تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الباقيات الصالحات - متجدد -


miramer
2012-12-31, 20:01
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين.وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين.
فصل:في الباقيات الصالحات
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
أفضل الكلام بعد القرآن
1- فقد ثبت في الصحيح(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الكلام بعد القرآن أربع؛ وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
2- وقد ذكرنا ما يتعلق بمعانيها في مواضع(2).
3- والمقصود هنا أن نقول: "التسبيح" مقرون بـ"التحميد"، و"التهليل" مقرون بـ"التكبير".
التسبيح بحمده سبحانه في القرآن
4- فإن الله تعالى يذكر في غير موضع "التسبيح بحمده":
5- كقول "الملائكة": {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} (البقرة: من الآية30).
6- وقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} (غافر: من الآية7).
7- وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}(أ) (طه: من الآية130).
8- وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}(أ) (الطور: من الآية48).
الصلاة تتضمن التسبيح بحمده
9- ولا ريب أن الصلاة الشرعية تتضمن ما أمر به من التسبيح بحمده.
10- كما قد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مثل حديث جرير المتفق عليه(3):
أنه نظر إلى القمر فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}(ب) (ق: من الآية39).
11- وأيضا: ففي "صحيح مسلم"(4) عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده".
12- وفي "الصحيحين"(5) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
__________
(1) الذي في "صحيح مسلم " (2137) (12) عن سمرة بن جندب بلفظ: "أحب الكلام إلى الله أربع.." الحديث. وأما اللفظ الذي ذكره المصنف فهو عند أحمد (5/20). وقد صرح بتواتره المصنف، كما في "الرد على المنطقيين" (35) حيث قال: "وتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم أمته ذكر الله تعالى بالجمل التامة" ثم ذكر الحديث.
وراجع أيضا: مجموع الفتاوى (10/553).
(2) راجع: "مجموع الفتاوى" (12/67، 16/112، 116، 17/169، 19/120، 22/389، 24/231).
(3) البخاري (554) ومسلم (633) (211).
"لا تُضَامُونَ": بضم أوله مخففا، أي لا يحصل لكم ضيم حينئذ، وروي بفتح أوله والتشديد من الضم، والمراد: نفي الازدحام.
(4) مسلم (2731) (84) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(5) البخاري (7563-التوحيد) واللفظ له بتقديم "حبيبتان" وتأخير "ثقيلتان" ورواه في الدعوات (6406) وفي الأيمان والنذور (6682) بتقديم "خفيفتان" وتأخير "حبيبتان" وهي رواية مسلم (2694) (31).
----------
(أ) في الأصل: (فسبح) بدل (وسبح) وهو خطأ!!
(ب) في الأصل في بداية الآيتين: (فسبح) بدل (وسبح) وهو خطأ!!

miramer
2012-12-31, 20:05
اقتران التكبير بالتهليل في الأذان وإذا علا شرفا
13- وأما "التكبير": فهو مقرون بالتهليل:
(1) في الأذان؛ فإن المؤذن يكبر ويهلل.
(2) وفي تكبير الإشراف؛ كان إذا علا نشزا كبر ثلاثا، وقال:
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". وهو في "الصحيحين"(1).
التكبير على الصفا والمروة وعند ركوب الدابة وفي الأعياد
(3) وكذلك: على الصفا والمروة(2).
(4) وكذلك: إذا ركب دابة(3).
(5) وكذلك: في تكبير الأعياد(4).
مشروعية التكبير في الأماكن العالية
14- والتكبير مشروع في الأماكن العالية، والتسبيح عند الانخفاض.
15- كما في "السنن"(5) عن جابر قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا".
16- فوضعت الصلاة على ذلك، والمصلي في ركوعه وسجوده يسبح، ويكبر في الخفض والرفع؛ كما جاءت الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
17- ومن اقتران التهليل بالتكبير:
قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "يا عدي ما يُفِرُّكَ؟! أيُفِرُّكَ أن يقال لا إله إلا الله، فهل تعلم من إله إلا الله، ما يفرك؟! أيفرك أن يقال: الله أكبر، فهل من شيء أكبر من الله؟!" رواه "أحمد" و"الترمذي" وغيرهما(6).
التسبيح والتحميد يجمع النفي والإثبات
18- فنقول: "التسبيح والتحميد" يجمع النفي والإثبات؛ نفي المعايب وإثبات المحامد، وذلك يتضمن التعظيم.
ولهذا قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (الأعلى:1).
وقال: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (الواقعة:74).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا هذه في ركوعكم، وهذه في سجودكم"(7).
وقال: "أما الركوع فعظموا فيه الرب"(8).
__________
(1) البخاري (6385) ومسلم (1344) (428).
(2) مسلم (1218) (147) من حديث جابر الطويل في صفة حجه صلى الله عليه وسلم وفيه: "ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات.." الحديث.
(3) مسلم (1324) (425) عن ابن عمر رضي الله عنهما علمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل"، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: "آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون".
(4) من ذلك: ما رواه ابن أبي شيبة والمحاملي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة فإذا قضى الصلاة قطع التكبير. راجع "الصحيحة" (170)
وكان ابن مسعود يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. رواه الدارقطني وابن أبي شيبة "الإرواء" (650).
وكان ابن عباس يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا. رواه البيهقي (3/315).
(5) البخاري (2993) من حديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا. وهو عند النسائي في "الكبرى" (10376) وأحمد (3/333).
(6) أحمد (4/378) والترمذي (2953) والطبراني في "الكبير" (17/236، 237)
والطيالسي (1040) وصححه ابن حبان (7206) من حديث عدي بن حاتم.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2353).
ولفظ الترمذي: "ما يفرك أن تقول لا إله إلا الله فهل تعلم من إله سوى الله؟ قال: قلت: لا قال: ثم تكلم ساعة ثم قال: إنما تفر أن تقول الله أكبر وتعلم أن شيئا أكبر من الله؟ قال: قلت: لا قال: فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضلال".
"ما يُفِرُّك" بضم الياء وكسر الفاء يقال أَفَرَرْته أُفِرُّهُ أي فعلت به ما يفر منه ويهرب أي ما يحملك على الفرار. وكثير من المحدثين يقولون: بفتح الياء وضم الفاء. والصحيح: الأول؛ قاله الجزري "إنما تفر" من الفرار أي تهرب.. قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره": "وقد روي حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها" "تحفة الأحوذي" (8/287، 289).
(7) أبو داود (869) وابن ماجه (887) وأحمد (4/155) والدارمي (1305) وصححه الحاكم (1/347، 348، 2/520) وابن خزيمة (600)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(8) مسلم (479) (279) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

miramer
2012-12-31, 20:08
فـ"التسبيح" يتضمن: التنزيه المستلزم للتعظيم.
و"الحمد" يتضمن: إثبات المحامد المتضمن لنفي نقائصها.
التهليل والتكبير وما يتضمنه كلا منهما
19- وأما "التهليل والتكبير":
فـ"التهليل" يتضمن: اختصاصه بالإلهية وما يستلزم الإلهية، فهذا لا يكون لغيره، بل هو مختص به.
و"التكبير" يتضمن: أنه أكبر من كل شيء.
20- فما يحصل لغيره من نوع صفات الكمال؛ فإن المخلوق متصف بأنه موجود، وأنه حي وأنه عليم، قدير، سميع بصير، إلى غير ذلك.
21- فهو سبحانه أكبر من كل شيء، فلا يساويه شيء في شيء من صفات الكمال؛ بل هي نوعان: نوع يختص به ويمتنع ثبوته لغيره؛ مثل كونه رب العالمين، وإله الخلق أجمعين، الأول الآخر، الظاهر الباطن، القديم الأزلي، الرحمن الرحيم، مالك الملك، عالم الغيب والشهادة.
22- فهذا كله هو مختص به، وهو مستلزم لاختصاصه بالإلهية فلا إله إلا هو، ولا يجوز أن يعبد إلا هو، ولا يتوكل إلا عليه ولا يرغب إلا إليه، ولا يخشى إلا هو.
- فهذا كله من تحقيق لا إله إلا الله.
24- وأما "الله أكبر" فكل اسم يتضمن تفضيله على غيره.
25- مثل قوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (العلق:3).
26- وقوله: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: من الآية14).
27- وقوله: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأعراف: من الآية151).
28- {وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} (الأعراف: من الآية155).
29- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "أيفرك أن يقال الله أكبر فهل من شيء أكبر من الله"(1).
غلط من قال: إن أكبر بمعنى كبير
30- وأما قول بعض النحاة إن أكبر بمعنى كبير، فهذا غلط مخالف لنص الرسول صلى الله عليه وسلم ولمعنى الاسم المنقول بالتواتر.
31- وكذلك قول بعض الناس أنه أكبر مما يُعلم ويوصف. ويقال: جعلوا معنى "أكبر" أنه أكبر مما في القلوب والألسنة من معرفته ونعته، أي هو فوق معرفة العارفين! وهذا المعنى صحيح لكن ليس بطائل؛ فإن الأنبياء والرسل والملائكة والجنة والنار، وما شاء الله من مخلوقاته هي أكبر مما يعرفه الناس.
32- قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (السجدة:17).
33- وقال تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"(2).
34- فبعض مخلوقاته هي أكبر في معرفة الخلق من البعض بخلاف ما إذا قيل إنه أكبر من كل شيء، فهذا لا يشركه فيه غيره.
تفسيره صلى الله عليه وسلم لـ"الله أكبر"
35- وبذلك فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة في مخاطبته لعدي بن حاتم حيث قال: "أيفرك أن يقال: الله أكبر، فهل من شيء أكبر من الله"(3).
36- وعلى هذا؛ فعلمه أكبر من كل علم، وقدرته أكبر من كل قدرة، وهكذا سائر صفاته.
37- كما قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} (الأنعام:19) فشهادته أكبر الشهادات.
38- فهذه الكلمة تقتضي تفضيله على كل شيء مما توصف به الأشياء من أمور الكمالات التي جعلها هو سبحانه لها.
__________
(1) تقدم تخريجه ص (21).
(2) البخاري (3244) ومسلم (2824) (2) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) تقدم تخريجه ص (21).

الجليس الصلح
2013-01-01, 08:51
السلام عليكم ورحمة الله
الباقيات الصالحات تكمن في التسبيح والتحميد والتكبير
شكرا على ا لموضوع المميز

miramer
2013-01-01, 18:23
التهليل يختص بالإلهية

39-
وأما التهليل: فيتضمن تخصيصه بالإلهية، ليس هناك أحد يتصف بها حتى يقال إنه أكبر منه فيها؛ بل لا إله إلا الله.
40-

وهذه تضمنت نفي الإلهية عما سواه وإثباتها له، وتلك تضمنت أنه أكبر مطلقا، فهذه تخصيص، وهذه تفضيل لما تضمنه التسبيح والتحميد من النفي والإثبات، فإن كل ذلك إما أن يكون مختصا به أو ليس كمثله أحد فيه.
مشروعية التكبير عند مشاهدة ما له نوع من العظمة في المخلوقات
41-

ولهذا كان التكبير مشروعا على مشاهدة ما له نوع من العظمة في المخلوقات كالأماكن العالية.
42-

والشياطين تهرب عند سماع الأذان(1).
43-

والحريق يطفأ بالتكبير(2)، فإن مردة الإنس والجن يستكبرون
عن عبادته ويعلون عليه ويحادونه.
44-

كما قال عن موسى: {وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}(أ) (الدخان:17- 19).
45-

فالنفوس المتكبرة تذل عند تكبيره سبحانه، والتهليل يمنع أن يعبد غيره، أو يرجى، أو يخاف، أو يدعى، وذلك يتضمن أنه أكبر من كل شيء، وأنه مستحق لصفات الكمال التي لا يستحقها غيره.
لا إله إلا الله أفضل الكلمات
46-

فهي أفضل الكلمات؛ كما في الصحيحين(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة -أو ستون- أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق".
__________
(1) ورد ذلك فيما رواه البخاري (608) ومسلم (389) (19) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط.." الحديث.
(2) ورد ذلك فيما رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (295، 296) و(297) (298) عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التكبير يطفئ النار" وإسناده ضعيف جدا كما قال الألباني في "تخريج الكلم الطيب"(221)، وقد أشار المصنف لضعفه لما أورده في "الكلم الطيب" وصدره بصيغة التضعيف: "ويذكر" .
وفي الباب: عن ابن عباس: عزاه في "الجامع الصغير" لابن عدي ورمز لحسنه، وراجع "فيض القدير " للمناوي (1/360).
وعن أبي هريرة: رواه الطبراني في "الأوسط" (8569) وفي "الدعاء" (1001) بلفظ: "أطفؤا الحريق بالتكبير". وقال في "المجمع" (10/138): "وفيه من لم أعرفهم".
فائدة: قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "فإن التكبير يطفئه لما كان الحريق سببه النار وهي مادة الشيطان التي خلق منها وكان فيه من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذا له وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد وهذان الأمران وهما العلو في الأرض والفساد هما هدي الشيطان وإليهما يدعو وبهما يهلك بني آدم فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو في الأرض والفساد وكبرياء الرب عز وجل تقمع الشيطان وفعله ولهذا كان تكبير الله عز وجل له أثر في إطفاء الحريق، فإن كبرياء الله عز وجل لا يقوم لها شيء، فإذا كبر المسلم ربه أثر تكبيره في خمود النار وخمود الشيطان التي هي مادته فيطفئ الحريق، وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك، والله أعلم". "زاد المعاد" (4/212، 213).
(3) البخاري (9) ومسلم (35) (58) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
----------
(أ) سقط في الأصل الآية رقم 18 من السورة بين الآيتين 17و19 فأثبتها هنا.

miramer
2013-01-01, 18:28
- وفي حديث "الموطأ"(1): "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
48- وفي "سنن ابن ماجه" و"كتاب ابن أبي الدنيا"(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله".
لا إله إلا الله أساس الدين والفارق بين أهل الجنة والنار
49- وهذه الكلمة هي: أساس الدين.
50- وهي: الفارق بين أهل الجنة وأهل النار.
51- كما في "صحيح مسلم"(3) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الموجبتان: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
52- وفي الصحيح(4) عنه: "من مات وهو يعلم أنه لا إله [إلا] الله دخل الجنة".
53- وفي الصحيح(5) أيضا: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".
لا إله إلا الله الكلمة الطيبة التي بعث بها الرسل
54- وهي: الكلمة الطيبة التي ضربها الله مثلا كشجرة طيبة.
55- وهي: بعث بها جميع الرسل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25).
56- : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (الزخرف:45).
لا إله إلا الله هي الكلمة التي جعلها إبراهيم في عقبه وهي دين الإسلام
57- وهي: الكلمة التي جعلها إبراهيم في عقبه: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الزخرف:28).
58- وهي: دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين.
59- {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلَامُ} (آل عمران: من الآية19).
60- {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85).
61- وكل خطبة لا يكون فيها شهادة فهي جذماء.
62- كما في "سنن أبي داود" و"الترمذي"(6) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء".
الحمد مفتاح الكلام
63- والحمد مفتاح الكلام، كما في "سنن أبي داود"(7) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم".
64- ولهذا كانت السنة في الخطب: أن تفتتح بالحمد، ويختم ذكر الله بالتشهد، ثم يتكلم الإنسان بحاجته.
65- وبها جاء التشهد في الصلاة؛ أوله: التحيات لله، وآخره: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
66- وفاتحة الكتاب نصفان: نصف لله، ونصف للعبد. ونصف الرب أوله حمد وآخره توحيد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ونصف العبد هو دعاء وأوله توحيد: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
__________
(1) مالك (500) و(945) (498) والبيهقي (4/284) و(5/117) وعبد الرزاق في المصنف (3585) من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز. وفي الباب: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: رواه الترمذي (3585) وقال: "حديث غريب".
(2) الترمذي (3383) وقال: "حديث حسن غريب"، وابن ماجه (3800) وابن أبي الدنيا في الشكر (102) من حديث جابر. وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2692).
(3) مسلم (93) (151).
(4) مسلم (26) (43) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه. وما بين المعقوفتين زيادة منه.
(5) مسلم (916) (1) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وفي الباب عن أبي هريرة: رواه مسلم (917) (2).
(6) أبو داود (4841) والترمذي (1106) وأحمد (2/343).
وقد أشار الحافظ في "الفتح" (1/8) إلى أن في إسناده مقال.
(7) أبو داود (4840)، وقال: إنه مرسل، وابن ماجه (1894)، وقد أشار الحافظ أيضا في "الفتح" (1/8) إلى أن في إسناده مقال؛ ففيه قرة بن عبد الرحمن ضعيف.

miramer
2013-01-01, 18:30
التكبير والتهليل والتسبيح مقدمة التحميد
67- والتكبير والتهليل والتسبيح مقدمة التحميد.
68- فالمؤذن يقول: "الله أكبر الله أكبر".
ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله".
ويختم الأذان بقوله: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".
69- وكذلك: تكبيرات الإشراف والأعياد تفتتح بالتكبير وتختم بالتوحيد، فالتكبير بساط.
70- وكذلك: "التسبيح" مع "التحميد": "سبحان الله وبحمده"؛ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (طه:130)؛ لأن التسبيح يتضمن نفي النقائص والعيوب، والتحميد يتضمن إثبات صفات الكمال التي يحمد عليها.
فصل
71- وهو في نفس الأمر لا إله غيره، هو أكبر من كل شيء.
72- وهو المستحق للتحميد والتنزيه.
73- وهو متصف بذلك كله في نفس الأمر.
74- فالعباد لا يثبتون له بكلامهم شيئا لم يكن ثابتا له، بل المقصود بكلامهم تحقيق ذلك في أنفسهم، فإنهم يسعدون السعادة التامة إذا صار أحدهم ليس في نفسه إله إلا الله خلص من شرك المشركين.
75- فإن أكثر بني آدم؛ كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106).
76- فهم يقرون أنه رب العالمين لا رب غيره، ومع هذا يشركون به في الحب أو التوكل أو الخوف أو غير ذلك من أنواع الشرك.
77- وأما التوحيد: أن يكون الله أحب إليه من كل ما سواه.
فلا يحب شيئا مثل ما يحب الله.
ولا يخافه كما يخاف الله.
ولا يرجوه كما يرجوه.
ولا يجله ويكرمه مثل ما يجل الله ويكرمه.
78- ومن سوى بينه وبين غيره في أمر من الأمور فهو مشرك؛ إذ كان المشركون لا يسوون بينه وبين غيره في كل [أمر](أ) فإن هذا لم يقله أحد من بني آدم، وهو ممتنع لذاته امتناعا معلوما لبني آدم، لكن منهم من جحده وفضل عليه غيره في العبادة والطاعة، لكن مع هذا لم يثبته ويسوي بينه وبين غيره في كل شيء، بل في كثير من الأشياء.
فمن سوى بينه وبين غيره في أمر من الأمور فهو مشرك.
79- قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الأنعام:1).
أي: يعدلون به غيره.
يقال: عدل به أي جعله عديلا لكذا ومثلا له.
80- وقال تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} إلى قوله: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء:91-98).
81- وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} (البقرة:165).
82- فلا إله إلا هو سبحانه، وما سواه ليس بإله، لكن المشركون عبدوا معه آلهة، وهي أسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، كما يسمى الإنسان -للجاهل عالما وللكاذب صادقا- ويكون ذلك عنده لا في نفس الأمر، وهؤلاء آلهة في نفوس المشركين بهم ليسوا آلهة في نفس الأمر، ولهذا كان ما في نفوسهم من الشرك هو إفكا.
83- قال الله تعالى عن إبراهيم: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} (الصافات:85،86).
84- وقال أيضا: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} (العنكبوت: من الآية17).
85- وقال: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} (الكهف:15).
86- وقال هود لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} (هود: من الآية50).
87- والموحد صادق في قوله لا إله إلا الله، وكلما كرر ذلك تحقق قلبه بالتوحيد والإخلاص.
----------
(أ) زيادة يستقيم بها السياق.

حسن بدر الدين
2013-01-01, 19:32
بارك الله فيكم

miramer
2013-01-02, 17:22
كل ما يخطر بنفس العباد من التعظيم فالله أكبر منه
88- وكذلك قوله: "الله أكبر"؛ فإنه تعالى كل ما يخطر بنفس العباد من التعظيم فهو أكبر منه، الملائكة والجن والإنس، فإنه أي شيء قدر في الأنفس من التعظيم كان دون الذي هو متصف به.
89- كما أنه سبحانه فوق ما يثني عليه العباد، كما قال أعلم الناس به: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"(1).
90- فكلما قال العبد "الله أكبر" تحقق قلبه بأن يكون الله في قلبه أكبر من كل شيء؛ فلا يبقى لمخلوق على القلب ربانية تساوي ربانية الرب فضلا عن أن تكون مثلها.
المحبة المأمور بها والمنهي عنها
91- وهذا داخل في التوحيد لا إله إلا الله، فلا يكون في قلبه لمخلوق شيء من التأله؛ لا قليل ولا كثير، بل التأله كله لله ولكن للمخلوق عنده نوع من القدر والمنزلة والمحبة، وليست كقدر الخالق، والمحبة المأمور بها هي الحب لله كحب الأنبياء والصالحين، فهو يحبهم؛ لأن الله أمر بحبهم، فهذا هو الحب لله، فأما من أحبهم مع الله فهذا مشرك.
92- كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} (البقرة: من الآية165).
الحب في الله إيمان والحب مع الله شرك
93- فالحب في الله إيمان، والحب مع الله شرك.
94- وكذلك إذا قال: "سبحان الله والحمد لله" فقد نزه الرب فنزه قلبه أن يصف الرب بما لا ينبغي له، فكلما سبح الرب تنزهت نفسه عن أن يصف الرب بشيء من السوء.
95- كما قال سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الصافات:180).
96- وقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} (الإسراء:43).
97-فهو سبحانه سبح نفسه عما يصفه المفترون والمشركون.
تسبيح الرب فيه تزكية للنفس
98- فإذا سبح الرب كان قد زكى نفسه، وقد سمى الله الأعمال الصالحة زكاة وتزكية في مثل قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (فصلت:6، 7).
99- قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: {وَيُزَكِّيهِمْ} (البقرة: من الآية129). قال: يعني بالزكاة طاعة الله والإخلاص(1).
فجمع بين التزكية من الكفر والذنوب.
100- وقال مقاتل بن حيان: {وَيُزَكِّيكُمْ} (البقرة: من الآية151): "يطهركم من الذنوب"(2)، هكذا قال في آية البقرة.
101- وقال في آية الصف: "يطهرهم من الذنوب والكفر"(3).
102- وقال ابن جريج: "يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه"(4).
103- وقال السدي: "يأخذ زكاة أموالهم"(5).
104- ففسروا الآية بما يعم زكاة الأعمال وغيرها من الأعمال، فقال: بالإخلاص والطاعة؛ وتزكيتهم من الذنوب والكفر أعظم مقصود الآية والمشركون نجس، والصدقة من تمام التطهر والزكاة، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: من الآية103).
__________
(1) جزء من حديث رواه مسلم (486) (22) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) "تفسير الطبري" (1/558)، و"تفسير القرطبي"(2/17)، و"فتح القدير" (4/35). وطريق علي بن طلحة عن ابن عباس مرسلة لأنه لم يلق ابن عباس بل أرسل عنه التفسير، فقيل سمعه من مجاهد، وقيل من غيره، على أن علي بن طلحة قال فيه أحمد: له أشياء منكرات، قاله العلائي في "جزء الباقيات الصالحات" ص (42،41).
(3) "تفسير الطبري" (1/558) و"تفسير القرطبي" (2/131).
(4) "تفسير القرطبي" (18/92).
(5) "تفسير القرطبي" (18/92).

miramer
2013-01-02, 17:27
تفسير قوله: {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}

105-
وكذلك قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (فصلت: 6، 7).
قال: "هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله"(1).
106- وروي عن عكرمة نحو ذلك(2).
107-

وقال قتادة: "لا يقرون بها ولا يؤمنون بها"(3).
108-

وكذلك قال السدي: "لا يدينون بها، ولو زكّوا وهم مشركون لم ينغعهم"(4).
109-

وقال معاوية بن قرة: "ليسوا من أهلها"(5).
110-

وقد قال موسى لفرعون: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (النازعات:18، 19).
111-

وقال عن الأعمى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} (عبس:3).
112-

وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس:9، 10).
113-

وقال: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} إلى قوله: {وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} (طه: 74-76).
معنى الحمد
114- وكذلك الحمد؛ كلما حمد العبد ربه تحقق حمده في قلبه
ومعرفة بمحامده، ومحبة له، وشكرا له.
115-

والألف واللام في قوله "الحمد لله" فيها قولان:
قيل: هي للجنس كما ذكره بعض المفسرين من المعتزلة وتبعه عليه بعض المنتسبين إلى السنة.
والثاني: وهو الصحيح - أنها للاستغراق، فالحمد كله لله.
116-

كما جاء في الأثر: "لك الحمد كله، ولك الملك كله"(6).
الحمد المستقل والملك المستقل
117-

فله الحمد حمد مستقل، وله الملك ملك مستقل، ولكن هو سبحانه يؤتي الملك من يشاء، والذي يؤتيه هو من ملكه، وكل ما تصرف فيه العبد فهو من ملك الرب، وهو مستقل بالملك، ليس هذا لغيره.
118- كذلك الحمد هو مستقل بالحمد كله؛ فله الحمد كله
وله الملك كله، وكل ما جاء به الإذن من موجود؛ فله الحمد عليه، وكل ما يجعله للعباد مما يحمدون عليه؛ فله الحمد عليه، وإذا ألهمهم الحمد فهو الذي جعلهم حامدين.
الحمد عند أهل السنة والمعتزله
119-

و"المعتزلة" لا يقرون بأنه جعل الحامد حامدا، والمصلي مصليا، والمسلم مسلما، بل يثبتون وجود الأعمال الصالحة من العبد لا من الله، فلا يستحق الحمد على تلك الأعمال على أصلهم؛ إذ كان ما أعطاهم من القدرة والتمكين وإزاحة العلل قد أعطى الكفار مثله، لكن المؤمنون استقلوا بفعل الحسنات كالأب الذي يعطي ابنيه مالا، فهذا ينفقه في الطاعة وهذا ينفقه في المعصية.
120-

فهو عندهم لا يمدح على إنفاق هذا الابن كما لا يذم على إنفاق الآخر.
121-

وأما "أهل السنة" فيقولون كما أخبر الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (الحجرات: 7).
122-

وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف: من الآية43).
123-

وقال الخليل: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ} (إبراهيم: من الآية40).
124- وقال هو وابنه إسماعيل: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} (البقرة: من الآية128).
125-

ويحمدون الله -حمد النعمة وحمد العبادة- كما قد بسط هذا في الكلام في الشكر.
126-

وهو سبحانه جعل من شاء من عباده محمودا، ومحمدا سيد المحمودين، ومحمد تكون صفاته المحمودة أكثر وأحمد يكون أحمد من غيره. فهذا أفضل وذاك أكثر، وهو سبحانه جعل محمدا وأحمد، فهو المحمود على ذلك.
127-

وحمد أهل السماوات والأرض جزء من حمده، فإن حمد المصنوع حمد صانعه، كما أن كل ملك هو جزء من ملكه فله الملك وله الحمد.
تمام الحمد بالتوحيد
128-

والحمد إنما يتم بالتوحيد، وهو مناط للتوحيد، ومقدمة له ولهذا يفتتح به الكلام، ويثنى بالتشهد، وكل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم، وكل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء.
129- وإذا كان الحمد كله له...(أ) بخلاف ما إذا أثبت جنس الحمد من غير استغراق؛ فإن هذا لا يثبت خصائص الرب التي بها يمتاز عن غيره؛ فإن الحمد إذا كان للجنس أوجب أن يكون لغيره أفراد من أفراد هذا الجنس كما تقوله القدرية.
__________
(1) "تفسير الطبري" (24/92)، و"تفسير ابن كثير" (4/93).

(2) "تفسير الطبري"(24/92)، وعزاه في "الدر المنثور"(7/313) لعبد بن حميد والحكيم الترمذي.
(3) "تفسير الطبري"(24/92).
(4) "تفسير الطبري"(24/93).
(5) "تفسير ابن كثير"(4/92).
(6) أخرجه أحمد (5/395، 396) بإسناد منقطع من حديث حذيفة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلما يقول: اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله بيدك الخير كله إليك يرجع الأمر كله علانيته وسره فأهل أن تحمد، إنك على كل شيء قدير، اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني عملا زاكيا ترضى به عني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاك ملك أتاك يعلمك تحميد ربك".
وقال الهيثمي في "المجمع" (10/96): "رواه أحمد وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات".
وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/428، 429) من حديث أنس بنحو القصة وقال: "رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الذكر" ولم يسم تابعيه".
----------
(أ) كذا بالأصل.

miramer
2013-01-02, 17:35
130- وأما أهل السنة فيقولون: الحمد لله كله...(أ) وإنما للعبد حمد مقيد؛ لكون الله تعالى أنعم به عليه، كما للعبد ملك مقيد، وأما الملك المستقل، والحمد المستقل، والملك العام، والحمد العام فهو لله رب العالمين لا إله إلا هو، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
131- وفي "السنن"(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد؛ فقد أدى شكر ذلك اليوم، ومن قال مثل ذلك إذا أمسى فقد أدى شكر تلك الليلة".
132- وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (النحل:53، 54).
133- وقال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (الواقعة:82).
أي: تجعلون شكركم على نعمة الله أنكم تضيفونها إلى غيره بقولكم "مُطرنا بنوء كذا وكذا".
134- وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} (الروم: من الآية33).
135- وقال : {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65).
136- وفي حديث آخر: "من قال إذا أصبح: الحمد لله ربي لا أشرك به شيئا، أشهد أن لا إله إلا الله؛ ظل تغفر له ذنوبه حتى يمسي، وإن قالها حين يمسي؛ ظل تغفر له ذنوبه حتى يصبح" رواه أبان المحاربي عن النبي صلى الله عليه وسلم(2).
137- وقال سعيد بن جبير: إذا قرأت: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (غافر:14) فقل: "لا إله إلا الله"، وقل على أثرها: "الحمد لله رب العالمين" ثم قرأ هذه الآية: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65)(3).
138- وقد روي نحو ذلك عن ابن عباس(4).
139- وقد ثبت في "الصحيحين"(5) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة: "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون".
140- وهذا قد ذكره في أوائل هذه السورة؛ فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} إلى قوله: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (غافر:10-14).
نوعان من الدعاء من دعا بهما فقد دعا الله باسمه الأعظم
141- وفي "السنن" نوعان من الدعاء، يقال في كل منهما لمن دعا به إنه دعى الله باسمه الأعظم:
أحدهما: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، أنت الله المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام"(6).
والآخر: "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"(7).
142- والأول: سؤال بأنه المحمود، والثاني: سؤال بأنه الأحد. فذاك سؤال بكونه محمودا، وهذا سؤال بوحدانيته المقتضية توحيدا، وهو في نفسه محمود يستحق الحمد معبود يستحق العبادة.
143- والنصف الأول من الفاتحة -الذي هو نصف الرب- أوله تحميد وآخره تعبيد.
144- وقد بسط مثل هذا في مواضع(8) وبُيِّن أن التحميد والتوحيد مقرونان ولا بد منهما في كل خطبة.
145- فـ"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" و"كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء"(9).
146- و"الحمد" مقرون بـ"التسبيح"، و"لا إله إلا الله" مقرون بـ"التكبير"، فذاك تحميده، وهذا توحيده.
147- قال تعالى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر: من الآية65).
148- ففي أحدهما: إثبات المحامد له، وذلك يتضمن جميع صفات الكمال ومنع النقائص.
وفي الآخر: إثبات وحدانيته في ذلك وأنه ليس له كفؤ في ذلك.
149- وقد بينا في غير هذا الموضع أن هذين الأصلين يجمعان جميع أنواع التنزيه.
إثبات المحامد يستلزم نفي النقائص
150- فإثبات المحامد المتضمنة لصفات الكمال تستلزم نفي النقص وإثبات وحدانيته، وأنه ليس له كفؤ في ذلك يقتضي أنه لا مثل له في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقائص، ومنزه أن يماثله شيء في صفات الكمال.
151- كما دل على هذين الأصلين قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الإخلاص:1-4).
152- واسمه "الله" تضمن جميع المحامد.
فإنه يتضمن الإلهية المستلزمة لذلك.
153- فإذا قيل: "لا إله إلا الله"؛ تضمنت هذه الكلمة إثبات جميع المحامد، وأنه ليس له فيها نظير؛ إذ هو إله، لا إله إلا هو، والشرك كله: إثبات نظير لله عز وجل.
154- ولهذا يسبح نفسه ويعاليها عن الشرك في مثل قوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (المؤمنون:91، 92).
155- وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الانبياء:21، 22).
156- فإن الشرك قول هو وصف، وعمل هو قصد، فنزه نفسه عما يصفون بالقول والاعتقاد، وعن أن يعبد معه غيره.
157- وأعظم آية في القرآن: آية الكرسي.
أولها: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (البقرة: من الآية255).
فقوله: {اللَّهُ} هو اسمه المتضمن لجميع المحامد وصفات الكمال.
وقوله {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} نفي للنظراء والأمثال.
158- وكذلك أول الكلمات العشر التي في التوراة: "يا إسرائيل أنا الله لا إله إلا أنا" جمع بين الإثبات ونفي الشريك.
159- فالإثبات لرد التعطيل، والتوحيد لنفي الشرك.
__________
(1) أبو داود (5073) والنسائي في الكبرى (9835) من حديث عبد الله بن غنام البياضي. وضعفه الألباني في "تخريج الكلم الطيب" (26).
(2) رواه الطبراني في الكبير (1/231) برقم (635).
وقال الهيثمي في "المجمع" (10/117): "رواه الطبراني وفيه: أبان ابن أبي عياش، وهو متروك". وضعفه أيضا: الحافظ في "الإصابة" (1/18).
(3) "تفسير الطبري" (24/81).
(4) الحاكم (2/476) وقال: "صحيح على شرط الشيخين" والطبري (24/81).
(5) الحديث في مسلم (594) (139) ولم يروه البخاري.
(6) أبو داود (1495) والنسائي (3/52) وفي الكبرى (1132) والترمذي (3544) وأحمد (3/120) وابن ماجه (3858) وصححه ابن حبان (893) والحاكم (1/503، 504) ووافقه الذهبي من حديث أنس رضي الله عنه.
وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (3858).
(7) أبو داود (1493، 1494)، والنسائي (3/52)، والترمذي (3475)، وأحمد (5/349، 350، 360)، وابن ماجه (3857) والبغوي (1295، 1260) وصححه ابن حبان (891، 892) والحاكم (1/504) ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (3475) من حديث بريدة رضي الله عنه.
(8) راجع: "مجموع الفتاوى" (8/34)، (16/118)، (24/235).
(9) راجع تخريج ذلك فيما تقدم ص (30).
----------
(أ) بياض بالأصل.