تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العودة


grandlion05
2012-12-07, 17:55
فات علي وقت أردت فيه تجرع مرارة الحياة. فالحياة فرحة و مآسي. مرت علي أوقات استسغت فيها صعوبة العيش و أعجبني مذاقه. تلذذت بالعذاب إذا كان العذاب قدر الأشراف و المجاهدين في هذا الزمان.
زارتني أحيان كنت أنتفض فيها على المدير في الشركة حيث كنت أعمل، و أتمرد على النظام الذي يسودها إذا كان ذلك يطلق في داخلي شرارات الحماس و النزاهة، غير آبه بالمستقبل غير مكترث بالأيام فالأيام لا زلت في مرفئها و لم أخض بعد عباب بحرها.
كنت أغامر و أخاطر و أسوّف و أترك للغد نصيبا من اليوم...لكن إلى متى؟
اليوم ـ والحمد لله على ذلك ـ وجدت القروش البيضاء التي تركتها للأيام السوداء.
وجدت بعض الدعامات الفكرية التي اقتبستها من أماكن كنت أجول فيها من غير هدف، كان ذلك في الحقيقة هدفي. أن أمشي بغير هدف.
استدعيت بعض الجواهر العاطفية التي خزنتها لزمن كهذا، في أوقات كنت أجوب فيها الحياة و أسير بلا عنوان.
لا ادري إذا كان كل إنسان منا قد خبأ لأيامه القادمة مثل تلك الضمانات و المحفزات و المنشطات التي تظهر و بدون سابق إنذار لتأخذك من هنا إلى هناك، حيث الجمال و الجلال.
نغمات من الموسيقى، صور من الطبيعة، كلمات من كتاب، عبارات من أستاذ، نصائح من والد...تأتي هذه و تدلك على المخرج حين تلتبس عليك الحياة و تكثر الأبواب الموصدة.
تجارب حكيمة، أنهار و بحار و جبال رأيتها و أصدقاء على شفير الإنقراض من ذاكرتك يعودون ليعيشوا للحظات من جديد و مراحل كنت فيها سيدا على نفسك و سيدا على الزمان و المكان...كلها تأتي من الزوايا المظلمة لتشد من أزرك و تأخذ بيدك إلى بر الأمان.
تتذكر أنك لا تزال إنسانا كريما يحلم و يفكر و يشم و يرى و يتذوق و يمشي...فتقول ماذا أريد غير هذا. أليس هذا هو الإنسان.
أنا أحلم و الحالم يريد الحياة.
أفكر أليست الحياة من صنع الأفكار.
أشم الياسمين و الثرى المبتل بالمطر و أمواج البحر إذا التطم، الروائح أرواح الأشياء.
أرى الجمال و الخلق فالصنعة دليل الصانع و أثره على الأرض و المقلة سبيل الإيمان.
أتذوق طعم الطيبات من الأرزاق و الأذواق و الآداب و السلوك...الحياة أذواق.
أمشي و أسير في الأرض لأتبع العلامات و أقرأ من صفحة الكون المفتوحة و أراقب كل حركة و سكون في سماء لا تعرف السكون.
هذه وسائل الإنسان الذي يرغب في الحياة و لا يكتفي بمجرد عبورها.
فتحت كنزي الذي لا يحتوي إلا على الأفكار و العواطف و الذكريات، لا أحتاج الأشياء. ليس لها في كنزي الغالي مكان.
الأشياء تفنى و الأفكارلا، هي تتبلور. الاشياء تفنى و العواطف لا، هي تستعر. الأشياء تفنى و الذكريات لا، هي تستمر.
تركت نفسي تتشبع من قوتها، من أصالتها، من امتدادها في الزمن، و عمقها في المكان.
قل لن تجرفني حوادث الدنيا فها هي ذكرياتي شاهدة على الماضي الذي عشت فيه و الدنيا أصدقاء.
قل لن ترغمني قوى العالم المضطرب على أن أستسلم. بأفكاري جعلت لي حيزا من الوجود أنزوي فيه، أفعل فيه كل شيء مع من أحب، وقتما أحب، و قد فعلت حقا!
قل لن تزعزعني نوائب الدهر فأنا أعود كالربيع بعد الشتاء، كالصباح بعد الليل الدامس، كالحرية بعد الاحتلال. فعواطفي و إحساسي تمنحني التفاؤل لأعيش الربيع و الدنيا شتاء، و أستبق الشروق و الأرض ظلام، و أتنفس الحرية و أنا في غياهب الحرمان.
إذا أردت الرجوع، القيام، النجاح ما عليك إلا أن ترجع فتقوم و تنجح، أنت من تريد و أنت من تعرف ماذا تريد، غيرك هم غيرك و ما دخل غيرك فيما تريد، فهم أيضا يريدون!!
..............عُد.