المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمود درويش لا يريد لقصيدته أن تنتهي!!!


gatboulerbah
2009-03-31, 21:59
محمود درويش لا يريد لقصيدته أن تنتهي



تشكل مجموعة محمود درويش، التي صدرت بعد رحيله، عالما مليئا بالتساؤل الذي لم يلق غير أجوبة مرة وبالغصات وبواقع يرثه الانسان ليجد أنه لا حول له فيه.

وعلى خلاف قول ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود" سيجد هذا الانسان نفسه في وضع يمكن اختصاره بالقول "أنا موجود إذن أنا ضحية آلام لا حدّ لها".

يصور درويش في جل ما في المجموعة الجديدة أو كلها آلام الانسان الرهيبة. لكنها هنا تطلّ من وجه فلسطيني ومن كفّين داميتين لانسان محكوم عليه بالصلب الدائم. ولربما شكل الانسان الفلسطيني المعاصر مثالا صارخا على اسطورة سيزيف لا يكاد يرفع الصخرة قليلا حتى تنهار عليه وطيور جارحة وحشية تنهش كبده.

لقد تحول الانسان عامة عند الشاعر هنا من خلال الانسان الفلسطيني لا الى لاعب نرد بل في الواقع الى حجر نرد يرمى به فلا يستطيع ان يعرف الا مكان سقوطه. وهذا المكان ليس مكانا ثابتا، فبعد كلّ فكل إلقاء جديد لحجر النرد قد يقذف به إلى مكان آخر أو إلى وهدة أخرى.

لقد تحول هذا الانسان إلى "الفلسطيني التائه" عوضا عن تعبير اليهودي التائه الذي ألفناه تاريخيا. بل إن ما أصاب هذا الفلسطيني من آلام يصح فيها قول لأحد كبار المفكرين من أنها تشكل أعظم آلام "لأعظم صبر في التاريخ".

مجموعة محمود درويش الجديدة حملت عنوانا هو "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" ووصفها الناشر بأنها "الديوان الأخير" للشاعر الذي توفي في السادس من اغسطس/ آب 2008.

جاءت المجموعة في 157 صفحة متوسطة القطع وتوزعت على ثلاثة أقسام ضمت ما يزيد على 32 قصيدة طويلة بتفاوت. صدرت المجموعة عن دار "رياض الريس للكتب والنشر."
أما الأقسام الثلاثة فجاءت عناوينها كما يلي "لاعب النرد" و"لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" و"ليس هذا الورق الذابل إلا كلمات".

واحتوى كل قسم على عدد من القصائد. وفي القصائد كلها يطل محمود درويش لا كشاعر كبير فحسب بل "كمعلم" في فن الكلمة والتعبير وفي إثارة أحزان وجودية وطرح أحزان وجودية أيضا.

وزعت دار "رياض الريس للكتب والنشر" مع المجموعة كتيبا صغيرا كتبه الروائي والصحافي اللبناني إلياس خوري، أحد أصدقاء الشاعر الراحل، تحدّث فيه عن كيفية عثوره مع عدد من المثقفين من أصدقاء الراحل وأقربائه على قصائد المجموعة وكيفية تعامل خوري مع مشروع نشرها الذي كلّف به. وجعل خوري عنوان الكتيب "محمود درويش وحكاية الديوان الأخير". كما وزعت دار النشر كتيبا آخر أكبر من الأول حمل قصائد مختارة من شعر درويش.

كتب خوري أن درويش كان قد تحدث عن وجود ديوان له و فهم من كلامه أنه أعده كعادته من الدقة في إعداد أي موضوع وأي قصيدة. وبعد عرض مؤثر في النفس وصل خوري إلى القول في القسم الثالث من الكتيب "المفاجأة التي صعقتنا حين دخلنا منزل درويش في عمان هي أن الشاعر لم ينظّم أوراقه قبل الرحيل. يبدو أن الرجل صدّق الأطباء وكذب حدس الشاعر الذي جعل الموت يتسلل إلى جميع قصائده الاخيرة. وجدنا أن أوراقه الشعرية غير منظمة وكان علينا أن نعيد ترتيبها من دون أن نمسها تقريبا".

بعض القصائد التي لم يعطها الشاعر عناوين وضع خوري عناوين لها استلهمها من القصائد نفسها. وهذا ما حدث بالنسبة إلى عنوان المجموعة فهو عنوان قصيدة طويلة جعل خوري من قول للشاعر فيها عنوانا لها وللكتاب. بعض هذه القصائد وهو قليل كان الشاعر قد ألقاه في مناسبات.

في القصيدة الطويلة "على محطة قطار سقط عن الخريطة" ينقل درويش برموز وصور وجولات فكرية عميقة نفّاذة المأساة البشرية كما تعبر عن نفسها بشكل خاص من خلال آلام الانسان الفلسطيني.

ومما جاء في القصيدة:

"عشب، هواء يابس، شوك وصبّار
على سكك الحديد، هناك شكل الشيء "
في عبثية اللاشكل يمضغ ظله..."
وقفت على المحطة لا لانتظر القطار...
بل لاعرف كيف جن البحر وانكسر المكان
كجرة خزفية، ومتى ولدت واين عشت "
وكيف هاجرت الطيور الى الجنوب او الشمال..."
كنا طيبين وسذجا. قلنا البلاد بلادنا
"قلب الخريطة لن تصاب باي داء خارجي..."
وقفت في الستين من جرحي وقفت على
المحطة لا لانتظر القطار ولا هتاف العائدين...
هل مرّ بي شبحي ولوّح من بعيد واختفى
"وسألته: هل كلما ابتسم الغريب لنا وحيانا" ذبحنا للغريب غزالة..".

أما قصيدة "لاعب النرد" ذات الجمالية الشديدة المرارة فتختصر كثيرا مما في المجموعة ككل بل إنها ربما شكلت موقفا من الحياة يعتبر الانسان مثل ريشة في مهب رياح الأرض أو لاعب نرد كما يتصور نفسه ثم لا يلبث أن يتبين له أنه حجر نرد تتلاعب به الأصابع وترميه بشكل هادف مرة وبما يبدو عبثيا في أشكال أخرى.

هل تتجه الحياة إلى غاية أم لعل الانسان ابن الصدفة وحدها فهي التي تعطيه حياته وشخصيته أو تسلب منه الاثنتين؟.

وعندما تتحول الحياة إلى ما يشبه "اليانصيب" يصبح لا بد من التساؤل عن غايتها. ونعود معه من جديد كذلك إلى مسألة الجبرية والاختيار.

يدخل محمود درويش عالم الفكر والتساؤل الفكري بقدرة فنية تشبه ما قيل عن النعامة من أنها تستطيع أن تهضم "الزلط". وهو هنا يحول المسائل الفكرية الباردة، القديم منها والجديد: إلى حالات وجدانية شعرية تجعل الأسئلة القديمة كأنها تطرح جديدة.
يبدأ الشاعر القصيدة الطويلة الملحمية الأحزان بقوله متسائلا:


"من أنا لأقول لكم "ما اقول لكم؟
" وأنا لم أكن حجرا صقلته المياه
فأصبح وجها
ولا قصبا ثقبته الرياح
فأصبح نايا...
أنا لاعب النرد "أربح حينا وأخسر حينا"
أنا مثلكم أو أقل قليلا...
وانتميت إلى عائلة مصادفة....
ولدت بلا زفّة وبلا قابلة
وسميت باسمي مصادفة
"وانتميت الى عائلة مصادفة"
ورثت ملامحها والصفات
وأمراضها...
ليس لي دور بما كنت
"كانت مصادفة أن أكون " ذكرا...
كان يمكن ألا أكون
"كان يمكن أن لا يكون أبي" قد تزوج أمي مصادفة "
أو أكون" مثل اختي التي صرخت ثم ماتت
ولم تنتبه
إلى أنها ولدت ساعة واحدة..."
يضيف:
"كان يمكن ألا أكون مصابا
بجنّ المعلقة الجاهلية
لو أن بوابة البيت كانت شمالية
لا تطل على البحر...
نجوت مصادفة: كنت أصغر من هدف عسكري
"واكبر من نحلة تتنقل بين زهور السياج...
لادور لي في حياتي سوى أنني
"عندما علّمتني تراتيلها" قلت هل من مزيد...؟
لا دور لي في القصيدة "غير امتثالي لإيقاعها..
." من أنا لأقول لكم "ما اقول لكم"
كان يمكن ألا أكون أنا من أنا
كان يمكن ألا أكون هنا...".


في قصيدة "سيناريو جاهز" يصف محنته كفلسطيني مع "الآخر" في وطنه فيقول:

"لنفترض الآن أنّا سقطنا
أنا والعدوّ
سقطنا من الجو
في حفرة...
فماذا سيحدث...؟
أنا وهو
شريكان في شرك واحد
"وشريكان في لعبة الاحتمالات ننتظر الحبل.. حبل النجاة
"لنمضي على حدة"
وعلى حافة الحفرة – الهاوية
إلى ما تبقى لنا من حياة
وحرب..
إذا ما استطعنا النجاة
أنا وهو
خائفان معا
ولا نتبادل أي حديث "عن الخوف... أو غيره
" نحن عدوان... "
قال لي: هل تفاوضني الآن؟
قلت على أي شيء تفاوضني الآن
"في هذه الحفرة القبر"
قال: على حصتي وعلى حصتك "من سدانا ومن قبرنا المشترك"
قلت: ما الفائدة
هرب الوقت منا
وشذ المصير عن القاعدة
ههنا قاتل وقتيل ينامان في حفرة واحدة ...".


أما قصيدة "في بيت نزار قباني" ففيها يتحدث عن موته الذي أجّله:


"قلت له حين متنا معا "
وعلى حدة: أنت في حاجة لهواء دمشق"
فقال سأقفز بعد قليل لارقد في "حفرة من سماء دمشق.
فقلت: انتظر" ريثما أتعافى لأحمل عنك الكلام "الأخير انتظرني ولا تذهب الآن..."
قال انتظر أنت عش أنت بعدي لا بد من
شاعر ينتظر
فانتظرت! وارجأت موتي".

في قصيدة "لو ولدت" اختصار لوضع "الفلسطيني التائه" ينقله بمأساوية "عملية" هي بنت الواقع لا الخيال، يقول:

"لو ولدت من امرأة استرالية
وأب أرمني/ ومسقط رأسك كان فرنسا
ماذا تكون هويتك اليوم؟
-طبعا ثلاثية
وجنسيتي "فرنسية" وحقوقي "فرنسية" وإلى آخره ...
- وان كانت الأم مصرية "وجدّتك من حلب" ومكان الولادة في يثرب
وأما أبوك فمن غزة
فماذا تكون هويتك اليوم؟....
- طبعا رباعية مثل ألوان رايتنا العربية
سوداء، خضراء، حمراء، بيضاء
"ولكن جنسيتي تتخمر في المختبر" وأما جواز السفر
"فما زال مثل فلسطين مسألة كان فيها نظر"
ومازال فيها نظر! وإلى آخره ..."