المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أربع قصائد غير منشورة لمحمود درويش بينها «وصية» إلى شاعر شاب


gatboulerbah
2009-03-19, 17:49
جريدة الحياة - 19/03/09//


في أيامه الأخيرة كان الشاعر محمود درويش منهمكاً في وضع اللمسات الأخيرة على ديوان، كان يحدس بالسرّ أنه سيكون ديوانه الأخير. لكن الموت كان أسرع منه، فرحل تاركاً على طاولته في منزله في عمان، قصائد ذلك الديوان الذي لم يتسنّ له أن يختار عنوانه ولا أن يُعمل قلمه في بضع قصائد، منقّحاً إياها على عادته هو الذي كان يملك عيناً نقدية حاذقة. إحدى القصائد ظلّت بلا عنوان، وقصيدته «في بيت نزار قباني» حذف منها كلمة ولم يضف أخرى محلها... إلا أن القصائد الثلاث والثلاثين هي وليدة المرحلة الأخيرة، التي بلغ فيها الشاعر أوج ابداعه، لا سيما بعدما أحسّ أن الموت بات يهدده وأن الشعر وحده هو السلاح والملجأ الآمن، ووحده القادر على أن يهزم الموت.

هذا الديوان الاخير يصدر مطلع الأسبوع المقبل عن دار رياض الريّس التي تملك حقوق نشر أعمال درويش بموجب اتفاق وقعه الشاعر، وعنوانه «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي»، وهو عنوان إحدى القصائد التي يضمّها الديوان.

يصدر الديوان غداة الذكرى الثامنة والستين لميلاد محمود درويش التي مرّت قبل أيام في غيابه، وهو سيكون أجمل هدية الى قرائه، ليس لأنّه يحمل جديده الشعري، بل لأن هذا الجديد ينتمي الى اللحظات الأشد سطوعاً في إبداعه. وفي الديوان يلوح هاجس الغياب مثلما لاح في «جدارية» و «في حضرة الغياب» وسواهما، لكنه هنا محفوف بالرغبة في العيش، العيش الشعري داخل العالم. ويبرز هذا الديوان أيضاً كم أن محمود مشغوف بالتجدّد والبحث المستمر عن آفاق مجهولة للإبداع الشعري واللغة والصور والإيقاع.

ثلاث وثلاثون قصيدة تركها محمود درويش ولم يمنحه الموت قليلاً من الأيام ليصدرها، ويقلّبها بين يديه في ديوان. وهذه القصائد ستزيد من سطوة هذا الشاعر مرسّخة حضوره أكثر فأكثر، هو الذي سيظل في مقدم المشهد العربي المعاصر.

تنشر «الحياة» أربع قصائد غير منشورة من الديوان متوجهة من خلالها الى قراء محمود درويش الذي افتقدوه، بالجسد وليس بالروح، ومن بين القصائد الأربع «وصية» فنية عنوانها «إلى شاعر شاب».*******************************


إذا كان لا بُدَّ من قمرٍ

فليكن كاملاً، ووصيّاً على العاشقة!

وأمّا الهلال فليس سوى وَتَرٍ

مُضمرٍ في تباريح جيتارةٍ سابقة!

وإن كان لا بُدَّ من منْزلٍ

فليكنْ واسعاً، لنربي الكناريّ فيه.. وأشياءَ أخرى

وفيه ممّر ليدخلَ منه الهواء ويخرج حرّا

وللنحلِ حقُّ الإقامةِ والشغلِ في رُكنهِ المهمل

وإن كان لا بُدَّ من سفرٍ

فليكن باطنيّاً، لئلا يؤدّي إلى هدف

وأمّا الرحيل، فليس سوى شغف

مرهفٍ بالوصول إلى حُلُمٍ قُدَّ من حجر!

وإن كان لا بُدّّ من حلم، فليكنْ

صافياً حافياً أزرق اللون، يولد من نفسهِ

كأنّ الذي كان كان، ولكن لم يكنْ

سوى صورة الشيء في عكسهِ

وإن كان لا بُدَّ من شاعرٍ مختلفْ

فليكن رعويّ الحنين، يُجعّد ليل الجبال

ويرعى الغزالة عند تخوم الخيال، ولا يأتلفْ

مع شـيءٍ ســـوى حســّه بالمدى والندى والجمال

وإن كان لا بُدَّ من فرح، فليكنْ ساخناً

كدمِ الثور، لا وقتَ يبقى على حاله

الغناءُ حلالٌ لنا مثل زوجاتنا، فليكنْ ماجناً فاتناً

لكي يخجلَ الموتُ منه.. وينأى بأثقاله

وإن كان لا بُدَّ من علمٍ للبلاد

فليكنْ عالياً، وخفيَّ المجاز.. قليلَ السواد

وبعيداً، كأودية، عن جفاف المكان وأيدي الصغار

وعن غرفِ النوم، وليرتفع فوق سطح النهار.

وإن كان لا بدَّ مني... فإني

على أُهبة المرتضى والرضا، جاهزٌ للسلام

مع النفس. لي مطلبٌ واحدٌ: أن يكون اليمام

هو المتحدّثُ باسمي، إذا سقط الاسم منّي!

عينان

عينان تائهتان في الألوان. خضراوان قبل

العشب. زرقاوان قبل الفجر. تقتبسان

لونَ الماء، ثم تُصوّبان إلى البحيرةِ نظرةً

عسلية، فيصيرُ لونُ الماء أخضر..

لا تقولان الحقيقة. تَكْذبان على المصادرِ

والمشاعر. تنظران إلى الرماديّ الحزين،

وتُخفيان صفاته. وتُهيّجان الظلِّ بين الليلكيّ

وما يشعّ من البنفسجِ في التباسِ الفرق.

تَمتلئان بالتأويل، ثم تحيّران اللون: هل هو

لازورديّ أم اختلطَ الزُمُرّدُ بالزبرجدِ والتركواز

المُصَفّى؟ تَكبران وتَصغران كما المشاعر..

تكبران إذا النجومُ تنَزّهتْ فوق السطوح.

وتصغران على سريرِ الحبّ. تنفتحان كي تستقبلا

حلماً ترقرقَ في جفونِ الليل. تنغلقان كي

تستقبلا عسلاً تدفّقَ من قفيرِ النحل.

تنطفئان كاللاشيء شعرياً، غموضاً عاطفياً

يُشعلُ الغابات بالإقمار. ثم تعذّبان الظلّ:

هل يخضوضرُ الزيتيُّ والكحليّ فيَّ أنا الرماديَّ

المحايد؟ تنظران إلى الفراغ. وتكحّلان بنظرةٍ

لوزيةٍ طوقَ الحمامة. تفتحان مراوحَ الخُيلاء

للطاووس في إحدى الحدائق. ترفعان الحَوْرَ

والصفصاف أعلى ثم أعلى. تهربان من

المرايا، فـــهي أضيق منهما. وهما هما في الضوء

تلتفتان للاشيء حولهما فينهضُ، ثم يركضُ

لاهثاً، وهما هما في الليل مرآتان للمجهول

من قدري. أرى، أو لا أرى، ماذا يعدّ الليلُ

لي من رحلةٍ جويةٍ – بحريّة. وأنا أمامهما

أنا أو لا أنا. عينان صافيتان، غائمتان،

صادقتان، كاذبتان عيناها. ولكن، منْ هي؟

بالزنبق امتلأ الهواء

بالزنبق امتلأ الهواءُ، كأنّ موسيقى ستصدحُ.

كلُّ شيء يصطفي معنى، ويرسلُ فائض المعنى

إليَّ. أنا المعافى الآن، سيِّدُ فُرصتي

في الحب. لا أنسى ولا أتذكّر الماضي،

لأني الآن أولدُ، هكذا من كلّ شيء..

أصنعُ الماضي إذا احتاجَ الهواء إلى سلالته

وأفسدَه الغبار. وُلدتُ دون صعوبة،

كبناتِ آوى، كالسمندلِ، كالغزال.. ولم أهنئ

والديَّ بصحتي وسلامتي. والآن، أقفزُ

صاحياً وأرى وأسمع. كلُّ هذا الزنبق

السحريّ لي: بالزنبقِ امتلأ الهواء كأنّ

موسيقى ستصدح. كلُّ ما حوالي يهنئني:

خلاءُ السقف من شبحٍ ينازعني على نفسي.

وكرسيّ يرحّبُ بالتي تختار إيقاعاً خصوصيّاً

لساقيها. ومرآةٌ أمام الباب تعرفني وتألفُ

وجه زائرها. وقلبٌ جاهزٌ للاحتفال بكلِّ

شيء. كلُّ شيء يصطفي معنى لحادثة الحياة،

ويكتفي بهبات هذا الحاضرِ البلّور. لم أعرفْ

ولم أسألْ: لماذا أحتفي بصداقةِ اليوميّ،

والشيء المتاح، وأقتفي إيقاع موسيقى ستصدح

من زوايا الكون؟ لا أنسى ولا أتذكّرُ

الغد... ربما أرجأتُ تفكيري به، عن غير

قصدٍ، ربما خبّأتُ خوفي من ملاكِ الموت،

عن قصدٍ، لكي أحيا الهنيهةَ بين منْزلتين:

حادثة الحياة وحادث الموت المؤجّل ساعةً

أو ساعتين، وربما عامين... يفرحني تَذكُّرُ

ما نسيتُ: نسيتُ أن أنسى غناء الناي

للأفعى. بلا سببٍ يفيضُ النهرُ بي، وأفيض

حول عواطفي: بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ

موسيقى ستصدح!

إلى شاعر شاب

لا تصدّقْ خلاصاتنا، وانسها

وابتدئ من كلامك أنت. كأنك

أوّل من يكتب الشعر،

أو آخر الشعراء!

إن قرأت لنا، فلكي لا تكون امتداداً

لأهوائنا،

بل لتصحيح أخطائنا في كتاب الشقاء.

لا تسل أحداً: منْ أنا؟

أنت تعرف أمّك..

أمّا أبوك... فأنت!

الحقيقة بيضاء. فاكتبْ عليها

بحبر الغراب.

والحقيقة سوداء، فاكتب عليها

بضوء السراب!

إن أردت مبارزة النسر

حلّق مَعَهْ

إن عشقتَ فتاة، فكن أنتَ

لا هي،

منْ يشتهي مصرعهْ

الحياةُ أقلّ حياة،

ولكننا لا نفكّر بالأمر،

حرصاً على صحّة العاطفةْ

إن أطلت التأمّل في وردةٍ

لن تزحزحك العاصفة!

أنت مثلي، ولكنّ هاويتي واضحة

ولك الطرق اللانهائية السرِّ،

نازلة صاعدة!

قد نُسمّي نضوب الفتوة نضج المهارة

أو حكمةً

إنها حكمة، دون ريب،

ولكنها حكمة اللاغنائيّة الباردة

ألفُ عصفورة في يدٍ

لا تعادل عصفورة واحدة

ترتدي الشجرة!

القصيدةُ في الزمن الصعب

زهرٌ جميلٌ على مقبرة!

المثالُ عسير المنال،

فكن أنت أنت وغيرك

خلف حدود الصدى

للحماسة وقت انتهاء بعيد المدى

فتحمّسْ تحمّسْ لقلبك واتبعه

قبل بلوغ الهدى

لا تقل للحبيبة: أنتِ أنا

وأنا أنتِ،

قلْ عكس ذلك: ضيفان نحْنُ

على غيمةٍ شاردة

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة

لا تضع نجمتين على لفظة واحدة

وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ

لتكتمل النشوة الصاعدة

لا تصدّق صواب تعاليمنا

لا تصدّق سوى أثر القافلة

الخُلاصة، مثل الرصاصة في قلب شاعرها

حكمة قاتلة

كن قوّياً، كثور، إذا ما غضبتَ

ضعيفاً كنوّار لوز إذا ما عشقتَ،

ولا شيء لا شيء

حين تسامر نفسك في غرفة مغلقةْ

الطريق طويل كليل امرئ القيس:

سهلٌ ومرتفعات، ونهرٌ ومنخفضات

على قدر حلمك تمشي

وتتبعك الزنبق

أو المشنقة!

لا أخاف عليك من الواجبات

أخاف عليك من الراقصات على قبر أولادهنّ

أخاف عليك من الكاميرات الخفيّات

في سُرَر المطربات

لن تخيّبَ ظنّي،

إذا ما ابتعدتَ عن الآخرين، وعنّي:

فما ليس يشبهني أجملُ

الوصيُّ الوحـــيدُ علـــيك من الآن: مستقبلٌ مهملُ

لا تفكّر، وأنت تذوب أسى

كدموع الشموع، بمن سيراك

ويمشي على ضوء حدسك،

فكّر بنفسك: هل هذه كلّها؟

القصيدة ناقصة... والفراشات تكملها

لا نصيحة في الحبّ، لكنها التجربة

لا نصيحة في الشّعر، لكنها الموهبة

وأخيراً: عليك السلام

kada70
2009-03-20, 22:10
جريدة الحياة - 19/03/09//


في أيامه الأخيرة كان الشاعر محمود درويش منهمكاً في وضع اللمسات الأخيرة على ديوان، كان يحدس بالسرّ أنه سيكون ديوانه الأخير. لكن الموت كان أسرع منه، فرحل تاركاً على طاولته في منزله في عمان، قصائد ذلك الديوان الذي لم يتسنّ له أن يختار عنوانه ولا أن يُعمل قلمه في بضع قصائد، منقّحاً إياها على عادته هو الذي كان يملك عيناً نقدية حاذقة. إحدى القصائد ظلّت بلا عنوان، وقصيدته «في بيت نزار قباني» حذف منها كلمة ولم يضف أخرى محلها... إلا أن القصائد الثلاث والثلاثين هي وليدة المرحلة الأخيرة، التي بلغ فيها الشاعر أوج ابداعه، لا سيما بعدما أحسّ أن الموت بات يهدده وأن الشعر وحده هو السلاح والملجأ الآمن، ووحده القادر على أن يهزم الموت.

هذا الديوان الاخير يصدر مطلع الأسبوع المقبل عن دار رياض الريّس التي تملك حقوق نشر أعمال درويش بموجب اتفاق وقعه الشاعر، وعنوانه «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي»، وهو عنوان إحدى القصائد التي يضمّها الديوان.

يصدر الديوان غداة الذكرى الثامنة والستين لميلاد محمود درويش التي مرّت قبل أيام في غيابه، وهو سيكون أجمل هدية الى قرائه، ليس لأنّه يحمل جديده الشعري، بل لأن هذا الجديد ينتمي الى اللحظات الأشد سطوعاً في إبداعه. وفي الديوان يلوح هاجس الغياب مثلما لاح في «جدارية» و «في حضرة الغياب» وسواهما، لكنه هنا محفوف بالرغبة في العيش، العيش الشعري داخل العالم. ويبرز هذا الديوان أيضاً كم أن محمود مشغوف بالتجدّد والبحث المستمر عن آفاق مجهولة للإبداع الشعري واللغة والصور والإيقاع.

ثلاث وثلاثون قصيدة تركها محمود درويش ولم يمنحه الموت قليلاً من الأيام ليصدرها، ويقلّبها بين يديه في ديوان. وهذه القصائد ستزيد من سطوة هذا الشاعر مرسّخة حضوره أكثر فأكثر، هو الذي سيظل في مقدم المشهد العربي المعاصر.

تنشر «الحياة» أربع قصائد غير منشورة من الديوان متوجهة من خلالها الى قراء محمود درويش الذي افتقدوه، بالجسد وليس بالروح، ومن بين القصائد الأربع «وصية» فنية عنوانها «إلى شاعر شاب».*******************************


إذا كان لا بُدَّ من قمرٍ

فليكن كاملاً، ووصيّاً على العاشقة!

وأمّا الهلال فليس سوى وَتَرٍ

مُضمرٍ في تباريح جيتارةٍ سابقة!

وإن كان لا بُدَّ من منْزلٍ

فليكنْ واسعاً، لنربي الكناريّ فيه.. وأشياءَ أخرى

وفيه ممّر ليدخلَ منه الهواء ويخرج حرّا

وللنحلِ حقُّ الإقامةِ والشغلِ في رُكنهِ المهمل

وإن كان لا بُدَّ من سفرٍ

فليكن باطنيّاً، لئلا يؤدّي إلى هدف

وأمّا الرحيل، فليس سوى شغف

مرهفٍ بالوصول إلى حُلُمٍ قُدَّ من حجر!

وإن كان لا بُدّّ من حلم، فليكنْ

صافياً حافياً أزرق اللون، يولد من نفسهِ

كأنّ الذي كان كان، ولكن لم يكنْ

سوى صورة الشيء في عكسهِ

وإن كان لا بُدَّ من شاعرٍ مختلفْ

فليكن رعويّ الحنين، يُجعّد ليل الجبال

ويرعى الغزالة عند تخوم الخيال، ولا يأتلفْ

مع شـيءٍ ســـوى حســّه بالمدى والندى والجمال

وإن كان لا بُدَّ من فرح، فليكنْ ساخناً

كدمِ الثور، لا وقتَ يبقى على حاله

الغناءُ حلالٌ لنا مثل زوجاتنا، فليكنْ ماجناً فاتناً

لكي يخجلَ الموتُ منه.. وينأى بأثقاله

وإن كان لا بُدَّ من علمٍ للبلاد

فليكنْ عالياً، وخفيَّ المجاز.. قليلَ السواد

وبعيداً، كأودية، عن جفاف المكان وأيدي الصغار

وعن غرفِ النوم، وليرتفع فوق سطح النهار.

وإن كان لا بدَّ مني... فإني

على أُهبة المرتضى والرضا، جاهزٌ للسلام

مع النفس. لي مطلبٌ واحدٌ: أن يكون اليمام

هو المتحدّثُ باسمي، إذا سقط الاسم منّي!

عينان

عينان تائهتان في الألوان. خضراوان قبل

العشب. زرقاوان قبل الفجر. تقتبسان

لونَ الماء، ثم تُصوّبان إلى البحيرةِ نظرةً

عسلية، فيصيرُ لونُ الماء أخضر..

لا تقولان الحقيقة. تَكْذبان على المصادرِ

والمشاعر. تنظران إلى الرماديّ الحزين،

وتُخفيان صفاته. وتُهيّجان الظلِّ بين الليلكيّ

وما يشعّ من البنفسجِ في التباسِ الفرق.

تَمتلئان بالتأويل، ثم تحيّران اللون: هل هو

لازورديّ أم اختلطَ الزُمُرّدُ بالزبرجدِ والتركواز

المُصَفّى؟ تَكبران وتَصغران كما المشاعر..

تكبران إذا النجومُ تنَزّهتْ فوق السطوح.

وتصغران على سريرِ الحبّ. تنفتحان كي تستقبلا

حلماً ترقرقَ في جفونِ الليل. تنغلقان كي

تستقبلا عسلاً تدفّقَ من قفيرِ النحل.

تنطفئان كاللاشيء شعرياً، غموضاً عاطفياً

يُشعلُ الغابات بالإقمار. ثم تعذّبان الظلّ:

هل يخضوضرُ الزيتيُّ والكحليّ فيَّ أنا الرماديَّ

المحايد؟ تنظران إلى الفراغ. وتكحّلان بنظرةٍ

لوزيةٍ طوقَ الحمامة. تفتحان مراوحَ الخُيلاء

للطاووس في إحدى الحدائق. ترفعان الحَوْرَ

والصفصاف أعلى ثم أعلى. تهربان من

المرايا، فـــهي أضيق منهما. وهما هما في الضوء

تلتفتان للاشيء حولهما فينهضُ، ثم يركضُ

لاهثاً، وهما هما في الليل مرآتان للمجهول

من قدري. أرى، أو لا أرى، ماذا يعدّ الليلُ

لي من رحلةٍ جويةٍ – بحريّة. وأنا أمامهما

أنا أو لا أنا. عينان صافيتان، غائمتان،

صادقتان، كاذبتان عيناها. ولكن، منْ هي؟

بالزنبق امتلأ الهواء

بالزنبق امتلأ الهواءُ، كأنّ موسيقى ستصدحُ.

كلُّ شيء يصطفي معنى، ويرسلُ فائض المعنى

إليَّ. أنا المعافى الآن، سيِّدُ فُرصتي

في الحب. لا أنسى ولا أتذكّر الماضي،

لأني الآن أولدُ، هكذا من كلّ شيء..

أصنعُ الماضي إذا احتاجَ الهواء إلى سلالته

وأفسدَه الغبار. وُلدتُ دون صعوبة،

كبناتِ آوى، كالسمندلِ، كالغزال.. ولم أهنئ

والديَّ بصحتي وسلامتي. والآن، أقفزُ

صاحياً وأرى وأسمع. كلُّ هذا الزنبق

السحريّ لي: بالزنبقِ امتلأ الهواء كأنّ

موسيقى ستصدح. كلُّ ما حوالي يهنئني:

خلاءُ السقف من شبحٍ ينازعني على نفسي.

وكرسيّ يرحّبُ بالتي تختار إيقاعاً خصوصيّاً

لساقيها. ومرآةٌ أمام الباب تعرفني وتألفُ

وجه زائرها. وقلبٌ جاهزٌ للاحتفال بكلِّ

شيء. كلُّ شيء يصطفي معنى لحادثة الحياة،

ويكتفي بهبات هذا الحاضرِ البلّور. لم أعرفْ

ولم أسألْ: لماذا أحتفي بصداقةِ اليوميّ،

والشيء المتاح، وأقتفي إيقاع موسيقى ستصدح

من زوايا الكون؟ لا أنسى ولا أتذكّرُ

الغد... ربما أرجأتُ تفكيري به، عن غير

قصدٍ، ربما خبّأتُ خوفي من ملاكِ الموت،

عن قصدٍ، لكي أحيا الهنيهةَ بين منْزلتين:

حادثة الحياة وحادث الموت المؤجّل ساعةً

أو ساعتين، وربما عامين... يفرحني تَذكُّرُ

ما نسيتُ: نسيتُ أن أنسى غناء الناي

للأفعى. بلا سببٍ يفيضُ النهرُ بي، وأفيض

حول عواطفي: بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ

موسيقى ستصدح!

إلى شاعر شاب

لا تصدّقْ خلاصاتنا، وانسها

وابتدئ من كلامك أنت. كأنك

أوّل من يكتب الشعر،

أو آخر الشعراء!

إن قرأت لنا، فلكي لا تكون امتداداً

لأهوائنا،

بل لتصحيح أخطائنا في كتاب الشقاء.

لا تسل أحداً: منْ أنا؟

أنت تعرف أمّك..

أمّا أبوك... فأنت!

الحقيقة بيضاء. فاكتبْ عليها

بحبر الغراب.

والحقيقة سوداء، فاكتب عليها

بضوء السراب!

إن أردت مبارزة النسر

حلّق مَعَهْ

إن عشقتَ فتاة، فكن أنتَ

لا هي،

منْ يشتهي مصرعهْ

الحياةُ أقلّ حياة،

ولكننا لا نفكّر بالأمر،

حرصاً على صحّة العاطفةْ

إن أطلت التأمّل في وردةٍ

لن تزحزحك العاصفة!

أنت مثلي، ولكنّ هاويتي واضحة

ولك الطرق اللانهائية السرِّ،

نازلة صاعدة!

قد نُسمّي نضوب الفتوة نضج المهارة

أو حكمةً

إنها حكمة، دون ريب،

ولكنها حكمة اللاغنائيّة الباردة

ألفُ عصفورة في يدٍ

لا تعادل عصفورة واحدة

ترتدي الشجرة!

القصيدةُ في الزمن الصعب

زهرٌ جميلٌ على مقبرة!

المثالُ عسير المنال،

فكن أنت أنت وغيرك

خلف حدود الصدى

للحماسة وقت انتهاء بعيد المدى

فتحمّسْ تحمّسْ لقلبك واتبعه

قبل بلوغ الهدى

لا تقل للحبيبة: أنتِ أنا

وأنا أنتِ،

قلْ عكس ذلك: ضيفان نحْنُ

على غيمةٍ شاردة

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة

لا تضع نجمتين على لفظة واحدة

وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ

لتكتمل النشوة الصاعدة

لا تصدّق صواب تعاليمنا

لا تصدّق سوى أثر القافلة

الخُلاصة، مثل الرصاصة في قلب شاعرها

حكمة قاتلة

كن قوّياً، كثور، إذا ما غضبتَ

ضعيفاً كنوّار لوز إذا ما عشقتَ،

ولا شيء لا شيء

حين تسامر نفسك في غرفة مغلقةْ

الطريق طويل كليل امرئ القيس:

سهلٌ ومرتفعات، ونهرٌ ومنخفضات

على قدر حلمك تمشي

وتتبعك الزنبق

أو المشنقة!

لا أخاف عليك من الواجبات

أخاف عليك من الراقصات على قبر أولادهنّ

أخاف عليك من الكاميرات الخفيّات

في سُرَر المطربات

لن تخيّبَ ظنّي،

إذا ما ابتعدتَ عن الآخرين، وعنّي:

فما ليس يشبهني أجملُ

الوصيُّ الوحـــيدُ علـــيك من الآن: مستقبلٌ مهملُ

لا تفكّر، وأنت تذوب أسى

كدموع الشموع، بمن سيراك

ويمشي على ضوء حدسك،

فكّر بنفسك: هل هذه كلّها؟

القصيدة ناقصة... والفراشات تكملها

لا نصيحة في الحبّ، لكنها التجربة

لا نصيحة في الشّعر، لكنها الموهبة

وأخيراً: عليك السلام




وعليك ألف سلام ورحمة ربي وبركاته
ياشاعرا أرهقه سفر الكلمات
أرهقته حواجز الورد الجوري
والناي الأندلسي
وصاياك نار
في سرمد
هذا الليل المتشابه المختلف
و أنت يادرويش
ياشاعر
المنعرج في القضية

شكرا لك أخي على هذه الفائدة
على هذا الرصد
لشاعر يسكن خلاياي
محمود درويش
الاستناء الذي لا أعرف
لماذا
أشعر
بصوته دائما حينما
تصيبني
رعشة القصيدة

شكرا لك بالمودة
لأنك انت أيضا استثناء هذا المنتدى
ربما سنلتقي يوما
على شمس هذا الوطن
وعلى واقع حقيقي
كي نتبادل العناوين والحب
لكل ماهو متميز وجميل في
المشهد الثقافي العربي
شكرا مرة أخرى
بالمودة أيها الرائع

gatboulerbah
2009-03-21, 15:13
شكرا لك بالمودة..


ولرقي منتدانا نلتقي..


دمت...