المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صاحب العلم


ابراهيم زياني
2010-04-12, 10:39
سلام عليكم ورحمة الله
لن أجد أفضل من هدا المقال لأذكر الناس بصاحبالعلم الجم والتواضع الكبير
لفضيلة الشيخ عبد السلام البرجس رحمه الله

نُزهة الأنفُس في سيرة الشّيخ عبد السّلام بن بُرجُس -رحمه الله-

كتبه: فريد أبوقرة المرادي

مقدمة

الحمد لله الذي جعل في كلّ زمانِ فترةٍ من الرّسل بقاياَ من أهل العلم يَدعون من ضلّ إلى الهدى، ويَصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبصّرون بنور الله أهل العَمى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيَوه، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هدَوْه، فما أحسنَ أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، يَنفُون عن كتاب الله تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين، الذين عَقدوا أَلوِية البدع وأطلَقوا عِقال الفِتنة، فهم مُختلفون في الكتاب، مُخالفون للكتاب، مُجتمعون على مُفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علمٍ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهّال الناس بما يُشبِّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلِّين." [من كلام إمام أهل السنّة والجماعة؛ الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله تعالى ورضي عنه-في فاتحة كتابه "الرد على الجهميّة والزنادقة" (ص52-53/ط.دار المنهاج بالقاهرة)]
روى الشّيخان عن عبد الله بن عمروبن العاص-رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنّ الله لا يَقبضُ العلم انتزاعاً ينتزعُه من العبادِ، ولكنْ يَقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ؛ حتّى إذا لمْ يُبقِ عالماً؛ اتّخذَ النّاس رؤوساً جُهّالاً، فسُئلوا فأَفتَوا بغير علمٍ فضلُّوا وأَضلُّوا)).
((هذا الحديث الشريف يدلُّ على أهميّة العلم، وعلى عِظم شأن العلماء، وأنّ فقدَهم وذهابهم إنّما هوقبضٌ للعلم...وأنّ قبض العلماء كما قد جاء في كلام بعض أهل العلم: ثُلمةٌ في الدِّين، وأنّه نقصٌ للمسلمين حيث ذهب العلماء الذين يُرجع إليهم، ويُستفاد من علمهم، ويُدلونهم ويُبصرونهم، فإن ذلك نقصٌ كبيرٌ على الناس.)) [من كلام الشّيخ العلاّمة عبد المحسن العبّاد -حفظه الله- في مجلّة ’’الأصالة‘‘ -الأردن-؛ عدد(23)، ص13-بتصرف-].
وقال الإمام عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: ((اعلم أخي أنّ الموت اليوم كرامة لكلِّ مسلمٍِ لقيَ الله على السنة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإلى الله نشكووحشتنا، وذهاب الإخوان ، وقِلّة الأعوان، وظهور البدع، وإلى الله نشكوعظيم ما حلّ بهذه الأمّة من ذهاب العلماء، وأهل السنّة، وظهور البدع.))، رواه ابن وضّاح القرطبي -رحمه الله- في كتابه ’’البدع والنهي عنها‘‘ (رقم97، ص87-88/ تحقيق الشّيخ بدر البدر-حفظه الله-).
هذا وإنّ من الفجائع المُؤلمة، والمصائب المُوجعة، والتي حدثت بالأمّة الإسلاميّة قبل أشهرٍ قليلةٍ؛ وفاة الفقيهِ الفاضلِ، والعالمِ العاملِ؛ الشّيخ عبد السّلام بن بُرجس -تغمّده الله بواسع رحمته-، وفي الحقيقة لا أستطيع -لا بلساني ولا بقلمي- أن أصف حالتي حين اطّلعت على خبر وفاة الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله-، وقد وجدت يقيناً ما قاله أحد أئمّة سلفنا الصالح؛ وهوالإمام أيوب السِّختيانيّ: "إنّه ليَبلُغني موت الرّجل من أهلِ السنّة؛ فكأنّما أفقد بعضاً من أعضائي". وأنا في حقيقة الأمر لم ألتقِ بالشّيخ -رحمه الله- ،ولا هويعرفني ، لكنّي كنتُ قد استفدت كثيراً -كما استفاد الكثير- من رسائله ومحاضراته التي تيسّرت لديّ، فلهذا شعرتُ بأسىً عميقٍ لفقده -رحمه الله-؛ فالإنسان مجبولٌ على محبّة من يُحسن إليه، فكيف إذا كان الإحسان فيما فيه سعادة المرءِ في الدّارين؟.
وكيف لا يشعر بالحزن والأسى كل مخلصٍ وصادقٍ؛ لموت طالب علمٍ سنيٍّ، بَلهَ عالمٍ سلفيٍّ.؟
لمثل هذا يموت القلب من كمدٍ * إن كان في القلب إسلام وإيمان
((وإنّ ذهاب مثل هذا العالم هوفي الحقيقة نقصٌ على المسلمين ومصيبة، ونسأل الله -عزّ وجلّ- الذي هوسبحانه وتعالى له ما أخذ وله ما أعطى: أن يُعوِّض المسلمين خيراً، وأن يُوفِّق المسلمين لما فيه خيرهم وسعادتهم، وأن يُوفق طلبة العلم للعناية بتحصيله وطلبه ومعرفته، إنّه -سبحانه وتعالى- جوادٌ كريمٌ)) [من كلام الشّيخ عبد المحسن العبّاد -حفظه الله-، مصدر سابق ص14).
ذكر الحافظ الذّهبي -رحمه الله- في ’’سير أعلام النبلاء‘‘(9/504) عن أبي سعيد بن يونس قال: "مات [يعني إسحاق بن الفرات] في ثاني شهر ذي الحجة سنة أربع ومائتين."، ثم علّق قائلاً: ((وفيها [يعني تلك السنة] مات قبله الشافعيّ وأشهب بمصر، فمثل هؤلاء الثلاثة إذا خلت منهم مدينة في عامٍ واحدٍ فقد بان عليها النقصُ.)) [نقلاً عن مجلّة ’’منابر الهدى‘‘-الجزائر-، عدد(5)، ص81].
وكيف لا يظهر النقص؟، وقد رُزئت الأمّة الإسلاميّة في هذه السنوات القليلة بفقد ثُلّة طيبّةٍ من كبار العلماء وطلبة العلم، فإنّ لله.
ومما لا ريب أنّ الخير باقٍ في هذه الأمّة إلى يوم القيامة، ومثلُ هذه المصائب يجب أن تكون حافزاً وباعثاً لهمّة الشباب في طلب العلم، والجدّ والاجتهاد في تحصيله، قبل أن يذهب العلم بذهابِ أهلِه، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ((هل تدرون ما ذهاب العلم؟ قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء)) رواه الدارمي-رحمه الله-.
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ((عليكم بالعلم قبل أن يُرفع ورفعه هلاك العلماء)) رواه الدارمي -رحمه الله-.
وقال علي -رضي الله عنه-: ((يموت العلم بموت حملته)) رواه الخطيب -رحمه الله- في ’’الفقيه والمتفقه‘‘.
وقال أبوالدرداء -رضي الله عنه-: ((ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهّالكم لا يتعلّمون، تعلّموا قبل أن يُرفع العلم، فإنّ رفعُ العلم؛ ذهاب أهله)) رواه الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- في ’’جامع بيان العلم وفضله‘‘.
وعن أبي وائل قال: ((قال حذيفة -رضي الله عنه-: أتدري كيف ينقص العلم؟ قال: قلت: كما ينقص الثوب، كما ينقص الدرهم، قال: لا، وإنّ ذلك لمَنِهُ قبضُ العلماء)) رواه الدّارمي -رحمه الله-. [نقلاً عن مجلّة’’منابر الهدى‘‘، عدد(2)، ص3-4].
فلمّا ذهب عني هول الصّدمة قُمت بجمعِ كلَّ ما وقفت عليه منشوراً في بعض شبكات الانترنت عن فضيلة الشّيخ ابن برجس -رحمه الله-، ثم ظهر لي أن أربط بينها وأنسق بين أطرافها، ومراجعة ما اتّفق لديّ من كتبٍ وأشرطةٍ للشّيخ -رحمه الله-، حتى أجعل منه موضوعاً متكاملاً، وأكون بهذا قد أدّيت بعض ما للشّيخ -رحمه الله- عليّ من منّة، خاصةً وقد قرأت بعض ما كتبه أحد أذنابِ الخوارجِ في موقعٍ تكفيريٍّ -لا أعرفه ولا أحبُّ أن أعرفَهُ-، عن فضيلتِه-رحمه الله-، وقد نقلَه بعضهم إلى موقعٍ يجمع بين الغثِّ والسَّمين، فوالذي نفسي بيده لقد دمعت عيني لبشاعة كلامِه، وسوء قالِه، وفيمن؟ في عالمٍ فاضلٍ قد شهد له -القريب والبعيد-بالعلم والدِّين، ولكن هذا ما يَفعلُ الهوى بأصحابه، وعند الله تجتمعُ الخصومُ.
فتأكّدت نيّتي في كتابة هذا البحث، عسى أن أُذكِّر من خلاله ببعض بمآثر الشّيخ -رحمه الله- وسيرتِه العطرة، ((وإن القلم ليَعجزُ عن ذكر محاسنِه، وعدِّ مناقبِه ومآثرِه، ولئنْ مات الشيخ فعلمه لم يمت، وقد نَشره في كل مكان، ولئن مات الشيخ فأعماله ومآثره لم تمت وقد سارت بها الركبان، ولئن مات الشيخ فهوحيٌّ بين الناس يذكرونه بالفضل والإحسان.
قد مات قومٌ وماتت مكارمهم * وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ
وقال آخر:
وما دام ذكر العبد بالفضل باقياً * فذلك حيٌ وهوفي التُّرب هالكُ
.)) [من كلام الشّيخ عبد المجيد جُمعة -حفظه الله-، نقلاً عن ’’منابر الهدى‘‘، عدد(2)، ص5].
ومع هذا ((فليس القصدُ من الكتابة عن شخصٍ ما مدحهُ وإبرازهُ، وإنّما القصدُ هوالاستفادة من جهودِه والإقتداء بسيرتِه، والانتفاع بخبرتِه))، كما قال الشّيخ العلاّمة صالح الفوزان -حفظه الله- في تقريظِه لكتاب’’الشيخ العلامة عبد بن عبد الرحمن أبا بطين: حياته وآثاره وجهوده في نشر عقيدة السلف‘‘ للدكتور علي العجلان -وفقه الله- (ص6).
وفي هذه المقدّمة أُشير إلى أنّي قد استفدت كثيراً من مقال للأخ هاني بن سالم الحسينيّ الحارثيّ -وفّقه الله- نشره في جريدة ''الجزيرة'' السعودية، ثمّ في ’’شبكة سحاب السلفيّة‘‘ بتاريخ (16/04/2004م)، واستفدتُ كذلك من عددٍ ممّن كتب في الموضوع، فجزاهم الله خيراً. وحالي في هذا الجمع كما قال الشّيخ بكر أبوزيد -حفظه الله- في كتابه ’’النظّائر‘‘(ص17): ((وجميع ما ذكرته ليس لي فيه من فضلٍ سوى الجمع والتّرتيب، وبعد ديمومة النّقلة والتّرحال من كتابٍ إلى آخر، حتى لوقلت لكلِّ جملةٍ منها: عودي إلى مكانك لما بقيَ لي منها إلاّ النَّزر اليسير)).
ومع هذا أقول أنّ النقص حاصل، والخطأ وارد، والنصح منكم آكد، فمنْ كانت له زياداتٌ أوتصحيحاتٌ أوتوجيهاتٌ؛ فإنّا لها لمنتظرون، فهل من مُشمِّر؟
وقد جعلت البحث -بعد المقدّمة- على النحوالآتي:
(1) اسمه ونسبه.
(2) مولده ونشأته وبداية طلبه للعلم.
(3) دراسته النظاميّة.
(4) مشايخه.
(5) عقيدته ومنهجه.
(6) مناصبه وأعماله التي زاولها.
(7) تلاميذه.
(8) أخلاقه.
(9) مؤلفاته وتحقيقاته ومقالاته ومحاضراته المسجلة.
(10) الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- شاعراً.
(11)وفاته -رحمه الله-.
(12) ثناء أهل العلم عليه وبعض ما قيل بعد وفاته.
(13) تأثّر الناس بوفاته.
(14) بعض المراثي التي قيلت فيه.
((هذا وأسأل الله الكريم أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، صواباً على النّهج القويم، وأن يجعله قربةً لي عنده مدّخرة ليوم الدِّين، وأن ينفع به من يطّلع عليه من المسلمين، وأن يغفر لي ما اعتراه من خطأِ أوزللٍ، ويوفّقني عاجلاً غير آجلٍ لإصلاحه؛ إنّ ربّي لطيفٌ لما يشاء إنّه هوالعليم الحكيم. ثمّ أتوجّه -برغبةٍ صادقةٍ- إلى من طالع بحثي هذا، أن يُتحفني بنُصحه وتوجيهه، ويُرشدني لما يقف عليه من خطأٍ في عزوٍ، أوتصحيفٍ لنقلٍ، أواستدراكٍ لأمرٍ، سائلاً الله التوفيق للجميع لما فيه الخير والصلاح والسداد)) [من كلام الشّيخ الفاضل الدكتور إبراهيم بن عامر الرّحيلي -حفظه الله- في كتابه النّافع ’’تجريد الإتّباع في بيان أسباب تفاضل الأعمال‘‘(ص10)-بتصرف-].
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

كتبه
فريد أبوقرة المرادي -عفا الله عنه بمنّه وكرمه-.
الجزائر: 14ربيع الثاني1425هـ- الموافق لـ:2/06/2004م.

ونشرعُ الآن في المقصود -بتوفيقٍ من الله الرّؤوف الودود-:

(01) اسمه ونسبه:
هوالشّيخ الفاضل الفقيه، والعالم الأصوليّ النّبيه؛ أبوعبد الرحمن عبد السّلام بن بُرجس ابن ناصر آل عبد الكريم.
وآل عبد الكريم من الأسرِ المشهورةِ في حرمة التابعة لمحافظة المجمَعة؛ وهي من المعامرة من بني سعد من بني تميم.

(02) مولده ونشأته وبداية طلبه للعلم:
وُلد -رحمه الله- في عام 1387هـ، بمدينة الرياض؛ عاصمة المملكة العربيّة السعوديّة -حرسها الله وسائر بلاد المسلمين من كلّ سوء-.
وقد نشأَ في بيتِ ديانةٍ وصلاحٍ، وتميّزَ -رحمه الله- مُنذُ صِغره بالذكاءِ، والحزمِ، والجدِّ، والاجتهادِ؛ فحفظَ القرآن، وبدأ يَطلبُ العلم وهوفي الثالثة عشر من عمرِه، فلقيَ من مشايخه العناية والاهتمام؛ لمِا لمسُوه من فضيلته من علاماتِ التميُّزِ والنّبوغِ. فـ((اشتهر -رحمه الله- منذ حداثتِه؛ بفطنتِه وذكائِه، ورغبتِه الشديدة في طلبِ العلمِ وتحصيلهِ. فتوفّرت له البيئة الصالحة، والرَّغبة الشديدة في طلب العلم، فاجتهد في طلب العلم وجدّ فيه، وسهر الليالي وواصل الأيّام، ومضى في طريقه قُدُماً لا يَرغَب في شيءٍ غير العلم، ولا يريد شيئاً غير تحصيل العلم. فلا يكادُ الواصفون يَصفون شدّة حرصِه وإقبالِه على العلم والتعلّم، وهكذا نال حظاً وافراً من العلوم الشرعيّة)) ’’إتحاف النبلاء‘‘ (1/45).
((وكان يُواظبُ على دروسِ العلماءِ، وعلى من يَشعُر أنّه له منهُ أدنى فائدةٍ؛ طارحاً التحيّز والترفّع، وواصلَ وثابرَ، وبذل جُهده في سبيل ذلك، حتى نال في صِباهُ ما لا يناله غيرُه في زمنٍ طويلٍ من علومٍ كثيرةٍ وفنونٍ مختلفةٍ. ولم يَقتصر في طلبه للعلم على فنٍّ واحد، بل قرأ في فنونٍ كثيرةٍ؛ فقرأ في الحديث والعقائد والفقه والأصول والمصطلح وعلوم اللّغة وغيرها.)) ’’إتحاف النبلاء‘‘ (1/46-47).
وقد ذكر بعض الإخوة ممّن عرف الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله-؛ أنّه كان يحفظ بعض المتون العلميّة عن ظهر قلبٍ، منها: ’’بلوغ المرام‘‘ للحافظ -رحمه الله-، و’’زاد المستقنع‘‘ للحجّاوي -رحمه الله-، و’’القصيدة النونيّة‘‘ لابن القيّم -رحمه الله-، و’’الألفيّة في النّحو‘‘ لابن مالك -رحمه الله-. فهو حقاً كما قيل: "لوعمر لكان آية".
(03) دراسته النظاميّة:
تلقى -رحمه الله- تعليمه بمدينة الرياض؛ فبعد المرحلة الابتدائيّة التحق بالمعهد العلميّ التّابع لجامعة الإمام محمّد بن سعود -رحمه الله-، ثم التحق بكليّة الشريعة من نفس الجامعة، فتخرّج منها في عام1410هـ.
وقد كان أيّام الدّراسة بالكليّة حريصاً أشدَّ ما يكون الحرصُ على الوقت، قال أحد محبِّيه: ((وفي هذا السياق أذكر أيّام الكليّة -وفي وقت الفُسح بالذَّات- أنَّ الشّيخ كان ضنيناً بوقته -رحمه الله-، فقد كنت أبحث عنه أحياناً فأجده منعزلاً مع أحد الإخوة يتدارسون ’’صحيح البخاري‘‘ أو غيره من الكتب، ويحفظون الأحاديث، فيا لها من همّةٍ عاليةٍ أين نحن منها؟)). [نقلاً عن موقع ’’السّاحة الإسلاميّة‘‘ بتاريخ 04/04/2004م].
ثم التحق بالمعهد العالي للقضاء، وتحصّل فيه على درجة الماجستير برسالة بعنوان "التوثيق بالعقود في الفقه الإسلاميّ".
ثم تحصّل على درجة الدكتوراه عام1422 هـ، وكانت رسالته عبارة عن تحقيقٍ لكتاب ’’الفوائد المنتخبات شرح أخصر المختصرات‘‘ للشيخ عثمان بن جامع (ت1240هـ) بالاشتراك، وكان المُشرف عليه هو سماحة المفتي العام للمملكة الشّيخ عبد العزيز آل الشّيخ -حفظه الله-.
(04) مشايخه -رحمه الله-:
بما أن الشّيخ -رحمه الله- قد نشأ في بلدٍ تزخرُ بالعلماء؛ فلا غَرو أن يكون حظّه منهم أكبر حظٍٍّ، ونصيبه منهم أكبر نصيبٍٍ، وهو قد عاصرَ جملةً من أكابرِ علماءِ أهلِ السنّة في هذا العصر، وبما أنّ ((العلماء إذا ترجموا للأعلام ذكروا شيوخهم وتلاميذهم، بل كانوا يَرون نُبُوغ الرَّجل يُعلم بكثرةِ شُيوخِه، ولا سيَّما إذا كان الشُّيوخ من الحُذَّاق)) [من كلام الشيخ عبد المالك رمضاني -حفظه الله - في كتابه ’’تخليص العباد‘‘(ص74)] نذكر بعضاً من شيوخ الشّيخ ابن برجس -رحمه الله- الأعلام، فمنهم:
1- سماحة الشّيخ العلاّمة إمام أهل السنة والجماعة في زمانه عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- (ت1420هـ)؛ فقد لازمه فترةً، وحضر العديد من دروسه؛ خصوصاً في ’’بلوغ المرام‘‘ لابن حجر -رحمه الله-، و’’تفسير ابن كثير -رحمه الله-‘‘، وغيرهما من الكتب.
2- الشّيخ فقيه الزمان العلاّمة الأصولي محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-(ت1421هـ)؛ وقد رحل إليه الشّيخ عبد السلام -رحمه الله- ما بين سنتي 1401هـ-1403هـ؛ في فترة إجازات المدارس النظاميّة، وكما لازمه مُنذ بداية دروسه في المسجد الحرام بمكّة المكرّمة سنة 1402هـ؛ وهذا في موسم شهر رمضان المبارك وموسم الحج، وقد كانت هذه هي عادة الشّيخ ابن عثيمين إلى وفاته -رحمه الله-، وقد قرأ عليه في ’’كتاب التّوحيد‘‘، و’’العقيدة الواسطيّة‘‘، وقسم العبادات من ’’زاد المستقنع‘‘ في الفقه، و’’المقدّمة الأجروميّة‘‘ في النّحو، و’’مختصر قواعد ابن رجب‘‘ للشّيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في القواعد الفقهيّة، وقرابة النِّصف من ’’صحيح البخاري‘‘.
وقد ذكره الباحث وليد بن أحمد الحسين -رئيس تحرير مجلّة ’’الحكمة‘‘- ضمن تلاميذ الشّيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في ’’الجامع لحياة العلاّمة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-‘‘ (ص56)، وهذا الكتاب هو العاشر من إصدارات مجلّة ’’الحكمة‘‘.
3- الشّيخ العلاّمة أحمد بن يحيى النّجميّ؛ مفتي منطقة جازان -حفظه الله-؛ حيث أجازه بالأمّات الستّ عن شيخه مجدِّد الدّعوة السلفيّة في جنوب المملكة الشّيخ عبد الله القرعاوي -رحمه الله- (ت1389هـ)، وذلك لِما سمعه من نَجابته، ونُبوغه في العلم، وقرأ عليه الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- كذلك في آخر زيارةٍ له إلى منطقة جازان.
4- الشّيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين -حفظه الله-؛ لازمه أربع سنوات قرأ خلالها في ’’كتاب التّوحيد‘‘ لابن خزيمة -رحمه الله-، و’’النونيّة‘‘ لابن القيم -رحمه الله- بشرح الشّيخ العلاّمة ابن عيسى -رحمه الله-، و’’زاد المستقنع‘‘ مع ’’الرّوض المربع‘‘، و’’معارج القبول‘‘ للشّيخ العلاّمة حافظ حكمي -رحمه الله-.
5- الشّيخ المحدِّث العلاّمة عبد الله الدّويش -رحمه الله- (ت1409هـ)؛ قرأ عليه في فترة الإجازات النظامية في بريدة؛ ’’ألفيّة العراقيّ‘‘ في علوم الحديث، وقطعة من ’’سنن أبي داود‘‘، وقد قدّم له الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- رسالته ’’إيقاف النبيل‘‘ عام 1403هـ لينظر فيها.
6- الشّيخ الفقيه صالح بن عبد الله الأطرم -حفظه الله وعافاه-؛ قرأ عليه في كليّة الشريعة بجامعة الإمام في ’’حاشية الرّوض المربع‘‘ للشّيخ العلاّمة عبد الرحمن بن قاسم -رحمه الله- (ت1392هـ)، وحضر الدّروس التي يلقيها في مسجده.
7- الشّيخ فهد الحميّن -حفظه الله-؛ قرأ عليه في التّوحيد والفقه.
8- الشّيخ عبد الله بن قعود -حفظه الله وعافاه-؛ قرأ عليه في ’’فتح المجيد‘‘ للشّيخ العلاّمة عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ -رحمه الله-.
9- الشّيخ الفقيه الأصوليّ عبد الله بن عبد الرحمن بن غديّان -حفظه الله-؛ درس عليه في المعهد العالي للقضاء.
10- الشّيخ الفقيه العلاّمة صالح بن إبراهيم البليهي -رحمه الله- (ت1410هـ)؛ حضر دروساً له في ’’زاد المستقنع‘‘ مع حاشيته عليها المسماة ’’السّلسبيل في معرفة الدّليل‘‘.
11- الشّيخ الدكتور عبد الكريم الخضير؛ قرأ عليه في ’’نيل الأوطار‘‘ للإمام الشّوكاني -رحمه الله-، و’’ألفيّة العراقيّ-رحمه الله-‘‘ في المصطلح.
12- الشّيخ الفرضيّ الأستاذ الدكتور عبد المحسن بن محمد المنيف؛ قرأ عليه في ’’الرّحبية‘‘ في الفرائض في مكّة سنة 1405هـ، وكان هذا في شهر رمضان المبارك.
وممّا يُذكَّر به هُنا أنّ الشّيخ عبد السلام -رحمه الله-؛ وهو من أبناء بلاد الحرميْن قد أخذ عن جلِّ من كان بها من العلماء، أو حضر عندهم، واستمع إلى دروسهم، ومنهم سماحة الشّيخ العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله آل الشّيخ -حفظه الله-، مفتي عام المملكة العربية السعوديّة -حرسها الله-، وكان هو المُشرف على رسالة الشّيخ عبد السلام -رحمه الله- لنيل درجة الدكتوراه، وقد كان الشّيخ عبد السلام -رحمه الله- هو القارئ في الحلقات العلميّة التي يعقدها سماحة الشيخ بالرياض.
واستفاد كذلك من الشّيخ العلاّمة المُعمّر عبد العزيز بن مرشد -رحمه الله-، ومن الشّيخ العلاّمة صالح بن الفوزان آل الفوزان -حفظه الله-؛ عضواللّجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء وهيئة كبار العلماء، وقد قدّم لرسالته ’’إيقاف النبيل على حكم التمثيل‘‘.
وكذلك من الشّيخ العلاّمة المُحدِّث ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله وعافاه-، وقد قدّم لرسالته السابقة أيضا.
(05) عقيدته ومنهجه :
((لقد نَهجَ المُترجَم لهُ في العقيدةِ منهجَ السّلفِ الصالحِ، واقتفى آثارهم، وترسّم خُطاهم، وذلك بتلقِّي العقيدة وأخذِها من منبعها الأصيل كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم السّلف الصالح، لا بالأهواءِ والتشهي، والبدعِ والظنونِ الفاسدةِ. ومَن تأمّل كُتبه وسَبَرها عرف شدّة عِنايتهِ بهذه العقيدة، وحِرصه على نشرها وتصدِّيه لمُخالفيها)) ’’إتحاف النبلاء‘‘(1/54).
فلا ريبَ أنْ يكون الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- سلفيّ العقيدةِ والمنهجِ، ولا أدلّ على هذا من مصنّفاته، ودُروسِهِ في العقيدة؛ التي سارت بها الرُّكبان؛ وانتفعَ بها الفِئام من النّاس، وكيف لا يكون كذلك؟؛ وهو قد منّ الله عليه بأخذِ العلم عن أئمّة أهل السنّة والجماعة في هذا العصر؛ من الذين أَفنَوا أعمارهم في نَشر دعوة التّوحيد، والعقيدة السلفيّة، والتي هي العقيدة الرسميّة للمملكة العربيّة السعوديّة -حرسها الله-؛ كما كان يكرّر ذلك سماحة الإمام ابن باز -رحمه الله-.
وعلى هذا كان الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- من الدُّعاة إلى العقيدة السلفيّة على بصيرة؛ سواء بإلقاء المحاضرات والدُّروس، أو بتأليف المؤلّفات في مسائل عقديّة مختلفة، وأيضاً من خلال عنايته بتحقيق كتب أئمة الدعوة النجديّة في العقيدة، ومن يراجع آثار الشيخ -رحمه الله- يجد هذا ماثلاً أمام عيْنيْه، ولله الحمد والمنّة.
وقد وَجدتُ لهَ -رحمه الله- كلمةً نفيسةً رائعةً؛ ومع كونِها موجزةً فهي جامعةً مانعةً؛ في الحثِّ على الالتزام بالمنهج السلفيِّ، حيث قال في مقدّمة تحقيقه لرسالة ’’التحفة المدنيّة في العقيدة السلفيّة‘‘ للشّيخ العلاّمة حمد بن معمّر -رحمه الله- (ص6-7): "وإن كان من شيءٍ أحبُّ إيصالَهُ إلى قرَّاء هذه السلسلةِ [يَقصُد -رحمه الله- "سلسلة رسائل وكتب علماء نجد الأعلام"]؛ فإنّما هو الوصيّة بهذا المنهج السّليم، الذي رسَمهُ الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وسار عليه علماء الدّعوة، فإنّه منهجٌ سلفيٌّ خالصٌ، لم تُدنّسه البدعة، ولم يُلوثّه التعصّب، ولم تُمازجه أغراضٌ دنيويّة. فهو في باب الأسماء والصفات كاملٌ، قد استمدّ كماله من الكتاب والسنّة. وهو في باب الإلهيّة كاملٌ، كذلك. وهو في باب البيعة، والسمع والطاعة لولاة الأمر أبراراً كانوا أو فجاراً؛ كاملٌ استمدّ كماله: من الكتاب والسنة والنزاهة من الأغراضِ والأطماع الماديةّ، والتجرّد من العواطف الكاذبة، التي لا تُوافق كتاباً ولا سنةً. وهو في باب الفقهيّات، يدعو إلى التحرّر من قُيود التعصّب المقيت، والأخذ بالدّليل الشرعيّ، وإن خالفَه من خالفه من الكبار. ويكفي فخراً لهذا المنهج: شهادةُ المنصفين من المسلمين والكافرين؛ له بإحياءِ هذه الأمّة بعد موتها، وإعادة سيادتها بعد خفائها. لقد أقام هذا المنهج دولة إسلاميّة في بِضع سنواتٍ، لا لقوةٍ عسكريّةٍ، ولا لتحزباتٍ سريّةٍ؛ وإنّما لصفاءِ المعتقدِ، وصدقِ المقصدِ، ووضوحِ المنهجِ. لذا فإنّي أدعو شبابنا الصالح إلى الالتزام بهذا المنهج السلفيّ، المبني على الإتّباع الكامل، القائمِ على تصحيح العقائد، وحثّ النّاس على العمل بالشريعة الإسلاميّة. وليحذروا كلّ الحذر من مَغبّة هذه الدعواتِ الوافدةِ، التي تقوم على (الفقه السياسيّ) و(العاطفة) المكذوبة، وما إلى ذلك من المخالفات للسّلف في المعتقد، والمنهج...
حمانا الله وإياكم من هذه التحزّبات السريّة، والمناهج البدعيّة، والله الموفّق، والهادي إلى سواء الصراط.
كتبه / عبد السّلام بن برجس آل عبد الكريم؛ 25/10/1412هـ) انتهى

(06) مناصبه وأعماله التي زاولها:
1- عُيِّن مدرساً في المعهد العلمي بالقويعيّة (170كم غرب الرياض)، وهذا بعد تخرُّجهِ من كليّة الشريعة عام 1410هـ.
2- عُيِّن قاضياً بوزارة العدل، ولكنّه طلب الإعفاء؛ فما أُعفي إلاّ بعد جهدٍ جهيدٍ، وكان هذا من وَرعه -رحمه الله-، وممّا هو معلومٌ أنّ بعض العلماء قد يتورّع من القضاء، كما كان بعض السّلف، وكما كان الشّيخ الفقيه محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-، لكن في المقابل نجد ثُلّة من العلماء يتقلّدون مناصبَ القضاء، وهذا من فِقههم؛ خاصةً في هذا الزمان، ولا يخفى عليكم فضيلةَ القاضي العادلِ في الشّرع، والمهمّ أن لكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها.
3- ثمّ رُشِّح في ديوان المظالِم بمدينة جُدَّة، فلمْ يمكُث فيه إلاّ أسبوعاً واحداً؛ فتَركه رغبةً في السّلامة -رحمه الله-.
4- ثمّ عاد مُحاضراً في المعهد العالي للقضاء بالرياض.
5- ثم عُيِّن أستاذاً مساعداً؛ بعد نَيلِه لدرجة الدكتوراه، ولمْ يَزلْ في منصبِهِ حتّى وافتهُ المنيّة -رحمه الله- وجعل كلَّ ما قدّمه في ميزان حسناتهِ يوم القيامة.
6- وهذا إلى جانب إلقاء الدّروس والمحاضرات؛ في الدّورات والندوات العلميّة، والخطابة بمسجد في حيّ العليا بالرياض -حرسها الله-.

(07) تلاميذه -رحمه الله-:
ممّا سبق ذكرُه من قبل؛ أنّ الشّيخ -رحمه الله- كان يعمل مدرِّساً بالمعهد العلميّ بالقويعيّة، ثمّ عَملَ مُحاضراً بالمعهد العالي للقضاء بالرياض؛ فمِن خلال هذه المهامِّ التعليميّة، لا شكّ أنّ التّلاميذ والطلاّب الذين أخذوا عنه العلم كُثُرٌ، ولله الحمد، وكذا من خلال تدريسهِ لبعض المتونِ خلال الدوراتِ العلميّة التي شارك فيها -رحمه الله- في داخل الدِّيار السعوديّة وفي خارجها، وهُم -تحقيقاً- قد استفادوا من الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- أيّما استفادة، فالشّيخ -رحمه الله-، كما لمسته من خلال سماعي لبعض محاضراته المسجلّة، مرتّب ومنهجيّ في إلقاء المادة العلميّة على المستمعين، وهذا كما هو معلومٌ من أَنفعِ ما يكون في طُرق التعليم؛ لأنّها ممّا يُساعد طالب العلم على فهم المادة المُلقاة، واستيعابها بطريقةٍ مرتّبةٍ، ومن ثَمَّ استحضارها بكلّ سهولةٍ ويُسرٍ.
وأنقل لكم -هنا- شهادةً حيّةً لواحدٍ ممّن أخذ عن الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- العلمَ في إحدى دوراته العلميّة؛ وهو الأخ أبو حفص محمد إقبال بن يوسف حابو -وفقه المولى-، حيث قال: "بحمد الله وفضله..شرّفني الله أنِّي كُنت أحد التلاميذ الذين حضروا الدورة العلميّة التي أقامها فضيلة الشّيخ أبو عبد الرحمن عبد السّلام بن برجس آل عبد الكريم -تغمّده الله برحمته-، وذلك عندما زارنا هنا -في أوروبا الشرقيّة- ودرست حينها على يديه كتابه ’’المعتقد الصحيح‘‘ وبقيت ملازماً له طوال فترة وجوده معنا، وسألته عشرات الأسئلة في مختلف الفنون..والنتيجة:لم نسمع ولم نرى من الشيخ إلاّ ما هو خيرٌ، وما عليه علماؤنا السلفيّون..الذي نحسب أن شيخنا البرجس -رحمه الله- هو من أفاضلهم بل ومن أشدّهم حرصاً وتمسّكاً...ومؤلّفاته خيرُ دليلٍ على ذلك. هذا والله أعلم. تغمّده الله برحمته، وأدخله فسيخ جنّاته، وصبّر أهله وذَويه، وإخوانه ومحبِّيه على مرارةِ فقدهِ" (نقلا عن ’’شبكة سحاب السلفيّة‘‘ بتاريخ 11/04/2004م).

(08) أخلاقه -رحمه الله-:
ممّا لا يختلف فيه كلّ من وفّقه الله للاستماع إلى فضيلة الشّيخ -رحمه الله-؛ عبر دروسه ومحاضراته المسجلّة، وكذا من رآه في مجالس الفتوى التي سجّلها لبعض القنوات الفضائيّة، أنّه من السّهل لمس الخُلق النّبيل، والأدب الرَّفيع الذي كان عليه الشّيخ -رحمه الله-، فكيف بمن عرفه وجالسه عن قُرب، وهذا الخُلق الحَسن ما هو إلاّ ثمرة من ثمرات العلم النّافع؛ الذي يظهر أثرُه على طلاّب العلم؛ ممّن وفّقهم الله -جلّ وعلا- لأن يُلحقوا به العمل الصّالح، نحسب الشّيخ ابن برجس -رحمه الله-كذلك ولا نزكّيه على الله.
وقد وَصفه الأخ هاني الحارثي -وقد لازمه مدّة- بقولِه: "ولقد كان -رحمه الله- غايةً في الأدب، متواضعاً، معروفاً بوداعتِه، وأُنسِه، وبشاشتِه مع والديْه، وشُيوخهِ، وأهلِ بيتهِ، ومُجالسيه، والقريب والبعيد، من يَعرف ومن لا يَعرف، وكلّ من خالطه يَعرف عنه ذلك، لذلك كَثُر من تأثّر بوفاته وحَزن، نسأل الله أن يجمعنا به في دار كرامته".
(9) مؤلّفاته وتحقيقاته ومقالاته ومحاضراته المسجلّة:
الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- صاحب قلمٍ سيّالٍ، وعباراتٍ رشيقةٍ، واختياراتٍ للمواضيع دقيقةٍ، فمؤلّفاتُه لَقيَت من القبولٍ أحسنَه، ومن الرّواج أكبرَه؛ فتنافس عليها طلاّب العلم، فضلاً عن العوامّ، فأغلبُ المواضيع التي ألَّف فيها ممّا يُحتاج إليه، وبعضها ممّا لم يُسبق إليه، فإن كان الموضوع قد أَلَّف فيه من قبلَه؛ جاء كتابه بأسلوبٍ جديدٍ، وفوائدَ زوائدَ، فلا تخلوا كتبهُ وتحقيقاتهُ من فائدةٍ بل فوائد، فجزاه الله خيرا على مقدَّم، وجعله في ميزان حسناته؛ آمين.
وأمّا محاضراتُه ودروسُه المسجلّة؛ فأنصح طلاّب العلم بالاستماع إليها، وبعد ذلك تُعرف قِيمتها وفائدتها، والله الموفّق.
(أ) المؤلّفات:
1- ’’القول المُبين في حكم الاستهزاء بالمؤمنين‘‘، مطبوعٌ في كُتيِّبٍ لطيفٍ، وهو في الأصل محاضرةٌ ألقاها الشّيخ -رحمه الله-، كما ذكر ذلك في المقدّمة.
2- ’’إيقاف النّبيل على حكم التّمثيل‘‘، مطبوعٌ؛ وكان قد كتب أصله في (10/10/1403هـ)، وبعثه إلى شيخه الشّيخ العلاّمة عبد الله بن محمد الدّويش -رحمه الله-؛ فقرأه وأمره بطباعته في تلك السّنة، وكان عمر الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- آنذاك 16 عاماً؛ فالله المستعان على دُنو هِممِنا في هذا الزّمان، وقد كتب مقدّمة الطّبعة الأولى في (19/10/1410هـ)، ومقدّمة الطّبعة الثّانية في (7/9/ 1412هـ)، وقدّم للكتاب كلٌّ من الشّيخ العلاّمة الدّكتور صالح الفوزان والشّيخ العلاّمة الدّكتور ربيع بن هادي المدخلي -حفظهما الله تعالى-.
3- ’’التّمني‘‘، -ط-.
4- ’’عوائقُ الطّلب‘‘، -ط-، وقد كتب المقدّمة في (25رجب1412هـ)، والكتاب في أصله مقالة نشرَها في مجلّة "المجاهد" عام (1409هـ).
5- ’’الإعلام ببعض أحكام السّلام‘‘، -ط- في كتيِّبٍ لطيفٍ.
6- ’’الحُجَج القويّة على أنّ وسائل الدّعوة توقيفيّة‘‘، -ط-.
7- ’’ضرورة الاهتمام بالسّنن النبويّة‘‘، -ط-.
8- ’’مُعاملة الحُكّام في ضوء الكِتاب والسّنّة‘‘، -ط- عدّة طبعاتٍ، وقد كَتب مقدّمته في (2/2/1414هـ)، وهو في أصله محاضرة للشّيخ -رحمه الله-بعنوان ’’السّلفيّون والولاة‘‘، وهذا الكتاب هو أول كتاب قرأته للشّيخ -رحمه الله-مُنذ بضعِ سنواتٍ، ومنه عرفته وعرفت منهجه -ولله الحمد-؛ وقد كانت استفادتي منه أكبر استفادةٍ، لما لموضوعه من الفائدةِ الكبيرةِ، خاصّةً في الجزائر؛ التي كانت في أوج فِتنة الخوارج -عصمنا الله وسائر بلاد المسلمين منها-، فجزاه عنِّي الله خير الجزاء.
9- ’’عقيدة أهل الإسلام فيما يجب للإمام‘‘، -ط-؛ وقد اختصره من الكتاب السّابق لتقريب نفعه للنّاس، فجزاه الله خيرا.
10- ’’الصّفحات النّاضرة في الأبيات الحاصرة‘‘، -ط-، قال في مقدّمته (ص7): "فهذا الكتاب ثمرةٌ من ثمرات تقييد شوارد العلم، وحبس نادِّه بسهام الأقلام. فقد كنتُ أقرأ بعض مطولاّت الأدب، ودواوين الشّعراء، وغيرها، فتمرُّ بي أبياتٌ من الشِّعر حاصرةٌ. والمقصود بالحاصرة: ما جَمعتْ محصوراً بعددٍ ملفوظِ -كثلاثة وستة- أو مفهومٍ من السّياق."، وكانت الطّبعة الأولى عام (1412هـ/1991م) في (320ص)، ولا أدري إنْ كان هو نفسه الآتي؛ فالله اعلم.
11- ’’الأبيات الأدبيّة الحاصرة‘‘، -ط-.
12- ’’الأبيات العلميّة الحاصرة‘‘، -خ-؛ ذكره في مقدّمة الكتاب السّابق ولم يُتمّه.
13- ’’المُعتقد الصّحيح الواجبِ على كلِّ مسلمٍ اعتقادُه‘‘، -ط-، وهو في أصله محاضرةٌ للشّيخ -رحمه الله- بتعليق سماحة شيخ الإسلام عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، وقد درَّسه الشّيخ -رحمه الله- في إحدى الدّورات العلميّة بأوروبا الشرقيّة، ولو تدارسه الإخوة فيما بينهم، أو درّسه الأئمّة في مساجدهم؛ لكان في ذلك أكبر النّفع والفائدة.
14- ’’إبطال نسبة الدّيوان المنسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيميّة‘‘، -ط-.
15- ’’مجموع شعر شيخ الإسلام ابن تيميّة‘‘، -ط- بذيل الكتاب السّابق.
16- ’’الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم والتّحذير من مفارقتهم‘‘، -ط-، وقد كتب مقدّمته في (4/4/1418هـ)، وهو نفيسٌ جداًّ في بابه.
17- ’’بيان المشروع والممنوع من التوسّل‘‘، -ط-.
18- ’’التّوثيق بالعقود في الفقه الإسلاميّ‘‘، -خ-؛ وهو بحثٌ تكميليّ لدرجة الماجستير.
19- ’’الأحاديث النبويّة في ذمِّ العنصريّة الجاهليّة‘‘، -ط-.
20- ’’قطعُ المراء في حكم الدّخول على الأمراء‘‘، -ط-.
21- ’’الخيانة: ذمّها وذكر أحكامِها‘‘، تحت الطّبع.
22- ’’مشروعيّة هِبة الثّواب‘‘، تحت الطّبع.
23- ’’مجموع المحاضرات في الدّعوة والدّعاة‘‘، تحت الطّبع؛ وهو قُرابَة 13 محاضرة ألقاها الشّيخ -رحمه الله-؛ قام بتفريغها الأخ هاني الحارثيّ والأخ منصور بن المبارك السفريّ -وفّقهما المولى-، وجزاهما الله خيراً، وقام بعد ذلك الشّيخ بمراجعتها وتهذيبها.
24- ’’شرح المحرّر في الحديث لابن عبد الهادي (ت744هـ)‘‘، -خ- لم يتمّ؛ قال الأخ هاني الحارثيّ: "وكانت له عنايةٌ بهذا الكتاب محباًّ له وراغباً في إتمامه...انتهى من كتاب الطّهارة وغالب كتاب الصّلاة".
25- ’’جهود أئمّة الإسلام في نشر العقيدة الإسلاميّة أوتدوين العقيدة السلفيّة‘‘، -خ-، أتمّ الشّيخ -رحمه الله- الجزء الأول منه؛ وهو يشمل الفترة الزمنيّة ما بين القرن الأول ونهاية القرن السّابع، وهوتحت الطّبع.
26- ’’صحيح الفقه‘‘، -خ-.
27- ’’تراجم لبعض العلماء‘‘، -خ-.
28- ’’بيان مشروعيّة الدّعاء على الكافرين بالعموم‘‘، -ط-.
29- ’’ضرب الرجل امرأته بين قصد الشّرع وواقع النّاس‘‘.
30- ’’الردّ على عبد العزيز العسكر والذّبُّ عن الإمام الألبانيّ‘‘، -خ-، ذكر الأخ عبد الله الرشيديّ -وفّقه المولى- أنّ له صورة منه.
(ب) التّحقيقات:
كما يعلم كثيرٌ من طلاّب العلم أنّ الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- كانت له عنايةٌ كبيرةٌ بكتب ومؤلّفات أئمّة الدّعوة النجديّة؛ تحقيقاً ونشراً، وقد كان له الفضل -بعد فضل الله جلّ وعلا- في طبع ’’مجموعة الرّسائل والمسائل النجديّة‘‘ في عام (1412هـ)، والتي كانت طبعت في عام (1346هـ).
والنّاظر في تحقيقات الشّيخ -رحمه الله- يجدها تمتاز بجودة التّحقيق؛ المتمثِّل في إخراج نصِّ الكتاب في أقرب صورةٍ أرادها مؤلِّفُه، فهو لا يُثقل الكتاب بالحواشي، ولا بكثرة النُقولاتِ، بل يُعلِّق تعليقاتٍ يسيرةٍ وبليغةٍ، في المواضعَ التي تحتاج إلى تعليقٍ؛ من بيان اختلاف النّسخ والتّرجيح بينها، كما هو معروفٌ في منهج تحقيق الكتب، ومن تخريجٍ مُختصرٍ لبعض الأحاديثِ، ومن إحالاتٍ لبعض المراجع إن لزِم ذلك.
فمن تحقيقاته المطبوعة:
1- ’’دحض شبهات على التّوحيد من سُوء الفَهم لثلاثة أحاديث‘‘ للشّيخ عبد الله أبا بطين -رحمه الله- (ت1282هـ).
2- ’’الفواكه العِذاب في الردِّ على من لم يُحكِّم السنّة والكتاب‘‘ للشّيخ حمد بن ناصر آل مُعمّر -رحمه الله- (ت1225هـ).
3- ’’النُّبذة الشَّريفة النّفيسة في الردِّ على القُبوريِّين‘‘ للشيخ حمد بن ناصر آل مُعمّر -رحمه الله- (ت1225هـ).
4- ’’الضّياء الشّارق في الردّ على شبهات الماذِق المارِق‘‘ للشّيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- (ت1349هـ).
5- ’’سؤالٌ وجوابٌ في أهمِّ المُهمّات‘‘ للشّيخ عبد الرّحمن بن سعدي -رحمه الله-(ت1376هـ).
6- ’’تُحفة الطَّالب والجليس في الردِّ على ابن جرجيس‘‘ للشّيخ عبد اللطيف آل الشّيخ -رحمه الله- (ت1293هـ).
7- ’’الصّواعق المُرسلَة الشِّهابيّة على الشُّبهة الدَّاحضة الشّاميّة‘‘ للشّيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- (ت1349هـ).
8- ’’الردُّ على شبهات المُستعينين بغير الله‘‘ للشّيخ أحمد بن عيسى -رحمه الله- (ت1329هـ).
9- ’’كشف الشّبهتين‘‘ للشّيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- (ت1349هـ).
10- ’’إقامة الحُجَّة والدّليل وإيضاح المحَجَّة والسَّبيل‘‘ للشّيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- (ت1349هـ).
11- ’’شِفاء الصُّدور في الردِّ على الجواب المشكُور‘‘ للشّيخ محمد بن إبراهيم آل الشّيخ -رحمه الله- (ت1389هـ).
12- ’’ردّ على جريدة القِبلة‘‘ للشّيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- (ت1349هـ).
13- ’’التُّحفة المدنيّة في العقيدة السّلفيّة‘‘ للشّيخ حمد بن ناصر آل مُعمّر -رحمه الله- (ت1225هـ).
14- ’’أصولٌ وضوابطَ في التّكفير‘‘ للشّيخ عبد اللطيف آل الشّيخ -رحمه الله-.
15- ’’نصيحةٌ مُهمّة في ثلاث قضايا‘‘ لمجموعةٍ من علماء الدّعوة؛ وهم: الشّيخ سعد بن حمد بن عتيق (ت1349هـ)، والشّيخ محمد بن إبراهيم آل الشّيخ (ت1389هـ)، والشّيخ عمر بن محمد بن سليم (ت1362هـ)، والشّيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشّيخ (ت1367هـ)، والشّيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقريّ (ت1373هـ).
16- ’’مِنهاج أهل الحقِّ والإتِّباع في مُخالفة أهل الجهل والابتِداع‘‘ للشّيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- (ت1349هـ).
17- ’’الرّسائل الحِسان في نصائح الإخوان‘‘ للشّيخ العلاّمة عبد الله بن حميد -رحمه الله- (ت1402هـ).
18- ’’التّأسيس والتّقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس‘‘ للشّيخ عبد الله أبا بطين -رحمه الله-.
19- ’’نصيحةٌ في التّحذير من المدارس الأجنبيّة‘‘ للشّيخ عبد الرحمن السّعدي -رحمه الله- (ت1376هـ).
20- ’’الجهر بالذِّكر بعد السّلام‘‘ للشّيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- (ت1349هـ).
21- ’’تنبيهُ ذوي الألبابِ السّليمة عن الوقوع في الألفاظ المُبتدعَة الوخيمة‘‘ أو ’’تَبرئة الشّيخيْن الإماميْن من تزوير أهل الكذِب والمَيْن‘‘ للشّيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- (ت1349هـ).
22- ’’مُناصحة الإمام وهبَ بن مُنبِّه لرجلٍ تأثَّر بمذهب الخوارج‘‘.
23- ’’الفوائدُ المُنتخبات في شرح أخصرِ المُختصرات‘‘ لابن جامع النّجدي -رحمه الله- (ت1240هـ)، -خ-؛ وقد حقّقه -بالاشتراك- لنيل درجة الدكتوراه في الفقه المقارن، بإشراف سماحة المفتي العام الشّيخ عبد العزيز آل الشّيخ -حفظه الله وأمد في عمره على طاعته-، وكان عمل الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- من أول الكتاب إلى آخر باب الهبة.
قال الأخ هاني الحارثي -وفّقه الله-: "وهناك كُتبٌ أخرى قام الشّيخ -رحمه الله- بتحقيقها ولكنّها لم تُطبع. ولقد كان الشّيخ عبد السّلام حريصاً على نشر الكتب العلميّة عُموماً، وكتب علماء الدّعوة خُصوصاً، وكان ربّما صور المخطوطات أو سعى في تحصيلِها لِمن يقوم بتحقيقها، وقد أحصيت أكثر من ثلاثين -ما بين كتابٍ ورسالةٍ- يذكر مُحقّقوها أنّهم استفادوا بعض النّسخ في تحقيقهم من مكتبة الشّيخ -رحمه الله-، أو أنّه سعى لهم في تحصيلها."
(ج) المقالات:
وهذا بابٌ يصعب عليَّ تتبُّعه؛ لأنّني لستُ ممّن يُتابعون الجرائدَ والمجلاّت السعوديّة، لا زهداً فيها؛ ولكنّها لا تصل إلى الجزائر، وإنْ وصل منها شيءٌ فلا يصل بانتظامٍ، والحمد لله على كلّ حالٍ.
والمقالات متعدّدة ولا ريْب، ولو جُمعت في كتابٍ لكان في ذلك أكبر الإفادة لطلاّب العلم، فممّا وقفتُ عليه –أو ممّا وقفتُ على إشارةٍ إليه-:
1- ’’مقالٌ عن عوائق طلب العلم‘‘، نُشر في مجلّة ’’المجاهد‘‘عام 1409هـ؛ كما في رسالة ’’عوائق الطّلب‘‘(ص5-ط.مكتبة الرّشد بالرياض).
2- ’’الأمن مُهمّة من؟!!‘‘ نُشر في مجلّة ’’السّلفيّة‘‘ (العدد السّادس – عام 1420 هـ).
3- ’’الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب يُحاربهم..فكيف يُنسب إلى مُعتقداتهم؟‘‘، وهو مقالٌ منهجيٌّ رائع ، وقد نشره بعض الإخوة على’’ شبكة سحاب السّلفيّة‘‘.
(د) الدّروس والمحاضرات المُسجلّة:
وهي كثيرةٌ ومُتنوعة ولله الحمد، يَظهر من خلالها تمكُّن الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- من العلوم الشرعيّة، وهي ما بين محاضراتٍ، وخُطبِ جُمعةٍ، ودروسٍ علميّةٍ، فمنها:
1- ’’أثر إقامة الحدود - خطر أذيّة المؤمنين‘‘.
2- ’’أسباب فساد القلوب - فضل البنات‘‘.
3- ’’أسباب محبّة الله للعبد‘‘.
4- ’’اتّقوا الله‘‘.
5- ’’احترام العلماء ومكانتهم في الدِّين‘‘.
6- ’’الاستعداد لعامٍ جديدٍ‘‘.
7- ’’الافتراء على المؤمنين - اليَمين الغموس - وجوب محبّة الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)‘‘.
8- ’’التوسّل: أنواعه وأحكامه‘‘.
9- ’’الحكم بغير ما أنزل الله‘‘.
10- ’’الخشوع في الصّلاة‘‘.
11- ’’السّلفيّون والولاة‘‘.
12- ’’الصّبر - الخشوع في الصَّلاة - إفشاء السّلام - من أحكام الحجّ‘‘.
13- ’’الموردُ الصباب في المحرَّم من الثِّياب - تبصير الأولياء بفضل الدّعاء‘‘.
14- ’’النِّكاح‘‘.
15- ’’تذكير الرِّجال بفتنة الدّجّال - شَذى الورود فيما يُسنُّ فعله للمولود‘‘.
16- ’’تصنيف النّاس‘‘.
17- ’’جرح الجرح والتّعديل‘‘.
18- ’’حاجتنا إلى العمل‘‘.
19- ’’حُسن الخُلق - المسح على الخفَّين - إلى الشّباب - نِعمة الأمن والاستقرار - القول على الله بغير علمٍ - فضل شهر رمضان‘‘.
20- ’’خطر أذيّة المؤمنين - حُرمة القول على الله بغير علم‘‘.
21- ’’ذمّ الإرجاء والتّحذير من المرجئة‘‘.
22- ’’شروط الصّلاة - أحكام الطّلاق - فضل قراءة القرآن - حقوق الجار‘‘.
23- ’’عقيدة أهل السنّة والجماعة‘‘؛ بتعليق سماحة الإمام ابن باز -رحمه الله-.
24- ’’فضل أصحاب النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) - قِصَّة الثّلاثة نَفَرٍ- غنائمُ الشّتاء - التّفجير‘‘.
25- ’’فضل عشر ذي الحِجّة - أحكام العيد - وجوب السّمع والطّاعة والتّحذير من مفارقة الجماعة - تحذير المسلمين من الغُلو في الدِّين‘‘.
26- ’’من هم العلماء؟‘‘.
27- ’’نصائح وتوجيهات لشباب الدّعوة السلفيّة‘‘.
28- ’’نظراتٌ في سيرة أئمَّة الدّعوة‘‘.
29- ’’نِعمة الأمن‘‘.
30- ’’هُمُ العدو فاحذرهم‘‘.
31- ’’وداع عامٍ واستقبال عامٍ‘‘.
32- ’’أصول الدّعوة السَّلفيّة‘‘.
33- ’’أثر الأمر بالمعروف والنّهيّ عن المنكر‘‘.
34- ’’فِتنة المسيح الدّجّال‘‘.
35- ’’هل الكُفر بالتّكذيب فقط؟ - السّلفيّون والمذاهب‘‘.
36- ’’منهج أهل السُّنَّة في الردِّ على أهل البدع‘‘.
37- ’’الأمرُ بلزوم الجماعة‘‘.
38- ’’حتى لا تستعمِرنا الحِزبيّة‘‘.
39- ’’حاجة الأمّة لأهل العلم‘‘.
40- ’’نظرةٌ شرعيّة لتنظيم القاعدة‘‘؛ وهي محاضرةٌ ألقاها في أحد مساجد الكويت، كما أفاد بذلك الأخ عبد الله الرشيدي -زاده الله توفيقاً-.
هذا ما وقفت عليه في فهرس تسجيلات ابن رجب بالمدينة مع بعض الزِّيادات، وأشرطة الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- مُتوفِّرةٌ في جميع التّسجيلات السّلفيّة كما هو معلومٌ.
ودروس الشّيخ -رحمه الله- كثيرةٌ؛ لا تَنحصر فيما ذُكر هنا؛ مثل شرحه لأبوابٍ من ’’بلوغ المرام‘‘، وشرحه لرسالته ’’المُعتقد الصّحيح‘‘، وغير هذا مما سُجِّل -أولم يُسجَّل- في دوراتٍ علميّة عدّة، داخلَ المملَكة وخارجَها.

(10) الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- شاعراً:
قال الأخ هاني الحارثي -وفّقه الله-: "والشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- شاعرٌ مُجيدٌ، قصائده في الذُّروة، وفي غايةٍ من الرِّقة، وله مساجلاتٌ شِعريّة، وشعره يدلُّ على فِطريّة هذه المَوهِبة، وأنّه لم يَكنْ يتكلَّف كتابته، وكان شعرُه في أسماره، ومحدوداً بأصدقائه وأحبابِه، لوقُدِّر أن تُجمع لجاءت في مُجلّدٍ لطيفٍ -يسّر الله لها من يجمعها-".
وهنا قد يتساءل القارىء الكريم؛ كيف لمثل الشّيخ -رحمه الله- أن يجمع بين ضُلوعه في علوم الشّرع، وقوله الشِّعر والإجادة فيه؟!!، والشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- لم يكن بدعاً في هذا عمّن سبقه من العلماء؛ ممّن جمع بين التبحّر في العلم الشّرعيّ، وبين ارتجال الشِّعر، وما أمر الشّيخ العلاّمة عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- عنّا ببعيد، ثمّ إنّ الشّيخ -رحمه الله-لم ينصرف إلى الشِّعر والأدب انصرافاً تاماًّ، بل كان جُلّ اهتمامه بالعلم، وبتأصيل المسائل الشرعيّة، وما كان الشّعر له إلاّ في منزلة المُلَح، الّتي يُحمض بها بين الفَيْنة والأخرى؛ الشُّداة من طلبة العلم. فالعلم منه عُقدٌ ومنه مُلحٌ؛ فمن استفرغ جهده ووقته في عُقد العلم، فما يَلبث أن يَنقطع عن الطّلب؛ ويكون كالمُنبتِّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وطريقة أهل العلم -من قديم- أن يجعلوا جُلَّ اهتمامهم وجُهدهم في تحصيل العُقد، وأمّا المُلح فهي عندهم وسيلةٌ لإجمام للنّفس؛ ترويحاً عنها، وتنشيطاً لها في طلب العلم، وطالب العلم لا يَثبت في طلبه حتى يُجِمَّ نفسَه بمُلحٍ من الشِّعر والأدب، وهذا بعد تركيز أكبر الجُهد، وجُلَّ الوقت في تحصيل العُقد من العلم الشّرعيّ، والميزان في هذا؛ طريقة السّلف الصّالح في طلبهم للعلم، والله أعلم.
والناظر في مؤلفات الشيخ عبد السلام -رحمه الله- يجد بعض الاهتمام بالشعر، وبشعر العلماء خاصة، من ذلكم:
1- ’’الصّفحات النّاضرة في الأبيات الحاصرة‘‘.
2- ’’الأبيات الأدبيّة الحاصرة‘‘.
3- ’’الأبيات العلميّة الحاصرة‘‘.
4- ’’إبطال نسبة الدِّيوان المنسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيميّة‘‘.
5- ’’مجموع شعر شيخ الإسلام ابن تيميّة‘‘.
وحتّى نقترب أكثر من صورة الشّيخ -رحمه الله- شاعراً، أنقل ما وجدته من مقطوعاتٍ شعريّةٍ رائقةٍ، وأبياتٍ أدبيَّة فائقةٍ، وهي -في الحقيقة- تَعكسُ نفسيّة حُبِّ العلم الشّرعيّ، والجدِّ والاجتهاد فيه لدى الشّيخ -رحمه الله-، والشّعر الصادق هو الّذي يُصور ما في النّفس من مشاعرَ وأحاسيسَ، والشَّاعر المُجيد هو الّذي يُعبِّر بصدقٍ عمّا يدور في نفسه من عواطفَ وأفكارٍ، وإلاّ كان مُجرَّد رَصٍّ للكلمات على وفق الأوزان الشِّعريّة، بعيداً كلّ البُعد عن اللُّغة الشّاعريّة، فإذا كان شاعرنا من طلبة العلم الشّادِّين، ومن الفقهاء المُبرِّزين؛ فلا غَرو أن يكون شعره قريباً كلَّ القُرب من العلم والعلماء، وكما قيل: "كلُّ إناءٍ بما فيه ينضح".
فممّا قال الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- شعراً:
(أ) حُبُّ مجالسَ العلم:
إليكمْ يَرفَعُ المَأْسُورُ شكوى * رجاءَ المَنِّ أو أَخذِ الفِداءِ
فقد غَلَّتْ مَباسِمُكُمْ يَدَيْه * إلى الأذْقَانِ مِنْ بَعدِ العَلاءِ
وقد أضحى صريعاً في هواكم * قَعِيدَ البَيتِ من حَرِّ التنائي
بَرَاهُ الشَّوقُ والهِجرانُ مِنكُم * وأَدمَى قَلْبَهُ طُولُ العَنَاءِ
فَسَلِّ القَلبَ عنهم في رياضٍ * تُحِلُّ العَبدَ أطْباقَ السَّماءِ
وتَسْمُو بالوضِيع إلى المَعَالي * وتكسُوالعُرْيَ أثوابَ السَّناءِ
وتَبْني للفتى ذكراً مشيداً * وتحيي رَسمَهُ طُولَ البَقاءِ
رياضٌ بالمعارف قد تَبَاهَتْ * وفاق جَمَالُها جِيدَ الظِّباءِ
إذا ما حَلَّها العُشَّاقُ يَوماً * تولى عنهم عِشْقُ النِّساءِ
وقد كانوا قديماً في قُيودٍ * يَذِلُّ لفَكِّها شُوسُ الدَّهَاءِ
تَحَلَّتْ بالشُّيُوخِ إذا تَبَدَّوا * أناروا الكَونَ من شَرَفِ الضِّياءِ
شُيوخٌ بالمعارفِ قد تَغَذَّوا * وسِيطَ الحِلمُ في مجْرى الدِّماءِ
لهم في العلمِ صَولاتٌ وسَبْقٌ * وفي الأفعالِ جِدٌّ في خَفَاءِ
وفيها الطَّالبونَ إذا غَشَوها * أثاروا المِسْكَ من حُسنِ البَهاءِ
تراهم نَحوها يَسْعَونَ جَهْداً * رجاءَ المَنِّ أوأَخْذِ الفِدَاءِ.
نقلاً عن ’’عوائق الطَّلب‘‘(ص15-17).
(ب) حنينٌ لأيَّام الدِّراسة:
واهاً لأيَّام الدِّراسةِ إِنَّها * تَكسُو الفُؤَادَ سَعادَةً وتُنَفِّسُ
والمرءُ في زَمَنِ الصِّبَا مُتَوثِّبٌ * خيلاً تُغِيرُ على الخَيَالِ وتَنْهَسُ
حتّى إذا بَلَغَ المَدَى وتكشَّفَتْ * أَحلاَمُهُ عن سَوءةٍ لا تُحبَسُ
وجَدَ المَعِيشةَ صَعْبَةً لا تُقْتَنَى * بِالأُمْنِيَاتِ ولا الزَّمانُ يُؤَنِّسُ
فاخْتَرْ لنَفْسِكَ غيرَ أَودِيَةِ المُنَى * فالعَطْبُ في وادي المُنى يَتَرَأَّسُ
المصدر السَّابق (ص74).
(ج) قصيدةٌ في مدحِ الشَّيخ الفاضل مُحمَّد بن هادي المدخلي -حفظه الله ورعاه-:
أبا أنس لي إليك حنينُ * أنت الصفيُّ على الوفاء أمينُ
فيك المعالي يُستضاء بنورها * أخلاق صدقٍ كُلُّهنَّ يمينُ
ليثٌ وربِّي لا يَرُوم لقاءه * أحزاب سوءٍ من لهم ممنونُ؟
هو أهلها في كل سُنّي له * طوق الفضائل عدُّهن مِئينُ
أنسيت في "الحرب الخليج" مواقفاً * من بعضهن صخور نجد تلينُ
فلَّ الجموع وهدّ أركان الهوى * سيف الشريعة في يديه سخينُ
علمٌ وقوةُ منطقٍ وجراءةٍ * في الحقِّ والله العي معينُ
حُججٌ له رئي العِدا من دُونها * يتساقطون كؤوسها غِسلينُ
قالوا: الدُّعاة يسبُّ قلنا: هاتموا * حُججاً فأمَّا نقدهُ فمَتينُ
هل كان يوماً ردُّ أهل العلم يُد * عى سُبّةً لا والجنون فنونُ
أم كان نصرُ ولاتنا جُرماً فذا * قول الشقيّ وإنّه لخَؤونُ
نَصرُ الولاةِ إلى الإله مُحبَّبٌ * إِكرامُهم فضلٌ وما هودونُ
لهم الفضائل في الكتاب وسنَّةٍ * ولهم سيوف حدُّها مسنونُ
ظِلُّ الرَّحيم بأرضِه لعباده * حِصنٌ من الفِتن العِظام حَصينُ
إنَّا إذا جَهِلَ العَدوصِراطنا * (قومٌ بِحبِّ المُنعِمِينَ نَدينُ)
من كان يغمزهُ بصدقِ ولائه * فهو الغَويُّ ودينُه مطعونُ
زاحوا أزاحهم الإله بفضلهِ * عن ذي الفِرى وأتوا بما هوهونُ
قالوا: أُصيبَ بظهره وأصابه * سِحرٌ وذا نقمُ العزيز هتونُ
تعسوا فإن مُصابه وبَلاءه * قدرٌ شفاء الله منه قَمينُ
أو ما دَرَوا أن المصائب مِنْحَةً * للمؤمنين فأجرهم مَضمونُ
وأَشدُّهم صِدقاً يَنالُ من الأذى * أضعافَ ما يَلقى الضَّعيف الهونُ
وإذا المُوحِّدُ لم يُصَبْ يَنْتَابُهُ * شكٌّ أفيّ من النِّفاق دَفينُ؟
عجباً فهل في النَّاس مثلهموا يَرى * عَيْبَ الخلائِق بالمصائِب دينُ
لا والنَّصارى واليهود خلافُهم * والمشركون فأيْنَ أيْنَ الدِّينُ؟
رِقُّ التَّحزُّب لا يفارقهم ور * قُّ العُنصريّة للقطيع مهينُ
فانهض أبا أنس عليك مُهابةٌ * تطأُ الجبال ثوابكَ التَّمكينُ
فَلَكَمْ قَطَعْتَ مَفاوزاً أهوالهُا * تَزَعُ الفُؤادَ فللقَويّ أنينُ
أيدي الأحبّة بالدُّعاء مُلِّحةٌ * (سُمع الدُّعاء وشُفّع التَّأمينُ)
فالحمد لله الَّذي قَدْ سَرَّنَا * بشِفَائِه فهو اللَّطيف مَنونُ
بشِفائِك ابتَسَمَتْ قلوبُ أَحِبَّةٍ * مِنَّا وخَابَت للعَدُو ظُنونُ
عن كتاب ’’عقيدة أهل الإسلام فيما يجب للإمام‘‘ للشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- (ص15) [نقلاً عن موقع ’’السَّاحة الإسلاميّة‘‘ بتاريخ (05/4/2004م)]
والشَّيخ الفاضل المجاهد مُحمَّد بن هادي المدخلي -حفظه الله- من طلبة العلم الكبار، ومن مشايخ المدينة الأخيار، وهو مِمَّن يُحبُّهم كلّ مُتَّبعٍ للآثار، ولولا علمي بكراهيّته للمدح -وهوأهلٌ لذلك وزيادة- لأطلقت العِنان لقلمي في ذكرِ فضائلِه، وعد شمائله، وهوكثيراً ما يُردِّدُ -حفظه الله- أبياتاً مشهورةً من قصيدةٍ لشيخ مشايخه الشَّيخ العلاّمة حافظ الحكمي -رحمه الله-، جاء فيها:
.............................. * أمَّا المديح فمالي حاجةً فيهِ
ولستُ أرضاهُ في سِرٍّ ولا عَلنٍ * ولستُ أُصغي إلى من قام يُنشيهِ
إذْ يُورثُ العبد إعجاباً بسيرَتِه * وما جَناهُ من الزلاَّت يُنسِيهِ
ما لي وللمدح والأملاكُ قد كَتَبُوا * سَعْيِ جميعاً وربُّ العرشِ مُحصِيهِ
ولستُ أدري بما هم فيه قد سَطَروا * وما أنا في مقام الحشر لاقيهِ
وما مضى لستُ أدري ما عملتُ به * وما بقي أيّ شيء صانعٌ فيهِ
وما اغتراري بأهل الأرض لو مدحوا * وفي السماوات ذكري لستُ أدريهِ
إيَّاكموا أنْ تُعيدوا مثلها أبداً * فاستقبل النُّصحَ مِنِّي حيثُ أُمليهِ
فجزاه الله خيراً على خُلقه الرَّفيع وأدبهِ العالي، ووفَّقه الله إلى المعالي.

(11) وفاته -رحمه الله-:
قال الشاعر:
متى يمتْ عالمٌ منها يمتْ طرفْ * و إنْ أبى عاد في أكنافها التَّلفْ
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمُها * كالأرض تحيا إذا ما الغَيْثُ حلَّ بِها
[ذكره الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- في شريط ’’من هم العلماء؟‘‘ الوجه الأوّل.]
تُوفيّ الشّيخ عبد السّلام بن برجس -رحمه الله- مساء يوم الجمعة 12 صفر 1425هـ، وهذا في حادث سيارةٍ إثر ارتطامه بأحد الجمال السائبة في طريق عودته إلى الرياض قادماً إليها من الإحساء؛ حيث كان قد ألقى فيها محاضرة، وقد شهد من قام بمحاولة إسعافه أن آخر كلامهِ كان (لا إله إلا الله) فرحمه الله رحمةً واسعةً. وكان عُمره حين وفاته -رحمه الله- (38) سنة، وإلى هذا أشار الشّيخ علي الحلبي -سدّده الله- في مرثيّته بقوله:
تِلكم عقودٌ أربعٌ لم تكتملْ *** عدد السنين إلى ملا أكفانهِ
وصليت عليه صلاة الجنازة في مسجد الإمام تركي (الديرة سابقاً) بعد عصر يوم السّبت وكان إمام الصّلاة شيخه سماحة الشّيخ المفتي العام عبد العزيز آل الشّيخ -حفظه الله-. وقد دُفن بمقبرة العود بالرياض، وحضرَ جنازته الجمُّ الغفير من النّاس، وعلى رأسهم العلماء وطلبة العلم. وأقام كذلك الشّيخ أحمد بن يحيى النّجمي -حفظه الله- صلاة الغائب عليه بعد صلاة العشاء لما للشّيخ عبد السلام -رحمه الله- من المكانةٍ والمنزلةٍ عند الشّيخ النّجمي -حفظه الله-.
وقد اجتمع للشّيخ -رحمه الله- أكثر من علامةٍ من علاماتِ حُسن الخاتمة -ولله الحمد والمنِّة- ويكفي أنّه مات على الإسلام والسّنّة، قال الإمام عون بن عبد الله -رحمه الله- : "من مات على الإسلام والسّنّة؛ فله بشيرٌ بكلِّ خيرٍ"، وقال الإمام الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "طوبى لمن مات على الإسلام والسّنّة". نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نُزكِّي على الله أحداً.

(12) ثناء أهل العلم عليه وبعض ما قيل عنه بعد وفاته -رحمه الله-:
قال الشَّاعر:
وإذا الكريم مَضى وولَّى عُمره *** كَفل الثَّناءُ له بعُمرٍ ثانِ
والشَّيخ عبد السّلام -رحمه الله- من كبار طلبة العلم المُبرِّزين في هذا العصر، فلا عجب أن يُثني عليه كبار أهل العلم وطلبته، فكما قيل: "لا يَعرِفُ الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل"، بل لا أَعرف سلفياًّ إلاَّ وهو يُثني عليه، وعلى عِلمه خيراً.
قال الأخ الفاضل هاني الحارثي -وفَّقه الله-: "والشَّيخ عبد السّلام معروفٌ لدى علماء هذه البلاد المباركة ومشايخها، يشهد لهذا كثرة العلماء والمشايخ الذين حضروا للصَّلاة عليه، ولقد سمعتُ عدداً من المشايخ والفضلاء يقول: "لقد فاق علم الشَّيخ عبد السّلام سِنَّه."، ولقد قيل: "لو عُمِّر لكان آيةً"، ولقد رأيت الكثير من العلماء وطلاّب العلم متأثِّرين من فَقْدِه، فلقد كان مدافعاً عن السّنّة، منافحاً عنها بنفسه وقلمه وماله"، وذكر كذلك أن الشيخ فقيه الزمان محمّد بن صالح العثيمين -رحمه الله- كان يُجلِّه كثيراً، فرحمهما الله جميعاً وغفرَ لهُما ولنا معهما، آمين.
وكذلك الشَّيخ العلاّمة أحمد بن يحيي النّجميّ -حفظه الله- مِمَّن يُثني عليه خيراً، وما كان منه حين بلغَه خبرَ وفاةِ الشَّيخ -رحمه الله- إلاّ أن أقام صلاةَ الغائبِ عليه؛ وهذا -ولا ريب- دليلٌ واضحٌ وصريحٌ على المكانة الرَّفيعة، والمنزلة العالية، التي كان يتبوؤُّها -رحمه الله- لدى الشَّيخ أحمد النّجمي -حفظه الله-؛ كيف لا وهو أحدُ تلاميذه؟، بل كان آخر شيخٍ يقرأ عليه الشّيخ عبد السّلام قبل وفاتِه -رحمه الله-.
وممّا وقفتُ عليه في هذا الباب؛ جوابٌ للشّيخ العلاّمة صالح الفوزان -حفظه الله-؛ عن سؤال وُجِّهَ لمَعالِيه بعد وفاة الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله-، قال فيه: "الشّيخ عبد السّلام بن برجس -رحمه الله- رجلٌ معروفٌ للجميع بأنّه عالمٌ، وداعيةٌ إلى الله -عز وجل-، وناصحٌ في مُؤلَّفاتهِ، ورسائلهِ، وبيانهِ للحقّ، ومعروفٌ مكانهُ؛ والذي يُشكِّك فيه؛ يُشكِّك في الصَّحابة، يُشكِّك في أهل العلم من قبله، فلا يُلتَفَت إلى هؤلاء، لا يُلتفت إلى هؤلاء، هؤلاء ما يَسلَم منهم أحد؛ يُشكِّكون حتّى في الصَّحابة وحتّى في الأئمَّة وحتّى في أهل الخير، ولا يخلو زمانٌ منْ مثلِ هؤلاء، لكن -والحمد لله- لا يَضرُّون إلاّ أنفسهم وما يَشعرُون.".
وصدق الشَّاعر حين قال:
إذا قالت حذامِ فصدِّقوها *** فالقول ما قالت حذامِ
وقال الشّيخ الفوزان -حفظه الله- أيضاً في تقديمه لرسالة ’’إيقاف النّبيل‘‘(ص4):
"..فقد اطَّلعت على الرِّسالة القيِّمة التي ألَّفها فضيلة الشَّيخ عبد السّلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم بعنوان ’’إيقاف النّبيل على حكم التّمثيل‘‘..."، ثمّ قال -حفظه الله ونَفعَ به- (ص4-5): "وأخيراً أقول: جزى الله أخانا عبد السّلام خيراً على ما قام به من هذا الإسهام العلميّ الجيِّد. ونرجو أن يُوفِّقه الله إلى إسهاماتٍ أخرى في بيان الحقِّ، وردِّ الباطل، ونشر العلم النَّافع..."
وقال الشّيخ العلاّمة ربيع بن هادي -حفظه الله وعافاه- في تقديمه لنفس الرِّسالة السّابقة (ص6): "..فقد اطلعت على البحث العلميِّ القيِّم، الذي نَشط له الشَّاب الفاضل، الغَيُور على دينه، الشّيخ عبد السّلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم. الذي سماه بـ:’’إيقاف النّبيل على حكم التّمثيل‘‘. فسرّني حُسن عرضه، وطريقة استدلاله، وإِشراقة عباراته، وقُوّة حجّته في إقامة الحقِّ، ودحض الباطل."، ثمّ قال -عافاه الله- (ص10): "وأخيراً أقول: لقد أجاد الشّيخ عبد السّلام وأفاد وقدّم أقصى ما يملكه النّاصح المُخلص لأمّة يتلاعب بعقولها أهل الأهواء..".
ووصفه معالي الشّيخ العلاّمة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله- في محاضرةٍِ له بعنوان ’’سيرة الإمام محمّد بن إبراهيم‘‘ بقوله: "الشّيخ الأخ طالب العلم المُوفَّق عبد السّلام بن برجس آل عبد الكريم".
وقال الشّيخ الفاضل عبد المالك بن أحمد رمضاني الجزائريّ -سدّده الله- في كتابه العُجاب ’’مدارك النّظر‘‘(ص164-ط.4): "وهذه فائدة استفدتها من محاضرةِ الشّيخ الحبيب عبد السّلام بن برجس عُنوانها ’’ذمّ الإرجاء والتّحذير من المرجئة‘‘، زاده الله توفيقاً".
وكتب رئيس ’’مركز الإمام الألباني‘‘ الشّيخ الفاضل سليم بن عيد الهلالي -حفظه الله- تحت عنوان (الشّيخ عبد السّلام بن برجس آل عبد الكريم...في ذِمَّة الله)؛ فقال: "يَحتسبُ ’’مركز الإمام الألباني للدراسات المنهجية والبحوث العلمية‘‘ الأخ في الله الدّكتور الشّيخ عبد السّلام بن برجس آل عبد الكريم، الذي توفّاه الله -تعالى- في حادثِ سَيْرٍ مُؤسفٍ هذه الليلة 12 صفر 1425هـ.
نرجو من الله أن يتغمَّده برحمته، ويرفعَ درجته في الجنّة، ويُلهِم أهله وتلاميذه ومُحبِّيه الصَّبر والسِّلوان. اللّهم آجرنا في مُصيبتنا، واخلفُنا خيراً منها." اهـ [نقلاً عن موقع المركز على الإنترنت.]
وكتب الشّيخ الفاضل عليّ بن حسن الحلبيّ الأثريّ -حفظه الله- تحت عنوان ’’رحمَ الله عبد السّلام...من دعاة السّنّة ومنهج السّلف -في الإسلام-‘‘؛ فقال: "عندما يموت لنا صديقٌ: نحزنُ، ونأسى، ونأسفُ، ونتأثَّرُ بفقدهِ-جِداًّ-...
فكيف إذا كان هذا الصديقُ صَدُوقاً، وفياًّ، مُحباًّ، ودوداً؟!
فكيف إذا كان هذا الصديقُ سُنِّياًّ، سلفياًّ، أثرياًّ، داعيةَ سُنَّةٍ وتوحيد، راداًّ على أهل الانحرافِ والبدعِ والغُلُوِّ؟!
فكيف -كيف- إذا كان هذا الصديق عالماً فاضلاً، شيخاً واثقاً، وعَلَماً بارزاً؟!
...إنَّ هذا -كلّه-والله- لسببٌ أَجلَّ في أن يتضاعفَ الحُزن، ويَعظُم الأسى، ويشتدَّ الأسف، ويزدادَ التأثُّر..وبخاصَّةٍ في زَمَنٍ عَسِرٍ؛ كثُرَ فيه المَطلوبُ، وقَلَّ المُساعدُ والمُعِين، ولا ناصرَ إلا الله!!
والله؛ إن حاجتَنا لأمثالِ من هذا حالُه: كبيرةٌ، لأنَّه واضحُ الفِكْر، بَيِّنُ التَّوجُّه، ثاقبُ البصيرة، مستشرفُ المستقبل...
إنَّه أخونا الوفيّ، وصديقنا الصّفيّ، وحبيبنا النّقيّ: أبوعبد الرحمن، عبد السّلام بن برجس آل عبد الكريم - تغمَّده الله برحمته، وأدخله فسيحَ جنَّاته، وصبَّر أهله وذويه، وإخوانَه ومُحبِّيه على مرارةِ فقدهِ، وصعوبةِ موتهِ...
إنّ العينَ لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، وإنّا على فِراق أبي عبد الرحمن لمحزونون...
وليس لنا من سلوى نُسلِّي بها نفوسنا، ونُعزِّي بها أنفسَنا أكثرُ مِمّا وَرَدَ عن بعض أئمَّة السّلف الصّالحين؛ من آثارٍ تُعين على اشتمال المصيبة والصَّبر عليها:
- قال الإمام عون بن عبد الله: "مَن مات على الإسلام والسّنّة: فلهُ بشيرٌ بكلِّ خيرٍ"، ''شرح أصول اعتقاد أهل السّنّة‘‘(60).
- وقال الإمام الفُضَيل بن عِيَاض: "طوبى لمن ماتَ على الإسلام والسّنّة"، رواه اللالكائي (268).
- وقال الإمام أيُّوب السّختياني: "إنَّه ليَبلُغني موتُ الرَّجل مِن أهل السّنّة: فكأنّما أفقد بعضاً من أعضائي"، رواه أبونعيم في’’الحِلية‘‘(9/3).
..نحسبهُ كذلك، ولا نُزكِّيه على الله -تعالى-.
اللهمّ ارحم عبدُك عبد السّلام، وأدخله الجنّة بسلام، وألحقنا به في صالحي عبادك -في دار السّلام-.
والسّلام...." اهـ [نقلاً عن موقع ’’مركز الإمام الألباني‘‘، وغير واحدٍ من المواقع السّلفيّة.]
وقال مدير مركز الدَّعوة والإرشاد بدُبيّ الشيخ عزيز فرحان -حفظه الله- تحت عنوان ’’وداعاً..عبد السّلام البرجس‘‘: ((لقد فُجعت السّاحة العلميّة، والدعويّة برمزٍ من رُموزِها، وعَلَمٍ من أعلامِها، أفنى شبابَه في العلم والتّعليم، وقضى عُمُرَه في الدّعوة إلى الله تعالى، في الدّاخل والخارج، وساهَم في إِثراء المكتبة العلميّة بمُصنَّفات ورسائل تعكس مدى قُوّتِه العِلميّة، وإجادتِه التّصنيف والتّأليف، وهو في هذا الميدان مُنذ نُعومة أظفاره، فلقد رُزئِنا بوفاة الشّيخ -رحمه الله- عالماً في شخصٍ، وأُمَّةً في نَفْسٍ، مضى إلى ربِّه يوم الجمعة الثاني عشر من صفر لعام 1425هـ إِثر حادثِ سيرٍ، مضى الشّيخ والمحاسنُ تَبكيهِ، والمناقبُ تُعزَّى فيه، عَرفتهَ مَنذ أكثرَ من خمسة عشر عاماً، فلقد كان عالماً، بل موسوعةً، ومرجعاً في العلوم، وسائرِ الفنون، لاسيّما العقيدة الإسلاميّة، فهو فارسُها، ومُقدَّمُها، وكان ضَليعاً في الفقه وأصوله، عالماً بالحديث وطُرقه، مُحقِّقاً للمسائل، له درايةٌ فائقةٌ بالطوائف والفرق والجماعات، بليغاً، حَسنَ المنطِق، شاعراً، كريماً، جواداً، حَسنَ الأخلاق، مُتودِّداً، مُتعاوِناً، صُبوراً على الأذى، مُتواضعاً، يسعى في نفعِ الآخرين بجُهدهِ، ولا يتردَّدُ في الوقوف معهم، والشَّفاعة لهم، ولوتَتبَّعتُ ما لَهُ -رحمه الله- منَ الخلالِ الحميدةِ، والصِّفاتِ الطَّيِّبةِ، لاستوعبتُ سِفْراً، وفي الإشارة ما يُغني عن الكَلِمِ، أسأل الله تعالى أن يتغمَّده بواسعِ رحمته، وأن يُلهِم أهله وذَوِيه وطُلاّبه ومُحبِّيه الصَّبر والسِّلوان...’’إنّا لله وإنّا إليه راجعون‘‘)) [نقلاً عن’’شبكة سحاب‘‘بتاريخ (17/4/2004م)].

(13) تأثّر الناس بوفاته:
قال الأخ هاني الحارثي -حفظه الله-: ((ولقد رأيتُ الكثير من العلماء وطلاّب العلم متأثِّرين من فَقْدِه، فلقد كان مدافعاً عن السّنّة، منافحاً عنها بنفسهِ وقلمهِ ومالهِ)).
وقال أيضاً: ((فلم يكنْ يخطرُ لي ببالٍ وأنا أعرِض كتاب ’’العلماء الذين لم يبلغوا سِنَّ الأشدِّ‘‘ على شيخنا الشّيخ/ عبد السّلام بن برجس -رحمه الله- قبل أقلّ من سنتين في إحدى زياراته لمكّة، وقد عرضتُ عليه الكتاب وفكرةَ صاحبه فأُعجب بها الشّيخ، ثمّ قرأتُ عليه من الكتاب المذكور ترجمةً لشيخه العلاّمة المحُدِّث الشّيخ/ عبد الله بن محمد الدّويش فترحَّم الشّيخ عليه، وقال: "لوعُمِّر لكان آيةً". أقول: لم يكن يخطر لي ببالٍ أن الشّيخ سينضم إلى ركبِ العلماء الذين ماتوا ولم يبلغوا سنَّ الأشدِّ الذي هو سِنُّ الأربعين فرحمه الله رحمةً واسعةً)) [نقلاً عن مقالٍ سبق ذكره].
وقال الأخ الفاضل عبد الله الرشيدي -سدّده الله-: ((رحم الله الشّيخ المِفضال/ عبد السّلام بن برجس آل عبد الكريم رحمةً واسعةً، ونسأله تعالى أن يَرفع درجته وأن يُقِيل عَثرته وأن يَخلف للأمَّة خيراً منه. فقد كان -رحمه الله تعالى- كالجبل الأشمِّ في مواجهة البدع وأهلها، وكم صَدع في وقتٍ قلَّ فيه الصادعون، ومن يعرف السّلفيّة قبل سِنين في الرياض وغُربتها يعرف قدر هذا الجبل: ألَّف وحقَّق وحاضر وخَطبَ كلُّ ذلك في نُصرة السّنّة وأهلها؛ ’’معاملة الحُكَّام‘‘، ’’ضرورة الاهتمام بالسّنن النبويّة‘‘، ’’الحُجج النّبويّة على أنّ وسائل الدّعوة توقيفيّة‘‘، ’’قطع المِراء في حكم الدُّخول على الأمراء‘‘، ’’الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم‘‘، ’’المعتقد الصحيح‘‘، ’’الإعلام ببعض أحكام السّلام‘‘، ’’إيقاف النّبيل على حكم التّمثيل‘‘، ’’التّمنّي‘‘، ’’عوائق الطّلب‘‘، ’’القول المبين في حكم الاستهزاء بالمؤمنين‘‘، ’’الأحاديث النّبويّة في ذمِّ العُنصريّة الجاهليّة‘‘.
وهكذا تحقيقاته الفاخرة لكتب أئمّة الدّعوة النجديّة: ’’دحضُ شبهاتٍ على التّوحيد‘‘ لعبد الله أبابطين، ’’الفواكه العِذاب‘‘ لحمد بن معمّر، ’’الردّ على القبوريِّين‘‘ لابن معمّر، ’’الضّياء الشّارق‘‘ لابن سحمان، ’’سؤال وجواب في أهمِّ المُهمّات‘‘ لابن سعدي، ’’تحفة الطّالب والجليس‘‘ للشّيخ عبد اللطيف آل الشّيخ، ’’منهاج أهل الحقّ والإتّباع‘‘ لابن سحمان، ’’الصّواعق المُرسلة الشِّهابيّة‘‘ لابن سحمان، ’’كشف الشُّبهتيْن‘‘ لابن سحمان، ’’شفاء الصّدور في الردّ على الجواب المشكور‘‘ لمحمّد بن إبراهيم آل الشّيخ، ’’أصول وضوابط في التكفير‘‘ للشّيخ عبد اللّطيف، ’’نصيحة مُهمَّة‘‘ لمجموعة مشايخ، ’’التُّحفة المدنيّة‘‘ لابن معمّر، وغيرها الكثير في هذا من الرسائل التي أخرجها بثوبٍ قَشيبٍ.
أمّا التّسجيلات فحدِّث ولا حرج: ’’الأصول العلميّة للدّعوة السّلفيّة‘‘، ''السّلفيّون والوُلاة‘‘ (أصل كتاب ’’مُعاملة الحكّام‘‘)، ''السّلفيّون والمذاهب‘‘، ''جرح الجرح والتّعديل‘‘ (ردٌّ لبدعة الموازنات)، ''هُم العدو فاحذرهم‘‘ (ردٌّ على المودودي والبنّا وقطب وإقبال)، ''ذمّ المرجئة‘‘ (دفاعٌ عظيمٌ عن أهل السّنّة وردِّ لتُهمة الإرجاء)، وله محاضرةٌ ألقاها في مسجدي في الكويت بَيَّن فيها عُوار منهج ابن لادن وتنظِيمه، والخطب والمقالات كثيرةٌ جداًّ -رفع الله قدره-. وعندما ظهرت الحدّاديّة وعصفت بالكثير من أهل الرياض؛ صمد كالجبل وجاء عبد العزيز العسكر بفتنته فنشر سُمومه في جريدة ’’عكاظ‘‘، فانبرى له بردٍّ عظيمٍ مُصوَّرٌ عندي ذَبَّ فيه عن علم السّنّة الألباني -رحمهما الله جميعاً-. فاللهمّ ارحم الشّيخ عبد السّلام وارفع درجته في المهديِّين واخلفه في الغابرين واغفر لنا وله يا ربّ العالمين. هذه خاطرة جاشت في نفسي لم استطع كبحَ جِماحَها، وإلاّ فالمقام يستحقّ أكثر من هذا، أسأل الله -تعالى- أن يُعينني وإخواني على أداء حقِّ هذا الرَّجل. وقد كان آخر لقاءٍ لي به في الحجّ الماضي فذهبنا سوياًّ مِنْ بنِاية التّوعية أنا وهو والعلاّمة زيد المدخلي في سيارةٍ واحدةٍ إلى منزل العلاّمة ربيع الذي استقبل الشّيخ عبد السّلام بمزيد حفاوةٍ فرحمه الله تعالى رحمةً واسعةً، والحمد لله ربّ العالمين)) اهـ [نقلاً عن شبكتيْ ’’سحاب‘‘ و ’’البرق‘‘ بتاريخ (3/4/2004م)].
جزى الله الأخ عبد الله الرشيدي خيراً على هذا الكلام الطيِّب، وإنّا لما وعدَ به لمُنتظرون.
وقال أحد الأفاضل -وهو مِمّن عرف الشّيخ عبد السّلام (رحمه الله)-: ((أُعزِّي الشّباب والإخوان والأصحاب في وفاة أخونا وحبيب قلوبنا الشّيخ عبد السّلام وأُعزِّي بالأخصّ والده الكريم الشّيخ برجس..لقد تُوفيَّ الشّيخ ولهُ في ذِمَّتي دَيْنٌ؛ فقد وَعدتُه بالزِّيارة للاستفادة من علمه ولكنَّ الأجلَ سبقني إليه وحَرَمني من لقاءٍ كمْ كنتُ سأستفيد منه الأدب قبل العلم..عرفتُ شيخنا أيّام الدّراسة في الكليّة ثمّ بعد أن أصبح يُلقي دروسه ومحاضراته -رحمه الله-..ومن خلال معرفتي به لَمِستُ ثلاثة أشياء في حياته لا زالت عالقةً في الذِّهن..
أوّل هذه الأشياء حِرصه على الوقت؛ وفي هذا السِّياق أتذكّر أيّام الكُليّة -وفي وقت الفسح بالذّات- أتذكّر أنَّ الشّيخ كان ضَنِيناً بوقته -رحمه الله-، فقد كنتُ أبحث عنه أحياناً فأجده منعزلاً مع أحد الإخوة يتدارسون ’’صحيح البخاري‘‘ أو غيره من الكتب ويحفظون الأحاديث..فيا لها من هِمَّةٍ عاليةٍ أين نحن منها؟..
ثانيها دفاعه عن علماء الأمّة؛ ويُذكر في هذا شأنه مع صاحبه الحميم الذي تهجّم على الشّيخ الألباني -رحمه الله- فلم تمنعه صحبته لهذا الرّجل من أن يَرُدَّ عليه ويُفنِّد كلامه..
ثالث هذه الأشياء رحابة صدرهِ مع من يهاتفونه مُستفسرين أو سائلين؛ فهو يُعطيك العلم بقال الله وقال رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقبله يُعطيك الأدب...رحمك الله يا شيخ وأسأل الله أن يفتح لك أبواب الجِنان وأن يُنزلك منازل الرِّضوان يا ربّ..)) [نقلاً عن موقع ’’السّاحة الإسلاميّة'' بتاريخ (4/4/2004م)].
جزى الله خيراً هذا الأخ المُوفَّق على حُسن ثنائه على الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله-، ولا ريب أنّ ((حُسن العهد من الإيمان))كما في الحديث.

(14) بعض المراثي التي قِيلت فيه:
لمّا تُوفيّ الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله- سارع مُحبُّوه من أهل العلم وطلبته برثاء فقيدهم نثراً ونظماً، وقد سبق شيءٌ ممّا قيل فيه -رحمه الله- نثراً، وأسرد هنا بعض المراثي الشعريّة التي وقفتُ عليها.
(أ) ’’رثاءٌ ووفاءٌ‘‘ للشّيخ الفاضل علي بن حسن الحلبي الأثري -حفظه الله-:
قُلْ للشَّباب وللشّيوخ تصبَّروا *** في فقدنا عَلَماً ومن خُسرانهِ
رَحِم الإله عُبيْدَه في قبره *** رَحماتهُ بالبرِّ في إحسانهِ
هذا(السّلام)مُسلّمٌ في عَفوِه *** (عبدَ السّلام)ومُكْرِمٌ بجنانهِ
هو(برجسٌ) في ذي السّماء بعلمه *** قد مدَّ نوراً زادَ عن أوطانهِ
علمٌ ونهجُ رسولنا في سُنّةٍ *** وبفَهم أسلافٍ عُلا بنيانهِ
أخلاقهُ آدابهُ وفضائلٌ *** عزَّ النّظير نظيرهُ عن شانهِ
ولسانهُ عذْبُ الكلام وسَلْسَلٌ *** وكأنّه منه صدى ألحانهِ
أمّا التبدّع والتحزّب إنّه *** يكويهمُ منه لظَى بركانهِ
وكذا المكفّر والجهالة رمزُه *** هوعنده عنوان ذلِّ هوانهِ
وكذا الفويسق والكفور لربّه *** قد ضلّ بالكفران في طغيانهِ
وكذاك دعوته بكلِّ وسيلةٍ *** في الحقِّ كان الحقّ طَوْع بنانهِ
إخلاصهُ ووفاؤهُ قُلْ بذلهُ *** عمّ الذّرى بل طفّ عن بلدانهِ
داعٍ إلى الحقِّ الحقيق بحجّةٍ *** بل مُمسكٌ فيه بغَرز عنانهِ
قد نال دوماً في القلوب مكانةً *** بتودُّدٍ منه مدى أزمانهِ
والعدل في الأحكام رأسُ طريقه *** من غير فَرْقٍ بين ذا وفلانهِ
هذا وربِّي دأبهُ قلْ نهجهُ *** هذا وربِّي قلْ عِيار وِزانهِ
فانظر إلى كُتْبٍ له منشورةٍ *** ككتاب’’حُكَّامٍ‘‘بلا كتمانهِ
وكذاك’’مُعتقدٌ‘‘له في صحّةٍ *** من آخر التّصنيف في عرفانهِ
وله تآليفٌ لطيفٌ سبْكُها *** من سنّة الهادي كذا قرآنهِ
مع حُسن ترصيفِ الكلام بدقّةٍ *** قد زادها فضلاً جمالُ بيانهِ
والله قد كُسرتْ قلوبُ أحبةٍ *** من شامنا حتى إلى تطوانهِ
هم إخوةٌ جُمعوا بظلِّ مناهج *** والحقُّ يعلوهم بعزِّ مكانهِ
بالعلم قال الله قال رسوله *** هذا احتجاجُ الحقِّ في برهانهِ
لا بتأقلمِ أوتحزّبِ فِرقةٍ *** هذا سبيلٌ شذَّ عن رجحانهِ
زِدْ أنّه سُوء البلاء حقيقةً *** فمُناقضٌ للعدل بل إيمانهِ
باب الأخوّةِ دون هذا موصدٌ *** بل أُشرعتْ فيه كُوى حرمانهِ
فالله يُنجينا برحمةِ فضلهِ *** من لحظةِ الموتِ رضا غفرانهِ
في القبر تحت الأرض أيضاً رحمةً *** فيها النّجاة من بلا فتّانهِ
أمّا الحساب فعند ربّ الكون إذ *** جُلَّ المُنى في البُعد عن نيرانهِ
والله لن يُخزي الإله مُوحداًّ *** يدعوإليه بفعله ولسانهِ
أمّا المخالفُ للصواب فإنّه *** حلَّ به اضمحلالُ مثل دخانهِ
عبدٌ لهذا الربِّ عبدٌ صادقٌ *** يحميه ربِّي عزَّ في سلطانهِ
فالله يرحمهُ الكريم بفضلِه *** رحماتِ خيرٍ إنّه بضمانهِ
من غير تزكيةٍ له في ربّه *** لكنّ هذا الظنّ في حسبانهِ
هذا القصيدُ كتبتهُ في مجلسٍ *** من غير تَزيينٍ ولا حيرانهِ
تِلكم عقودٌ أربعٌ لم تكتملْ *** عدد السنين إلى ملا أكفانهِ
هي نفسها أعداد تأليفاته *** رَوْحٌ له بالطِّيب مع ريحانهِ
والله أولى بالعباد من الذي *** أدمى العيونَ وكَلَّ في أجفانهِ
[نقلاً عن ’’شبكة سحاب‘‘ بتاريخ (4/4/2004م) وغيرها من المواقع السّلفيّة].
(ب) ’’وداعاً..عبد السّلام‘‘ للشّاعر عبد الله بن ثاني -وفّقه المولى-:
ويوم من الشِّعْرى تَوقّد لاهبُه *** ولاذتْ بأطراف المطايا جخاذبهُ
إلهي وهذا القيظُ مدَّ سرابَه *** فعزَّ وطالتْ في الفيافي مخالبهُ
وأقبل كالدّيجورِ ويحطمُ بعضَه *** ليشربَ مني والعطاشُ كواكبهُ
تبدّى بأنيابِ الأسى وشخوصُه *** ترى الحاجبَ المستورَ ثمّ تُواثبهُ
فلا الآفلاتُ الزهرُ فيه طوالعٌ *** ولا الطّالباتُ السّودُ يوماً تُجانبهُ
هوالليل لا يرضى الأفولَ وجيشهُ *** عثتْ في جفونِ المشرقين كتائبهُ
إلهي وهذا الموتُ دارتْ كؤوسُه *** فأترعتِ الأواءَ حقاًّ نوائبهُ
وألهبني السّوط الذي اعتصرَ الجوى *** أصابَ فأدمى حين هبَّتْ جنائبهُ
وطوّحني خلفَ السّنين ببلقعٍ *** طغى الآل فيها بعد أن جاشَ غاربهُ
أُخيَّ وليتَ الروحُ تجري دموعُها *** ولكنّها في حاجزٍ مات طالبهُ
أكفكفُ عيناً قد تصرّم حبلُها *** وأخرى تصبّ الحزن ثمّ تعاتبهُ
كأنّ ترابَ الأرض قبرٌ لصاحبي *** تهيِّجني يومَ الفراق نوادبهُ
رمتْني بك الأيّام والدّهرُ قائمٌ *** يحثُّ وقد جادتْ عليّ سحائبهُ
بأكثر منها يا أُخيّ جوانحي *** يعربدُ فيها من يقطِّب حاجبهُ
أراك فيُغضي في المقابر مبتلًى *** سقتهُ المنايا اقشعرَّت جوانبهُ
ترجّلتَ يا سيفَ العقيدةِ بعدما *** تصديتْ والهنديَّ فلَّت مضاربهُ
تنفستِ الحيّات سُماًّ بجُحرها *** ودبّت من الشرّ الصّراح عقاربهُ
رحلتْ على ظهر الصّوارم والقنا *** فضجّت محاريب الجهاد تخاطبهُ
أخا ثقةٍ ماذا أقول وشاهدي *** من النَّوق مِرقالٌ تُعدُّ مثالبهُ
يطيرُ من الشّوق الحثيثِ وقلبُه *** أناختْ على(عبد السلام)ركائبهُ
أيا ناقُ قد أقصيتِ عطشاهُ بعدما *** تركتِ على المورود تبكي صواحبهُ
وردتِ على وِردٍ يفيضُ من الهدى *** وما كلَّ وِردٍ ترتضيكِ ذنائبهُ
تميدُ بنا الأوتادُ وهْو مجاهدٌ *** تُطاولُ أبراجَ الثباتِ مناكبهُ
فصبراً على ريبِ الزمان ومثلُنا *** ستبكي على(عبد السلام)مناقبهُ.
[نقلاً عن موقع ’’السّاحة الإسلاميّة‘‘ بتاريخ (9/4/2004م)، عن جريدة ’’الجزيرة‘‘]
(ج) قصيدةٌ كتبها أبو سعد ناصر المسعري الدوسري:
سالتْ دموعي من عيني تنهمرُ *** يكاد قلبي ممّا فيه ينفطرُ
لولا التصبّر زاد الأسى ألمي *** وأحدث للجرح كسراً ليس يتجبرُ
نبا الوفاة أتانا ثمّ كدّرنا *** أفارق الشّيخ لا حسٌّ ولا خبرُ
ولا حديثٌ به قد كان يُتحفنا *** إنّ المنون وأيم الله لا تذرُ
مات النبيّ ومات الصّحب بعدهمو *** مات الأئمّة إنّ هذا لمدّكرُ
أين الملوك وأين النّاس كلهمو *** من عهد آدم حتى فارق الظفرُ
حُزني عليه كحزن الأهل قاطبة *** بين الضّلوع لهيبٌ صار يستعرُ
عبد السّلام سعدنا في لقائكمو *** واليوم نحزن في الفرقى ونصطبرُ
عبد السّلام لكم أسعدت أفئدةً *** وكم هزمت جموعاً منك تندحرُ
من للمسائل يجلوها ويكشفها *** ويفضح الشّرّ والأخيار تنتصرُ
أحييت بالعلم ناساً صار جلّهمو *** يمشون دربكموما أطيب الأثرُ
أوضحت للنّاس درباً صار متّبعاً *** وأنت بالعلم وحُسن الفهم تشتهرُ
عبد السّلام سلام الله يبلغكم *** ونسأل الله يجزيكم ويغتفرُ
عذراً إليك منّي إن هفا قلمي *** أوقصّر الشِّعر أوعزّت له الفِكرُ.
[نقلاً عن موقع ’’السّاحة الإسلاميّة‘‘ بتاريخ (9/4/2004م)].
وأُشير إلى أنَّ الشّيخ العلاّمة زيد بن هادي المدخلي -حفظه الله- له قصيدةٌ في رثاء الشّيخ عبد السّلام -رحمه الله-، نُشرت في ’’شبكة سحاب السّلفيّة‘‘ بتاريخ (5/4/2004م)، ولكنّها غير مُتوفِّرةٌ لديّ حتّى أنقُلها في هذا المجموع المبارك، فاقتضى التَّنويه، والله المُوفِّق.

خاتمة -أسأل الله حسنها-:
بحمد الله -تعالى- وتوفيقه كان الفراغ من هذا الجمع المبارك، في صباح يوم الخميس 22 ربيع اللآخر 1425 هـ / الموافق 10 ماي 2004م، وكان ذلك في مدينة الجزائر -حرسها الله وسائر بلاد المسلمين من كل مكروه وسوء-.
اللهمّ اجعل هذا العمل خالصاً لوجهك الكريم، وانفع به من اطَّلع عليه من المسلمين، وانفعني به في الدّارين، إنّك جوادٌ كريمٌ، وارحم اللهمّ الشّيخ عبد السّلام رحمةً واسعةً، إنَّ ربِّي لسميع الدُّعاء.
والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيِّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الاخ ياسين السلفي
2015-03-06, 08:27
جزاك الله خيرا

abdjawad03
2015-03-06, 22:53
جزاك الله خيرا وشكرا لك