مؤمل النهر
2012-12-31, 02:37
حـقـوق الـحـيـوان فـي الإسـلام !!
ربما تتسائلون لماذا التحدث عن حقوق الحيوان في عصر ضاعت فيه ( حقوق الإنسان ) ؟!!
ولكن لا بأس من ذكر حقوق الحيوان تذكيراً للبعض بتعاليم ديننا الذي ينظم كل أمور الحياة, لنبذ الأنانية ولنعلم أن الكون لم يُخلق لنا وحدنا بل هناك كائنات تشاركنا فيه ولها الحق في سكنى الأرض والتنقل فيها والتمتع بخيراتها من ماء ومرعى, ولا يجوز التضييق على الحيوانات وحرمانها من نعم الله في أرضه..
لنبدأ بذكر بعض حقوق الحيوان في الإسلام :
1- الإحسان اليه حتى حال ذبحه، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن رسول الله ص قال: (إن الله كتب الاحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) راوه مسلم.
2- حرمة دم الحيوان، فدم الحيوان مُصان إلا ما أحل الله ذبحه لأكله ـ وما أحل الله قتله لأذيته.
ملاحظة:
(جواز قتل بعض الحيوانات شرط بالإيذاء، فإذا انتفى الإيذاء فلا يجوز قتلها كتلك التي تعيش في الغابات أو بعيداً عن السكن والإقامة. أيضاً لا يجوز قتل الكلاب السائبة الغير مؤذية، بل الأصل الإحسان إليها، وعلى الدولة إبعادها عن المدن إلى الأماكن المناسبة لعَيشها)
3- لايجوز تعذيب الحيوان، أخرج الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً .
4- يحرم حبس الحيوان والتضييق عليه، ففي الصحيحين أن امرأة عذبت ودخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
5- عدم إرهاقه في العمل، فهذا حق للحيوان سوف تحاسَب عنه يوم القيامة اذا حمّلته مالا يطيق، تأمل معي قصة الجمل الذي اشتكى لرسول الله ما يلاقيه من تعب وجوع، فعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله ذات يوم خلفه فأسّر إلي حديثاً لا أخبر به أحداً أبداً، وكان رسول الله ص أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوماً حائطاً من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه، فجرجر وذرفت عيناه فمسح رسول الله ص سراته وذفراه (ذفري البعير: أصل أذنه)، وهو الموضع الذي يعرق منه الإبل خلف الأذن - فسكن فقال: (مَن صاحب الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال: هو لي يارسول الله فقال (أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله! إنه اشتكى إلي أنك تجيعه وتدئبه - أي تتعبه -)
فليسمع هذا دعاة حقوق الانسان وأولئك الذين يظلِمون الناس ويأكلون حقوقهم، وقد أمر رسول الله ص من كان عنده رقيق أن لا يكلفهم مالا يطيقون, وإن فعل أن يعينهم بنفسه، فكيف بمن يُرهق عماله وخدمه ومستخدميه وموظفيه، ثم يأكل حقوقهم وأموالهم بالباطل ؟!
6- استخدامه فيما خلق له وعدم استخدامه في غير ما سخر له، في الصحيحين أن رجلاً كان يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني إنما خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله، أبقرة تكلّم؟ فقال رسول الله ص: (وإني أومن به وأبوبكر وعمر).
7- احترام مشاعر الحيوان، فقد نهى النبي ص أن يحد السكين بحضرة الحيوان الذي يُذبح، فمرة مر على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال:(أفلا قبل هذا! أتريد أن تميتها موتتين؟) رواه الطبراني وغيره. بل إن الإسلام راعى حق الأمومة عند الحيوان، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله ص، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرةً معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرّش، فجاء النبي ص فقال: (من فَجَع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها!).
الاعـتـنـاء بـالـحـيـوانـات فـي عـهـد الـدولـة الإسـلامـيـة :
هل تعلمون أن الحضارة الإسلامية أول حضارة بشرية تـُقـِر مبدأ حقوق الحيوان وتـُلزِم الناس به ؟
ونحن لا نقول ذلك من باب التجميل بل من باب إظهار الحقيقة ..
نأتي لصورة رائعة وصفحة من صفحات تاريخنا وحضارتنا الزاهرة ..
عندما كانت هناك خلافة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية وتدافع عن الإسلام فعاش المسلمون في عز ومجد ورخاء ..
لنذكر كيف كان اعتناء أسلافنا بالحيوانات التي تعيش معهم وشيوع مبدأ "حقوق الحيوان" حينها :
فقد كانت هناك أوقافاً خاصة لتطبيب الحيوانات المريضة, وأوقافاً لرعي الحيوانات المسنّة العاجزة (ومنها أرض المرج الأخضر التي يقام عليها الآن الملعب البلدي في دمشق) فإنها كانت وقف للخيول العاجزة التي يأبى أصحابها أن ينفقوا عليها لعدم الانتفاع منها, فترعى في هذه الأرض حتى تموت, وأيضاً كان هناك وقف للقطط تأكل منه وترعى وتنام حتى كان يجتمع في دارها المخصصة لها مئات القطط الفارهة السمينة التي يُقدم لها الطعام كل يوم وهي مقيمة لا تتحرك إلا للرياضة أو للنزهة !!
فقد كان شخص موظف في الدولة اسمه (المحتسب) مثل الشرطي في أيامنا هذه, كان مِن مهمته أن يمنع الناس من تحميل الدواب فوق ما تطيق أو تعذيبها وضربها أثناء السير, ومن رآه يفعل ذلك عاقبة وحاسبه, ويجبرهم المحتسب على فعل ذلك لما فيه من المصلحة ولا يُحمِّلون الدواب أكثر من طاقتها, ولا يسوقونها سَوقاً شديداً تحت الأحمال, ولا يضربونها ضرباً قوياً, ولا يوقفونها في العِراص (الساحات العامة) وعلى ظهورها أحمالها, فإن هذا كله نهت الشريعة المطهرة عن فعله, وعليهم أن يراقبوا الله عز وجل في علف الدابة وعليقها ويكون موفراً عليها بحيث يحصل به الشبع ولا يكون مبخوساً ولا نزراً (1)
أيضا في عهد نور الدين زنكي فقد فكّرَ نور الدين زنكي بالحيوانات المُسنَّة والمريضة التي لم تعد تصلح للخدمة، وقد كان أكثر هذه الحيوانات قد اشتركت مع جيوش المسلمين في الدفاع والذود عن ديار الإسلام في وجه الصليبيين، فلم يجد شيئاً يجازيها به ويشكر صنيعها إلا أنْ قام بتخصيص أرض تقع غرب دمشق تكثر فيها الحشائش، ويمر بها نهر بردى، تُوقَـَفُ هذه الأرض لحاجة تلك الحيوانات، وأقام عليها بياطرة يعتنون بها! فكانت تقضي بقية عمرها بهدوء، فلا يزعجها أحد ولا تتشرد في الفلوات وفاءً منه لما مضى لها من فِعال.
أرأيتم ؟ كيف أعطى الإسلام للحيوان حقوقه كافة بما يحقق المصلحة للحيوان والإنسان، بدون إفراط أو تفريط ؟
وكيف كان أسلافنا العظام يعتنون بالحيوانات ويحفظون لها جميلها ويجازونها به ؟!
لم تقتصر توجيهات الإسلام على حفظ حقوق الحيوان المادية، بل شملت الحفاظ على مشاعره، وهذا يظهر جلياً في تحريم لعن الدواب، وتحريم ذبح الحيوان أمام الآخر
هذه صور من أيام حضارتنا الزاهرة تبين ما وصل إليه أسلافنا من تطور ورقي ..
إخواني.. لقد ساد أجدادنا الدنيا لأنهم طبقوا أوامر ربهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم, وأنشأوا حضارة راقية متميزة ساهمت في تقدم الإنسانية, بالله عليكم اذكروا لي دولة اهتمت بالحيوانات التي تسكن بها كما اهتمت دولتنا ؟ اذكروا لي دينا ورد فيه كل هذا التفصيل لحقوق الحيوان ؟
إذا كان هذا حال الحيوانات فما حال الناس حينها ؟ في عهد دولة الإسلام ؟
هكذا أنشأ الإسلام مجتمع قوي متآلف مترابط ..
لا فضل فيه لأعجمي على عربي إلا بالتقوى, القوي هو صاحب الحق أياً كان والضعيف هو الظالم أياً كان.. لا يوجد شيء اسمه رشاوي ومحسوبيات فيأخذ صاحب السلطة والمال حق الضعيف الفقير كما يحدث للأسف اليوم, هل سمعتم بمحاكمة سمرقند؟ أعظم وأعجب محاكمة في التاريخ التي جرت بين المسلمين الفاتحين وأهل سمرقند في عهد عمر بن عبد العزيز, عندما دخل الفاتح الإسلامي قتيبة بن مسلم سمرقند دون أن يخيّر أهلها بخيارات المسلمين الشهيرة (الإسلام, الجزية, الحرب) فحَكَم القاضي بوجوب خروج المسلمين خفافاً كما دخلوها (بلا مكاسب تجارية) !! وقام القاضي وخرج وسط ذهول جميع أهل سمرقند ! أمام هذه الأخلاق الكبيرة والعظيمة دخل أهل سمرقند تحت ظلال هذا الدين ..
القصة معروفة في التاريخ وتدل على عظمة المسلمين وعزتهم وعدلهم حتى لو كانوا أقوياء ..
وتاريخنا مليء جداً جداً مما عجزت أن تسطره الأقلام وتحتويه الكتب بالمفاخر والأمجاد
قمة القوة أن تعدل وترحم عند الانتصار.. وهذه هي أخلاق رسول الله عندما فتح مكة واقتدى به المسلمون من بعده ..
كل هذا بسبب تعاليم الإسلام العادلة (العدل أساس الملك) مكّن الله للمسلمين الأرض وأقاموا حضارة شهد لها العدو قبل الصديق ..
أحسن الله لكم وعذراً على الإطالة ونفع الله بنا وبكم وجزيتم خيراً .
----------------------
* مستفاد من كتاب: (من روائع حضارتنا) للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله .
ربما تتسائلون لماذا التحدث عن حقوق الحيوان في عصر ضاعت فيه ( حقوق الإنسان ) ؟!!
ولكن لا بأس من ذكر حقوق الحيوان تذكيراً للبعض بتعاليم ديننا الذي ينظم كل أمور الحياة, لنبذ الأنانية ولنعلم أن الكون لم يُخلق لنا وحدنا بل هناك كائنات تشاركنا فيه ولها الحق في سكنى الأرض والتنقل فيها والتمتع بخيراتها من ماء ومرعى, ولا يجوز التضييق على الحيوانات وحرمانها من نعم الله في أرضه..
لنبدأ بذكر بعض حقوق الحيوان في الإسلام :
1- الإحسان اليه حتى حال ذبحه، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن رسول الله ص قال: (إن الله كتب الاحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) راوه مسلم.
2- حرمة دم الحيوان، فدم الحيوان مُصان إلا ما أحل الله ذبحه لأكله ـ وما أحل الله قتله لأذيته.
ملاحظة:
(جواز قتل بعض الحيوانات شرط بالإيذاء، فإذا انتفى الإيذاء فلا يجوز قتلها كتلك التي تعيش في الغابات أو بعيداً عن السكن والإقامة. أيضاً لا يجوز قتل الكلاب السائبة الغير مؤذية، بل الأصل الإحسان إليها، وعلى الدولة إبعادها عن المدن إلى الأماكن المناسبة لعَيشها)
3- لايجوز تعذيب الحيوان، أخرج الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً .
4- يحرم حبس الحيوان والتضييق عليه، ففي الصحيحين أن امرأة عذبت ودخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
5- عدم إرهاقه في العمل، فهذا حق للحيوان سوف تحاسَب عنه يوم القيامة اذا حمّلته مالا يطيق، تأمل معي قصة الجمل الذي اشتكى لرسول الله ما يلاقيه من تعب وجوع، فعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله ذات يوم خلفه فأسّر إلي حديثاً لا أخبر به أحداً أبداً، وكان رسول الله ص أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوماً حائطاً من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه، فجرجر وذرفت عيناه فمسح رسول الله ص سراته وذفراه (ذفري البعير: أصل أذنه)، وهو الموضع الذي يعرق منه الإبل خلف الأذن - فسكن فقال: (مَن صاحب الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال: هو لي يارسول الله فقال (أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله! إنه اشتكى إلي أنك تجيعه وتدئبه - أي تتعبه -)
فليسمع هذا دعاة حقوق الانسان وأولئك الذين يظلِمون الناس ويأكلون حقوقهم، وقد أمر رسول الله ص من كان عنده رقيق أن لا يكلفهم مالا يطيقون, وإن فعل أن يعينهم بنفسه، فكيف بمن يُرهق عماله وخدمه ومستخدميه وموظفيه، ثم يأكل حقوقهم وأموالهم بالباطل ؟!
6- استخدامه فيما خلق له وعدم استخدامه في غير ما سخر له، في الصحيحين أن رجلاً كان يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني إنما خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله، أبقرة تكلّم؟ فقال رسول الله ص: (وإني أومن به وأبوبكر وعمر).
7- احترام مشاعر الحيوان، فقد نهى النبي ص أن يحد السكين بحضرة الحيوان الذي يُذبح، فمرة مر على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال:(أفلا قبل هذا! أتريد أن تميتها موتتين؟) رواه الطبراني وغيره. بل إن الإسلام راعى حق الأمومة عند الحيوان، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله ص، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرةً معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرّش، فجاء النبي ص فقال: (من فَجَع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها!).
الاعـتـنـاء بـالـحـيـوانـات فـي عـهـد الـدولـة الإسـلامـيـة :
هل تعلمون أن الحضارة الإسلامية أول حضارة بشرية تـُقـِر مبدأ حقوق الحيوان وتـُلزِم الناس به ؟
ونحن لا نقول ذلك من باب التجميل بل من باب إظهار الحقيقة ..
نأتي لصورة رائعة وصفحة من صفحات تاريخنا وحضارتنا الزاهرة ..
عندما كانت هناك خلافة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية وتدافع عن الإسلام فعاش المسلمون في عز ومجد ورخاء ..
لنذكر كيف كان اعتناء أسلافنا بالحيوانات التي تعيش معهم وشيوع مبدأ "حقوق الحيوان" حينها :
فقد كانت هناك أوقافاً خاصة لتطبيب الحيوانات المريضة, وأوقافاً لرعي الحيوانات المسنّة العاجزة (ومنها أرض المرج الأخضر التي يقام عليها الآن الملعب البلدي في دمشق) فإنها كانت وقف للخيول العاجزة التي يأبى أصحابها أن ينفقوا عليها لعدم الانتفاع منها, فترعى في هذه الأرض حتى تموت, وأيضاً كان هناك وقف للقطط تأكل منه وترعى وتنام حتى كان يجتمع في دارها المخصصة لها مئات القطط الفارهة السمينة التي يُقدم لها الطعام كل يوم وهي مقيمة لا تتحرك إلا للرياضة أو للنزهة !!
فقد كان شخص موظف في الدولة اسمه (المحتسب) مثل الشرطي في أيامنا هذه, كان مِن مهمته أن يمنع الناس من تحميل الدواب فوق ما تطيق أو تعذيبها وضربها أثناء السير, ومن رآه يفعل ذلك عاقبة وحاسبه, ويجبرهم المحتسب على فعل ذلك لما فيه من المصلحة ولا يُحمِّلون الدواب أكثر من طاقتها, ولا يسوقونها سَوقاً شديداً تحت الأحمال, ولا يضربونها ضرباً قوياً, ولا يوقفونها في العِراص (الساحات العامة) وعلى ظهورها أحمالها, فإن هذا كله نهت الشريعة المطهرة عن فعله, وعليهم أن يراقبوا الله عز وجل في علف الدابة وعليقها ويكون موفراً عليها بحيث يحصل به الشبع ولا يكون مبخوساً ولا نزراً (1)
أيضا في عهد نور الدين زنكي فقد فكّرَ نور الدين زنكي بالحيوانات المُسنَّة والمريضة التي لم تعد تصلح للخدمة، وقد كان أكثر هذه الحيوانات قد اشتركت مع جيوش المسلمين في الدفاع والذود عن ديار الإسلام في وجه الصليبيين، فلم يجد شيئاً يجازيها به ويشكر صنيعها إلا أنْ قام بتخصيص أرض تقع غرب دمشق تكثر فيها الحشائش، ويمر بها نهر بردى، تُوقَـَفُ هذه الأرض لحاجة تلك الحيوانات، وأقام عليها بياطرة يعتنون بها! فكانت تقضي بقية عمرها بهدوء، فلا يزعجها أحد ولا تتشرد في الفلوات وفاءً منه لما مضى لها من فِعال.
أرأيتم ؟ كيف أعطى الإسلام للحيوان حقوقه كافة بما يحقق المصلحة للحيوان والإنسان، بدون إفراط أو تفريط ؟
وكيف كان أسلافنا العظام يعتنون بالحيوانات ويحفظون لها جميلها ويجازونها به ؟!
لم تقتصر توجيهات الإسلام على حفظ حقوق الحيوان المادية، بل شملت الحفاظ على مشاعره، وهذا يظهر جلياً في تحريم لعن الدواب، وتحريم ذبح الحيوان أمام الآخر
هذه صور من أيام حضارتنا الزاهرة تبين ما وصل إليه أسلافنا من تطور ورقي ..
إخواني.. لقد ساد أجدادنا الدنيا لأنهم طبقوا أوامر ربهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم, وأنشأوا حضارة راقية متميزة ساهمت في تقدم الإنسانية, بالله عليكم اذكروا لي دولة اهتمت بالحيوانات التي تسكن بها كما اهتمت دولتنا ؟ اذكروا لي دينا ورد فيه كل هذا التفصيل لحقوق الحيوان ؟
إذا كان هذا حال الحيوانات فما حال الناس حينها ؟ في عهد دولة الإسلام ؟
هكذا أنشأ الإسلام مجتمع قوي متآلف مترابط ..
لا فضل فيه لأعجمي على عربي إلا بالتقوى, القوي هو صاحب الحق أياً كان والضعيف هو الظالم أياً كان.. لا يوجد شيء اسمه رشاوي ومحسوبيات فيأخذ صاحب السلطة والمال حق الضعيف الفقير كما يحدث للأسف اليوم, هل سمعتم بمحاكمة سمرقند؟ أعظم وأعجب محاكمة في التاريخ التي جرت بين المسلمين الفاتحين وأهل سمرقند في عهد عمر بن عبد العزيز, عندما دخل الفاتح الإسلامي قتيبة بن مسلم سمرقند دون أن يخيّر أهلها بخيارات المسلمين الشهيرة (الإسلام, الجزية, الحرب) فحَكَم القاضي بوجوب خروج المسلمين خفافاً كما دخلوها (بلا مكاسب تجارية) !! وقام القاضي وخرج وسط ذهول جميع أهل سمرقند ! أمام هذه الأخلاق الكبيرة والعظيمة دخل أهل سمرقند تحت ظلال هذا الدين ..
القصة معروفة في التاريخ وتدل على عظمة المسلمين وعزتهم وعدلهم حتى لو كانوا أقوياء ..
وتاريخنا مليء جداً جداً مما عجزت أن تسطره الأقلام وتحتويه الكتب بالمفاخر والأمجاد
قمة القوة أن تعدل وترحم عند الانتصار.. وهذه هي أخلاق رسول الله عندما فتح مكة واقتدى به المسلمون من بعده ..
كل هذا بسبب تعاليم الإسلام العادلة (العدل أساس الملك) مكّن الله للمسلمين الأرض وأقاموا حضارة شهد لها العدو قبل الصديق ..
أحسن الله لكم وعذراً على الإطالة ونفع الله بنا وبكم وجزيتم خيراً .
----------------------
* مستفاد من كتاب: (من روائع حضارتنا) للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله .