المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشعاشة...دائرة هربت من المشاكل الاجتماعية فوقعت في عرينها


AZIZ27
2009-03-31, 20:50
كتبهاعبد الوهاب ، في 16 أغسطس 2008 الساعة: 16:08 م


رغم كثافتها السكانية وأهميتها الإستراتيجية بمستغانم
عشعاشة…دائرة هربت من المشاكل الاجتماعية فوقعت في عرينها
كل الأوصاف لو استشيرت لأبت أن تكون صفة لهذه المنطقة، فرغم هدوئها وصفاء سمائها ونقاء هوائها، إلاّ أنها لا زالت تقبع في ذيل القضايا التي تشغل المسؤولين المحليين على الأقل، لا ماء- إلاّ ذلك الذي يحصل عليه المرء من بئر مشتركة، ينقله على ظهور الحيوانات…لا غاز ولا شيء، هذا الوصف الأخير الذي لا نكون مبالغين إذا قلنا بأنه يجسد بحق ما هي عليه دائرة تقع في أقصى شرق مستغانم، دائرة اسمها “عشعاشة “، بعيدة من مقر الولاية ببضعة كيلومترات لا تتجاوز ثمانين كيلومتر، لكنها بعيدة كذلك بعد السماء عن الأرض عن واقع اسمه التطور وسياسة أساسها التنمية المستدامة، سياسة استبيحت من أجل الوصول إلى مصالح شخصية ومآرب ذاتية بمختلف البلديات الأربعة المترامية الأطراف، إذ يعتبر القائمون على توزيع المشاريع وهذا رأي قد يشاطرني فيه حتى من تولوا هذه المسؤولية في يوم من الأيام، أنّ الامتداد الإداري والإقليمي لا يتجاوز بلدية سيدي لخضر، أما خلف “واد الرمان” فلا يوجد من سلالة بني البشر من يستحق مرافق صحية أو مناصب شغل أو طرقات أو غير ذلك من المرافق الضرورية في أي تجمع بشري مهما بلغت كثافته.
بالإضافة إلى ذلك، لم تشفع طبيعة المنطقة الفلاحية والتي تضمن حسب اعتراف الكل تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المواد الاستهلاكية للولاية، بل حتى للولايات المجاورة، خصوصا في الخضروات مثل الطماطم والفلفل الأخضر، في أن تنال هذه المنطقة ثلة من المشاريع ولو الصغيرة منها، فهي على حافة كل شيء، تنخر عظامها الأمية والجهل والفقر المدقع والبطالة، بل لا يمكن لأحدنا أن يحصي مشكلة اجتماعية واحدة دون أن تكون موجودة في هذا الجزء المهمل من الجزائر.
يعّلق كل من يملك مؤهلا علميا بهذه المنطقة وما أكثرهم، أن دائرتهم أصبحت تبعث على الملل والضجر، حتى هناك من يقول بأنها أصبحت في نظر الساعين إلى تحقيق المآرب الشخصية وصائدي الفرص مجرد وعاء انتخابي ينضح بما فيه ليصبح فارغا مباشرة بعد مرور المناسبات الإستحقاقية، ذلك أنها أصبحت فعلا ملجأ لأيتام السياسة في مستغانم.
شباب أرقتهم الحياة ففضلوا الموت غرقا
أصبحت حكايات “الحراقة” في زمننا هذا تملأ عدة فضاءات، فلا المقاهي ولا الشوارع تهمل الخوض في مثل هذا المواضيع، خاصة وأن هذا الصيف كان متميزا، حيث شهد التحاق أعداد ضخمة من الشباب، بينهم القصر وليت الأمر كان حكرا على هذه الفئة فقط، بل حتى حاملي الشهادات العليا أصبحوا يعيشون حلم المغامرة والخوض في تجربة، عدتها إرادة قوية وعتادها “بوطي ” وبعض المؤونة، أمّا شعارها فهو ” نهاية أحلامنا في الجزائر هي بداية أحلامنا في الخارج”، هذا الخارج الذي قد يتحول في أي لحظة طيش إلى العالم الآخر فعلا.
لقد أضحت شواطئ “خاربات” و”الكاف لصفر” ببلدية أولاد بوغالم وشاطئ “سيدي عبد القادر” ببلدية عشعاشة موانئ لم تكلف الدولة ميزانية لانجازها، فهي رمال ذهبية تنطلق منها “البوطيات” نحو القارة العجوز، قارة أبت أن تفتح حضنها لمن دخلها خلسة عن أهلها، حيث أصبحت وسائل الإعلام المختلفة والمنابر الإعلامية على تنوعها تطلعنا يوميا على أخبار الطرد و الترحيل القسري لأبناء الجزائر ومن مختلف الأقطار الأوروبية، هذه الأخيرة التي أصبحت الهجرة السرية تقض مضاجع المسؤول عنها إلى درجة المبادرة لخلق مشاريع تنموية قد تردع هؤلاء المغامرين من اجتياز مياه المتوسط إلى الضفة الشمالية.
لقد هزت حكايات إقدام الشباب على هذه الأعمال الشنيعة والمجهولة العواقب الأخضر واليابس، فهي لم تترك الصغير كما شملت الكبير، بل وحتى النساء الحوامل، ذلك أن جنة أوروبا حلم لابدّ من تجنيد النفس والنفيس من أجل تحقيقه، فصك الغفران المتمثل في ” الفيزا” إن لم تمنحه زبانية السفارات الأوروبية في الجزائر، فإن “البوطي” كفيل بجعله واقعا يعيشه الشباب العشعاشي في الأيام الأخيرة.
ما أغرب ما يصل إلى آذان الفرد المتجول في شوارع أولاد بوغالم وعشعاشة على قلتها من قصص، فقد يعتقد المستمع للوهلة الأولى أن الراوي يحكي إحدى الروايات البوليسية أو اللقطات الهوليودية رآها في أحد الأفلام الأمريكية التي شاهدتها في واحدة من القنوات الفضائية التي أصبحت تملأ الشاشات في أيامنا هذه، فهذا “سيد أحمد” ابن 15 اجتاز هذه السنة فقط امتحان شهادة التعليم المتوسط، غير أنّ الإشكال الذي يطرح هو أنه لم ينتظر حتى نتائجها، بل فضل التواجد ببلاد أبناء العم حتى يضمن على الأقل مستقبله الذي لم يلح له حتى في الأفق في بلده الأصلي، خاصة وأنّ عدد المتخرجين من الجامعة والذين التحقوا بسوق البطالة بهذه المنطقة أصبح من الأمور التي يقف عليها عابري السبيل قبل الذين يقطنون بها.
أمّا الأدهى والأمر أن يلتحق بهذه الطائفة من البشر أشخاص يشكلون حجر الزاوية في عائلاتهم، حيث يعيلون العديد من الأفراد، يتركون وراءهم زوجاتهم وزينة الحياة الدنيا، إنهم أبناء لا ذنب لهم في أن يحرموا حنان الأب وسهره على تربيتهم، بل لم يقترفوا أي جرم في حق المجتمع يجعل كل من يمر عليهم في الشارع يشير إليهم بالبنان على أنهم أبناء الحراقة، فئة فضلت الموت غرقا على أن تعيش وسط قرة أعينهم، رغم أن رزقهم في السماء وما يوعدون أن الحياة الدنيا لهي الحيوان لو كانوا يعلمون، العيش فيها في سعادة لا يرتبط أساسا بتوفر المال الذي أخذ عقول الرجال وقلوبهم وصرفها عن عماد هذه الحياة وذروة سنامها.
كما أن الظاهرة التي أصبحت شائعة في أيامنا هذه والتي أضحت من بين أنجع الوسائل وأنجحها في استغفال ذكاء السلطات الأوروبية، تلك المتعلقة بترك المنصب بعد الحصول على شهادة العمل، إذ يعد الحصول على هذه الشهادة التي أصبحت تباع بملايين السنتيمات دافع رئيسي للحصول على جواز السفر وتكوين ملف الحصول على تأشيرة المرور إلى الضفة الأخرى، حيث ما إن تأتي ” الفيزا ” حتى يبادر المستفيد على دفع طلب الحصول على عطلة غير مدفوعة الشهر لمدة سنة قابلة للتجديد، كل ذلك يحدث استعدادا لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول الحفاظ على منصب العمل في الجزائر والبقاء فوق التراب الأوروبي لأطول مدة ممكنة للعمل هناك والعودة بحمل البعير الذي يحولهم من فئة اجتماعية إلى أخرى من خلال الارتقاء بسرعة كبيرة في سلم القيم الاجتماعية في مجتمع أصبحت فيه قيمة المرء تقاس بما يملكه من مال.
دائرة أثرية…تعود إلى عشرينيات القرن الماضي
إن الذي يزور “عشعاشة” لأول مرة في حياته، يستحيل أن يعرف أن التقسيم الإداري الأخير لسنة 1984 حولها إلى دائرة إلا من خلال العديد من اللافتات التي زرعت في كل مكان، إذ لا شيء يدل على أنها تستحق هذه التسمية، خاصة إذا ما عمل الزائر ذاك على مقارنتها بباقي الدوائر التابعة لولاية مستغانم، فهي عبارة عن شارع واحد، مشهور بالحفر المترامية هنا وهناك في طريقة المعبد، لا شيء يوحي أن هذه المنطقة تأوي أكثر من 80 ألف نسمة من زمرة بني البشر.
تصوروا أن تحتوي دائرة بهذه الكثافة السكانية على عيادة متعددة الخدمات فقط، هي المرفق الصحي الوحيد الذي يعمل على ضمان الخدمات الصحية لأربع بلديات أصغرها على وجه الخصوص تصل مساحتها إلى 44 كلم2 ، حيث يبعد هذا المرفق الذي يتولد لدى أحدنا نوع من الخجل والحياء إذا ما أراد أن نطلق عليه صفة الحيوية، يبعد بأكثر من 20 كلم عن العديد من البلديات كبلدية النكمارية التي لا يميزها زائرها عن إحدى القرى الأثرية التي أصبحت في بلدان أخرى تستعمل كديكور للأفلام التاريخية، إذ لا طريق معبد، لا ماء ولا مرافق صحية.
الأدهى والأمر أن هذا المرفق الحديث يفتقر إلى أبسط المواد الصحية التي تستعمل في الإسعافات الأولية، فليتخيل أن الجريح إذا ما أراد أن يحصل على أبسط الخدمات مثل الحقنة فهو مطالب أن يمشي أكثر من 500 متر من أجل شراء الحقن، القطن وحتى الكحول، هذا من أجل الحقن، أمّا عن خيط الجراحة فنادرا ما يكون موجودا حتى في الصيدليات القريبة مما يضطر الجرحى إلى الانتقال إلى البلديات المجاورة مثل “سيدي لخضر” من أجل خدمة نفسه.
ما يدفع المرء إلى الجنون أن يقابل حتى وهو محمل بكل الوسائل المطلوبة التي تحدثنا عنها فيما سبق الإجحاف من طرف عمال العيادة إذا جاز لنا أن نطلق عليها هذا الاسم، إذ يغتنمون جهل المواطنين بحقوقهم كجزائريين يعيشون في دولة الحق والقانون لكيل السب والشتيمة على اختلاف ألفاضها ومعانيها، متهمين إياهم بالجهل والأمية، إذ لا يمكن أن نجد فرقا بين ذلك الذي لم تكن له في يوم من الأيام فرصة الولوج إلى إحدى المدارس وبين أولئك الذين تخرجوا من معاهد الطب والمعاهد التكنولوجية للصحة العمومية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الذي تخول له نفسه أن يدخل تلك العيادة فإنه لا محالة سيخرج منها وهو يحلف بأغلظ الأيمان على ألاّ يعود إليها مرة أخرى حتى وإن كان على فراش الموت، غرف المرضى شاغرة من كل شيء إلا من سرير في حالة يرثى لها، وكأن المريض يأتي إلى هذه الحجرات طلبا للراحة والنوم أو أخذ قيلولة، كما يأتي بجانب هذه الغرف مراحيض مفتوحة على مصراعيها مع الرائحة الكريهة التي تصدر منها، حيث كنا سنأخذ صورا معبرة عن هذا الوضع العفن أخدا بمقولة المفكر الصيني” كونفوسيوش”، فالصورة أبلغ من ألف مقال كما قال، إلاّ أنّنا منعنا من التصوير من طرف حراس العيادة وبعض الممرضين العاملين بها، حيث وقفنا أيضا على غياب سيارة الإسعاف عن مرآب العيادة المتعددة الخدمات، هذه الخدمات التي تتعدد وتتنوع من السب والشتم و” التبزنيس ” و”التراباندو” بالمصل وغيرها من الأدوية حسب ما صرح لنا به بعض الأشخاص الذين اتقيناهم بعين المكان، حيث قالوا أن العديد من الحاملات ونتيجة غياب سيارة الإسعاف فقدن حياتهن في الطريق بعد تحويلهم إلى مستشفى سيدي علي، هذا دون الحديث عن مصلحة جراحة الأسنان التي تبقى مغلقة في وجه طالبي خدماتها 24 ساعة في اليوم بحجة انعدام مصل الحقن، وهو الأمر الذي جعل القائمين عليها في عطلة سنوية مدفوعة الأجر.
خرجنا من العيادة بعد أن هددنا أحد الممرضين بتقديم دعوى للدرك الوطني لكنه تراجع عنها بمجرد أن عرف بأن الصور الملتقطة هي بغرض النشر الصحفي، بحيث ما إن علم بأننا من الصحافة حتى غير نبرة حديثه وكأنه أراد ألاّ نتحدث عن هذه الوضعية ساخرا من كتابات الصحفيين ونتائجها على القطاع الذي يعملون به، ما يشد الانتباه أيضا وأنت خارج من هذا المكان الذي يصلح لأن يكون أي شيء إلاّ مرفقا للصحة العمومية، هو وجود أحد المفرغات العمومية التي لا تبعد عن مدخلها الرئيسي بأكثر من 30 متر، حيث ترمى بها أوساخ وقاذورات هذه القاذورة الصحية، في مشهد تتحول الحقن والقطن المستعمل في نتقية الجروح لعبة في يد أطفال أحد التجمعات السكنية التي تقع بالمكان، إنها قنابل موقوتة قد تؤدي في أي لحظة إلى ما لا يحمد عقباه، فهل بقي للمسؤولين عن هذا القطاع ونحن الذين كنا نأمل أن تنتهي هذه المشاكل بمجرد ذهاب المسؤول الأول، نتساءل عن أسباب مرض الجرب وبعض الأمراض التي اعتقدنا أنها انقرضت من الوجود منذ فترة طويلة.
أمّا عن البلديات فمعظمها تحتوي على مستوصفات، تقع في الوضعية نفسها التي كنّا نتحدث عنها بالنسبة للعيادة، ففي تفتقر لأدنى وأبسط الحاجيات التي يتطلبها هذا النوع من المرافق، ففي الوقت الذي ينص القانون الجزائري على تخصيص طبيب واحد لكل 400 نسمة، يصل عدد الأشخاص للطبيب الواحد في هذه المنطقة إلى أكثر من 3000 نسمة، هذا عن البلديات الساحلية، أمّا عن البلديات الداخلية فلا مجال للوصف والحديث، حيث أننا نستطيع أن نسمح لأنفسنا بان نقول مثلا بأن بلدية ” النكمارية ” لم تطلع عليها شمس الألفية الثالثة إلى كتابة هذه الأسطر، حيث تتحول بمجرد نزول قطرات الغيث الأولى إلى منطقة معزولة، فرض عليها الحجر الصحي دون وجه حق، فحتى سيارات الخواص لا تستطيع نقل المرضى نتيجة وعورة الطريق الذي يتحول إلى كومة طين تحدق خطرا بكل من تخول له نفسه استعمال الطريق، حيث يحكي سكان هذه المنطقة العديد من القصص المأساوية عن وفاة عدد معتبر من النساء الحاملات والشيوخ في الطريق نتيجة استحالة نقلهم إلى العيادة الواقعة بمركز عشعاشة إن كان بالإمكان أن نقول عليه مركزا.
هذا عن الصحة دون الحديث عن الثقافة والمراكز الثقافية المغلقة طيلة أيام السنة، إذ لا يوجد مرفق واحد يعد متنفسا حقيقيا للشباب، فحتى الحديقة العمومية أصبحت أثرا بعد عين، بيوت مخربة وحفر في كل مكان، فأين يا أمبار بلديات عشعاشة ميزانية الأنشطة الثقافية والرياضية، سؤال لا يمكنني الإجابة عنه إلاّ أنها لن تكون بأنها أخذت وجهة لا يعلمها إلاّ عالم الغيب والشهادة.
شباب بطال…ضحية السياسة العرجاء للأميار والمسؤولين
قد تكون بلدية “أولاد بوغالم” أحد العوالم والشواهد التي تفند سلامة السياسة الحالية التي تسير عليها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وحتى وزارة التشغيل والتضامن الاجتماعي، ذلك أن سياسة الكمية المعتمدة عملت منذ اعتمادها على تخريج أجيال عديدة من البطالين وفي مختلف التخصصات، إذ أن سياسة التكوين أصبحت في كل مناسبة تثبت عدم قدرتها على مدّ سوق العمل بإطارات يمكن أن تخدم الجزائر وتقدم لها القيمة المضافة التي ترفع من قيمة التحدي للوصول إلى ما بلغه الآخرون باستثمارهم في الإنسان، إلاّ أن هذا الأخير أصبح آخر متغير يأخذ بعين الاعتبار في رسم الخطط والاستراتيجيات، ربّما يكون مهما في خطط مرحلية وحلول ترقيعية لا تسمن البلد ولا تغنيه عن جوعه إلى قدرات أبنائه.
أصبح الشباب في أيامنا هذه متغير مجهول في اختيارات الحكومة الجزائرية، فاحتواء الجزائر على نسبة 75% شباب أصبح مجرد عبارة طنانة في خطب السياسيين الذين لا يمارسون السياسة بقدر ما يمارسون النفاق السياسي في تعاملهم مع قضايا أكبر فئة إستراتيجية في البلاد، لو وضعت تحت تصرف الأوربيين والآسيويين لغزو بها العالم، ولقادوا اقتصاد الكون بدون منازع، إلاّ أن خروج الشباب من وضعيته الحرجة أصبح لا يرضي عديد الأطراف في الجزائر، وإلاّ بما نفسر هذا الاستهتار والإهمال واللامبالاة في تسيير ملف من هذا الحجم والأهمية.
قد يحتج القائمون على السياسة في الجزائر بأنها حالة شاذة، مقنعين الآخرون بأن هناك بلديات تقع ضمن الحالات الشاذة، حيث يكون فيها الاستثناء الذي حسبهم لا يصنع القاعدة، إلاّ أنّ الذي يحدث، لا يقتصر على بلدية دون أخرى، فالكل أصبح بطالا في ظرف أصبح المسؤولون في كل مرة أو فرصة تسنح لهم بإبراز عضلاتهم المفتولة بالحديث عن أرقام مناصب الشغل وتخفيض نسبة البطالة، هذه الأرقام لو أعيد جدولتها وحسابها من جديد لوجدت الجزائر في حاجة إلى الاستعانة باليد العاملة من الخارج لسد العجز المتأتي من قلّتها في البلد، أرقام لا يمكن تفسيرها إلاّ بأنها استحمار للشباب بصفة خاصة واستغفال للشعب بصفة عامة.
يحد ث كل هذا ببلديات العديد منها استفادت من برنامج 100 محل تجاري، إلاّ أن الحبر الذي يسود بياض الأوراق هو غير التطبيق على أرض الواقع، حيث تمّ انجاز في كل بلدية “الكوطة” الأولى من المحلات التي بقيت مغلقة إلى يوم كتابة هذه الأسطر، إذ تحاول كل الأحزاب أن تحولها إلى ” جوكر “، على اعتبار أنها الورقة الرابحة التي ستكسب من يتحرش بمصالح الوطن ودّ الشباب الذي تحول خروجهم من البطالة هاجس ينامون عليه وكابوس يقض مضاجعهم كلما تذكروه ليلا.
لا أحد سيعارضك إذا ما قلت في واحدة من هذه البلديات أن العهدة السابقة لم تأتي بالجديد، إذ سجل تأخر كبير في انجاز المشاريع التي تعد على أصابع اليد، بل قد تكون أصابع اليد الواحدة أكثر منها، مشاريع لم يستفيد منها إلا المقاولون وأصحاب الكروش المنتفخة الذين يتاجرون في مأساة شعب كثرت همومه فألجمته وألزمته صمتا مميتا، صمتا لو تحدث يوما لقال بأنه كره وملّ حبس هذه الأصوات.
ما يزيد الطين بلة في هذه البلديات مثل تلك التي تدعى ” أولاد بوغالم” ما ذهب العديد من الإطارات المتخرجة من الجامعة، الأمر الذي أصبحت فيه المحاباة والصداقة و” المعريفة والتكوليس” أهم المعايير في حصول الشباب البطال على صك غفران لمدة سنتين، صك أصطلح عليه في قواعد اللعبة السياسية العفنة بعقود ما قبل التشغيل، لتبقى الكفاءة أو على الأقل كرونولوجيا الالتحاق بسوق البطالة على الهامش في دراسة هذه الملفات، وهو الأمر الذي خلق اشمئزازا دفع حملة الشهادات كما أشرنا في بداية الريبورتاج غلى “الحرقة” كحل أخير، فالموت غرقا أفضل كما قال لنا أحدهم من العيش بمرض مزمن.
أطفال أبرياء…همهم مساعدة أوليائهم في تحصيل القوت
إذا البراءة سألت، بأي ذنب أوخذت، وبأي ذنب اغتصبت، ولأي يوم أقتت، ليوم يرجع فيه المسؤولون من أعلى هرمهم إلى قاعدته إلى ربهم، فماذا سيجيب هؤلاء رب العباد فيما اقترفوه في حق العباد، وماذا إن كانت هذه المخلوقات التي استبيحت حقوقها وأكلت أموالها سحتا وظلما، أطفال في عمر الزهور لا ذنب لهم إلاّ أنهم ولدوا بدائرة أسمها ” عشعاشة”، دائرة لو نطقت لقالت بأنها تندد وتشجب الممارسات اللاأخلاقية التي جعلت من الأطفال ضحايا، ففي الوقت الذي يلعب ابناء بلخادم وولد عباس وخليل في شواطئ موريتي والعربي بن مهيدي، تتحول زمرة من أبناء الجزائر إلى مغبونين اجتماعيا، أبى التاريخ أن ينصفهم فأوكلوا أمرهم إلى من خلقهم.
جولة واحدة في الأسواق الشعبية لبلديات “عشعاشة”، خصوصا ذلك الواقع ببلدية “الشرايفية” يدرك حجم الكارثة الحقيقية التي تعيشها هذه المنطقة، مأساة و” ميزيرية” في أبلغ دلالاتها وأبشع صورها، أطفال قصر غادروا مقاعد الدراسة من أجل مساعدة أوليائهم في تحصيل لقمة العيش وأي عيش، عيش يسيل العرق البارد على جبين الصغار في ظل صمت الكبار.
“محمد” طفل اتقيناه على حافة الطريق المجاور لأحد الأسواق الشعبية، سألناه عن سبب جلوسه في هذا الربع الخالي بدل الذهاب إلى السوق مع والده لشراء لوازم الدخول المدرسي الذي يأتي بعد أيام قلائل، وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما قال بأنه لم يلتحق يوما بالمدرسة، الآن هو ابن 14 سنة يعمل مع أبيه في الحقول في المجال الفلاحي، أمّا أخته التي كانت بجانبه فقال أن مصيرها متوقف على شطارتها في تحصيل أموال الأدوات واللوازم المدرسية.
ثلة أخرى من الأطفال وجدناها داخل السوق، لا لتشتري المآزر والكراسات وباقي اللوازم، بل لبيع الحشيش و”المعدنوس” والأكياس البلاستيكية مقابل بضعة دراهم قد تمكنهم من شراء لقمة في آخر النهار، الأدهى والأمر أنهن إناث في عمر الزهور، غادرن هن أيضا مقاعد الدراسة في انتظار الفرج من رب لا يظلم عنده أحد، فمن سيسأل يا وزير التضامن والتربية ورئيس الحكومة والوالي عن بقاء هؤلاء تحت نار الجهل في حين يؤكد رئيس الجمهورية على محو أمية الكبار، فلذات أبدانا يا رؤساء بين أيديكم ومستقبلهم رهبن قرارات تمضيها أقلامكم فاتقوا الله في البراءة.
في الأخير ينبغي أن يكون الأطفال والميزيرية التي يعيشونها في بلد فاقت قدرات احتياطي صرفه 80 مليار دولار أمريكي، فعلى أصحاب القرار أن يتقوا يوما عبوسا قمطريرا إذا ما قرر هؤلاء في يوم من الأيام تمردا على قراراتهم الفوقية.

milta
2009-04-02, 20:25
Ville des savants merci pour...

امير الجود
2009-05-08, 23:58
شكـرا لك اخي الكريم على التعريف لهذه المنطقة

AZIZ27
2009-05-25, 00:12
شكرا على المرور الطيب