ما نصّه (أما بعد ما بعث الله خاتم النبيين، فكل من لم يؤمن به من اليهود، والنصارى، وغيرهم فإنه كافر فإن مات على ذلك فهو من أهل النار، ولا ينفعه انتسابه لشريعة التوراة، أو الإنجيل، وقد انضاف كفرهم بتكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما ارتكبوه من أنواع الشرك..
فتبين مما تقد(م) أن اليهود، والنصارى، وسائر المشركين من عبدة الأوثان والمجوس كلهم كفار من مات منهم على كفره، فهو في النار، وأنهم جميعا مدعوون إلى الإيمان بالقرآن، وبالرسول الذي جاء بالقرآن ومأمورون باتّباعه عليه الصلاة والسلام فإن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الناس من الكتابيين، والأميين..(6).
ـ فتوى رقم 12912 بعنوان (الإحتفاظ بالإنجيل)، بتاريخ 11/10/1426 هـ الموافق 13/11/2005، وجاء في سؤال الفتوى: هل يجوز الإحتفاظ بالإنجليل أو إهدائه إلى أحد النصارى؟
أجاب الشيخ البرّاك بما نصّه:
..فلا يجوز للمسلم إقتناء شيء من هذه الأناجيل ولا التوراة ولا إهداؤه إلى النصارى؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، فإن دين النصارى باطل وهم كفّار بشركهم وبما يعتقدونه في المسيح وأمه..(7).
ـ فتوى رقم 11637 بعنوان (موادة الكافر هل تحرم مطلقاً؟)، بتاريخ 23/5/1426هـ الموافق 30/6/2005 وجاء في سؤال الفتوى:
يقول الله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم...) فهل تعني هذه الآية أننا يجب ألاَّ نكن أي عاطفة لأقاربنا من غير المسلمين، حتى ولو كان عندهم إهتمام بالإسلام، ولا يعادون إيماننا؟ أم أن هناك فرقاً بين العاطفة الفطرية والعاطفة بسبب الإيمان؟ هل يكون من الجائز للمسلم أن يكره كفر أقاربه، ومع ذلك يبقى لديه نوع من العاطفة الفطرية نحوهم؟ هل مثل هذه العاطفة تخرج المسلم من الملة؟ أرجو توضيح الأمر.
أجاب الشيخ البرّاك بما نصّه:
الواجب على من منّ الله عليه بالإسلام والإيمان والتوحيد أن يبغض الشرك وأهله، فإن كانوا محاربين فعليه أن يعاديهم بكل ما يستطيع، وإن كانوا مسالمين للمسلمين فيجب بغضهم على كفرهم ومعاداتهم لكفرهم..(8).
ـ فتوى رقم 11185 بعنوان (الحكم على من مات من الكفار بالنار) بتاريخ 23/2/1426هـ الموافق 3/4/2005، وجاء في سؤال الفتوى: وما رأيكم في من إذا ذكر له أن أحد النصارى قد مات كان تعليقه: (هو كافر في النار لا رده الله). أو: زادت النار شخصاً بموته؟.
وجاء في جواب الشيخ البرّاك ما نصهّ:
معلوم بالضرورة من دين الإسلام أن اليهود والنصارى كفار، واليهود والنصارى المعاصرون سبيلهم سبيل أسلافهم بالكفر والشرك، وعداوة الأنبياء، ولو سلموا من كل أنواع الكفر لكفاهم كفرًا وبعدًا عن رحمة الله تكذيبهم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن مات منهم على ذلك فهو في النار.
فيجب على كل مسلم اعتقاد كفر اليهود والنصارى، وأن من مات منهم ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم- فهو في النار خالداً مخلّداً فيها، ومن لم يقرّ بذلك من المسلمين، بل زعم أن اليهود والنصارى على دين صحيح، فإنه كافر مرتد بذلك عن دين الإسلام، ولو زعم أنه مسلم، ولكن لا يشهد على معيّن ممن مات منهم بأنه في النار لعدم العلم بحقيقة أمره وبما مات عليه، ولكن من علم منهم بكثرة الفساد والطغيان، وشدة الكفران، فإنه يجوز لعنه والدعاء عليه بالنار، والبعد عن رحمة الله، فما ذكر في السؤال يجوز في هذا النوع من الكفار ممن اشتهر بالشر واشتدت عداوته للإسلام والمسلمين(9).
ـ فتوى بعنوان (ماحكم التقريب بين أهل السنة والشيعة الرافضة؟) وجاء في جواب الشيخ البرّاك:
السنة والرافضة مذهبان متناقضان وطائفتان مختلفتان ومذهبهما ضدان لا يجتمعان.. والدعوة إلى التقريب بين السنّة والرافضة يشبه الدعوة إلى التقريب بين النصرانية والإسلام، ومعلوم أن الكفر والإسلام ضدان لا يجتمعان وكذلك السنة والبدعة، ومعلوم أن طائفة الرافضة هم شر طوائف الأمة؛ فقد جمعوا إلى أصولهم الكفرية أصول المعتزلة وشر ما تقوم عليه الصوفية، وهو الشرك بالقبور، فمذهب الرافضة يقوم على الغلو في أئمتهم وعلمائهم، ومن مظاهر هذا الغلو بناء المشاهد على قبورهم، والحج إلى تلك المشاهد وفعل مناسك تشبه مناسك الحج إلى بيت الله الحرام، فالذي يدعو إلى التقريب بين السنة و الشيعة إما جاهل بحقيقة المذهبين، وإما متجاهل مغالط، والغالب على دعاة التقريب من الشيعة التلبيس والمغالطة، وأما دعاة التقريب من أهل السنة ففيهم المخدوعون، الذين يظنون أن الخلاف بين السنة والشيعة من جنس الخلاف بين المذاهب الفقهية، كالحنبلية والشافعية والمالكية والحنفية(10).
ـ فتوى رقم 25206 بعنوان (دفع الزكاة لعوام الرافضة) بتاريخ 9/4/1429هـ الموافق 15/4/2008، وسؤال الفتوى: هل يجوز دفع الزكاة لعوام الرافضة وليس لعلمائهم؟
فجاء في جوابه ما نصّه:
..والمراد فقراء المسلمين، والواجب على من أخرج الزكاة أن يتحرى لها الموضع الذي يطمئن إليه قلبه، يتحرى فيها من كان أحوج ومن كان أتقى لله..وأما فقراء الرافضة فإني لا أحب للإنسان من أهل السنة أن يدفعها إليهم؛ لأن بدعة الرافضة بدعة مغلظة، ودينهم يقوم على الشرك والغلو في أهل البيت، وإن كان أكثرهم يستخفون بذلك ويستترون به، لكن هذا هو المعروف من حالهم..(11).
ـ فتوى رقم 25152 بعنوان (كيف أتعامل مع جاري الرافضي) بتاريخ 18/6/1429هـ الموافق 22/6/2008، والسؤال يدور حول كيفية التعامل مع مسلم شيعي من الطائفة الاسماعيلية في نجران، وبحسب السائل: هل أعامله معاملة المسلم العاصي؟ أو معاملة الذمي، مثل اليهود والنصارى، أو مثل عامة الكفار؟ وهل الشيعة كفار في الظاهر؟
وجاء في جواب البرّاك:
صاحبك - أيها السائل - هو رافضي؛ لأن الرافضة هم الذين يسميهم الناس بالشيعة، ومن أصول مذهب الرافضة التقية، وهي إخفاء أصولهم الكفرية إلا في الأحوال التي يأمنون فيها، وفيما بينهم يبوحون بمعتقداتهم، فمذهب الرافضة قائم على النفاق، ولهذا أقرب ما ينبغي أن يعاملوا به معاملة المنافقين والله سبحانه وتعالى أجرى على المنافقين في الدنيا أحكام المسلمين؛ لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، فمن أظهر كفره ظهر نفاقه وزندقته، كذلك الرافضة من باح وأعلن شيئاً من أصوله الكفرية وجب أن يقام عليه حكم الله، ومن تستر والتزم بمذهبه في التقية، فإنه يعامل في الظاهر معاملة المسلمين من العصاة ، أو المبتدعة، وهم مبتدعة يجب أن يؤمروا بشرائع الإسلام كالصلاة مع الجماعة، ويمنعوا من إظهار بدعهم، ولا يجوز للمسلم أن يتخذ المبتدع - خصوصاً الرافضي - صديقاً وجليساً، ولكن من تظاهر منهم بالاعتزاز بمذهبه، والطعن في أهل السنة فيجب أن يعامل بالهجر والإهانة، ومن تستّر فإنه يعامل معاملة سائر المسلمين مع الحذر وترك المجالسة له والمصادقة(12).
ـ فتوى رقم 18080 بعنوان (تكفير عوام الرافضة) بتاريخ 26/11/1427هـ الموافق 17/12/2006، وجاء في فحوى السؤال أن تكفير عقيدة الشيعة هل يعني تكفير عامة جهّالهم الذين يضلّلون من قبل أئمتهم، وفي حال نصحوا وبيّن لهم وأقيمت عليهم الحجة ولم يرجعوا عن تلك العقيدة الفاسدة وجب تكفيرهم، وفي الأخير: هل الجاهل منهم معذور بشركه؟
فأجاب البرّاك بما نصّه: الرافضة الذين يسمون أنفسهم الشيعة ، ويدعون حب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، هم شر طوائف الأمة.. وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين، وإذا أظهروا الإسلام وكتموا اعتقادهم كانوا منافقين، وهؤلاء من غلاة طوائف الرافضة الذين قال فيهم بعض العلماء : إنهم يظهرون الرفض ، ويبطنون الكفر المحض.. الرافضة في جملتهم هم شر طوائف الأمة.. هذا واقع الرافضة الإمامية الذين أشهرهم الإثنا عشرية فهم في الحقيقة كفار مشركون لكنهم يكتمون ذلك.. أنهم كفار مشركون منافقون وهذا هو الحكم العام لطائفتهم، وأما أعيانهم فكما قرر أهل العلم أن الحكم على المعين يتوقف على وجود شروط، وانتفاء موانع، وعلى هذا فإنهم يعاملون معاملة المنافقين الذين يظهرون الإسلام.
ومن المعلوم أن أئمتهم، وعلماءهم هم المضلون لهم، ولا يكون ذلك عذراً لعامتهم لأنهم متعصبون لا يستجيبون لداعي الحق، ومن أجل ذلك الغالب عليهم عدواة أهل السنة.. ولهذا كان خطرهم على المسلمين أعظم من خطر اليهود، والنصارى لخفاء أمرهم على كثير من أهل السنة، وبسبب ذلك راجت على كثير من جهلة أهل السنة دعوة التقريب بين السنة والشيعة ، وهي دعوة باطلة. فمذهب أهل السنة ،ومذهب الشيعة ضدان لا يجتمعان، فلا يمكن التقريب إلا على أساس التنازل عن أصول مذهب السنة، أو بعضها، أو السكوت عن باطل الرافضة، وهذا مطلب لكل منحرف عن الصراط المستقيم ـ أعني السكوت عن باطله ـ كما أراد المشركون من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوافقهم على بعض دينهم ، أو يسكت عنهم فيعاملونه كذلك ، كما قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ..(13).
ـ فتوى رقم 19880 بعنوان (تكفير أعيان الإسماعيلية في عصرنا) بتاريخ 9/4/1428هـ الموافق 26/4/2007، وجاء في سؤال الفتوى: هل يجوز تكفير أعيان الإسماعيلية في عصرنا؟
فأجاب البرّاك بما نصّه:
..فأئمتهم كفار بأعيانهم، وكذا كل من عُلم منه أنه عارف بأسرار المذهب الباطني، ويَدين به فإنّه كافر، ولكن المذهب الباطني يقوم على النفاق؛ فأئمة الباطنية زنادقة ـ أي: ملاحدة منافقون ـ أذلّهم الله بعز الإسلام، والمسلمين، وفضحهم الله، وكشف أسرارهم، وكفانا الله شرهم، وطهر مجتمعات المسلمين منهم(14).
إضافة الى ما سبق، فإن البرّاك كفّر كاتبين بأعيانهم وهما عبد الله بن بجاد العتيبي ويوسف أبا الخيل، في رد فعل على مقالة للعتيبي بعنوان (إسلام النص وإسلام الصراع) نشرت في جريدة (الرياض) في عددها الصادر بتاريخ 7 كانون الثاني (يناير) 2008، ومقال آخر في الجريدة نفسها للكاتب يوسف أبا الخيل بعنوان (الآخر في ميزان الإسلام) نشر في 16 ديسمبر 2007. وقد سئل الشيخ البرّاك عن المقالتين، فطالب بمحاكمة كل منهما واستتابته، فإن لم يرجع كل منهما عن قوله (وجب قتله مرتدّا فلا يغسّل ولا يكفّن، ولا يصلّى عليه، ولا يرثه المسلمون).
إضافة الى ما سبق، فإن البرّاك كفّر كاتبين بأعيانهم وهما عبد الله بن بجاد العتيبي ويوسف أبا الخيل، في رد فعل على مقالة للعتيبي بعنوان (إسلام النص وإسلام الصراع) نشرت في جريدة (الرياض) في عددها الصادر بتاريخ 7 كانون الثاني (يناير) 2008، ومقال آخر في الجريدة نفسها للكاتب يوسف أبا الخيل بعنوان (الآخر في ميزان الإسلام) نشر في 16 ديسمبر 2007. وقد سئل الشيخ البرّاك عن المقالتين، فطالب بمحاكمة كل منهما واستتابته، فإن لم يرجع كل منهما عن قوله (وجب قتله مرتدّا فلا يغسّل ولا يكفّن، ولا يصلّى عليه، ولا يرثه المسلمون).
وكان بجاد قد كتب في مقالته رؤية عقدية مناقضة للرؤية الكلاسيكية النمطية في المدرسة الوهابية، ما يعتبر خروجاً رسمياً عن خط الإعتقاد العام. ذكر بن بجاد ما نصّه (أدخل المتصارعون في التراث الدين كأداة صراعٍ وسلّطوا عليه آليات تأويلية وتفسيرية تخدم هدف كل جهة من المتصارعين وكل جماعة من المتناحرين، وباختلاف الأهداف والغايات اختلفت التأويلات والتفسيرات.
وبما أنّ هذا الإسلام المباشر البسيط.. لا ينفع في الصراعات من حيث أنّه دينٌ متسامحٌ جاء “رحمةً للعالمين”، بما أنّه كذلك فقد اضطر المتصارعون إلى تجزئته وتقطيعه ومن ثمّ إعادة بنائه وتركيبه ضمن منظومة تضمن خدمة أهدافهم الصراعية، وتشكّلت على هذا الأساس “إسلاماتٌ” تعبّر عن رؤية كلّ فريقٍ وتثبّت نظرية كلّ طائفة). وساق مثالاً لا ينطبق إلا على المدرسة السلفية الوهابية كونها تستند زعماً على مبدأ التوحيد، وبّين بن بجاد كيف تمّت تجزئة الشهادة الأولى (أشهد ألا إله إلا الله) من أجل نفي إيمان وإسلام المرء (رأوا أنه يجب أن تتم تجزئتها إلى جزءين كحدٍ أدنى: الجزء الأول (لا إله) والجزء الثاني (إلا الله)، ثم تأتي مرحلة الشحن التأويلي ومرحلة التعبئة التفسيرية، فيكون الجزء الأول: (لا إله) المقصود به هو “الكفر بالطاغوت” ونفي جميع “الأديان” و”التأويلات” الأخرى، ويضاف لذلك تكفير المخالفين وقتالهم والبراءة منهم، ثم يأتي دور الجزء الثاني: (إلا الله) لتتم تعبئتها كالتالي: أي لا معبود بحقٍ إلا الله، أو لا موجود إلا الله، أو غيرها من التفسيرات المشحونة والملغومة التي اختلفت باختلاف المدارس والفرق والمذاهب والطوائف، وعلى هذا فقس)(15).
ومن شأن هذا الرأي أن يثير حفيظة البرّاك وأهل دعوته، لأنه مصوّب الى نهج تيولوجي تستند إليه المدرسة الوهابية عموماً، ولذلك كان من الطبيعي في حالة البرّاك أن يكون رد فعله تكفيرياً إلى حد المطالبة بإنزال القصاص والقتل في حق بن بجاد.
في مقالة يوسف أبا الخيل، كلام نقدي مماثل إذ عارض المنهج التكفيري الوهابي بقوله (أن الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها، وأن دين الإسلام لا يكفّر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من الناجين)(16). وهي رؤية تفارق ماعليه المذهب الوهابي، وتلتقي عند قراءة مفتوحة على البيان القرآني العام، بما يجعل كل المؤمنين بالله وحده لا شريك أمة واحدة تتوجّه إليه وتخلص العبادة له وحده عبر طرق متعددة.
فكان رد البرّاك (إن من نواقض الإسلام إعتقادَ أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب عليهم اتباعه، فهو كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)(17).
وخلص البرّاك في ردّه على أبا الخيل قائلاً (يجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون).
عبد الله بن بجّاد علّق على فتوى البرّاك بالقول (تذكرنا بفتاوى أخرى أصدرها منظرو هذا التنظيم مثل محمود العدوة وناصر الفهد وعلي الخضير والذين كان الشيخ عبدالرحمن البراك يصدر ويوقع معهم البيانات سوياً، فهو مقرب جداً من خطابهم ومن تفكيرهم).
البرّاك، شأن مشايخ تكفيريين آخرين، قاموا بعد تصاعد الحملات الاعلامية والقضائية في أوروبا ضدهم، بإعلان حالة الطوارىء من أجل (تنظيف) مواقعهم من فتاوى التكفير والتحريض على القتل، خصوصاً بعد التجربة المؤلمة التي عاشها عضو هيئة كبار العلماء السابق الشيخ عبد الرحمن بن جبرين الذي جرت ملاحقته قضائياً في ألمانيا خلال رحلة علاجية ما اضطر الحكومة السعودية إلى نقله على نحو عاجل من ألمانيا وإدخاله المستشفيات المحلية حيث توفي.
(..يتبع)
الهوامش

1 ـ إبراهيم الأزرق، كلمة في التكفير، مقالة نشرت بتاريخ 1/6/1426هـ أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/84447
2 ـ أنظر: د. عمر المقبل، بل هم كفّار، نشر في موقع المسلم بتاريخ 21/5/1427هـ، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/83366
3 ـ محمد السمّاك، نص العهد النبوي لنصارى نجران ملزم للمسلمين في كل مكان وزمان، بتاريخ 29 أيلول (سبتمبر) 2010، الركن الأخضر، الرابط التالي:
http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=19415
4 ـ أنظر بحث (حتى لا تبوء بها) للشيخ عبد الرحمن السحيم، على الرابط التالي
http://saaid.net/Doat/assuhaim/66.htm
5 ـ ـ رابط الفتوى على النحو التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=24695
6 ـ أنظر نص الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=19072
7ـ أنظر نص الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=12912
8 ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=11637
9ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=11185
10 ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=26211
11 ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=25206
12 ـ أنظر الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=25152
13 ـ أنظر نص الفتوى بتمامها على الرابط التالي:
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=18080
14 ـ أنظر نص الفتوى بتمامها على الرابط التالي
http://albarrak.islamlight.net/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=19880
15 ـ عبد الله بن بجاد العتيبي، إسلام النص وإسلام الصراع، جريدة الرياض، العدد 14414، 7 يناير 2008 أنظر المقالة على الرابط التالي:
http://www.alriyadh.com/2008/01/07/article306977.html
16 ـ يوسف أبا الخيل، الآخر في ميزان الإسلام، جريدة الرياض، العدد 14419، 16 ديسمبر 2007، أنظر المقالة على الرابط التالي:
http://www.alriyadh.com/2007/12/16/article301993.html
17 ـ أنظر الرابط التالي
http://www.alarabiya.net/articles/2008/03/13/46897.html

salimo123
2013-01-11, 19:22
الــوهــابــيــّـة:
مـذهـب الـكـراهـيـة

مـشـايــخ الـتـكـفـيـــر

الشيخ يوسف الأحمد

سعد الشريف

برز الشيخ يوسف الأحمد خلال عامي 2010 ـ 2011 بوصفه أحد رموز معركة (الإختلاط)، إلى جانب جرأته في نقد بعض الظواهر الاجتماعية والممارسات السياسية، والتي أسّست لشعبيته وكثافة حضوره الإعلامي..وثمة جانب آخر في سيرة الأحمد قد تبدو مخفّضة بسبب كثافة الغمامة الاعلامية التي تعقب كل فتوى راديكالية تصدر عنه في موضوع على صلة بـ (الاختلاط)، و(التغريب)، من بين أبرز الهواجس التي تحيط بحركته في المجال العام.
بطاقة شخصية

يوسف بن عبد الله بن أحمد الأحمد، حائز على درجة الدكتوراه في الفقه من قسم الفقه في كلية الشريعة بالرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلاميه في الرياض عن موضوع (أحكام نقل أعضاء الإنسان)، ويعمل أستاذ مساعد بجامعة الإمام ـ كلية الشريعة ـ قسم الفقه.
درس على المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبدالله بن جبرين و الشيخ صالح الفوزان والشيخ عبدالعزيز بن عثمان الأحمد.
وله عدد من المصنّفات في العقيدة منها: مسائل الايمان، وضوابط التكفير، وفي الفقه منها: سجود السهو، وأحكام الصلاة، وفي القضايا الاجتماعية منها: قضية المرأة ولباسها، والاختلاط وكشف العورات في المستشفيات، وكذلك كتب في الدفاع عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1).
التأسيس العقدي للتكفير

مقاربة الأحمد للمسائل العقدية ليست خلاّقة، وهي تؤكّد على رسوخ العقل الإجتراري في المدرسة السلفية/الوهابية التي تعيد إنتاج نفسها بطريقة الإستنساخ ما يجعل الحديث عن نشاط اجتهادي من أي نوع في المدرسة تلك مجرد لغو، لأن النزعة التقليدية تبدو منغرسة بعمق في الوعي الوهابي..
في مقاربة الأحمد لموضوع التكفير، محور بحثنا، تبرز مقالة (مسائل الإيمان وضوابط التكفير)، وهو بحث أعدّه الشيخ الأحمد تعليقاً على العقيدة الطحاوية. ورغم نسبة الأحمد الاقوال الواردة في مسائل الإيمان الى (أهل السنة والجماعة)، إلا إنه غالباً ما يحيل إلى أقوال الشيخ إبن تيمية بوجه خاص، وعلماء الوهابية على وجه الخصوص. فقد نقض كلام المعتزلة والمرجئة والخوارج في مسألة الإيمان، حتى أنه أطلق وصف (مرجئة الفقهاء) في موضوعي زيادة الايمان ونقصه، أو في علاقة الإيمان بالعمل. وحتى في التكفير فقد افترض بأن أهل السنة والجماعة يقولون بأن (الكفر يقع بالقول والفعل والإعتقاد). واستطراداً قال بأن (أهل السنة والجماعة يقولون: بأن الشرك قسمان أكبر وأصغر، أو كفر أكبر وكفر دون كفر..)، ثم يقول (ومرجئة الفقهاء لا يقولون بهذا التقسم، لأن الإيمان عندهم شيء واحد، فكذلك الكفر شيء واحد..).
في موضوع (ضوابط التكفير)، يفرّق الأحمد في الضابط الثالث بين التكفير المطلق والتكفير المعيّن، ويضرب مثالاً على المطلق: من سأل النبي حاجة فهو كافر. أما المعيّن فيقال: فلان كافر. ويقتفي الأحمد أثر مشايخه وعلماء مذهبه من المتقدّمين والمتأخرين في صدق الكفر على المعيّن بانتفاء الموانع، ومنها الجهل والتأوّل، تأسيساً على آراء الشيخ ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب. ومن ذلك ما نقله الأحمد عن اللجنة الدائمة للإفتاء وقد جاء فيها:
ومن نظر في البلاد التي انتشر فيها الإسلام وجد من يعيش فيها يتجاذبه فريقان فريق يدعو إلى البدع على اختلاف أنواعها شركيّة وغير شركيّة ويلبس على الناس ويزيّن لهم بدعته بما استطاع من أحاديث لا تصح وقصص عجيبة غريبة يوردها بأسلوب شيّق جذّاب، وفريق يدعو إلى الحق والهدى ويقيم على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، ويبيّن بطلان ما دعا إليه الفريق الآخر وما فيه من زيف فكان في بلاغ هذا الفريق وبيانه الكفاية في إقامة الحجة وإن قلّ عددهم فإن العبرة ببيان الحق بدليله لا بكثرة العدد فمن كان عاقلاً وعاش في مثل هذه البلاد واستطاع أن يعرف الحق من أهله إذا جدّ في طلبه وسلم من الهوى والعصبية، ولم يغتر بغنى الأغنياء ولا بسيادة الزعماء ولا بوجاهة الوجهاء ولا اختل ميزان تفكيره، وألغى عقله، وكان من الذين قال الله فيهم: {إن الله لعن الكافرين وأعدّ لهم سعيراً. خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيرا. يوم تقلّب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا. وقالوا ربنّا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا. ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا} (الأحزاب 64-68). أمّا من عاش في بلاد غير إسلامية ولم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن القرآن والإسلام فهذا على تقدير وجوده حكمه حكم أهل الفترة يجب على علماء المسلمين أن يبلغوه شريعة الإسلام أصولاً وفروعاً إقامة للحجة وإعذاراً إليه، ويوم القيامة يعامل معاملة من لم يكلّف في الدنيا لجنونه أو بلهه أو صغره وعدم تكليفه، أما ما يخفى من أحكام الشريعة من جهة الدلالة أو لتقابل الأدلّة وتجاذبها فلا يقال لمن خالف فيه آمن وكفر ولكن يقال أصاب وأخطأ، فيعذر فيه من أخطأ ويؤجر فيه من أصاب الحق باجتهاده أجرين، وهذا النوع مما يتفاوت فيه الناس باختلاف مداركهم ومعرفتهم باللغة العربية وترجمتها وسعة اطلاعهم على نصوص الشريعة كتابا وسنة ومعرفة صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها ونحو ذلك.
وبذا يعلم أنه لا يجوز لطائفة الموحّدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفّروا إخوانهم الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة؛ لأن توقّفهم عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم بخلاف من لاشبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم، فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفّرهم..وقع على ذلك من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء كل من عبد الله بن قعود (عضو)، وعبد الله بن غديان (عضو) وعبد الرزاق عفيفي (نائب رئيس اللجنة) والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (الرئيس).
وفي الضابط الرابع، يعيد الأحمد تأكيد ما ورد في مصنّفات علماء الوهابية في اعتبار الشهادة غير كافية في الحكم على إسلام المرء، فلا النطق بالشهادتين كافية للحكم بإسلام المرء، كما اتّفقت غالبية المدارس الاسلامية، وإنما ثمة شرط آخر (مالم يتبيّن كفره بارتكابه ناقضاً من نواقض الإسلام). ومن الغريب أن مشايخ الوهابية يذكرون الأحاديث الدّالة على الإكتفاء بالشهادة الاولى على عصمة النفس والمال ولكنّهم يستخدمونه لإثبات ما سواها، بل نقيضها أي أن الشهادة الاولى ليست كافية كحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله). أو حديث أسامة بن زيد (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله . فكفّ عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا، بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذاً، قال : أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذاً، قال: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم). متفق عليه. وعند مسلم : “أفلا شققت عن قلبه؟”. وحديث عبد الله بن عمر حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة لدعوتهم إلى الاسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل فيهم ويأسر، ودفع الى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره قال عبد الله بن عمر: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه فذكرناه، فرع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) أخرجه البخاري.
وروايات أخرى مماثلة عن المقداد بن الأسود وغيرها، التي تثبت أن مجرد قول الشهادتين كافية لعصمة الدم، ومانعة عن التكفير، بينما إدخال شرط آخر كإتيان ناقض من نواقض الإسلام، إنما هو زائد وخارج عن المطلب. وكأنما ما انتقصه الأحمد على الفرق الأخرى المكفّرة (الخوارج مثالاً)، من أن الأصل عندها في مجتمعات المسلمين هو الكفر حتى يتبيّن إسلامه، يعاد استخدامه ولكن بطريقة أخرى كإدخال شرط اقتراف ناقض من نواقض الإسلام، فيما لم يثبت ذلك في أي من النصوص التي تحدّثت عن شرط عصمة النفس والمال.
وفي الضابط الخامس، حيث يحدّد، شأن مشايخ الوهابية، الشرك والكفر في قسمين: شرك أكبر وآخر أصغر، وكذلك الكفر، فثمة كفر أكبر وآخر أصغر. وهي قسمة لم ترد في أحاديث معتبرة ولم تكن موضع إجماع المسلمين. وإن مجرد اقتراف المسلم لذنب كشرب الخمر أو الزنى أو الكذب أو الرياء وغيرها فلا يفعل ذلك بدافع إشراك أحد مع الله، فقد يكون الدافع هو الهوى فحسب، وقد يعود عن ذلك في لحظة إيمان، ولو كان الأمر كما يقول الأحمد ومشايخ الوهابية لأصبح المسلمون عامة إلا من رحم ربي مشركين وكفّاراً لمجرد أنهم ربما خالفوا حكماً شرعياً، أو إقترفوا إثماً صغيراً كالكذب أو الرياء. فمن أين جيء بشرك أكبر وآخر أكبر وكذلك الكفر سوى الفقهاء وليس الأحاديث النبوية الصحيحة، وإن عبارات التغليظ الواردة في بعض الأحاديث أن من كفّر مؤمناً فقد كفر، كقول النبي صلى الله عليه وسلم (من آذى ذميّاً فقد آذاني)، وقوله صلى الله عليه أن المؤمن (سبابه فسق وقتاله كفر).
وهناك صفّات في الإنسان المؤمن لو تأملنا في أبعادها لوجدنا بأنها تحتمل سوء ظن بالله سبحانه وتعالى وعدم التوكّل عليه وحده لا شريك الله، وتفويض الأمر له، ولكن لم تحمّل ما لاتحتمل كنزع صفة الإيمان عن المؤمن أو إلقاء صفة الكفر أو الشرك عليه، وقد جاء في الموطأ للإمام مالك: فعن صفوان بن سليم أنه قال: “قيل لرسول الله: أيكون المؤمن جباناً؟ فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذابا؟ فقال لا (2).
ركن فتاوى التكفير

كثيرة هي الفتاوى الجدلية التي صدرت عن الشيخ يوسف الأحمد، كحرمة الإختلاط التي على أساسها وجّه نقداً لمشروع جامعة الملك عبد الله للعلوم التقنيّة (كاوست)، وقال في لقاء مع قناة (بداية) أن مشروع جامعة الملك عبد الله التي استنزفت فيه الأموال قد سقط والجامعة تهتّكت وتكشّف وأريد من خلالها تبرير الإختلاط وثبت أن فيها مرقص لتعلم الرقص وأشكال الخلاعة(3).
كما تقدّم الشيخ الأحمد باقتراح يقضي بهدم الحرم المكي وإعادة بنائه منعاً للإختلاط، ووصف في مداخلة هاتفية أجراها مع قناة (بداية) الفضائية الإختلاط بين الجنسين في المسجد الحرام بـ “الإختلاط المحرم”، موضّحاً أنه يستند في ذلك إلى فتوى للمفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز. واقترح الأحمد هدم المسجد الحرام بشكل كامل وإعادة بنائه من عشرة أو عشرين أو ثلاثين دوراً بحيث يؤخذ في الاعتبار الفصل بين الرجال والنساء فيه(4).
المولد النبوي

في فتوى بعنوان (الإعلان بالتهنئة بالمولد النبوي) رقم 39116 والصادرة بتاريخ 12/3/1432 هـ الموافق 15/2/2011، جاء السؤال على النحو التالي: نشرت “الوطن” على صفحتها الأولى اليوم الثلاثاء 12/3/1432هـ، و”عكاظ” كذلك في صفحتها الأخيرة، إعلاناً يحمل تهنئة بـ “المولد النبوي”. ونصّ الإعلان: “مجوهرات الفارسي تهنئ الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى المولد النبوي الشريف، وتسأل الله أن يعيده على الأمة باليُمن والبركات”، وورد في الإعلان الأبيات الآتية:
“فاق النبيين في خلق وفي خُلقٍ ولم يدانوه في علم ولا كرم وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم” فأرجو بيان الحكم.
فكان جواب الشيخ الأحمد: الاحتفال بالمولد النبوي والتهنئة به بدعة في الدين لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولم يفعله أحد من التابعين وإنما ابتدعه الرافضة وتأثّر بهم الصوفية..
أما البيت الأخير فهو من الغلو الظاهر ويخشى أن يكون من الشرك الأكبر، ونَشر الصحيفتين لهذا الإعلان هو من الدعوة إلى البدعة، والواجب على المعلن والصحيفيتين التوبة إلى الله تعالى والاعتذار عما بدر منهما، والواجب على الأمة الاحتساب على هذا المنكر، ومن وسائل الاحتساب عليه الكتابة للصحيفتين ووزير الإعلام وغيرهم، ومن وسائر الاحتساب أيضاً هجر المبتدع بمقاطعة صاحب المجوهرات ومن شراء هذه الصحف مالم يحدثوا توبة(5).
فتوى الأحمد بكامل ألفاظها لا تحمل جديداً، بل هي تعبّر عن امتثال أمين وحرفي للعقيدة الوهابية، وليس هناك من مفاجئة في الفتوى ما يرسّخ الإعتقاد بأن الأحمد ينتمي الى مدرسة عاجزة عن تجديد نفسها وفهمها للنصوص وللظواهر الاجتماعية. بطبيعة الحال، ليس تطوّر الفهم، كما يشاء المتساجلون، يعني بأن يحال الحرام حلالاً، ولا البدعة سنّة حسنة، ولكن الغوص في أعماق النصوص للخروج بأفهام لا تنتمي بالضرورة الى ظاهر الألفاظ والعبارات، وإنما هي العقل الاجتهادي القادر على اشتقاق معان أخرى عميقة في تلافيف النصوص. فالكلام عن إبداع وليس ابتداع، وإن الاحتفال بالمولد النبوي لايخضع لمنطق الابتداع وإنما الإبداع، وليس في ذلك فذلكة كلامية، بقدر ما هو استيحاء خلاّق لجهة توثيق الصلة بين ماضي تليد وحاضر يريد عقد رابطة حميمية مع المستقبل.
فما قيل في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا يعنى به مضاهاة مقام الالوهية وإنما أريد منه بيان جلالة قدر نبوته ومقامه الروحي والرمزي في الأمة.
الحوار بين السنة والشيعة

بالنسبة لكثير من السلفيين والشيعة تبدو الإجابة محسومة، فالسلفي، وليس السنّي، يملك تصوّراً خاصاً حيال الشيعي، وينعكس ذلك في موقفه السلبي من الحوار، كما يملك الشيعي تصوّراً حول موقف السلفي، وينعكس ذلك في اليأس من الوصول الى حوار معه.
سئل الشيخ الأحمد عن حكم الحوار في القنوات الفضائية بين السنة والشيعة، فأجاب: إذا كان الحوار لأجل الدعوة إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة وفضح الباطل فهو مأمور به شرعاً.
ويجوز أيضاً إذا كان يحقق مصلحة أو دفع مفسدة عن أهل السنة والجماعة.
أما إذا كان من أجل التعايش الوطني مع إقرار الباطل والشرك والبدع ولبس الحق بالباطل، وجعل الولاء للوطن أو العروبة لا الدين، فهو محرم شرعاً.
واستدل الشيخ الأحمد على ذلك بالآية المباركة “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون”.
لا تتطلب الفتوى جهداً كبيراً في التعرّف على حقيقة الموقف العقدي من الشيعة، فالشيخ الأحمد ينطلق في إجابته من أن الحوار مع الشيعة يقوم على أساس ثنائية الحق والباطل، وبالتالي فهو ليس حوار بالمعنى العلمي والحقيقي للكلمة، لما يفترضه الحوار من اعتراف متبادل، واستعداد أولي ومبدئي للقبول بالرأي الآخر إذا ما تبيّن عدم صحة ما يحمله طرف ما من تصوّرات وانطباعات. فالشيخ الأحمد يؤسس ابتداءً لحوار من نوع خاص، أي أن الشيعة على باطل ـ كما تكشف طريقة الاستدلال بالآيات القرآنية ـ وأن مهمة الحوار هو فضحهم وبيان العقيدة الصحيحة لهم. كما يؤسس لشكل الحوار ووظيفته أيضاً، إذ لا يمكن لحوار لايستهدف بيان العقيدة الحقّة، وأن أي حوار يراد منه ترسيخ قيم التعايش والمواطنة وما تفرضه من التزامات(6).
طلب العلم أم فضح الرافضة؟!

معرفة الآخر لا تنطوي على هدف اكتشافه وفهمه بصورة أفضل لناحية إرساء أسس التعايش السلمي بين المعتقدات، ولذلك لا تبدو أي قراءة للآخر نزيهة، لأنها تفتقر إلى قواعد علمية رصينة. حين تكون النيّة مبيّتة من أن قراءة الآخر تبتغي تقويضه ابتداءً لا نكون محثوثين بهدف معرفي مطلقاً. على العكس من ذلك، حين يصبح غرض قراءة الآخر التأسيس للقطيعة معه ونبذه، نكون حينئذ حقّقنا النتيجة العكسية للعلم، لأن أهم غاية ينشدها هي توثيق العرى بين بني البشر، ولذلك قيل (الناس أعداء ماجهلوا)، وأن العلم يزيل العداوة بين الناس.
في سؤال أحد أهل دعوة الشيخ الأحمد ما يشي بنزوع نبذي إزاء الآخر، حين يجد نفسه حبيس حيرة بين أمرين (الإنشغال في أمر الرافضة وكشف خبثهم وعمل الجهد والوقت والدعوة إلى تحذير خطرهم ومكرهم) أم (الانشغال بالدعوة إلى الله تعالى والنصح والتعليم والعلم)، فأيهما أفضل؟
إجابة الشيخ الأحمد لم تختلف كثيراً عن السائل، وإنما حاول الجمع بين طرفي الإنشغال (العلمي)، فشدّد على طلب العلم الشرعي والدعوة باعتبارها واجباً على كل مسلم، وربط ذلك الوجوب بـ (دعوة الرافضة وبيان ضلالهم وانحرافهم عن دين الله. والدعوة إلى أنواع كثيرة ومنها دعوة الرافضة..)(7).
فالأحمد ينطلق ابتداءً من وجود حقيقة خارجية افتراضية وهو ضلال الشيعة وانحرافهم، وإن من واجبات الدعوة العمل على دعوتهم وبيان ضلالهم. وهذا يعني، بكلمات أخرى، وإذا كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوّره، فإن السؤال لا يقيم على فرضية البحث وتشجيعه وصولاً الى الحقيقة، بل هو يتجاوز ذلك الى ما بعد رسوخ التصوّر في الذهن عن الآخر، والكلام حينئذ يدور حول ما بعد الحكم المحسوم، ولذلك فهو لا يضع قواعد للعلم بالآخر، فقد تجاوز ذلك وأن المطلوب هو الآثار المترتبة/البعديّة على ذلك العلم القبلي.
كاوست..الكافرة!

ثمة لفتة ضرورية في أسئلة المستفتين مفادها أنها لا تتطلب إجابة من الشيخ أو المفتي، فهي سؤال وجواب في آن معاً، وإن غاية ما تحقّقه الاجابة هو مباركة إجابات السائل. وقد تتكرر هذه الحالة في عشرات بل مئات الأستفتاءات التي توجّه لمشايخ الوهابية، والتي نادراً جداً ما تأتي توجيهات السائل مخالفة لإجابات المشايخ. وهذا يعكس ليس مجرد التماثل الذهني بين السائل والمجيب، ولكن أيضاً انعدام أو بالأحرى ضيق هامش المناورة في المجال العقدي والفقهي الوهابي، بما لا يسمح لمساحة تباين محتمل بين المنضوين في المعتقد الواحد.
السؤال عن الحكم على جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنيّة جاء محمّلاً بكل ما يعتبره براهين على انحرافها وفسادها وخروجها عن الجادّة الشرعية، ومنها أنها (لا تخضع لأحكام الشريعة، ولا للنظام الأساسي للحكم، ولا لسياسة التعليم العالي..)، وأن (مدير الجامعة غير مسلم..والكثير من الأساتذة والطلاب كفار من دين النصرانية وغيرها..ومدير المدارس من سن الثلاث سنوات وحتى نهاية المرحلة الثانوية غير مسلم..ولا يوجد بها علوم شرعية. ودراسة المرأة فيها كالدراسة في الدول الأجنبية الكافرة؛ فالمرأة تخالط الطلاب والأساتذة ولا تلتزم بالحجاب الشرعي. وقد استنزفت الجامعة مليارات الدولارات من خزينة المال العام..عشرون مليار دولار للبناء والتكاليف الأولية. وعشر مليارات وقف على الجامعة في قروض بنكية تعود بفوائد ربوية ثابتة).
وخلص السائل من معطيات أوردها من تصريحات لمسؤولي الجامعة، ومعلومات مستقاة من صحف محلية وأجنبيّة الى أن (الهدف من إنشاء الجامعة هو التغريب وليس التعليم أو نفع المسلمين، وفيه اتهام خطير للقيادة بأنها ستكفل هذا الخط المنحرف). وتسائل: أليست الجامعة تخالف أحكام الإسلام؟! فطلب السائل من الشيخ الأحمد بيان الواجب الشرعي تجاه الجامعة وانحرافها.
أجاب الشيخ على السائل بما يتطابق مع رغبته وميوله، فثبّت كل ما فرضه السائل من اتهامات من بينها (عدم التزام الجامعة بحكم الشريعة)، ولذلك فالحكم عدم جواز (بذل المال العام في أي مشروع لا يلتزم شرع الله تعالى..فالمنكر أخطر وأبعد من كونه اختلاطا فقط كما يظنه الكثيرون). وطالب بأن يكون مدير الجامعة مسلماً، وكذلك مدير مدارسها، وأن يكون طلابها من المسلمين من أي بلد كان، و(لا نلجأ إلى أستاذ كافر إلا في حال الإضطرار أو الحاجة الملحّة، فالأخوّة هي إخوّة الإيمان، وإحلال الأخوّة في الإنسانية بديلاً عنها مصادم لأصل من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة وهو عقيدة الولاء والبراء، قال الله تعالى:” إنما المؤمنون إخوة”). واعتبر الاحمد كل من إنتقد موقف الشيخ سعد الشثري من الجامعة من كتّاب وصحافيين وأكاديميين بالمنافقين(8).
المرأة..عورة و..!

في التصوير الوهابي للمرأة، ثمة ما يبرر النأي بعيداً عن الحدود الشرعية، الأمر الذي يحيل المرأة الى كائن فاسد بالفطرة، فالأصل في كل عمل ونشاط هو الفساد، ولذلك كان الإعتراض على استقلال المرأة في المملكة بدور يجعلها مكشوفة على مخاطر الوقوع في الرذيلة.
لا يتطلب الحكم على شؤون المرأة العامة جهداً منفرداً واستثنائياً، فالصورة النمطية عنها تكفي لتجريم كل فعل نسوي بصرف النظر عن طبيعة الفعل.
سئل الشيخ الأحمد عن حكم زيارة وفد نسائي تونس ـ في زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ـ لبحث التعاون الثنائي في مجال التدريب التقني النسائي، بما تشتمل على تبادل الخبرات والتجارب، وختم السائل: ألا يدخل هذا في السفر بلا محرم المنهي عنه، وهل يجب الإحتساب عليه؟.
إجابة الشيخ الأحمد جاءت متطابقة مع قلق السائل، وزاد عليها بأن صعّد من مستوى الخطر، حيث اعتبر موضوع الوفد النسائي يتجاوز السفر بلا محرم، بل يرتبط بموضوع آخر يشكّل هاجساً دائماً هو الاختلاط حيث استحضر الأحمد صورة تونس العلمانية في سياق إجابته عن الحكم على زيارة الوفد النسائي القادم من المملكة، حيث تبرّز الصور النمطية عن تونس (منع الحجاب الشرعي في الدوائر الحكومية والجامعات، والتضييق على المسلمات، وتبني الاختلاط المحرم بأسوأ صوره، وتقنين دور البغاء رسمياً، وتحريم التعدد، ومحاربة الدعوة إلى الله تعالى). والسؤال ماهو الأثر لذلك؟ يجيب الأحمد (فخروج الوفد النسائي يؤكد وجه الانحراف في تحقيق المشروع الأمريكي التغريبي في إفساد المرأة السعودية وإبعادها عن شرع الله تعالى بالتدرج). ويقدّم الأحمد نصيحة لرئيسة الوفد بقوله (ونصيحتي لرئيسة الوفد والمشاركات بالتوبة إلى الله تعالى، وأن لا يكن سبباً في تمييع الدين وطعماً يصطاد به المنافقون وهنَّ غافلات. والنصيحة نفسها إلى القائمين على المؤسسة العامة)(9).
يبدو أن فتــوى الشيخ الأحمد حول تحريم سفر الفتيات إلى تونس قد أحدث صدمة، ومن المصادفات أن حديث الأحمد عن خبث الدور والنظام التونسي وحربه الشرسة على كل ما يمت للإسلام بصلة يأتي بعد ثناء الشيخ سلمان العودة على النظام التونســي ووصفه بالنظام الذي لا يحارب الإسلام لذاته وإنما يحارب من يستغل الدين للوصول إلى أطماع وطموحات سياسية ويسعى لمنافسة السلطة الحاكمة.
معرض الكتاب.. نشر الإلحاد

يعتبر الشيخ يوسف الأحمد من أبرز فرسان الحملات على معارض الكتاب التي تقام سنوياً في الرياض، إلى جانب رجال (الهيئة)، وإذا كان الأخيرون يضطلعون بمهمة مراقبة السلوك الإجتماعي والأخلاقي خلال أيام المعرض، فإن الأحمد يشتغل على السلوك الثقافي والفكري فيه.
السائل صنّف عدداً من دور النشر في خانة (المتحلّلة من الدين والأخلاق) وسمّى بعضها مثل دار الساقي، والجمل، والمدى، ووورد، والإنتشار العربي، ورياض الريس، وكلها دور نشر لبنانية. ولفت الى ما يجري في أيام المعرض باستضافة العلمانيين ومنع العلماء والدعاة من المشاركة في الفعاليات المصاحبة.
ورصد السائل عدداً من الكتب والكتّاب مثل ديوان البياتي وديوان محمود درويش وكتاب حسن حنفي (من العقيدة إلى الثورة)، وكتب نصر حامد أبو زيد، وذكر أسماء وصفها بالعلمانيين مثل محمد عابد الجابري، وأحمد عبد المعطي حجازي، وفوزية أبو خالد، وعبده خال. وطالب السائل (الحكم فيما ذكر)؟
إجابة الشيخ الأحمد تندرج في سياق مواجهة ما يعتبره مشروع علمنة وتغريب. فقد بنى على ما ورد من مقتطفات من الكتب في سؤال السائل، وقال (ماثبت من عبارات كفريّة مما ورد فإن الواجب إستتابة أصحابها في القضاء الشرعي)، واعتبر، وهو الأخطر، أن ذلك يجري في سياق تمرير وزارة الثقافة والإعلام، وعن سابق إصرار، (للمشروع التغريبي الأمريكي وإهانة الناس ومصادرة حقوقهم وجرح مشاعرهم من خلال المعرض وغيره باسم الانفتاح والحرية والبعد عن الرقابة). ويأتي في السياق نفسه، أي مظاهر الخلل في المعرض، موضوع الإختلاط المحرّم المتمثّل في (الزج بطالبات المرحلة الثانوية وغيرها مع الطلاب في الفترة الصباحية).
ويصدر الأحمد حكماً للدولة بما نصّه (والواجب الشرعي على الدولة أن توقف هذا المد المخيف من التغريب والعلمنة ، وأن تبعد الخونة والمنافقين من وزارة الثقافة والإعلام)(10).
تكفير الفضائيات

الشيخ يوسف الاحمد يكفّر أصحاب الفضائيات مثل الوليد بن طلال والوليد بن ابراهيم (العربية) و(ام بي سي)، و(ال بي سي)، ويعتبرهم أخطر من اليهود والصليبيين ويقول عنهم بأنهم أهل الرذيلة ومفسدين في الارض ويطالب باحالتهم الى القضاء الشرعي وقد تؤدي المحاكمة الى قتلهم..(11).
السفر الى البلاد الكافرة!

في فتوى له حول الحكم الشرعي في الابتعاث قال فيه (لا يجوز السفر الى بلاد الكفر من أجل الدراسة) قناة الاسرة 13 إبريل 2010 وقال بأن هناك فتيات تعمل في بارات في بريطانيا وان هناك 12 حالة ارتداد عن الدين(12).
تكفير النظام السوري..دافع طائفي!

تكفير الأنظمة باتت سمة وهابيّة، فلا يكاد تجد من بين علماء الدين في العالم الإسلامي من يصدر حكماً بكفر نظام سياسي معين، فقد يصفونه بالظلم والجور والإستبداد دون استخدام عبارات ذات طبيعة دينية حكمية. ويمكن القول بأن تكفير النظام السوري قد يكون الأكثف في الأدبيات الوهابية، وعلى خلفية طائفية واضحة، وليس لأسباب أيديولوجية أو سياسية رغم وجود نظام مماثل له في عراق البعث، بل حدث أن ترحّم مشايخ وهابيون على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ولدوافع طائفية أيضاً.
الشيخ يوسف الاحمد يكفّر النظام السوري بقيادة بشار الأسد، كما ظهر في مقابلة مع قناة (صفا) بتاريخ 18/4/1432هـ، واعتبر ما يجري في سورية (قضية أمة..ويجب علينا النصرة). وقال بأن (النظام في سورية هو من أسوأ الانظمة التي عرفتها البشرية) وأن هذا النظام تضمّن (العدوان على الدين والعداء لدين الله جل وعلا) و(العداء لأهل السنة) و(أي كتاب لأهل السنة والجماعة يعتبر جريمة) (أي كتاب يوجد في العقيدة وفي أحكام الطاهرة ومتهم بأنه من أهل السنة والجماعة فهذا يسجن لمدة سنتين، أما اذا كان الكتاب للشيخ محمد بن عثيمين أو للشيخ عبد العزيز بن باز فهذا يسجن لمدة عشر سنوات، ويتم ملاحقة البيوت وتفتيش البيوت وتفتيش المكتبات ومن يوجد فيه كتاب ولو في صفة الوضوء، ولا في صفة الصلاة، ولا في صفة المسح على الخفّين، فهذه من أكبر الجرائم، فالناس تتعامل مع هذه الكتب كما يتعامل مع مروج المخدرات خفية وخلسة ومع ذلك يعيشون في رعب).. واعتبر المظاهرات (شرعية) ولها (مطالب مشروعة)(13)
في المقابل، وعلى خلفية طائفية، اعتبر الأحمد التظاهرات في البحرين بأنها غير شرعية. وفي سياق ردّه على ما قاله الأستاذ الداعية طارق السويدان الذي انحاز لمطالب الأغلبية الشيعية في البحرين ومطالبته بالإصلاحات السياسية، انتقد الشيخ يوسف الأحمد في قناة (وصال) الفضائية المثيرة للجدل الطريقة التي تعامل بها ملك البحرين مع المتظاهرين في بلاده وطالب أن يكون تعامله أكثر حزماً مع الرافضة على حد وصفه. وقال إن هذه المظاهرات (أثبتت أن الأغلبية الشيعية أصبحت شراً وليس خيراً لمملكة البحرين) معتبراً ذلك (باباً لإغلاق المراقص والحانات وبيع الخمور التي تعج بها البحرين) ومطالباً الجميع بالتماسك في وجه تحركات الشيعة.
وكانت قناة وصال قد طالبت الشيخ طارق سويدان بالرد عبر الاتصال ولكنه لم يرد على الشيخ يوسف الأحمد بشأن ما طالب به من حقوق وإصلاحات للشيعة(14).
المصادر

1 ـ أنظر الرابط:
http://www.dr-alahmad.com/index.php?option=*******&task=view&id=535&Itemid=2
2 ـ أنظر الرابط:
http://www.dr-alahmad.com/index.php?option=*******&task=view&id=13449&Itemid=5
3 ـ أنظر الرابط:
http://www.youtube.com/v/ryUKLNmKKu8.swf]width=400 height=350
4 ـ أنظر الرابط:
http://www.youtube.com/watch?v=g3MBFfJKZhQ&feature=related
5 ـ أنظر الرابط:
http://www.dr-alahmad.com/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=39116
6 ـ هل الحوار في القنوات الفضائية بين السنة والشيعة جائز؟، رقم الفتوى 36629، تاريخ الفتوى 8/5/1431 هـ الموافق 22/4/2010، أنظر الرابط:
http://www.dr-alahmad.com/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=36629
7 ـ فتوى (طلب العلم أم فضح الرافضة؟!)، رقم 1965، بتاريخ 17/3/1428 هـ، 5/4/2007 أنظر الرابط:
http://www.dr-alahmad.com/index.php?option=com_ftawa2&task=view&id=1965
8 ـ فتوى (جامعة الملك عبدالله.. علوم أو علمنة؟!)، رقم 34835، بتاريخ 13/10/1430 هـ، 2/10/2009 أنظر الرابط:
http://www.dr-alahmad.com/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=34835
9 ـ فتوى بعنوان (خطر الوفد النسائي السعودي إلى تونس)، رقم 31768، بتاريخ 3/5/1430 هـ، الموافق 28/4/2009، أنظر الرابط:
http://www.dr-alahmad.com/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=31768
10 ـ فتوى بعنوان (العلمنة في معرض الكتاب بالرياض)، برقم 30852 بتاريخ 14/3/1430 هـ، الموافق 11/3/2009 أنظر الرابط:
http://www.dr-alahmad.com/index.php?option=com_ftawa&task=view&id=30852
11 ـ أنظر الرابط:
http://www.youtube.com/watch?v=bkStAM13--0
12ـ أنظر الرابط:
http://www.youtube.com/watch?v=CIBh9MO74AE&feature=related
13 ـ أنظر الرابط:
http://www.youtube.com/watch?v=t1SAe6HQr0s
14 ـ موقع (صدى) بتاريخ 1 مارس 2011، أنظر الرابط:
http://www.slaati.com/inf/news.php?action=show&id=22059
(javascript:onClick=history.go(-1);)

salimo123
2013-01-11, 19:31
الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

مـشـايــخ الـتـكـفـيـــر

الجزء الخامس ـ 2

سعد الشريف

في تواصل مع قراءة التراث التكفيري الوهابي، نستكمل مشوارنا في استعراض مقولات مشايخ التكفير في السعودية، والذي كانت لديهم مساهمات مؤثّرة في تنشئة ثقافة التكفير والاقصاء الديني:
http://www.alhejazi.net/images/alfozan_300.jpg الشيخ الفوزان الشيخ صالح الفوزان

الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية. عرف بمصنّفاته المثيرة للجدل، إذ يعدّ كتابه (التوحيد) المقرّ سابقاً ضمن منهج التعليم الرسمي، وهو شرح على كتاب (التوحيد..الذي هو حق على العباد) لزعيم المذهب الوهابي، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، من المصنّفات الأشهر له، لما أحدث من ردود فعل غاضبة لدى الشيعة في المنطقة الشرقية والإسماعيلية في نجران والسنّة والصوفيّة في الحجاز، ما اضطرت وزارة التعليم إلى إستبداله العام 1993 بكتاب آخر، بقليل من التنقيح بعد إزالة العبارات المثيرة التي تنطوي على تكفير طوائف عديدة من المسلمين.
رؤية تكفيرية في التكفير

قبل أن نقوم باستعراض محتويات المصنّفات البارزة للشيخ الفوزان، نتوقف عند مقالته في التكفير، لما تشتمل عليها من نقاط جديرة بالتأمل. في مقالة له بعنوان (التكفير وضوابطه) يبدأ الفوزان بتعريف جدلي للتكفير ويقول بأن التكفير (معناه الحكم على مسلم بالكفر)، وفي هذا التعريف ما ينبىء عن استبطان من نوع ما، وكأن التكفير مصوّب في الأصل للمسلم دون سواه. ثم يقسّم الفوزان الناس الى ثلاثة أقسام: متطرّف، ومتساهل، ووسط. فالخوارج، بحسب تعريفه، (يغلون في التكفير فيكفّرون المسلمين بكبائر الذنوب التي هي دون الشرك والكفر وهذا مذهب باطل)، والمرجئة وهم، بحسب رأيه، طرف (يرى أن المسلم لا يكفّر لو عمل ما عمل من فعل المحرّمات وترك الواجبات مادام أنه مصدّق في قلبه بالله ودينه..)، ويضيف: (وهذا مذهب المرجئة قديماً وحديثاً ويتبناه اليوم كثير من الكتّاب الذين لم يدرسوا عقيدة السلف فيرون أنه لا يجوز التكفير مطلقاً، لأنه عندهم تشدد وغلو وتطرف، ولو ارتكب الإنسان كل النواقض حتى إنهم لا يكفرون اليهود والنصارى..).
لابد من الإشارة إلى أن التعريف الذي يسوقه الفوزان، رغم ما يختزنه من شحنة كيدية لإثبات الموقف العقدي، ليس بالضرورة ينطبق على المرجئة في التاريخ أو الحاضر. ومع ذلك، فإن الفوزان كفّر المرجئة وقال عن مذهبهم بأنه (مذهب باطل يتيح لكل مفسد وكل ضال ومنحرف أن يفعل ما يشاء من أنواع الردّة والإفساد). والحال أن المرجئة إنما ظهروا كرد فعل على إفراط الخوارج في التكفير، ولذلك جاءت مقولاتهم متساحة دينياً الى حد كبير، ورفضوا تكفير المسلم، وقالوا بأن مرتكبي المعاصي من المسلمين مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وهناك تفصيل طويل في عقيدة الارجاء وارتباطها بالتحوّل السياسي في الفترة ما بين مقتل عثمان وعلي.
أما المذهب الوسط، وفق حسابات الفوزان، فهو (الجميع بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد). فأهل السنة، أي السلفية الوهابية، (لا يحكمون على مسلم بالكفر إلا إذ ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام المتفق عليها والمعروفة عند العلماء..)، وأي علماء؟ الجواب بطبيعة الحال: علماء الوهابية، كما سيأتي.
مصطلح (نواقض الإسلام) وتحديدها يعتبر إبتكاراً وهابياً. وقد وضع مؤسس المذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة في مصنّفه (كتاب التوحيد) بعنوان (نواقض الإسلام)، وحدّدها في عشرة نواقض على النحو التالي:
1 ـ الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).. ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر، وفي نسخة أخرى (للقباب).
2ـ من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكّل عليهم كفر إجماعا.
3ـ من لم يكفّر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.
4ـ من اعتقد أن غير هدى النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضّل حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر.
5 ـ من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر.
6 ـ من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثواب الله أو عقابه كفر..
7 ـ السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر
8 ـ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
9 ـ من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
10ـ الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلّمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى (ومن أظلم ممّن ذكِّر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون).
ثم يختم بالقول: (لا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره. وكلها من أعظم ما يكون خطراً، ومن أكثر ما يكون وقوعاً..)(1).
طائفة النواقض أعلاه تشتمل على عبارات غامضة وأحكام مطلقة، تجعل من إستخدامها من قبل أهل دعوته أمراً بالغ الخطورة والتعقيد. على سبيل المثال، يعقد الشيخ إبن عبد الوهاب رابطة بين الذبح الذي لا يقصد به إشراك أحد في عبادة غير الله، بالشرك بالله مع أنه في أسوأ الحالات عادة جرت أن يذبح في مكان ولي للبركة وليس للتعبد وتوزيع لحم الذبيحة على الفقراء، وهكذا جرت العادة في كل أرجاء العالم الإسلامي، ولم نسمع أن أحداً قام بفعل الذبح أو النذر بدافع إشراك أحد من الخلق في عبادة الله وحده لا شريك له، ولكن الشيخ يلحّ على أن الذبح مظهر من مظاهر الشرك بالله، ويقرن ذلك بما جرى في الأقوام السابقة!
كذلك الحال، في الناقض الثاني وهو بلا شك ينطوي على مغالطة كبيرة كونه يضع (الواسطيّة) في مقام المزاحمة لخالق الكون ورازق الخلق، والحال أن المسلم إنما يرجو نيل شفاعة نبيه المصطفى، كما في أحاديث مستفيضة عن شفاعته صلى الله عليه وسلم للعصاة من أمته يوم القيامة، وكقوله تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً)، فالآية الكريمة لا تقف عند المعنى الظاهر في (واستغفر لهم الرسول)، لوجود آية أخرى صريحة (ومن يغفر الذنوب إلا الله)، ولكن ضمّ استغفار الرسول للقوم الذين أرادوا التوبة رجاء لقبولها من الله. وهناك مواقف عديدة لجأ فيها الصحابة لبعضهم في مواقف شديدة طلباً لتحقيق أمر أو نزول بركة أو رحمة من الله، وكما فُعل مع العباس عم النبي.
النواقض العشرة ذات طبيعة جدليّة، وتعتبر المدخل الذي يرد منه كل من أراد الترويج لثقافة التكفير، على قاعدة أن من لم يكفّر كافراً فهو كافر، ومن شكّ في كفره فهو كافر، الأمر الذي يشجّع الناس على الإنغماس في عقائد بعضهم، فيخرجون من يشاءون من الدين ويدخلون إليه من يشاءون، ويعقدون نادياً للتداول فيما انعقدت عليه قلوب المؤمنين، فهذا مؤمن، وذاك كافر، وذلك منافق، وقد يصدرون أحكاماً بقتل فلان بتهمة الردّة عن الدين، لمجرد أنه يختلف مع المذهب الرسمي، وتطال آخر تهمة الإنحراف عن العقيدة، والضلال، ويتكفّل رسل الموت من أهل الدعوة بإيصال رسائل التهديد للكتّاب كما فعل الفوزان.
الفوزان الذي يستحضر النواقض العشرة، يضع شروطاً للحكم بالردّة أو الكفر على من ظاهره الاسلام وهي:
1 - ألا يكون جاهلاً معذوراً بالجهل كالذي يُسلم حديثاً ولم يتمكن من معرفة الأحكام الشرعية أو يعيش في بلاد منقطعة عن الإسلام ولم يبلغه القرآن على وجه يفهمه أو يكون الحكم خفيّاً يحتاج إلى بيان.
2 - ألا يكون مكرهاً يريد التخلص من الإكراه فقط.
3 - ألا يكون متأوّلاً تأوّلاً يظنّه صحيحاً فلابد أن يبيّن له خطأ تاويله.
4 - ألا يكون مقلّداً لمن ظنّه على حق إذا كان هذا المقلد يجهل الحكم حتى يبيّن له ضلال من يقلده.
5 - أن يكون الذي يتولى الحكم عليه بالردة من العلماء الراسخين في العلم الذين ينزلون الأحكام على مواقعها الصحيحة فلا يكون الذي يحكم بالكفر جاهلاً أو متعالماً(2).
في التعليق على الشرط الأول نستدعي ما ورد في مقالته (الجهل والعذر به) والمنشورة في موقعه الرسمي بتاريخ 20/3/1432هـ، حيث أعاد الفوزان إنتاج قسمة الجاهلية (العامة والخاصة)، فجاءت الجاهلية الخاصة هذه المرّة مخفّفة بقوله (أما الجاهلية الخاصة قد يبقى شيء منها في بعض الناس). ولكن في تفصيل العذر بالجهل يكمن الموقف التكفيري، (فالجاهل يجب عليه أن يسأل أهل العلم فلا يعذر ببقائه على جهله وعنده من يعمله..)، ولكن كيف يعلم أنه جاهل؟
الشروط التي يضعها الفوزان تصدر عن عقيدة تنزيهية بنزعة إقصائية، فهو لا يرى، على الإطلاق، مكاناً للتعددية المذهبية في الإسلام، والرد النمطي هو: (الحق واحد وليس متعدداً، وهو معروف ومن أراده يقدر على الوصول إليه). ولذلك فهو يفترض وجود كافر ضلّ طريقه إلى الإسلام الصحيح، وأن ثمة خيارات أمامه للحيلولة دون بقائه على كفره، كما تلفت إلى ذلك بوضوح الشروط الثلاثة الأخيرة.
الفوزان الذي انتخبته (حملة السكينة) بالتنسيق مع وزارة الداخلية السعودية كيما يكون أحد المشاركين في مشروع الأمن الفكري، في مسعى لتخفيف أو تعديل الآراء المتطرّفة المشجّعة على العنف والكراهية الدينية والتكفير، يجد نفسه مرتبكاً في تقديم نصّ متماسك. غالباً ما تكون فتاوى الفوزان أسيرة للغة السائل، ولذلك تأتي الإجابات متناقضة في ذاتها، أو متعارضة مع آراء عقدية أخرى.
نزعة الواحديّة لدى الفوان يمكن العثور عليها في ضوء مواقفه من الفرق الإسلامية الأخرى. ففي سؤال حول خضوع الثقافة الإسلامية المعاصرة تحت تأثير فكر الخوارج والمعتزلة على أساس أن هذه الثقافة تشتمل في بعضها على (تكفير المجتمعات والأفراد وتسويغ العنف ضد العصاة والفسّاق من المسلمين)، ولكن إجابة الفوزان تجاوزت الحكم على ضلال الخوارج والمعتزلة، وراح يجيب على تكفير المجتمعات، الذي رغم معارضته له في الظاهر، فإنه ما لبث أن ثبّته حين قال (فمن ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام التي ذكرها علماء أهل السنة والجماعة حكم بكفره بعد إقامة الحجة عليه)(3).
في سؤال عن التساهل في إطلاق لفظة الردّة على المسلم، وانتداب المسلمين (من يرون لإقامة حد الردّة في المحكوم بردّته عندهم إذا لم يقم به السلطان)، بدا واضحاً أن الفوزان ينافح عن النظام السعودي أكثر من منافحته عن الرؤية الشرعية السلفية/الوهابية. فهو لم يتعرّض بحال لأولئك المتساهلين في إطلاق لفظة الردّة على المسلم، ولكنّه أسهب بطريقة مثيرة في الدفاع عن موقع السلطان بوصفه صاحب الحق المطلق في تطبيق الحدود. فبدأ إجابته بالقول (إقامة الحدود من صلاحيات سلطان المسلمين، وليس لكل أحد أن يقيم الحد.. فالحدود من صلاحيات السلطان المسلم.. ومن وظائف السلطان في الإسلام ومن صلاحياته إقامة الحدود.. فالحاصل أن إقامة الحدود من صلاحيات السلطان.. ولا يجوز للأفراد أن يقيموا الحدود لأن هذا يلزم منه الفوضى ويلزم حدوث الثارات والفتن...)(4). وتفسير هذه الحماسة في المنافحة عن موقع السلطان أن تبني القاعدة إطروحة الخروج على السلطان، واعتبار النظام السعودي كافراً ينطوي على تهديد لموقع الفوزان، بل وموقع المؤسسة الدينية الوهابية بأسرها، ما يدفع بهم لتبني مواقف مستميتة في الدفاع عن السلطان.
تأصيل لاهوتي للتكفير

مصنّفات، ومقالات الفوزان، وكذالك محاضراته الدينية لا تكف عن التذكير بالرؤية العقدية للعالم من منظور وهابي، حيث تقسيم الخلائق الى مؤمنين وكفّار، بدرجات متفاوتة بحسب نوع الحكم الذي ينالهم: كفر أكبر وكفر أصغر، وشرك أكبر وشرك أصغر، ونفاق أكبر ونفاق أصغر(5).
نبدأ باستعراض أهم النقاط المثيرة للجدل في كتاب الفوزان (التوحيد)، والذي يقول في مقدّمته (إقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام ـ ولا سيما كتب شيخ الإسلام إبن تيمية، وكتب العلاّمة إبن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من أئمة الدعوة المباركة..)(6).
بعد أن يسرد تاريخ التوحيد منذ آدم حتى نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم مروراً بإبراهيم عليه السلام، يقول (إلى أن فشا الجهل في القرون المتأخرة، ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى، فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة بسبب دعاة الضلال، وبسبب بناء القبور، متمثلاً بتعظيم الأولياء والصالحين، وإدعاء المحبة لهم حتى بنيت الأضرحة على قبورهم. واتّخذت أوثاناً تعبد من دون الله بأنواع القربات من دعاء واستغاثة وذبح ونذر لمقاماتهم...)(7). ثم يسوق مثالاً على ذلك بالقول: (ومع هذا الشرك الذي وقع في البشرية قديماً وحديثاً فالأكثرية منهم يؤمنون بتوحيد الربوبية، وإنما يشركون في العبادة.. ولم يجحد وجود الرب إلا نزر يسير من البشر: كفرعون والملاحدة الدهريين والشيوعيين في هذا الزمان..)(8).
في تعريفه للشرك الأكبر يقول الفوزان: (هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله ـ كدعاء غير الله والتقرّب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين، والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يمرضون ـ ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكرباء مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنيّة على قبور الأولياء والصالحين)(9).
يقسمّ الفوزان الجاهلية الى عامة وخاصة: والعامة التي انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الجاهلية الخاصة فهي متعلقة ببعض الدول، وبعض البلدان، وبعض الأشخاص وهذه حسب رأيه لاتزال باقية، ويرتبّ الفوزان على ذلك نتيجة (وبهذا يتّضح خطأ من يعممون الجاهلية في هذا الزمان فيقولون: جاهلية هذا القرن وما شابه ذلك والصواب أن يقال: جاهلية بعض أهل هذا القرن أو غالب أهل هذا القرن)(10)، وفي ذلك رد غير مباشر على كتاب محمد قطب (جاهلية القرن العشرين).
في التقييم الإجمالي، فإن كتاب (التوحيد) يقدّم مثالاً شديد الإضرار بسمعة الحكومة السعودية، ان لم يكن بالإسلام كدين التسامح والإعتقاد الحر، إذ يؤسس الشيخ الفوزان للرؤية العقدية التي تصنّف الأغلبية الساحقة من سكان المعمورة في قائمة الكفار وتستبقي بعضاً منهم (وهم أهل السنة والجماعة = أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب) في خانة (الفرقة الناجية) التي ستضطّلع بمهمة إصلاح الكون وإعادة البشرية إلى الصراط المستقيم.
لا قيمة للتحذيرات المتعاقبة من إنتقال امتياز (التكفير) من العلماء إلى غيرهم، فثمة مخارج شتى لمن دونهم تسمح بنقل بل إشاعة هذا الإمتياز، حتى ليصل الى العامة. فالعالم يتولى تأصيل التكفير وعلى طلبة العلم والعوام الترويج له بناء على قاعدة (من لم يكفّر كافراً فهو كافر)، ما يجعل التكفير فريضة دينية، فكل من كفّره العالم وجب على العامي تكفيره.
وبحسب فتوى رقم (322) بعنوان (من لم يكفّر الكافر) في الموقع الرسمي للفوزان، جاء السؤال: هل عندما يتضايق الإنسان من وصف اليهود والنصارى وعبّاد الأوثان بأنهم كفّار يكون فيه نفاق أو صفة من صفات المنافقين؟
الجواب: يخشى عليه من الردّة أيضاً..من لم يكفّر الكافر فهو كافر مثله(11).
ـ فتوى رقم 9503 بعنوان (النصارى كفّار)، ونصّ السؤال: في بلادنا في السودان رجل يلقب بالمفكر الإسلامي يقول بعدم كفر النصارى وأن قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ) أي غطى، كما أنه يقول بتقارب الأديان، فهل نسمي ما عليه النصارى اليوم دين، مع أنهم ينكرون نزول المسيح في آخر الإسلام؟
الجواب: من اعتقد هذا فهو كافر لأنه قد ساوى بين الكفر والايمان، ولم يتبرأ من الكفار فهذا يعتبر كافراً(12).
وفي كتاب صادر عن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بعنوان (الولاء والبراء في الإسلام) للشيخ الفوزان، وهو ضمن سلسلة كتابات تحريضية أعدّها الفوزان. نحن إذن أمام تراث مثير للجدل، لا تحتمل عباراته معانٍ أخرى، بل هو معنى واحد ورسالة واحدة تحمل بداخلها مجموعة إملاءات يراد من المسلم الإمتثال لها وتنفيذها بحذافيرها. للكتاب سطوة جبّارة، ولا يترك لقارئه فسحة التفكير في الأساس الإستدلالي لقائمة الأحكام الصادرة عن مؤلفه.
يصوغ الفوزان الموقف العملي من الكفّار وأهل الضلال. فالموالاة، كما تنبىء عبارات الفوزان، لا تقف عند حدود المعنى الديني الحصري للكلمة، بل تضاف إليها أبعاد أخرى منزوعة من الواقع أكثر منها من النص الديني، ويزداد الأمر بلاءً حين لا يكفّ الفوزان عن الجنوح نحو تفتيش الخبايا والنوايا ليصوغ حكماً محكماً ينزله منزلة الوحي، سيما حين تذّيل الأحكام بآيات قرآنية. وتنفث فكرة الموالاة لدى الفوزان كراهية بين الأقارب قبل الأباعد، فالإيمان يعني، في وعي الفوزان، كره الآخر المخالف كرهاً نفسياً لا عقدياً. فهو يقبل من هذا (المصنّف كافراً) كل منتجه التكنولوجي، ولكنه يصرّ بإلحاح على نبذ ما اعتبره هذا الكافر شأناً خاصاً كالأكل واللباس. والمثير للسخرية، أن الفوزان يحرّم ما يصفه بـ (الرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة)(13)، ويعدّ ذلك من باب التمثّل أو التشبّه بالكافر.
لم تسلم الجاليات المسلمة المهاجرة الى الغرب، فراراً بدينها ومصيرها إلى بلاد (الكفار)، إذ يلزم الشيخ الفوزان هذه الجاليات بعدم الإقامة في بلاد الكفّار والإنتقال إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين. ونسي أن الحريات الدينية وضمانها في بلاد (الكفار) مكفولة أكثر منها في بلاد المسلمين. ولأن الشيخ الفوزان، كما يوحي فحوى كتابه، لم ينتقل الى خارج حدود (دياره الاسلامية!)، فإنه بلا شك يجهل ما يقوم به أهل دعوته في (ديار الكفر) حيث عمارة المساجد وانتشار الدعاة بما يفوق قدرة تحمّل الدول الإسلامية.
فقد جاء أهل دعوته إلى الغرب الكافر، بحسب عقيدته، ونشروا رسالتهم وسط الجاليات المهاجرة وبين المجتمعات الغربية، بل وخرجوا على قوانين الدول التي نشطوا فيها، فهل الإقامة في بلاد الكفر كانت (تدلّ على موالاة الكافرين)، حتى يصدر الفوزان حكمه بحرمة (إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة).
ما يزيد الأمر غرابة، أن السعي في مناكب الارض والأكل من رزق الله بات خاضعاً لمنطق الولاء والبراء، ويشمل ذلك حتى السفر (لغرض النزهة ومتعة النفس). فالسفر إلى (بلاد الكفار مُحرَّم) الا عند الضرورة، فإذا ارتفعت لزم المباشرة بالرجوع إلى بلاد المسلمين. (والسفر الى بلاد الكفّار محرّم إلا عند الضرورة كالعلاج والتجارة والتعليم والتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم..)(14).
ولا ندري في أي زمان تصدر هذه الأحكام؟. ولكن الشيخ الفوزان المستحضر لتجربة الرسالة الأولى، يصرُّ على إنتاج أحكام لتجربة مضت من أجل تكرار ماضٍ تليد لن يقع، ولذلك فهو يستثني الراحلين إلى نشر الدعوة في بلاد الكفر من قائمة المحظور سفرهم إليها.
ونقطة الفصل في الموالاة تتحقق حين تصطدم الرؤية العقدية مع الموقف الأيديولوجي، ومن تمظهرات الموالاة الإستعانة بالكفّار (والثقة بهم وتوليتهم المناصب التي فيها أسرار المسلمين واتخاذهم بطانة ومستشارين)(15).
وكنا نأمل أن واضع هذا النص قد تريّث قليلاً قبل نشره، أو أن رقيباً حكومياً قد اطّلع عليه وأدرك معناه، فهو بلا شك نص صادم لكل المنضوين داخل الفلك الرسمي ديناً ودولة. ولا نحتاج للتذكير بموقف الدولة السعودية خلال أزمة الخليج الثانية منذ قدوم القوات الأميركية والغربية من كل أصقاع الأرض للدفاع عن دار الإسلام! فالإطّلاع على أحوال المسلمين (في السعودية) وأسرارهم لم يكن بحاجة لكل هذه الفذلكات والتأسيسات الفقهية الإجترارية والمتهالكة، فالكافر في عقيدة الشيخ الفوزان، يطّلع منذ نشأة الدولة السعودية على أسرارها وخباياها، وهذا ما فرضه منطق إتفاقيات الحماية التي وقعت مع الإدارة الأميركية وقبلها البريطانية.
من بين ما أثاره الشيخ الفوزان في كتابه هو تعريضه بما وصفه بـ (العمالة الكافرة)، وهي العمالة التي ساهمت بصورة فاعلة في تشييد البنية التحتية للدولة، من المطارات والشوارع والمجاري والمدارس والمستشفيات إلى مراكز التسوق والتسلية، وكان حرياً به أن يحفظ هذا المعروف لمن وصفها بالعمالة الكافرة، وهو وصف كفيل بإلغاء كل حق إنساني وديني لأفراد هذه الفئة. سأترك النص يتحدث عن نفسه: (ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من إستقدام الكفار إلى بلاد المسلمين ـ بلاد الحرمين الشريفين ـ وجعلهم عمالاً وسائقين ومستخدمين، ومربين في البيوت وخلطهم مع العوائل، أو خلطهم مع المسلمين في بلادهم)(16). فهل ذنب العمالة أنها جاءت لخدمة مواطنيه، أم ذنب مواطنيه الذين لجأوا لهذه العمالة، أم ذنب الحكومة التي فتحت باب استقبال العمالة الأجنبية في ديار المسلمين، بصرف النظر عن الموقف منه؟
يلفت إستنكار الفوزان مشاركة المسلمين أعياد أهل الكتاب أو حتى مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها(17)، إلى حقيقة العزلة الحضارية والجغرافية التي شهدتها نجد والتي ترفض التفاعل مع حضارات مجاورة لها، لذلك جاء المذهب تعبيراً أميناً عن العزلة الجغرافية، فقد حمل المذهب سمات البيئة الثقافية المغلقة، ما يجعله يرفض الإعتراف للآخر بحقه في الإعتقاد والعيش، بل ويحظر على من يجاوروه التفاعل معه وان بالايجاب.
يسلب الفوزان من قارئه مشاعره وإنسانيته، ويحظر عليه ألمه وسروره إزاء نظرائه في الخلق، ويمنعه من إسداء النصح لهم بل ومحبة الخير لهم.. لماذا كل ذلك؟ وهل الدين إلا الحب كما في الحديث الشريف. ثم ألا يجوز لي كمسلم أن أحترم شركائي في الإنسانية بتوقير كبيرهم والعطف على صغيرهم، كل ذلك لأنهم إعتنقوا ديناً آخر، فهل إختلاف الأديان مبرر العدوان والكراهية، وهل كونهم من أتباع دين آخر يحرم إعانتهم حال العسر والشدة.. فهل ذلك من قيم الاسلام وأخلاقه ورسول الله (ص) يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وحديث آخر يقول (من آذى ذميّاً في آذاني). وهل من أخلاق الإسلام الغلظة والنفور والنبذ والعداء لبني آدم، وانتقاص حقوقهم.
بالنسبة للفوزان، يجب أن يكون الموقف الأيديولوجي على هذه الشاكلة، فحتى الإعجاب بحضارة الغرب بات محظوراً وإن اضطر المسلمون للأخذ عنها من الإبرة إلى الدبابة، على أن ينشغل المسلمون بتهديم (عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد)، وهي عقائد نبذوا أكثرها ودين لم يعد يعتنقوه.
يبدي الفوزان مرونة مصطنعة، ويترك للمسلمين فرصة الأخذ بـ (أسباب القوة من تعلّم الصناعات ومقومات الإقتصاد المباح والأساليب العسكرية بل ذلك مطلوب)، فهذه (المنافع والأسرار الكونية هي في الأصل للمسلمين)، يستدل بذلك على آيات مباركات، وسياسي تاريخي مقطوع، ولكن لم يجب الفوزان عن السؤال الإفتراضي: كيف سيتعلم المسلمون الصناعات وهي كلها في ديار الكفار، وهل التعلّم كالبيع والشراء ينتهي العقد حال إنتقال البضاعة إلى المشتري والثمن إلى البائع، أم أنَّ التعلّم أشد تعقيداً منه ويمس بصورة مباشرة المنظومة الفكرية والقيمية للمجتمعات. فليست العملية، كما يصوّرها الفوزان، مجرد إستيراد بضائع، وإفادة من خبرات ومخترعات، ولو كان الأمر كذلك لتحوّلت الدول الغنيّة بأموالها إلى دول صناعية من الطراز الأول، ولما كانت نمور آسيا نمورا.
فتاوى تكفيرية

وهنا طائفة من الفتاوى المستخرجة من موقع الفوزان، وتدور حول الموقف العقدي من الكفّار:
ـ فتوى رقم 11359، بعنوان (مشاركة الكفّار أعيادهم)، نص السؤال:
إن كثيراً من المسلمين في هذه البلاد يظهرون الفرحة والسرور بقرب عيد النصارى الألفية الثالثة بحجة أن هذا عيد عالمي يشترك فيه جميع شعوب العالم، هلاّ أصدرت اللجنة الدائمة فتوى للنهي عن الإغترار بالكفّار وبأعيادهم في هذا؟
الاجابة: هذا بدعة وهذا مشاركة للكفار في اعيادهم، وهذا باطل..وهذا من البدع التي ما انزل الله بها من سلطان(18).
ـ فتوى رقم 9496 بعنوان (حكم قراءة الإنجيل)، نص السؤال:
ما حكم قراءة الإنجيل بحجة الإستفادة منه لمناظرة النصارى؟ وهل تجوز مناظرتهم؟
الاجابة: لا تجوز قراءة الانجيل الا من عالم متمكن يريد الرد عليهم ولا يجوز الاطلاع على كتب اليهود والنصارى الا من عالم متمكن للرد عليهم، لا يجوز الاطلاع عليها من باب الثقافة او الاطلاع فقد ينطلي عليهم من كفرهم(19).
ـ فتوى رقم 2898 بعنوان (كره الكفار)، نص السؤال:
لقد كتب اليوم شخص في جريدة الرياض مقالا انتقد فيه المناهج الدراسية لأن فيها أن كره الكفار واجب، ويزعم هو أن الواجب كره الكفر وليس كره الكفار، فهل قوله صحيح؟ وما الجواب عليه؟
الاجابة: نحن نكره الكفر ومن اتصف به..أما كره الكفر وليس الشخص فهذا تفريق باطل(20).
ـ فتوى رقم 857 بعنوان (السكنى في بلاد الكفّار من غير حاجة)، ونصّ السؤال:
السكنى في بلاد الكفّار من غير حاجة هل هي من الموالاة لهم برغم من التمسّك بالشعائر الدينية الظاهرة؟
الاجابة: الهجرة مطلوبة الى بلاد المسلمين..أما وجوب الهجرة على الذي لا يقدر على اظهار دينه، وإظهار الدين أي الدعوة وتبيان الشرك وليس مجرد إقامة الصلاة والصيام..(21).
ـ فتوى رقم 860 بعنوان (من وافق الكفّار ظاهراً دون الباطن)، ونص السؤال:
هل من وافق الكفّار ظاهراً دون الباطن ومن غير إكراه يكون كفره أصغر؟
الإجابة: إذا وافقهم من غير اكراه بل صار مثلهم وهذا ردة وافقهم على الشرك بالله وان المسيح ابن الله وان يقول هذا دينهم والناس احرار في عقيدتهم هذا يرتد عن دين الاسلام..(22)
ـ فتوى رقم 861، بعنوان (التبسّم وحسن الخلق مع الكفّار)، ونص السؤال:
ماحكم الضحك وحسن الخلق مع الكفّار وهل هو داخل في الموالاة والتولّي لهم؟
الاجابة: أي نعم، إذا كان ضحكك عن مودة يدخل في الموالاة..وكونك تضحك مبسوطاً ومسروراً معهم هو نوع من الموالاة (23).
ـ فتوى رقم 2040، بعنوان (البشاشة مع الكفّار)، ونص السؤال:
ماحكم التضاحك مع الكفّار، والبشاشة في وجوههم؟
الاجابة: هذا لا يجوز، اذا كان هذا صادراً عن محبة فهذا لايجوز، اما اذا كان عن مصانعة فهذا مرخّص ولكن محرم، ولكنه مرخّص(24).
ـ فتوى رقم 3362 بعنوان (وجوب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، ونص السؤال:
القول بأن استقدام الكفار إلى جزيرة العرب لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم : (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، وما في معناه من الأحاديث، لأن المقصود بهذا الحديث عدم إعطائهم الجنسية وتوطينهم، هل هذا القول صحيح؟ ومعنى ذلك أنه يجوز دخولهم إلى مكة والمدينة وإذا لم يعطوا الجنسية، وكيف نجيب على هذا الإيراد؟
الاجابة: لا يجوز لليهود والنصارى ان يقيمون في جزيرة العرب يبيعون ويشترون ويستوطنون فهذا خلاف الحديث..اما السفراء والذين جاءوا ليحملوا رسالة من دولهم ثم يعودون فلا ينطبق عليهم الحديث(25).
ـ فتوى رقم 3939 بعنوان (من يقول: إن الكفار ليسوا اليوم أعداء ديننا)، ونص السؤال:
ما رأيكم فيمن يقول: إن الكفار اليوم ليسوا أعداء ديننا الإسلامي، إنما هم أعداء لنا نحن الذين لم نعرف كيف نقيم هذا الدين، ونحن الذين جعلنا التوحيد مطية لمصالحنا مثل الجهاد في سبيل الله وغيره من العبادات التي تغيظهم؟
الاجابة باختصار: لا شك ان الكفار أعداء لنا ولديننا وقبل ذلك اعداء لله، فهم اعداء للجميع.. ولا بد ان نصلح انفسنا ونجاهد انفسنا حتى نستعد لمجاهدة الكفار..(26).
ـ فتوى رقم 5553، بعنوان (السفر إلى بلاد الكفّار لأجل النزهة والسياحة) ونص السؤال:
هل من سافر إلى بلاد الكفار لأجل النزهة والسياحة ولم ينو الإقامة بها طويلا وإنما يريد الرجوع إلى بلده، هل يدخل في هذه الآية في سورة النساء؟
الاجابة: هذا النوع من السفر حرام لأنه بغير حاجة(27).
ـ فتوى رقم 7365 بعنوان (تمنّي وقوع الضرر للكفّار وبلادهم)، ونص السؤال:
ساءني كما ساء كل مسلم ينتمي لهذا البلد ما حدث من تفجيرات في الرياض، وهي أعمال مشينة تنافي الإسلام ولا يرضاها الله ولا رسوله، وسؤاله هو يقول: كيف وهي تحدث في بلد إسلامي ولكن يا شيخ أجد في نفسي الميل لأن تحدث مثل هذه التفجيرات في بلاد الكفار لضرب مصالحهم وهز اقتصادهم وزعزعة أمنهم، وهل أنا على صواب في ميلي هذا أم لا؟
الاجابة: تمني وقوع الضرر بالكفار فلا بأس بذلك، وأن يلحق بهم الأذى..(28).
ـ فتوى رقم 11158 بعنوان (القتال من أجل تحرير الأرض)، ونص السؤال:
من قاتل لأجل تحرير الأرض من الكفّار هل يعتبر جهاداً في سبيل الله أم لا؟
الاجابة: لا يكون فقط تحرير الارض ولكن يكون لإعلاء كلمة الله ونشر الدين أيضاً والا اذا كان فقط لتحرير الأرض فهذا ليس بجهاد في سبيل الله(29).
ـ فتوى رقم 11535 بعنوان (دار الإسلام ودار الكفر)، ونص السؤال:
أورد الشوكاني في كتاب السيل الجرار عن دار الإسلام ودار الكفر أن الاعتبار بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، وإن كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس، السؤال : هل الدولة التي تحكم بالقوانين الوضعية يقال عنها إنها بلاد مسلمة أو دولة كافرة بغض النظر عن شعبها؟
الاجابة: العبرة بالحكم ان كان للشرع فهي دولة مسلمة وان كانت للقانون فهي دولة كافرة..(30).
في السياق نفسه، يحدد الضابط في تحديد دار الكفر ودار الإسلام، حيث يعرّف الفوزان دار الكفر بأنها (التي يحكم فيها بغير ما أنزل الله. هكذا قرر العلماء أما البلاد التي لا تحكم بالشريعة فهي بلاد كفر، وكذلك البلاد التي يرتفع فيها أعلام الشرك..الأفلام والأوثان ولا يغيّر فيها فهذه تعتبر بلاد كفر)(31).
الفوزان وتكفير الصوفيّة

في مساجلة على صفحات جريدة (السياسة) الكويتية، المثيرة للجدل، قدّم الفوزان ردّاً على المقابلة التي أجرتها الجريدة بتاريخ 1/12/2005 مع وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الأسبق والرمز الصوفي البارز في الكويت يوسف هاشم الرفاعي، حيث خلص الفوزان إلى أن (التصوّف ضلالة وشرٌ وكله مبتدع).
وكان السيد الرفاعي قد تعرّض لجماعة السلف في جمعية إحياء التراث الإسلامي، وهي جمعية كويتية تستمد مواقفها ورؤاها اللاهوتية من كبار علماء الوهابية في المملكة مثل إبن باز، وإبن عثيمين، والفوزان، والجبرين وغيرهم. الرفاعي لفت إلى أن جماعة السلف في الجمعية (تركوا الحديث عن الملابس غير المحتشمة للنساء وانتشار المخدرات وتنكروا لمشكلة البدون وأصبح عملهم فقط ينصب حول مهاجمة الصوفية). ونفى الرفاعي أن تكون حلقات الذكر تشتمل على مخالفات دينية، وكذلك الإحتفال بالمولد النبوي الشريف. وتساءل الرفاعي (هل بن عبد الوهاب أو بن باز أعلم من العلماء السابقين الذين لم يحرموا الصوفية لأنهم فئة صفت قلوبهم لله عز وجل...). وأيّد الرفاعي منع كتب بن باز وبن عثيمين من الكويت، مشيراً إلى أنها (كتب تكفيرية وتدعو إلى التطرف وتؤدي إلى فتنة كبرى في المجتمع والى أشياء لا تحمد عقباها). وقال إن تطرفهم (وصل إلى أنهم يحاولون هدم كل آثار النبي صلى الله عليه (وآله) وسلّم كما أزالوا المكان الذي كان استراح فيه النبي عندما جرح في جبل أحد..).
وردّ الرفاعي على جماعة السلف الذين قالوا بأن التصوف لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بأن التصوف موجود وتمت تسميته بهذا الإسم منذ القرن الثاني الهجري، وسأل الجماعة السلفية هل كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم إسمه علم الفقه أو علم الحديث أو مسمى سلفيّ، فإذا كانت الصوفية بدعة فالسلفية هي الأخرى بدعة(32).
ردّ الفوزان كان صارماً وقال بأن في أجوبة الرفاعي على أسئلة الصحيفة: (مغالطات وضلالات لا يمكن السكوت عنها)، واعتبر التصوّف أشد من من استنكار الملابس غير المحتشمة وانتشار المخدّرات (لأنه بدعة وضلالة وقد يصاحبه شيء من الشرك من دعاء الصالحين والاستغاثة بالأموات فهو مع كونه بدعة فهو وسيلة الشرك بالله، والملابس غير المحتشمة والمخدرات معصية، والبدعة أشد من المعصية فيبدأ بالأهم فالمهم).
وقال الفوزان بأن (التصوّف كله مبتدع.. والتصوف محدث في الدين فهو ضلالة وشر). وخلص في تعريضه بالصوفيّة للقول (من تصوف فقد ابتدع ومن ابتدع كان مجرماً).
في مسألة تكفير الشيخ إبن باز المسلمين واتّهامهم بالبدعة والضلال، يعيد الفوزان إنتاج واحدة من قواعد التكفير الوهابية (فالشيخ لا يكفّر ولا يبدِّع ولا يضلِّل إلا بحسب الأدلّة الصحيحة وعلى ضوء معتقد أهل السنّة والجماعة)(33)، وهو الكلام المكافىء لقاعدة: تكفير من كفّره الله ورسوله. فالتلطي وراء النص العلوي في تكفير الآخر يبدو خياراً هروبياً ومخرجاً آمناً لمثل هؤلاء. وللفوزان بحث بعنوان (حقيقة التصوّف) أخرج فيه المتصوّفة من الإسلام ونسب إليهم الشرك والكفر والزندقة(34).
الهوس التكفيري في دورة الاستفتاء

قسم الإفتاء في الموقع الرسمي للفوزان، ومواقع مشايخ الوهابية عموماً، من شأنه الإضاءة على طبيعة التوجيهات العقدية والفقهية التي يطلقها مشايخ الوهابية لأتباعهم وأهل دعوتهم، الأمر الذي أدّى إلى خلق هواجس نفسية ذات طبيعة دينية، بحيث صار الإنتماء الديني أو بالأحرى الموقف العقدي يحدّد طبيعة العلاقة مع الآخر. كثير من الأسئلة التي تطرح من قبل المستفتين على مشايخ الوهابية تحوم حول موضوعات الكفر والتكفير والكفّار، والمواقف المترتّبة عليها، ونسرد هنا طائفة من الأمثلة لبيان درجة انغماس العوام في موضوعات عقدية حاسمة، أي بما تنطوي عليه من موقف لاهوتي قاطع: كفر/إيمان.
ـ في سؤال عن حكم من أسلم في العصر الحالي في إحدى دول الكفر، هل يلزمه أن يهاجر إلى ديار المسلمين؟ يجيب الفوزان بالقول: اذا قدر على ذلك ولم يقدر على اظهار دينه فهذا يجب عليه الهجرة..(35).
في هذا الصدد، ثمة مثال يجدر ذكره هنا كونه يومىء الى الرؤية الكونية لدى الفوزان وأهل دعوته، وننقل هنا نصّ الفتوى:
امرأة أمريكية هداها الله للإسلام ووالديها نصرانيان، وهي تريد أن تذهب إلى موريتانيا لتعلّم العلم الشرعي والقرآن والعربيّة، وسيرافقها عمّها كمحرم، ولكنها ستبقى هنالك لوحدها مع بعض النساء المسلمات، هل يجوز لها ذلك، علماً بأنها سترجع إلى بلادها فيما بعد مع المحرم؟
الجواب : لا بأس بذلك في السفر إذا كان معها محرم في السفر ذهاباً وإياباً وتبقى مع المسلمين في البلد تتعلم. الإقامة في بلاد المسلمين لا يشترط لها محرم، المحرم إنما هو في السفر، لكن بشرط ألاّ تخرج مع رجل، وكذلك لا تختلط مع الرجال، وكذلك أن تتحجب، وأن تبتعد عن السفور، تلتزم بآداب الإسلام..(36).
في السؤال والجواب تكمن قطيعة ثقافية وحضارية. فالسائل يصوّر المرأة الأميركية وكأنها قادمة من صحراء نجد، وتنتمي إلى إحدى القبائل المتشدّدة في بريدة أو عنيزة، وستركب البغال دون وطاء لتقطع مسافات بعيدة. جواب الفوزان جاء منسجماً مع إيحاءات السؤال، فراح يرسم خارطة طريق للمرأة الأميركية ذهاباً وإياباً، وفي إقامتها وسفرها، والمحذورات الواجب تفاديها دفعاً لوقوع المحظور، مروراً بالهيئة التي يجب أن تكون عليها، وصولاً الى موعد عودتها الى ديارها..ما غفل عنه الفوزان هو ذكر حكم عودتها الى ديارها (الكافرة!) في حال قدرتها على الهجرة منها الى دار الإسلام!
س: إذا كانت أفعال شخص كلُّها تناقض ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏؛ فهل يجوز لنا تكفيرُهُ مع أنه ينطقُ الشَّهادتين‏؟‏
جـ ـ من أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ كترك الصلاة متعمِّداً، أو الذَّبح لغير الله، والنَّذر لغير الله؛ كما يُفعلُ عند الأضرحة، أو دعاء غير الله، والإستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو سبّ الله أو رسوله، أو سبِّ الدين، أو الإستهزاء بالقرآن أو بالسُّنَّة؛ فهذا مرتدٌّ عن دين الإسلام، يُحكم بكفره، ولو كان يقول‏:‏ لا إله إلا الله؛ لأن هذه الكلمة العظيمة ليست مجرَّد قول يقال باللسان، وإنما لها معنى ومقتضىً تجبُ معرفتهما والعمل بهما‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏: “من قال‏:‏ لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبَدُ من دون الله‏” ‏[‏رواه مسلم في ‏”‏صحيحه‏”‏ ‏(‏1/53‏)‏ من حديث أبي مالك عن أبيه‏]‏ فلم يجعل النُّطق بـ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ كافيًا في عِصمته الدَّم والمال، حتى يضيف إليه الكفر بما يُعبَدُ من دون الله‏.‏ وقال تعالى‏:‏ { ‏فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 256‏]‏ فقدَّم الكفر بالطَّاغوت على الإيمان بالله‏.‏ إلى غير ذلك من الأدلة(37).
فهنا يتجاوز الفوزان الظاهر الذي أمرت النصوص الدينية الإلتزام به في الحكم على إيمان المرء، ولكّنه يغوص إلى أبعد من ذلك، حيث يطالب بسبر النوايا، وما إذا كانت شهادة (لا إله إلا الله) كافية لعصمة الدم والمال والعرض، والحكم على المرء بالإسلام، مع إقامته للفرائض. ليس الأمر كذلك، بحسب الرؤية اللاهوتية الوهابية، وإنما يتعلق بمتطلبات أخرى لا يقدر على معرفة حقيقتها سوى الله سبحانه وتعالى، كما هو فحوى حديث مشهور (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله). فلم يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يؤمنوا بالله بحسب التقسيم اللاهوتي الوهابي: توحيد الذات، والأسماء، والصفات، أو توحيد الالوهية وتوحيد الربوبية، فحين آمنوا بالله عزّ وجل، إنما آمنوا به إلهاً ورباً وخالقاً ورازقاً وبكل صفات الكمال التي وردت في كتابه العزيز، ولم يخضعوا للإختبار. ولم يعقد الصحابة جلسة بينهم أو لحديثي عهد بالإسلام ليسألوهم عن التوحيد وفروعه وأقسامه.
ـ سائل من الكويت عن طريق الشبكة يقول: هل يجوز تكفير الكافر بعينه: مثال من يقول بتحريف القرآن أو من قال: ليس القرآن بكامل هل نقول له: كافر، وهو ما زال على قيد الحياة ولم يرجع عن قوله؟
الجواب: نعم من نطق بكلام الكفر أو سجد لغير الله أو ذبح لغير الله نحكم عليه بالكفر ونعامله معاملة المرتدين..فمن أظهر من موجبات القتل يقتل(38).
بطبيعة الحال، فإن من لديه إطّلاع على تراث السجال المذهبي في المجال الإسلامي الحديث، لن يجد عناءً بأي حال في معرفة الجهة المعنيّة بالسؤال، ومن يفترض السائل بأنها تقول بتحريف القرآن، فهي، بحسب للأدبيات الوهابية، الشيعة بدرجة أساسية. ومن جهة أخرى، فإن جواب الفوزان، كما تلفت إجابات أخرى لأسئلة مماثلة، يستحضر أطراف السجال المذهبي، ولذلك لم يتردد في الإجابة لحضور المثال: فكل التوصيفات: سجد لغير الله وذبح لغير الله تنطبق في الذاكرة اللاهوتية الوهابية على الشيعة وتلحق بهم طوائف أخرى.
ـ س: هل نحكم على من ذبح لغير الله أو حلف بغير الله بالشرك؟ أو من عمل أي عمل شركي نحكم عليه بالشرك عيناً؟ وهل لابد من إقامة الحجة عليه قبل الحكم عليه؟
الجواب: نعم من فعل الشرك عيناً نحكم عليه بالشرك عيناً، فمن سجد لغير الله وذبح لغير الله نحكم عليه بالشرك والكفر ويطلب منه التوبة(39).
هنا يتأكّد الموقف التيولوجي لدى الفوزان حيال الموضوع الوارد في خانة التكفير، فهو يعيد الألفاظ والقوالب ذاتها ليجعلها بمثابة مسوّغات في التكفير.
الفوزان وتكفير الشيعة

لا يخضع تكفير الشيعة لأي من قواعد التكفير المقترحة في الأدبيّات الوهابية، فثمة تساهل مطلق في أحكام التكفير حين تتعلق بالشيعة، فلا حاجة لتطبيق معايير تكفير المعيّن وتكفير العموم، ولا شروط نواقض الإسلام العشرة، ولا التثبّت أو التريّث، أو حتى تفويض العلماء والراسخين في العلم للقيام بهذه المهمة، الأمر الذي يجعل من التكفير أمراً ليس بالضرورة دينياً، أي ليس مؤسساً على اعتبارات أو حسابات دينية. وهنا نعرض لطائفة من فتاوى تكفير الشيعة، وما ترشد إليه تلك الفتاوى من حالة اغراق عقدي وسط المجتمع الوهابي، إلى حد بات الأصل هو تكفير الشيعة، وأن الشاذ هو من يتردد في ذلك، كما تكشف عنه فتاوى التكفير بوضوح شديد:
ـ س: بعض الناس لا يكفّر الرافضة فكيف نقنعهم علماً بأننا سقنا لهم بعض أقوال أهل العلم؟
الجواب: يترك هذا الأمر لأهل العلم، وإن كانت هناك حاجة أم غير ذلك، لما يترتب عن ذلك أشياء لا تحمد عقباها(40).
كان السائل واضحاً في أن ثمة موقفاً عقدياً عاماً بين علماء الوهابية من الشيعة، بل لفت السائل إلى أن أهل العلم قد أفتوا بذلك، وأن فتاويهم متداولة، ويمكن الرجوع إليها والتحاكم على أساسها بين العوام أنفسهم. فمن الواضح أن السائل هو عامي ويتحدث عن أناس من العوام رفضوا تكفير الشيعة، ويطلب من الفوزان وسيلة لإقناعهم بكفر وتكفير الشيعة.
الفوزان، وإن بدا متحفّظاً وحذراً في الإجابة، خشية استغلال جوابه من قبل المترّبصين بمشايخ التكفير، لم يعترض على طريقة السؤال ولم يحذّر من تكفير العموم، بل أقصى ما طلبه أن يترك هذا الأمر لأهل العلم، كيما يقرّروا متى يجب استعلان تكفير الشيعة، دفعاً لنتائج غير محمودة العواقب.
ـ سؤال يقول: هل الرافضة كفار، وهل يفرّق بين علمائهم وعامتهم في ذلك؟
الجواب: هو القاعدة كل من دعى غير الله وذبح لغير الله وعمل عملاً لغير الله فهو كافر من الرافضة وغيرهم، فكل من عبد غير الله فهو كافر، ومن زعم بأنه يجب اتباع أحداً غير الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كافر.. الرافضة يرون أن لأئمتهم منزلة أعلى من الأنبياء وأن لأئمتهم الحق في أن يحرّموا ما أرادوا وأن يحللوا ما أرادوا، وهذا من أعظم الكفر والعياذ بالله، هذا عندهم ليس خافياً هذا في كتبهم، وعندهم أمور كثيرة. اما التفريق بين علمائهم وعامتهم، فعلماؤهم نعم لأنهم يعلمون، أم عامتهم فتقام عليهم الحجة وإن لم تقم فإنهم على ضلال..(41).
لاختلاف التاريخ والظروف بين الفتوى السابقة وهذه الفتوى، لا يتردّد الفوزان هنا في وضع مواصفات الكافر وتطبيقه على الفور على الشيعة، بناء على قاعدة مفترضة: كل من دعى غير الله، وذبح لغير الله وغير ذلك؟ ثم يتنكّب لموقع آخر ينفرد فيه بالشيعة كيما ينعتهم بما قرّ في ذاكرته، من بينها أن الشيعة يرون بأن للأئمة منزلة أعلى من الأنبياء ولهم الحق في التحريم والتحليل ثم يختم (وهذا عندهم ليس خافياً هذا في كتبهم). لا يحتاج الفوزان للتدليل على الكثرة، فهو هنا يتجاوز (العينيّة) الى (العموم)، بل يترك الباب مفتوحاً لمزيد من النعوت زيادة في الإعتقاد بتكفيرهم كقوله (وعندهم أمور كثيرة). ما يلفت أن الفوزان لا يطبّق قواعد العذر بالجهل على الشيعة، خصوصاً العوام منهم، بل يرى في حال عدم قيام الحجة عليهم فإنهم على ضلال، (وعند الشيخ الألباني فسّاق)، أما علماء الشيعة فهم، عند الفوزان وعلماء الوهابية عموماً، كفّار دون أدنى ريب، وإنما الكلام في العوام هل يسري عليهم حكم الكفّار أم ينتظر قيام الحجّة عليهم!
ـ سؤال: هل الرافضة كفار؟
الجواب: الرافضة وغيرهم من يعرفون الحق ولا يريدونه كفار الرافضة وغيرهم، فكل من عرف الحق واستمر على ما هو عليه فهذا كافر(42).
يبدو الموقف حاسماً في جواب الفوزان الذي قطع بأن الشيعة كفّار لأنهم عرفوا الحق ولا يريدونه. بطبيعة الحال، فإن الفوزان يفترض أن الحق هو ما كان عليه هو وأهل دعوته، وأن الشيعة إنّما يرفضون هذا الحق على وجه الخصوص، وليس حقاً آخر، قد يكون في غير الفوزان ومذهبه الوهابي، أو ربما متوزّعاً بين عدد من المذاهب الإسلامية!
ـ سؤال: في مدرستنا أستاذ نشك أنه رافضي، ونحسن معه المعاملة والدعوة، ولكن إذا سلم عليه أحد الأساتذة يرد ويقول: عليكم السلام، فقط، فما هو التوجيه لنا؟
الجواب: والله هذا مشكلة أن يعطى الروافض مجال للإختلاط بأهل السنة ويدرسون أبناء أهل السنة، هذا من المشاكل الخطيرة ونسأل الله أن يوفق ولاة الأمور للانتباه لهذا الأمر فإنه خطير جداً، ولكن تعاملوا معهم بعدم الأذى وعدم الإساءة إليه، ولكن لا تنبسطوا معه وتعاملوه معاملة أهل السنة(43).
يرسم الفوزان في جوابه خارطة طريق في العلاقة بين الوهابية والشيعة في هذه البلاد، ويعتبر أن الإختلاط بينهم (مشكلة)، وتزيد المشكلة خطورة حين يضطلع معلّم شيعي بمهمة تدريس الوهابية، ولذلك يدعو أن يوقف الحكّام من آل سعود هذا الأمر ويتنبّهوا له. ورغم أن الفوزان بدا كما لو أنه رحيم القلب في التعامل مع المعلّم الشيعي، إلا أنه ربط ذلك بعدم معاملته معاملة الوهابية.
ـ فتوى رقم 2165 بعنوان (التعامل مع الرافضة ومجاورتهم)، ونص السؤال: أنا أسكن في منطقة وأكثر جيراني فيها من الرافضة فما هو التعامل معهم؟ وهل أزورهم وآكل وأشرب معهم؟
الاجابة: أرض الله واسعة دوّر لك بيت بعيد عنهم في منطقة فيها أهل السنة(44).
ـ فتوى رقم 2836 بعنوان (التقريب مع الرافضة)، ونص السؤال: هل من منهج أئمة الدعوة التقريب مع الرافضة وماهو رأيكم فيمن يدعون للتقريب مع هؤلاء؟
الجواب: نحن لا نتقارب الا مع أهل الحق، أما اهل الباطل وأهل الضلال فلا نتقارب معهم الا اذا تابعوا ورجعوا الى الحق(45).
ـ فتوى رقم 3165 بعنوان (تمجيد علماء الرافضة)، ونص السؤال: يقول البعض من الكتّاب بتمجيد علماء الرافضة فيقول مثلاً: قال سماحة الشيخ، ويذكر إسم هذا الرافضي ماحكم هذا الفعل؟
الجواب: هذا لا يجوز تمجيد علماء الضلال لأن فيه تمجيد لما هم عليهم رضا بما هم عليهم وموافقة. الواجب هجرهم والواجب بغضهم والواجب معاداتهم في الله(46).
ـ فتوى رقم 11477 بعنوان (حكم الرافضة)، هل الرافضة كفّار؟
الاجابة: الرافضة وغيرهم من أعرض عن الحق فهم كفار(47)
تكفير الجهمية والمعتزلة

شأن الفرق المصنّفة في قائمة الفرق الضّالة، يتوسّل الفوزان وكثير من علماء الوهابية بمقولات الشيخ إبن تيمية في الفرق الإسلامية الأخرى، ولذلك ليس هناك من داخل الوهابية من خالفه في موقف من أية فرقة إسلامية، بل أخذت مقولاته كمسلّمات، ثم جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليضفي عليها طابعاً عصبوياً مذهبياً.
ـ سؤال: هل هناك فرق حكم العلماء بكفرهم كغلاة الجهمية والمعتزلة؟
الجواب: (العلماء وضعوا ضوابط عامة، وأسباب الرد فهي قواعد تطبق على الأفعال والأقوال والتي يطبقها أهل العلم). ثم علّق على الصوفيّة وقال: (من خرج عن السنة فقد ظلّ عن الطريق)(48). لا يذكر الفوزان من هم العلماء الذين وضعوا بزعمه قواعد للحكم بإيمان أو بكفر شخص أو جماعة، سيما وأن الجهمية والمعتزلة فرقتان عظيمتان وينتمي إليهما أكثر من نصف المسلمين، ولذلك فهو يستعمل كلاماً عاماً للتمويه على القارىء بأن من قصدهم بأهل العلم، يمثّلون غالبية المسلمين، وهم في واقع الأمر من ينتمون الى المدرسة الحنبلية فحسب، كما سيتضّح في السؤال التالي.
ـ هذا سائل يقول: الذي ينفي الصفات عن الله تعالى هل يُكَفَّر، ولماذا لم يُكَفِّر السلف المعتزلة والأشاعرة؟
الجواب: وما يدريك أنهم لم يكفّروا، الذي ينفي العصمة والصفات عن الله إن كان مقلّداً أو متأوّلاً يظن أنه على حق وهو ليس كذلك، هذا لا يكفر يدرء عنه التكفير بالتأويل أو التقليد أما الذي يتعمد نفي العصمة والصفات وهو يعلم، فهذا لا شك في كفره، وكفّر 500 عالم كما ذكر إبن القيم كفر الجهمية(49).
هنا يبدو الفوزان أكثر تحديداً في من يسبغ عليه صفة الكفر، كونه يضع ضابطة ينفرد بها دون بقيّة الفرق والطوائف الإسلامية الأخرى وهي المتعلّقة بصفات الله، والتي لا تشاركه فيها بقية الفرق. نذّكر أيضاً بهاجس الإيمان والكفر الذي ينتاب السائل لجهة تحديد ما إذا كان المعتزلة والأشاعرة مسلمين أم كفّار، ما يلفت إلى حالة مرضيّة يعاني منها من خضعوا تحت تأثير موجات التكفير المكثّفة.
ـ سؤال: لماذا لم يُكَفِّر أهل السنة والجماعة الأشاعرة مع أنهم لا يثبتون إلا سبع صفات وينفون الباقي؟
الجواب: الأشاعرة يثبتون بعض الصفات.. يثبتون سبع أو أربعة عشر صفة.. يثبتون الصفات العقلية وينفون الصفات الخبرية.. ولم يكفّروهم لأنهم متأوّلة وليسوا مقلّدة فيدرأوا عنهم التكفير(50). ثمة استثناء يورده الفوزان في معادلة التكفير، ومع أن الإيمان بالتوحيد غير قابل للقسمة، فإثبات صفة ونفي أخرى لا يجعل من المرء موحّداً، أو أن إيمانه كاملٌ. على أية حال، هناك من مشايخ الوهابية من كفّر الأشاعرة كما نقلنا ذلك عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، في الجزء الأول.
ـ سؤال: من يدعو إلى ما يسمى بوحدة الأديان ويقول: إن الأديان المسيحية واليهودية بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هي كالإسلام هل يقال لهؤلاء: إنهم كتابيون أيضاً؟
ـ الجواب: من دان بدين أهل الكتاب فهو كتابي، ولكن السؤال هو من يقول بأن الأديان الثلاثة سواء فهذا يكفر لأنه خلط بين الحق والباطل..ليس هناك دين بعد الإسلام(51).
لا يتردد الفوزان في إطلاق صفة الكفر على اليهود والنصارى، وهذا ثابت في فتاوى عديدة، وهذا يستلزمه تكفير من يقول بأن الأديان السماوية (اليهودية والنصرانية والإسلام) هي سواء، فهذا يكفر، حسب عقيدته. إذن، اليهود والنصارى على الكفر وإن من يقول بغير ذلك يكفر أيضاً، لأن إسباغ صفة الإيمان عليهم يعني مساواتهم مع دين الإسلام، وهذا لا يصح!
ـ السؤال: هل من كان على النصرانية المحرّفة أو اليهودية المحرّفة، هل يكون من أهل الكتاب وتحل لنا ذبيحته، والآن قد كان من أهل الكتاب الدين المحرّف فكيف يكون ذلك، هل يسمى أهل كتاب ودينه محرّف؟
الجواب: كل من انتسب الى أهل الكتاب فهم كتابي ولو كان عندهم تحريف، هذا موجود وقت نزول القرآن هذا التحريف موجود، والله اباح لنا ذبائحهم وتزوّج نسائهم مع وجود التحريف في كتبهم من قبيل وهذا لا يزيل عنهم مسمى أهل الكتاب(52).
سؤال يشتمل على مستوى ذكاء لا نجده في الأسئلة الأخرى، وإن لم يقترب من النقطة الجوهرية في التشابك في مصطلح أهل الكتاب. السائل اكتفى بالإضاءة على مصداق لمفهوم أهل الكتاب، إذ كيف تكون اليهودية والنصرانية محرّفتين، وفي الوقت نفسه يحّل ذبحيتهما؟ الفوزان لم يعالج التناقض ليس في السؤال ولكن في موقفه اللاهوتي من اليهود والنصارى إذ كيف يوصمهم بالكفر ويحّل له أكل ذبائحهم وتزوّج نسائهم، فهل يحلّ أكل ذبيحة كافر؟ والزواج من كافرة؟ بحسب عقيدة الفوزان!
الهوامش

1 ـ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان، الرسالة التاسعة، (نواقض الإسلام)، موسوعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إعداد موقع روح الإسلام، ص ص 385 ـ 387، أنظر الرابط:
http://www.islamspirit.com/islamspirit_program_005.php
2 ـ صالح بن فوزان الفوزان، الجهل والعذر به، الجهل والعذر به، بتاريخ 20/3/1432
http://www.alfawzan.ws/node/13210
3 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، فتوى بتاريخ 23 رمضان 1430هـ، موقع حملة السكينة، أنظر الرابط:
http://amnfkri.com/articles.php?action=show&id=300
4 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، التساهل في إطلاق لفظ الردة على المسلم، 23 رمضان 1430هـ، موقع حملة السكينة:
http://amnfkri.com/articles.php?action=show&id=302
5 ـ http://www.alfawzan.ws/node/10298
6 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، التوحيد، سلسلة إنما الإعمال بالنيات ـ 119، طبعة خاصة، ص 4
7 ـ المصدر السابق، ص 7
8 ـ المصدر السابق، ص ص 7 ـ8
9ـ المصدر السابق، ص 11
10 ـ المصدر السابق، ص 25
11 ـ أنظر الفتوى على الرابط
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=322
12 ـ أنظر الفتوى على الرابط:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=9503
13 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، الولاء والبراء في الإسلام، خرّج أحاديثه وضبطه وعلّق عليه عادل نصّار، مركز البحث العلمي، جمعية دار الكتاب والسنة، رواء غزّة ـ فلسطين(د.ت)، ص 4
14 ـ المصدر السابق، ص 5
15 ـ المصدر السابق، ص ص 5 ـ6
16 ـ المصدر السابق، ص6
17 ـ المصدر السابق، ص 6
18 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=11359
19 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=9496
20 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2898
21 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=857
22 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=860
23 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=861
24 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2040
25 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=3362
26ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=3939
27 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=5553
28ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=7365
29 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=11158
30 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=11535
31 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/4106
32 ـ جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 1/12/2005
33 ـ أنظر الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/2357
34 ـ أنظر الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/2556
35 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي
http://www.alfawzan.ws/node/4104
36ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/3092
37 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/10295
38 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/9443
39 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/9502
40 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/5114
41 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/5118
42 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي
http://www.alfawzan.ws/node/5113
43 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/9893
44 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2165
45 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2836
46 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=3165
47 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=11477
48 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/5102
49 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/5052
50 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/5014
51 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/10395
52 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:
http://www.alfawzan.ws/node/3712

salimo123
2013-01-11, 19:33
http://www.alhejazi.net/images/nasser_alomer_2_300.jpg الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

مـشـايــخ الـتـكـفـيـــر

الجزء (3 - 4)

سعد الشريف

لا يفتأ مشايخ الوهابية يذكّرون أهل دعوتهم وخصومهم في آن معاً، بأنّ التكفير هو من خصائص أهل التوحيد. فإذا كان التوحيد، في مآلاته النهائية، يستبطن خاصيّة (الإنشقاق) في بنية الأمّة، فذلك لكون هذا (التوحيد) يعبّر، حصريّاً، عن الوعي اللاهوتي الوهابي، فيما تواطأت الغالبية الساحقة من المسلمين على فهم مشترك لعقيدة التوحيد، سوى تفاصيل طفيفة تباينوا حولها، ولكن غير مخلّة بأصل المعتقد التوحيدي.
نقف هنا عند شخصية تكفيرية أخرى، في سياق الكشف عن خبايا الوعي التنزيهي، التكفيري. ورغم ما قد يظهر من تماثل ذهني بين شيوخ التكفير، خصوصاً في المواقف من المذاهب والفرق الإسلامية، فضلاً عن الأديان السماوية الأخرى، وهي مواقف، على أية حال، مستلهمة ومستمدة بدرجة أساسية من تراث الشيخ إبن تيمية، فإن ثمّة ضرورة للتعرّف على طبيعة المقاربات التي يعتنقها شيوخ الوهابية لناحية التأصيل للمواقف التكفيرية.
الشيخ ناصر بن سليمان العمر، أحد كبار مشايخ الصحوة الذي برزوا في التسعينيات من القرن الماضي، وهو أستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. الأهم في الأمر، أن العمر يعتبر من رموز التكفير في السعودية، كما تعكس ذلك عشرات المقالات، والمحاضرات، والبيانات، والمداخلات التلفزيونية. فقد صنّف العمر رسائل وكتب وتقارير تكشف عن النزعة التكفيرية الضارية، الى الحد الذي جعلته مسكوناً بتكفير الآخر، لمجرّد الإختلاف معه أحياناً. ومن يستمع أو يقرأ للعمر يخرج بانطباع مفاده أن نظريّة المؤامرة تكاد تكون المحرّك الرئيس لتنظيراته السياسية والأيديولوجية.
حين يكرر العمر مواقفه القديمة، على قاعدة أنها “اكتشافات مبكّرة” لمن يصفهم بالأعداء، يوحي، إلى حد كبير، بأن ثمة تفكيراً ساكناً قد أحكم قبضته على مجال العقل النقدي، فلم يعد العمر قادراً على مراجعة أفكاره ومواقفه القديمة، بل ثمة عقل اجتراري يكرّر نفسه، ويكرّر في الوقت نفسه مقولات الآخرين من المتماثلين معه عقدياً وذهنياً، وأيضاً نفسياً. فقد يتوهّم العمر، أحياناً، بأنّ ما يذكره يمثّل درراً في الفكر والعقيدة، فيما الواقع يفيد عكس ذلك، فمثل الآراء التي يتداولها العمر أو يشتغل عليها ويعيد إنتاجها لم تعد صالحة في المجال الإسلامي، فضلاً عن المجال الإنساني، لأنها تنتمي الى عقود، وربما قرون، غابرة خلت.
مصنّفات العمر وكتيّباته لا تحمل جديداً على مستوى الفكر الديني، وغالباً ما يكون تجديد الفكر الديني آخر ما يمكن لمشايخ الوهابية الإشتغال عليه، ولذلك، فإن نتاجات العمر مقروءة ومسموعة، شأن نظرائه في المذهب، لا تخضع لقراءة حقوقيّة أو فكريّة، بل هي لا تبرح المجال المذهبي الذي تسبح فيه، ويعاد توليدها فيه. وشأن كل المذاهب المغلقة، فإن الوهابية تحوّلت الى أيديولوجية دينية لذاتها، فلا تسمح بفتح قنوات مثاقفة متبادلة أو تفاعل ثقافي مع الآخر. والسبب في ذلك كله، أن قوة الوهابية تكمن في قدرتها على توفير تحصينات والإنغلاق والتمحوّر على الذات، شأن كل مذاهب الأقليات في العالم. ولذلك، فلولا الدعم المالي السعودي لتلاشت الوهابية في خضّم التيارات المذهبية الإسلامية الكبرى.
لابد من الإشارة، إلى أن افتقار الوهابيّة لعنصري المراجعة والتجديد جعلها حبيسة مقولات مدرسيّة/مذهبية عتيقة، سوى ما يوفّر لها المال والإعلام من عنصري إدامة وتخليد. فالعمر، شأن الفوزان والبرّاك والجبرين وغيرهم، يكتفي بتوفير (دمغة) الإستمرارية للمقولات التكفيرية لإبن تيمية وإبن عبد الوهاب إزاء الفرق والملل الإسلامية. بكلمات أخرى، إن العمر، شارحاً كان أم قارئاً، لا يمدّ جمهوره وخصومه على السواء بأكثر من دليل بقاء الوهابية التكفيرية على قيد الحياة.
التوحيد: تأسيس التكفير

من أي نقطة بدأنا فيها الحديث عن عقيدة التوحيد بحسب التعريف الوهابي، يكون التكفير حاضراً بسطوة. ولأن عقيدة التوحيد، بالمعايير المرصودة في الأدبيات الوهابيّة، تمثّل حجر الزاوية في الرؤيّة الكونيّة للمذهب، لا لكون التوحيد عقيدة ثانوية لدى المذاهب الإسلامية الأخرى، بل هي الأصل الأوّل من أصول الإعتقاد لدى المسلمين قاطبة بكل أطيافهم، ولكن لأنّ الوهابيّة فرضت تصوّراً خاصاً للتوحيد ونبذت أي تصور آخر عداه، ولذلك، فإن كل من لم يعتقد بالتوحيد وفق الفهم الوهابي يكون خارج مسمّى أهل السنّة والجمّاعة، وتالياً خارج دائرة الإسلام.
في قراءتنا المتواصلة لنتاجات شيوخ التكفير، يبرز الموقف اللاهوتي هذا كعامل حاسم وفاصل في التقويم، وكذلك التمييز بين المؤمن وغير المؤمن، واستطراداً تصنيف الأرض التي يقام عليها ما إذا كانت دار إيمان وسلم أم دار كفر وحرب.
في كلام الشيخ ناصر العمر عن التوحيد ما يلفت الإنتباه، لأن ما كان محسوماً بالنسبة للمسلمين قاطبة في أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق والرازق له الأسماء الحسنى وهو المعبود لا إله سواه وهو رب الأرباب، ليس محسوماً في تقييم مشايخ الوهابية قاطبة بدءاً من الشيخ إبن عبد الوهاب وصولاً إلى الشيخ العمر ومعاصريه. بمعنى ما، أن مشايخ الوهابية لا يعتقدون بأن المسلمين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى كما عرّف نفسه جلّ جلاله في كتابه العزيز، أو كما جاء على لسان أنبيائه ورسله.
في حديثه عن التوحيد، ينطلق العمر من أن كل بلايا الأمة من تخلف في العلوم الدنيوية إنما ناشيء عن (تخلي كثير من المسلمين عن صحيح معتقدهم..) وأن الحل، أي رفع البلايا يتوقف على (عودتهم إلى صحيح دينهم وسليم معتقدهم)(1).
لا يعني العمر بالمعتقد شيئاً آخر غير التوحيد، بحسب الفهم الوهابي، والذي على أساسه يتحدّد من هو المسلم. ففي محاضرة مشتركة بعنوان (نهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك)، يرى الشيخ العمر بعد أن يروي حديث الإفتراق (..وستفترق أمتي على سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فسّر العمر كلام الرسول (ص) في الفرقة الناجية: (ما أنا عليه وأصحابي)، بأنها أهل السنة والجماعة، أي منهج السلف، وهو منهج الفرقة الناجية المنصورة. ويرى العمر خطورة تجزئة أهل السنة والجماعة، بحيث يتم فصل العقيدة عن غيرها من الموضوعات، ويرى بأن العقيدة هي أصل السنّة والجماعة، ثم يمضي في شرح التوحيد والتقسيم الوهابي لمفهوم التوحيد..(2).
في السياق، يبدو كتاب (التوحيد أولاً) للشيخ ناصر العمر، الأكثر إثارة للجدل، بسبب لغته الجازمة والصارمة، حيث يرسي، بوضوح، أساس العلاقة في الداخل الإسلامي، أي بين المسلمين بعضهم ببعض، وبين من يصدق عليهم مسمّى (المسلمين) وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى.
وفي تقديم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين تلخيص لرسالة الكتاب. يقول ما نصّه: (أن التوحيد العملي القصدي الإرادي الطلبي الذي هو توحيد الألوهية هو الذي دعت إليه الرسل، وأنـزلت به الكتب، وجردت لأجله سيوف القتال، ووقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممها.
وأنه مع هذه الأهمية قد وقع فيه الخلل والنقص، وقد تهاون به الكثير من الجماهير مع ادعائهم التوحيد، وأن الكثير تجاهلوا ببعض ما ينقصه، وتساهلوا في بعض الشركيات زعماً منهم جوازها أو عدم منافاتها للتوحيد، وأفاد أن هذا خطأ كبير..
ولا شك أن هذه الرسالة من الأهمية بمكان فنهيب كل مسلم أن يقرأها ويطبقها على نفسه، ويدعو إلى العمل بها بعد معرفتها رجاء أن تصلح أحوال المسلمين، ويعودون إلى توحيد الخالق وتعظيمه وحده، وتصغر المخلوقات في نفوسهم..)(3).
إذاً، فإن التوحيد، كما يريد بيانه العمر وأفصح عنه الجبرين، ليس هو ما يؤمن به الكثير من المسلمين، وأن هدف كتاب العمر هو إصلاح عقيدة المسلمين كيما (يعودون إلى توحيد الخالق وتعظيمه وحده..). يقول العمر: “واليوم تشتد الحاجة لإنقاذ الأمة، وإخراجها من ظلمات الجهل والتخلف، إلى نور العلم والإيمان”(4).
والكتاب في مجمله نسج على منوال الكتب الوهابية في التوحيد، القائم على ثالوث توحيد الالوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وأن المسلم الحق هو من يؤمن بالتوحيد بحسب ما عرّفه علماء الوهابية وبالتقسيم الوارد هنا، فلا ينفع المسلم زعمه بالإيمان بالله سبحانه، كما لا تنفعه صلاته ولا صيامه وحجّه وزكّاته وغيرها من الفرائض، إن لم يكن التوحيد بأركانه الثلاثة قد استوطن صميم القلب. يقول العمر: “ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة وأرسلت الرسل، وأنـزلت الكتب، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة، وأشقياء أهل النار”. ثم يستدرك “ولا بد مع توحيد الألوهية من الإتيان بلازمه من توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات”(5). ويقول في مكان آخر بأن (هذا التوحيد ـ أي توحيد الصفات ـ لا يكفي في حصول الإسلام، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه من توحيد الربوبية والألوهية)(6).
في ضوء ما سبق، ينتقل العمر الى بيان ما يصفه (واقع الأمة اليوم)، ما يتطلب حسب قوله (وقفة مناسبة مع واقع الأمة ليتضح لنا مدى التزامها بالتوحيد أو بعدها عنه)، ويلفت إلى أن (بعض طلاب العلم قد لا يتصور خطورة الأمر، نظراً لأنه يعيش بين أناس هم على عقيدة التوحيد، وتقل بينهم البدع والشركيات، فيتوهم أن أغلب المسلمين هم على هذه الحالة، بينما الحقيقة بخلاف ذلك)(7).
وأرجع العمر إنحراف الأمة عن عقيدة التوحيد الى أسباب من بينها: دور الشيعة (أو الرافضة حسب وصفه)، الذي قال عنهم بأنهم (يضيقون ذرعاً بدعوة التوحيد)، في إشارة واضحة الى الدعوة الوهابية، فلم يقل (عقيدة التوحيد). ما يلفت في كلام العمر أنه ذكر دور الشيعة في انحراف الأمة عن عقيدتها، ولكنّه راح يتحدّث بإسهاب عن نشاط الشيعة في قارات العالم في مقابل نشاط الدعوة الوهابية، وكأنه يريد القول بأن التوحيد صار امتيازاً وهابياً، وأن الأمة لن تؤمن بعقيدة التوحيد إلا إذا أذعنت لنهج الشيخ ابن عبد الوهاب في فهم التوحيد.
سبب آخر ذكره العمر وهو (الخرافيون وتأثيرهم الذي لا ينكر)، دون تحديد هوية هؤلاء الخرافيين. يقول العمر ما نصّه:
(معارك الخرافيين مع التوحيد ليست جديدة، وسعيهم الحثيث لتأصيل البدع ونشر الشرك في بلاد المسلمين يعرفها القاصي والداني، وخدمتهم للاستعمار قديماً وحديثاً ليست بحاجة إلى شرح أو بيان، والذي يتأمل خارطة العالم الإسلامي، ويضع لوناً مميزاً للمناطق التي يكثر فيها هؤلاء يذهل من النتيجة التي سيراها).
بل راح العمر يسهب في بيان طبيعة نشاطاتهم وحجم انتشارهم وبالأرقام دون أن يفصح عن إسم الخرافيين وأماكن تواجدهم، ولم يبد سلفاً سبب إخفاء الإسم، وما إن كان له علاقة بإفشاء أسرار خاصة، أم خشية افتتان الآخرين بهم، أم الإحتقار المعتاد من شيوخ الوهابية لخصومهم. يقول العمر (وقد نشطوا في الآونة الأخيرة، وأقاموا عدداً من المؤسسات التي تدعوا إلى منهجهم وتنفق على مشاريعهم بسخاء). ولبيان الخطر المزعوم/الموهوم، يذكر العمر (أن مؤسسة واحدة من مؤسساتهم قد خصصت ما يعادل (500) مليون ريال لإنفاق استثمارها وريعها على ما يدعم منهجهم وعقيدتهم، وفي إحدى البلاد الإسلامية بلغ عدد المسجلين في الجمعيات الخرافية أكثر من خمسة ملايين عضواً)(8).
السبب الثالث، بحسب العمر، هو الخوارج، فبعد أن يذكر طرفاً من سيرتهم في التاريخ الإسلامي وخروجهم عن منهج أهل السنة والجماعة، حسب قوله، يقول بعد ذلك (..وفي هذا الزمن عادت سوق الخوارج رائجة، وبخاصة مع وجود دولة تدعمهم وتدافع عن مذهبهم وتربي الناس على منهجهم)(9). وليس سراً، أن العمر يومىء الى الأباضية في عمان، الذي نالوا من فتاوى التكفير الوهابي نصيباً كبيراً.
السبب الرابع، هو الشركيات والبدع المنتشرة في العالم الإسلامي يقول (ولو ألقينا نظرة سريعة على واقع البلاد الإسلامية لوجدنا في كل بلد قبراً أو أكثر يعبد صاحبه من دون الله..). ثم يسأل (فكم عدد الذين يزورون القبور من أهل البدع في أنحاء العالم الإسلامي؟)(10). فكم بلد إسلامي جرى وصفه ببلاد الشرك لمجرد فيه قبور للأولياء والصالحين وأن الناس تأتي لزيارتها، وقراءة القرآن عند القبور، والاستلهام منها، فقد عارض مشايخ الوهابية إرسال الملك عبد العزيز إبنه سعود لمصر، لأنها بلاد شرك وقبور، لمجرد أن فيها أضرحة ومقامات تقصدها جموع غفيرة من المصريين.
السبب الخامس، بحسب العمر، هو وجود النصارى في كثير من الدول الإسلامية، بل حتى في دول الخليج، حتى إنه يوجد لهم كنائس معلنة في بعض تلك الدول..(11).
وهناك أسباب أخرى ذكرها العمر مثل وجود الوثيين، والسحرة، والمشعوذين، وانتشار بعض الألفاظ البدعية أو الشرعية وأعمال محرّمة كالحلف بغير الله، والإعتقاد بأن غير الله ينفع أو يضر، وأعياد الميلاد، وتعليق التمائم، وقراءة الكف، والإعتقاد بأثر الأبراج والنجوم..
ثم يخلص للقول (هذه صورة مجملة عن واقع العالم الإسلامي تبين خطورة الأمر، ووجوب المبادرة إلى إنقاذ هؤلاء، سواء أكانوا ممن وقع في الشرك، وهم يحسبون أنهم مسلمون؛ لأنهم يصلون ويحجون، أم كانوا ممن وقع في البدع والخرافة، ويظنون أنهم من أهل السنة والجماعة). إذاً هكذا هي الرؤية الكونية لدى العمر والوهابية بصورة عامة، وهي تعكس الموقف العقدي من المسلمين عموماً. ثم يرسم العمر خارطة طريق لإصلاح الإنحراف العقدي في الأمة (ولو توجهت هذه الصحوة المباركة إلى العناية الفائقة بهذه القضية لتغيّرت الأحوال، وهذا لن يكون إلا إذا كانت هناك أولويات وكان “التوحيد أولاً)(12).
ويرصد العمر في تأمّله لأحوال المسلمين (ضعف الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين) ويقول (وهذا ينافي كمال التوحيد، وقد يصل بصاحبه إلى الكفر)(13). يقول أيضاً (وفصل الدين عن الدولة، وإبعاد حكم الله وشرعه أن يكون حاكماً على الناس هو السائد الآن في أغلب بلاد المسلمين، حيث يحكمون بشرائع وقوانين بشرية ما أنـزل الله بها من سلطان، وهناك من يهون من هذا الأمر ويقلل من شأنه مع أنه كفر بواح)(14).
الخلاصة، أن كل من لا يؤمن بالتوحيد بأقسامه الثلاثه ليس مسلماً. بل قال عنهم العمر بأنهم (كلهم مخطئون، بعيدون عن الصواب، وذلك أن التوحيد أشمل مما ذهب إليه هؤلاء، فمن أخلّ بقسم من أقسام التوحيد فقد أخل بالتوحيد . ولابد من فهم التوحيد فهماً شاملاً بأقسامه الثلاثة ومستلزماتها)(15).
وحتى إذا أقرّ العمر بإسلام كثير من المسلمين على أساس أنهم مدركون لعقيدة التوحيد وأقسامها، فإنه يجد سبباً آخر لضعف إيمانهم بالتوحيد، هو عدم ترجمة التوحيد في السلوك العام للمسلمين (وعند التأمل في واقع كثير من المسلمين يجد الإنسان أنه لا ينقصهم العلم المعرفي، فقد تجد الكثير منهم يعرف التوحيد بأقسامه وتفصيلاته، ولكن عندما نبحث في مدى تأثره وجدانياً لا نلمس أي أثر لذلك، أو قد نجد أثراً ضعيفاً لا يتناسب مع علمه ومعرفته)(16).
يطالب العمر بجمع الأمة على أساس التوحيد، بالمفهوم الوهابي. ويقول بأن (جمع الكلمة وتأليف القلوب مطلب شرعي وهدف سام، ولكن مما يلحظ في هذا الجانب أن هناك من يذكر أن الاجتماع مراد لذاته، بغض النظر عما ينتج منه، وهذا خطأ في الفهم وقصور في التصور؛ لأن الهدف هو الاجتماع على كلمة الحق..)، إذن هو اجتماع، أو بالأحرى وحدة مشروطة، فطالما أن المسلمين لم يحققوا في أنفسهم معنى التوحيد الوهابي، يصبح الإجتماع لغواً، وعبثاً، ويوضّح ذلك، بقوله (والذين جعلوا الإجتماع هو الغاية والهدف، تساهلوا في أمر التوحيد، ولم يجعلوه من الأصول التي يجتمعون عليها، بل تجد بعضهم يمنع أتباعه من إثارة قضايا العقيدة، بحجة أن هذا الأمر سيكون عائقاً أمام وحدة كلمة المسلمين، وتوحيد الصفوف، بل لا يخجل بعضهم أن يقول: إن طرح مسائل العقيدة تؤدي إلى الفرقة والخلاف..)، وينقل العمر رأي الشيخ عبدالعزيز قاري (رسالة العقيدة أولاً لو كانوا يعلمون) في هذه المسألة: (إننا وجدنا أنفسنا أمام طوائف تنتسب إلى العلم والدعوة والتوجيه تخالفنا وتنازعنا في هذا المبدأ)(17).
نلفت إلى أن العمر قام بإجراء تغييرات على محاضرة (التوحيد أولاً) قبل أن يتم طباعتها في هيئة كتاب، وكان قد ذكر في المحاضرة كلاماً فيه تكفير صريح لمرتكب الكبيرة، بل تبنّى تكفير العموم. وقال مخاطباً جمهوره (تصوّر أن المنكرات الموجودة في مجتمعنا مجرد معاصي، كثير من الناس يتصوّر الآن أن الربا مجرد معصية أو كبيرة، والمخدرات والمسكرات مجرد معصية ، والرشوة مجرد معصية أو كبيرة من الكبائر ، لا يا إخوان، تتبّعت هذا الأمر، فوضح لي الآن أن كثيراً من الناس في مجتمعنا استحلوا الربا ــ والعياذ بالله ــ أتعلمون الآن في بنوك الربا في بلادنا زادوا عن مليوني شخص، بالله عليكم هل كل هؤلاء الملايين يعرفون أن الربا حرام ولكنهم ارتكبوها وهي معصية، لا والله، إذن من الخطورة الموجودة الآن بسبب كثرة المعاصي أن الكثير قد استحلوا هذه الكبائر)18.
في هذا النص مخالفات جمّة، فهو في الوقت الذي ينطوي ليس على مجرد حكم بكفر العموم، بل ينزلق نحو الإيغال في سبر النوايا بطريقة عابثة، فقد كفّر العمر كل من تعامل مع بنوك الربا بحجة استحلال الربا، بناء على اعتقاد قاطع لدى العمر بأن الجميع يدرك حرمة التعامل مع البنوك الربويّة، وأن ما دفع بهم الى فعل ذلك سوى لصدروهم عن استحلال التعامل الربوي ابتداءً. والسؤال: كيف علم بذلك كله؟ فهل فحص نوايا ملايين من البشر ليعرف ما اذا كانوا بالفعل قد استحلّوا، وبصورة إفرادية وإرادية، التعامل الربوي، وإذا كان الحال كذلك، فلا بد أن يكون أغلب المسلمين قد استحلوا محرّمات كثيرة، ولا حاجة للأنبياء والمرسلين والمبشرّين والمنذرين والدعاة والمبلّغين، مادام لا مكان للغفلة، والنسيان، والإجتهاد، والتأويل، وتبدّل الأزمان والأحوال.
في محاضرة له بعنوان (التوحيد واعتزال مواطن الفساد)، على أساس التأمل في أبعاد قصة أصحاب الكهف وإسقاطها على الواقع الراهن، يقول العمر، وهي أن سبب نجاة الفتية الذين آووا إلى الكهف هو التوحيد، ما يلفت إلى أن إسقاط قوم أهل الكهف على أقوام المسلمين في الوقت الراهن، فيما يصبح الوهابيون هم أصحاب الكهف، والمشترك بينهم هو التوحيد. ولعل أخطر ما أورده العمر في مقالته هي القصة التي نقلها على النحو التالي:
قرأت قصة جميلة وعجيبة لشيخنا العلامة الشيخ: محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية أرسلت له جامعة الدول العربية، قبل سنوات – قديمة - ملفاً، إن جامعة الدول العربية بحكم مسؤوليتها عن الدول العربية، تريد أن تعقد مؤتمراً لنقاش توحيد الأهلة بين الدول العربية في رمضان، لأنكم تلاحظون أحد يصوم اليوم الفلاني والثاني يصوم الذي بعده أو قبله، نريد أن نوحّدهم في يوم واحد، ونريد رأيك ياشيخ فيما كتب، وأن ترسل مندوباً يشارك في هذا المؤتمر، أنظروا كيف ردّ عليهم هذا الإمام العلامة الفقيهة ماذا قال؟ قال لهم اختلاف الرؤية قديم، من وقت الصحابة – إختلاف مطالع الأهلة - ليس مشكلة، لكن إن كنتم جادين في جمع الدول العربية فاجمعهم على لا إله إلا الله، أحوج ما تحتاج إليه الأمة العربية والإسلامية على أن تجمع على لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله، لا أن تجمع على توحيد الأهلة، أو المواقف السياسية(19).
لم يخطىء العمر في نقل القصة، ولم يخطىء أيضاً في مقصده، خصوصاً حين نقرأ تعليقاً له بعد القصة سالفة الذكر، يقول العمر: منذ كم أنشئت جامعة الدول العربية؟ الآن لها قرابة أكثر (65 عاماً)، هل رأيتم أو علمتم عن مؤتمر لجمع الناس على لا إله إلا الله في الدول العربية، وأن من يخالف ذلك سيعاقب بكذا وكذا؟!
فالعمر، كما الشيخ محمد بن إبراهيم، يرى بأن المسلمين لا يدركون حق معنى شهادة لا إله إلا الله، وبحسب أصولها، وتالياً فإنهم ليسوا على الإسلام الصحيح، بل إن مقولة العمر بأن (الأنبياء جميعاً يدعون إلى لا إله إلا الله)، تحمل دلالة بالغة بأنّ ثمّة مهمّة مطلوبة بإعادة دعوة المسلمين إلى الإسلام على أساس الفهم الوهابي لعقيدة التوحيد، أي تطبيق دعوة الأنبياء على أقوامهم، وتطبيق حالة فتية الكهف في قومهم وما كانوا عليه (من شرك ومن كفر) حسب قوله. ويخلص العمر للقول (اليوم المجتمعات تعيش معاصي وآثام قد يصل في بعض المجتمعات المسلمة إلى الشرك! كما هو مشاهد..).
يقول العمر في ضوء تأملاّته في سورة الكهف (السورة مليئة بتصحيح القيم، قيم كانت من موروثات الجاهلية فجاءت سورة الكهف تصحّح هذه القيم..). ثم يخلص للقول (فعلينا أن نعرض قيمنا الموجودة الآن في مجتمعنا، هل هي تتوافق مع القيم الحقيقية التي تقررها سورة الكهف؟ أو لا؟ أو هي من آثار قيم الشرق والغرب والجاهلية وغيرها، فلنعدّلها)(20).
في التفصيل كلام خطير وعلى درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للباحث في الفكر الوهابي. فالمطارحات بطبيعة سجالية كما يقدّمها مشايخ الوهابية لا تبتغي شيئاً آخر سوى إثبات أنهم وحدّهم مصداق الفرقة الناجية، وأن ما عليه باقي المسلمين إنحرافات لا بد من تصحيحها بالعودة إلى عقيدة التوحيد، وفق المنهج الوهابي.
في الكلام عن المنهج يطرح العمر سؤالاً كبيراً: أي منهج أسلم؟، وللتوضيح، فإن سلامة المنهج وسقمه لا تخضع لمعيار الخطأ والصواب، بل تتّصل في نهاية المطاف بالإيمان والكفر. العمر يستدرك على كلام لسائل أنكر نصّاً سمعه عن من وصفهم بـ(المبتدعة في العقيدة) يقولون: مذهب السلف أسلم ومنهجنا أعلم وأحكم، فسأل: هل تعلمون مصدر القول في كتبهم؟ فأجاب العمر بما يؤكّد كلام المبتدعة ودفاعاً عنهم، بل اعتبرهم (أهل الحق من أهل السنة والجماعة)، وقال:(أما من يذكر أن منهج السلف أسلم، فبعضهم يريد أنه أسلم وأعلم، وهذا حق، فهؤلاء يعنون به أن غيرهم خرج عن طريق السلامة..). بطبيعة الحال، أن السلف المقصودون هنا هم، بعد عصر الصحابة، كل عالم ينتمي إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل والشيخ إبن تيمية وتلامذته وصولاً الى الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتنزّلين من مدرسته(21). وقد رسم العمر خط السلف بعد عصر الخلفاء والتابعين بطريقة جعل فيها الخط الحنبلي هو الإمتداد الطبيعي لهم. فبعد أن ذكر الخلفاء الراشدين ثم التابعين من أمثال عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد قال (وتمعّن في مواقف الأئمة كأحمد بن حنبل، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية، والمجدد محمد عبد الوهاب، وغيرهم من العلماء والمصلحين، وانظر في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، ورسائل الشيخ عبد الله بن حميد، تجد سعة الأفق، وبعد النظر، وفقه الأحداث والنوازل)(22).
وهنا نقف عند الموقف اللاهوتي لدى العمر من التكفير، حيث يبدي، شأن مشايخ وهابية آخرين يتناولون الموضوع نفسه، مرونة مفتعلة كونه يطرق قضية تتطلب توازناً نفسياً وعقدياً. ففي هذا المقام، يصبح العمر مرشداً متسامحاً، وواعظاً منفتحاً، بخلاف الأماكن الأخرى التي يكشف فيها العمر عن شدّة وغلظة.
في التكفير وضوابطه، بدأ العمر بموقف عقدي حاسم، حين نقل ما اعتبره مقرّراً عند أهل العلم، بأن التكفير منه واجب لا يكون إيمان العبد إلاّ به (كالحكم بكفر اليهود والنصارى وغيرهم من الكفّار الأصليين الذين لا يدينون دين الحق ولم ينتسبون إليه، وفي حكم المرتدون الذين أعلنوا الردّة وقامت عليهم الحجّة)(23).
المقدّمة النقدية التي أوحت بأن العمر يسعى إلى نزع سلاح التكفير مطلقاً وبصورة دائمة، عاد لاحقاً ليوجّه نقداً لمن ذمّ التكفير، وقال عنه بأنه (على خطر)، وذكّر بالمقولة الدراجة (تكفير من اقتضى كفره..). ولذلك، شأن علماء آخرين إنغمسوا في تكفير الآخر، ينزع سلاح التكفير من عموم الناس (أو بالأحرى جهّالهم فحسب)، ويضعه في يد من يعتقد العمر وأمثاله، بأنه قد (تمكّن في العلم)، وهنا كلام آخر، لأن السؤال التالي: من يصدق عليه مسمّى العالم؟ فهل العمر أحدهم، وبالتالي يجوز له إطلاق أحكام التكفير والردّة على من يخالف ما يراه في أحد موضوعات الدين والشريعة، ولماذا ينحضر من يحق له تحديد ما يكفّر به وما لا يكفّر في شخص بعينه، وكذلك تحرير الأعذار الشرعية وعوارض الأهلية والنظر في الأعذار وغيرها من الأسباب التي تدخل في باب الحكم بإيمان إنسان ما وكفره؟!
العمر في الوقت الذي يحظر على طلبة العلم مزاولة وظيفة تكفير الآخر، لم يحرمهم من تكفير من كفّرهم العلماء ابتداءً أو أثبتوا كفره مثل الشيعة بأطيافهم الإمامية والزيدية والاسماعلية، والإباضية، والصوفية، والمعتزلة والجهمية وغيرهم. فهو يشرح مقولة (من لم يكفر الكافر فهو كافر) بأن ذلك فحسب (في من ثبت كفره ابتداء كالكافر الأصلي، أو ثبت كفره كالمرتد بعد إقامة الحجة من أهل الشأن عليه..). فإذا حرم طالب العلم من التكفير، فهل يجوز له مراجعة أحكام التكفير التي أصدرها العلماء، أم أن المطلوب هو تأهيل طلبة علم بمثابة نسخ متماثلة، يجترّون المقولات نفسها، وإن أقصى ما يمكنهم إضافته هو مصاديق جديدة على ما قرّ من أحكام في موضوعات سابقة.
وكما يبدو، فإن المشكلة التي يحاول العمر معالجتها تقتصر على التكفير وسط طلبة العلم، وليس وسط العلماء، بل حتى استعمال التكفير من قبل طالب العلم لا يقاربها عقدياً بل يحاول تقصى آثارها الإجتماعية وما قد تؤول إليه من مخاطر عليه وعلى المجتمع.
وقد سئل العمر: هل التكفير فتنة وجريمة أم أنه دين ندين الله به؟ وسئل أيضاً: إذا تبيّن لي كفر نظام أو منهج أو حتى معيّن فهل يجوز لي أن أتوقّف عن تكفيره.. ثم إذا عاملته معاملة الكافر فهل أنا آثم، وهل ما يراه غيري من المصلحة ملزم لي خصوصاً وإن كان هناك غيرهم من أهل العلم من يرى المصلحة بالضد من رأي الأولون؟
أجاب العمر عن التكفير بقوله: ..فإن كان التكفير وفق الأصول الشرعية، وقد صدر من العلماء المشهود لهم بالعلم والمرجعية فليس بفتنة بل حكم شرعي، دلّت عليه أدلت الكتاب والسنة، ولا بد من الحكم به على من يستحقه كاليهود والنصارى والمشركين والمرتدين، خلافاً لما يطرح في بعض وسائل الإعلام المطالبة بإلغاء هذا الحكم الشرعي والتشنيع على من يقول به).
واعتبر تكفير اليهود والنصارى والمشركين والمرتدين واجب، بحسب الظاهر وأضاف (بل نصَّ علماؤنا على أن من المكفِّرات عدم تكفير مثل هذا). أما تكفير المسلم فيقول العمر (فهو الذي يرجع إلى حكم أهل العلم الراسخين فيه، الذين يعلمون الأصول الشرعية، وضوابط التكفير، وموانعه، فهؤلاء هم أهل تحقيق مناطه لا العامة وطلاب العلم في الغالب..). والخطورة هنا، كما يكشف عنها نصّ آخر (أما بخصوص ما إذا تبين لك كفر إنسان أو نظام فلا يجوز التوقف في تكفيره، ويجوز لك ألاّ تعلن ذلك للناس وأن تكتمه مراعاة للمصالح والمفاسد، أما التوقّف فهو منهج بدعي، فالناس إما مسلم أو كافر، والمنزلة بين المنزلتين منهج المعتزلة)(24).
في محاضرة له بعنوان (تفجير الكنيسة وتفجير المسلّمات) بتاريخ 29 محرّم 1432هـ، عقب تفجير كنيسة الأسكندرية والتي أحاطت الإتهامات عناصر من الجماعة السلفية في مصر، بدا الشيخ ناصر العمر في موقع دفاعي غير معهود، وتخلّى عن لهجة التشدد التي تطفح حين يكون الكلام عن الشيعة أو الصوفية أو غيرهم من الفرق المصنّفة في قائمة أهل الشرك والكفر. والسبب، أن ثمة تداعيات كبيرة على التيار السلفي وعلماء المؤسسة الدينية السلفية وعلى الحكومة الراعية للسلفية. فهو يدعو الى التثبّت وعدم التسرّع قبل أصدار الأحكام، ويحذّر من إلقاء الأحكام جزافاً.
ثمّة أمّة من نوع خاص يتصوّرها العمر، أمة يكون أفرادها متماثلين عقدياً. فهو يدعو من جهة ما إلى ألغاء التباين، وتقويض التعددية المذهبية في المجال الإسلامي لناحية توحيد الأمة على أساس مذهبي. بل يرى العمر بأن التوحيد بالمفهوم الوهابي وحده السبيل الى توحيد الأمة، ويعتب على الدعاة الذين لا يرون ذلك. يقول (فالغاية من خلق الخليقة التوحيد، والهدف من بعثة الرسل الدعوة إلى التوحيد، ومع ذلك نرى من منتسبي الدعوة من يدعي أن التركيز على التوحيد والبداءة به قد يكون عائقا أمام وحدة الأمة..). ويوضّح العمر ذلك (فجمع الكلمة وتأليف القلوب مطلب شرعي وهدف سام، ولكنه غير مراد لذاته بل لمعاني.. لأن الهدف هو الاجتماع على كلمة الحق، لنصرة الحق..). ثم يقول (والذين جعلوا الاجتماع هو الغاية والهدف، تساهلوا في أمر التوحيد..). ويخلص في نهاية المطاف للقول (لابد أن تبنى الدعوات والتجمعات على أصول وثوابت منبثقة من عقيدة التوحيد، ملتزمة بمنهج أهل السنة والجماعة،). باختصار (ولذلك فلابد عند التوحيد أن يكون (التوحيد أولاً) وإلا فلا)(25).
ثمة موقف لاهوتي لدى العمر يفصح عنه بقصد أو خلافه، ولكن لطالما تكرّر في كتاباته ومحاضراته وبياناته، منها قوله (ويزداد ألمي عندما أجد أن كثيرا من المنتسبين للإسلام، والإسلام منهم براء). ويقول في مكان آخر (والمسلمون الآن في مشارق الأرض ومغاربها-إلا من عصم الله- يُحكمون بقوانين الشرق والغرب، بقوانين اليهود والنصارى والوثنيين، ولكنهم لا يخضعون لحكم الله)(26).
وفق هذه الرؤية العقدية النمطية عن المسلمين لدى العمر، فإنه يرفض فكرة الوحدة الاسلامية، ما لم تقم على أساس التوحيد، الأمر الذي يعني تماهي المسلمين مع المذهب الوهابي، إذ لا معنى لوحدة ليست مؤسسة على التوحيد بالمفهوم الوهابي.
في محاضرة بعنوان (رمضان ودروس التوحيد)، يؤكد على أهمية تعلّم التوحيد وفق المنهج الوهابي، حيث اعتبر وجود الصليبيين والعلمانيين واليهود والنصارى خطراً على الإسلام، (وحري بنا ونحن على المذهب الحق والعقيدة الصحيحة أن نحصّ أنفسنا بالتوحيد) بأركانه الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات. ويوصى بتعليم الناس الأصول الثلاثة، وأن يقرأ كتاب (التوحيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب في المساجد. كل ذلك، لأن الامة تواجه عدواً شرساً وتواجه حرباً دينية(27).
وشأن مشايخ سابقين قد تعرّضنا لهم سابقاً، من أن لا معنى لكثرة المسلمين إن لم تكن الكثرة قائمة على التوحيد، ودائماً بالمفهوم الوهابي. في محاضرة له بعنوان (تكثير الأتباع بالوحي لا بالإبتداع) يقول فيه (ومما ينبغي أن نتنبه له.. أن كثرة الأتباع، وحشد الجماهير، وتكثير السواد قد يحصل بعضه بالباطل، وقد يكون شيء منه بالتنازل عن الدين، غير أن الكثرة الكاثرة والسواد العظيم المبارك لايمكن جمعهم إلاّ على الوحي الذي يؤلف بينهم..). ويعود للنقطة الجوهرية في مطارحته ضد الرؤية العقدية المتسامحة التي لا ترى بأن الوحدة لا تقوم إلا على عقيدة التوحيد، ويقول (إن تمييع الدين والتنازل عن بعض الثوابت قد يجمع حول الداعية خلقاً بعض الوقت، ثم لا يلبس ذلك الجمع أن ينفض..)، ثم ينتقل الى الواقع الإسلامي (ولو تأملنا في حال المجددين والمصلحين الذين تبعتهم الأمة ورفع الله ذكرهم فيها منذ القرن الأول وإلى اليوم، وجدناهم جميعاً مما يعنون بالوحي وإقامته بين الناس..أما غيرهم فسيضمحل ولو بعد حين..). فالصورة كما يراه العمر في تلك المطارحة تكون على النحو التالي (فإن لم تقم للحق دولة تنصره وترعاه، بل مات أهله في الأغلال والسجون فهو أتمّ لأجرهم، والله يرفع ذكرهم، كما رفعوا دينه الخالص، وتأمل قول بعض السلف: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز! مات أحمد بن حنبل فتبع جنازته أهل بغداد، ومات ابن تيمية فتبع جنازته أهل الشام... ومات ابن أبي دؤاد رجل الدولة فما تبعه عدد يذكر! مع أنه كان جواداً ممدحاً وكانت العامة والخاصة –سوى قلة- كانت تظهر له الموافقة خوفاً من بطش السلطان..)(28).
تركيز العمر على نقد مبدأ الأكثرية، أسوة بمشايخ وهابيين سابقة، يشي بصورة غير مباشرة بعدم إقرار بإسلامها. هكذا أيضاً تكشف النصوص التي توسّل بها لذم مبدأ الأكثرية، وفي نهاية المطاف إدانة الوحدة الاسلامية التي لا تقوم على عقيدة التوحيد بالمفهوم الوهابي. في محاضرة له بعنوان (الحرص على تكثير الأتباع يذم أصلاً ويمدح فرعاً)، استعرض أحوال الأنبياء السابقين وخصوصاً عيسى وموسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، وكيف أن كثرة أتباع عيسى عليه السلام، بحسب العمر، لم تجعله كثرة لقلّة المؤمّنين حقاً برسالته، فقد (لا يجد المتبع للوحي الداعي إليه من يتبعه، لا لخلل فيه وإنما لخلل في مجتمعه ومدعويه..)، حسب العمر.
ماسبق يؤسّس للموقف العقدي لدى العمر إزاء أمة المسلمين، التي تخضع لعملية فحص دقيق (فقد تجد بعض أهل البدع أو أهل الفسق الذين ضعف تمسّكهم بالوحي واتباعهم له قد تجد أحدهم تتبعه جمهرة، وتحتفي به ثلة لا تعبأ ببعض متبّعي الكتاب والسنة، وقد يكون ذلك غير راجع إلى خلل في الداعين ولكن إلى أن تلك الجمهرة لم يرد الله بها ذلك الخير الخاص الخالص..)، ثم يقدّم نصيحة مريحة للدعاة (فلا تغتر بكثرة الأتباع واعرض دعوتك دائماً على الوحيين، وقيمها بناء على ما أفاداً، واعلم بأن الحق ظاهر منصور..). ويشرح ذلك، ودائماً وفق الرؤية الكونية العقدية الوهابية، بأن على الداعية أن يحرص على الإلتزام بخط الدعوة وتحقيق مقصودها (فليس الأصل هو اتباعهم ـ أي الجمهور ـ له في أي طريق وبأية وسيلة، ولكن اتباع الوحي المنزل على يديه..)(29).
وكلام العمر له أصل لدى السلفيين الأوائل من أمثال إسماعيل الصابوني (من علماء القرن الرابع الهجري) (ولا يغرّن إخواني كثرة أهل البدع، فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة) وذكر حديثاً ينص (من أشراط الساعة أن يقلّ العلم ويكثر الجهل)، وقال: العلم هو السنّة والجهل هو البدعة(30).
إن طبيعة الوحي الذي عناه العمر في كلامه هو التظهير العقدي والمذهبي للنهج السلفي. وقد سئل الشيخ مقبل الوادعي عن: المنهج السلفي في الحكم على فرقة أو جماعة بأنها جماعة، ومتى يمكن إخراجها من دائرة أهل السنة والجماعة، فأجاب:
منهج أهل السنة والجماعة هو الالتزام بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح (31).
وكان الصابوني يستعمل أسماء متعددة لجهة واحدة، فحين يقول أئمة الدين، وعلماء المسلمين، والسلف الصالحين، وأهل الحديث، وأهل السنة والجماعة فإنما يقصد بهم فئة محدّدة تنتمي الى الخط الحنبلي حصرياً. توضيح ذلك ذكره الشيخ محمد السفاريني (1114 ـ 1188هـ) ما نصّه (المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة وعرف عظم شأنه في الدين وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف دون من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضي عنه مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرامية، ونحو هؤلاء..)(32).
وبحسب السفاريني، فإن مذهب السلف ينسب إلى أحمد بن حنبل، وهو (المذهب المأثور والحق الصابت المشهور لسائر أئمة الدين وأعيان الأمة المتقدّمين..) ثم قال (هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر المعروفين بالسنة المقتدى بهم فيهان وأدركت من أدركت من علماء العراق والحجاز والشام عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهم مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن سبيل النة ومنهج الحق) وخلص (وهو مذهب الإمام أحمد وإسحاق وبقى بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم)(33).
وقال عن مذهب السلف بأنه (المذهب المنصور، والحق الثابت المأثور، وأهله هم الفرقة الناجية، والطائفة المرحومة، التي هي بكل خير فائزة ولكل مكرمة راجية، ومن الشفاعة والورود على الحوض ورؤية الحق وغير ذلك..)(34).
فمن هو غير السلفي إذاً؟، يجيب الشيخ مقبل الوادعي (..فإذا ارتكب البدع.. وإذا خرج عن منهج السلف إما إلى التصوّف، أو التشيع أو إقامة الموالد أو الترحيب بالقوانين الوضعية، أو الولاء الضيق كالحزبية، التي هي ولاء ضيق فيوالي من أجل الحزب ويعادي من أجل الحزب..
فإذا كان سلفيا وهو يؤمن بالديمقراطية، فهذا ليس بسلفي ولا كرامة، وإن كان يؤمن بأن الله مستو على عرشه ويؤمن بأسماء الله وصفاته كما وردت في كتاب ربنا وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم)(35).
حين يقتصر الحديث على المنضوين تحت لواء السلفيّة، تصبح هناك أحكام ومواقف مختلفة عن تلك التي تطرح إزاء غير السلفيين.
العمر يدعو السلفيين الى النأي عن استخدام سلاح التكفير ضد أهل دعوتهم من السلفيين، ويقول:
(الأصل أن تحمل حال المسلمين على السلامة؛ السلامة من الكفر والبدع والمخالفات، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، ويتأكد هذا مع من يرفع راية الإسلام ويدعو إليه، ومن باب أولى مع من يدعو إلى منهج السلف ويذب عنه ويزعم الانتساب إليه)(36).
بطبيعة الحال، فإن للعمر رأياً آخر، حين يتعلّق الأمر بغير السلفي، فالتسامح الديني قبالة السلفي تقابله كراهية فائضة إزاء المسلم الآخر، الصوفي والشيعي والأباضي وحتى السنّي الأشعري والمعتزلي..
فهو حين يدعو إلى وحدة المسلمين، لا يعني (أن نجمع أهل الحق وأهل الباطل في صعيد واحد..فلا يصح أن يسوي بين من باين بينهم الله تعالى، كما لا سبيل إلى توحيد الحق مع الباطل)(37).
وقد ذكر اشيخ بكر أبو زيد، عضو سابق في هيئة كبار العلماء، ورئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي سابقا، في كتابه (تصنيف الناس بين الظن واليقين) ما نصّه (إن كشف الأهواء، والبدع المضلّة، ونقد المقالات المخالفة للطتاب والسنة، وتعرية الدعاة إليها، وهجرهم، وتحذير الناس منهم، وإقصاءهم، والبراءة من فعلاتهم، سنة ماضية في تاريخ المسلمين في إطار أهل السنة..)(38).
ولعل ما توهّمه العمر، أو أراد تسويقه على أنه تسامح ديني لدى الشيخ بكر أبو زيد حين انتقد أولئك الذين يرمون الناس بنعوت مثل: خارجي، معتزلي، أشعري، طرقي، إخواني، تبليغي، مقلد متعصب، متطرّف، متزمت، رجعي، أصولي..وغير ذلك إنما يحاول درء التمزّق داخل المجتمع الوهابي، حين يتقاذف أفراده مثل هذه الإتهامات بعد أن تفشّت ظاهرة الرمي والقذف وتفتيش النوايا وتصيّد العثرات، والتطاول وتمزيق الشمل والتقطّع في المجتمع الوهابي(39).
بل الكتاب كله يتحدث عن أحوال المجتمع الوهابي وما تفشّى فيه من أمراض الحسد والغيبة والتقاذف، والتنابز، والاستهزاء، والسخرية، والاستخفاف، والتشنيع المتبادل. فالحديث جلّه، إن لم يكن كلّه، يحوم حول حمى المذهب الحنبلي وامتداده الوهابي، وقد نقل نصوصاً في أسباب الألحاد، أولها (القدح بالعلماء)، وكلها حول الشيخ أحمد بن حنبل، كقول الدّرورقي (من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهمه على الإسلام)، ونقل أيضاً (أحمد محنة به يُعرف المسلم من الزنديق)، ثم يخلص (فأهل السنة يُمتحن بمحبتهم فيتميز أهل السنة بحبهم، وأهل البدعة ببغضهم)(40).
وخصّص أبو زيد الدفاع عن ابن تيمية، وثم انتقل الى علماء السلف في قلب الجزيرة العربية، ودعاة السلفية عموماً(41).
يقول (وهذا الإنشقاق في صف أهل السنة لأول مرة ـ حسبما نعلم ـ يوجد في المنتسبين إليهم من يشاقهم، ويجنّد نفسه لمتافتهم، ويتوسّد ذراع الهم لإطفاء جذوتهم، والوقوف في طريق دعوتهم، وإطلاق العنان للّسان يفري في أعراض الدعاة ويلقي في طريقهم العوائق في:”عصبية طائشة)(42). ويقول (إن تحرّك هؤلاء الذين يجولون في أعراض العلماء اليوم سوف يجرون ـ غداً ـ شباب الأمة إلى مرحلتهم الثانية: الوقيعة في أعراض الولاة من أهل السنة..) وقد وضع هامشاً بعد كلمة (الثانية)، وجاء فيها:(وهي نتيجة حتمية لمنهجهم، فلهم بالأمس أسلاف في حادثة الحرم “السوداء” عام 1400هـ..اختلفت الأساليب والغاية واحدة)(43).
يبقى أن أبو زيد خصّص باباً للحديث (إلى كل مسلم)، وفيه كلام عام حول سلامة حال المسلم، وتحريم النيل من عرض المسلم، ولا يخرج عن هذين الأصلين إلا بدليل مثل الشمس في رائعة النهار على مثلها..(44). ولكنه جعل الكلام عن المسلمين على سبيل العموم وجعل الدعاة ـ من أتباع المذهب الوهابي، على سبيل الخصوص(45).
(إعلم أن “تصنيف العالم الداعية” ـ وهو من أهل السنة ـ ورميه بالنقائص: ناقض من نواقض الدعوة، وإسهام في تقويض الدعوة، ونكث الثقة، وصرف الناس عن الخير..)(46).
وقد يكون هذا الباب من النوادر في الأدبيات السلفية، لكونه أعذر اجتهادات علماء المذاهب الأخرى من أهل السنة، مثل أبي حامد الغزالي وغيرهم. على أية حال، لقد تحدّث أبو زيد عن القدح الذي ناله لأنه لم يلتزم حرفياً بتقاليد السلفية في خطب الصلاة، وفي المنهج السلفي في الحديث والفقه. ومع ذلك، فإنه قال كلاماً لو جمع مع أقوال أخرى وجدته مسيئاً في مقصده، كقوله:
(أما المبتدعة فلا والله، فإنا نخافهم ونحذرهم، ولواجب البيان نحذِّرهم من بدعهم، فاحذر مخالطتهم، والتلقى عنهم، فإن ذلك سم ناقع)(47).
فالعمر يتمسّك بأن لا مناص من التوحيد، بالمفهوم الوهابي، كشروط لازم لوحدة المسلمين، وهذا ما يعمل دعاة الوهابية على تحقيقه. ويطمئنهم بنصوص مختارة (وعلى دعاة التوحيد ألا يغتروا بتلك الدعوات الهادية إلى الإنحراف بالمسيرة، بل ليكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم”لا يزال من أمتى أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك”..كما أن عليهم أن يدركوا أن قيامهم بالدعوة إلى التوحيد وما يقتضيه تتضمن الدعوة إلى الدين كله..)(48).
من مصاديق الرؤية العقدية الكونية لدى العمر، ما ذكره في حكم الدخول في البرلمانات، وهل يتعارض مع السياسة الشرعيّة. وللإجابة، يفرّق العمر بين ثلاث أنظمة حكم: نظام إسلامي عادل، ونظام إسلامي ظالم، نظام يحكم بالكفر. في حالة نظام الحكم الإسلامي العادل، فإن إنشاء هذه المجالس والمشاركة فيها جائز وفي بعض الحالات يكون واجباً إذا أمر ولي الأمر بذلك. أما إذا كانت الدولة إسلامية ولكنها ظالمة، فإن الدخول في المجالس والمشاركة فيها (يتوقف على صيغة نظام المجلس، ومدى تحقق المصالح ودفع المفاسد، وذلك بمراعاة قواعد تحصيل أعظم المصلحتين، ودفع أكبر المفسدتين، بحيث لا يترتب على مشاركته مفسدة أعظم، أو يفوت بتلك المشاركة مصلحة أكبر). والأصل في المشاركة هو الجواز، والمنع طارىء، أما إن كان النظام كافراً (فإن الأصل هو عدم جواز المشاركة في تلك البرلمانات..). ولكن ثمة استثناء في المشاركة يذكره العمر وفق ضوابط محددة: 1- ألاّ يترتب على المشاركة إقرار للكفر أو عمل به. 2- أن تكون مصلحة المشاركة ظاهرة متحققة لا خفية أو موهومة أو لا اعتبار لها. 3- ألا يترتب على تلك المشاركة مفسدة أعظم من المصالح المُراد تحقيقها، أو المفاسد المُراد درؤها ودفعها.
ويستدرك العمر، ليضع اعتبارات أخرى للمشاركة في المجالس منها: أن حق التشريع مقصور على الوحي، ولا يجوز لأحد من البشر مزاحمة هذا الحق. أن المشاركة في هذه المجالس لا تلغي مبدأ الولاء والبراء، بل يجب أن تكون هذه المجالس ميداناً لبيان هذه القضية وتحقيقها والصدع بها حسب مقتصيات المصلحة الشرعية، أن المشاركة في هذه المجالس ليست بديلاً عن المنهج النبوي في إقامة دولة الإسلام وتغيير الواقع الكفري، وإنما هي من أجل تحقيق المصالح وتخفيف المفاسد، وأن المشارك في هذه المجالس يجب أن يُظهر للناس أن مشاركته لا تستلزم الرضا بواقع هذه الأنظمة المخالفة للشرع ومؤسساتها الديمقراطية.
فكيف يمكن تحقيق مبدأ أن حق التشريع مقصور على الوحي في ظل دولة كافرة؟ وكيف يكون تطبيق مبدأ الولاء والبراءة في حال المشاركة في مجلس برلماني في دولة كافرة؟(49).
العمر والشيعة

حين يتعلق الأمر بالشيعة، فإن الشيخ ناصر العمر لا يبدي أي تحفظ من أي نوع، بل لا يلتزم بأي معيار بخصوص تكفير المعيّن أو العموم، ولا يتوقّف بحال عند الضوابط المرصودة في التكفير، أو بالأحرى في موانع التكفير. ربما يكون تواتر تكفير الشيعة في المصنّفات السلفية، وعلى وجه الخصوص منذ زمان الشيخ إبن تيمية حرم شيوخ الوهابية من مجرّد النظر ـ وليس إعادته أو مراجعته ـ فيما جاء في المصنّفات تلك. ولذلك، فإن العمر يسوق حكم التكفير دون ضوابط لا في الشكل اللفظي ولا في المضمون الحكمي، فضلاً عن النزعة الاجترارية لدى العمر، والتي تدفع الى تكرار ذات الحكم، وبالألفاظ نفسها التي وردت إما في كتب إبن تيمية وتلامذته أو ابن عبد الوهاب وعقبه.
جاء في إجابته عن موقفه من الشيعة بأن (موضوع الروافض ـ أي الشيعة ـ من أخطر المواضيع في هذا الزمان، والذي أراه أن الروافض [ولاسيما المدركين لحقيقة المذهب القائلين بها قد يكونون] أخطر من اليهود والنصارى)، وفي الواقع، ليس هو من يرى ذلك ابتداءً، بل سبقه عشرات من مشايخ السلفية من إبن تيمية وصولاً الى علماء الوهابية المعاصرين. يقول العمر (وقد بينت رأيي في الرافضة وخطورتهم قبل قرابة أربعة عشر عاماً في المذكّرة التي قدّمتها إلى هيئة كبار العلماء بعنوان (الرافضة في بلاد التوحيد) وأشرت إلى هذا في عدد من دروسي ومحاضراتي..). ويسوق العمر أمثلة لإثبات ما يعتقده تحقيقاً لما توصّل إليه قبل أربعة عشر عاماً ـ بل وحتى الآن. لهذا السبب، يرى العمر بأن (محاولات التقريب والدعوة للتقريب فهذه كلها تخدم العدو..)(50).
في تقريره (واقع الرافضة في بلاد التوحيد)، الذي رفعه لهيئة كبار العلماء في 10 ذي القعدة 1413هـ كتب العمر ما نصّه: أمّا الطامّة الكبرى فهي أن عدداً من المدارس الإبتدائية في القطيف وقراها يقوم المدرسون الرافضة بتدريس المواد الشرعية كالقرآن والفقه والتوحيد , بحكم أنه لا يشترط في مثل هذه المرحلة التخصص!”(51).
وحول تدريس المدرّسات الشيعيات، فقال بشأنهن: (إن المدرسات الرافضيات كثيرات فمنهن من يدرس في القطيف وقراها ومنهن من يدرس في ديار أهل السنة قريبة كانت أو بعيدة، قال أحد رجال الحسبة - في حفر الباطن-: ( إن بناتنا يعدن بعد المدرسة فنفاجأ بثنائهن على مدرساتهن الرافضيات ونحس بتأثير معاملتهن عليهن ). ويعلّق (فأي خطر على معتقدات أهل الإسلام أعظم من أن يكون قدوة شبابهم الرافضة ومعلموهم المبتدعة؟)(52).
في المقابل، يذكر (أن غالب مديري ووكلاء ومرشدي مدارس القطيف وقراها من الرافضة، مما يحول بين الطلاب وبين المدرسين من أهل السنة, ولذا فطالما أخذت العهود والمواثيق على مدرسي التربية الإسلامية بأن لا يتطرقوا إلى موضوعات خارج المقرر المدرسي – كي لا يتحدث عن معتقداتهم -, وفي المقابل يفتح المجال للمدرس الرافضي للدعوة في صفوف الطلاب وللتنفير من أهل السنة حتى لا يأخذ الطالب عنهم علماً ولا يرعى لهم سمعاً)(53).
فالعمر، بحسب قراءة هذه الفقرات، يخوض نقاشاً من نوع خاص، لا ينتمي للنقاشات الحقوقية أو السياسية، فهو يرفض أن يكون معلمو الطلبة الشيعة من أتباع المذهب الشيعي، ويعدّ ذلك أمراً منكراً، بينما المطلوب، كماه يراه العمر، هو أن يفتح الباب أمام المعلّمين الوهابيين للتبليغ بالعقيدة السلفية وسط الطلبة الشيعة. قد يبدو العقل الحر عاجزاً عن استيعاب هذا الجنوح الجنوني، خصوصاً في ظل ثورة حقوقية جعلت من حرية الاعتقاد والتعايش بين المعتقدات ركيزة السلام الأهلي، فيما لا يزال شخص أو بالأحرى جماعة مفتونة بمخلّفات القرون المظلمة التي تنادي بسياسة التطهير الطائفي والعرقي واقتراف جريمة الإبادة الثقافية (Cultural Genocide).
ما يبعث على الغرابة كلامه عن غياب مشايخ وهابيين في القطيف، فيما يكثر مشايخ وعلماء الشيعة في مناطقهم (إن المتأمل في حال المنطقة الشرقية ليداخله كمد وأسى لما يرى من قلّة وندرة علماء أهل السنة فيها. أما بالنسبة للرافضة ففي القطيف ونواحيها يوجد كثير من علماء الرافضة الكبار ولهم طلاب وأتباع جادون في العمل بين أبناء ملتهم ومذهبهم. ولا تخلو قرية من قرى القطيف من عالم رافضي)(54). للتذكير فحسب، تعتبر محافظة القطيف شيعية خالصة.
وينكر العمر على الشيعة دفاعهم عن مذهبهم وردّ الإتّهامات التي تنال من عقيدتهم، وينكر على الشيعة عدم سماحهم لعلماء الوهابية بالدعوة في أوساطهم، ويعتبر ذلك من التقصير!
الأنكى من كل ما سبق هو ما ورد في توصيات تقرير العمر، والذي جرى حذفه من التقرير في سنوات لاحقة، حيث تشتمل التوصيات على ما يمكن وصفه بـأدلّة دامغة على (جريمة الإبادة الجماعية). حيث طالب العمر بإيقاف نشاط جميع علماء ودعاة وملالي الشيعة، وفرض الإقامة الجبريّة عليهم، ومنعهم من التدريس أو الحديث للناس في مجامعهم ومنتدياتهم، أو تأليف الكتب وكذا سائر الأنشطة الأخرى، وإيقاع العقوبة الرادعة لم يثبت منه مخالفته لذلك، ومنع الشيعة من تولي المناصب العليا وتسنم المواقع المهمة: كأستاذية الجامعات، وإدارة المدارس، ورئاسة الأقسام، والدوائر، وجميع الوظائف والرتب العسكرية، وجميع الوظائف التي لها علاقة وصلة بالمجتمع كالأمن، والصحة، والإعلام، فضلاً عن الدوائر الشرعية كالقضاء، والهيئات، ووزارة الحج، كما أنهم يجب أن يُمنعوا من التدريس بكل قطاعاته وتخصّصاته وبخاصة تدريس المرحلة الإبتدائية لما يُخشى من تلويث فطرهم والتأثير على معتقدهم.
ويمضي العمر في تدابير سياسة التطهير، ومنها: إيجاد حل سريع لمدّهم، وتكاثرهم، وزحفهم المخطط على المنطقة الشرقية وعلى غيرها من المناطق الأخرى، لما في ذلك من الخطر على معتقدات وأمن هذه البلاد. وأيضاً: أن ينتدب طائفة من العلماء وطلبة العلم أنفسهم لتلك المنطقة: فينشرون العلم والدعوة، ويُعلّمون السنة، ويقمعون البدعة..وكذلك: أن يكثّف أهل السنة نشاطهم الدعوي، ببث الدعاة في جميع الأوساط لتبليغ المعتقد السلفي السليم من شوائب الابتداع – وبخاصة في مناطق وجود الرافضة -.
وقد وضع العمر خطّة متكاملة لكيفية إرغام الشيعة على التحوّل الى المذهب الوهابي من خلال تكثيف حملات التبليغ والدعوة وتوزيع الكتب والأشرطة وإقامة الإمسيات (لبيان المذهب الحق وبيان ماهم عليه من باطل وزيغ)، والهدف هو (فلعل هذه الجهود أن تثمر، وأن يرغب المبتدعة في دين الإسلام وبذلك تقوم الحجة وتبرء الذمة ويحتفظ أهل السنة بسلامة معتقدهم)..
يقدّم العمر ذلك وهو يستحضر فتوى 1927، التي صدرت عن علماء الوهابية في الرياض حين تقدّموا بما يشبه مانيفستو وهابي، طالبوا فيه إبن سعود بإرغام الشيعة على التحوّل الى المذهب الوهابي. يزيد العمر على ذلك بالمطالبة بشن حملّة كراهية في سائر أنحاء الجزيرة (عن خطر التشيّع والرفض على الإسلام ـ أي الوهابية ـ وبيان زيغه وضلاله وفضح ذلك المذهب وأتباعه على رؤوس الأشهاد).
وختم توصياته بجملة تنمّ عن عقلية مأزومة ومؤامراتية بامتياز (وليُعلم أن ما تُرك وجُهِل فوق ما ذُكِر وعُلِم..).
في سياق نزعته التكفيرية بخلفية طائفية، يعتبر العمر في مداخلة له تلفزيونية، الحرب ضد الحوثيين بأنها (حرب عقدية)، ما يعني أنها حرب بين الحق والباطل والإيمان والكفر(55).
وفي محاضرة له حول الصحافيين، إستكمل فيها ما اعتبرها العمر قائمة الأعداء. فبعد أن صنّف الشيعة واليهود والنصارى كأعداء، أفرد محاضرة خاصة حول رجال الأعلام والكتّاب في الصحف المحلية واعتبرهم منافقين وهم شركاء مع الشيعة واليهود والنصارى في العداوة ضد المسلمين (= الوهابيين). وكان قد نظّر طويلاً حول تحالف الليبراليين والرافضة واليهود والنصارى.
جاء هجوم العمر كرد فعل على انتقادات الصحافيين والكتّاب لتصرّفات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجاوزاتهم، حيث اعتبر العمر تلك الانتقادات بمثابة تجاوزات على الشريعة. في الواقع، كان العمر يدافع عن الانتقادات ضد الشيخ صالح الفوازان ومواقفه التكفيرية، والتي اعتبرها العمر (هجمة شرسة)(56).
التكفير مفتوح

في سياق تكفير الآخر، يدلي العمر بدلوه في موضوع دارج في موضوعات التكفير الوهابية، وهو السفر الى بلاد الغرب، أو بلاد الكفر، بحسب القاموس اللاهوتي الوهابي. فقد سئل عن حكم السفر الى بريطانيا، لتعلم اللغة الانجليزية، حتى مع الحاجة اليها في الدراسة الجامعيّة؟ وبحسب السائل: مع العلم أني سأسكن مع عائلة مسلمة. جاءت إجابة العمر على النحو التالي: لا يجوز للمسلم السفر إلى بلاد الكفار للإقامة فيها إلا لضرورة أو حاجة ملحّة معتبرة، كطلب علمٍ لا يوجد في بلادهم من علوم الدنيا، والأمة بحاجة إلى هذا العلم، أو للدعوة إلى الله، أو للعلاج، وما شابه ذلك من الحاجات الضرورية؛ لأن الإقامة بين ظهراني المشركين محرمة؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين” (أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن من حيث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه)، والمهم أن تكون إقامة المسلم في بلاد الكفر لسبب مشروع.
ومن سافر إلى هناك لسبب مشروع فعليه بإظهار دينه، وإلا فليرجع إلى بلده.
وتعلم اللغة الإنجليزية لا يحتاج إلى سفرٍ وتعرضٍ للفتن، بل مراكز تعليم اللغة الإنجليزية منتشرة في جميع أرجاء البلاد، فلتتق الله أيها المسلم، ولتحرص على الابتعاد عن مواطن الفتن، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه(57).
في ختام قراءة المواقف التكفيرية للعمر، تبدو الإجترارية سمة بارزة في كتاباته، فهو لا يتجاوز التكفير الوهابي في الشكل والمضمون، وحتى الموضوعات المراد مقاربتها تبدو متطابقة، وكأن العقل الإجتراري لا يكف عن النأي عن خط التجديد والتطوّر، ويبقى أميناً لسلفيته الساكنة، حتى في بعدها التكفيري.
المصادر

1 ـ ناصر بن سليمان العمر، الحديث عن التوحيد، بتاريخ 5 صفر 1427هـ أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/83159
2 ـ ندوة مشتركة بعنوان (أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك)، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/cat_audio/151?page=2
3 ـ الشيخ ناصر العمر، التوحيد أولاً، نسخة على برنامج وورد، ص 1 ـ 2، أنظر رابط الموقع والكتاب:
http://almoslim.net/naser/all_book_naser
4 ـ الشيخ ناصر العمر، المصدر السابق، ص 4؛ 5 ـ المصدر نفسه، ص 12؛ 6 ـ المصدر نفسه، ص 13؛ 7 ـ المصدر نفسه، ص 19؛ 8 ـ المصدر نفسه، ص 20؛ 9 ـ المصدر نفسه، ص 21؛ 10 ـ المصدر نفسه، ص 22؛ 11 ـ المصدر نفسه، ص 23؛ 12 ـ المصدر نفسه، ص 23؛ 13 ـ المصدر نفسه، ص 24؛ 14 ـ المصدر نفسه، ص 26؛ 15 ـ المصدر نفسه، ص 29؛ 16 ـ المصدر نفسه، ص 35؛ 17 ـ المصدر نفسه، ص ص 46 ـ 48؛
18 ـ عن شبكة السلفي، أنظر:
http://alsalafy.com/vb/showthread.php?t=231
19 ـ ناصر العمر، التوحيد واعتزال مواطن الفساد، بتاريخ 11/9/1432هـ، ليدبّروا آياته (3) - الحلقة العاشرة، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/151229
20ـ الشيخ ناصر العمر، محاضرة بعنوان (تصحيح العقيدة والفكر) بتاريخ 6 رمضان 1432هـ، أنظر الرابط التالي:
http://almoslim.net/node/150895
21 ـ ناصر بن سليمان العمر، في المنهج(1): أي منهج أسلم؟، بتاريخ 10/11/1426هـ، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/83034
22ـ الشيخ ناصر العمر، فقه الواقع، ص 31 ـ 32، نسخة الكترونية محفوظة في موقع (المسلم) على الرابط التالي:
http://almoslim.net/naser/all_book_naser
23 ـ الشيخ ناصر العمر، التكفير: ضبط وتحدذير، بتاريخ 24 محرم الحرام 1431هـ في موقع المسلم أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/122524
24 ـ مقابلة مطوّلة مع الشيخ العمر مع موقعه (المسلم) بتاريخ 23 /6/1427هـ أنظر الرابط التالي:
http://almoslim.net/node/132564
25 ـ الشيخ ناصر العمر، التوحيد وشبهة الوحدوية، بتاريخ 19/8/1431هـ، موقع المسلم، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/131991
26 ـ الشيخ ناصر العمر، أسباب تخلّف المسلمين، كتاب محفوظ على برنامج ورود على الرابط التالي:
http://www.4shared.com/document/W5_7VAMO/___-__.htm
27 ـ الشيخ ناصر العمر، رمضان ودروس التوحيد، أنظر الرابط التالي:
http://www.almoslim.net/node/88093
28 ـ الشيخ ناصر العمر، تكثير الأتباع بالوحي لا بالإبتداع، موقع المسلم، بتاريخ 27/12/1430هـ، أنظر الرابط التالي:
http://almoslim.net/node/121457
29 ـ الشيخ ناصر العمر، الحرص على تكثير الأتباع يذم أصلاً ويمدح فرعاً، ثبّت في موقع (المسلم) بتاريخ 19/12/1430هـ، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/121121
30 ـ اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، عقيدة السلف وأصحاب الحديث..أو الرسالة في اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة، دراسة وتحقيق، د. ناصر بن عبد الرحمن بن محمد الجديع، دار العاصمة، الرياض، ط2، 1998، ص 148
31 ـ أنظر الرابط
http://www.muqbel.net/files.php?file_id=5&item_index=5
32 ـ العلامة الشيخ محمد بن أحمد السفاريني، لوامع الأنوار البهيّة وسواطع الأسرار الأثرية..شرح الدرّة المضيّة في عقيدة الفرقة المرضيّة، دار الخاني، الرياض، ط3ـ 1991، ص 20
33 ـ السفاريني، المصدر السابق، ص 21؛ 34 ـ السفاريني، المصدر السابق، ص 25
35 ـ أنظر الرابط:
http://www.muqbel.net/files.php?file_id=5&item_index=5
36 ـ الشيخ ناصر العمر، الإنقسام السلفي..أسبابه وعلاجه، ورقة منشورة بتاريخ 17 ذي القعدة سنة 1432 هـ في موقع (المسلم)، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/154296
37 ـ الشيخ ناصر العمر، التفريق بين المسلمين، بتاريخ 30/4/1429هـ، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/92990 38 ـ بكر بن عبد الله أبو زيد، تصنيف الناس بين الظن واليقين، دار العاصمة، (د.ت)، ص 8
39 ـ بكر بن عبد الله أبو زيد، المصدر السابق، ص 10؛ 40 ـ المصدر نفسه، ص 27؛ 41 ـ المصدر نفسه، ص 28؛ 42 ـ المصدرالسابق، ص 40؛ 43 ـ المصدر السابق، ص 54؛ 44 ـ المصدر السابق، ص ص 75، 76؛ 45 ـ المصدر نفسه ص 78؛ 46 ـ المصدر نفسه، ص 79؛ 47 ـ المصدر نفسه، ص 92.
48 ـ الشيخ ناصر العمر، دعوة التوحيد للانطلاق لا الجمود، بتاريخ 19/12/1428هـ، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/84308
49 ـ الشيخ ناصر بن سليمان العمر، الدخول في البرلمانات.. هل يتعارض مع السياسة الشرعية؟، بتاريخ 26/12/1425هـ، نشر في موقع (المسلم)، أنظر الرابط:
http://almoslim.net/node/82533
50 ـ مقابلة مطوّلة مع الشيخ ناصر العمر مع موقعه (المسلم)، بتاريخ 23/6/1427هـ، أنظر الرابط التالي:
http://almoslim.net/node/132564
51 ـ ناصر العمر، واقع الرافضة في بلاد التوحيد، رسائل العقيدة، نسخة الكترونية، نشر سنة 1413هـ/1992، ص 6؛ 52 ـ المصدر السابق، ص6 ـ 7؛ 53 ـ المصدر السابق، ص 7؛ 54 ـ المصدر السابق، ص 12
55 ـ (رؤية شاملة في أحداث الحودثيين) مثبّتة في موقع العمر (المسلم) بتاريخ 22/11/1430هـ:
http://almoslim.net/cat_audio/151?page=1
56 ـ ناصر العمر، منافقو الصحافة، محاضرة بتاريخ 27/8/1427هـ، أنظر الرابط التالي:
http://www.almoslim.net/cat_audio/151?page=3
57 ـ نقلاً عن موقع الشيخ ناصر العمر على شبكة الإنترنت، أنظر الرابط:
http://ar.islamway.com/fatwa/12700
(javascript:onClick=history.go(-1);)

salimo123
2013-01-11, 19:36
الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

مـشـايــخ الـتـكـفـيـــر

الشيخ سعد البريك

الجزء ( 5 )

سعد الشريف

http://www.alhejazi.net/images/saad_albarak_77_210.jpg الشيخ سعد البريك (مواليد 1962)، داعية وإمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود بظهرة البديعة، غربي العاصمة الرياض، منذ أكثر من 25 عام. إلتحق بجامعة الإمام محمد بن سعود وتخرّج فيها، وحصل على شهادة الدكتواره من المعهد العالي للقضاء ـ قسم الفقه المقارن، عن رسالة بعنوان (تنصيص اختيارات الإمام الخطابي الفقهية). يعمل حالياً مستشاراً ونائبا لرئيس اللجنة العليا في مكتب الأمير عبدالعزيز بن فهد للبحوث والدراسات، ويتولى في الوقت نفسه عدداً من الوظائف منها: عضو لجنة التربية العليا التي كان يرأسها الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد السابق، وعضو اللجنة الفرعية المنبثقة عنها والتي يرأسها الشيخ عبدالله المطلق، وعضو فريق مناصحة السجناء التي شكّلتها وزارة الداخلية برئاسة الأمير نايف لتبديل قناعات عناصر الجماعات المسلّحة والقاعدية، والمشرف العام على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالبديعة والصناعية الجديدة، وعضو الهيئة الشرعية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وعضو مجلس أمناء مؤسسة الوقف الإسلامي في السويد وفي مجلس أمناء مسجد التوحيد في هاتشي يوتشي بمدينة طوكيو في اليابان.
يكتب في الصحف والمجلات وله حضور إعلامي وشعبي لافت عبر الصحافة والقنوات الفضائية، وكذلك مشاركاته في عدد من الندوات والمؤتمرات في عدد من قارات العالم. لعب دوراً محورياً في مشروع المناصحة بهدف إقناع عناصر الجماعات المسلّحة بحرمة الخروج على الدولة السعودية، حتى بات ينظر إليه باعتباره داعية سلطوياً بامتياز، كما يظهر بوضوح أيضاً في مواقفه من الحركات المطلبية السلمية في البلاد. وقد إشتهر بموقفه من الاحتجاجات الداخلية، حيث أثار مقطع له في برنامج مباشر بثّ على قناة (المجد) السلفية لدعوته (لتهشيم كل جمجمة) في رد فعل على دعوة التظاهر الشعبي في 11 آذار (مارس) 2011..
صنّف البريك الكثير من الأبحاث المنشورة في مجلات سلفية، وله فتاوى مثبّتة في موقعه على شبكة الإنترنت، وتكشف عن رؤيته العقدية حيال الكون والمجتمعات والوقائع الجارية، وسنحاول هنا إلقاء الضوء على آرائه ومواقفه في موضوع التكفير على وجه الخصوص.
البريك والرؤية الكونية

يمكن المجادلة ابتداءً بأن الشيخ البريك، شأن كثيرين من العلماء والمشايخ في المدرسة الوهابية، لا يمارس القتل على خلفية عقدية، ولكن يحرّض عليه، من خلال صوغ رؤية عقدية للكون تضع الأغلبية الساحقة من سكان الأرض، بمن فيهم المسلمين من غير الوهابيين، في خانة الكفّار أو المشركين، أو المبتدعة، فيأتي الآخر الجاهز لتحويل تلك الرؤية العقدية الى حكم شرعي فيحيله عملية انتحارية (يسمونها زوراً إستشهادية)، أو حزاماً ناسفاً، أو سيارة مفخّخة، أو مسدس كاتم صوت..ولا يجد البريك وأهل دعوته في ذلك ضيراً طالما أن الأضرار تقتصر على الآخر، ولا تصل إلى الدار، ولا تلحق الضرر بولاة الأمر، بالنظام السعودي..!
في تصوير لأحوال نجد العقدية قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كتب البريك (في القرن الثاني عشر الهجري، وقبيل ظهور دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ، اتسمت هذه البلاد وما حولها بسمة الجهل والفقر والتخلف..كما كان الجهل بالشريعة والإعراض عن الدين مستحكماً فقد شاعت البدع وساد الغلو وفشت المنكرات والشركيات والخرافات وشاعت مذاهب الحلول والإلحاد التي تولى كبرها ابن عربي وابن الفارض). ومن هنا على وجه التحديد يبدأ تقعيد التكفير وتبرير ما يليه من أحكام.
ثم ينتقل الى حال البلاد الاسلامية عموماً (ولم تكن هذه البلاد بأسوأ حالاً من كثير من بلاد الإسلام الأخرى فقد كان العالم الإسلامي في ذلك الوقت يعيش أوضاعاً دينية ودنيوية في غاية السوء، وكان الإسلام قد عاد غريباً..)، والغربة هنا تعني العودة الى الجاهلية بحسب البريك، بكل صورها.
ماذا جرى بعد ذلك؟
ما سبق كان تمهيداً لمرحلة يكون فيها ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضرورياً، حيث يلعب، بحسب البريك، دوراً خلاصياً لإنقاذ الأمة من الشرك وإعادتها الى الإسلام، يقول (في ظل هذا الزمان العصيب وفي ثنايا هذه الظروف الصعبة والأحوال السيئة، أبى الله إلا أن يظهر نور الإسلام، فبدأت أنوار الحق والهدى تشع في الأفق..)، أي حين شرع الشيخ إبن عبد الوهاب (ببيان عقيدة التوحيد ونشر السنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكبْتِ البدع والمحدثات..)، وكان يهدف كما يقول البريك (لإقامة مجتمع مسلم يصطبغ بصبغة التدين..أقام دعوته على هذا المنهج السليم فسعى إلى ترسيخ التوحيد ونبذ الشرك والمحدثات وإقامة فرائض الدين وشعائره وتحقيق العدل وبناء مجتمع إسلامي..).
يذكّر كلام البريك بما قاله الشيخ ابن عبد الوهاب عن نفسه حين بشّر بدعوته وسط سكان نجد، ولعلّه استلهم ذلك بما قاله الشيخ ابن تيمية عن نفسه حين قال في محضر السلطان المملوكي (من قام بالإسلام أوقات الحاجة غيري؟ ومن الذي أوضح دلائله وبيّنه؟ وجاهد أعداءه وأقامه لما مال؟ حين تخلى عنه كل أحد، ولا أحد ينطق بحجته ولا أحد يجاهد عنه وقمت مظهراً لحجّته مجاهداً عنه مرغباً فيه؟). وقال أيضاً (كل من خالفني في شيء مما كتبته فأنا أعلم بمذهبه منه..)(1).
وردت جمل ذات إيحاءات إقتلاعية من قبيل أن الشيخ ابن عبد الوهاب كان له (الأثر الأكبر في إظهار الدين والإنتصار للسنّة) وأنه لم يَمُتْ إلا وقد رأى (راية السنة الخفاقة..). والأخطر أنه افترض أن ما قام به الشيخ إبن عبد الوهاب هو إعادة بناء (إمة الإسلام) بقوله (لقد كانت هذه الدعوة الإصلاحية إمتداداً للمنهج الذي كان عليه السلف الصالح أهل السنة والجماعة، وهو منهج الإسلام الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعين وأئمة الدين من الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الحديث والفقه). ونقل البريك مؤيّداً كلاماً لأحد من وصفهم (أهل العلم الذين عايشوا هذه الدعوة ـ الوهابية ـ ودولتها المعاصرة وعلماءها وأهلها عن كثب)، ما نصّه (إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: عودة إلى الإسلام في أول أمره ومطلع فجره ومتى قلنا ذلك كفينا أنفسنا عناء الجدل العقيم، وهي حركة تجديد وتطهير). وغفل البريك عمّا ينطوي عليه هذا النص من طامة المصادرة لتاريخ المسلمين عموماً، واعتبارهم أنهم لم يكونوا مسلمين حقيقيين حتى جاء الشيخ ابن تيمية أولاً ثم من بعده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليخرجوا الناس من الظلمات الى النور، كما فعل ذلك رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
ولو وقفنا على ما ذكره البريك في (أهداف الدعوة) التي جاء بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب لعلمنا بأنّه إنما جاء لدعوة المسلمين الى الإسلام، كما يظهر من بيان البريك لحال الأمة أو حسب قوله (لا بد ونحن في صدد بيان عظيم منة الله تعالى على الناس بهذه الدعوة المباركة أن نبين بشيء من التفصيل حال أهل الجزيرة والعالم الإسلامي وما كانوا عليه من الشركيات والكفريات والبدع المهلكات: فقد كانت عبادة الأصنام من بشر وشجر وحجر منتشرة..)، وأكثر من ذلك (وكان كثير ممن يدَّعون العلم والفقه متلبَّسون بالشرك الأكبر ويدعون إليه ولو سمعوا إنساناً يجرَّد التوحيد لرموه بالكفر والفسوق). واستدل في ذلك بقول للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن (وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن..).
فقد وصف حال بلاد نجد واعراضها عن دين الله والجحد بأحكام الشريعة، وبلاد الحرمين الشريفين وتفشي الإعتقادات الباطلة والطرق المبتدعة، والإستغاثة عند قبور الأولياء والصالحين، وما يجري من اختلاط النساء والرجال وفعل الواحش والمنكرات وسوء الأفعال (دون تحديد مصدر أو مرجع)، وكذلك في الطائف وما يجري عند قبر ابن عباس، وبندر جدّة..ثم ينتقل من الجزيرة العربية الى خارجها، فيذكر مصر بما نصّه (وأما بلاد مصر وصعيدها وفَيُّومها وأعمالها، فقد جمعت من الأمور الشركية والعبادات الوثنية والدعاوى الفرعونية ما لا يتسع له كتاب لاسيما عند مشهد أحمد البدوي وأمثاله من المعبودين، فقد جاوزوا به ما ادَّعتْه الجاهلية لآلهتهم، وما لم يُنقَل مثله عن أحدٍ من الفراعنة والنماردة). وزاد على ذلك (وقد استباحوا عند تلك المشاهد من الفواحش والمنكرات والمفاسد ما لا يمكن حصره..)، ثم يضيف (وقُلْ مثل ذلك في ما يجري في بلاد اليمن وأرض نجران وبلاد الشام والموصل وبلاد الأكراد وفي العراق).
وفق تلك الرؤية الكونية التي تصوّر حال الأمة الإسلامية بهذا السوء (استدعت بالضرورة دعوة إصلاحية شاملة تقوم على تجديد الدين بإحياء ما اندرس منه وبإصلاح أحوال الأمة في سائر نواحي الحياة..وجماع ذلك كله: إخلاص العبادة لله وحده والعمل بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله). وهل تكفير الأمة يتطلب مزيداً على ذلك، أو بكلام آخر وهل التكفير يستوجب تأصيلاً وتقعيداً أقوى مما ذكره البريك؟ مع لفت الإنتباه إلى ما ختم به هذا المقطع (فقامت هذه الدعوة الإصلاحية المباركة تحقيقاً لوعد الله تعالى بتجديد الدين ونصر المؤمنين وبقاء طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة). ومن ذلك أنه تصدّى (للردَّ على من تنكَّب عن سبيل الله القويم وصراطه المستقيم واتَّبع سبيل التحريف والتعطيل على اختلاف نِحَلِهم وبِدَعِهم وتَشَعُّب مقالاتهم وطرقهم..ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك من قياس فلسفي أو تعطيل جهمي أو إلحاد حلولي أو تأويل معتزلي..)(2).
وفي محاولة لنفي أي صلة بين الوهابية والخوارج، لما لحق بالأخيرة كفرقة موصومة بالتكفير، يضع البريك فروقاً بينهما بما ينفي الصلة بينهما وإثباتها مع غيرها، ومن بينهم الشيعة، كالطعن في الصحابة على أساس أن (أهل السنة أتباع هذه الدعوة ـ الوهابية ـ فإنهم يوالون كل الصحابة ويترضون عنهم).
في السياق نفسه، إرتبط مبدأ الخروج على الحاكم بالحكم عليه بالكفر البواح المخرج من الملّة، وقد حاول البريك تبرئة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الخروج على الدولة العثمانية، مقتصراً على بعض مناطق الجزيرة العربية التي كانت خاضعة رمزياً للحكم العثماني، متجاهلاً ما أحدثته كتائب الوهابية في العراق وبلاد الشام وكانتا تحت الحكم العثماني التام. يقول البريك عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه (لم يكن يتقصَّد الخروج على الخلافة ولا ينوي معارضتها، بل كان يرى أن ما يقوم به من الدعوة أمر واجب شرعاً لا علاقة له برضى الخلافة، وأنه لم يفتئِت عليها في ذلك..)، وفي ذلك إقرار ضمني بالخروج على الدولة العثمانية، التي قال عنها بأنها (سقطت واقعة تحت طائلة البدع و التصوف، وكانت تتبنى البدع وتؤيد الطرق الصوفية وتنشرها وتحميها وتسخر لها الإمكانات والإدارات والأوقاف ويتسابق ولاتها وأمراؤها إلى ذلك). وأضاف (فأسهمت في ترسيخ بدع الأضرحة والقباب والمزارات والمشاهد البدعية ووقع خلفاؤها المتأخرين تحت تأثير شيوخ الطرق البدعية وانصرفت قلوبهم لغير الله فانهزمت نفوسهم وانحرفت عقيدتهم، واتجهت إلى طلب النفع ودفع الضر من غير الله وأصيبت عباداتهم وأعمالهم بداء التصوف). وهل ذلك القول سوى تبرير الخروج عليها، ومحاربتها، بحجة أنها دولة بدع، وأن دعوة إبن عبد الوهاب هي الحق، فهل يحتاج المرء لأكثر من ذلك كي يصل إلى نتيجة أن الوهابية نزعت المشروعية الدينية عن الدولة العثمانية فخرجت عليها وبشّرت بدعوة رأت فيها المشروعية الدينية البديلة؟.
يزعم البريك بأن الشيخ ابن عبد الوهاب ومن جاء بعده من مشايخ وأمراء آل سعود لم يخرجوا على الدولة العثمانية وأنهم قدّموا لها الولاء، وفي ذلك مغالطات تاريخية فادحة، فكل حروب الوهابيين داخل الجزيرة العربية وخارجها جرت في سياق الخروج على الدولة العثمانية كما عرضنا في أجزاء سابقة، وأن سقوط الدولة السعودية الثانية جاء بقرار من السلطان العثماني الذي أمر والي مصر محمد علي باشا بأن يرسل الجيوش الى الحجاز لإخراج آل سعود وتطهير بلاد الحرمين منهم، واقتادوا قادة الجيوش الوهابية وأمرائها الى مصر.
الملك عبد العزيز وحروبه على مناطق الجزيرة العربية هي الأخرى كانت خروجاً على الدولة العثمانية، لا سيما وقد ترافقت مع الإستعانة بالأجنبي، البريطاني حصراً، الذي ساعده بالمال والسلاح لضرب الوجود العثماني في الحجاز، والدخول في مشروع خيانة كان من بينها تصفية الثورة العربية الكبرى في الحجاز، وصدور وعد بلفور سنة 1917هـ، حتى أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني رفض عرض جميعة الاتحاد والترقي المعروفة بإسم (جون تورك) بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة انكليزية ذهباً مقابل المصادقة على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدّسة (فلسطين)، فكان جوابه (إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً ـ فضلاً عن (150) مليون وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهباً ـ فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي. لقد خدمت الملّة الإسلامية والأمّة المحمدية ما يزيد على ثلاثين سنة فلم أسوّد صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين. لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضاً)(3).
وعلى مستوى الجزيرة العربية، يقول السلطان عبد الحميد (إننا نعترف آسفين بأن لانكلترا نفوذاً قوياً في الجزيرة العربية..)(4). وعن دعوى إرسال عبد العزيز رسالة للسلطان عبد الحميد في غرّة شهر رمضان من عام 1322هـ يقرّها بالولاء له، وأن الدولة العثمانية أقرّت عبد العزيز بسلطته على ما تحت يده، حسب البريك، نقرأ في مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني ما يلي (إن إبن سعود يعرف جيداً مدى حرمة الإقتداء بالانكليز، وقد خيّل إليه في فترة من الفترات أنه سيكون حاكم الجزيرة العربية فأراد نيل الاستقلال بمساعدة الإنكليز، ولكن لم يخطر بباله أنه سيقع في مصيدة هؤلاء الانكليز)(5).
نفى البريك كثيراً من الانتقادات ضد علماء الوهابية بما في ذلك (هدم الحجرة النبوية) وإخراج قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم من المسجد، وهدم القبّة الخضراء، وقد عبّر عن ذلك أكثر من علماء الوهابية باللسان والقلم، كما في محاضرة للشيخ محمد بن صالح العثيمين والتي نفى أن تكون الحجرة النبوية من المسجد، وعن القبة قال بالحرف (القبة عاد الله يسهل هدمها)(6).
وقد انفردت مدرسة الشيخ إبن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدعوة الى هدم قبّة المسجد النبوي وإخراج القبر الشريف، كما جاء في (إغاثة اللهفان، الجزء الاول ص 210 لابن القيم)، و(إبراهيم الجبهان، تبديد الظلام وتنبيه النيام، ص 389)، و(تحذير الساجد في اتخاذ القبور مساجد ص ص 82، 92 ومابعده)، و(أحكام الجنائز وبدعها، ص 208)، للشيخ ناصر الدين الألباني.
حين نجمع بين أقوال البريك (إن الصراع بين دعوة التوحيد والسنة وبين خصومها لم يكن أبداً صراعاً سياسياً ولا مادياً ، إنما كان صراعاً عقدياً بالدرجة الأولى)، وقوله (فخصومها هم خصوم الأنبياء والرسل وخصوم التوحيد والسنة..)، وقوله (لقد واجهت هذه الدعوة المباركة وإمامها وعلماؤها وقادتها ودولتها ولا زالوا يواجهون أصنافاً من الخصوم وأنواعاً من التحديات والدعايات المضادة والمفتريات)، يخلص الى النتيجة (أن هذه الدعوة المباركة أنها تمثل الإسلام الحق ..)(7).
في الحلقة الثالثة من محاضرته المعنوّنة (إسلامية وكفى)، يضع البريك النقاط على الحروف، ويخلص الى النتائج من حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بأنها جاءت لتحقق صدق الآية (يأبى الله إلا أن يتم نوره)، وبذلك (نشأت أجيال لا تعبد إلا الله وحده ولا تتبع إلا خاتم رسله صلى الله عليه وسلم) ومن بين ما أحدثته، على حد البريك، هو أن (بات الحرَمان الشريفان مركز إشعاع ونور لدعوة التوحيد والسنة). فماذا كان الحال قبل ذلك؟!
وصار البريك يعدّد مشايخ الوهابية الذين انتشروا في البلدان لنشر الدعوة وإعادة المسلمين (المشركين قبل الدعوة الوهابية) الى الإسلام. ومن بين ما ذكر في بلاد الشام الشيخ طاهر الجزائري، والشيخ محمد بهجت البيطار، والشيخ عبد القادر المغربي، والشيخ كامل القصاب، وفي مصر الشيخ محمد رشيد رضا، ومن جاء بعده مثل الشيخ محمد حامد الفقي والشيخ عبد الرحمن الوكيل والشيخ خليل الهراس والشيخ عبد الرزاق عفيفي (وبعضهم أصبح عضواً في هيئة كبار العلماء)، وفي العراق الشيخ محمود شكري الألوسي، وفي اليمن الشيخ محمد بن علي الشوكاني والشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني.
ومايلفت أن البريك اختار تونس نموذجاً في حديثه عن الحركة الوهابية في المغرب العربي بناء على رسالة من الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير سعود بن عبد العزيز الى أهل تونس لدعوتهم للدخول في الوهابية، ونسي البريك ما كتبه علماء تونس من ردود ظهرت في كتاب (الرد على الوهابية في القرن التاسع عشر) طبع سنة 2008 عن دار الطليعة في بيروت. وقد جاء في مقدمة الكتاب (تصوروا مراسيل غريبة تتوجّه إلى مسلمين يؤدون الفرائض، وإلى علماء يأمرون بالمعروف، وإلى ولاة يحمون الثغور، تنذرهم بأنهم ليسوا في الإسلام من شيء وتتوّعدهم بالعذاب الشديد وتهدّدهم بالحديد، إذا ما لم يمتثلوا لما حملته المراسيل من آيات بيّنات وشظايا من الأحاديث هم أدرى بمعرفتها ممن بعثها. هذا ما وقع في المغرب العربي الكبير عندما بعث سعود بن عبد العزيز (1750ـ1814) مدة حكمه (1803 ـ1813) برسائل إلى أهل المغرب على نمط “أسلم تسلم”، اجتراراً لسيرة الرسول الكريم، وكأنه يكتب لكفرة دارة الحرب..)(8).
استطراداً، نسب البريك حركات المقاومة للإستعمار الأجنبي الى الدعوة الوهابية، واعتبر حركة الأمير عبد القادر الجزائري، وحركة أحمد عرابي، وحركة الشيخ شامل في القوقاز، وحركة الشيخ عبد الكريم الخطابي في المغرب فضلاً عن حركة أحمد خان بالهند وجمعيات الإصلاح في إندونيسيا والبنغال وباكستان، كلها كما يقول البريك (كانت ثمرة هذه الدعوة التجديدية الإصلاحية التي غدت تمثل الطليعة الأولى ليقظة المسلمين بعد سبات عميق ورقاد طويل..). وختم بالقول (إن هذه الرسالة الخالدة أمان من الخوف وحرز من الضيم..)!(9).
في مقاربته لأفعال الفكر التكفيري، يستحضر البريك صورة المواجهة المسلّحة بين عناصر القاعدة ونظام آل سعود، ولا يرى في اقترافات القاعدة سوى ما يتّصل منها بهذا النظام دون سواه. فهو، على سبيل المثال، لا يتطرّق على الإطلاق لجرائم القتل التي قامت بها هذه العناصر في ساحات أخرى في العراق أو مصر، أو الأردن، أو باكستان أو غيرها، ما يشي بنزوع انتقائي حيال استهدافات الفكر التكفيري. بمعنى ما، إذا كان هذا الفكر مصوّباً ضد النظام السعودي ومن هم تحت مظلّته يغدو تكفيرياً وعدوانياً، إما إذا كان لهذا الفكر أهداف أخرى بعيدة جغرافياً فيغض الطرف عنه، بل قد يحظى بقبول وتشجيع. كتب البريك (إننا بأمس الحاجة إلى أن نوحد صفوفنا وأن نتفقد خطابنا وإن نجمع شملنا..حوادث التفجير التي أزهقت أرواح أبرياء، وسفكت دماء معصومة من مسلمين مصلين عابدين، كانوا يطلبون لقمة العيش والرزق الحلال..ثم تتوجه لقتل أناس غير مسلمين، ولكنهم ممن عصمت الشريعة دماءهم بعقد الأمان الذي دخلوا به هذه البلاد). ويؤصّل البريك لذلك بالقول (من أصول الدين وقواعد الشريعة أن الدماء والأعراض والحقوق والأموال معصومة ممنوعة معظمة محرمة لا تستباح باجتهاد قاصد ولا تسفك برأي متحمس ولا تهدر بحماس مقتدر. فأمر الدماء خطير..). حسناً هل هذا الأصل ينسحب على كل الحالات، أو تقتصر فحسب على حالة المملكة السعودية بفعل خروج جماعات مسلّحة على النظام، وقامت بتنظيم سلسلة تفجيرات في مناطق متفرّقة عامة وحيوية؟
يسرد البريك طائفة أحاديث مثل (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، و(المؤمن من يأمن جاره بوائقه)، و(المسلم أخٍ لأخيه المسلم لا يسلمه ولا يقتله ولا يحقره)، ويعقّب البريك (إذا كانت هذه صفات المسلمين فانظروا إلى أي مدى بعُدَت هذه الأيدي الآثمة والتصرفات الخاطئة عن الإسلام بمثل هذه التصرفات). ويشمل السؤال والاستنكار البريك نفسه أيضاً كما سنرى.
نلفت هنا الى واحدة من الرسائل الهامة التي يسعى البريك الى تمريرها في حكايته عن الفكر التكفيري بما نصّه (لقد وقفت الأمّة صفًّا واحدًا خلفَ قيادتها وولاة أمرها تستنكر هذا العملَ وتدينه.. والأمّة مؤمنةٌ بربّها، متمسّكة بدينها، مجتمِعة حولَ ولاةِ أمرها، محافظة على مكتسباتها، وكلّنا..حرّاسٌ للعقيدة حماةٌ للديار، فيجب على من علِم أحدًا يُعِدّ لأعمالٍ تخريبيّة أن يبلِّغَ عنه، ولا يجوز التستُّر عليه). وفي سياق دفاعه عن النظام السعودي يقول (إنّ كيانَ هذه الدّولة قام واستقام على قواعدَ ثابتة وأصولٍ راسخة من الدين والخِبرة والعلم والعمل.. إنّ دولةً هذا شأنُها وهذه خصائصُها لا يصلح لها ولا يناسبها الخلطُ بين الإسلام الحقّ وبين الانحراف باسم الإسلام، كما لا تقبَل أن يُضربَ الإسلام أو يُنتقصَ بحجّة وجود بعض الغلاة)(10).
لا تغدو الأحاديث عن المسلم وحرمته، وعصمة دمه، وصون كرامته ذات قيمة حين تتلبّس النزعة الإيديولوجية مطارحاته العقدية والفكرية. ففي مقالة له بعنوان (جناية الفكر المتطرّف)، ينبري العقل الإلغائي ليؤسس لمبدأ الواحدية ونفي التعدّدية بما هي تظهير لحركة الإجتهاد في التاريخ الإسلامي وثمرة التطوّر المعرفي الديني. يستدل البريك بآية (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل)، واعتبر لفظة الصراط، بكونها جاءت بصيغة المفرد، دلالة على أن طريق الحق واحد لا تعدّد فيه. فأين البريك إذاً من آية (قل كل يعمل على شاكلته وربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً) فجاء فعل (أهدى) على صيغة (أفعل)، وهو من أفعال التفضيل، ولو كان الطريق الى الحق واحداً، لكان الأولى عدم استعمال فعل تفضيلي، بما يشير الى مراتب الفعل، فهناك من هو على هدى وهناك من هو أهدى. ولذلك قال أحدهم: إن توحّد الحق لا يلغي تعدد الطرق الموصلة إليه.
ومن التفسيرات الإلغائية لآية (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) يقول البريك (وكما أن أمة الاسلام وسط بين الأمم، ودين الإسلام وسط بين الأديان..فإن أهل السنة والجماعة هم وسط بين الفرق الضالة والمناهج المبتدعة، وهم الفرقة الناجية..) وهم (يرشدون إلى الحق من تنكب الصراط..)، فكيف استدل على ذلك، بالنظر الى المعايير الصارمة التي وضعها علماء المدرسة الوهابية لمسمى أهل السنة والجماعة والتي لا تنطبق سوى على أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
في تواصل مع ما سبق، يرى البريك بأن أهل الغلو وأهل التغريب يعملون (على زعزعة الأمن الفكري..)، والدليل على ذلك بحسب البريك (وذلك بمحاولة إسقاط العلماء وتهميشهم). وذكر أمثلة على ذلك من مقالات لكتّاب نقدوا فيها مواقف بعض العلماء، فقد ساءه أن ذكر أحد الكتّاب بأن آراء العلماء هي مجرد اجتهادت، رغم أن البعض يحصل على هالة من الجلال والوقار وهو لا يملك نصيباً وافراً من العلم الديني والشرعي. ونقد آخر تسلّح الشيخ الفوزان بالفتوى للرد على كل فكرة أو مقال لا يروق له. وعلّق البريك (هذا الهجوم الليبرالي التغريبي على العلماء لإسقاطهم ينسجم ويتوافق مع هجوم مماثل يقوم به التكفيريون ضدهم ، لكن بلون آخر وحجج أخرى). وساء البريك أيضاً أن وصف زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في خطابه للمفتي السابق الشيخ بن باز في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1994 حكّام آل سعود بالطواغيت، وقال ما نصّه (فاتقوا الله وابتعدوا عن هؤلاء الطواغيت والظلمة الذين أعلنوا الحرب على الله ورسوله). فانبرى البريك يدافع عن حكّام آل سعود بكلام دعائي ممجوج. وأسهب في نقد دعاة الملكية الدستورية والدولة المدنية، واعتبر ولاء أصحاب هذه الدعوة بأنها ليست للوطن إنما للخارج، وأنهم يوجّهون من الخارج (والتغريبيون لا ولاء لهم اتجاه الوطن، لأنهم بمهاجمتهم خصوصية المملكة يصادمون الأسس التي قامت عليها الدولة، وهي نشر التوحيد تحكيم الشريعة وخدمة الحرمين الشريفين..)، ويهدفون أيضاً الى (تهميش العلماء ونشر الفساد بصوره وألوانه..)، وكرر ما قاله الأمير نايف عن أصحاب دعوة الملكية الدستورية (من تورّط بعضهم بالعمل لحساب جهات أجنبية. هذه الجهات التي أغرتهم بالمال والإستثمارات والإمتيازات تستعملهم خنجراً في نحر الوطن وسهماً مسموماً في صدور أبنائه لإفسادهم وزعزعة قناعاتهم بتحكيم الشريعة والتحاكم إليها تزامناً مع غزو فكري غربي مركز وشرس).
ما يثير في مقاربات البريك أنه يركّز كثيراً على مواطن نقد آل سعود للرد عليها، بما يشي أن الرجل موكول بمهمة من هذا القبيل. ومن الغريب أن رجل دين يتغنى بمفهوم الأمة ويرفض أي كيان آخر يدافع عن كيان المملكة، ويرد على من يرفض النسبة إليه (إن الواحد منهم يرفض أن ينسب نفسه إلى بلاده، فإذا سئل عن ذلك قال: أنا من جزيرة العرب، ويرفض أن ينسب نفسه إلى المملكة، وكأن المملكة هي الفاتيكان أو تل أبيب أو هوليوود وكر الإفساد اليهودي العالمي، أو نيو أورليانز المعروفة بمجونها وتفلتها)(11)، فيما يدرك البريك تماماً أن النسبة ليست للكيان الجيوسياسي وإنما لأسرة تحكم بلداً بإسمها، وأن هؤلاء إنما يرفضون أن ينسبون الى (السعودية)، النظام والعائلة المالكة، وليس الى (المملكة)، البلد أو الدولة، ولأن الأخيرة مرتبطة بالأسرة المالكة، فهم يفضّلون النسبة الى الأسم الشائع لهذه البقعة وهو (جزيرة العرب).
تحدّث البريك عن الأخطار المحدقة بالأمة، واستدرك (لكن أخطر ما فيها نجاح أصحاب المشروع الصفوي في العزف على وتر القضية الفلسطينية لتسويق أجندتهم ونشر التشيع في المنطقة ليكون هذا التشيع غطاء ظاهراً يخفي تحته حقيقة المشروع الصفوي لإعادة مجد فارس البائد).
ويدخل من ذلك الى العلاقة مع الشيعة، لنرى ماذا يريد البريك الاتفاق عليه معهم (تعالوا لنتفق على أصول الإسلام وأركانه وعقائد الكبار..) ثم يستدرك (فليس الخلاف معكم في إسدال اليدين في الصلاة أو وضعهما على الصدر فهذا لا يخرج من الملة، وإن كان وضع اليدين على الصدر هو الحق، وليست زيادة جملة في الأذان أو لطم الصدور في عاشوراء بمخرجة من الملة أو مبررة للخلاف والفرقة، إنما الشأن في الاتفاق على عصمة القرآن من التحريف وعدالة الصحابة وعدم الغلو في الأئمة وإنزالهم منزلتهم التي أنزلهم الله إياها دون إفراط ولا تفريط وعدم تكفير من لم يسلك مذهبكم في وجوب اعتقاد الإمامة)(12). وسرد البريك آراء علماء الشيعة في العلاقة مع من ينصب العداء لأهل البيت بصورة عامة، ولشيعة علي بصورة خاصة، وطالب الشيعة بالبراءة من تلك الآراء..والسؤال الذي يرد هنا: هل البريك على استعداد للبراءة مما ورد في كتب السلفية على الشيعة منذ الشيخ ابن يتيمة ومروراً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب ووصولاً الى الجيل المعاصر من علماء السلفية. وبالتالي فإن أسئلة من قبيل: كيف تتحدون مع من تكفروهم ؟. وكيف تلتقون مع من تزعمون أنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس؟ تنسحب على الموقف العقدي الوهابي، مع فارق أن علماء المدرسة الوهابية مجمعون على استحالة التقارب مع الشيعة لاختلاف في الأصول والأركان وليس في الفروع. ولذلك اشترط البريك على الشيعة من أجل التقارب أن يؤمنوا بكل ما آمن به البريك وأهل دعوته ليس في القول بتمامية القرآن الكريم وعدم وقوع التحريف (رغم أن لا أحد يقول بذلك من الشيعة اليوم كما ثبّت ذلك علماء السنة في مصر أمثال المرحوم الشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد سليم العوا وغيرهما)، والقول بعدالة الصحابة، وتبرئة أمهات المؤمنين (رضي الله عنهن) من كل سوء، ونفي مئات الأحاديث التي لا يعمل الشيعة بها وإن وجدت في مصادرهم، ويصرّ البريك على تحميلهم إياها.
ينتقل البريك من المجال الإسلامي الى خارجه، ويشمل كل الطوائف والفرق والأمم من غير المسلمين. ومن الثابت في الأدبيات السلفية، وليس وحدهم في ذلك، أن أتباع الديانات الأخرى جميعاً كفّار، وأن الخلاف يقع فيمن يصدق عليه كافراً حربياً أم كافراً غير حربي.
من بين تلك الفئات ما وصفهم بأعداء الأمة في الداخل وقال عنهم بأنهم (أشد فتكاً بها وأشرس عداوة، إنهم قوم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والإلحاد). ومن أعمالهم حسب البريك أنه (ليس للدين قيمة في حياتهم، فلا يحلون حلالاً ولا يحرّمون حراماً، همهم وغايتهم خلخلة ثوابت المجتمع الإسلامي ووحدته ..ووأد شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..). وفي إشارات واضحة الى الكتّاب في الصحف المحليّة من غير التيار السلفي، كقوله (وتسخير ما في أيديهم من وسائل إعلامية لتحقيق مخططاتهم. يجعلون الدين وتعاليمه سخرية يتلاعب بها كتابهم، بل ولربما أظهروا سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام ـ كاللحية وغيرها ـ بصورة طرائف بأشكال كاريكاتيرية ، لتنفير الناس عن الإسلام وعن هدي النبي صلى الله عليه وسلم)(13). فهؤلاء من شملهم البريك بحكم الكفر والالحاد؟
في خطبته بعنوان (الفكر التكفيري) يوجّه البريك نقداً شديداً على الذين قالوا بأن (التكفير والخروج منهج صحيح)، ونسي ما أسّس له من آراء تؤدي الى تأصيل الفكر التكفيري، باستثناء أن تكفير البريك مع وقف التنفيذ، وغيره من عناصر تنظيم القاعدة يكفّرون مع ترجمة الأقوال التكفيرية الى أفعال تفجيرية(14).
في قراءة لمفاعيل الفكر المتطرّف، يضيء البريك على العام لينتقل منه الى الخاص، لبيان ما أصاب النظام السعودي من ويلات، ثم يحمّل جهة ما مجهولة مسؤولية التفسيرات الخاطئة للنص الديني، فهو حين يشير الى (فئة تتمسك بظواهر النصوص دون فهم وفقه يكفِّرون مجتمعات المسلمين دون النظر إلى شروط التكفير وموانعه)، هو بلا شك يشير الى الفئة التي كانت تمارس التفجير والسيارات المفخّخة والقتل، ولكن حين يدور الكلام عن مصادر الإلهام العقدي والمنابع الأيديولوجية لهذه الفئة المؤلّفة في أغلبيتها الساحقة من عناصر سعودية، ووهابية حصرياً، يغفل البريك هذا الجانب ويلقي ضوءاً كثيفاً على آثار الفكر التكفيري. يقول البريك (لقد أخرج سلفنا الناس من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد..). فهذه العبارة كفيلة بأن تصوغ موقفاً متطرفاً يصحبه عمل عنفي.
الهدف من كل ماسبق هو للوصول الى النقطة التالية: ( ولا نزال بخير ما دمنا خلف ولاة أمرنا، فحاجتنا إليهم فوق كل حاجة، لأنهم جنة لمن خلفهم ، وإن ما ميَّز أهل السنة والجماعة عن أهل البدعة والفرقة، أنهم لا يخلعون يداً من طاعة وينصحون لمن ولاَّه الله أمرهم ويكثرون الدعاء له، حتى ولو رأوا ما يكرهون)(15).
هناك نزوع نحو تحميل الآخر مسؤولية التكفير والتفجير، وتبرئة الذات. ففي خطبته بعنوان (تفجير مقر الأمن العام بالرياض)، يقول البريك (لقد كشفت الأيام أن التكفير والإغتيالات في مصر بدأت بفكر السراديب مروراً بفتاوى التكفير وانتهت إلى الاغتيالات وسفك دماء لأبرياء ولم تنته إلا بالتوبة والتجرد من الهوى..)، وكذا الحال في الجزائر. ثم يقول (والمتأمل لحال هؤلاء الذين جعلوا السيف منهجهم في التغيير وألزموا الأمة بهذا الاتجاه؛ يوقن أن حالهم لا يختلف عن حال كثير من أهل البدع الذين خالفوا أهل السنة في كثير من أبواب الاعتقاد بناءً على قصورهم الفقهي والاجتهادي في جمع أطراف المسألة وإحكام جوانبها الأخرى). ويؤسس بذلك لموقف دفاعي عن منهج التعليم الديني والمؤسسات الدعوية الوهابية، فقال بأنها (تطبق وتمارس منذ قيام هذه الدولة المباركة وتخرج منها كل من يسير على أرض هذه البلاد من شباب وكهول وبنين وبنات من علماء ومفكرين وأطباء ومهندسين ومثقفين ومؤرخين على مختلف الميول والثقافات والأطياف الفكرية)، كل ذلك يتم في عملية خلط واختزال لموضوعة التكفير ودور منهج التعليم الديني حصراً في نشأة التيارات المتطرّفة والجماعات الإرهابية، والأنكى مطالبته بما وصفه (تفعيل دور المؤسسات الدعوية داخل المجتمع..)!(16).
في جانب آخر، كثيراً ما يذكر البريك (ولاة أمرنا) في خطبه بمناسبة وغير منباسبة، ويدافع عنهم بطريقة توحي بعلاقة خاصة تربطه بهم، تتجاوز مجرج تبني حرمة الخروج عليهم، والوقوف معهم، وطاعتهم، بل أكثر من ذلك، الى التماهي مع السلطة السعودية، ما يؤكد على أنه “شيخ بلاط”.
وقد خصّص البريك خطباً ومقالات للدفاع عن آل سعود، وتحريم الخروج عليهم، بل وتحريم التظاهر في دولتهم. ففي سلسلة محاضرات متوالية تحدّث البريك عن وجوب طاعة ولاة الأمر وتحريم الخروج عليهم، وحذّر ممن أسماهم (المنافقين الذين يريدون إفساد العباد والبلاد والعبث بالأعراض باسم الإصلاح والحرية والعدل). وقال بأن الحديث عن الوطنية وحب الوطن هو حديث عن (تكاتف الناس حول ولاة أمرهم..). وأفرد جزءاً من إحدى خطبه للتشديد على (وجوب طاعة ولاة الأمر)، وأسّس لذلك بقاعدة (أن من عقيدة أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة)، وأن من شروط لزوم الجماعة طاعة ولاة الأمر. ولكن السؤال: من يقول بأن الدولة السعودية تحقّق مفهوم الجماعة حتى يستحق ولاة أمرها الطاعة؟ وهل هناك من يعتني بقيمة الإجماع القهري!
ما يهدف البريك إليه من اشتراط طاعة ولي الأمر هو عدم الخروج عليه والإكتفاء بالنصح له (في السر) ومنه (الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل والبطانة..). وقد أثبتت التجارب أن الدعاء له لم يغيّر من سوء حال ولي الأمر السعودي، فقد ساءت الأحوال، وعظم البلاء، وغمر الفساد طبقة ولاة الأمر وشمل ذلك البطانة..فما الحل؟ لا يجد البريك سوى جواب واحد: (فلا يجوز للمسلمين منازعة ولاة أمورهم المسلمين ولا الخروج عليهم إلا إذا رأوا كفراً بواحاً قائم البرهان..)، وحتى لو حدث وانكشف الكفر بالبرهان فإن الحل ليس بالخروج (لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً..). بكلام آخر، إن الصبر على جور ولي الأمر مقدّم على بواح كفره. وكالعادة، لا يعدم مشايخ الوهابية الأمثلة لتبرير طاعة السلطان من خلال ذكر شواهد من دول العالم القريب والبعيد، للتحذير من الوقوع في الفتنة، الناجمة عن الخروج على الدولة أو إنهيار السلطة الحاكمة. وقال البريك (وقد اتفق أهل السنَّة والجماعة على أنَّ قتال الحكّام حرام، لما يؤول إليه من الفتن، وقد صار هذا أصلاً من أصول أهل السنَّة والجماعة، يتواصون به قرنًا بعد قرن)(17)، وفي الواقع هو رأي المدرسة الحنبلية على وجه الخصوص.
وينطلق البريك من ممالأته لآل سعود للتصويب ضد التيار الليبرالي وراح يغالي في التودّد لآل سعود والتماهي معهم بقوله (لا وألف لا أن العلماء وطلابهم والغيورين على هذه البلاد هم من يدعون لخادم الحرمين وولي عهده والنائب الثاني في سجودهم وقنوتهم وهم الذين يؤلفون قلوب رعيته عليه ويحبون ويكرهون من يعادون ويعدون ذلك قربه وعباده ولو علموا دعوة مستجابة لصرفوها له)(18). وتصوّروا لو أن شخصاً من مذهب آخر استعمل عبارة (يدعون لأولياء في سجودهم وقنوتهم) ماذا سيكون موقف البريك وأهل دعوته؟!
وفق تلك الرؤية العقدية الصارمة إزاء الموقف من الحكّام، يضيء البريك على حكم التظاهر، الذي أفرد له مساحة وازنة لنقض حق التظاهر بكل أشكاله، والإقتصار على وسيلة واحدة في التعبير وهي المناصحة في السر. وانطلاقاً من مبدأ (المحافظة على الجماعة) يفرض البريك ضوابط صارمة في التعبير عن الرأي، منها ما يعتبره جائزاً شرعاً، أو الوصول الى ماهو ممنوع في الشرع. وخلص الى أن المظاهرات لا تنطبق عليها الضوابط الشرعية، ولذلك (فهي محرمة لأنها تعطل مصالح الناس وإلحاق الأذى بالأبرياء). وزاد على ذلك، وهنا يتحقق الربط بموضوعنا، أن اعتبر (المظاهرات مدعاة للخروج. ومن أصول أهل السنة ، تحريم الخروج على ولاة الأمر ما داموا على الإسلام، ولم يضيّعوا دولتهم ودينهم، ولو ارتكبوا مع ذلك المعاصي أو إختصوا عن المسلمين بحظوظ الدنيا). وسرد آراء وفتاوى علماء الوهابية إزاء المظاهرات. ومن الطبيعي أن لا يجيز هؤلاء التظاهر لأنها موجّهة في جانبها الآخر للطرف الآخر من السلطة، وهم العلماء. ويقول بأن عدم عمل الناس بفتوى هيئة كبار العلماء المحرّمة للتظاهر، فإن ذلك يؤشر على أمرين: جناية الليبرالية على أمن المجتمع الفكري، من خلال مهاجمتها لسنوات عديدة لكبار العلماء، وخطورة الدعوات والمناهج الحزبية التي تلبس اللبوس الشرعي.
واعتبر البريك أن (الرافضة هم وراء الدعوة الى ثورة حنين) على أساس أن وراءها شخص يدعى (الدكتور حنين محمود القدو) وهو شخص عراقي لا علاقة له من قريب أو بعيد بالدعوة الى ثورة حنين سوى الإسم المشترك بين الطرفين. والرجل هو الأمين العام لتجمع الشبك الديمقراطي في العراق، والشبك هم جماعة قومية تسعى للمطالبة بالإعتراف بها ككيان إثني له خصوصياته الثقافية والحضارية والاثنولوجية. وذكر البريك أسماء أخرى ليس فيه من أحد معروف سوى سعد الفقيه، من قبيل محمد صبيح (مصري الجنسية)، وحسين علي ابراهيم، ومحمد أحمد الموسوي (إيراني الجنسية)، وأحمد علي الخضري. ولا أعلم إن كان البريك يعتمد ذات المنهج في التحقيق في كل أموره على غرار هذا النوع من التساهل في نثر الأسماء دون التحقّق من صحّة وجودها كحقائق فضلاً عن دعوى مشاركة هذه الأسماء فعلياً في تنظيم ثورة حنين. والهدف كما يقول البريك (أن الهدف من زعزعة الأمن والاستقرار في المملكة بالتظاهرات وغيرها، هو زعزعة الاستقرار في المملكة خدمة للمشروع الصفوي في الهيمنة). والسبب (إن الخروج بالكلمة محرم، والتظاهرات هي من هذا القبيل)، على أساس أن (الخروج بالسيف فرع عن الخروج باللسان والقول..). ولذلك عارض البريك حتى عرائض الإصلاح، واعتبرها من مصاديق (زعزعة الأمن) و(شق الصف)، و(تأجيج أوار الفتنة) و(صب الزيت فوق النار)(19). ما الحل؟ الجواب: مناصحة الولاة والإنكار عليهم في السر وليس الجهر!
حمل البريك على من طالب بتصحيح المنهج الدينية الرسمية وقال بأنهم (أذناب الغرب، زبانية الفتنة، معاول، جراثيم معدية وأجسام موبوءة، انتهازيون حاقدون، منافقون، كاذبون، أسافل، أقزام، أقلام مأجورة، قوم مارقون)، وأنهم (تنكّروا لدينهم وأمّتهم ومبادئهم...)، وأنهم (يريدونَها فتنةً عمياء، ويبغونها حياةً عوجاء..)(20).
البريك والحوثيين: بوصلة التوجيه الكفري

قراءة ما كتبه البريك عن الحوثيين توصل الى نتيجة واحدة: أن تكفير الجماعة يجيز التساهل في قبول ما يقال عنها، والحكم عليها بصرف النظر عن الصحة والسقم، فثمة حكم عقدي قبلي يطلق العنان لتوصيم الجماعة، ويحرّر المخالف من ضوابط الحكم بالكفر على الآخر. وحقيقة الأمر، أن البريك لا ينال من الحوثيين وحدهم، بل هو يجعلهم غطاءً للنيل من أتباع المذهب الزيدي والفرق الشيعية عموماً.
يتخلى البريك عن صفته كباحث عن الحقيقة، ويتقمّص دور الايديولوجي الذي يقبل كل رواية دون تمحيص، ويصوغ رؤية عن الآخر مشحونة بصور المؤامرة. فهو يرى بأن الحوثيين خضعوا تحت تأثير الشيعة الإثني عشرية وإيران في مجال العقائد، واستهجن التقارب بين الزيدية والاثني عشرية في إنكار رؤية الله عز وجل وغيرها. وبدا البريك كما لو أنه حريص على الزيدية، وعاب على السيد بدر الدين الحوثي عدم التزامه بأقوال السابقين من علماء الزيدية، وكل ذلك بالإعتماد على كتاب (التشيع في صعدة) الواقع في ثلاثة أجزاء لمؤلف مجهول يدعى مجاهد، عبد الرحمن بن عبد الله(21). ويظهر البريك تحامله الواضح على الحوثيين والزيدية بصورة عامة، ويأتي في سياق حركة الشيخ مقبل الوادعي (توفي سنة 2001) في دمّاج في محافظة صعدة، معقل المذهب الزيدي، لجهة تحويل أتباعه الى الوهابية، وقد تبيّن من أحداث دمّاج الأخيرة التي جرت في الربع الأخير من العام المنصرم (2011) أن الوهابية في هذه المنطقة أرادت تحويل دمّاج الى مركز تبشير مذهبي مدعوم بالسلاح والمال من السعودية، من خلال معهد (دار الحديث) الذي أسّسها الشيخ مقبل الوادعي قبل موته، وكان الهدف هو إبادة المذهب الزيدي من صعدة واليمن عموماً، حيث تحوّل المعهد الى ما يشبه ثكنة عسكرية على غرار مدارس طالبان في أفغانستان.
وقد كشف كاتب أميركي يدعى ثيو بادنوس في كتابه (متنكراَ كمسلم) بعد ثلاثة أعوام قضاها في المدارس السلفية في اليمن منها معهد دار الحديث بدمّاج بمحافظة صعدة، عن أسرار المعهد. وبالرغم من ضحالة معرفة المؤلف بالإسلام والفرق الإسلامية، إلا أن ما نقله من داخل المعهد يتطابق مع ما تكشّف في الحوادث الأخيرة في دمّاج عن الطبيعة العسكرية للمعهد. وقال بادنوس في مقابلة له نشرتها صحيفة (بازلر تساتونج) في 6 شباط (فبراير) 2010 بأن في المعهد (معظم الطلاب هناك يعانون من وهم العظمة ويعتقدون أنهم في يوم ما يمكنهم أن ينقذوا الإسلام). وقد كشفت مواقع جبل براقة العسكري المطل على دمّاج عن تسليح للطلاّب السلفيين في معهد دار الحديث، وهذا ما تثبّت في وثيقة المصالحة التي أعدّها المجلس الوطني.
وبحسب تقرير صادر عن (منظمة سواء للدفاع عن حقوق الأقليات ومناهضة التمييز) وهي منظمة يمنية أهلية، فإن السلفيين في دمّاج يبلغ عددهم 9000 فرداً غالبيتهم من خارج المحافظة، وقد أعلن معظم أطيافها ـ أي السلفيه ـ في اليمن وقوفها إلى جانب الرئيس علي عبد الله صالح في الاحتجاجات التي خرجت تطالب بإسقاط نظامه خلال العام 2011، واعتبرت الاحتجاجات السلمية خروجا عن طاعة ولي الأمر). وبحسب التقرير (خلال سنوات الحروب الستة أبدت الجماعة السلفية في دماج دعما لوجستيا للحرب التي تشنها الحكومة ضد الحوثيين وإن لم تعلن ذلك للرأي العام..)، وتعبر الجماعة الحوثيين كفاراً زنادقة، كما جاء في فتوى مدير المعهد يحي الحجوري. وقد تحوّل المعهد الى ما يشبه فصيل مسلّح في الآونة الأخيرة، ويقول محمد عبد السلام، الناطق بإسم عبد الملك الحوثي، (كان مركز دماج مركزاً تعليمياً لا يتدخل في إطار القضايا الموجودة في المنطقة رغم أنه كان يشارك في الحروب علينا ويساند النظام لكن ما إن تتوقف الحرب يتوقفون شأنهم شان الجبهة العسكرية الكاملة). ولعل من الاشارات البليغة عن تسلّح الجماعة السلفية في دماج هو تقارب عدد القتلى بين الطرفي. فبحسب احصائيات منظمة سواء فإن (إجمالي القتلى بين الطرفين 136 قتيلا بينهم مواطنون مقيمون في دماج حيث سقط من السلفيين والمواطنين 74 قتيلا فيما قتل من الحوثيين 62)، إذ من غير المعقول سقوط العدد الكبير في صفوف الحوثيين عن طريق الخطأ، أو في حوادث سير، تماماً كما هو حال قتلى الطرف السلفي.
حقيقة الأمر، أن الافتراء على الآخر ـ المخالف ـ الخصم، في عقيدة البريك، جائز طالما أن في ذلك إنتصاراً للمذهب الحق. فقد استقبل البريك الإتهامات ضد زعيم الحوثيين السيد بدر الدين الحوثي كما لو أنها مسلّمات، ونقل عن مجلة معروفة بميولها الوهابية الواضحة بأن السيد الحوثي ـ الأب، إدّعى (الإمامة، وقيل “المهدية”، وقيل “النبوة”) فيما لا يقبله عقل حر(23).
الغريب أن البريك لم يقبل من الحوثيين حتى شعارهم ضد أمريكا، واعتبر بأن ذلك جزءً من المؤامرة. وأن أمريكا هي سلّحت الحوثيين لمحاربة النظام اليمني. وقال بأن السفارة الأميركية في صنعاء قامت بشراء الأسلحة من القبائل وأسواق السلاح المنتشرة وفي صعدة بالذات تحت ذريعة إنهاء معالم التسلح في البلاد، دون أن توضح مصير تلك الأسلحة، والتي يذهب البعض إلى أنها قدمت عبر وسطاء للحوثي وأتباعه! وحتى يؤكّد ما يتوهّمه وكيما تعمل الماكينة الإيديولوجية بأقصى طاقتها يجنح البريك للقول (إن أمريكا لم تكن في يوم من الأيام عدواً للحوثي، كما لم يكن الحوثي وأتباعه أعداء لها..)، والمصدر في كل الحالات واحد، مجلة (البيان) الوهابية(24).
المصادر

1 ـ الشيخ إبن تيمية، مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم بمساعدة إبنه محمد، مكتبة المعارف، الرباط ـ المغرب، المجلد الثالث ص 163
2 ـ الشيخ سعد البريك، إسلامية وكفى ـ 1، اضيف بتاريخ[2006-05-30] أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=57
3 ـ السلطان عبد الحميد الثاني، مذكراتي السياسية (1891 ـ 1908)، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الثانية 1979، ص 37
4 ـ المصدر السابق، ص 134
5 ـ المصدر السابق، ص 142
6 ـ أنظر الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=ydTSy0isLpM
7 ـ الشيخ سعد البريك، إسلامية وكفى ـ 2 ـ ، أضيف بتاريخ [2006-05-30]، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=58
8 ـ حمادي الرّديسي أسماء نويرة، الرد على الوهابية..في القرن التاسع عشر، نصوص الغرب الإسلامي نموذحاً، ، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى 2008، ص 7
9 ـ الشيخ سعد البريك، إسلامية وكفى ـ 3 ـ، أضيف بتاريخ [2006-05-30]، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=59
10 ـ الشيخ سعد البريك، أفعال الفكر التكفيري، اضيف بتاريخ [2008-05-06]، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=34
11 ـ الشيخ سعد البريك، جناية الفكر المتطرف، اضيف بتاريخ [2008-05-06] أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=36
12 ـ الشيخ سعد البريك، أيها الشيعة تعالوا إلى كلمة سواء، اضيف بتاريخ [2008-11-09]، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=81
13 ـ الشيخ سعد البريك، واقع الأمة وكيد العلمانيين والكفار، أضيف بتاريخ [2008-05-07]، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=145
14 ـ الشيخ سعد البريك، الفكر التكفيري، أضيف بتاريخ[2008-05-07[ أنظر الرابط
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=141
15 ـ الشيخ سعد البريك، جناية الفكر المتطرف، أضيف بتاريخ [2008-05-07]، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=142
16 ـ الشيخ سعد البريك، تفجير مقر الأمن العام بالرياض، أضيف بتاريخ [2008-05-07]، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=136
17 ـ الشيخ سعد البريك، نعمة الأمن ووجوب طاعة ولاة الأمر وتحريم الخروج عليهم، أضيف بتاريخ 16/3/2011، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=442
18 ـ الشيخ سعد البريك، محاضرة بعنوان (الليبرالية وكبار العلماء) بتاريخ 13/2/2011
http://www.saadalbreik.com/Sad/downloads.php?action=show&id=79
19 ـ الشيخ سعد البريك، الحِكَم الواضحات في تحريم المظاهرات..تنبيه الأنام بطريقة نصح الإمام، 03-16-2011، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=441
20 ـ الشيخ سعد البريك، أجرة العقول والمناهج، أضيف بتاريخ 6/5/2008، أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/news.php?action=show&id=132
21 ـ حول كلام البريك عن الحوثيين أنظر الرابط:
http://www.saadalbreik.com/Sad/downloads.php?action=show&id=47
22 ـ أنظر نص المقابلة الأصلية على الرابط التالي:
http://hvv.amsterdampost.nl/HVV/www.hetvrijevolk.com/index3042.html?pagina=10603
23 ـ نقلاً عن: العالم الإسلامي تحديات الواقع واستراتيجيات المستقبل (تقرير عن مجلة البيان) ثمار التغلغل الرافضي المرة- أنور قاسم – ص: 400
24 ـ المصدر السابق، ص 410

salimo123
2013-01-11, 19:38
الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

التضليل المتبادل بين العلماء

سعد الشريف

ظاهرة التكفير في تاريخ المسلمين قديمة، وتعود إلى مرحلة مبكرة من تاريخ الإسلام، وقد رصدت المصادر التاريخية حالات لشخصيات بارزة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تورّطت في حوادث تكفير، اشتهرت منها قصة أسامة بن زيد الذي أقدم على قتل شخص بعد أن نطق الشهادتين، بذريعة أنه (إنما قالها تعوّذاً)، وقصص أخرى ترد في سياق السجال داخل المجال الإسلامي بدءً من حروب الردّة التي وضعت في سياق المناجزة السياسية بين مؤيّدي الخليفة الراشد أبي بكر ومعارضيه، ثم تبلوّرت بشكل واضح في حركة الخوارج، التي اعتبرت أول حركة تكفيرية في تاريخ الإسلام. وقد اشتهرت مقولة أحدهم في أمير المؤمنين علي بن ابي طالب حين كان يخطب في أصحابه وقد مرّت بهم إمرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال: إن أبصار هذه الفحول طوامح وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى إمرأة تعجبه فليلامس أهله، فإنما هي إمرأة كإمرأته، فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه.. يعني علياً.
والتكفير لم يقتصر على طبقة دون سواها، أو من العالم للعامي، أو بالعكس، فقد سرى التكفير بين العلماء، فصاروا يكفّرون بعضهم بعضاً، فقال الشيخ عبد القادر الجيلاني بضلال الحنفيّة وإنهم من الفرق الهالكة في النار، وقال الغزالي في كتابه (المنخول من تعليقات الأصول) بفساد مذهب أبي حنيفة في الصلاة وقال عنه (ص 499): (وأبو حنيفة نزف جمام ذهنه في تصوير المسائل وتقعيد المذاهب فكثر خبطه لذلك.. ولذلك استنكف أبو يوسف ومحمد من اتباعه في ثلثي مذهبه لما رأوا فيه من كثرة الخبط والتخليط والتورط في المناقضات) ثم يخلص للقول (وأما أبو حنيفة رحمه الله فقد قلب الشريعة ظهراً لبطن وشوّش مسلكها وغيّر نظامها).
وقال الغزالي عن الإمام مالك: (فأما مالك رحمه الله فقد استرسل على المصالح إسترسالاً جرّه إلى قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها والى القتل في التعزير والضرب بمجرد التهم إلى غيره..ورأى أيضا تقديم عمل اهل المدينة على أحاديث الرسول عليه السلام وقد نبهنا عليه). وقال أبو سفيان الثوري كلاماً قاسياً في الإمام أبي حنيفة وأنه نقض الإسلام عروة عروة.
وقال الكرماني والقاضي العضد في الاستحسان رأياً يخرج الإمام الشافعي من دائرة الإيمان، ووضع إبن قتيبة توصيفاً للمرجئة ينطبق فيه على الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال مثل ذلك الذهبي في حمّاد، فيما اعتبر يحي بن معين محمد بن الحسن جهمياً، وقال ابو المؤيّد الخوارزمي في (جامع الأسانيد) بضلال سفيان الثوري ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وشريك والحسن بن صالح ونسبهم الى مذهب الخوارج، وكفّر أبو شكور السلمي الحنفي الأشاعرة والكراميّة كما في كتابه (التمهيد في بيان التوحيد)، ونقل شهاب الدين الكازروني في (رسالة علم الباري) آراء لأئمة المذاهب تخرج بعضهم بعضاً من الدين. وقال ابن حجر المكي في (شرح الشمائل) بضلال إبن تيمية وابن القيم لإثباتهما الجهة والجسميّة لله تعالى، وقال (ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما تصم عنه الآذان ويقضي عليه بالزور والبهتان). في المقابل، أصدر الشيخ إبن تيمية أحكاماً في التكفير ضد طوائف وأئمة مذاهب أخرى حتى بات علماً بارزاً في هذا الميدان.
واشتملت كتب المذاهب الاسلامية عموماً على أحكام بالتكفير والتضليل المتبادل، ولكن توارت ظاهرة التكفير في العصور المتأخرة، وبقيت في دوائرة محدودة، سوى الدائرة الوهابية التي مثّل التكفير من علاماتها الفارقة، إن لم يكن مصدر وجودها، ولذلك أصبحت ظاهرة تكفير العلماء والمشايخ في المدرسة الوهابية متفشيّة إلى حد أن الشيخ لا يحصل على مكانة علمية رفيعة إلا بعد أن يخوض غمار التكفير، فيصدر حكمه في طائفة، أو عالم من الخصوم أو حتى من أهل دعوته..
لقد أصبح التكفير سمّة بارزة في العقل الوهابي، ولم يسلم من لظاها أحد، فارتدّت سهام التكفير على من يرمي بها غيره، فصار التراشق بالتكفير والتبديع والتضليل ديدن كل من وطأ مضمار العلم الشرعي، فمن زرع بذرة التكفير أنبتت له جماعات متطرّفة لا همّ لها سوى تكفير الآخر، ثم ما يلبث أن يعود ليصبح التكفير داخل الجماعة الواحدة، أي الوهابية، التي نبذت كل الفرق الإسلامية باعتبارها فرقاً ضالة وأنها وحدها الفرقة الناجية، فإذا بأتباعها وقد أوغلوا في سرائر بعضهم بعضاً، وصاروا يفسّقون ويبدّعون ويكفّرون بعضهم بعضاً، لم يسلم من ذلك حتى رموز الوهابية وكبار علمائها في الأزمنة الأخيرة مثل ابن باز وابن عثيمين واللحيدان والمفتي الحالي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وغيرهم الذين صاروا هدفاً للتكفير، كما سيأتي، لأنهم يدعمون نظاماً كافراً، أي نظام آل سعود، الذي فرّط في أحكام الشريعة، وامتنع عن تطبيق شرع الله، بحسب العقيدة الوهابية لدى القاعدة. في المقابل، فإن هؤلاء الكبار لم يتوقفوا هم أيضاً عن تكفير الآخر، من غير الوهابيين، فلا يزال، الأحياء منهم، يشيعون ثقافة تكفير الآخر، شخصيات، وطوائف، ودول.
وفي واقع الأمر، أن التكفير الوهابي للآخر بدأ بالمسلم قبل غيره، ثم انتقل في نهاية المطاف الى الذات، فالنزعة التكفيرية لدى تنظيمات القاعدة إنما ارتبطت بالتراث التكفيري لدى الوهابية، واستخدم في ساحات عديدة: افغانستان، باكستان، العراق، لبنان، الجزائر، المغرب، الصومال، والسودان..وأخيراً نيجيريا، وشمل مئات الشخصيات، وتسبب في مقتل الآلاف، فلأول مرة تصبح المساجد ودور العبادة ساحات قتال بسبب فتاوى التكفير الوهابية، كما شهدت ذلك مساجد باكستان، والهند وافغانستان والسودان.
وقد شاعت في أوساط التيار القاعدي وعناصره السعودية قضية تكفير الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين، وثار جدل حول ما اذا ثبت ذلك الحكم التكفيري عليهما، ومن يصدق عليه وهل هو من قادة القاعدة أو الاتباع، ولكن التسجيلات الصوتية المبثوثة المتوافرة تثبت بأن التكفير غير المباشر كان ديدن القادة، وقد صدر كلام للقائد القاعدي أبي مصعب السوري، (وقد أفرج عنه مؤخراً في صفقة تبادل مع مخطوفين إيرانيين من قبل جماعات قاعدية في سورية)، يشنّع فيه على إبن باز وابن عثيمين ويقول بأن (العلماء أمثال ابن باز وابن عثيمين، قد خانوا الله ورسوله وأمانة العلم وخانوا الأمة..وأنهم مرتكبون لكبيرة من أعظم الكبائر وفسق من أشنع الفسوق، بل إن كثيراً من فتاواهم ومواقفهم هي أعمال نفاق يصل بعضها لأن تكون عملاً من أعمال الكفر..). ورغم أنه لا يكفّرهم بسبب صحة معتقدهم والتأوّل المانع من التكفير، إلا أنه (لا يعترض على من كفّرهم بدليله لأنها أدلة قوية.. )(1).
وكما تفعل النار في الهشيم، فحين يندلع التكفير لا يستثني أحداً، ويطال من يشعلها في نهاية الأمر. ولذلك، لا غرابة أن نقرأ فتاوى وبيانات من طلاّب كبار العلماء وهم يكفّرونهم، ويطلقون عليهم نعوتاً قبيحة، فقد جرى تكفير المفتي السابق والحالي وأعضاء بارزين في هيئة كبار العلماء مثل اللحيدان والفوزان إلى جانب تكفير الدولة السعودية. بل ما هو مثير في دوامة التكفير تلك أن التراشق بالتكفير صار شغلاً رئيساً لدى المشايخ فهذا يكفّر هذا ويردّ عليه بتكفيره وتكفير من يعلوه أو يدنوه، ويكفّر الأباعد في المكان والزمان والرتبة بعضهم بعضاً مثل تكفير الوهابي في اليمن للوهابي في بلاد الشام، والوهابي في مصر يكفّر الوهابي في فلسطين، وتتوسّع دوائر التكفير وتضيق وتكبر وتصغر وتتعدد وتتوحد، بحيث نجد أن موجة التكفير والتفسيق والتبديع تحيط بالجميع من كل جانب. وما يثير السخرية، أن الجميع في لحظة ما يبرأ من الفعل التكفيري ويحذّر من الوقوع فيه، ويدعو الى التثبّت من شروطه وانطباقه على شخص بعينه أو جماعة بعينها أو على فعل بعينه، أو على العموم!
التجاذب بين التكفير والإرجاء

ما يلحظ في موارد التكفير داخل الدائرة الوهابية هو الوقوع في مصيدة (التكفير والارجاء)، فإن سلم أحدهم من تهمة التكفير لم يسلم من تهمة الإرجاء، وفي الحاصل النهائي النتيجة واحدة. فمن نأى بنفسه عن الخوض في سرائر المؤمنين، وامتنع عن الحكم عليهم بالكفر لحقتها تهمة الإرجاء، والمرجئة، بحسب الأدبيات الوهابية، هم من الفئات الضالة والخارجة عن الدين، فيصبح كافراً، وبالتالي ينطبق عليه مبدأ (من لم يكفّر كافراً فهو كافر). ولذلك، كان من السهل على الوهابي أن يكفّر فيسلم من تهمة الإرجاء طالما أن الخطاب التكفيري هو السائد والعقل التكفيري هو الحاكم، حتى ينجو من تهمة الإرجاء. وثمة نقطة فاصلة بين الإرجاء والتكفير أن الإرجاء هو حكم مؤجّل يرتبط بالله عزّ وجل، أما التكفير فهو حكم ناجز يصدره الإنسان، الذي توفّرت لديه الأدلة على الحكم بكفر إنسان آخر، فالمدار إذاً حول من ومتى يصدر الحكم على إيمان المرء.
وكانت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، برئاسة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعضوية كل من عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، وبكر بن عبد الله أبو زيد، وصالح بن فوزان الفوزان قد أصدرت فتوى رقم (21517) بتاريخ 14/6/1421هـ في الشيخ علي حسن الحلبي، تلميذ الشيخ ناصر الألباني، في ضوء كتابيه (التحذير من فتنة التكفير)، و(صيحة نذير)، قضت الفتوى بأن الكتابين (يدعوان إلى مذهب الإرجاء، من أن العمل ليس شرط صحة في الإيمان، وينسب ذلك إلى أهل السنة والجماعة..). وتوصلت اللجنة الى أن الحلبي بنى مؤلفه الأول (على مذهب المرجئة البدعي الباطل، الذين يحصرون الكفر بكفر الجحود والتكذيب والإستحلال القلبي..)، وأن مؤلفه الثاني وُجد أنه (كمُساند لما في الكتاب المذكور - وحاله كما ذُكر). وخلصت اللجنة الى عدم جواز طبع ونشر وتداول الكتابين (لما فيهما من الباطل والتحريف..)، ونصحوه بأن (يقلع عن مثل هذه الآراء والمسلك المزري في تحريف كلام أهل العلم)(2).
كما حذّرت اللجنة نفسها من كتاب أحمد بن صالح الزهراني (ضبط الضوابط في الإيمان ونواقضه)، والزهراني هو تلميذ الشيخ المدخلي والنجمي وحضر لابن باز وابن عثيمين وأصبح معلماً للتربية الاسلامية. ووجّهت تهمة الارجاء للكاتب.
وقد توصّلت اللجنة التي ضمّت المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز، والمفتي الحالي (عضواً) الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ عبد الله الغديان، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ بكر ابو زيد، بعد الاطلاع على كتاب الزهراني (فوجدته كتاباً يدعو إلى مذهب الإرجاء المذموم؛ لأنه لا يعتبر الأعمال الظاهرة داخلة في حقيقة الإيمان، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة..وعليه: فإن هذا الكتاب لا يجوز نشره وترويجه ، ويجب على مؤلفه وناشره التوبة إلى الله عز وجل). وحذّرت المسلمين (مما احتواه هذا الكتاب من المذهب الباطل حماية لعقيدتهم واستبراء لدينهم، كما نحذر من اتباع زلاّت العلماء فضلا عن غيرهم من صغار الطلبة الذين لم يأخذوا العلم من أصوله المعتمدة)!(3).
وهنا يتأكّد ما بدأنا به هذا القسم ومن خلال ما سبق أن كل الذين كتبوا في الايمان وضوابط التكفير، إن لم يقتفوا سنّة ابن تيمية وابن عبد الوهاب في التكفير تطالهم تهمة الإرجاء.
وكان الشيخ سفر الحوالي قد اتّهم الشيخ ناصر الدين الألباني بالإرجاء المحض، وقال في كتابه ما نصّه:
(أن بعض علماء الحديث المعاصرين الملتزمين بمنهج السلف الصالح قد اتبعوا هؤلاء لاالمرجئة في القول بأن الأعمال شرط كمال فقط، ونسبوا ذلك الى أهل السنة والجماعة)، ونقل ذلك من كتاب الإلباني (رسالة حاكم تارك الصلاة ، ص 24)(4).
وفي الواقع، كان كتاب الحوالي في الإرجاء قد ساهم بطريقة غير مباشرة في ترسيخ نزعة التكفير في الوسط الديني الوهابي، من خلال هجومه الشامل على فكرة الإرجاء. حتى أن الشيخ الألباني في ردّه عليه قال بعد مطالعته له (..مع غلو ظاهر في بعض عباراته، حتى ليخيّل إليَّ أنه يميل الى مذهب الخوارج..)(5).
وقد ذهب الشيخ فالح الحربي الى أن الشيخ الألباني والشيخ ربيع بن هادي المدخلي والشيخ علي الحلبي ينشرون الإرجاء وأنهم (يجعلون الأمة جميعاً مرجئة ويتركون عقيدة أهل السنة والجماعة ويجعلون عقيدة أهل السنة هي البدعة وعقيدة أهل البدع هي السنة)(6).
وفي فتوى للشيخ سلمان في الألباني ونسبته للإرجاء، حيث سئل العودة: من هم المرجئة، وماهي أفكارهم، ومن يمثلهم في هذا الزمان؟ فأجاب الجواب أصل الإرجاء، هو: إخراج العمل عن مسمى الإيمان وهو درجات متفاوتة، وقد نُسب الشيخ الألباني إلى شيء من ذلك، وهو إمام مجتهد(7).
الجدير بالذكر، أن تهمة الإرجاء لحقت أيضاً بأعضاء هيئة كبار العلماء ومنهم المفتي السابق ابن باز وابن عثيمين، وقد نعتهم البعض بـ (مرجئة العصر) لأنهم سكتوا عن كفر النظام السعودي. فيما وجّهت ذات التهمة، أي مرجئة العصر الى ما يصنّف في الأدبيات الوهابية بـ (الجامية). من نافلة القول، قد يكون لكتاب الحوالي سالف الذكر نفوذ قوي على عناصر السلفية الجهادية أو بالأحرى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، خصوصاً أولئك الذين خضعوا تحت تأثير أفكار مشايخ الصحوة في تسعينيات القرن الماضي، وعلى رأسهم الشيخ سفر الحوالي، الأمر الذي دفع بهذه العناصر لرمي ابن باز وابن عثيمين بالإرجاء. وقد كان لمشايخ الصحوة حينذاك صولات مع ابن باز وهيئة كبار العلماء عموماً بخصوص خرق المشايخ لتابو (النصيحة في العلن)(8).
في ضوء ما سبق الإلماع إليه، نجد أنفسنا أمام تراث هائل من التكفير داخل المجال الوهابي، يتغذى على فوبيا الإرجاء، حتى أصبح التكفير بمثابة شهادة براءة منه. فمن نجا من نار الإرجاء وقع في جحيم التكفير. ولذلك، كان خوف كثير من المشايخ والطلبة وحتى العلماء من تهمة الإرجاء يدفع بهم التشدّد وخصوصاً في بحوث ضوابط التكفير الى التناقض، فمن جهة يسردون روايات وآراء تؤكّد على الامتثال المنضبط في موضوع الحكم على إيمان المسلم وعدم إيمانه، وتحرّي الدقة في إصدار حكم ينقله من جانب الإيمان الى الكفر، ولكنّه ما يلبث أن يفتح باباً خلفياً لدخول أفكار التكفير، عبر الإصرار على وجوب تكفير من كفّره الله (وهي الفكرة المركزية التي استند اليها المكفّراتية في المجال الوهابي). بل هناك حملة تحذير من تسرّب فكر الإرجاء، وقد صنّف أحدهم كتاباَ بعنوان (ذم الإرجاء)، فيما كانت تشيع قصص جمّة عن علماء وشيوخ من السلفيين قد وقعوا في شيء من الإرجاء، أو ربما بشّروا ببعض أفكار الإرجاء بسهو وخلافه، ما يلمح الى أن ثمة حملة متصاعدة ضد الإرجاء أحالت منها الى فوبيا وشجّعت موقفاً مضاداً منها عن طريق الانغماس في التكفير بل والغلو فيه.
وفق هذه الرؤية التكفيرية المتساهلة، يندفع كثير من المشايخ نحو الحكم بكفر الآخر لمجرد عدم فهم نص الآخر، أو رأيه، أو حتى منهجه في مقاربة النصوص وفهمها وتأويلها. فمثلاً كفّر المدعو الشيخ صالح بن سعد السحيمي المفكر الإسلامي مصطفى محمود وسيد قطب، لمجرد اختلاف في فهم نصوصهم. وسئل السحيمي عما إذا كان ثمة خطأ عقدي في البيت التالي:
الله ربي لا أريد سواه هل في الوجود حقيقة إلا فجاء جوابه: نعم، بل فيه خطأ عقدي خطير جداً، واعتبر ذلك من دلائل أتباع عقيدة وحدة الوجود.
هكذا إذاَ فهم بيت الشعر، فأصدر حكماً على طائفة كبيرة في المسلمين بالكفر، وفق تفسير لبيت الشعر بأنه يندرج في عقيدة وحدة الوجود. نشير الى أن السحيمي كفّر أيضاً من هم من أهل دعوته كالشيخ محمد حسان.
مثال آخر، في مقطع صوتي من شريط للشيخ الوهابي اليمني مقبل بن هادي الوادعي يتحدث فيه عن الإنتخابات ويعلن فيه صراحة لجمهوره بعدم اتباع الشيخ محمد ناصر الدين الالباني والشيخ المفتي السابق عبدالعزيز ابن باز والشيخ محمد صالح العثيمين (لأنهم خالفوا الشرع والدين وأفتوا بجهل من غير علم)، وقال في مقطع آخر (لقد أحرقتم أنفسكم ايها المشايخ بهذه الفتاوى التي تخالف الشرع الحكيم)، وقال ناصحاً (اتقوا الله يا مشايخ الوهابية لقد أحرقتم انفسكم ولا تغرنكم الحياة الدنيا واتقوا الإثم في الأخرة)(9).
فنزعة التشدّد التي غرسها هؤلاء في الشيخ الوادعي إرتدّت عليهم، فلم ينظر الى ما قالوه ضمن دائرة الإجتهاد القابل للخطأ والصواب، وإنما أدخله، كما فعلوا هم مع غيرهم، في دائرة الحلال والحرام والإيمان والكفر. وقد اشتهر عن الوادعي مواقف تكفيرية وتبديعية مثيرة للجدل، دفعت مشايخ آخرين لإخراجه من دائرة الحق الذي عليه الوهابية وطالبوه باعلان التوبة عن باطله.
ومن بين ما أجاب عن سؤال حول من يدعي السلفية ويدافع عن المتحزّبين، بأنه لابد من النظر الى من يعلن السلفي عن مودته له، وسأل:(..أيواد المبتدعة؟ نعم، مثل عبد الرحمن عبد الخالق، وأبي إسحـاق الحـويني، فهذان يُعتبران من المبتدعة، أي نعم، وكذا مثل أيضاً سَفَر ـ الحوالي ـ وكذلك سلمان ـ العودة ـ يُعتبران من المبتدعة، وكذا أيضًا مجلّة “السنّة” التي هي لائقة بالبدعة، وهي التابعة لمحمد سرور، فهذه أيضاً وأهلها القائمون عليها، تُعتبرُ مجلة بدعة...)(10).
وشحن في أحد كتبه المشهورة آراء في تكفير وتبديع الآخرين. ونقرأ في كتابه (المخرج من الفتنة) نماذج مما قاله في علماء مسلمين ومشايخ وهابيين منها:
ـ قال عن كتاب الشيخ محمد الغزالي (دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين) فيه (ضلال مبين).
ـ سئل عن كتابي الشيخ السلفي عبد الرحمن عبد الخالق (الفكر الصوفي) و(الولاء والبراء) فقال: أرى أن لا يعتمد عليه بالنسبة للفكر الصوفي، لأنه ينقل من (طبقات الصوفية) لأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي وهو متهم، فلا يجوز أن نلصق تهمة ببعض الأفاضل مثل ابراهيم بن أدهم بمجرد رواية أبي عبد الرحمن السلمي، وهكذا (الولاء والبراء) فقد أخطأ فيه على جماعة الحرم (يقصد جماعة جهيمان العتيبي الذين تحصّنوا في الحرم المكي سنة 1979)، وعلى جماعة الحديث بالمدينة، ثم قال (يعرف خطأه كل من يعرفهم، وأعتقد أنه أزرى بنفسه..).
ـ قال عن الشيخ سعيد حوى بأنه (حنفي جامد) ونصح بالإعراض عن كتبه (وعدم الاشتغال بها).
ـ سئل عن تفسير المنار، لرشيد رضا، فقال من حيث العقيدة والتوحيد طيب، وأما من حيث دلائل النبوة فهو يعتمد على محمد عبده المصري (ومحمد عبده ضال) حسب قوله.
ـ وقال عن جماعة الحرم ـ جماعة جهيمان العتيبي ـ بأنهم (طلبة علم أخيار أفاضل قد انتشرت بسببهم سنن كانت قد أميتت، وما خسرتهم أرض الحرمين فحسب بل خسرهم المجتمع المسلمين..).
ـ وقال بأن أسباب وقعة الحرم هو (محاربة علماء السوء لهم كابن صالح وشبية الحمد وابن مزاحم، فقد كانوا يحذرون من الاخوان في بعض الخطب ويلصقون بهم ما ليس فيهم، ومنها عدم انصاف الحكومة لهم وعدم العدالة مع السجناء ومع الهاربين ونزلت طلبة العلم منزلة المجرمين..) وغيرها مثل (فساد المجتمع والضغط على من تمسّك بدينه..)، وقال عن من اعتبر من علماء الوهابية واقعة الحرم بأنها من مصاديق محاربة الله ورسوله أو السعي في الأرض فساداً بأنهم (علماء سوء).
ـ وصف الوادعي المفكر والشيخ حسن الترابي بأنه (ضال) و(كذوب)(11).
وقد ردّ عليه الشيخ أحمد بن يحيي النجمي بقوله (وأما تصريحات الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ونيله من أهل الحل والعقد في المملكة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين: فهذا منكر نستنكره، وننكره عليه أشد الأنكار، ونرى أنه يخدش في سلفيته)(12).
الجدير بالذكر أن الشيخ النجمي ردّ على قول الشيخ عبد الله ابن عبد الرحمن الجبرين بأن كثيراً من علماء السعودية أشاعرة، فقال: إنه كذّاب (13).
وسئل الشيخ الجبرين عن الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في موضوع الجرح والتعديل ، فوصف فيها المدخلي بالجهل والتجاهل (14).
وفي المقابل، تحدّث الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في ابن الجبرين وقال بأنه (صبر عليه كثيراً ولابد من فضح باطله وهو يعلم أنه على باطل ولابد من نبذه) وقال أيضاً عنه بأنه ( ليس بعالم..ضيع دينه وإسلامه..يحارب بالأقمار الصناعية..لا يصنّف في السلفيين ولا العلماء)(15).
وحذّر ربيع المدخلي من الحويني ووصفه بأنه حزبي (لا ينصح بسماع دروسه ولا قراءة كتبه)(16).
وتأخذ نزعات التنابذ والطرد المتبادل أشكالاً متنوعة وتندرج في سياق تقييم الشخصيات موضع التساؤل. فقد سئل عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ صالح الفوزان، عن الشيخ السوري المثير للجدل عدنان العرعور فحذّر منه واتهمه بالجهل، وقال: هو أصلاً ماهو بعالم هو جاء الى المملكة حرفي أو محترف وبعدين أظهر ما عنده، وقال (أنصح الشباب السلفي بمقاطعة دروسه و أمثاله)(17).
وكان الشيخ عبد المحسن العباد البدر يذم ويقدح ويحذر من الشيخ عدنان العرعور، ويقول عنه (نصيحتي لكم أنكم لا تشتغلون بكلامه ولا بقواعده ولا تلتفتون إلى ما عنده لأنو عندو تخليط وسبق أني اطلعت على بعض كلامه فلا يجب الإنشغال به والإستماع إليه.. ولا ينبغي أن تحضر دروسه)(18).
وانتشر في شهر نوفمبر من العام 2010 مقطع صوتي للداعية الوهابي أسامة العتيبي يصف فيه الشيخ يوسف الأحمد (صاحب فتوى هدم الحرم المكي) بأنه أخبث الحزبيين وأنه (مبتدع ضال)(19).
يُشار إلى أن العتيبي أشتهر بمحاربته لمن يصفهم بالحزبيين في منتديات الانترنت تحت اسم “أبو عمر العتيبي”, وله مقاطع صوتية كثيرة يهاجم فيها مخالفيه بأسمائهم الصريحة. وتلفت لهجته الى أنه من غير بلاد الجزيرة العربية(20).
وللداعية العتيبي آراء متطرّفة في الداعية المصري السلفي الشيخ أحمد بن عبد الرحمن النقيب، والشيخ الداعية السلفي المصري أحمد فريد، والشيخ السلفي المصري مصطفى العدوي، والشيخ السلفي المصري محمد اسماعيل المقدم، والشيخ السلفي المصري ياسر برهامي، والشيخ السلفي محمد عبدالمقصود، والشيخ الحويني والشيخ محمد حسان وغيرهم الكثير، رغم كونهم جميعاً من أتباع المدرسة السلفية، إلا أن بعضهم يميل الى العمل الحزبي، وشارك في ثورة 25 يناير في وقت متأخر، وانخرط في حزب النور السلفي، وهناك من جاهر بتأييده لأسامة بن لادن (مثل محمد حسان)! وقال عن مصطفى عدوي وأحمد فريد بأنهما من مدرسة الاسكندرية وأنها مدرسة تكفيرية متأثرة بفكر السيد قطب، مع أنهم سلفيان. وقال عن الشيخ محمد عبد المقصود بأنه من رؤوس الشر في مصر، وكذلك برهامي والمقدم والحويني وحسان وكلهم ينتمون الى مدرسة الاسكندرية، ولكنّهم سلفيون(21).
وفي رسالة كتبها أحد أتباع الوهابية في مصر وهو يكفّر مشايخ الوهابية السعوديين برسالة أسماها (رسالتي إلى المخدوعين بعلماء السعودية)، والتي اعتبرها (نصح وإرشاد، وأخذ بيد كل من اغتر وأعجب بعلماء السعودية.)، ويضيف (وهؤلاء الذين يَضَعون آمالهم على أولئك المشائخ مُخطئون غافلون..)، ثم أفرد فصلاً (في بيانِ بُطلانِ اعتقادِ مَن يَعتقِدُ أنَّ أحد علماء السعودية على “العقيدة الصحيحة” من وجهين: الوجه الأول: مفارقتهم أهل السنة في تكفير المُعيّن الذي ثبت كفره بالدليل البواح: فمن المعلوم بالضَّرورة أنَّ الكفر بالطاغوت رُكن التوحيد، ولا يستقيم الدين إلا بالكفر بالطاغوت، فهل مشائخ السعودية يَكفُرُونَ بالطاغوت؟! وقال (وإنَّ مِن عُلماء السُّعودية أصلاً من لا يعتقد بأنَّ الحُكم بغيرِ الشريعَة نَاقِضٌ إلاَّ إذا استحلّ..)، والوجه الثاني: مفارقتهم أهل السنة والجماعة في أعمالٍ تُعدُّ ناقضة للإسلام بزعمهم أنها ليست ناقضة مثل: مُدَاراة العدو ومداهنته.
وهناك صورة دامية وقاتمة في السودان، حيث تعمل الحركة الوهابية منذ عقود بشكل حذر بسبب سيادة جماعات التصوّف والاخوان المسلمين، وكان شيخ الوهابية محمد هاشم الهديّة، رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية منذ العام 1965 حتى وفاته العام 2007، قد دخل في خصام مع نائبه أبو زيد محمد حمزة وأدى الى مناوشات سفكت فيها دماء بريئة عند بيوت الله. حيث انقسمت الجماعة الى جناحين: جناح شيخ الهدية وجناح الشيخ أبو زيد. وقال الأول بأن الشيخ أبو زيد سبق فصله من جماعة أنصار السنة قبل ثلاثة أعوام متهماً المؤتمر الاستثنائي بانتحال إسم الجماعة، وواصفاً قراراته بأنها باطلة، ولا تستند إلى شرعية. وكان جناح أبو زيد قد أعفى الشيخ الهدية من رئاسة الجماعة.
وجاء في بيان بإسم جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان بتاريخ 21 يوليو 2007، الذي يرأسها الشيخ الهدية أكدّ فيه على أن الشيخ أبو زيد قد سبق فصله من الجماعة وباجماع المركز العام قبل ثلاث سنوات.
في المقابل، جاءت توصيفات مؤتمر جناح أبو زيد، تحت عنوان الجماعة وتحت إطار المؤتمر العام الاستثنائي، ومن توصياته: اعفاء الشيخ محمد هاشم الهدية من رئاسة الجماعة، وإعفاء الأمانة العامة للجماعة، وإعفاء عضوية المركز العام المختارة من قبل الرئيس العام السابق، واختيار ابو زيد رئيساً للجماعة بتفويض كامل. ودعا ابو زيد (كافة الجماعات السلفية للانضمام تحت لواء الجماعة للكلمة وتوحيداً للصف)(22).
وقد اشتعلت حرب المساجد بين أجنحة الوهابية في السودان في التسعينيات، وإبان وجود أسامة بن لادن، كالهجوم الذي قاده محمد الخليفي على أحد مساجد (أنصار السنة) بأم درمان. في المقابل، شنّ الشيخ أبو زيد هجوماً عنيفاً على التصوّف والجماعات الصوفية في السودان، وكان يحمل في محاضراته ودروسه على الصوفيين ويحرّض عليهم. حتى أن مساجد السودان تحوّلت الى ساحات مواجهة بين الوهابيين ومخالفيهم، وقد تعرّض مسجد كبير في ضاحية (الثورة) بمدينة أم درمان الى هجوم مسلّح من متطرفين دينيين في اوائل التسعينات من القرن الماضي، وأدى الى مقتل 21 شخصاً وجرح العشرات. وقاد الهجوم أحد عناصر القاعدة يدعى محمد الخليفي، اتى الى السوادن مع زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن، غير انه اختلف معه وانسلخ، بعد ان أحل دم بن لادن، وصار يردد افكار (التكفيريين) في منتديات سرية في الخرطوم. وفي تفاصيل هجوم الخليفي على المسجد أنه جاء ومعه مجموعة من المتطرّفين يحملون بنادق الكلاشنكوف وامتطوا سيارة نقل وهاجموا المسجد بضراوة، أثناء اداء المصلين لصلاة الجمعة، فسقط بنيران بنادقهم 21 مصليا قتيلا في الحال، في أعنف هجوم من نوعه على المساجد على مدى تاريخ السودان الحديث، وقتل اثنان منهم جوار المسجد، وتكررت الحوادث في المدينة نفسها ومدن أخرى وصار الهجوم المسلح على المساجد ظاهرة متكررة، ولو تتبعنا الجذور لما عدونا آثار القاعدة والوهابية. وحسب قول أحدهم (كل هؤلاء (التكفريين) ولدوا من رحم الوهابية ثم بدأوا بمن علمهم التكفير مستبشعين عليهم معاملة المجتمع الكافر!).
نموذج آخر لحملة الكراهية يقدّمها الشيخ فوزي الحميدي المعروف باسم فوزي الأثري السلفي، وهو بحريني الجنسية، درس على الشيخ ابن عثيمين وغيره وقد طعن في الشيخ محمد حسان، حيث سأله أحدهم: أنا أستمع في بعض الأحيان الى محمد حسان لكن سمعت ان أسلوبه منهي عليه لأنه يحفز الى الجهاد فما رأي شيخنا في هذا اللامر..؟ فأجاب: لا يجوز سماع أشرطة محمد حسان الثوري، لأنها لا فائدة فيها، ولأن فيها من المنكرات والمخالفات الشرعية الكثيرة.. وقال عن الشيخ ربيع المدخلي بأنه على باطل، وكتب مقالاً بعنوان الأسباب التي تمنع المدخلي من التوبة من باطله ومن اتباع الحق.
وكانت إدارة الأوقاف السنية في البحرين قد أوقفت فوزي الأثري من التصدّر للوعظ والتدريس ومنعه من التقدّم للإمامة في جميع مساجد البحرين وجوامعها، بعد أن أحدث لغطاً واسعاً حول صوم يوم عرفة، وقال بأنه ليس بسنّة، ما جلب ردوداً عليه من قبل المفتي العام في المملكة وقال: (أنبئوه أنه هو خلاف السنة)، وقال عنه الشيخ صالح الفوزان (هذا مشوّش وانصحوه لا يشوش على المسلمين)(23).
بين الحجوري والجابري.. خلاف عار عن الأدب

يأخذ التطاحن أحياناً شكلاً هابطاً يغمره الإسفاف في القول وبذاءة الألفاظ وأحطّها. تبدأ مستوى التكفير والتحريف والتضليل وتهبط الى مستوى التعريض بالشخص وبآدميته. مثال ذلك: في رأي الشيخ السلفي مدير معهد (دار الحديث) في دمّاج بمحافظة صعدة في اليمن، يحيى بن علي الحجوري (أن الشيخ عبيد الجابري يحقد على الدعوة السلفية ومنحرف ضال) ويرد عبيد الجابري بأن (الحجوري سليط اللسان فاحش القول ما يرعى حرمة ومحروم الحِلم والحكمة ولا يحضر دروسه). ولكن لا يقف التنابذ عند مستوى كهذا، فما يلبث أن ينجر الى مزالق تجنح بعيداً عن الحد الأدنى من أدب الحوار وأخلاقياته. فالجابري نفسه خاطب سائلاً من الجزائر بكلام غريب وقال له: أنت إما مجنون أو حمار(24).
وقال الشيخ الحجوري عن الشيخ أبي حسن المأربي المصري بأنه (خرج من بين الراقصين والراقصات وأتباعه كلاب جرب ومعروف أنه رجل يتمسّح يتذلل للمادة كما يتذلل - يعني - أشد مما يتذلل لربه سبحانه وتعالى فيما يبدو)(25).
وفي مقطع آخر، يقول الحجوري عن المأربي، ودعوته ومنهجه بما نصّه (هاتوا لنا هرّة قد رُوّعت من أهل السنة)، ثم يقول (أنا أفتيت أولئك الأبطال شباب أهل السنة في عدن أن أبا الحسن إذا أتى بفتنته يريد أن يحاضر عمداً وقصداً وفتنة في مساجدهم الخاصة بهم فليسحبوه برجله إلى برميل القمامة، صحيح إن استطاعوا ذلك فعلوا يسحبونه إلى برميل القمامة..)(26).
وله ألفاظ بذيئة يربأ كل ذي خلق عن النظر فيها والاستماع إليها(27).
وقال الحجوري عن الداعية المصري عمرو خالد بأنه (داعي الاجرام، مغازل من المغازلين، هل هو من الاسلام فى سرد أو ورد، يدعوا الى الاجرام والفساد والفتنه والخنا والريبه، لا تفرق بينه وبين النصرانى حليق فسيق، صورته صورة شيطان على أنسي، ابليس الثانى يدافع عن ابليس الاول، من ابناء اليهود والنصارى البررة لهم..)(28).
وأطلق الفاظاً وقحه ضد دعاة آخرين مثل الريمي والوتر والهدار وصعتر والزاوي والعودي ووصفهم بأوصاف هابطة مثل حمار وكلب وغيرها.
وكان الحجوري قد وصف فتوى الجابري في الانتخابات بأنها (منحرفة)، وكذا فتوى له بقبول الاختلاط بين الجنسين في العمل ولو على سبيل الاضطرار والجهل المسبق بوقوعه، وفتواه في جواز التصوير ومشاهدة الرسوم المتحرّكة، والحصول على جنسية البلدان الكافرة وغيرها من الفتاوى التي خالف فيها الجابري الآراء الوهابية المتشدّدة فجلبت عليه نقمة أهل دعوته(29).
وقد أعدّ الشيخ الحجوري ردّاً على ما وصفه ثرثرة وتلبيسات عبيد الجابري (المنحرف الضال)! حسب وصفه. وقد ثبّت ردوداً عليه في موقعه الرسمي بعناوين متعددة منها: أخْذُ العبرة من عجائب ما نشر عن عبيد الجابري في دعوته لأهل أُوروبا أن يهاجروا إلى برمنجهام وأنهّا دار هجرة، والإيضاح لما عند عبيد الهاجري من الجاهلية والكذب الصراح!، التنبيه السديد على ما نقل للشيخ عبيد، الرد الواضح من أهل وادعة حفظهم الله على ما تفوه به عبيد الجابري من الفجور والسفه الفاضح، كلمةٌ مختصرة في الرد على من دافع بباطل عن فتنةِ عبيد الجابري المنكرة(30).
وقد وصف الحجوري الجابري فقال بأن: أن عنده حقد على الدعوة السلفية في هذا المكان، أي دمّاج، ويعبّر بكلامه عن حقده وفجوره في الدعوة السلفية في هذا المكان المبارك، ويعرب عن زيغ قلبه إلى الحزبية الجديدة، كلمات الجابري وديدنه هي بلا علم ولا حلم ولا روية ولا خلْفية، الرجل محروق، حاله: في أضغاث أحلام، حاله: لا يرعوي.
فرد عليه الجابري في 27 ربيع الأول 1429هـ في سياق اجابة عن سؤال حول الفتنة الدائرة في دماج داخل الدائرة السلفية بين شيخ يدعى محمد بن عبد الوهاب الوصابي والشيخ يحي الحجوري، فبينما مدح الجابري الأول وأثنى عليه، قال عن الشيخ يحيى الحجوري بأنه (سليط اللسان فاحش القول ما يرعى حرمة أحد لو صاحبته عشر سنين يمكن يهدمها في ساعة ما يبني على الرفق، هو وإن كان عنده علم لكن محروم الحِلم والحكمة.
وقد قال الشيخ محمد بن ربيع المدخلي في كلام الحجوري في الجابري بأنه باطل. فيما كان الشيخ صالح الفوزان قد حذّر قبل سنوات من الشيخ الحجوري وقال عنه بأنه (من أهل الضلال يشكك الناس ويظهر عقيدته الباطلة فإذا رأى الناس استنكروا عليه أظهر التراجع خديعة ، فلا يجوز قبول هذا الشخص ولا التتلمذ عليه ويجب الحذر منه )(31). وقال الشيخ ربيع المدخلي عن الحجوري وجماعته بأن (أصحاب الشيخ يحيى هم أصحاب فتنة)(32).
وكان الشيخ عبيد الجابري قد تجاوز حدود اللياقة وأدب التخاطب، وقال في لحظة جنوح أن (الجزائريين كلهم حمير إلا من رحم الله)، وقال لسائل جزائري حول اللجنة الدائمة بأنك مجنون ثم قال له (أنت بقر بقر بقر).وكفّر الداعية المصري عمرو خالد، وله فتوى في الشيخ علي الحلبي وعدنان العرعور وأحمد السوكجي ومحمد حسان، وقال في جواب على سؤال عن الشيخ محمد حسان وجّه اليه بتاريخ 26 يونيو 2008، (ولا يغرنكم أيها المسلمون أن الشيخ علي الحلبي زكّاه، فإن الشيخ علياً ابن حسن ابن علي ابن عبد الحميد الشامي الأثري يزكي من ليس أهلا للتزكية، بل يزكي ضلالاً عُرِفَ ضلالهم مثل عدنان عرعور وأحمد السوكجي الأنصاري الذي أسس جماعة الارشاد في اندونيسيا، فهو مسكين ضائع - أي الحلبي - في هذا الباب فلا يوثق من تزكيته، ولا يغرنّكم قول الأخ علي أن ابن حسان رجع عن مدحه لسيد قطب فهذا لا يكفي..).
كما وصم الشيخ فلاح الحربي كلاً من عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر وعلي بن غازي التويجري، وإبراهيم بن عامر الرحيلي و سليمان بن سليم الله الرحيلي، وعبدالله بن عبد الرحيم بن حسين البخاري بالبدعة وقال عن رحيب بن ربيعان الدوسري إنه (أضل من حمار أهله)، فقام الشيخ عبيد الجابري فكتب في 24 شوال 1424هـ ردّاً بعنوان (شهادة حق) يدافع فيه عنهم ويقول (والذي أشهد به على هؤلاء الإخوة حتى الساعة أنهم من أهل السنة والجماعة..). ولكن الجابري كفّر الشيخ علي الجفري واستحل دمه وماله ونفى عنه صفة الموّحد بالله، وقال (إنه غير موحد بالله الواحد القهار)، وقال في أحد كلماته ((فإني أختم الحديث الذي طال معكم، وأستسْمِحكم أظني أمْللْتُكُم، لكن ليس لدينا حيلة، والناس ـ أعني أهل السذاجة، والغفلة، والجهل ـ يَجوب الأرض فيهم مثلُ الجفري داعينَهم إلى الضلالة بعد الهدى ، والكفرِ بعد الإسلام ، فإنه لا بدَّ لنا من البيان) ثم أضاف ( ووالله وبالله وتالله ؛ إن لم يتب الرجل عن هذا المسلك توبة نصوحاً، يُقلِع فيها عن هذا، ويصلِح حاله، يعود إلى التوحيد ـ إن كان موَحِّدا في الأصل وما أظنه كان موحِّداـ ، وأن يبين للناس التوحيد، ويبين أنه أفسد على الناس دينهم ؛ فهو ـ والله ـ حلال الدم والمال. يَجب على وليِّ أمره، وإمامه إن لم يتب أن يقتله..)(33).
وقد صنّف الشيخ عبيد الجابري الشيخ سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر وعايض القرني على المعتزلة والجهمية ووصفهم بأنهم (ثوريون حركيون)، وأنهم خالفوا العلماء منذ حادثة الخليج، وأنهم شقوا عصا الطاعة..(34).
وشنّ هجوماً على الداعية عمرو خالد، والاستاذ طارق السويدان وقال (الهمج الرعاع يتبعون كل ناعق عمرو خالد إمام وطارق السويدان إمام وفلان إمام وهم من أجهل الناس في سنة النبي صلى الله عليه وسلم)(35).
وما هو مستغرب حقاً، أن أحدهم ويدعى جمال البليدي أراد الدفاع عن الشيخ عبيد الجابري فيما يخص تشنيعه على الشعبين الجزائري والليبي ووصفهم، مع الاعتذار، بالحمير، وقام بالرد على المدعو شمس الدين في مقالة نشرت في جريدة الشروق في يوم الأربعاء 20 رجب 1429 هـ الموافق 23 يوليو 2008، انتقد فيها مقولة الجابري فكتب البليدي في 4 نوفمبر 2008 كلاماً طويلاً وفي الواقع تبريرياً للدفاع عن وقاحة الجابري بقوله أن الشيخ الجابري (لم يخطىء في كلامه..)، وبرر ذلك بأن الجابري استثنى العبارة بقوله (إلا مارحم الله)، وساق أدلة وشواهد من تاريخ العرب والمسلمين والأدب وكلها لا تصمد أمام انفلات الجابري وتجاوزه لأدب الحوار.
وللجابري آراء متشدّدة أخرى في أهل دعوته، فقال عن الشيخ عائض القرني بأن في كلامه (عبارات شركية وألفاظ بدعية) وأنه يلعب على الطرفين (وإن لم يرجع ويتوب عن كل ما أخطائه جملاً وتفصيلاً فسيظل ضَال مُضل وإن ظل علي خطأ واحد بدعي)(36).
وقال كلاماً مماثلاً في سليمان الجبيلان ومحمد العريفي وابراهيم الدوايش وسعيد بن مسفر وقال عنهم إنهم قصاصون وحذّر المسلمين من الاستماع لأشرطتهم وقراءة كتبهم(37).
سئل الشيخ فالح الحربي عن الشيخ ابراهيم الدويش، وكلاههما وهابيان، فقال (إبراهيم الدُويِّش هذا إنسان ضايع مايع، حزبي قصَّاص جَاهِل، ومتخصّص في الجِنس، وأتى بالعَجَبِ العُجَاب.. أساء إلى الإسلام وأساء على أمهَّات المؤمنين وهكذا إلى المُسلمات وإلى الصحابيَّ.. فينبغي أن يُحذَرَ من هذا الشخص ، هؤلاء ناس يُعتبرون شياطين بل أسوء من شياطين الجن..)(38).
بارقة نقد موضوعي.. ولكن من خارج الوهابية!

قد يستثنى مما سبق ما ظهر في القراءة النقدية التي قدّمها الشيخ أمين نايف ذياب (توفي سنة 2006) بعنوان (قراءة في السلفية الألبانية) والتي رغم ما اشتملت عليه أحياناً من عبارات حادّة إلا أنها التزمت إلى حد كبير الحياد العلمي. ويعتبر الشيخ ذياب، كما يحلو لأتباعه القليلين نعته، قائد حركة الاعتزال في العصر الحديث بعد أن كان سلفياً على طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
من وجهة نظر الشيخ ذياب فإن الألباني (ليس من وراة الحديث..)، ولا ينطبق عليه وصف المحدث (إذ المحدث هو من يتحمل الحديث ويعتني به رواية ودراية). وقال عنه بأنّه (مُجرد مدوّنٍ لآراء غيره، وتحمُّلِ غيره وعناية غيره بالحدث، روايةً أو درايةً)، ومثّل لذلك بكتابه (سلسلة الاحاديث الصحيحة والضعيفة)، كما نفى عنه صفة الحافظ، التي تطلق على (من يحفظ مائة ألف حديث متناً أو سنداً، ولو بطرق متعددة، ووعي ما يحتاج إليه علم الحديث..)، فقد نفى وجود مائة ألف حديث في الأصل، فضلاً عن أن يكون الألباني مندرجاً في قائمة الحفّاظ، رغم أنه مرّ على أحاديث كثيرة، ولا يعني ذلك أنها يحفظها، أما أن يكون حجّة بمعنى أن يكون حافظاً لثلاثمائة ألف حديث، فذلك غير متحقق، كما أنه ليس بحاكم وهو من يحيط بالسنة كلها. رغم أن أوصاف الحافظ والحجّة والحاكم تبدو مستغربة، وهي كما يقول الشيخ ذياب (أوصاف خيالية تنتمي لمعارك الزير أبو ليلى المهلهل وبطولات أبي زيد الهلالي).
يلفت الشيخ ذياب الى منهج الألباني في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف ونقل عن الدكتور بشار عواد أثناء تحقيقه لكتاب تهذيب الكمال، أن الداعي لتضعيف إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أستاذ الشافعي هي دوافع هوى كونه ينتمي للقائلين بالعدل فقط وعليه فالألباني لم يقدم لعلم الحديث شيئاً مذكوراً(39).
الهوامش

1 ـ أنظر الرابط:
http://www.muslm.net/vb/archive/index.php/t-361543.html
2 ـ كتاب: التحذير من الإرجاء وبعض الكتب الداعية اليه، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالمملكة العربية السعودية، دار علم الفوائد، مكة المكرمة الطبعة الثانية سنة 1422، ص ص 26 ـ29
3 ـ كتـاب: التحذير من الإرجـاء وبعض الكتـب الداعية إليه، المصدر السابق ص 19
4 ـ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، ظاهرة الارجاء في الفكر الالاسلامي، دار الحكمة للنشر والتوزيع، الطبعة الاولى 1999، حاشية ص 350
5 ـ محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأثرها السيء في الأمة، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1425هـ، المجلد الرابع عشر، القسم الأول ، الجزء 14، ص 949
6ـ رابط المقطع الصوتي لرأي الشيخ الحربي في الألباني والمدخلي والحلبي
http://www.4shared.com/mp3/wiZbXk7Q/_______.html
7 ـ أنظر رابط السؤال والجواب:
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=248947
8 ـ أنظر نص سؤال عن تهمة الشيخين ابن باز وابن عثيمين على الرابط التالي:
http://vb.noor-alyaqeen.com/t16616/
9 ـ أنظرالرابط
http://www.4shared.com/file/193710279/f84556e0/______________________________.html
10 ـ شريط (المجروحون) العدد: 3، تسجيلات أهل الحديث، الجزائر العاصمة
11 ـ الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، المخرج من الفتنة، مكتبة صنعاء الأثرية، الطبعة الاولى 2002، ص ص111، 138، 142، 144، 204،
12 ـ الشيخ أحمد بن يحيي النجمي، الفتح الرباني في الدفاع عن الشيخ الألباني، ص 17 موقع الشيخ النجمي:
http://ahmadannajmi.net/Default_ar.aspx?ID=51
13 ـ أنظرالمقطع المرئي
http://www.youtube.com/watch?v=a1bwyolWCqc
14 ـ أنظر الفتوى رقم الفتوى (1108) للشيخ الجبرين على الرابط التالي:
http://www.ibn-jebreen.com/ftawa.php...08&parent=3225
15 ـ أنظر المقطع المرئي:
http://www.youtube.com/watch?v=dS7qZ1thC-c
16 ـ أنظر المقطع المرئي:
http://www.youtube.com/watch?v=Ie8HBQaLoxM&feature=player_embedded
17 ـ أنظر المقطع المرئي
http://soufia.org/alfwzan_alarur.html
18 ـ أنظر المقطع المرئي:
http://www.youtube.com/watch?v=2f7w7wB7K24
19 ـ أنظر المقطع المرئي
http://www.youtube.com/watch?v=NMuZekejb7M
20 ـ أنظر المقطع المرئي
http://news-sa.com/snews/2576-------...------q-q.html
21 ـ أنظر المقطع المرئي
http://www.4shared.com/audio/5oW_O99u/_____________________.html
وأنظر أيضاً:
محمد حسان وموقفه من الخارجي المفسد أسامة بن لادن- أسامة بن عطايا العتيبي
http://www.4shared.com/office/J_7Vjq-9/________-____.htm
22 ـ أنظر الرابط:
الحرب الكلامية بين أبو زيد والهدية، صحيفة الوطن السودانية على الرابط التالي:
http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=5996&bk=1
23 ـ أنظر الرابط:
http://www.alsaha.com/sahat/6/topics/90876
24 ـ أنظر المقطع المرئي
http://www.youtube.com/watch?v=AQMZOInADSs
25 ـ للاستماع الى كلام الحجوري في المأربي أنظر:
http://www.al7ewar.net/forum/up/uplo0ads/1207449329.rar
26 ـ أنظر الرابط
http://www.al7ewar.net/forum/up/uplo0ads/1207463531.rar
27 ـ أنظر الرابط
http://www.al7ewar.net/forum/up/uplo0ads/1207181944.rar
28 ـ أنظر الرابط:
http://www.al7ewar.net/forum/up/uplo0ads/1207452204.rar
29 ـ أنظر بعض الردود على الشيخ عبيد الجابري على الرابط التالي:
http://www.aloloom.net/vb/showthread.php?t=2346
30 ـ أنظر الردود على الشيخ عبيد الجابري في موقع الشيخ يحيي الحجوري على الرابط:
http://www.sh-yahia.net/search_results.php
31 ـ أنظر الرابط:
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=449320
32 ـ أنظر الرابط:
http://wahyain.com/forums/showthread.php?t=1751
33 ـ أنظر نص خطبة الجابري في الجفري على الرابط:
http://www.youtube.com/watch?v=uC8iP16Zi5w
34 ـ أنظر الرابط:
http://www.4shared.com/music/KyF8hyPa/_______-___.htm
35 ـ أنظر الرابط:
http://www.4shared.com/music/6brX9Ogo/_2_____-1_-__.htm
36 ـ أنظر الرابط:
http://www.4shared.com/music/Xpxsp7UY/________-__.htm
37 ـ أنظر الرابط:
http://www.youtube.com/watch?v=uniG7RlJz8w
38 ـ موقع فالح الحربي، شريط (المجرحون) ، تسجيلات أهل الحديث، الجزائر، العاصمة، أضيف بتاريخ 2004/09/05
39 ـ قراءة في السلفية الألبانية، للشيخ أمين نايف ذياب
http://forum.almutazela.com/index.php/topic,23.0.html
(javascript:onClick=history.go(-1);)

salimo123
2013-01-11, 19:43
الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

التكفير الرسمي ـ مناهج التعليم الديني

الحلقة الأخيرة

سعد الشريف

جاء في المادة 12 من النظام الأساسي للحكم الصادر في مارس 1992 ما نصّه: (تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام).
وشأن بقية مواد النظام الأساسي للحكم المتعلّقة بحقوق المواطنين، فإن هذه المادة تصبح مجرد نص معزول وجامد لا مصاديق له على أرض الواقع، الأمر الذي يفسّر إصرار التيار الإصلاحي في المملكة على إقرار دستور فاعل وشامل يحدّد بصورة واضحة صلاحيات رأس السلطة التنفيذية وأعضائها، ويشدّد على الفصل بين السلطات، وينظّم العلاقة بينها، كما يكفل الحقوق والحريات بصورة مؤّكدة.
في مجال التعليم الديني، برزت الحاجة الى مراجعة شاملة وجديّة لمناهج التعليم الديني الرسمية بعد وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) سنة 2001، بالرغم من مطالبات بهذا الشأن صدرت قبل ذلك، إلا أنها لم تضغط بشدّة على النظام السعودي كي يقدم على هذه الخطوة..
على أية حال، فإن ما تم إصلاحه في المناهج الدينية الرسمية ينسجم مع ما ذكره سعود الفيصل، وزير الخارجية، خلال لقاءه مع قادة اللجنة اليهودية الاميركية في نيويورك في سبتمبر 2002، ولكن بطريقة أخرى، حين أقرّ بوجود مشكلة في المقررات الدراسية لبلاده وأكدّ على أن ثمة خطوات سوف تتخذ لإعادة كتابتها. وشدّد على أنه كما قال ذلك في مقابلات مع الاعلام الاميركي بأن الفقرات مورد الاشكال هي في حدود 5 بالمئة من الكتب المدرسية(1).
لقد قدّم أكثر من باحث محلي وأجنبي دراسة تقويمية لمناهج التعليم الديني الرسمي في المملكة، وتم التوصّل الى نتائج مفزعة فيما يرتبط بدور هذه المناهج في تفتيت الوحدة الوطنية، وإذكاء الكراهية على أساس ديني، وتعميق الخلاف بين السكّان..
في دراسة أكاديمية أعدّها فريق من الجامعيين والخبراء التربويين بإشراف المحامي عبد العزيز القاسم بعنوان (مناهج العلوم الشرعية في التعليم السعودي..استقراء، تحليل، تقويم) راجع فيها مواد العلوم الدينية/الشرعية في التعليم السعودي في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتوصّل الى أن (مقررات “التوحيد” غير متوافقة مع المعايير العلمية لنمو الطالب)، وطالب الفريق بأن تنفتح مناهج العلوم الشرعية على مرجعيات جديدة، بالإضافة الى كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتوسيع دائرة النظر واكتشاف مظاهر التنوع والثراء في الفكر الإسلامي (لوقاية الناشئة من مخاطر التشدّد وأحادية الخطاب). المشروع كما يبدو كان طموحاً الى حد أن القائمين عليه اعتبروه (لبنة أولى من مشروع إصلاحي واسع يطمح إلى بناء رؤية أكثر استجابة لتطلعات القيادة والشعب السعوديين في مجال تدريس المواد الدينية، يبدأ بإجراءات التقويمات الضرورية، ويفضي إلى وضع تصوّر جديد للمناهج والمقررات والفلسفة التي تحكمهما).
من أهم الاستخلاصات التي توصّل إليها الفريق هي (اختلال تنظيم القيم في المقررات الشرعية للمرحلة الابتدائية، خاصة في قيمتي المسؤولية والاعتدال، ما يؤسس في الطالب معرفة جدالية لا يتخلق معها بمكارم الأخلاق، وتساهم في انقطاعه عن محيطه الإنساني وتفقده التوازن في إدارة الاختلاف والتنوع)(2). ولعل الواقع العملي يبرهن على صدقية ما خلص إليه هذا الفريق.
وبحسب محمد يوسف أستاذ التربية بجامعة الملك عبد العزيز والذي ألّف كتاباً عام 2004 حول إعادة هيكلة نظام التعليم السعودي (بات واضحاً أن أحد أهم أسباب الإرهاب هو احتكار مجموعة معينة من الناس لصياغة المناهج التعليمية في المملكة)، فيما قال أحمد المعدي خبير الشريعة والكاتب (أن هناك افراداً بعينهم لهم آراء متطرفة في الاسلام وإنه يجب إدخال التغييرات على الكتب المدرسية برؤية واقعية هي أن الاسلام دين مودة).
ومن وجهة نظر دوايت بشير كبير المحللين السياسيين بالمفوضية الأمريكية للحريات الدينية في العالم التي زارت المملكة عام 2007 وأصدرت تقريراً عن الكتب المدرسية السعودية (قلقنا من هذه الكتب يكمن في أن التفسير محافظ بشدة وينطوي على فهم ضيق (الافق للاسلام) يشجع عدم التسامح في بعض الحالات)(3).
خلال ملتقى الحوار الوطني الثاني بمكة المكرمة بتاريخ 27 كانون الأول (ديسمبر) 2003، تحت عنوان (الغلو والاعتدال..رؤية منهجية شاملة)، قدّم الباحثان إبراهيم السكران والمحامي الإصلاحي عبد العزيز القاسم بحثاً رصيناً حول المناهج الدينية تحت محور (المقررات الدراسية الدينية، أين الخلل؟) وكان عنوان البحث (قراءة في فقه التعامل مع الآخر والواقع والحضارة في المقررات).
وكرّس الباحثان في مراجعة مناهج العلوم الدينية في التعليم الحكومي للبنين لعدد من وسائل التقويم الفقهية منها: (قراءة عناية المنهج بالمشاركة المدنية التي تقدم للمتلقي قنوات التعبير السلمي البناء عن قناعاته ومصالحه، بحيث لا يتركز المنهج على تكوين قناعة المتلقي بالانفصال عن مؤسسات مجتمعه؛ الأمر الذي يؤدي إلى أن ينفرد بمبادرات خارج قنوات المجتمع المشروعة).
وتكشّفت لدى الباحثين من خلال دراسة المقررات (أن اضطراباً شديداً يموج بمحتوياتها، في قضايا جوهرية تمس طمأنينة الطالب، وحقوق المسلمين، وأصول التعامل مع غير المسلمين من أهل الكتاب والمشركين، وقواعد التعامل مع المعارف والحضارات، وهو اضطراب يخالف أصول الشريعة..).
يلفت الباحثان الى أسس الرؤية الدينية المطلوبة مثل القبول بمبدأ الاختلاف باعتباره سنّة (كونية الاختلاف الإنساني، وتعميق الإيمان بالتعددية المشروعة أو المعذورة داخل دائرة الإسلام، وترسيخ التواضع للحق ونبذ الزهو المذهبي، وتكريس القيم الشرعية للتعايش والمحبة والمودة، وتقرير أخلاقيات إنصاف المخالف واجتناب بخسه حقه أو غمطه ما معه من الصواب، وتعليم النشء وتدريبهم على مراعاة معيار القدرة والوسع الشرعي في الاجتهاد، وبيان أعذار المجتهدين وغير ذلك من قضايا الاختلاف المقررة في الكتاب والسنة وفقه الأمة). هذه الرؤية الغائبة في مقررات التعليم العام هي المسؤولة عن تنامي نزوعات التطرّف، ووقوع القطيعة بكل أشكال الكراهية المدسوسة فيها. ولذلك فإن (مقرراتنا المدرسية لم تنجح في تقديم رؤية متسقة في هذه القضايا، بل كان الاضطراب والتناقض هو السائد في ما عرضته المقررات من أصول وتعليمات..) حسب الباحثين.
فبينما يتحدث مقرر الحديث للصف الثاني متوسط عن (وجوب تقوية الروابط بين المسلمين)، فإنه يخفي على غير الباحث مفهوم (المسلمين) ومن المقصود بهم، أو من تنطبق عليه صفة المسلم، خصوصاً وأن في أدبيات الوهابية ما يشير الى أن المسلمين هم، كما أهل السنة والجماعة، فئة محدّدة لاتنطبق سوى على الوهابية أو من يقترب من معتقداتها. ولذلك، فإن كل ما يرد فيه من نصائح ذات طبيعية أخلاقية وإجتماعية ودينية وفيها ذكر للمسلم فلا يقصد به المسلمون جميعاً على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، بل مسلمون من فئة ذات مواصفات خاصة. وكذا الحال حول حرمة دم المسلم وعرضه (الحديث لاصف الأول متوسط)، أو (التحذير الشديد من تكفير المسلم بدون سبب يكفره) كما في (الحديث الصف الأول متوسط)، فقد سبق وعرضنا في فصول سابقة كيف يتأسس حكم التكفير، فتحت عبارة (لا نكفر الا من كفّره الله ورسوله) تكمن أخطار التكفير وتزول الموانع من الاقدام على استخدامه من خلال تطبيق شروط لا تتوافر الا لدى هذه المدرسة خصوصاً فيما يتعلق بالتوحيد بأبعاده الثلاثة الألوهية والربوبية والاسماء والصفات..
رصد السكران والقاسم نصوصاً مستفيضة في المقرات الدينية في التعليم العام/الحكومي والتي تؤسس لثقافة الكراهية، وقد عدّها السكران والقاسم مناقضة (لقواعد حقوق المسلمين الموهمة لخلاف ما تقرره الشريعة)، والتي هي للتذكير فحسب، مستمدة من كتب علماء المذهب أنفسهم، ولعل من يقرأ الفصول السابقة سيجد صحّة ما نقول. وسنعتمد هنا بعض النصوص الواردة في بحث السكران والقاسم بعد أن قمنا بمطابقتها على أصول المقررات الدراسية، وما سيأتي في سياق البحث سوف يؤكّد ذلك، ومن تلك النصوص:
ـ (الفرق المخالفة من جهمية ومعتزلة وأشاعرة وصوفية حيث قلدوا من قبلهم من أئمة الضلال، فضلوا وانحرفوا)(4). ومن وجهة نظر السكران والقاسم، أن هذا النص (يختزل أسباب الاختلاف في تقليد أئمة الضلال وقد خلط فئات لا يجوز بحال التسوية بينهم ووصمهم بالضلال والانحراف في مادة تقدم لصغار الطلاب. ويؤكد أوصاف الضلال والانحراف فيقول:
(قول الفرق الضالة.. المنحرفون عن منهج السلف). ثم يذكر منهم: (الأشاعرة، والماتريدية)(5).
في التأسيس لحكم الكفر على الآخر، تستحضر الرؤية الوهابية لمفهوم التوحيد بالطريقة التي عرضنا لها سابقاً، والقائمة على ثلاثة مستويات: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات. لنرى كيف يصدر الحكم بكفر غالبية المسلمين من خلال النص التالي:
(من نفى ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله، فقد كفر)(6).
ويقول واصفا المخالف الإسلامي بالإلحاد:
(الإلحاد في أسماء الله...[مثل] أن ينكر شيئاً منها، أو مما دلّت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل...)(7).
الغريب أن في بعض الكتب الوهابية يوضع التأويل مانعاً عن التكفير، كتأويل الأشاعرة، ولكن الغريب أن في المقرّر الدراسي يعتبر تأويل الأشاعرة تحريفاً كالقول (التحريف اللفظي يكون بتغيير الكلمة بزيادة أو تغيير شكل كتحريف الأشاعرة...)(8)، وبذلك يصبح الأشاعرة كفّاراً! ونقرأ ذلك بوضوح هنا بما نصّه (تأويل أسماء الله وصفاته عن ظاهرها، ونفي ما تدل عليه من المعاني الصحيحة، إلحاد فيها)(9).
ويزداد مستوى التشنيع بلغة عقدية حين يقول (من ردّ شيئاً من نصوص الصفات، أو استنكره بعد صحته، فهو من الهالكين)(10).
ثم ينتقل المنهج الديني الرسمي من عقيدة التوحيد إلى النبوّة، إذ بناءً على المقاييس الصارمة التي وضعتها الوهابية بخصوص عقيدة التوحيد يصبح غالبية المسلمين كفاراً، يضع مقاييس مماثلة أخرى في عقيدة النبوة، حيث تخلص الى نفس النتيجة من خلال محاكمة ماورائية لممارسات المسلمين. على سبيل المثال، الاحتفال بالمولد النبوي الذي تحوّل الى موضوع عقدي، ليفتح الباب أمام كيل الاتهامات الخلقية والخوض في الاعراض (فحين تنزع صفة الإسلام عن المرء يجيز المكفّراتي لنفسه الخوض بتساهل فيما عداه فيما هي عرضه وفي النهاية إباحة سفك دمه). جاء ما نصّه:
(الاحتفال بمناسبة المولد النبوي وهو تشبه بالنصارى..فيحتفل جهلة المسلمين أو العلماء المضلون..ويحضر جموع كثيرة من دهماء الناس وعوامهم،..ولا يخلو من الشركيات والمنكرات..وقد يكون فيها اختلاط الرجال والنساء ممّا يسبب الفتنة ويجر إلى الوقوع في الفواحش..وهو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اغتنى لها الأكالون)(11).
وطالما أن من يفعل ذلك وهم غالبية المسلمين، بما في ذلك كثير من سكّان المملكة من مختلف الطوائف باستثناء الوهابية، هم في تصنيف الأخيرة مبتدعة، فإن الحكم المترتب على ذلك هو (تحريم زيارة المبتدع ومجالسته)(12)، وسنجد هذه العبارة تتكرر في مقررات عديدة، وليتخيل كيف أن طالباً صغير السن يترقى من صف إلى آخر وهذه الجملة تلاحقه، كيف يمكن أن تكون نظرته لشريكه في الوطن الذي يحتفل بالمولد النبوي.
ليس هناك من يكترث لما تحدثه القطيعة والموقف التبديعي من الآخر، فهناك من قرر ذلك بل وحذّر من مجرد التفكير في مخالفة حكم المقاطعة (إياك وصاحب البدعة، فإنه يجرك إلى بدعته، ولا أقل من أن يشوش فكرك، ويؤذي خاطرك)(13).
وصف دولة بأكملها بأنها كافرة يبدو تساهلاً مفرطاً في إطلاق الأوصاف التي لا تليق بمسلم يخشى الله سبحانه وتعالى بأن يصدر حكماً بكفر العموم، ولا يحمل ذلك بتاتاً على التسامح في تكفير الخصوص، فوصف (دول الكفر) يعتبر مجازفة عقدية، فضلاً عن أن تلعب هذه الدول دوراً في تشجيع المبتدعة المزعومين، وهم غالبية المسلمين (يجب أن يعلم أن دول الكفر تشجع المبتدعة على نشر بدعتهم، وتساعدهم على ذلك بشتى الطرق)(14).
كيف سينظر الطالب من أتباع المذهب الوهابي الى زملائه في الصف من أتباع المذاهب الأخرى وقد تحوّلوا في نظره الى (طابور خامس)(15)، تحرّكه الدول الكافرة للقيام بممارسات من باب القربى لله فيما يراها هو من فعل الكفّار، فكيف ستبنى علاقة بين طلاّب صف ومدرسة، ومدينة، ومحافظة، ومنطقة، ودولة واحدة.
المشكلة حين تصاغ رؤية تاريخية للإختلاف بين المسلمين بما يشرعن اللجوء الى التصفية الجسدية كخيار مشروع دينياً، ويقدّم للطالب في سنّ مبكرة، وللمرء تخيّل الجيل الذي ينشأ على هذا النوع من التصورات العقدية البترية الاستئصالية:
(مع طول الزمن والبعد عن آثار الرسالة، يحصل كثير من الانحراف، ويخفى كثير من السنن، وينبت كثير من البدع...وكان الصحابة والتابعون يقفون لهذه الأمور بحزم وعلم، فلم تفلت بل قمعوها..
وهكذا كلما كثرت حشود البدعة تصدّت لهم جحافل السنة..ولما احتشدت حشود الأهواء..قيض الله لهم إمام السنة وقامع البدعة، الأمام أحمد بن حنبل، فكسرهم كسرة لم ينهضوا بعدها إلا متعثرين بحمد الله..وكان شيخ الإسلام ابن تيمية مجاهداً بعلمه ولسانه لأهل الكلام والفلاسفة والصوفية، وغيرهم من جحافل البدع الذين تصدى لهم..ولا تزال آثاره ومؤلفاته مرجعًا لكل صاحب سنة، وقذى في عين كل صاحب بدعة...)(16).
ولأن هناك من قرر وفق تلك الرؤية الاستئصالية بأن مصلحة الدين فوق كل مصلحة، فقد بات من طرق المحافظة على الدين:
(محاربة الابتداع في الدين، ومعاقبة المبتدعين والسحرة وأمثالهم، وقتل المرتدين والزنادقة)(17).
وهنا يفرض الحديث عن البدعة الحكم الشرعي فيها، فهناك أنواع للبدعة وأحكام فيها، كما في النص التالي:
(فمنها ماهو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرّباً أإلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم، كأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة) .
(ومنها ماهو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها).
ومن نماذج البدع المعاصرة:
1ـ الاحتفال بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
2 ـ التبرّك بالأماكن والآثار والأموات ونحو ذلك. (الاحتفال بمناسبة مولده صلى الله عليه وسلم فهو حرام، لأنه من البدع المحدثة..وهو تشبه بالنصارى في عمل ما يسمى بالاحتفال بمولد المسيح، فيحتقل بعض المسلمين في ربيع الأول من كل سنة بمناسة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنهم من يقيم هذا الاحتفال في المساجد..ويحضر جموع كثيرة من دهماء الناس وعوامهم..وعلاوة على كونه بدعة وتسبّهاً بالنصارى لا يخلو من الشركيات والمنكرات كإنشاد القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى درجة دعائه من دون الله والاستغاثة به..وأيضاً هو وسيلة إلى أن يتطور ويحصل فيه ما يحصل من الاحتفالات الأخرى من المنكرات)(18).
وفي (كتاب التوحيد) للمرحلة اللاحقة، توضع البدعة في سياق موضوع شامل، حيث البدعة في الدين نوعان:
النوع الأول: بدعة قولية إعتقادية كمقالات الخوارج والجهمية والمعتزلة والمرجئة والقدرية وسائر الفرق الضالة. النوع الثاني بدعة عملية منها (أعياد المولد النبوي) والزيادة في (صيغة الأذان)..) و(تخصيص شهر رجب بصيام)..
حكم البدعة في الدين:
ـ فمنها ماهو كفر صراح كالطواف بالقبور تقرّباً إلى أصحابها.
ومن مظاهر البدع، التعصب للآراء والرجال:
(وهذا هو الشأن في المتعصّبين اليوم من بعض أتباع الفرق والمذاهب الصوفية والقبوريين ونحوهم..).
ثم يقول:
(وهذا نفس الواقع اليوم فإن أغلب الناس من المسلمين قلّدوا الكفار في عمل البدع والشركيات كتعظيم القبور وبناء المساجد عليها وأعياد المولد والتزام إقامة الأيام لأعمال مخصوصة والاحتفاءالمتكرر بالمناسبات والذكيرات..) وفي التقويم:
ـ وضع كيف تشبّهت طوائف من المسلمين بالكفّار؟
وتحت عنوان: منهج السلف في الرد على المبتدعة:
ويذكر أسماء علماء الحنبلية والوهابية مثل ابن تيمية وابن قيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم (ممن تصدر للرد على تلك الفرق القبورية والصوفية).
وفي الدرس الرابع ذكر نماذج من البدع، ومنها:
الاحتفال بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم وجاء في ذلك (ومن ذلك: الاحتفال بمناسبة مولده صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول من كل سنة، فهو حرام، لأنه من البدع المحدثة وهو تشبّه بالنصارى في عمل ما يسمى بالاحتفال بمولد المسيح، فمنهم من يقيم هذه الاحتفالات في المساجد ومنهم من يقيمها في البيوت او الأمكنة المعدة لذلك، ويحضر جموع من دهماء الناس وعوامهم ويعملونه إما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما لشأنه وإما تشبّهاً بالنصارى في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام وبعض هذه الاحتفالات علاوة على كونها بدعة وتشبّهاً بالنصارى لا يخلو من الشركيات كإنشاد القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول صلى الله عليه وسلم..
ـ التبرك بالأماكن والآثار والأموات ونحو ذلك، ويستدرك في النقطة الاولى: وقد ألّف في انكار هذه البدعة كتب ورسائل قديمة وجديدة وهو علاوة على كونه بدعة وتشبّهاً فإنه قد يجرّ الى إقامة احتفالات بمولد الأولياء والمشايخ والزعماء فيفتح أبواب شر كثيرة.
وفي النقطة الثانية: التبرك بالأماكن والآثار والاشخاص أحياءً وأمواتاً لا يجوز لأنه إما شرك إن اعتقد أن ذلك الشيء يمنح البركة أو يجلب العافية ويزيد الرزق أو وسيلة الى الشرك إن اعتقد أن زيارته وملامسته والتمسح به سبب لحصوله.
وفيما غض النظر عن تبرّك الصحابة بالرسول صلى الله عليه وسلم بشعره وريقه وما انفصل من جسمه إلا ان الوهابية ترفض بعد ذلك أن يكون الصحابة قصدوا الأماكن التي صلى فيها أو جلس فيها وتبركوا بها الى أن يقول (لم يكونوا يذهبون الى غار حراء ليصلوا فيه أو يدعوا، ولم يكونوا يذهبون الى الطور الذي كلم الله عليه موسى ليصلوا فيه ويدعوا..).
تحت عنوان: البدع في مجال العبادات والتقرّب إلى الله
ومنها: الذكر الجماعي بعد الصلاة..
ـ ومنها طلب قراءة الفاتحة في المناسبات بعد الدعاء للأموات
ـ ومنها إقامة المآتم على الأموات وصناعة الأطعمة واستئجار المقرئين..
ـ ومنها الاحتفال بالمناسبات الدينية كمناسبة الإسراء والمعراج ومناسبة الهجرة النبوية..
ـ ومن ذلك ما يفعل في شهر رجب كالعمرة..(19)
وكما هي الرؤية الكونية التي يعتنقها علماء المذهب الوهابي منذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونزولاً الى المتحدّرين منه ومن مدرسته، فإن المقررات الرسمية تنقل تلك الرؤية بحذافيرها والتي تقوم على أساس تكفير الأمة الإسلامية كهذا النص الواضح:
(قد حدث في هذه الأمة من الشرك والمبادئ الهدامة والنحل الضالة ما خرج به كثير من الناس عن دين الإسلام، وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله)(20). وكذلك النص التالي المنقول من كتاب التوحيد للشيخ الفوزان:
و(فشا الجهل في القرون المتأخرة، ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى، فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة، بسبب دعاة الضلال، وبسبب البناء على القبور، متمثلاً بتعظيم الأولياء والصالحين، وادعاء المحبة لهم، حتى بنيت الأضرحة على قبورهم، واتخذت أوثانًا تعبد من دون الله بأنواع القربات من دعاء واستغاثة وذبح ونذر لمقاماتهم) (21).
ومثلما تستوجب الرؤية الكونية حكماً عملياً، فحين يصدق على أهل بلد، أو ملّة بالكفر فإن الحكم التالي يتراوح بين الحرب والسلام، وإن ما غزا الجيش الوهابي بلاد المسلمين القريبة والبعيدة إلا بعد أن حكموا على أهلها بالكفر.
وكيما تكتمل صورة الآخر ـ المسلم في ذهن الطالب الذي ينتمي الى المدرسة الوهابية، فإن بلاد المسلمين هي مرتعٌ للبدع ومنها عبادة القبور، والنذور والقرابين للأولياء والصالحين وبذلك (إن ما ينذره جهلة المسلمين، من نذور للأولياء والصالحين..فهو شرك أكبر)(21).
في ضوء هذا الحكم تصبح النتيجة العملية هو شرعنة العنف والقتل والفوضى (الشرك الأكبر يبيح الدم والمال)(22). ويعود أيضاً ليؤكّد: (المشرك حلال الدم والمال)(23).
وطالما أن ثمة تصوّراً نمطياً قارّاً في ذهن الطالب يحثّ على الإنتقال بالرؤية من مستوى القبول بالآخر المختلف مع رفض التعايش معه الى مستوى استئصاله فعلياً: (الذي يقول لا إله إلا الله، ولا يترك عبادة الموتى والتعلق بالأضرحة، لا يحرم ماله ولا دمه)(24).
ولا تنتهي العلاقة مع الآخر بقتله بل بنفي آخريته مطلقاً، حيث تتواصل عملية الاستئصال بطريقة اجتثاثية، فمن يقع فيما يعتقده الوهابي شركاً بالله فقد (أباح دمه، وماله، وأهله، لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيدًا لهم، لما تركوا القيام بعبوديته)(25).
هي بالمناسبة ليست نصوص نافرة أو مبتسرة أو مجتزئة أو حتى شاذة، بل هي متفشية في الأدبيات الوهابية القديمة والجديدة، ولا تكاد تجد من كتب في هذا المضمار إلا وسجّل بصمته فيها من خلال تكفير الآخر. وقد أتينا على بعض منها خلال فصول البحث.
وفي بحث آخر أعدّه الباحث السوداني بابكر فيصل بابكر عن المنهج المقرر على التلاميذ في المملكة العربية السعودية في العام 2004، وتناول فيه موضوع اصلاح مناهج التعليم الديني في ضوء ما ورد فيها من غلو وتكفير وإثارة الكراهية ضد الآخر. وهذا البحث يستضىء في جزء أساسي منه بما ورد في بحث السكران والقاسم من نصوص مستقاة من المقررات الدراسية. ويطبق بابكر تلك النصوص التي تنطوي على تكفير الآخر لوجود شركيات وبدع في ممارساته واعتقاداته على المسلمين وعلى مسلمي السودان على وجه الخصوص، ويقول (وهذا يعني أنّ مئات الملايين من المسلمين في العالم، والملايين من مسلمي السودان وعلمائه هم من الجهلة والمضلين، وأنّه لا تحل زيارتهم و مجالستهم وهو ما يكرّس لنهج التعالي والعزلة الذي يؤدي في نهاية المطاف لأستخدام العنف ضدّهم).
ويذكر مثالاً على المنهج التفكيري بتداعياته العملية كما يدرّس لطلبة المدارس قتل خالد القسري للجعد بن درهم والذي يمثل، حسب بابكر، جريمة إرهابية مرّوعة ومكتملة الأركان (أذ قام بنحره في المسجد يوم عيد الأضحية، وذلك بعد أن خطب في الناس وقال في خطبته تلك: “أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم...ثم نزل فذبحه في أصل المنبر). يستدرك بابكر بالقول: وهو الأمر الذي رأينا صداه في مشاهد الذبح المرّوعة التي قام بها تنظيم القاعدة وأبومصعب الزرقاوي في العراق. ثم تساءل ( فهل يصلح أن يدرّس التلاميذ تصفية الخصوم بالقتل والذبح؟).
وخالد القسري الذي يحتفي به المنهج السعودي لم يكن، بحسب بابكر، (من أهل التدين والتقوى بل كان سياسياً يستخدم أدوات السياسة وحيلها ومؤامراتها للحفاظ على السلطة)، ولم يكن قتله الجعد أول جرائمه، فقد قبض على سعيد بن جبير في مكة؛ حينما كان حاكما لها؛ وأرسله إلى الحجاج بن يوسف بالعراق؛ وذلك بعد انهزام ثورة عبد الرحمن بن الأشعث التي انضم إليها ابن جبير؛ حيث قتله الحجّاج.
ويلفت بابكر الى مشاعر الكراهية التي ينشأ عليها الطالب إزاء الآخر، المسلم وغير المسلم، فإذا كان المسلم الآخر نصيبه الكفر وتالياً القتل (لأن الشرك الأكبر يوجب العداوة الخالصة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز للمؤمنين محبّته وموالاته ولو كان أقرب قريب). وأن لا نلقي عليهم السلام لأنّ (التحيّة بالسلام عليكم تكون فقط للمؤمنين ولا يمكن أن نحيي بها غيرهم)(26).
إما غير المسلم، فله نصيب من الكراهية ولا بد من يقيم في بلد غير المسلمين أن يكون (مضمراً لعداوة الكافرين وبغضهم). وقد لحظنا كيف نسبت بعض المناسبات الدينية مثل الاحتفال بالمولد النبوي الى اليهود والنصارى، بما يحمل كراهية إزاء أتباع الديانات الأخرى فضلاً عن الحكم على صحة شيء وسقمه. لعل في هذا السياق نذكر مقالة الشيخ عايض القرني (نحن العرب قساة جفاة) نقل فيه مشاهداته في تعامل الناس والأطبّاء الذين أشرفوا على علاجه، ومما لحظه (وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة، وتهذيب الطباع، ولطف المشاعر، وحفاوة اللقاء ، حسن التأدب مع الآخر، أصوات هادئة، حياة منظمة، التزام بالمواعيد، ترتيب في شؤون الحياة). وفي لحظة نقد ذاتي يقول (فبعض المشايخ وطلبة العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق، وتصحّر في النفوس، حتى إن بعض العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر..). ويسترسل في وصف مشاهد القسوة والجفاف في الحياة العربية، وحياة سكّان الجزيرة العربية على وجه الخصوص، ويخلص (المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا)(27). وهل القسوة والجفاء الا بسبب التطبيق الصارم للشريعة بالمفهوم الذي كنت عليه قبل أن تفاجئك رقّة الشعب الفرنسي ولطفه في التعالم؟!
كارولين ديفيز وجرايم باتون كتبا في 6 فبراير 2007 مقالاً في صحيفة (دايلي تلغراف) اللندنية حول المدارس السعودية في لندن، بعد إتهامات موجّهة لها بتسميم عقول الطلبة الذين تبلغ أعمارها الخمس سنوات بمنهج الكراهية. يقول أستاذ اللغة الانجليزية في أكاديمية الملك فهد في منطقة أكتون، غرب لندن، كولين كوك، 62 عاماً، أن الكتب المدرسية التي يتم استخدامها من قبل الاطفال في الأكاديمية تصف اليهود بأنهم قردة (ممسوخون) والنصارى أي المسيحيون بأنهم (خنازير). وقد تمّ فصل كوك من وظيفته بعد 18 عاماً قضاها في تدريس مادة اللغة الانجليزية في الاكاديمية بزعم (سواء إدارته لما يرتبط بإجراء الاختبارات).
وتصف الكتب المدرسية، التي كان يتم تدريسها في الأكاديمية، اليهود بالقرود والمسيحيين بالخنازير، حسب إفادته في الوثائق التي قدّمها. ويُسئل الطلبة، حسب إفادته، بـ (ذكر بعض خصائص مسخ اليهود) فيما يسئل الطلبة في الصف الاول بـ (إعطاء أمثلة عن الاديان الباطلة، مثل اليهودية والمسيحية وعبدة الاصنام وغيرهم)(28).
وقد سلّطت مجموعة فريدوم هاوس الحقوقية الاميركية على بعض الكتب المدرسية المناهضة للغرب والسامية في تقريرها الصادر العام 2006 والتي وصفت (مناهج الكراهية السعودية) ونقلت عن أحد الكتب التي توجّه الطلبة لاعلان الجهاد ضد (الكفار) من أجل (نشر العقيدة).
جولة في مقررات المنهج الديني

موضوعات الشرك والكفر تتعدد في المقرّرات الدراسية في مراحل متفاوتة من الإبتدائية وصولاً الى الثانوية وتتعداها بطبيعة الحال وبصورة موسّعة في مرحلة الدراسات الجامعية والعليا.
نبدأ بمقرر (التوحيد والفقه) للصف الثاني الابتدائي للعام الدراسي (1426هـ/1427هـ، أي في وقت يبلغ فيه الطالب سنة السابعة أو الثامنة، أي ما قبل بلوغه سن التكليف الشرعي بنصف المدّة تقريباً. في هذا المقرر وفي باب (الشرك..سبب للشقاء في الدنيا والآخرة) نقرأ ما نصّه:
1 ـ توضيح أن من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله (كالدعاء، والذبح، والسجود، وغير ذلك) فهو مشرك كافر، ولو صلى وصام وحج واعتمر وزعم أنه مسلم.
وفي ص 19: بيان أن من صرف شيئاً من أنواع العبادات لغير الله مثل (الدعاء) فهو مشرك، ولو نطق بلا إله إلا الله، لأن التوحيد: هو إفراد الله بالعبادة.
وفي ص 22: التأكيد على وجوب عبادة الله بما شرع، فلا يبتدع في الدين مالم يأذن به الله، كبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج..
وبصرف النظر عن القدرة الاستيعابية لدى الطالب فضلاً عن مناقشة مضامين هذه الفقرات، ماذا يمكن أن تترك من آثار نفسية على الطالب وهو يقرأ مثل هذه الفقرات وقد بدأت نشأته الدينية على عبارات مشرك وكافر ومبتدع؟
ثم يتدّرج الطالب في صفوف دراسية يتلقى خلالها الدروس ذاتها وبصورة موسّعة.
وفي كتاب (التوحيد والحديث والفقه والتجويد) الصف السادس الابتدائي، الفصل الدراسي الأول، 1428 ـ 1429/ 2007 ـ2008 نقرأ الفقرة التالية في ص 18 ـ طلب الشفاعة من الأوثان أو من أصحاب القبور بالإتجاه إليهم بالدعاء وطلب الشفاعة باطل، وهو من الشرك بالله.
وفي الفصل الدراسي الثاني من الكتاب نفسه، جاء (في نواقض الإسلام، ص 10) ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكّل عليهم كفر إجماعاً.
الثالث: من لم يكفر المشركين أو شكّ في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر.
هل يمكن لطالب لايكاد يصل الى سن البلوغ الشرعي يبدأ مشوار تديّنه بتوزيع أحكام الكفر على زملائه ومواطنيه من الذين لا يشاطرونه المذهب؟
في ص 11: مثال الناقض الثاني: دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم وسؤالهم الشفاعة ليكونوا وسائط بين الله وعباده، وهذا الناقض من أكثر النواقض وقوعاً وأعظمها خطراً على المرء..
ثم تتكرر الجملة القاصمة والفاصمة للعلاقات الداخلية بين المسلمين على مستوى العالم وعلى مستوى الدولة الواحدة والمجتمع الواحد، بما نصّه (من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم فهو كافر لأن الله كفرهم ومن لم يكفرهم فهو مكذب بالقرآن والسنة)
وفي ص 25: لا فرق في عبادة غير الله تعلى بين عبادة الأنبياء أو الصالحين أو الأشجار أو الأحجار إذ كل ذلك باطل وشرك..
وفي كتاب (التوحيد والحديث والفقة والتجويد) للصف السادس الابتدائي الفصل الدراسي الأول (بنين) طبعة 1431 ـ 1432 الموافق 2010 ـ 2011م، وقد قسم أنواع الشرك ومنها: شرك المحبة، وشرك الدعوة (أي دعاء غير الله، لكشف الضر أو جلب النفع) ص 26
وجاء في كتاب التوحيد للصف الأول المتوسط، كتاب النشاط، الفصل الدراسي الثاني، طبعة تجريبية 1431 ـ 1432/2010 ـ 2011، نشاط 3: يروي قصة زائر لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مع عائلته ولقائه بمسلم من دولة أخرى عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فعرّفته بنفسي فقلت: إسمي عبد الله. فقال: إسمي عبد النبي. فسألني عن مكان مسجد قباء، فوصف له طريق المسجد، وعرضت عليه صحبتنا إلى هناك فوافق واتجهنا الى مسجد قباء.
ثم يضيف (وفي طريقنا ال المسجد قلت له: يا أخي، أودّ أن أنبهك إلى أمر خاطىء..)، ثم يفتح مربع الأسئلة:
(ماذا تتوقع أن يكون هذا الأمر الخاطىء في ضوء موضوع درسنا؟ والجواب هو كما يريده مؤلف الكتاب: لأن إسمه عبد النبي
ثم يعقب ذلك جملة: اقترح علاجاً وتوجيهاً لمن اتصّف: أنصحه أن يغير إسمه وفي الاخير: وما الواجب فعله مع هذه الأسماء؟ عدم تسمية بالأسماء لتعبيده) ص 19
وتحت عنوان: مظاهر الشرك في عصرنا:
ـ دعاء غير الله، الذبح لغير الله، الطوارف بالقبور والأضرحة والأوثان ص 56
وفي قسم الأسئلة: من صفات المشركين:
الغلو، والطواف بالقبور، ودعاء غير الله، ص 56
وتحت عنوان (فتنة القبور) وأن زيارتها باب من أبواب الشرك قديماً وحديثاً ص 85
وفي كتاب (التوحيد) للصف الأول متوسط لعام 1427 ـ 1438 نقرأ في (ص22)، كلاماً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصدر إلا عن من جفا قلبه إزاء الحبيب المصطفى، حيث يعتبر زيارته والدعاء عند قبره غلو كما يظهر في:
س 1: كيف ترد على من غلا في النبي صلى الله عليه وسلم وتوجّه إليه بالدعاء والاستغاثة؟
ثم يفترض واضعو الكتاب بأن من يزورون القبور، بما في ذلك قبر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم هم عبدة قبور.
يقول في (ص 49): وهذا هو الواقع أيضاً في بعض من ينتسب إلى الإسلام، فيعبدون الله، ويعبدون معه غيره من أصحاب القبور بالذبح لها والطواف حولها، وغير ذلك فوقعوا في الشرك الأكبر..
ونعلم من نصوص سابقة وردت أعلان بأن (الشرك الأكبر) يبيح الدم والمال، فهل يمكن أن ينشأ الطالب من المذهب الذي يختلف مع مؤلف الكتاب على الخوف من طالب ينتمي الى المذهب الذي عليه مؤلف الكتاب، فصار هناك طالب مهدور الدم مستباح المال، وآخر يرى جواز سرقة طالبه إن لم يكن قتله..فأي مجتمع سوّي يمكن أن يتشكل في ظل هذه النصوص.
نصوص الشرك والتكفير مستفيضة وتلاحق الطلبة في كل مراحل الدراسة الرسمية. ونقرأ في السياق نفسه فقرة (الكفر بما يعبد من دون الله، فمن عبد الله عز وجل ولم يكفر بما سوه من المعبودات لم تنفعه كلمة (لا إله إلا الله). مثال ذلك: من عبد الله، ولم يعتقد أن عبادة القبور باطلة (ص 52)
وفي كتاب شرح كتاب التوحيد للصف الثاني المتوسط للسنة الدراسية 1427 ـ 1428هـ/2006 ـ2007م جاء في خانة (نشاط): من أسباب االانحراف العقدي والفكري عند بعض المسلمين الغلو في الدين، أكتب حول ذلك مبيّناً ما يلي:
1 ـ أسباب الغلو وآثاره
2 ـ سبل الوقاية منه وعلاجه
وفي قسم الأسئلة:
س 1: الغلو في الصالحين هو أصل الشرك قديماً وحديثاً، فما معناه؟
س 5: صل بين كل فئة في العمود (أ) وعملها في العمود (ب):
أ: الغلاة..الحفاة..الوسط
ب: (..)، (..)، (يعظمون أصحاب القبور بالدعاء والذبح لهم). ص 22
وفي الدرس السابع، تابع باب (ماجاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين).
من أهداف هذا الدرس: أن يحذر الطالب في مجاوزة الحد في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وجاء في ذلك ما نصّه:
(وقد ذهب أقوام ممن ينتسبون إلى الإسلام إلى الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم، فدعوه واستغاثوا به، وطلبوا الشفاعة منه، ونذروا له، فوقعوا في الشرك الأكبر المنافي للتوحيد، وهذا إفراط يجب الحذر منه) ص 26
ويستطرد في عرض صور الغلو، ومنها الغلو في الاعتقاد كـ: تعظيم الصالحين مما يكون سبباً في عبادتهم. وجاء في ذلك (..فالتعمّق والتكلّف في محبة الصالحين هلاك، لأن ذلك يؤدي الى عبادتهم وكذا التعمّق في الكلام وإظهار الباطل في صورة الحق هلاك كمن يدعو إلى الاحتفال بالمولد النبوي بدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم متجاهلاً أن محبته صلى الله عليه وسلم باتباعه وطاعته ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه الاحتفال بذلك..بل هذا من صنيع أهل البدع..) ص27
ثم ينتقل الى صورة أخرى. مدخل: عبادة الله عند قبر رجل صالح وسيلة الى الشرك الأكبر.ص 28
وجاء أيضاً:
ومن شرار الناس أيضاً الذين يتخذون القبور مساجد، وصورها:
1 ـ أن تبنى على القبور مساجد.
2 ـ أن تتخذ القبور مكاناً لعبادة الله عندها بالصلاة والذكر والدعاء زعماً أن ذلك أحرى لاجابة الدعاء أو طلباً للفضيلة أو رجاء للبركة، وإن لم يبن عليها مسجد.
ومن المنكرات زخرفة القبور وإسراجها وتجصيصها والكتابة عليها، وبناء القباب، ووضع الستور وتعليق الصور عليها، والقيام على خدمة زائريها وإعطاء النقود لسدنتها، وكل ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة أصحابها ومن غربة الإسلام أن هذه الأمور قد فعلها الكثير من متأخري هذه الأمة واعتقدوها قربة من القربات، وهو من أعظم السيئات. ص 23
من الجدير ذكره هنا أن الحديث يشمل قبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث بات ثابتاً في أدبيات الوهابية وخطب علمائها الماضين والمعاصرين من يرى بقاء قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم داخل المسجد مخالفة ولا بد من اخرجه وهدم القبة النبوية.
وقد جاء في (ص41): ثانياً: تحريم اتخاذ قبر الرسول صلى الله عليه وسلم عيداً:
نهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيداً، فتكرار زيارته والاجتماع عنده على وجه معتاد لأجل عباد الله وسيلة إلى الشرك به، فالنهي عام لجميع القبور..ص 41
وعلى أفق أوسع مما يتخيّل الطالب، فإن تكفير الأمة يحقن في المقررات الدراسية الرسمية في مراحل مبكرة، ففي نفس المقرر سالف الذكر، وفي الدرس الرابع عشر جاء: باب: ماجاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان. وذكر من أهداف الدرس:
3 ـ أن يورد الطالب أمثلة على وقوع الشرك في هذه الأمة. ص 42
وجاء ما نصّه (..وقد وقع في بعض بلاد المسلمين تعظيم قبور الصالحين ببناء المساجد عليها إلى أنه آل الأمر إلى عبادتها، وقد شابهوا بذلك النصارى). ص 43
وفي الدرس السادس عشر: تابع باب: ماجاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان، وتحت عنوان فرعي (من أهداف الدرس:
3ـ أن يبرهن الطالب على وقوع الشرك في هذه الأمة.ص 47
وجاء (وقد وقع ما أخبر به فعبد جهّال هذه الأمة قبور الصالحين وغيرهم بأنواع من العبادة كالذبح والنذر والدعاء والاستغاثة والطواف وغير ذلك وسموّا ذلك توسّلاً وتقرّباً إلى الصالحين وهذا باطل..) ص 48
وجاء في شرح كتاب التوحيد للصف الثالث المتوسط، طبعة 1431 ـ 1432 الموافق 2010 ـ 2011 ، وفي باب الأسئلة: بين حكم ما يأتي مع بيان السبب:
-الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الحكم .....السبب
ـ الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته ـ الحكم....السبب ص 117
وفي كتاب (التوحيد) للصف الثالث المتوسط) لسنة 1427 ـ 1428/2006 ـ2007، يجري عرض الشفاعة بطريقة سلبية توصل الى الإخراج من الدين. يبدأ بالقول بأن الشفاعة (ملك لله وحده وطلبها من غيره شرك). وبالتالي (فمن طلبها من غير الله تعالى كالملائكة والأنبياء والصالحين فقد أشرك شركاً أكبر) ص 10
وفي حكم طلب الشفاعة كلام آخر مخالف لما عليه الأغلبية الساحقة من المسلمين كما يظهر من هذا النص:
(يحرم طلب الشفاعة من الأنبياء والصالحين من أموات المسلمين، كأن يقال: يا نبي الله اشفع لي عند ربك ليغفر لي، أو يا سيدي فلان اشفع لي عند ربك ليفرج كربتي) ص 12
وفي كتاب (الفقه) للصف الأول الثانوي (بنين) السنة الدراسية 1431 ـ 1432 ـ 2010 ـ 2011، وفي الوحدة الثامنة جاء: حد الردّة
وقد وضعت صورة تقريبية لحد الردة، تبين فيها الأسباب الموجبة للردّة وجاءت على شكل صورة تقريبية تشتمل على كل عناصر الإثارة حيث يصوّر الإيمان على هيئة مبنى يقصف بصواريخ ومنها: عبادة القبور، الى جانب العلمانية وعبدة الشيطان والاباحية وغيرها..ص 80
وفي كتاب (التوحيد)، الصف الثاني الثانوي، قسم العلوم الشرعية والعربية (بنين) السنة الدراسية 1431 ـ 1432هـ الموافق 2010 ـ 2011، جاء في الدرس الثاني: مناقشة بعض شبهات أهل الضلال
ثانياً: ومن الشبه التي تعلقوا بها قولهم نحن لا نريد من الأولياء والصالحين قضاء الحاجات من دون الله، ولكن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله لأنهم أهل صلاح ومكانة عنده. ويجاب عن هذه الشبهة بأن (هذا هو عين ما قاله المشركون..)
وفي التقويم:
ـ ما ردك على شبهة من يقول: نحن لا نريد من الأولياء والصالحين قضاء الحاجات من دون الله ولكن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله؟ مع ذكر الأدلة.
وفي الدرس السابع: الردة، جاء في أقسام الردة، الردّة بالفعل: كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور.. وفي أحكام الردة:
ـ المرتد يستتاب من قبل الحاكم، فإن تاب ورجع إلى الإسلام قبل منه ذلك وترك دوإن أبى أن يتوجب على ولي الأمر قتله لقوله صلى الله عليه وسلم: فمن بدل دينه فاقتلوه).
وفي التقويم جاء: بين الحكم فيما يأتي مع الدليل والتعليل:
ـ التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
وجاء في الكتاب أيضاً (ويتبرأ أهل السنة والجماعة من الذين يغالون في بعض أهل البيت ويدّعون لهم العصمة..) ص 109
ويتبرؤون أيضاً (من طريقة المبتدعة الذين يتوسّلون بأهل البيت ويتّخذونهم أرباباً من دون الله) ص 109
في المقابل يطلب من الطالب مايلي :
أكتب ثلاثة أحاديث ترى بأنها أجمع الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة من كتاب فضائل الصحابة من صحيح الإمام مسلم.
وفي التقويم ترد الأسئلة التالية:
ما سبب الفتن التي حدثت في عهد الصحابة رضى الله عنهم؟
ما موقفك مما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم؟
ـ مانضيحتك لمن يقع في الصحابة رضي الله عنهم بلوم أو تنقّص؟
وفي كتاب التوحيد للصف الثالث الثانوي، قسم العلوم الشرعية والعربية (بنين)، للسنة الدراسية 1427 ـ 1428هـ الموافق 2006 ـ2007م، هناك حديث عن أنواع الشرك:
النوع الأول: شرك أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار..ومن صور ذلك (ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتقريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين..) ص ص 13 ـ 14
وفي الفصل الثالث: نقض شبهات المشركين التي يتعلقون بها في تبرير شركهم.
وفيه ثانياً: (نحن لا نريد من الأولياء والصالحين قضاء الحاجات من دون الله، ولكن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله، لأنهم أهل صلاح ومكانة عند الله فنحن نريد من الله جاههم وشفاعتهم..) ص 17
رابعاً: ومن الشبه التي يتعلقون بها: دعواهم أنه لايقع في هذه الأمة المحمدية شرك وهم يقولون “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وأن ما يفعلونه عند الأضرحة من عبادة الموتى ودعائهم من دون الله لا يسمى شركاً عندهم. ص 18
خامسا: ومن الشبه قولهم: إن الأولياء والصالحين لهم مكانة عند الله ونحن نسأل الله بجاههم ومكانتهم. ص 19
والسؤال بعد ذلك، ماهي انعكاسات هذا النوع من التنشئة العقدية على نفس الطالب سواء كان مؤيّداً أو مختلفاً؟ أليس من شأن هذه الثقافة أن تؤسس لحرب أهلية في نهاية المطاف، فضلاً عن الإنقسام الاجتماعي، والإضطرابات الأمنية، والتوتّرات السياسية، وهل بهذه الثقافة يمكن تنشئة دولة وطنية يتعايش فيها السكّان على أساس السلام الاجتماعي، والتعددية الدينية، وحرية الاعتقاد، وتقاسم الحقوق والواجبات..بل هي يصبح هناك معنى للدولة التي نشأت على أساس تنظيم المصالح العمومية، ودرء المفاسد والعدوان، وحماية الأفراد.
في باب الأسئلة من الكتاب أعلاه، ورد التالي:
س3: كيف ترد على شبهة من يقول: لا يقع في الأمة المحمدية شرك؟
فلماذا يجب أن ينشغل الطالب بالتفتيش عن مواطن الشرك في الأمة المحمدية. وهل في دين الله سبحانه وتعالى تحويل المؤمنين برسالة نبيّه الى مراقبين على الخلق..في زمن (محاكم التفتيش) في أوروبا، كان من يقوم بهذا الدور على قدر من العلم الديني المسيحي، بصرف النظر عن صحة ذلك من خطئه، ولكن ما تؤسّس له هذه النصوص الدينية في المقررات الدراسية الرسمية هو أن تصبح الرقابة على معتقدات الناس وتفتيش خباياهم الدينية مهنة من لا حظ له بالعلم أو من له حظ يسير جداً لا يكاد يذكر..فما عسى طالب ابتدائي أو متوسطة أن يتقن من علوم دينية إختلف في فهمها وشرحها كبار العلماء من كل المذاهب الاسلامية؟
وفي كتاب (التوحيد) للصف الثالث الثانوي (قسم العلوم الشرعية والعربية) بنين للسنة الدراسة 1427 ـ1428هـ/2006 ـ2007، وفي الفصل التاسع منه بعنوان: (الردة تعريفها وأنواعها وأحكامها) وجاء أن الردة قد تقع بالقول:..أو دعاء غير الله أو الاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله ..و2 ـ الردّة بالفعل: كالسجود لصنم والشجر والحجر والقبور والذبح لها..ص 31
وجاء في ورقة الاسئلة لاختبار نهاية الفصل الدراسي الأول للدور الأول لمادة التاريخ للصف الثالث متوسط للعام الدراسي 1426ـ1427 في متوسطة عمر بن عبد العزيز التابعة للإدارة العامة لتربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة التابعة بدورها لوزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية وفي السؤال الثاني: أنا من أنا:
1ـ أنا من حكام الدولة السعودية الأولى دخلت مدينة كربلاء وهدمت المشهد المنسوب الى الحسين بن علي رضي الله عنه قتلوني الشيعة؟
وجاء في ورقة اختبار إتمام شهادة الدراسة الثانوية العامة، قسم العلوم الشرعية والعربية وتحفيظ القرآن الكريم، للعام الدراسي 1418/1419هـ الدور الأول المادة التوحيد، في السؤال الثالث:
أـ مثّل لما يأتي بمثال واحد: 3 ـ بدعة تكون من وسائل الشرك
ب ـ متى يكون التبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياءً وأمواتاً شركاً؟ ومتى يكون وسيلة الى الشرك؟
وفي ورقة اختبار إتمام شهادة الدراسة الثانوية العامة، قسم العلوم الشرعية والعربية وتحفيظ القرآن الكريم، العام الدراسي 1419/1420هـ لمادة التوحيد، السؤال الأول:
أـ التوسل بحق المخلوق لا يجوز لأمرين فما هما؟
السؤال الثالث:
بـ متى يكون التبرّك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياءً وأمواتاً شركاً، ومتى يكون وسيلة إلى الشرك؟
ج ـ موقف أهل السنة والجماعة من أهل البيت موقف الاعتدال والإنصاف، بين ذلك؟
وفي نماذج أسئلة إتمام المرحلة الثانوية، قسم العلوم الشرعية والعربية، لمادة التوحيد، الدور الأول للعام الدراسي 1420/1421هـ
السؤال الأول:
ب ـ يستدل من يرى جواز التوسل بجاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخديث:”وإذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم” فكيف تجيب عليه؟
ج ـ بين نوع التوسل مع تحديد ماهو مشروع منه وماهو ممنوع في كل مما يلي:
2 ـ اللهم اغفر لي بحق نبيك محمد ـ صلى الله عليه وسلم.
السؤال الثالث:
ـ من هو سبب الفتنة التي وقعت بين الصحابة؟ وفي زمن أي من الخلفاء كانت؟
وفي ورقة أسئلة اختبار إتمام المرحلة الثانوية ـ قسم العلوم الشرعية والعربية ومدارس تحفيظ القرآن الدور الأول للعام الدراسي 1421/1422هـ
السؤال الثاني:
ب ـ أهل البيت المستقيمون ينكرون الغلو فيهم ويتبرؤن من الغلاة.استشهد لذلك بمثال
وفي أسئلة اختبار إتمام المرحلة الثانوية ـ قسم: العلوم الشرعية والعربية ومدارس تحفيظ القرآن الكريم الدور الأول للعام الدراسي 1422/1423هـ التوحيد:
السؤال الأول: يستدل من يرى التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم بحديث: (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي...
السؤال الثاني: مالمراد بالغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم؟
3 ـ أن من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
د ـ مذهب اهل السنة والجماعة في الإختلاف الذي حصل والفتنة التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم..
السؤال الثالث:
ج ـ متى يكون التبرّك بالآثار شركاً؟
وفي أسئلة اختبار اتمام المرحلة الثانوية ـ قسم العلوم الشرعية والعربية وتحفيظ القرآن الكريم، مادة التوحيد، الدور الأول ـ العام الدراسي 1423/1424هـ التوحيد
السؤال الثالث: علل بتعليل واحد لكل ما يلي:
2 ـ تحريم زيارة المتبدع إلا على وجه النصيحة والإنكار عليه
أسئلة اختبار إتمام المرحلة الثانوية ـ فسم العلوم الشرعية والعربية وتحفيظ القرآن الكريم، مادة التوحيد الدور الأول، العام الدراسي 1424/1425هـ
السؤال الأول:
عرف كلا ما يلي:
ب ـ 2 ـ اللهم إني أسألك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أن تراني.
3ـ اللهم بحق أوليائك الصالحين فاغفر لي.
ج: التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز فلماذا؟
السؤال الثالث:
أ ـ من أي أقسام البدعة العملية كل من الأمثلة التالية:
1 ـ أعياد المولد.
د ـ متى يكون التبرك بالأشخاص وسيلة إلى الشرك؟
أسئلة اختبار إتمام المرحلة الثانوية ـ قسم العلوم الشرعية والعربية لمادة التوحيد، الدور الأول للعام الدراسي 1425/1426هـ.
السؤال الثاني: ماموقف أهل السنة ممن خالف السنة وانحرف عن الدين من آل البيت؟
السؤال الثالث:
2 ـ البناء على القبور:(شرك أكبر ـ كفر صراح ـ وسيلة من وسائل الشرك).
3 ج : تحرم زيارة المبتدع إذا لم تكن على وجه النصيحة والإنكار عليه فلماذا؟
أسئلة اختبار إتمام شهادة الدراسة الثانوية العامة قسم العلوم الطبيعية، لمادة التوحيد، الدور الأول للعام الدراسي 1420/1421هـ
السؤال الأول:
ج ـ بين الحكم مع التعليل في كل مما يلي:
1 ـ التوسل الى الله تعلى بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم
2 ـ الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في شفاء المريض.
السؤال الثالث: اختر الاجابة الصحيحة ثم انقلها الى ورقة إجابتك:
1 ـ أهل السنة والجماعة يبرؤون من الذين:
(يغلون في بعض أهل البيت ويدعون لهم العصمة فقط ـ ينصبون العداوة لأهل البيت المستقيمين ويطعنون فيهم فقط ـ كل من سبق).
2 ـ عقيدة أهل السنة والجماعة في أفراد الصحابة من حيث العصمة من الخطأ:
(أنهم معصومون ـ أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم هم المعصومون فقط ـ أنهم غير معصومين).
3 ـ الطواف بالقبور تقرّباً لأصحابها وتقديم الذبح لهم حكمه:
(كفر صراح ـ معصية غير مكف!رة ـ من وسائل الشرك).
د ـ متى يكون التبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياءً وأمواتاً وسيلة للشرك؟
أسئلة اختبار اتمام المرحلة الثانوية ـ قسم العلوم الطبيعية والإدارية والاجتماعية والتقنية، ماد ة التوحيد الدور الأول العام الدراسي 1421/1422هـ
السؤال الأول:
ب ـ 1: التوسل الى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم 2 ـ التوسل الى الله تعالى بدعاء الصالحين الأحياء.
السؤال الثاني:
د ـ مذهب أهل السنة والجماعة في الاختلاف الذي حصل والفتنة التي وقعت بين الصحابة يتلخص في أمور منها:
(الإجابة عن الآثار المروية في مساويهم وذلك من وجه ثلاثة أذكرها).
السؤال الثالث:
د: الاحتفال بالمولد النبوي على كونه بدعة وتشبهاً بالنصارى فهو لا يخلو من الشركيات والمنكرات إذكر مثالين لذلك.
أسئلة اختبار اتمام المرحلة الثانوية ـ فسم العلوم الطبيعية والادارية والاجتماعية والتقنية، مادة التوحيد، الدور الأول العام الدراسي 1422/1423هـ
السؤال: ج: متى تكون الاستغاثة بالمخلوق شركاً أكبر؟
السؤال الثاني: د ـ أهل البيت المستقيمون ينكرون الغلو فيهم ويتبرؤن من الغلاة، إذكر نموذجاً من ذلك لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه.
السؤال الثالث: ج ـ يتسدل من يرى جواز التبرك بالأشخاص أحياءً وأمواتاً بأن الصحابة رضى الله عنهم كانوا يتبركون بشعر النبي..فكيف تجيب عن ذلك؟
وفي أسئلة اختبار إتمام المرحلة الثانوية ـ قسم العلوم الإدارية والاجتماعية والطبيعية والتقنية، مادة التوحيد، الدور الأول للعام الدراسي 1423/1424هـ
السؤال الثاني:
أ ـ عين ماهو شرك أكبر مما وسيلة الى الشرك في كل مما يلي:
2 ـ البناء على القبور
3 ـ اعتقاد أن ملامسة قبور الصالحين سبب لحصول البركة من الله.
السؤال الثالث:
اختر العبارة الصحيحة بين الاقواس في كل مما يلي ثم انقلها الى ورقة اجابتك:
2 ـ تسبب في وقوع الفتنة التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم: (عبد الله بن سبأ ـ عمرو بن لحي ـ عبد الله بن أبي).
أسئلة اختبار إتمام المرحلة الثانوية ـ قسم العلوم الاداية والاجتماعية والطبيعية والتقنية، مادة التوحيد، الدور الأول العام الدراسي 1424/1425هـ
السؤال الثاني: أ ـ إستدل من السنة بدليل واحد لكل مما يلي:
4 ـ حدثت بدعة الاحتفال بالمولد النبوي بعد القرن (السادس ـ الخامس ـ الرابع) الهجري.
السؤال الثالث:
1 ـ هات مثالاً لكل مما يلي:
1 ـ أهل البيت المستقيمون ينكرون الغلو فيهم ويتبرؤون من الغلاة.
4 ـمنكر بصاحب بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
د ـ متى يكون التبرك بالأماكن شركاً؟
أسئلة اختبار إتمام المرحلة الثانوية ـ قسم العلوم الاداية والاجتماعية والطبيعية والتقنية، مادة التوحيد، الدور الأول العام الدراسي 1425/1426هـ
السؤال الثالث:
أ ـ مالمراد بالغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم؟
ج ـ من الذي أحدث بدعة المولد النبي؟
د ـ ضع علامة (صح) أمام العبارة الصحيحة علامة (خطأ) أمام العبارة غير الصحيحة ثم انقلها الى ورقة إجابتك:
3 ـ (...): عبد الله بن سبأ هو الذي سعى في الفتنة التي وقعت ضد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
المصادر

(1)David A. Harris, In the Trenches, selected speeches and wiritings of an American jewish Activist, KTAV, Jersey, Vol3:2002-2003
2 ـ صحيفة المدينة، الجمعة 24/06/2011 أنظر الرابط:
http://www.al-madina.com/node/311648
3 ـ أسماء الشريف، السعودية تسرع من إصلاح التعليم وعلماء الدين يقاومون أنظر:
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE53E0G420090415
4 ـ مقرر التوحيد، الصف الأول الثانوي، ص 12
5 ـ مقرر التوحيد، الصف الثاني ثانوي، القسم الشرعي، ص 37
6ـ مقرر التوحيد الصف الثاني ثانوي القسم الشرعي ص 38
7 ـ مقرر التوحيد الصف الثاني ثانوي ـ القسم الشرعي، ص 32
8 ـ مقرر التوحيد، الصف الأول ثانوي، ص 59
9 ـ مقرر التوحيد، الصف الثالث متوسط، ص 36
10 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث متوسط، ص 36
11 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث ثانوي، القسم الشرعي ص 126
12 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث ثانوي القسم الشرعي ص 130
13 ـ مقرر الحديث الصف الأول ثانوي ص 64
14 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث ثانوي القسم الشرعي ص 130
15 ـ مقرر التوحيد الصف الأول ثانوي ص ص 15 ـ 17
16 ـ مقرر الفقه الصف الأول ثانوي ص 10
17 ـ كتاب (التوحيد) للصف الثالث الثانوي (قسم العلوم الشرعية والعربية) بنين للسنة الدراسة 1427 ـ1428هـ/2006 ـ2007، ص ص 127، 136،137
18 ـ كتاب (التوحيد)، الصف الثاني الثانوي، قسم العلوم الشرعية والعربية (بنين) السنة الدراسية 1431 ـ 1432هـ الموافق 2010 ـ 2011، ص ص 156، 157، 159،160، 161، 166،167 ـ 168، 167، 168، 171
19 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث ثانوي القسم الشرعي ص 18
20 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث ثانوي القسم الشرعي ص 10
21 ـ مقرر التوحيد الصف الأول متوسط ص 94
22 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث ثانوي القسم الشرعي ص 15
23 ـ مقرر التوحيد، الصف الثالث ثانوي القسم الشرعي ص 12
24 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث ثانوي القسم الشرعي ص 18
25 ـ مقرر التوحيد الصف الثالث ثانوي القسم الشرعي ص 13
26 ـ بابكر فيصل بابكر، الغلو والتكفير وأثارة الكراهية ضد الاخر (3) أنظر الرابط:
http://www.khatmiya.com/vb/showthread.php?t=2589
27 ـ عايض القرني، نحن العرب قساة جفاة، صحيفة الشرق الأوسط، 14 فبراير 2008، الرابط:
http://www.aawsat.com/details.asp?section=17&article=458436&issueno=10670
28 ـ Saudi-funded school ‘teaches religious hatred’ by Caroline Davies and Graeme Paton «Telegraph,» February 6, 2007
(javascript:onClick=history.go(-1);)

salimo123
2013-01-11, 19:47
خلاصة القول انو الغرض من انشاء حركة الوهابية ودعمها الملفت للنظر قديما من طرف الصليب الانجليزي
والان من التحالف الامريكي الصهويني اليهودي
هو مواصلة طريق الثورة وحكم الاستبداد لمنع اقامة الخلافة الاسلامية في اي بؤرة في عالمنا الاسلامي من اقصى الشرق الى اقصى الغرب تهدد حلفائها من الغرب
لان بدايتها كانت ثورة واستبداد ضد الخلافة الاسلامية العثمانية
هذا كل مافي الامر

توفيق43
2013-01-16, 22:22
الفكر الثوري الاستبدادي ( 4/ 1 )

الفكر الثوري الاستبدادي دخيل على ثقافتنا الاسلامية استورده النظام الناصري من الفكر الماركسي الشرقي و هو سبب اغلب ما تعانيه امتنا اليوم من ازمات
هذا الفكر لوث الثقافة الاسلامية بأفكار خطيرة أساءت لها و للدعوة الاسلامية و شوهت صورة الاسلام لدى غير المسلمين
فإذا لم يتغير الفكر الذي نشا في ظل الانظمة الثورية الاستبدادية فلن تسقط تلك الانظمة و لو سقطت
لا يطلب من اصحاب هذا الفكر الالحاد بشكل صريح و لكن التوغل في هذا الفكر شيئا فشيئا يوصل الى الالحاد و العياذ بالله لأن جذوره الحادية
و احيانا تختلط الثقافة الاسلامية مع هذا الفكر فيخرج مزيج خطير يشوه صورة الاسلام الحق اسميته الاسلاميون الثوريون
من صفات أصحاب الفكر الثوري الاستبدادي و سماته الآتي :
نزعة الأنا المتضخمة و الكبر و العزة الجوفاء الآثمة و النظرة الاستعلائية و احتقار الآخرين و الاستخفاف بهم و هذه الصفة تتسبب بخلافات كبيرة بين اصحاب هذا الفكر و تمزق صف الامة و الاوطان
فارغون و لديهم رغبة جامحة في الظهور و من اجل ان يثبتوا ذواتهم و يشبعوا رغبتهم يعمدوا الى هدم بنيان الناجحون فترى أكبر همهم البحث في قمامة الانترنت عن الاشاعات و الفضائح التي تطعن بالشرفاء و الناجحون و نشرها و التحدث بها
ضعف الوازع الديني و الاخلاقي فيستحلون أعراض المسلمين ولا يتورعون عن قذف الشرفاء بأقسى التهم و الاوصاف
تحطيم جميع الرموز سواء دينية او فكرية او غيرها و تعظيم و رفع رمزهم الاوحد لحد الآلوهية
فتراهم لا هم لهم سواء الطعن بالعلماء الربانيين و الكتاب و المفكرين و الاغنياء و الرؤساء و احيانا الرموز التاريخية
المعايير العلمية و المنطقية مغيبة و الاوراق مخلوطة لديهم لذلك يفتقدون الأسلوب المنطقي السليم في التفكير من اجل الوصول الى الحق لذلك يصعب إقناعهم بالحق
الجانب العقلي هزيل و العاطفي متضخم لديهم و هذا يؤدي لعدم وضوح الرؤية و طمس الحقيقة فمن السهل قيادتهم و توجيههم في أي اتجاه من قبل الطغاة و اصحاب المصالح الضيقة
نفوسهم لئيمة فتراهم يطأطئون الرؤوس امام صاحب السلطة الظالم و يتمردون أمام الراقي الذي يحترمهم
لذلك سوف تعاني كثيرا من هذه الصفة السلطات التي ستحكم الشعوب التي خرجت لتوها من ربقة الاستبداد
للموضوع تتمة





ماذا قال علمائك عن عبد الناصر؟
ماذا قال علمائك عن الحكم الملكي الوراثي؟

عبدالحق صادق
2013-01-16, 22:51
النقاش يكون بنص الموضوع
و اود ان اسال المشرف هل قوانين المنتدى تسمح بمشاركات لا تخص الموضوع

عبدالحق صادق
2013-01-16, 22:52
الفكر الثوري الاستبدادي ( 4/ 2 )

يتنكرون للمعروف فلو اغدقت عليهم المليارات يتجاهلون ذلك و يقولون لم نرى خيرا قط و المنصف منهم يقول هذا واجب و اقل من القليل و يمنن عليك بكسرة عيش اعطاها أحد أجداده لأحد أجدادك
كلمة الشكر ممسوحة من قواميسهم فمهما اعطيتهم فلا تكاد تسمع منهم كلمة شكر و يقولون هل من مزيد و ينسون بأنه بالشكر تدوم النعم و تزداد و بكفرانها تزول
يبالغون في الشكر لسيدهم فلو أعطاهم خطاب ناري يطيروا نشوة و طربا و تراهم ينتفخوا كالطبل الاجوف الذي تتحطم عليه مؤامرات الاعداء و المادة ترخص امام ذلك فأي شئ يعطيهم اياه هو تفضل و كرم
لا يجيدون فن الحوار و يملكون لسانا بذيئا يتقنون به فن السب و الشتم و البلطجة و التشبيح
يتعالون على الحق و من الامنيات الحصول على اعتراف بخطأ منهم
الحقد الشديد على الاغنياء وعلى رأسهم دول الخليج و خاصة السعودية ثم دول الغرب و الطعن فيهم في السر و طأطأة الراس امامهم و من التناقض العجيب لديهم يسمون نظام العمل عند تلك الدول نظام عبودية و ذل
و أكبر حلمهم الحصول على تأشيرة عمل لديهم و يدفعون كل ما يملكون من اجل الحصول عليها فهل عاقل يشتري العبودية ؟؟؟
و اذا ظفروا بها فيحرصون عليها اشد الحرص فهل عاقل يحزن على مفارقة نظام العبودية ؟؟؟
الحقد على المختلف فكريا و عقديا و رفضه فلا اريكم الا ما ارى
الحقد على الانظمة الملكية و لصق اشد التهم الباطلة بها
يحقدون حقدا شديدا على أقران إلههم المزعوم من الناجحون
النظرة المادية للحياة و تفسير كل ما يجري بمنظور مادي
يرفعون الشعارات البراقة و يعملون بعكسها و يرفعون من يطلق التصريحات النارية الى اعلى عليين و يستهينون بأصحاب الاعمال الجليلة
الارتقاء في المناصب لديهم يكون عبر تمجيد القائد الفذ و تحطيم الآخرون و التجسس على زملاءهم و التسلق على اكتافهم و سرقة جهودهم
اصحاب هذا الفكر يجيدون فن تتبع العثرات و الزلات و ان لم توجد فيفبركونها و ينشرونها
يتخذون عدو شماعة لتبرير فشلهم و يتحدثون عنه ليل نهار و وجدوا ضالتهم في امريكا و اسرائيل
يستغلون فقر الناس و حاجتهم و مشاكلهم من اجل نشر افكارهم المسمومة و تسخيرها لمصالحهم و مآربهم الخبيثة
فلا يهمهم شان الفقراء و لا المظلومين فبدل مساعدتهم و حل مشاكلهم بأساليب صحيحة يتاجرون بمشاكلهم لمصلحتهم فبئس التجارة تلك
يتسلقون على اكتاف الفقراء و المحرومين و يلعبون على عواطفهم و للأسف تجارتهم الخسيسة رائجة هذه الايام
للموضوع تتمة

عبدالحق صادق
2013-01-25, 13:40
منذ قليل الاخواني كمال الهلباوي صاحب مقطع الفيديو الشهير الذي يثني فيه على ايران و خامنئي كان على قناة العربية
و قال بان جمال عبد الناصر كان في المكتب الخاص للإخوان و لذلك كان مطلعا على الامور الخاصة لهم
و عندما انقلب عليهم قال لهم هاتوا الاسلحة المخبأة في المكان الفلاني وهذا دليل على أن لهم عمل سري يثير الشكوك حول مشروعهم
و قال ما فائدة المال الذي يحتاج للآخرين لحمايته مثل بعض الدول و يقصد دول الخليج
و أقول له هذا المال هو الذي وقف بجانبكم هذه الأيام فإذا كان مشبوها لماذا طلبتموه و لماذا اخذتموه ؟؟
و لماذا لم تطلبوه من قدوتك إيران و المتواضع خامنئي ؟؟؟
فصدق سمو الامير نايف و ضاحي خلفان عندما قالوا بان بعض الاخوان ينشرون الكره على حكام دول الخليج و يتنكرون للمعروف