المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الآخر ومسألتا الحقيقة و الفلسفة


gatboulerbah
2009-03-23, 19:10
الآخر ومسألتا الحقيقة والفلسفة‏



العرب اونلاين:نعيمة الحاج عبد الرحمن

يعلم جميعنا أن الإنسان حيوان اجتماعي لا يمكنه العيش بمفرده لأنه بحاجة للآخر. فمن هو هذا الآخر؟ ‏الآخر هو الأنا الذي ليس أنا.

هو الأنا المختلف عني وفي الآن ذاته هو الأنا الذي يشبهني. فإذا كان ديكارت ‏قد جعل من الـ"أنا أفكر إذن أنا موجود" اليقين الأول الذي يبلغه وعي الذات فإنه قد أهمل بذلك بُعد الآخر ‏الذي لا يُفرَج عنه إلا مع مجيء هيغل باعتباره مكونا أساسيا لوعي الذات وذلك ما عبر عنه في ‏فينومينولوجيا الروح وعلى وجه الخصوص في ما يعرف بجدلية العبد والسيد، ثم بعد ذلك مع مجيء جان ‏بول سارتر في الكينونة والعدم وخصوصا في تعبيره الشهير "الآخرون هم الجحيم"، ثم بعد ذلك مع ميرلو ‏بونتي وبعده إيمانويل لفيناس.‏

اللقاء مع الآخر
يقول لفيناس: "إن تجلي الوجه هو القول الأول. لذلك يعد فعل الكلام، أولا وقبل كل شيء، هذه الكيفية في ‏المجيء من وراء تجليه "أي الوجه" ومن وراء شكله. إنه انفتاح في الانفتاح."‏

إن العلاقة بالآخر هي علاقة ‏الوجه للوجه ‏Le face à face، وإن الصراع الذي قد ينشأ بيني وبين الآخر هو في الواقع ناتج عن هذه ‏العلاقة. من خلال تجلي وجه الغير فإن تجلي وعيه هو الذي يتجلى، وفي لقائه، فإن علوه يستحوذ علي مما ‏يستوجب إعادة النظر في وعي الأنا بسبب الآخر. "فيفقد الأنا توافقه الكلي مع ذاته."‏ ‏

تتزلزل أنانيتي فتفقد ‏سلطتها ودكتاتوريتها. يتزحزح حب الذات عن عرشه. لا مجال إلا لحب الإنسان الموجود فيَّ والذي يشبهني. ‏كل ذلك يؤكد الفكرة الآتية: "أن أكون أنا يعني [...] أن لا أتقاعس عن المسؤولية [...] التي تفرغ الأنا من ‏إمبرياليته وأنانيته."‏ ‏

هكذا، تنقلب الموازين وتتغير الرؤى وتطفو على السطح مفاهيم جديدة فـ"تُدخل العلاقة ‏مع الآخر فيَّ ما لم يكن موجودا فيَّ. سيضع هذا الفعل، بالنسبة لحريتي، حدا للعنف [...] فيقيم العقل"‏ ‏ ‏وينصبه بدل الغرائز العمياء التي قد تحرك فيَّ ما يفقدني إنسانيتي.‏

في هذا المقام نطرح السؤال التالي: في لقائنا مع الآخر، ومن أجل بلوغ الحقيقة، هل ينبغي التفكير في ‏شيء من قبيل الإمحاء‏‎ ‎؟ هل العبور إلى الحقيقة مشروط بمحوي أو محو الآخر؟‏

الحقيقة والإختلاف ‏
قبل الإجابة على هذا السؤال علينا الأخذ بعين الاعتبار ما يلي: إذا كان طابع حقيقة الأشياء، في مجال ‏العلوم، كونيا فإن طابع حقيقة وجه الآخر، وجه الإنسان، تعددي.‏‎ ‎فالبنيات الأسرية والاجتماعية، تعدد ‏الأديان، اختلاف اللغات...

كل ذلك يسوقنا للإقرار أن هذا النوع من الحقيقة لا قانون له ولا مقياس ‏يحدده.‏‎ ‎لماذا؟ بكل بساطة لأننا في مجال الحرية: حرية الإنسان. إن طريق الحقيقة، في اللقاء مع الآخر، ‏طريق يؤدي إلى الاختلاف. ‏

‏" فالآخر يتواجد في مجموعة ثقافية يتضح من خلالها، كما يتضح النص من خلال سياقه."‏ ‏ وفي ‏امبرياليته وأنانيته، يكون الأنا غير عادل. مما يدفعنا إلى طرح مسألة الإتيقا ‏l\'éthique، الأخلاق ‏la ‎morale‏ والعدالة ‏la justice‏.‏

‏1- إن أصل كلمة إتيقا هو الكلمة اليونانية ‏ethos‏ والتي تعني طبع واستعدادات كل واحد منا. الإتيقا "تسيّر ‏الأنا"‏ ‏ و تطرح سؤال الكيف: كيف نعيش؟ ‏

‏2- وأصل كلمة ‏Justice‏ هو‏‎ δικη‏ اليونانية، والتي تحاول فهم الفروقات و الاختلافات وإقامة المساواة فيما ‏بينها. مما يستوجب الحق ‏le droit‏. فإذا كان السؤال الجوهري للإتيقا هو: كيف نعيش؟ فإن سؤال العدالة هو ‏كيف نجعلها ممكنة؟ أي كيف يمكن لنا أن نكون منصفين مع الغير ومع الذات؟

‏3- أما كلمة ‏morale‏ فهي مشتقة من الكلمة اللاتينية ‏mores‏ أو ‏mœurs‏. هنا، نواجه مسألة ما يمكن فعله ‏وما لا يمكن فعله. فهي "تنظم "..." أشكال السلوك في العالم مع الأشياء، مثال ذلك: علاقتنا بالمال."‏

لقد عرف تاريخ الفكر ثلاثة أنماط من "التفكير الأخلاقي": أخلاق الأنا ، أخلاق الآخر وأخلاق الأشياء.‏

يقابل الأولى الحق ‏le droit‏ ‏ ، والثانية الواجب ‏le devoir‏ والثالثة الارتياح أو الرضا ‏la ‎satisfaction‏.‏ ‏ سنتوقف عند النقطة الثالثة فقط والتي يقابلها الواجب.

ينبغي أن ينظم الواجب كل علاقاتنا ‏وعلى وجه الخصوص العلاقات الإنسانية. هكذا نصل إلى النتيجة التالية: لا أحد يمحو الآخر. يجب، بكل ‏بساطة، قبول الآخر أو بالأحرى احترامه فإن حب الحقيقة المهموم بحب الآخر، يستوجب الاحترام. "

أن ‏أتغير له نفس معنى السير في اتجاه الحقيقة. فلا يمكننا تجنب تصلبات المتعصبين ونحن نؤمن أن المحافظة ‏هي الطريقة المثلى لتشريف الحقيقة. علينا أن نعيش تجربة الاستماع المتبادل والسؤال الصبور لأصنام ‏تقاليدنا والقراءة المتكررة لحكايانا.‏

يقول ميشيل ميير: "لكل واحد منا الحق في أن يكون مختلفا "..." لكل واحد الحق في تاريخه، وواجب كل ‏واحد منا هو احترام هذا الحق عند الغير. تعد الكونية دون الاختلاف شمولية مثلها مثل الاختلاف دون ‏الكونية."‏

هكذا، تقودنا مسألة الاختلاف للحديث عن حقائق بالجمع وليس الحقيقة في المفرد، ما يجعلنا نستنتج أن ‏الحقيقة ليست ذلك المطلق، ذلك الما-وراء الذي لا يكف الإنسان عن البحث عنه والجري وراءه. الحقيقة ‏ليست ملكية، الحقيقة سير، إنها من قبيل الطريق، فأنا لا أملك الحقيقة، ولكنني أفعل الحقيقة وأسير في ‏اتجاهها.‏

الحقيقة، هي هذه الحركة نحو... لذلك كله، فإن مسألة تدريس الفلسفة تواجه الصعوبة التالية:‏
هل نعلّم الفلسفة أو نعلّم التفلسف؟

مسألة الفلسفة وتدريسها
لا يوجد في نظري أفضل من كانط للإجابة على هذا الموضوع. فهو يقدم لنا في البداية مثال شخص يعرف ‏عن ظهر قلب فلسفة فولف ‏wolff‏ فيقول: "ومع ذلك، لا يملك هذا الإنسان سوى معرفة تاريخية كاملة عن ‏فلسفة فولف، فهو لا يعرف ولا يمكنه أن يحكم أكثر مما قدم له.

فإذا ناقشه أحدكم في تعريف فإنه لا يعرف ‏من أين له بآخر. لقد تَكوَّن عن طريق عقل آخر، لكن قدرة التقليد لا تعني قدرة الخلق [الابتكار]"‏ ‏. إن هذا ‏الإنسان ملم بتاريخ الفلسفة ولكنه لا يحسن التفلسف.‏

وفي مكان آخر، يضيف كانط ما يلي: "... ليس باستطاعتنا تعلم أي فلسفة، وإذا سلمنا بذلك، فأين هي؟ من ‏يملكها؟ وكيف نتعرف عليها؟ لا يمكننا تعلم إلا التفلسف أي تمرس موهبة العقل في تطبيقه لمبادئه العامة ‏على بعض الحالات التي تعرض، ولكن بتحفظ شديد أمام حقه في تفحص هذه المبادئ إلى غاية منابعها ومن ‏ثمة إثباتها أو رفضها."

نجد تقريبا الفكرة ذاتها عند هيدغر، الذي يؤكد في تعريفه للفلسفة، على أن لا نفهمها "كتظاهرة ثقافية ‏‏"..." أو كمجال للتدريس والتعلم "..." بل كسأل ‏un questionner‏ يغيّر الدازاين تماما أي يغيّر الإنسان ‏وفهمه للوجود."

هكذا يمكننا أن نستشف تعريف هيدغر للفيلسوف: "إن دازاين الفيلسوف ‏le φιλοσοφος‏ محدد بالفيلوسوفيا ‏φιλοσοφία‏. ليس الفيلسوف هو من يمارس "الفلسفة" كموضوع "للثقافة" العامة، إنما هو من يرى في ‏الفلسفة صفة أساسية للكائن الإنساني."‏ ‏ ‏

‏-‏ لذلك، فالفيلسوف مسؤول عن الآخرين المتواجدين داخل مجال البديهيات المسيطرة، أي مجال ‏le ça ‎va de soi‏. كيف ذلك؟ ‏

‏-‏ الفيلسوف مسؤول عن دعوة الآخرين للتساؤل: أنا أسأل إذن أنا موجود ‏je questionne donc ‎j’existe

‏- الفيلسوف مسؤول عن إقناع الآخرين على استعمال عقولهم ورفض كل أنواع الوصاية: أستعمل عقلي ‏الخاص إذن أنا موجود ‏j\'utilise ma propre raison, donc j\'existe ‎

‏-‏ الفيلسوف مسؤول عن تبيان للآخرين مدى ضرورة الحوار: أنا أتحاور إذن أنا موجود ‏je dialogue ‎donc j’existe‏ ‏

‏-‏ ومن هنا، فالفيلسوف مسؤول على إفهام الآخرين أن مَثلُ الحقيقة مثل كرة بلور، إذا استطاع الإنسان ‏رؤية جانب منها فلا يمكنه رؤيتها في كليتها. إننا دائما في النقص، في اللامعرفة في اللاحقيقة، لهذا ‏عرَّف الإغريق الفلسفة بـ : محبة الحكمة، ولأننا مجردون منها،أي من الحكمة، ولأننا في حاجة ‏ماسة إليها، فنحن نسير دوما، وبطرق مختلفة، تجاهها.‏

في الأخير، ينبغي إدراك الحكمة باعتبارها معرفة ‏un savoir‏ وحنكة ‏un savoir faire‏ معا، تشمل ‏الإنسانية في مجملها، صيغتها الأولى القول المأثور ‏le proverbe‏ الذي من خصائصه أنه ليس ملكا ‏لأحد، فهو مجهول الهوية ‏anonyme‏ ومع ذلك بإمكان كل واحد منا استعماله، إنه دائما هنا للتساؤل.‏

وينبغي أيضا فهم المحبة، محبة الحكمة، بمعنى إيروس ‏Eros‏ لذا نتساءل: من هو إيروس؟ لقد طرح ‏سقراط قبلنا هذا السؤال على ديوتيما ‏Diotima‏ فأجابته: "احتفلت الآلهة يوم ميلاد أفروديت ‏Aphrodite‏ ‏وكان من بينهم بوروس ‏Poros‏ "الغنى" ابن ميتيس ‏Métis‏ ولما انتهت المأدبة.

جاءت بينيا ‏Pénia‏ ‏‏"الفقر"، كعادتها في أيام كهذه، تطلب صدقة فتوقفت عند باب المدخل بينما كان بوروس المنهك بفعل ‏الشراب يتجول في حديقة زيوس ‏Zeus‏ والذي انتهى به الأمر إلى النوم فيها. ففكرت بينيا أن يكون لها ‏طفل من بوروس، فتمددت بجانبه فحبلت بإيروس منه."‏

هكذا، فإن إيروس يتوسط بوروس وبينيا أي يتوسط الغنى والفقر، المعرفة واللامعرفة، الحقيقة ‏واللاحقيقة. لهذا، فإن الحقيقة ليست ملكا لأحد. الحقيقة حركة تفجر أطر وحدود الذات نحو... ‏
‏ ‏
_________

* باحثة جامعية جزائرية

stayfi_kamikaz
2009-05-14, 10:48
بارك الله فيك

gatboulerbah
2009-05-16, 11:03
بارك الله فيك

الشكر على التفاعل

دمت...

امير الجود
2009-05-24, 19:55
شكــــرا لك و بـــارك الله فيك على المجهــــــود

gatboulerbah
2009-05-24, 20:28
شكــــرا لك و بـــارك الله فيك على المجهــــــود

أسعدتني زيارتكم وأخجلني مروركم وجودكم..

دمت سالما...