المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة


رملةالربيع
2013-01-04, 10:38
لك الغرفة التي بدت كالرحم.......
تحوي من الأطفال الذين في عمر البذور ما يجعلك تخوض مخاضا قاسيا........
لتزف دمعا........ ما سبق له ان نزف قبل الآن.........
كانوا أربعة أطفال....... بين الأسبوع والشهر.....
لهم من الأجسام ما يعادل رأس طفل عادي.......
طلبت مني مسعودة أن أرضع أحدهم.......
وكنت وأنا أحمل الرضاعة أخشى أن أتسبب في قتله.....
ذلك أن حجمه يعادل الرضاعة.......
بالكاد تستطيع ان تميز بين عينه وفمه....
مع أن ملامحهم كانت دقيقة جدا، بوجوه منكمشة كأنها لعجوز عانى الأمرين في حياته...
إلا أن براءة الصغار كانت تضيء المكان........
سألت مسعودة متعجبة...
لم أجسادهم نحيلة هكذا؟؟
فقاطعتني قائلة... بربك ماذا تتوقعين من فتاة تحبل في الحرام؟
ستحاول ان تجهضه، أن تقتله بالأدوية والعقاقير والأعشاب......
ولكن الله أبى إلا أن يصل حيا.......
يا إلهي...... لذلك كانت وجوههم منكمشة ... فقد عانوا الأمرين فعلا... ولكن في أرحام أمهاتهم....
المكان الذي لطالما كان رمزا للأمان والدلال....
كنت أقول في نفسي...... سبحانك يا ربي......
كم من زوجين يتمنياني ولو حملا كاذبا....... وكم من طفل يولد في الحرام..؟
حكمتك يارب.......... ويا لها من دنيا........
بينما كنا نتعاون على الصغار ... إذ دق الباب.......
بدت مسعودة منزعجة لأنها وفي عز انشغالها لا تريد ان يزورها أحد...
تحاملت على نفسها وفتحت الباب واستقبلت الضيفتين ببرودة....
كانت سيدة متزوجة واختها ....
كانت تحمل كيسا كبيرا....... حوى ملابس وجوارب وسراويل......
بمجرد ان دخلت الغرفة حتى انهمرت باكية......
بدأت تحمل كل طفل وتقبله وتحضنه .... وتلبسه ما جلبت من ثياب....
كانت وهي تلبسهم تردد.... آه يا صغاري.....
آه على الأمهات اللواتي حملنكم......
آه على مستقبلكم ......
كانت في غاية الحزن.......
بل لكأنها كانت في غاية السعادة......
كان الأطفال وقتها في غاية السعادة وهم يرتدون ثيابا جديدة.......
من قال أن الأطفال لا يفهمون، لا يشعرون ... لا يستوعبون... لا يتأثرون....
كانوا يتلمسونها ويتناغون...... يتحسسونها بأناملهم الرقيقة........ يهتزون طربا بها..........
لم تكن السيدة ولا الأطفال ...... بأسعد حال من مسعودة.....
تلك التي صارت تجول في المكان فرحا بلا وجهة........
كانت تحمل الملابس وتحضر الصغير تلو الآخر.... تناغيه وتقبله وتداعبه ....
وهي تصرخ: "يو ... يو....يو.... رائع... جميل، هذا يليق بك..."
كنت أعجب ........
أتراها تظن الملابس لها........؟
أم يا تراها قد تحقق لها ما كانت ترجو ان تفعله لولا الدخل المحدود؟
أم يا تراها من شدة تعلقها بهم صارت لهم كالأم.....
وكم تفرح الأم لفرح لصغارها..........
بدا لي جوا راااااااااااااااااااائعا........ من شدة انبهاري به وفقت جانبا قرب الباب ....
انظر اليهم بحب وسرور........
كمن يريد ان يستمتع بلوحة جدارية حية...
كان منظرا انسانيا آسرا......... إن أجمل المناظر تلك التي تتجلى فيها انسانيتنا..........
ولأن ابن اخي تأخر في العودة...... فقد خرجت اتحسسه...
فإذا به يصل ......... وقد جلب معه ما طلب منه.......
بدا ابن اخي في غاية السعادة......
وكذلك صديقه..........
كأني بهما لبهائهما ورود متفتحة........
تداعبها قطرات الندى.........
كنت أنظر إليهما من بعيد........
محاولة ترجمة السعادة البادية على وجهيهما رغم التعب.........
إنهما سعيدان..........
إنهما الآن يتمتعان بإنسانيتهما.........
إنه فعل الخير والسعي فيه كم ينعش القلوب..........
فما أجمل ان تعيش لغيرك.........
تعيش لتسعده .... لترسم البسمة على شفاهه....
لتمنحه فرصة لحب حياته.........
فرصة ليعيش كإنسان.......
لن أحكي لكم عن فرحة مسعودة..... ولا عن ضحكات مسعودة........ ولا عن كلمات مسعودة .... ولا عن حركات مسعودة... وهي ترى ابن اخي وصديقه يدخلان الحاجيات........
كنت أضحك وأضحك.......
لربما لنشوة الانتصار على شح نفسي...
أو لربما لغرور انتابني ........
أو لربما لأني أخيرا........ أسعد انسانا حتى ما عاد قادرا على السيطرة على تصرفاته..........
حان موعد رحيلنا.........
ودعوات مسعودة تلاحقنا.......... وانا في اعماقي اقول لها: زيدي .... زيدي....
إن دعوة إنسان في قمة التأثر........ تكون صادقة....... تتجاوز حجب السماء........
حين وصلنا الباب ارادت ان تسعدني بدعوة...
فرفعت يديها: ياااااااااااااااااااااااارب ارزقها زوجا يسعدها......
إنها لأنوثتها ترى أن أجمل دعوة لأنثى تلك التي يكون فيها زوج....
استفزني دعاؤها... فرجعت اليها........ معقبة......
بل قولي: يا رب الهمها رشدها وارزقها زيارة بيتك والشهادة فيه......
فضربت ظهري تدفعني نحو الأمام.........
اسمعي يا أنت...
مازلنا بحاجة إليك....... لا نريد ان تموتي الآن...
ضحكنا جميعا.....
ومضينا ....و قد فقدنا السيطرة على أفواهنا
ضحكا وسرورا ........
تعطرنا براءة ونقااااااااااااااااااااء الطفولة.......
انتهى...