تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ثقافة الجسد، هل ستهزم الكتاب الدينيّ الدّعويّ؟


مسلم مالكي
2012-10-15, 06:37
ثقافة الجسد، هل ستهزم الكتاب الدّينيّ الدّعويّ؟
الحلقة الأولى
بقلم: سلطان بركاني. الجزائر
14/10/2012م

كثيرة هي المواقف التي تعترض الإنسان في هذه الحياة وتؤثّر في نفسه ومزاجه، خاصّة في هذا الزمان الذي انقلبت فيه الموازين، فتقدّم من حقّه أن يتأخّر، وصار رأسا مَن حقّه أن يكون ذنبا، ووسّد الأمر إلى غير أهله، ووجّهت الأضواء إلى كلّ رويبضة لا همّة ولا همّ له في هذه الحياة إلا أن يتصدّر الواجهة ويشار إليه بالبنان، ولا حيلة له في الوصول إلى مبتغاه إلاّ سلوك أقصر الطّرق واعتماد أخسّ الأساليب.

تلك أمانيهم
لقد شعرت ببالغ الحسرة والأسى وأنا أقرأ صبيحة يوم السّبت الماضي مقالا نشر في ذيل صفحة (الرأي) من جريدة الشّروق اليوميّ، لأحد الكتّاب الذين احترفوا اللّمز المبطّن في الدّين وأهله طلبا للشهرة والحظوة؛ كاتب امتلأ جوفه حقدا وضغينة للكتاب الديني الذي يزداد عليه الطّلب في الجزائر عاما بعد عام، وأذهله ما رأى في المعرض الدولي الأخير من إقبالٍ للجزائريين على كتابات الأدباء الإسلاميين من أمثال الهادي الحسني وعائض القرني، وهاله ما رأى من نفور أكثر القرّاء من المسوّدات والرّوايات التي يكتبها هو ومن هم على شاكلته، فأراد أن يصنع واقعا لأمانيه وعقده النّفسية، فأطلق العنان لقلمه ليسيل قيحا وصديدا، وكتب مقالة عنوانها "هل ستهزم الرّواية الكتاب الدّيني الدّعوي"، { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }؛ مقالة تشي كلماتها بأنّ الكاتب قد حلّت به فاجعة أدمت قلبه، وأصابته صاعقة أضرمت نارا اشتدّ أوارها في صدره، وبلي بداهية أفقدته الإحساس بالواقع، فما وجد من ملاذ غير الإخلاد إلى الأحلام التي كان يكتب رواياته في ظلمتها، وراح يسْطر أمانيه التي عجز عن تحقيقها، واسترسل يسلّي نفسه بما يعلم يقينا أنّ شمس النّهار كفيلة بتبديده.
لقد صدق أحد هؤلاء الرّوائيين الذين بليت بهم السّاحة الثقافية الجزائرية، حينما قال في رواية له بلا ملامح، قال: " في المقهى أتناول فطوري المعتاد، قبل أن ألتحق بحجرات الدّراسة، أقتني جريدة اليوم، أطلّ على الصفحة الثّقافية، ثمّ أدوسها تحت أقدامي!". هذه هي الثّقافة التي يروّج لها هؤلاء الكتّاب، ويريدون لها أن تنافس الكتاب الدّينيّ، بله أن تهزمه، ثقافة الرّفس بالأقدام على كلّ ما لا يعجبهم، ولو كان رفسهم بالقدمين لهان الأمر، ولكنّ هذا الرّوائيّ أخبرنا أنّه يدوس بأقدامه وليس بقدميه... هي إذن ثقافة الرّفس؟!.
هذا النّوع من الثقافة هو من جعل صاحب نبوءة "هزيمة الكتاب الدّعويّ" يحمل على الكتابين التّاريخيّ والدينيّ لأجل أن يطيح بهما من على عرش المقروئيّة ويشيد على أنقاضهما عرشا لنوع خاصّ من الرّوايات، فهو يعلم أنّه لا مكان لتلك الروايات في مثل هذه الأجواء التي تجعل القرّاء يتدافعون على كتابات الهادي الحسني وعائض القرني ويطلبون توقيعهما.

الكتاب التاريخيّ لا يمثّل شيئا في ميزان ثقافة "خرائط الأجساد"!
بدأ صاحب المقال ما أسماه "ورقة اجتهاداته" بمحاولة بائسة للتّقليل من شأن الكتاب التّاريخيّ الذي اتّهمه بالإقصائية وتغييب الحقائق، أمام الرّواية التي قال أنّها تتّسم بالصّدق وتتسلّح بالجرأة، وهو بهذا يريد أن يقنعنا أنّ روايةً تتحدّث عن فتاة في قرية من القرى، تناضل لأجل ركوب الدرّاجة، وتتحدّى عادات وتقاليد مجتمعها، وتتمرّد على أخلاقيات دينها، تعطي صورة أوضح عن تاريخ الجزائر وعن حياة الجزائريين، وهي أجدر بالقراءة من كتاب في وزن (تاريخ الجزائر في القديم والحديث) للعلاّمة مبارك الميلي، أو كتاب (تاريخ الجزائر العامّ) للعالم المؤرّخ عبد الرّحمن الجيلالي، أو كتاب (التاريخ السياسي للجزائر) للدكتور عمّار بوحوش؟!.
هذه هي الحرية التي يريدها صاحب المقال؛ حرية تجعل الاستثناء أصلا والأصل استثناءً، والشاذّ غالبا والغالب شاذا؛ حرية تطمس الحقائق المتواترة الدالّة على تمسّك الجزائريين بدينهم، وتسلّط الأضواء الكاشفة على خرجات أفراد لم تتعدّ نسبتهم الواحد في المائة من مجموع الشّعب الجزائريّ في مختلف مراحل تاريخه!؛ حرية تجعل رواياتٍ من قبيل "ذاكرة الجسد"، و"خرائط شهوة الليل"، و"عابر سرير" هي التّعبير الأصدق والأكثر جرأة عن تاريخ الجزائر!. لو كان في الجزائر محامون يتابعون أصحاب الجنايات التاريخية، لكان من واجبهم أن يحاكموا هؤلاء الذين يريدون تصوير تاريخ الجزائر على أنّه أجساد وأسرّة وشهوات ليلية، ممّن يعجبهم أن يتحدّث أصحاب المغامرات عن مغامراتهم في قالب يجعلها ثقافة مجتمعية عامّة.
هكذا صرنا في زمن الصّفاقة الأدبيّة والثقافية مطالَبين بأن نرضخ لنزوات الفاشلين ونحاكم كتبنا التاريخية إلى هذه الموازين الطّائشة، وربّما يأتي اليوم الذي نسمع في الجزائر من يطالبنا أن نضع الوقائع التاريخية القرآنية أمام هذه الموازين، تأسيا بطه حسين الذي قال: " للتّوراة أن تحدّثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدّثنا عنهما أيضاً، ولكنّ ورود هذين الاسمين في التّوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التّاريخي"!.

والكتاب الدينيّ كذلك!
لم يكد صاحب المقال يلتقط أنفاسه من حملته التي شنّها على الكتاب التّاريخيّ، حتى انطلق ضَبْحًا إلى مهمّته التي لأجلها كتب ورقة اجتهاداته، وهو يرجو أن يثير النّقع في ساحة الكتاب الدينيّ الدّعويّ، وبدأ اجتهاداته كالعادة بأن جعل أمانيه واقعا، وهو غير ملوم في هذا ما دام يرى أنّ الاستثناء ينبغي أن يكون أصلا.
لم يستطع أن يخفي تبرّمه من تكاثر القنوات الدينيّة تبعا لحنقه على رواج الكتاب الدينيّ، ولكنّه حاول كعادة بني جلدته أن يتستّر خلف الانزعاج من التّناقض في الخطاب الدينيّ، وخلف تقسيم الدّين إلى روح وجسد، وحقيقة وكذب، واعتدال وتطرّف، وهي شنشنة ألفناها من هذا الصّنف من الكتّاب، وحيلة لم تعد تنطلي إلا على غافل أو متغافل، لأنّ الاعتدال عندهم هو ما يسمح لهم بكتابة ما يريدون من دون قيود ولا حدود، ومن دون أيّ اعتبار للمقدّسات والأخلاق، وقد أشار كاتبنا إلى هذه الحقيقة عندما حدّثنا عن الكتاب الدينيّ الذي يمكن أن يقبله، فوصفه بأنّه "الكتاب الدينيّ التّنويريّ الجديد المحافظ على العلاقة مع كتب التّراث الأساسية الجريئة"، وهو بهذا يريد فكرا دينيا يقبل الإلحاد ويقبل الإباحية ولا يحارب الشذوذ، لأنّها أجزاء من ثقافة المجتمعات.
ثمّ عاد الكاتب مرّة أخرى للفضفضة عن أمانيه التي حاول أن يصنع لها واقعا، من خلال الحديث عن اختيارات بعض المحيطين به، لم يلجأ إلى الإحصاءات ولا إلى استطلاعات الرّأي، وإنّما لجأ إلى إبراز توجّهات مريديه، ليجعل من آرائهم واقعا مستجدا لا يقبل الاستثناء، ونسي أنّ الطّيور على أشكالها تقع، بل ونسي عنوان مقاله واضطرّ إلى الكشف عن هوية هؤلاء الذين يريد أن يجعل من اختياراتهم قاعدة مطّردة، عندما قال أنّهم يقرؤون بمتعة بعيدا عن الإيمان والطّهرانية، ما يعني أنّهم ليسوا من الصّنف الذي يهمّه أن يبحث عن فضيلة أو قيمة إنسانية أو حضارية، وإنّما هم من الصّنف الذي يبحث عن المتعة بعيدا عن أيّ وازع أو رادع، ولا شكّ أنّ هؤلاء سيجدون مبتغاهم في الرّوايات التي تحوم حول الأسرّة والأجساد والشّهوات الليلية. كما وصف الكاتب زبائنه الجدد بأنّهم يقرؤون بشجاعة ونقد، ما يعني أنّهم يقرؤون ما يستحثّ في أنفسهم الأسئلة ويدعوهم إلى التّساؤل عن كلّ شيء، بما في ذلك ما يتعلّق بالغيب غير المنظور، ولكنّ الكاتب لم يحدّثنا إن كان زبائنه هؤلاء يجدون في الروايات التي يريدها أن تهزم الكتاب الدّعويّ، أجوبة لتلك التّساؤلات؟ نحن نعلم أنّ تلك المسودّات لا تستطيع أن تحمل بضاعة فوق حجمها، وإنّما الهدف منها هو إيصال القارئ إلى مرحلة الشكّ التي يتصوّر في خضمّها أنْ لا مخرج من الحيرة إلا بالتخلّص من سلطان الدّين ونبذ الاعتقادات الغيبيّة، والإيمان فقط بما هو مشاهد أو محسوس، وهذا هو العقار السحريّ الذي يجعل قرّاءهم يقبلون على أعمالهم الأدبيّة التي تحوم حول الأسرّة من دون إيمان ولا طهرانية.

بين ثقافة المنافرة بين العقل والعاطفة، وثقافة المزاوجة بين العقل والنّقل
روائيونا هؤلاء يريدون للشّباب أن يزهد في كتب الدّين، بما فيها الكتب الفكريّة التي تزاوج بين العقل والنّقل وتجيب عن كثير من الأسئلة التي لا يجيب عنها إلا العقل المتّصالح مع الدّين، فإذا ما زهد الشّباب في هذه الكتب، رغّبوه في الروايات التي توصل العقل إلى بوتقة الشكّ والحيرة، ليعلن العقل استسلامه وتنازله عن دوره لصالح العاطفة، ومع غياب العقل والدّين وطغيان العاطفة فقط يمكن أن تروج رواياتهم التي تراوح بقرّائها بين عالم الخيال والأحلام، وبين عالم الأجساد والأسرّة.
أصحاب الرّوايات أعجز من أن يجيبوا عن الأسئلة العقلية التي شغلت الإنسان منذ وجد، ففاقد الشّيء لا يعطيه؛ وهم أعجز من أن يقدّموا للبشريّة ما قدّمه أمثال ابن تيمية والرّازي، وغيرهما من العلماء والمفكّرين، من نتاج علميّ وفكريّ يجيب عن التّساؤلات التي تحاول عقد خصومات مصطنعة بين العقل والنّقل، بين الإيمان والحياة. روائيونا أعجز ما يكونون عن هذا، ولكنّه تطاول الصّغار وتشبّع الأغيار ممّن أمنوا العقوبة فأساءوا الأدب.
ختم الكاتب مسوّدة اجتهاداته بخلاصة ذكر فيها مساوئ الكتاب الدينيّ ومحاسن الرواية الأدبيّة الجريئة، فرمى الكتاب الدينيّ بأنّه يعلّم قارئه الخنوع والطّاعة العمياء، ويختم على عقله ولسانه، أمّا الرّواية فقال أنّها تعلّم قارئها -عن طريق ما أسماه الكذب الحقيقيّ- كسر عصا الطّاعة والجرأة في السّؤال.
وهذا الكلام في شقّه المتعلّق بالكتاب الدينيّ كذب صراح، لأنّ الكتب الدينيّة أنواع كثيرة، منها الكتب التّعليميّة المتخصّصة في تعليم العقيدة والشّريعة، ومنها الكتب الوعظيّة المتخصّصة في مخاطبة القلوب، ومنها الكتب الفكريّة المتخصّصة في مخاطبة العقول، تندرج ضمنها كتب المناظرات والمباحثات، والكتب التي تبحث في عِلل التّكاليف الشّرعيّة وتربط بين المنقول والمعقول، وكتب الإعجاز العلميّ، وغيرها...
وإذا خفيت على آحاد المسلمين مثلا حكمة من حكم التّشريع فسلّم للحكم الشّرعيّ، فهذا لا يعدّ نقيصة في حقّه خاصّة إذا كان مستواه لا يسمح له بالبحث في علل الشّرائع، وإنّما الملوم هو من يدعو إلى ردّ الحكم الشّرعيّ وينتقصه، لأنّ الحكمة وراءه لم يصل إليها عقله القاصر.
وأمّا ما يتعلّق بالحديث عن الرواية في الشقّ الثاني من خلاصة الكاتب، فهو من مناقم الرواية وليس من مناقبها، لأنّها توصِل قارئها إلى مرحلة الشكّ، وتحقنه بإبرة مخدّرة لينسى شكوكه ويقبل على شهوات جسده.
هذه هي الثّقافة التي يراد لها أن تهزم الكتاب الدينيّ الدعويّ؛ ثقافة دوسٍ وأجساد وأسرّة وشهوات ليل؛ ثقافة تراوح بين بلوغ الغاية في العزف على العواطف والإغراق في وصف الأجساد، وبين السّلاطة والصّفاقة في همز الدّين ولمز أتباعه؛ ثقافة لا تحمل أيّ قيمة إنسانية أو حضارية، وليس لها من هدف سوى السّعي الحثيث للانحطاط بهذا المجتمع إلى دركات تترفّع عنها الأنعام.
هذه هي الحقيقة التي يريد هؤلاء الروائيون التستّر عليها، خلف مسمّيات الثّقافة والإبداع، وتحت ذريعة حرية التّعبير، روائيون وكتاب ومثقفون يريدون أن يُحجر على الدّين في المساجد، ولا يعجبهم حشر نصوصه في كل صغيرة وكبيرة، ولا يقبلون أن توزن كتاباتهم بميزان الشرع، بدعوى أنها إبداعات لا يتذوقها ولا يفهمها علماء الدين والمتديّنون!. يصفون من يطريهم بصاحب الذّوق الرّفيع والحسّ الأدبيّ العالي، ويرمون من يعترض عليهم بالانغلاق والرجعية وفقدان الذّوق والحسّ والوجدان، وربّما يتّهمونه بالتكفير ولو لم تجْرِ كلمة الكفر على لسانه ولا على قلمه، ويستعينون في ذلك بالنّصوص الشّرعية التي تحذّر من التّكفير، وهي –دون غيرها- النّصوص التي يحفظونها ويلجئون إليها ولا يقبلون ردّها أبدا !. وربّما يخاطبونه باستعلاء ويوردون له أسماء بعض الفلاسفة من الشّرق والغرب، ويظنّون أنّهم بذلك يثبتون أنّهم أصحاب ثقافة عابرة للقارّات، وأنّ خصمهم سيقف مشدوها أمامهم، وهذه الحيلة إنّما تدلّ في حقيقة الأمر عن مدى الضّعف الدّاخليّ الذي يعانيه هؤلاء، ما يحملهم على اصطناع نوع من الطّاووسية والنّرجسيّة لتغطية ذلك الضّعف.

***

ثقافة الجسد، هل ستهزم الكتاب الدّينيّ الدّعويّ؟
الحلقة الثانية
بقلم: سلطان بركاني. الجزائر
14/10/2012م
ثقافة الجسد وهوس الإسلاموفوبيا
لقد ابتليت السّاحة الثقافية الجزائرية بكتّاب وروائيين سطوا على المشهد الثقافي وتصدّروه، فلا تكاد تُذكر الثقافة في هذا البلد المسلم إلا وهي مقرونة بأسمائهم. لم يتبوءوا المكانة التي أقحموا فيها ولم يتقلّدوا المناصب التي بلغوها بجودة بضاعاتهم، ولكن بقوة وساطاتهم، وبجرأتهم وسلاطة ألسنتهم وصفاقة وجوههم.
أوكلت إليهم إدارة المؤسّسات الثقافية، وفتحت لهم كلّ الأبواب، لينادوا بحرية الحديث في ما تحت الحزام، وحرية الإساءة إلى المقدّسات. ينادون بالحرية، ولكنّهم يضيقون ذرعا بحرية المجتمع في إظهار شعائر دينه وحريته في الإقبال على القنوات الدينية والكتب الإسلاميّة، ولا يقبلون حريته في أن يختار من يمثّله. أحد هؤلاء ممّن يوصف بأنّه أديب وروائيّ، قال قبل أيام على صفحات إحدى الجرائد أنّه وشلّته من الشّيوعيين سيحملون السّلاح إذا اختار الشّعب أصحاب المشروع الإسلاميّ ليمثّلوه!.
هذه الطّينة من الكتّاب الذين سكنهم هوس الإسلاموفوبيا، لا يملّون من حرب الدّين وأهله، ويعتمدون في حربهم ثلاثة أساليب ماكرة:
أوّلها الدّعوة إلى التّفريق بين النّصوص الشّرعية القطعية والنّصوص الظنية. وهذا حقّ يريدون به باطلا، لأنّ غايتهم أن تصبح كلّ النّصوص ظنية قابلة للردّ.
الأسلوب الثاني: الدّعوة إلى التّفريق بين النّصوص وفهم النّصوص، بل بين الدّين وفهم الدّين، وأي كلام -وإن كان من المسلّمات المتواترة المجمع عليها- يَحقّ لهؤلاء الكتّاب أن يصنّفوه في خانة الفهم الشّخصي للنّصوص، ليردّوه ويحاربوه.
الأسلوب الثالث: الدّعوة إلى التّفريق بين الاعتدال والتشدّد، والمرجع في التفريق بين الوصفين هو ما يعجبهم وما لا يعجبهم، وكلّ من ينكر جرأتهم على مسلّمات الدين فهو في ميزانهم متشدد إرهابيّ رجعي متخلّف، ودائرة التشدّد عندهم في اتساع مستمر!.

ثقافة الجسد وسلّم الوصول إلى القمّة
كتّابنا هؤلاء لو ألفيناهم يقدّمون حلولا واقعيّة للمشكلات التي يتخبّط فيها المجتمع كما يفعل نظراؤهم في الشّرق والغرب، لرفعناهم فوق رؤوسنا، ولكنّنا لا نسمع لهم ركزا في ميادين البحث العلميّ والفكر البنّاء، وإنّما نراهم لا همّ لهم إلا البحث عن الأضواء، بالطّعن في الثّوابت على طريقة سلمان رشدي، بل على طريقة ذلك الأعرابيّ الذي أراد أن يُعرف بين النّاس، فقال: لأفعلنّ فعلة يتسامع بها أهل المشرق والمغرب، فذهب وتغوّط فوق الكعبة، وكان له ما أراد يوم اشتهر بصاحب الفعلة فوق الكعبة.
هؤلاء الكتّاب والرّوائيون يعلمون جيدا أنّ الوصول إلى القمّة يمرّ عبر طريقين؛ أحدهما الإبداع الفكريّ النّافع الذي يترك أثرا طيّبا في دنيا النّاس، وثانيهما التّطاول على الثّوابت، ويعلمون جيدا أنّ كثيرا من الكتّاب العرب الذين أحرزوا الجوائز العالميّة وسلّطت عليهم الأضواء، لم ينالوها مقابل إنتاج فكريّ نافع، وإنّما حازوها تكريما لهم لجرأتهم على الدّين ومسلّماته، وعلى تقاليد مجتمعاتهم المتماشية مع الدّين. حينما علم كتّابنا هذه الحقيقة اختاروا الطّريق الأقصر الذي يعفيهم من عناء إجهاد العقل في البحث والتّفكير.
هذا مثلا أحد الكتّاب الجزائريين، ممّن لا تزال تقام الملتقيات وتعقد الندوات لتكريمه والتّرويج لتراثه، قال أنّ المآذن هي الصّواريخ التي لا تنطلق، وقال عن المؤذّنين أنّهم "كلاب الدوار"، وأوصى أواخر أيام حياته أن لا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، حتى قال في حقّه الشّيخ محمّد الغزالي -رحمه الله-: " لقد عاش مخاصما لربّه، لم يذكر دينه يوما بخير ومات ميتة جاهلية"، هذا الكاتب لا يزال مُثقفونا يدافعون عنه بشراسة ويرفضون أيّ انتقاد لمنهجه الماركسيّ.
كاتبة وروائية جزائرية أخرى سُلّطت عليها الأضواء من كلّ حدب وصوب، تعتزّ بأنّها أوّل روائية عربية تنال عضوية الأكاديمية الفرنسية، وتكتب رواياتها باللّغة الفرنسية وترفض رفضا قاطعا أن تترجم إلى اللغة العربيّة، لأنّ اللغة العربية بالنّسبة إليها أحقر من أن تكتب بها رواياتها التي تدور في فلك الدّعوة إلى تحرير المرأة من سطوة الدّين ومن العادات والتقاليد.
نالت هذه الكاتبة جائزة السّلام الأدبية في ألمانيا عام 2002م، ولم تتلقّ أيّ اعتراض على تكريمها، في الوقت الذي يذكر المهتمّون بالشّأن الثّقافيّ كيف أنّ المستشرقة الألمانية المنصفة "آنا ماري شيمل"، حينما مُنحت نفس الجائزة سنة 1995م، لاقت معارضة شديدة، لا لشيء إلا لأنّها أنصفت الإسلام وقالت فيه كلمة حقّ وعدل.
وما قيل عن هذه الرّوائية الجزائريّة يقال أيضا عن كثير من كتّابنا الذين احتكروا المشهد الثّقافيّ وصاروا الآمر والنّاهي فيه؛ وأصبحت لهم الكلمة الأولى في تقييم ومحاكمة غيرهم من الكتّاب والأدباء وحتى العلماء، فصنّفوا أنفسهم على أنّهم دعاة تحرّر في مقابل علماء الدّين الذين يصفونهم بأنّهم دعاة رجعية وتخلّف. وما دروا أنّ الرّجعية والتخلّف ألصق بهم من غيرهم، لأنّ ثقافتهم وأفكارهم توقّفت عند القرن الخامس عشر الميلاديّ، فهم في هجماتهم المتواصلة على ثوابت الإسلام، يريدون استنساخ الثّورة الثقافية التي قامت في أوروبا ضدّ سطوة الكنيسة.
لقد فات هؤلاء أنّ الإسلام الحقّ غير النّصرانيّة المحرّفة التي استعبدت النّاس لرجال الكنيسة الذين حاربوا العلم، وفاتهم أنّ "مارتن لوثر" الذي كان منظّر الثّورة الثّقافية على الكنيسة في القرن الخامس عشر، والذي كانت أفكاره وقودا للثورة الفرنسية فيما بعد، أكّد كثير من الباحثين أنّه كان متأثراً بما قرأه للفلاسفة العرب والعلماء المسلمين من آراء في الدين والعقيدة والوحي.

فلاسفة الغرب يشهدون بعظمة الإسلام وكتّابنا يريدون الحجر عليه في المساجد
إنّنا لنأسف أشدّ الأسف حينما نرى المنصفين من فلاسفة الغرب وأدبائه وكتّابه يشهدون بعظمة هذا الدّين وموافقته للعلم والعقل، وصلاحيته لكلّ زمان ومكان، ونرى في المقابل كتّابنا -الباحثين عن الأضواء- لا شغل لهم إلا التطاول على الدّين وأهله.
في الوقت الذي نجد كتّابنا يضيقون ذرعا بالكتاب الدّينيّ، نجد الفيلسوف الفرنسي "جوزيف أرنست رنان"، يقول: " تضمّ مكتبتي آلاف الكتب السّياسية والاجتماعية والأدبية وغيرها والتي لم أقرأها أكثر من مرة واحدة, وما أكثر الكتب التي للزّينة فقط, ولكنّ هناك كتابا واحدا تؤنسني قراءته دائما, هو كتاب المسلمين القرآن؛ فكلّما أحسست بالإجهاد وأردت أن تنفتح لي أبواب المعاني والكلمات، قرأت القرآن. لقد طالعت القرآن ووجدت أنّني لا أشعر بالتّعب أو الملل بمطالعته بكثرة, ولو أراد أحد أن يعتقد بكتاب نزل من السّماء فإنّ ذلك الكتاب هو القرآن لا غير؛ إذ أنّ الكتب الأخرى ليست لها خصائص القرآن".
وفي الوقت الذي نجد كتّابنا ومثقفينا يتّهمون الشّريعة الإسلاميّة بالرّجعية والتخلّف، نجد المنصفين من فلاسفة الغرب يشهدون أنّ دين الإسلام كفيل بحلّ جميع مشكلات العالم لو طبّق، فهذا مثلا الفيلسوف الإنجليزي "جورج برنارد شو" (ت: 1950م) يقول: " لقد كان دين محمّد موضع تقديرٍ سامٍ لِما ينطوي عليه من حيوية مُدهشة، وأنّه الدّين الوحيد الذي له مَلَكَة الهضم لأطوار الحياة المختلفة، وأرى واجباً أن يّدعى محمّد منقذ الإنسانية، وأنّ رجلاً كشاكلته إذا تولَّى زعامة العالم الحديث فسوف ينجح في حلِّ جميع مشكلاته ".
بل قبل أكثر من 60 سنة وقبل أن تظهر الحقائق العلمية الكثيرة التي تثبت عظمة الإسلام، شهد كبار حقوقيي العالم بأنّ الشّريعة الإسلاميّة مرنة وقابلة للتطوّر؛ فقد أصدر مؤتمر القانون الدوليِّ الذي عُقِدَ بلاهاي سنة 1948م قرارًا باعتبار "أنّ الشّريعة الإسلامية حيّة مرنة، تصلح للتطوُّر مع الزمن، وتُعتَبَرُ مصدرًا من مصادر القانون المقارن".
وقبل أكثر من 85 سنة، قال "شبرل" عميد كلية الحقوق بجامعة "فيينا" في مؤتمر الحقوقيين سنة 1927م، قال: "إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمّد إليها، إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً؛ أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمّته بعد ألفي سنة ".
وقبل أكثر من قرن وربع القرن، قال الفيلسوف الفرنسيّ "أوجست كونت": " إنّ عبقرية الإسلام وقدرته الرّوحية لا يتناقضان البتّة مع العقل كما هو الحال في الأديان الأخرى؛ بل ولا يتناقضان مع الفلسفة الوضعية نفسها؛ لأنّ الإسلام يتماشى أساساً مع واقع الإنسان، كلّ إنسان، بما له من عقيدة مبسّطة، ومن شعائر عملية مفيدة ".
وقبل أكثر من قرنين يقول المفكّر "أدموند بيرك" (ت: 1797م): " إنّ القانون المحمّدي قانون ضابط للجميع، من المَلك إلى أقلّ رعاياه، وهذا القانون نُسِجَ بأحْكَم نظام حقوقي، وشريعة الإسلام هي أعظم تشريع عادل لم يسبق قطّ للعالم إيجاد مثله، ولا يمكن فيما بعد".
وفي الوقت الذي نجد كتّابنا يطاردون ما تبقّى من مبادئ للإسلام في نظم ودساتير المسلمين، ويحاصرونها من زاوية إلى زاوية أضيق منها بغية التخلّص منها، نجد بعض القانونيين المنصفين في الغرب يَعجَبون لماذا لا يطبّق المسلمون دستورهم الإسلاميّ، فهذا مثلا القانوني الكبير "فمبري" يقول: " إنّ الفقه الإسلاميّ واسع إلى درجة أنّني أعجب كلّ العجب كلّما فكّرت في أنّ المسلمين لم يستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانهم وبلادهم ".
وفي الوقت الذي نجد كتّابنا يتبرّمون من كلّ دعوة إلى احترام الأخلاقيات الدينية، بحجّة أنّها تتنافى مع الحريات الشّخصيّة، ويكتبون كثيرا من رواياتهم على أساس الحقّ في التمرّد على تلك الأخلاقيات، نجد في المقابل أوساطا غربية كثيرة بدأت تستجيب لنداء العلم والعقل والفطرة، وتدعو إلى فرض قوانين صارمة تحدّ من الأسباب التي أدّت إلى السّعار الجنسيّ المحموم في الغرب؛ ومن ذلك ما أوردته قناة (bbc) على موقعها قبل مدّة عن بعض المسئولين في إحدى المدن السّاحلية الإيطالية أنّه درس مع مستشاريه فرض حظرٍ على ارتداء الألبسة القصيرة أو أيّ ملابس يمكن اعتبارها مستفزة!، وحينما سئل عمدة المدينة عن سبب دراسة فرض مثل هذا الحظر، أجاب أنّه يريد استخدام الحظر لمواجهة ما وصفه بالسّلوكيات غير الاجتماعية، وإعادة اللياقة، وأنّ الهدف من القانون الجديد هو ملاحقة الأشخاص الغوغائيين والجامحين أو الذين يتصرّفون بطريقة سيّئة.
وفي هذا الصّدد أيضا ألَّفت الأم الأمريكية "سيليا ريفينبارك" كتابا لمعالجة قضية موضة الملابس القصيرة الخاصّة بالفتيات صغيرات السنّ، عنوانه "أوقفوا إلباس بنات الستّ سنوات مثل الرّاقصة".
وبدأت هذه الدّعوة بالانتشار بين عقلاء القوم حتى حذّر خبراء في التّربية وعلم النّفس في الولايات المتّحدة الأمريكيّة من تفشي ظاهرة ارتداء الفتيات صغيرات السنّ في أمريكا ملابسَ غير محتشمة، وحذّر عالم النفس الأمريكي الدكتور "جيف جاردير" من أنّ طريقة ارتداء الأطفال لألبستهم وهم في سنّ الثّالثة يمكن أن يكون لها عواقب خطيرة فيما بعد.

وبعــــد
هل يا ترى سيؤوب كتابنا ومثقّفونا إلى رشدهم لو اطّلعوا على هذه الشّهادات؟ الذي يغلب على الظنّ أنّ بعضهم قد اطّلع على حقائق أهمّ من هذه، ولكنّه لا يريد العودة إلى جادّة الصّواب، لأنّه يعلم أنّ مكانته التي حازها ومنصبه الذي تقلّده لا يسمح له بذلك، فلا بدّ أن يواصل بحثه عن بغيته في كتابات الوجوديين والشذوذيين والإباحيين، ليروّج لبضاعته عند المؤسّسات الثقافية العالمية التي أخذت على عاتقها التّرويج لمثل هذه الكتابات.
وختاما نقول لصحاب نبوءة "هزيمة الكتاب الدينيّ": { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ }.

سفيان الحسن
2012-10-15, 10:25
السلام عليكم سعيد بقلم مثل قلم يزورنا هنا رائع كلامك لكن اظن الكتاب الديني غدى للاستلاك السريع على شاكلة الفاست فود الكتاب الديني اصبح جزء من ديكور جميل وتقافة الجسد قديمة بالسنبة لكتاب الجزائر على شاكلة بوجدرة وبن هدوقة فكل كتبهم تعتني بالسجد كمادة ادبية وكل ما يدور بين اثون الحرف عندهم هي حرب جسد على جسد اخي

شكرا لك ومتابع لك

مسلم مالكي
2012-10-15, 11:59
السلام عليكم سعيد بقلم مثل قلم يزورنا هنا رائع كلامك لكن اظن الكتاب الديني غدى للاستلاك السريع على شاكلة الفاست فود الكتاب الديني اصبح جزء من ديكور جميل وتقافة الجسد قديمة بالسنبة لكتاب الجزائر على شاكلة بوجدرة وبن هدوقة فكل كتبهم تعتني بالسجد كمادة ادبية وكل ما يدور بين اثون الحرف عندهم هي حرب جسد على جسد اخي

شكرا لك ومتابع لك

وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
الكتاب الديني أخي ليس للاستهلاك السّريع، وليس للديكور والزينة، ولكنه كان ولا يزال وسيبقى منهج حياة للمسلم، يتعلّم منه دينه، ويزكي نفسه، ويفهم واقعه وما يجب فيه، ويفهم من خلاله الهدف والغاية من وجوده.
ولو فرضنا أنّ ما تقوله صحيح - وهو ليس كذلك- فإنّ مجرّد الإقبال على الكتاب الدينيّ يدلّ على أنّ العاطفة الدينية لهذا الشّعب لا تزال حية، وأنها تحتاج إلى غذاء نوعي يزاوج بين العلم والدين، لجعلها منضبطة بضوابط العقل.

سفيان الحسن
2012-10-15, 13:09
السلام عليكم


اخي انا تكلمت عن الظاهرة وليس عن الكتاب للاننا والحمد لله عشنا في ضفاف هذا الكتاب ام الاقبال فالمشكل ان عشرين الى ثلاثين في المئة من الذين تهاطلوا على معرض الكتاب تجار وانا اعرف بعضهم شخصيا للاني عملت في الميدان سؤال هل نعيش الكتاب الديني في حياتنا اخي اقول لك بكل صراحة لا طبعا

نحن بعيدين جدا على ان نعيش الكتاب نحن نقرا مثلما ناكل بل اقل لكننا نعيش في عالم غير الدي نقرا الكتاب مغيب للاننا اصبحنا نستعمله احيان لتزيين المكاتب واخرى للتسلية واخرى للبحث عن اخطا الاقدمين او تخريج المخارج والبحث عن النقائص واخرى للرد والشبهات الكتاب الديني في الجزائر خاصة يعيش ازمة حقيقية وفشو الفساد الاخلاقي خير دليل اخي عدد الكتب اخي يجب علينا ان نعترف ببعدنا حتى نقترب والى بقينا بعيدا عن الركب


شكرا لك على الموضوع وتقبل ردي

أبو هشام 75
2012-10-15, 14:38
جراثيم لم يجدوا ما يلتصقون به إلا مسمى الثقافة، و الثقافة منهم براء.

أذكر مرة أهداني فيها صديق كتابا يحمل عنوان "مجلة الثقافة" صادرة سنوات السبعينات، فقلت له تعرفني لا أؤمن بخزعبلات الثقافة، فقال لي أن موضوع المجلة ليس ثقافة خليدة تومي و أمين زاوي و ياسمينة خضرة (المخنث)، و عندما قرات المجلة وجدت فيها مقالات راقية، و أذكر أن فيها مقالا عن كتاب "الشرك و مظاهره" للعلامة مبارك الميلي و الذي كان مقررا دراسيا في قسم الدراسات العليا بجامعة المدنية المنورة.

و الآن لا نجد إلا ثقافة الجسد للزاوي و مستغانمي و ثقافة التخنث لمولسهول (ياسمينة خضرة) و ثقافة الرقص و المجون لخليدة تومي،

فحسبنا الله و نعم الوكيل.