سفير اللغة و الأدب
2009-03-29, 14:25
http://sor.w2hm.com/files/image/a/15.gif (http://sor.w2hm.com)
http://i30.servimg.com/u/f30/12/90/55/22/9c5bfa10.gif (http://www.servimg.com/image_preview.php?i=133&u=12905522)
http://i70.servimg.com/u/f70/12/90/55/22/uoouu_10.gif (http://www.servimg.com/image_preview.php?i=208&u=12905522)
اللغة العربية: التحديات والمواجهة
الأستاذ / سالم مبارك الفلق
اليمن / حضرموت
الجزء الأول
http://i70.servimg.com/u/f70/12/90/55/22/livre10.gif (http://www.servimg.com/image_preview.php?i=215&u=12905522)
http://sor.w2hm.com/files/image/e/2.gif (http://sor.w2hm.com)
أحزنني كثيرا أن أقرأ تعليقا لمشارك محسوب على هذا المنتدى يقول فيه إن العربية هي سبب التخلف
و أن التعريب هو سبب التخريب و لقد رد على هذه التفاهات كثير من أهل العقل و الفكر الراقي
و لم يسمع العرب مثل هذا الكلام إلا في الجزائر وحدها و الأسباب معروفة يعرفها الخاص و العام
و لذلك أحببت أن أنقل لكم هذا البحث القيم لعله يفيد قارئا و يسلح ضعيفا و يشد أزر متحد
و إليكموه دون إطالة....
يقول الكاتب :
الحمد لله الذي رفع هذه اللغة و أعلى شأنها، حيث أنزل بها خير كتبه وأفضلها، والصلاة و السلام على أفصل الأنبياء و خاتم المرسلين، نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن لغتنا العربية هي ركن ثابت من أركان شخصيتنا، فيحق لنا أن نفتخر بها، و نعتز بها و يجب علينا أن نذود عنها و نوليها عناية فائقة. و يتمثل واجبنا نحوها في المحافظة على سلامتها و تخليصها مما قد يشوبها من اللحن و العجمة و علينا أن لا ننظر إليها بوصفها مجموعة من الأصوات و جملة من الألفاظ والتراكيب بل يتعين عينا أن نعتبرها كائناً حياً، فنؤمن بقوتها و غزارتها و مرونتها وقدرتها على مسايرة التقدم في شتى المجالات كما تعد مقوماً من أهم مقومات حياتنا وكياننا، وهي الحاملة لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا والمكون لبنية تفكيرنا، والصلة بين أجيالنا، والصلة كذلك بيننا وبين كثير من الأمم.
إن اللغة من أفضل السبل لمعرفة شخصية أمتنا وخصائصها، وهي الأداة التي سجلت منذ أبعد العهود أفكارنا وأحاسيسنا. وهي البيئة الفكرية التي نعيش فيها، وحلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. إنها تمثل خصائص الأمة واستطاعت أن تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها.
مااللغــــة :
لقد اختلف العلماء في تعريف اللغة و مفهومها، وليس هناك اتفاق شامل على مفهوم محدد للغة و يرجع سبب كثرة التعريفات و تعددها إلى ارتباط اللغة بكثير من العلوم ، فانتقاء تعريف لها ليس بالعملية اليسيرة منها على سبيل المثال لا الحصر :
يعرفها ابن جني1 بقوله: (أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم).
2. اللغة نظام من الرموز الصوتية الاعتباطية يتم بواسطتها التعارف بين أفراد المجتمع، تخضع هذه الأصوات للوصف من حيث المخارج أ والحركات التي يقوم بها جهاز النطق ومن حيث الصفات والظواهر الصوتية المصاحبة لهذه الظواهر النطقية2.
3. ظاهرة اجتماعية تستخدم لتحقيق التفاهم بين الناس3.
4. صورة من صور التخاطب سواء كان لفظياً أو غير لفظي.
5.اللغة كما يقول (أوتو يسبرسن): نشاط إنساني يتمثل من جانب في مجهود عضلي يقوم به فرد من الأفراد، ومن جانب آخر عملية إدراكية ينفعل بها فرد أو أفراد آخرون.
6. اللغة نظام الأصوات المنطوقة.
7. اللغة معنى موضوع في صوت أو نظام من الرموز الصوتية4.
8. ادوارد سابيير: اللغة وسيلة إنسانية خالصة، وغير غريزية إطلاقا، لتوصيل الأفكار والأفعال والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية5.
9.انطوان ماييه: إن كلمة (اللغة) تعني كل جهاز كامل من وسائل التفاهم بالنطق المستعملة في مجموعة بعينها من بني الإنسان بصرف النظر عن الكثرة العددية لهذه المجموعة البشرية أو قيمتها من الناحية الحضارية.
10. اللغة نشاط مكتسب تتم بواسطته تبادل الأفكار والعواطف بين شخصين أو بين أفراد جماعة معينة، وهذا النشاط عبارة عن أصوات تستخدم وتستعمل وفق نظم معينة.
واللغة نعمة من الله عزّ وجل للإنسان مثله مثل كل الحيوانات التي تمتلك نظاما من الرموز والإشارات للتفاهم فيما بينها. فيقال: لغة الحيوان، ولغة الطير، ولغة النبات، قال تعالى : ((وعلمنا منطق الطير) النمل / 16... ولكن لغة الإنسان تتميز بأنها ذات نظام مفتوح بينما الحيوانات الأخرى نظامها التعارفي نظام مغلق.
.
وظائف اللغـــــــــة : 6
يتفق أغلبية علماء اللغة المحدثين على أن وظيفة اللغة هي التعبير أو التواصل أو التفاهم رغم أن بعضهم يرفضون تقييد وظيفة اللغة بالتعبير او التواصل ؛ فالتواصل إحدى وظائفها إلا انه ليس الوظيفة الرئيسة.
(وقد حاول " هاليداي " halliday تقديم حصر بأهم وظائف اللغة فتمخضت محاولاته عن الوظائف الآتية :
1) الوظيفة النفعية (الوسيلية) :
وهذه الوظيفة هي التي يطلق عليها " أنا أريد " فاللغة تسمح لمستخدميها منذ طفولتهم المبكرة أن يشبعوا حاجاتهم وأن يعبروا عن رغباتهم..
2) الوظيفة التنظيمية :
وهي تعرف باسم وظيفة " افعل كذا.... ولا تفعل كذا "من خلال اللغة يستطيع الفرد أن يتحكم في سلوك الآخرين، لتنفيذ المطالب أو النهي و وكذا اللافتات التي نقرؤها وما تحمل من توجيهات وإرشادات...
3)الوظيفة التفاعلية :
وهي وظيفة " أنا و أنت " تستخدم اللغة للتفاعل مع الآخرين في العالم الاجتماعي باعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع الفكاك من أسر جماعته، فنستخدم اللغة في المناسبات، و الاحترام، و التأدب مع الآخرين.
4) الوظيفة الشخصية:
من خلال اللغة يستطيع الفرد أن يعبر عن رؤاه الفريدة، ومشاعره و اتجاهاته نحو موضوعات كثيرة، وبالتالي يثبت هويته وكيانه الشخصي ويقدم أفكاره للآخرين.
5) الوظيفة الاستكشافية :
1وهي التي تسمى الوظيفة " الاستفهامية " بمعنى انه يسأل عن الجوانب التي لا يعرفها في البيئة المحيطة به حتى يستكمل النقص عن هذه البيئة.
6) الوظيفة التخيلية :
تتمثل فيما ينسجه من أشعار في قوالب لغوية، كما يستخدمها الإنسان للترويح، أو لشحذ الهمة والتغلب على صعوبة العمل، وإضفاء روح الجماعة، كما هو الحال في الأغاني والأهازيج الشعبية...
7) الوظيفة الإخبارية (الإعلامية) :
باللغة يستطيع الفرد أن يتقل معلومات جديدة ومتنوعة إلى أقرانه، بل ينقل المعلومات والخبرات إلى الأجيال المتعاقبة، وإلى أجزاء متفرقة من الكرة الأرضية خصوصاً بعد الثورة التكنولوجية الهائلة. ويمكن أن تمتد هذه الوظيفة لتصبح وظيفة تأثيرية، اقناعية ؛ لحث الجمهور على الإقبال على سلعة معينة أو العدول على نمط سلوكي عير محبب.
الوظيفة الرمزية :
يرى البعض ان ألفاظ اللغة تمثل رموزاً تشير إلى الموجودات في العالم الخارجي، وبالتالي فان اللغة تخدم كوظيفة رموزية)7.
واللغة كالكائن الحيّ، فهي تنمو وتترعرع وتشب وتشيخ وقد تموت إذا لم تتوفر لها عوامل الديمومة والاستمرار، مرهونة في ذلك بتنوع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية فعندما يتطور المجتمع حضارياً وإنتاجيا تتطور اللغة والعكس... فهي في الطور البدوي تختلف عنها في المدنية والحضارة، وهي في أهل الصحراء خلافها في الجبال والسهـــــــول.
نشــــأة اللغــــــــة :
أما حول أصل نشأة اللغة وما يتصل بهذه النقطة من موضوعات فكرية لن نخرج منها بكثير فائدة بله أن تشتت أفكارنا فقد تصدى للبحث فيها كثير من الفلاسفة والمتكلمين واللغويين، وذهبوا في البحث مذاهب شتى: فهذا يقول مصدرها التوقيف من الله، وذلك يقول مبدؤها الطبيعة، وآخر يقول منشؤها الاصطلاح والتواطؤ ــ ويكفينا هنا أن نعلم أن هناك نظريات متعددة حول نشأة اللغة، أشهرها أربع نظريـــــات :
(1)/ نظرية التوقيف: قال بها أفلاطون وأبو علي الفارسي، وابن حزم، وابن قدامة، وأبو الحسن الأشعري، و الآمدي، وابن فارس ومعظم رجال الدين، ويستدلون بقوله تعالى
: (وعلّم آدم الأسماء كلها) " البقرة /31". وبما جاء في سفر التكوين (وجبل الربّ الإله كل حيوانات البرية، وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، فكل ما دعا به آدم من ذات نفس حيّة فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم و طيور السماء، وجميع حيوانات البرّيّة)، الإصحاح الثاني عشر آية (19/20).
(2)/ نظرية المواضعة والاصطلاح: قال بها سقراط، وديمقريط، وآدم سميث، ومن العرب أبو الحسن البصري، وأبو إسحاق الاسفراييني، والسيوطي، وابن خلدون.
(3)/ نظرية المحاكاة: تعني أن يحاكي الإنسان ما حوله في الطبيعة من الظواهر، وأول من أشار إلى ذلك ابن جني في الخصائص ثم قال: (وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل)8، ولكنه لم يستقر على هذا الرأي أيضاً بعد أن ناقش الرأيين السابقين، والأسلم ألا ننسب الرجل إلى مذهب بعينه من المذاهب الثلاثة.
(4)/ نظرية الغريزة: يريدون أن الله زوّد الإنسان بآلة الكلام، وبجهاز للنطق، فهو حتما سينطق شاء أم أبى.
والحديث في أصل نشأة اللغة ـــ على رأي حجة الإسلام الإمام الغزالي ـــ فضول لا أصل له وكأنه يدعو إلى الانصراف عنه إلى معالجة اللغة بوصفها حقيقة واقعية في وضعها الراهن، وهذا التوجه من الإمام الغزالي ينسجم تماماً مع توجه علم اللغة المعاصر الذي أخرج هذه القضية من نطاق مباحث علم اللغة ...
وبعد هذه التوطئة البسيطة عن ماهية اللغة، ووظائفها. ننتقل إلى معنى لفظة (العربية)
ما هي العربيـــــــــــة:
متى كانت العربية ؟؟ علم ذلك عند الله، ولكنه سبحانه لم يصادر حريتنا في أن نحاول معرفة أي شيء يمكن أن يبلغه قدراتنا بالقطع، أو بالحدس والتخمين. يقال إن العربية تنحدر من اللغة الآراميّة، وهي التي تكلم بها آرام بن سام بن نوح عليه السلام
واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة. ونظراً لتمام القاموس العربي وكمال الصرف والنحو فإنها تعد أمّ مجموعة من اللغات تعرف باللغات الأعرابية أي التي نشأت في شبه جزيرة العرب، أو العربيات من حميرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية وعلماء اللغة حديثاً يصنفون كل السلالات اللغوية والعودة بها إلى لغة (أم) أطلقوا عليها (اللغة السامية) و أول من أطلق هذه التسمية هو العالم النمساوي شولتزر عام 1781م وواضح أنها تسمية عنصرية اقتبسها من نص من نصوص التوراة المكتوبة بأيدي الأحبار(العهد القديم) (الأصحاح 10 سفر التكوين) في ظل تقسيم وهمي للأجناس البشرية مستمد من أبناء نوح وهم: سام وحام و يافث، فكيف ينشأ ثلاثة أخوة في بيت واحد ويتكلمون ثلاث لغات ؟
أصبح يقينا لدى الباحثين المنصفين، أن وصفنا لحركة المسلمين إلى خارج شبه الجزيرة العربية في القرن السابع بالفتح والفتوحات الإسلامية أصبح تعبيرا خاطئا، فهو لم يكن فتحا بل كان تحريرا للعرب من الحكم الأجنبي كهدف سياسي، وهو توحيد للعرب في الموقع المكاني بمعناه الجغرافي كهدف قومي، كما انه من الخطأ القول بأن العرب ساميون والصحيح هو القول أن الساميين عرب.
السامي والسامية والساميون، تعريف يطلق على التجمعات والكيانات البشرية التي تواجدت في فلسطين وغور الأردن وجنوب العراق وشبه الجزيرة العربية، باعتبار أن كل هذه المناطق، تشكل وحدة جغرافية واحدة، والمعروف أن الجميع جاؤوا من شبه الجزيرة العربية وبالتالي فقد ذهبوا إلى أطراف شبه الجزيرة العربية، في هجرات عدة متتالية، وقد استحالت لغة وألسنة هذه الأقوام إلى اللغة العربية واللغة العبرية واللغة السريانية، والسامية أيضا هي مصطلح يطلق على كل الشعوب والأمم والقبائل قديما وحديثا مرورا بالعصور الوسطى التي تنتسب إلى سام بن نوح، ومن المعروف أن التوراه أول من أشار بالنص إلى ذلك التقسيم كما سبق وأسلفنا.
بعض العلماء نسب الصفة العربية إلى مدينة (عربة) في بلاد تهامة، وقيل أنها نسبة إلى يعرب بن يشجب بن قحطان وهو أبو العرب العاربة، أول من تكلم العربية على صورتها المعروفة وقيل أيضا أنهم سموا كذلك نسبة إلى فصاحة لسانهم في الإعراب، وقد وردت تسمية (العربية منذ منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، إذ وردت في نصوص شلمناصر الثالث الآشوري)9... والأقوام الذين تكلموا العربية لا يحصي عددهم إلا الله: منهم العرب البائدة: وهم قبائل طسم، وجديس، والعماليق، وأهل الحجر، وقوم هود وصالح عليهما السلام وغيرهم. وهؤلاء لم يصل لنا شيء من أخبارهم لا من قريب ولا من بعيد... وهناك العرب العاربة: وهم القحطانيون ومن ينحدر منهم.. وأخيرا العرب المستعربة وهم أبناء إسماعيل العدنانيون.
إن الموروث الكتابي العربي أعمق جذوراً مما يظن حتى الآن، فلو أضفنا إليه موروث الكتابة العربية كما كتبها الأكاديون (بابليون و آشوريون) بالخط المسماري وما كتبه الكنعانيون على سواحل الشام،، وكذلك مخطوطات أوغاريت ــ وتل العمارنة ــ ومخطوطات البحر الميت لاتصل تاريخ كتابة العربية ببضع آلاف قبل الميلاد10.
وتأسيسا على ذلك فالعرب هم في شبه الجزيرة العربية التي تشتمل على جنوب العراق وجنوب الشام وفلسطين وشبه جزيرة سيناء، و العربية وليدة واقعها المعيش أخذ العرب ألفاظها من الطبيعة المحيطة بهم فجاءت مفعمة بالصور ومشحونة بالأحاسيس والمشاعر.
إن الشخصية العربية تقوم على تشابه أذواق العرب وملكاتهم، وهذا التشابه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتراثنا الثقافي العريق، ويرتبط بعمالقة الشعر والأدب بخاصة الذين سجلوا مثلنا العليا11، ويرتبط باللغة العربية التي نعتز بالحديث بها.. ولهذا فإهمال الأدب القديم ـــ والاتجاه أكثر إلى الأدب الحديث يساعد من يروج للفصل بين الآداب القديمة (حيث امتداد أخلاق الآباء والسلف) وبين الآداب الحديثة ولسنا بحاجة إلى التأكيد على دور اللغة في بناء الأمة وصناعة وجدانها وتكوين هويتها وثقافتها وضمان تماسكها وتواصل أجيالها.
العربية لغة مقدّســـــــــة:
العربية لغة القرآن الكريم، وهو مهيمن على ما سواه من الكتب الأخرى، وهذا يقتضي أن تكون لغته مهيمنة على ما سواها من اللغات الأخرى.وهي لغة خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله الله للبشرية جمعاء، واختار الله له اللغة العربية، وهذا يعني صلاحيتها لأن تكون لغة البشرية جمعاء، ينبغي أن ندرك أبعاد هذه المسألة.
قال تعالى: (إنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)(الشعراء/193ــ 195) فلما وصفها الله بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة عنها، وهذا وسام شرف وتاج كلل الله به مفرق العربية، خصوصاً حين ناط الله بها كلامه المنزل، قال تعالى : -(إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)(الزخرف/ 3) وقال تعالى : - (كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون) " فصلت / 3". وقال (قرآناً عربياً غير ذي عوج) (الزمر/2
ومن هنا قال حافظ على لسان العربية :
وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً وما ضقت عن آي به و عظات
فهو يشير إلى الطاقات الهائلة والمخزون الضخم الذي تمتلكه العربية التي وسعت هذا القرآن بكل أبعاده و آفاقه. إنها لغة الخلود حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلا أن يزول هذا الكتاب المنزّل،، وقد تكفل الله بحفظها ضمنياً في قوله: (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) " الحجر/9".
ومن الطريف ما ذكره محمد الخضر حسين: (كتب " جون فرن" قصة خيالية بناها على سياح يخترقون طبقات الكرة الأرضية حتى يصلوا أو يدنوا من وسطها، ولما أرادوا العودة إلى ظاهر الأرض بدا لهم هنالك أن يتركوا أثراً يدل على مبلغ رحلتهم فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية، ولما سئل جون فرن عن اختياره للغة العربية، قال إنها: لغة المستقبل، ولاشك أنه يموت غيرها، وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه)12.
فضل تعلّم العربيـــــــة:
يرى كثير من العلماء أن الكلام بغير العربية لغير حاجة قد يورث النفاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فانه يورث النفاق) (أخرجه الحاكم في المستدرك) ؛ فلانعجب إذا علمنا أن من العلماء من أوجب تعلم العربية وإتقانها، قال عمر بن الخطاب: (تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم)، وكره الشافعي لمن يعرف العربية أن يتكلم بغيرها، و قال ابن تيمية: (إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، لأن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بالعربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وقال ابن فارس: (لذلك قلنا أن علم اللغة كالواجب على أهل العلم لئلا يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم)13. وقال أبو هلال العسكري: (علم العربية على ما تسمع من خاص ما يحتاج إليه الإنسان لجماله في دنياه، وكمال آلته في علوم دينه) وفي ما خلفه لنا علماء العربية دليل على فضلها، فما خلفه ابن جني الذي كان متمكناً من اليونانية لأنه رومي، وما خلفه أبو علي الفارسي الذي كان متمكناً من الفارسية مع أن الرومية والفارسية كانتا أزهى لغتين في زمانهما بعد العربية وكذلك كان شأن الكثير من سلف الأمة، حتى أثر عن أبي الريحان البيروني قوله: " لأن أشتم بالعربية خير من أن امدح بالفارسية " و قد قال الشعراء في مدح اللسان واللسن أبياتاً لا تحصى منثورة في كتب الأدب. كما ذكر محاسن العربية أيضاً رجال يعرفون غيرها من اللغات الراقية وشهدوا لها بأنها أقرب اللغات انطباقاً على النظم الطبعية قال المستشرق " أرنست رينان " في كتابه " تاريخ اللغات السامية": (من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتصل إلى درجة الكمال عند أمة من الرحل،تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها..) وقال المطران يوسف داءود الموصلي: (من خواص اللغة العربية وفضائلها أنها أقرب سائر اللغات إلى قواعد المنطق، حيث أن عباراتها سلسة طبيعية،يهون على الناطق صافي الفكر أن يعبر فيها عما يريد من دون تصنع وتكلف)14.
هكذا فعل سلفنا الصالح في خدمتهم للغة القرآن أحبوها حباً عظيماً، ووهبوا لها نفوسهم، فنقحوها ووضعوا قواعدها وأصلوا نحوها وصرفها حتى بلغت درجة الكمال والصفاء، أما نحن عرب عصر التكنولوجيا والاختراقات الفضائية و الثورة المعلوماتية فقد فشا فينا التخاذل والتكاسل والتقاعس فكنا كقول أحدهم: فخلف من بعد السلف خلف تنكروا للغتهم واحتقروها، ونظروا إليها نظرة ازدراء و اتهموها بالعجز والقصور وعدم صلاحيتها للعصر.
واجبنـــــا تجـاه العربيــــــة :
إن خدمتك للغة العربية تعني خدمتك للقرآن ولو من وجه بعيد. وإن السلف الصالح ما قصروا في خدمتها حيث جاهدوا بالجهد والمال والوقت لخدمة لغة القرآن،، عكفوا على تعلمها لما لها من مكانة مقدسة في نفوسهم،، غاروا عليها، وغاروا على بيانها المعجز أن تدنسه عجمة الأعاجم ولوثة الإفرنج... فقضوا سني حياتهم في تقعيدها وإشادة أركانها ورسم أوضاعها...
ولعل أقل ما نعمل أن ننشر هذه الكتب المخطوطة التي تقبع في متاحف العالم وأن ننفض عنها غبار الزمن، حيث أن هناك حوالي مليون مخطوطة عربية موزعة في كافة أرجاء العالم (ففي تركيا 155أ لف مجلد / وروسيا 40 ألف مجلد / والعراق والمغرب 35ألف مجلد / وتونس 25ألف مجلد / وبريطانيا و سوريا 20 أ لف مجلد / والولايات المتحدة 15ألف مجلد / والهند والسعودية 15ألف مجلد / يوغسلافيا فيها 14 ألف مجلد / فرنسا 8500 مجلد / اليمن 10 ألف مجلد / ايطاليا والفاتيكان 7500مجلد. تضاف إلى هذا بلدان تحتفظ بما يقارب 7500 مجلد ليصل الرقم إلى ما يقارب مليون مخطوطة عربية ناجية ما تزال موزعة في أرجاء الكرة الأرضية.)15.
كذلك ينبغي إغناء المكتبة العامة بالمؤلفات التي تحث على كيفية تعلم العربية وتسهيل تعلمها للناطقين بها ولغير الناطقين بها، بالإضافة إلى استغلال الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة إلى أقصى حد ممكن لخدمة العربية.
إن من أكبر مصائب الأمة أن يكون تعليمها بغير لغتها، وتفكيرها بغير أدواتها، وقياس حاضرها يكون بمعايير وضوابط حضارية غريبة عنها،، والحالة هذه من التخاذل والتكاسل والتبعيّة، واجهت العربية مجموعة من التحديات والمصاعب وقفنا منها موقف المتفرج، إن لم نكن شاركنا فيها من طرف خفي. وقد آن الأوان أن نفضح خطط الأعداء ونكشف عن نواياهم الخبيثة ونثبت للعالم أن هذه اللغة ثرية غنية باقية فنرعاها حق الرعاية ولا ندعها تتعرض للتقويض والانهيار والغزو اللغوي الشرس من الداخل والخارج...
التحديــــات والمواجهـــــــــــــات:
التحدي الأول:
اتهامها بالعقم والجمود والتحجّر والقصور، وأنها لم تعد ملائمة لأساليب القرن الحادي والعشرين عصر الثورة المعلوماتية و الاختراقات الفضائية، فكان منا من نظر إلى تخلف العرب العلمي في عصر الذرة فأعلن أنه لا يرى لهذا سبباً غير تمسك العرب بلغتهم في مراحل التعليم عامة والتعليم العالي منها خاصة، وآخر يلحّ في الدعوة إلى تدريس العلوم الطبية وغيرها بلغة غير عربية ؛ ليظل المسلم عنده إحساس بعجز اللغة العربية لغة القرآن.
يتبع إن شاء الله
http://i30.servimg.com/u/f30/12/90/55/22/9c5bfa10.gif (http://www.servimg.com/image_preview.php?i=133&u=12905522)
http://i70.servimg.com/u/f70/12/90/55/22/uoouu_10.gif (http://www.servimg.com/image_preview.php?i=208&u=12905522)
اللغة العربية: التحديات والمواجهة
الأستاذ / سالم مبارك الفلق
اليمن / حضرموت
الجزء الأول
http://i70.servimg.com/u/f70/12/90/55/22/livre10.gif (http://www.servimg.com/image_preview.php?i=215&u=12905522)
http://sor.w2hm.com/files/image/e/2.gif (http://sor.w2hm.com)
أحزنني كثيرا أن أقرأ تعليقا لمشارك محسوب على هذا المنتدى يقول فيه إن العربية هي سبب التخلف
و أن التعريب هو سبب التخريب و لقد رد على هذه التفاهات كثير من أهل العقل و الفكر الراقي
و لم يسمع العرب مثل هذا الكلام إلا في الجزائر وحدها و الأسباب معروفة يعرفها الخاص و العام
و لذلك أحببت أن أنقل لكم هذا البحث القيم لعله يفيد قارئا و يسلح ضعيفا و يشد أزر متحد
و إليكموه دون إطالة....
يقول الكاتب :
الحمد لله الذي رفع هذه اللغة و أعلى شأنها، حيث أنزل بها خير كتبه وأفضلها، والصلاة و السلام على أفصل الأنبياء و خاتم المرسلين، نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن لغتنا العربية هي ركن ثابت من أركان شخصيتنا، فيحق لنا أن نفتخر بها، و نعتز بها و يجب علينا أن نذود عنها و نوليها عناية فائقة. و يتمثل واجبنا نحوها في المحافظة على سلامتها و تخليصها مما قد يشوبها من اللحن و العجمة و علينا أن لا ننظر إليها بوصفها مجموعة من الأصوات و جملة من الألفاظ والتراكيب بل يتعين عينا أن نعتبرها كائناً حياً، فنؤمن بقوتها و غزارتها و مرونتها وقدرتها على مسايرة التقدم في شتى المجالات كما تعد مقوماً من أهم مقومات حياتنا وكياننا، وهي الحاملة لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا والمكون لبنية تفكيرنا، والصلة بين أجيالنا، والصلة كذلك بيننا وبين كثير من الأمم.
إن اللغة من أفضل السبل لمعرفة شخصية أمتنا وخصائصها، وهي الأداة التي سجلت منذ أبعد العهود أفكارنا وأحاسيسنا. وهي البيئة الفكرية التي نعيش فيها، وحلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. إنها تمثل خصائص الأمة واستطاعت أن تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها.
مااللغــــة :
لقد اختلف العلماء في تعريف اللغة و مفهومها، وليس هناك اتفاق شامل على مفهوم محدد للغة و يرجع سبب كثرة التعريفات و تعددها إلى ارتباط اللغة بكثير من العلوم ، فانتقاء تعريف لها ليس بالعملية اليسيرة منها على سبيل المثال لا الحصر :
يعرفها ابن جني1 بقوله: (أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم).
2. اللغة نظام من الرموز الصوتية الاعتباطية يتم بواسطتها التعارف بين أفراد المجتمع، تخضع هذه الأصوات للوصف من حيث المخارج أ والحركات التي يقوم بها جهاز النطق ومن حيث الصفات والظواهر الصوتية المصاحبة لهذه الظواهر النطقية2.
3. ظاهرة اجتماعية تستخدم لتحقيق التفاهم بين الناس3.
4. صورة من صور التخاطب سواء كان لفظياً أو غير لفظي.
5.اللغة كما يقول (أوتو يسبرسن): نشاط إنساني يتمثل من جانب في مجهود عضلي يقوم به فرد من الأفراد، ومن جانب آخر عملية إدراكية ينفعل بها فرد أو أفراد آخرون.
6. اللغة نظام الأصوات المنطوقة.
7. اللغة معنى موضوع في صوت أو نظام من الرموز الصوتية4.
8. ادوارد سابيير: اللغة وسيلة إنسانية خالصة، وغير غريزية إطلاقا، لتوصيل الأفكار والأفعال والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية5.
9.انطوان ماييه: إن كلمة (اللغة) تعني كل جهاز كامل من وسائل التفاهم بالنطق المستعملة في مجموعة بعينها من بني الإنسان بصرف النظر عن الكثرة العددية لهذه المجموعة البشرية أو قيمتها من الناحية الحضارية.
10. اللغة نشاط مكتسب تتم بواسطته تبادل الأفكار والعواطف بين شخصين أو بين أفراد جماعة معينة، وهذا النشاط عبارة عن أصوات تستخدم وتستعمل وفق نظم معينة.
واللغة نعمة من الله عزّ وجل للإنسان مثله مثل كل الحيوانات التي تمتلك نظاما من الرموز والإشارات للتفاهم فيما بينها. فيقال: لغة الحيوان، ولغة الطير، ولغة النبات، قال تعالى : ((وعلمنا منطق الطير) النمل / 16... ولكن لغة الإنسان تتميز بأنها ذات نظام مفتوح بينما الحيوانات الأخرى نظامها التعارفي نظام مغلق.
.
وظائف اللغـــــــــة : 6
يتفق أغلبية علماء اللغة المحدثين على أن وظيفة اللغة هي التعبير أو التواصل أو التفاهم رغم أن بعضهم يرفضون تقييد وظيفة اللغة بالتعبير او التواصل ؛ فالتواصل إحدى وظائفها إلا انه ليس الوظيفة الرئيسة.
(وقد حاول " هاليداي " halliday تقديم حصر بأهم وظائف اللغة فتمخضت محاولاته عن الوظائف الآتية :
1) الوظيفة النفعية (الوسيلية) :
وهذه الوظيفة هي التي يطلق عليها " أنا أريد " فاللغة تسمح لمستخدميها منذ طفولتهم المبكرة أن يشبعوا حاجاتهم وأن يعبروا عن رغباتهم..
2) الوظيفة التنظيمية :
وهي تعرف باسم وظيفة " افعل كذا.... ولا تفعل كذا "من خلال اللغة يستطيع الفرد أن يتحكم في سلوك الآخرين، لتنفيذ المطالب أو النهي و وكذا اللافتات التي نقرؤها وما تحمل من توجيهات وإرشادات...
3)الوظيفة التفاعلية :
وهي وظيفة " أنا و أنت " تستخدم اللغة للتفاعل مع الآخرين في العالم الاجتماعي باعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع الفكاك من أسر جماعته، فنستخدم اللغة في المناسبات، و الاحترام، و التأدب مع الآخرين.
4) الوظيفة الشخصية:
من خلال اللغة يستطيع الفرد أن يعبر عن رؤاه الفريدة، ومشاعره و اتجاهاته نحو موضوعات كثيرة، وبالتالي يثبت هويته وكيانه الشخصي ويقدم أفكاره للآخرين.
5) الوظيفة الاستكشافية :
1وهي التي تسمى الوظيفة " الاستفهامية " بمعنى انه يسأل عن الجوانب التي لا يعرفها في البيئة المحيطة به حتى يستكمل النقص عن هذه البيئة.
6) الوظيفة التخيلية :
تتمثل فيما ينسجه من أشعار في قوالب لغوية، كما يستخدمها الإنسان للترويح، أو لشحذ الهمة والتغلب على صعوبة العمل، وإضفاء روح الجماعة، كما هو الحال في الأغاني والأهازيج الشعبية...
7) الوظيفة الإخبارية (الإعلامية) :
باللغة يستطيع الفرد أن يتقل معلومات جديدة ومتنوعة إلى أقرانه، بل ينقل المعلومات والخبرات إلى الأجيال المتعاقبة، وإلى أجزاء متفرقة من الكرة الأرضية خصوصاً بعد الثورة التكنولوجية الهائلة. ويمكن أن تمتد هذه الوظيفة لتصبح وظيفة تأثيرية، اقناعية ؛ لحث الجمهور على الإقبال على سلعة معينة أو العدول على نمط سلوكي عير محبب.
الوظيفة الرمزية :
يرى البعض ان ألفاظ اللغة تمثل رموزاً تشير إلى الموجودات في العالم الخارجي، وبالتالي فان اللغة تخدم كوظيفة رموزية)7.
واللغة كالكائن الحيّ، فهي تنمو وتترعرع وتشب وتشيخ وقد تموت إذا لم تتوفر لها عوامل الديمومة والاستمرار، مرهونة في ذلك بتنوع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية فعندما يتطور المجتمع حضارياً وإنتاجيا تتطور اللغة والعكس... فهي في الطور البدوي تختلف عنها في المدنية والحضارة، وهي في أهل الصحراء خلافها في الجبال والسهـــــــول.
نشــــأة اللغــــــــة :
أما حول أصل نشأة اللغة وما يتصل بهذه النقطة من موضوعات فكرية لن نخرج منها بكثير فائدة بله أن تشتت أفكارنا فقد تصدى للبحث فيها كثير من الفلاسفة والمتكلمين واللغويين، وذهبوا في البحث مذاهب شتى: فهذا يقول مصدرها التوقيف من الله، وذلك يقول مبدؤها الطبيعة، وآخر يقول منشؤها الاصطلاح والتواطؤ ــ ويكفينا هنا أن نعلم أن هناك نظريات متعددة حول نشأة اللغة، أشهرها أربع نظريـــــات :
(1)/ نظرية التوقيف: قال بها أفلاطون وأبو علي الفارسي، وابن حزم، وابن قدامة، وأبو الحسن الأشعري، و الآمدي، وابن فارس ومعظم رجال الدين، ويستدلون بقوله تعالى
: (وعلّم آدم الأسماء كلها) " البقرة /31". وبما جاء في سفر التكوين (وجبل الربّ الإله كل حيوانات البرية، وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، فكل ما دعا به آدم من ذات نفس حيّة فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم و طيور السماء، وجميع حيوانات البرّيّة)، الإصحاح الثاني عشر آية (19/20).
(2)/ نظرية المواضعة والاصطلاح: قال بها سقراط، وديمقريط، وآدم سميث، ومن العرب أبو الحسن البصري، وأبو إسحاق الاسفراييني، والسيوطي، وابن خلدون.
(3)/ نظرية المحاكاة: تعني أن يحاكي الإنسان ما حوله في الطبيعة من الظواهر، وأول من أشار إلى ذلك ابن جني في الخصائص ثم قال: (وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل)8، ولكنه لم يستقر على هذا الرأي أيضاً بعد أن ناقش الرأيين السابقين، والأسلم ألا ننسب الرجل إلى مذهب بعينه من المذاهب الثلاثة.
(4)/ نظرية الغريزة: يريدون أن الله زوّد الإنسان بآلة الكلام، وبجهاز للنطق، فهو حتما سينطق شاء أم أبى.
والحديث في أصل نشأة اللغة ـــ على رأي حجة الإسلام الإمام الغزالي ـــ فضول لا أصل له وكأنه يدعو إلى الانصراف عنه إلى معالجة اللغة بوصفها حقيقة واقعية في وضعها الراهن، وهذا التوجه من الإمام الغزالي ينسجم تماماً مع توجه علم اللغة المعاصر الذي أخرج هذه القضية من نطاق مباحث علم اللغة ...
وبعد هذه التوطئة البسيطة عن ماهية اللغة، ووظائفها. ننتقل إلى معنى لفظة (العربية)
ما هي العربيـــــــــــة:
متى كانت العربية ؟؟ علم ذلك عند الله، ولكنه سبحانه لم يصادر حريتنا في أن نحاول معرفة أي شيء يمكن أن يبلغه قدراتنا بالقطع، أو بالحدس والتخمين. يقال إن العربية تنحدر من اللغة الآراميّة، وهي التي تكلم بها آرام بن سام بن نوح عليه السلام
واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة. ونظراً لتمام القاموس العربي وكمال الصرف والنحو فإنها تعد أمّ مجموعة من اللغات تعرف باللغات الأعرابية أي التي نشأت في شبه جزيرة العرب، أو العربيات من حميرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية وعلماء اللغة حديثاً يصنفون كل السلالات اللغوية والعودة بها إلى لغة (أم) أطلقوا عليها (اللغة السامية) و أول من أطلق هذه التسمية هو العالم النمساوي شولتزر عام 1781م وواضح أنها تسمية عنصرية اقتبسها من نص من نصوص التوراة المكتوبة بأيدي الأحبار(العهد القديم) (الأصحاح 10 سفر التكوين) في ظل تقسيم وهمي للأجناس البشرية مستمد من أبناء نوح وهم: سام وحام و يافث، فكيف ينشأ ثلاثة أخوة في بيت واحد ويتكلمون ثلاث لغات ؟
أصبح يقينا لدى الباحثين المنصفين، أن وصفنا لحركة المسلمين إلى خارج شبه الجزيرة العربية في القرن السابع بالفتح والفتوحات الإسلامية أصبح تعبيرا خاطئا، فهو لم يكن فتحا بل كان تحريرا للعرب من الحكم الأجنبي كهدف سياسي، وهو توحيد للعرب في الموقع المكاني بمعناه الجغرافي كهدف قومي، كما انه من الخطأ القول بأن العرب ساميون والصحيح هو القول أن الساميين عرب.
السامي والسامية والساميون، تعريف يطلق على التجمعات والكيانات البشرية التي تواجدت في فلسطين وغور الأردن وجنوب العراق وشبه الجزيرة العربية، باعتبار أن كل هذه المناطق، تشكل وحدة جغرافية واحدة، والمعروف أن الجميع جاؤوا من شبه الجزيرة العربية وبالتالي فقد ذهبوا إلى أطراف شبه الجزيرة العربية، في هجرات عدة متتالية، وقد استحالت لغة وألسنة هذه الأقوام إلى اللغة العربية واللغة العبرية واللغة السريانية، والسامية أيضا هي مصطلح يطلق على كل الشعوب والأمم والقبائل قديما وحديثا مرورا بالعصور الوسطى التي تنتسب إلى سام بن نوح، ومن المعروف أن التوراه أول من أشار بالنص إلى ذلك التقسيم كما سبق وأسلفنا.
بعض العلماء نسب الصفة العربية إلى مدينة (عربة) في بلاد تهامة، وقيل أنها نسبة إلى يعرب بن يشجب بن قحطان وهو أبو العرب العاربة، أول من تكلم العربية على صورتها المعروفة وقيل أيضا أنهم سموا كذلك نسبة إلى فصاحة لسانهم في الإعراب، وقد وردت تسمية (العربية منذ منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، إذ وردت في نصوص شلمناصر الثالث الآشوري)9... والأقوام الذين تكلموا العربية لا يحصي عددهم إلا الله: منهم العرب البائدة: وهم قبائل طسم، وجديس، والعماليق، وأهل الحجر، وقوم هود وصالح عليهما السلام وغيرهم. وهؤلاء لم يصل لنا شيء من أخبارهم لا من قريب ولا من بعيد... وهناك العرب العاربة: وهم القحطانيون ومن ينحدر منهم.. وأخيرا العرب المستعربة وهم أبناء إسماعيل العدنانيون.
إن الموروث الكتابي العربي أعمق جذوراً مما يظن حتى الآن، فلو أضفنا إليه موروث الكتابة العربية كما كتبها الأكاديون (بابليون و آشوريون) بالخط المسماري وما كتبه الكنعانيون على سواحل الشام،، وكذلك مخطوطات أوغاريت ــ وتل العمارنة ــ ومخطوطات البحر الميت لاتصل تاريخ كتابة العربية ببضع آلاف قبل الميلاد10.
وتأسيسا على ذلك فالعرب هم في شبه الجزيرة العربية التي تشتمل على جنوب العراق وجنوب الشام وفلسطين وشبه جزيرة سيناء، و العربية وليدة واقعها المعيش أخذ العرب ألفاظها من الطبيعة المحيطة بهم فجاءت مفعمة بالصور ومشحونة بالأحاسيس والمشاعر.
إن الشخصية العربية تقوم على تشابه أذواق العرب وملكاتهم، وهذا التشابه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتراثنا الثقافي العريق، ويرتبط بعمالقة الشعر والأدب بخاصة الذين سجلوا مثلنا العليا11، ويرتبط باللغة العربية التي نعتز بالحديث بها.. ولهذا فإهمال الأدب القديم ـــ والاتجاه أكثر إلى الأدب الحديث يساعد من يروج للفصل بين الآداب القديمة (حيث امتداد أخلاق الآباء والسلف) وبين الآداب الحديثة ولسنا بحاجة إلى التأكيد على دور اللغة في بناء الأمة وصناعة وجدانها وتكوين هويتها وثقافتها وضمان تماسكها وتواصل أجيالها.
العربية لغة مقدّســـــــــة:
العربية لغة القرآن الكريم، وهو مهيمن على ما سواه من الكتب الأخرى، وهذا يقتضي أن تكون لغته مهيمنة على ما سواها من اللغات الأخرى.وهي لغة خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله الله للبشرية جمعاء، واختار الله له اللغة العربية، وهذا يعني صلاحيتها لأن تكون لغة البشرية جمعاء، ينبغي أن ندرك أبعاد هذه المسألة.
قال تعالى: (إنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)(الشعراء/193ــ 195) فلما وصفها الله بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة عنها، وهذا وسام شرف وتاج كلل الله به مفرق العربية، خصوصاً حين ناط الله بها كلامه المنزل، قال تعالى : -(إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)(الزخرف/ 3) وقال تعالى : - (كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون) " فصلت / 3". وقال (قرآناً عربياً غير ذي عوج) (الزمر/2
ومن هنا قال حافظ على لسان العربية :
وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً وما ضقت عن آي به و عظات
فهو يشير إلى الطاقات الهائلة والمخزون الضخم الذي تمتلكه العربية التي وسعت هذا القرآن بكل أبعاده و آفاقه. إنها لغة الخلود حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلا أن يزول هذا الكتاب المنزّل،، وقد تكفل الله بحفظها ضمنياً في قوله: (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) " الحجر/9".
ومن الطريف ما ذكره محمد الخضر حسين: (كتب " جون فرن" قصة خيالية بناها على سياح يخترقون طبقات الكرة الأرضية حتى يصلوا أو يدنوا من وسطها، ولما أرادوا العودة إلى ظاهر الأرض بدا لهم هنالك أن يتركوا أثراً يدل على مبلغ رحلتهم فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية، ولما سئل جون فرن عن اختياره للغة العربية، قال إنها: لغة المستقبل، ولاشك أنه يموت غيرها، وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه)12.
فضل تعلّم العربيـــــــة:
يرى كثير من العلماء أن الكلام بغير العربية لغير حاجة قد يورث النفاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فانه يورث النفاق) (أخرجه الحاكم في المستدرك) ؛ فلانعجب إذا علمنا أن من العلماء من أوجب تعلم العربية وإتقانها، قال عمر بن الخطاب: (تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم)، وكره الشافعي لمن يعرف العربية أن يتكلم بغيرها، و قال ابن تيمية: (إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، لأن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بالعربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وقال ابن فارس: (لذلك قلنا أن علم اللغة كالواجب على أهل العلم لئلا يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم)13. وقال أبو هلال العسكري: (علم العربية على ما تسمع من خاص ما يحتاج إليه الإنسان لجماله في دنياه، وكمال آلته في علوم دينه) وفي ما خلفه لنا علماء العربية دليل على فضلها، فما خلفه ابن جني الذي كان متمكناً من اليونانية لأنه رومي، وما خلفه أبو علي الفارسي الذي كان متمكناً من الفارسية مع أن الرومية والفارسية كانتا أزهى لغتين في زمانهما بعد العربية وكذلك كان شأن الكثير من سلف الأمة، حتى أثر عن أبي الريحان البيروني قوله: " لأن أشتم بالعربية خير من أن امدح بالفارسية " و قد قال الشعراء في مدح اللسان واللسن أبياتاً لا تحصى منثورة في كتب الأدب. كما ذكر محاسن العربية أيضاً رجال يعرفون غيرها من اللغات الراقية وشهدوا لها بأنها أقرب اللغات انطباقاً على النظم الطبعية قال المستشرق " أرنست رينان " في كتابه " تاريخ اللغات السامية": (من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتصل إلى درجة الكمال عند أمة من الرحل،تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها..) وقال المطران يوسف داءود الموصلي: (من خواص اللغة العربية وفضائلها أنها أقرب سائر اللغات إلى قواعد المنطق، حيث أن عباراتها سلسة طبيعية،يهون على الناطق صافي الفكر أن يعبر فيها عما يريد من دون تصنع وتكلف)14.
هكذا فعل سلفنا الصالح في خدمتهم للغة القرآن أحبوها حباً عظيماً، ووهبوا لها نفوسهم، فنقحوها ووضعوا قواعدها وأصلوا نحوها وصرفها حتى بلغت درجة الكمال والصفاء، أما نحن عرب عصر التكنولوجيا والاختراقات الفضائية و الثورة المعلوماتية فقد فشا فينا التخاذل والتكاسل والتقاعس فكنا كقول أحدهم: فخلف من بعد السلف خلف تنكروا للغتهم واحتقروها، ونظروا إليها نظرة ازدراء و اتهموها بالعجز والقصور وعدم صلاحيتها للعصر.
واجبنـــــا تجـاه العربيــــــة :
إن خدمتك للغة العربية تعني خدمتك للقرآن ولو من وجه بعيد. وإن السلف الصالح ما قصروا في خدمتها حيث جاهدوا بالجهد والمال والوقت لخدمة لغة القرآن،، عكفوا على تعلمها لما لها من مكانة مقدسة في نفوسهم،، غاروا عليها، وغاروا على بيانها المعجز أن تدنسه عجمة الأعاجم ولوثة الإفرنج... فقضوا سني حياتهم في تقعيدها وإشادة أركانها ورسم أوضاعها...
ولعل أقل ما نعمل أن ننشر هذه الكتب المخطوطة التي تقبع في متاحف العالم وأن ننفض عنها غبار الزمن، حيث أن هناك حوالي مليون مخطوطة عربية موزعة في كافة أرجاء العالم (ففي تركيا 155أ لف مجلد / وروسيا 40 ألف مجلد / والعراق والمغرب 35ألف مجلد / وتونس 25ألف مجلد / وبريطانيا و سوريا 20 أ لف مجلد / والولايات المتحدة 15ألف مجلد / والهند والسعودية 15ألف مجلد / يوغسلافيا فيها 14 ألف مجلد / فرنسا 8500 مجلد / اليمن 10 ألف مجلد / ايطاليا والفاتيكان 7500مجلد. تضاف إلى هذا بلدان تحتفظ بما يقارب 7500 مجلد ليصل الرقم إلى ما يقارب مليون مخطوطة عربية ناجية ما تزال موزعة في أرجاء الكرة الأرضية.)15.
كذلك ينبغي إغناء المكتبة العامة بالمؤلفات التي تحث على كيفية تعلم العربية وتسهيل تعلمها للناطقين بها ولغير الناطقين بها، بالإضافة إلى استغلال الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة إلى أقصى حد ممكن لخدمة العربية.
إن من أكبر مصائب الأمة أن يكون تعليمها بغير لغتها، وتفكيرها بغير أدواتها، وقياس حاضرها يكون بمعايير وضوابط حضارية غريبة عنها،، والحالة هذه من التخاذل والتكاسل والتبعيّة، واجهت العربية مجموعة من التحديات والمصاعب وقفنا منها موقف المتفرج، إن لم نكن شاركنا فيها من طرف خفي. وقد آن الأوان أن نفضح خطط الأعداء ونكشف عن نواياهم الخبيثة ونثبت للعالم أن هذه اللغة ثرية غنية باقية فنرعاها حق الرعاية ولا ندعها تتعرض للتقويض والانهيار والغزو اللغوي الشرس من الداخل والخارج...
التحديــــات والمواجهـــــــــــــات:
التحدي الأول:
اتهامها بالعقم والجمود والتحجّر والقصور، وأنها لم تعد ملائمة لأساليب القرن الحادي والعشرين عصر الثورة المعلوماتية و الاختراقات الفضائية، فكان منا من نظر إلى تخلف العرب العلمي في عصر الذرة فأعلن أنه لا يرى لهذا سبباً غير تمسك العرب بلغتهم في مراحل التعليم عامة والتعليم العالي منها خاصة، وآخر يلحّ في الدعوة إلى تدريس العلوم الطبية وغيرها بلغة غير عربية ؛ ليظل المسلم عنده إحساس بعجز اللغة العربية لغة القرآن.
يتبع إن شاء الله