السلفية الجزائرية
2012-10-10, 17:41
قال العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النَّجمي رحمه الله رحمة واسعة :
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستهديه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وعلى آله وصحبه ، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ أما بعد :
فإن خير الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالةٍ في النار .
ثم إنه قد طلب مني أن ألقي كلمة في منسوبي ” التوعية الإسلامية – في الحج ” بعنوان : ” معالم التوحيد في الحج ” ، وحيث أن التوحيد أساس الدين ، وقاعدته التي عليها يبنى ، ومنها ينطلق ، وشرطه الذي به يصح ، وبوجوده يقبل ؛ وعند عدمه ترد جميع الأعمال ؛ قال تعالى : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ . [ الفرقان : 23 ] . وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ . [ النور : 39 ] .
ومع كون المشرك لا تقبل منه حسنة ؛ فإنه أيضًا لا يغفر له ذنب ؛ قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ﴾ . [ النساء : 48 ] . ومع ذلك فإن المشرك شركًا أكبر محرم عليه دخول الجنة ، ومحتم عليه دخول النار ، والخلود فيها ؛ قال تعالى عن نبيه عيسى – عليه السلام – أنه قال لقومه : ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ . [ المائدة : 72 ] . وهو موجب لحبوط العمل ، وعدم استفادة صاحبه منـه قال الله – عز وجل – : ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ . [ الزمر : 65 ] . وقال تعالى : ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ . [ إبراهيم : 18 ] . وهذه كلها مساوئ تترتب على ضد التوحيد وهو الشرك الأكبر ، وفي ذلك بيان لمزية التوحيد ، وأن انعدامه تترتب عليه كوارث فضيعـة وفي هذا بيان لمنزلة التوحيد من الدين ككل .
أما بالنسبة للحج ؛ فإنه أسس على التوحيد بيان ذلك من الآتي : قال تعالى : ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ . [ الحج : 26 ، 27 ] .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – في تفسيره ” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنـان ” في : (5/288) : ( قال تعالى : ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ . أي : هيأناه له ، وأنزلناه إياه ، وجعل قسمًا من ذريته من سكانه ، وأمره الله ببنيانه ، فبناه على تقوى الله ، وأسسه على طاعة الله ، وبناه هو وابنه إسماعيل ، وأمره أن لا يشرك به شيئًا ، وأن يخلص لله أعماله ، ويبنيه على اسم الله . ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ﴾ . أي : من الشرك والمعاصي ومن الأنجاس والأدناس وأضافه الرحمن إلى نفسه لشرفه وفضله ، ولتعظم محبته في القلوب ، وتنصب إليه الأفئدة من كل جانب ، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه ، لكونه بيت الرب – سبحانه – للطائفين به ، والعاكفين عنده ؛ المقيمين لعبادة من العبادات من ذكرٍ وقراءةٍ ، وتعلم علمٍ وتعليمه ، وغير ذلك من أنواع القرب . ﴿ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ . أي : المصلين ؛ أي : طهروه لهؤلاء الفضلاء ؛ الذين همهم طاعة مولاهم ، وخدمته ، والتقرب إليه عند بيته .
فهؤلاء لهم الحق ، ولهم الإكرام ، ومن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم ، ويدخل في تطهيره تطهيره من الأصوات اللاغية ، والمرتفعة التي تشوش على المتعبدين بالصلاة ، والطواف وقدم الطواف على الاعتكاف والصلاة لاختصاصه بهذا البيت ، ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد ) . ا.هـ .
والمهم أن الله – عز وجل – ما خص إبراهيم – عليه السلام – بهذه المزية إلا لما فيه من محبة التوحيد وبغض الشرك ؛ الذي حمله على التفاني في دعوة قومه ، ثم الحوار معهم ، ثم تكسير أصنامهم ، ثم قرارهم لتحريقه ، ورميهم له في النار ، فجعلها الله عليه بردًا وسلامًا ، ومع هذا كله فإن الله – عز وجل – لما بوأه مكان البيت أراه إياه ، وأمره ببنائه ؛ كان ذلك على شريطة نشر التوحيد ومحاربة الشرك : ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ . ثم أعاد الوصية مرةً أخرى في هذا السياق مشددًا على الأخذ بها مرةً أخرى ، ومؤكدًا ذلك فقال في [ الآية : 30 ] من هذا السياق : ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . حُنَفَاء للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ . [ الحج : 30 - 31 ] . تصوير عجيب لمن وقع في الشرك كأنه سقط من أعلى شاهق من قمة جبل ؛ أو من فوق عمارة طويلة من ناطحات السحاب ؛ أو من فوق طائرة في ارتفاع شاهق ؛ أو من السماء المعروفة ضد الأرض ؛ أي : أن من وقع في الشرك بالله كأنما سقط من ذلك المكان العالي ، فتخطفه الطير ؛ أو تهوي به الريح في مكان سحيق ؛ بعيد في الأعماق ، وفي هذا التصوير تنفير عن الشرك ، وتبشيع لصورته ، وإظهار له في هذه الصورة البشعة ؛ التي تشمئز منها النفوس ، ولقد كرر الله – عز وجل – في هذا المقطع الأمر بالتوحيد ، والتحذير من الشرك تارة بالثناء على الموحدين ، وذكر صفاتهم ، وعواقبهم الحميدة ، فقال : ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ . [ الحج : 34 - 35 ] .
ثم إن الحج كله تذكير ، وتنويه بتلك الأسرة الموحدة ؛ أسرة إبراهيم الخليل – عليه الصلاة والسلام – ؛ إذ أمر الله – عز وجل – خليله أن يسكن من ذريته بعضًا ، فكان البعض هو إسماعيل وأمه هاجر ؛ أمره الله أن يسكنهما في ذلك المكان القفر ، والوادي الموحش ؛ الذي تحيط به الجبال من كل جانب ، وليس به إنس ولا أنيس ، ولا فيه زرع ولا ماء ؛ قال البخاري في كتاب الأنبياء من ” صحيحه ” : ( باب رقم 9 : رقم الحديث 3364 ) : ( حدثنا عبد الله بن محمد ؛ حدثنا عبد الرزاق ؛ أخبرنا معمر ؛ عن أيوب السختياني ، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر ؛ عن سعيد بن جبير ؛ قال ابن عباس : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ؛ اتخذت منطقًا ؛ لتعفي أثرها على سارة ، ثم جاء بها إبراهيم ، وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم منطلقًا ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ؛ الذي ليس فيه إنس ، ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارًا ، وجعل لا يلتفت إليها . فقالت له : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذن لا يضيعنا ، ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ، ورفع يديه ، فقال : ﴿ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ . حتى بلغ : ﴿ يَشْكُرُونَ ﴾ . وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت ، وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ؛ أو قال : يتلبط ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر ؛ هل ترى أحدًا ، فلم تر أحـدًا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي ؛ رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة ، فقامت عليها ، ونظرت هل ترى أحدًا ، فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات ؛ قال ابن عباس : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : فذلك سعي الناس بينهما ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا ، فقالت : صه تريد نفسها ، ثم تسمعت ، فسمعت أيضًا ، فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه ؛ أو قال : بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه ، وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها ؛ وهو يفور بعدما تغرف ؛ قال ابن عباس ؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : يرحم الله أم إسماعيل ؛ لو تركت زمزم ؛ أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا قال : فشربت ، وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة ، فإن ها هنا بيت الله ؛ يبني هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم ؛ أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء ، فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرًا عائفًا ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جريًا ؛ أو جريين ، فإذا هم بالماء فرجعوا ، فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا ؛ قال : وأم إسماعيل عند الماء ، فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ فقالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء ؛ قالوا : نعم ؛ قال ابن عباس : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس ، فنزلوا ، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم ، وشب الغلام ، وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، وماتت أم إسماعيل ، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته ، فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه فقالت : خرج يبتغي لنا ، ثم سألها عن عيشهم ، وهيئتهم ، فقالت : نحن بشر ؛ نحن في ضيق ، وشدة ، فشكت إليه ؛ قال : فإذا جاء زوجك ، فاقرئي عليه السلام ، وقولي له : يغير عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل ؛ كأنه آنس شيئًا ، فقال : هل جاءكم من أحد ؟ قالت : نعم جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألنا عنك فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا في جهد ، وشدة ؛ قال : فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول غير عتبة بابك ؛ قال : ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك ، فطلقها ، وتزوج منهم أخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد ، فلم يجده ، فدخل على امرأته ، فسألها عنه ، فقالت : خرج يبتغي لنا ؟ قال : كيف أنتم وسألها عن عيشهم ، وهيئتهم ؟ فقالت : نحن بخيرٍ ، وسعة ، وأثنت على الله ، فقال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم . قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء . قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء ؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ولم يكن لهم يومئذ حبٌّ ، ولو كان لهم دعا لهم فيه قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه ؛ قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ، ومريه يثبت عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل ؛ قال : هل أتاكم من أحد ؟ قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك ، فأخبرته ، فسألني كيف عيشنا ؟! فأخبرته : أنا بخير ؛ قال : فأوصاك بشيء ؟ قالت : نعم هو يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك ؛ قال : ذاك أبي ، وأنت العتبة ؛ أمرني أن أمسكك ، ثم لبث عنهم ما شاء الله ، ثم جاء بعد ذلك ، وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة ؛ قريبًا من زمزم ، فلما رآه قام إليه ، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد ، والولد بالوالد ، ثم قال : يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر ؛ قال : فاصنع ما أمرك ربك ؛ قال : وتعينني ؟ قال : وأعينك ؛ قال : فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتًا ، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها ؛ قال : فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر ، فوضعه له ، فقام عليه ؛ وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ؛ وهما يقولان : ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ . [ البقرة : 127 ] قال : فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت ؛ وهما يقولان : ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ … ) .............................................يتبع
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستهديه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وعلى آله وصحبه ، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ أما بعد :
فإن خير الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالةٍ في النار .
ثم إنه قد طلب مني أن ألقي كلمة في منسوبي ” التوعية الإسلامية – في الحج ” بعنوان : ” معالم التوحيد في الحج ” ، وحيث أن التوحيد أساس الدين ، وقاعدته التي عليها يبنى ، ومنها ينطلق ، وشرطه الذي به يصح ، وبوجوده يقبل ؛ وعند عدمه ترد جميع الأعمال ؛ قال تعالى : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ . [ الفرقان : 23 ] . وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ . [ النور : 39 ] .
ومع كون المشرك لا تقبل منه حسنة ؛ فإنه أيضًا لا يغفر له ذنب ؛ قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ﴾ . [ النساء : 48 ] . ومع ذلك فإن المشرك شركًا أكبر محرم عليه دخول الجنة ، ومحتم عليه دخول النار ، والخلود فيها ؛ قال تعالى عن نبيه عيسى – عليه السلام – أنه قال لقومه : ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ . [ المائدة : 72 ] . وهو موجب لحبوط العمل ، وعدم استفادة صاحبه منـه قال الله – عز وجل – : ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ . [ الزمر : 65 ] . وقال تعالى : ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ . [ إبراهيم : 18 ] . وهذه كلها مساوئ تترتب على ضد التوحيد وهو الشرك الأكبر ، وفي ذلك بيان لمزية التوحيد ، وأن انعدامه تترتب عليه كوارث فضيعـة وفي هذا بيان لمنزلة التوحيد من الدين ككل .
أما بالنسبة للحج ؛ فإنه أسس على التوحيد بيان ذلك من الآتي : قال تعالى : ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ . [ الحج : 26 ، 27 ] .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – في تفسيره ” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنـان ” في : (5/288) : ( قال تعالى : ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ . أي : هيأناه له ، وأنزلناه إياه ، وجعل قسمًا من ذريته من سكانه ، وأمره الله ببنيانه ، فبناه على تقوى الله ، وأسسه على طاعة الله ، وبناه هو وابنه إسماعيل ، وأمره أن لا يشرك به شيئًا ، وأن يخلص لله أعماله ، ويبنيه على اسم الله . ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ﴾ . أي : من الشرك والمعاصي ومن الأنجاس والأدناس وأضافه الرحمن إلى نفسه لشرفه وفضله ، ولتعظم محبته في القلوب ، وتنصب إليه الأفئدة من كل جانب ، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه ، لكونه بيت الرب – سبحانه – للطائفين به ، والعاكفين عنده ؛ المقيمين لعبادة من العبادات من ذكرٍ وقراءةٍ ، وتعلم علمٍ وتعليمه ، وغير ذلك من أنواع القرب . ﴿ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ . أي : المصلين ؛ أي : طهروه لهؤلاء الفضلاء ؛ الذين همهم طاعة مولاهم ، وخدمته ، والتقرب إليه عند بيته .
فهؤلاء لهم الحق ، ولهم الإكرام ، ومن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم ، ويدخل في تطهيره تطهيره من الأصوات اللاغية ، والمرتفعة التي تشوش على المتعبدين بالصلاة ، والطواف وقدم الطواف على الاعتكاف والصلاة لاختصاصه بهذا البيت ، ثم الاعتكاف لاختصاصه بجنس المساجد ) . ا.هـ .
والمهم أن الله – عز وجل – ما خص إبراهيم – عليه السلام – بهذه المزية إلا لما فيه من محبة التوحيد وبغض الشرك ؛ الذي حمله على التفاني في دعوة قومه ، ثم الحوار معهم ، ثم تكسير أصنامهم ، ثم قرارهم لتحريقه ، ورميهم له في النار ، فجعلها الله عليه بردًا وسلامًا ، ومع هذا كله فإن الله – عز وجل – لما بوأه مكان البيت أراه إياه ، وأمره ببنائه ؛ كان ذلك على شريطة نشر التوحيد ومحاربة الشرك : ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ . ثم أعاد الوصية مرةً أخرى في هذا السياق مشددًا على الأخذ بها مرةً أخرى ، ومؤكدًا ذلك فقال في [ الآية : 30 ] من هذا السياق : ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . حُنَفَاء للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ . [ الحج : 30 - 31 ] . تصوير عجيب لمن وقع في الشرك كأنه سقط من أعلى شاهق من قمة جبل ؛ أو من فوق عمارة طويلة من ناطحات السحاب ؛ أو من فوق طائرة في ارتفاع شاهق ؛ أو من السماء المعروفة ضد الأرض ؛ أي : أن من وقع في الشرك بالله كأنما سقط من ذلك المكان العالي ، فتخطفه الطير ؛ أو تهوي به الريح في مكان سحيق ؛ بعيد في الأعماق ، وفي هذا التصوير تنفير عن الشرك ، وتبشيع لصورته ، وإظهار له في هذه الصورة البشعة ؛ التي تشمئز منها النفوس ، ولقد كرر الله – عز وجل – في هذا المقطع الأمر بالتوحيد ، والتحذير من الشرك تارة بالثناء على الموحدين ، وذكر صفاتهم ، وعواقبهم الحميدة ، فقال : ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ . [ الحج : 34 - 35 ] .
ثم إن الحج كله تذكير ، وتنويه بتلك الأسرة الموحدة ؛ أسرة إبراهيم الخليل – عليه الصلاة والسلام – ؛ إذ أمر الله – عز وجل – خليله أن يسكن من ذريته بعضًا ، فكان البعض هو إسماعيل وأمه هاجر ؛ أمره الله أن يسكنهما في ذلك المكان القفر ، والوادي الموحش ؛ الذي تحيط به الجبال من كل جانب ، وليس به إنس ولا أنيس ، ولا فيه زرع ولا ماء ؛ قال البخاري في كتاب الأنبياء من ” صحيحه ” : ( باب رقم 9 : رقم الحديث 3364 ) : ( حدثنا عبد الله بن محمد ؛ حدثنا عبد الرزاق ؛ أخبرنا معمر ؛ عن أيوب السختياني ، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر ؛ عن سعيد بن جبير ؛ قال ابن عباس : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ؛ اتخذت منطقًا ؛ لتعفي أثرها على سارة ، ثم جاء بها إبراهيم ، وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم منطلقًا ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ؛ الذي ليس فيه إنس ، ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارًا ، وجعل لا يلتفت إليها . فقالت له : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذن لا يضيعنا ، ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ، ورفع يديه ، فقال : ﴿ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ . حتى بلغ : ﴿ يَشْكُرُونَ ﴾ . وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت ، وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ؛ أو قال : يتلبط ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر ؛ هل ترى أحدًا ، فلم تر أحـدًا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي ؛ رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة ، فقامت عليها ، ونظرت هل ترى أحدًا ، فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات ؛ قال ابن عباس : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : فذلك سعي الناس بينهما ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا ، فقالت : صه تريد نفسها ، ثم تسمعت ، فسمعت أيضًا ، فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه ؛ أو قال : بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه ، وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها ؛ وهو يفور بعدما تغرف ؛ قال ابن عباس ؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : يرحم الله أم إسماعيل ؛ لو تركت زمزم ؛ أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا قال : فشربت ، وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة ، فإن ها هنا بيت الله ؛ يبني هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعًا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم ؛ أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء ، فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرًا عائفًا ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جريًا ؛ أو جريين ، فإذا هم بالماء فرجعوا ، فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا ؛ قال : وأم إسماعيل عند الماء ، فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ فقالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء ؛ قالوا : نعم ؛ قال ابن عباس : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس ، فنزلوا ، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم ، وشب الغلام ، وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، وماتت أم إسماعيل ، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته ، فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه فقالت : خرج يبتغي لنا ، ثم سألها عن عيشهم ، وهيئتهم ، فقالت : نحن بشر ؛ نحن في ضيق ، وشدة ، فشكت إليه ؛ قال : فإذا جاء زوجك ، فاقرئي عليه السلام ، وقولي له : يغير عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل ؛ كأنه آنس شيئًا ، فقال : هل جاءكم من أحد ؟ قالت : نعم جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألنا عنك فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا في جهد ، وشدة ؛ قال : فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول غير عتبة بابك ؛ قال : ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك ، فطلقها ، وتزوج منهم أخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد ، فلم يجده ، فدخل على امرأته ، فسألها عنه ، فقالت : خرج يبتغي لنا ؟ قال : كيف أنتم وسألها عن عيشهم ، وهيئتهم ؟ فقالت : نحن بخيرٍ ، وسعة ، وأثنت على الله ، فقال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم . قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء . قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء ؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ولم يكن لهم يومئذ حبٌّ ، ولو كان لهم دعا لهم فيه قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه ؛ قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ، ومريه يثبت عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل ؛ قال : هل أتاكم من أحد ؟ قالت : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك ، فأخبرته ، فسألني كيف عيشنا ؟! فأخبرته : أنا بخير ؛ قال : فأوصاك بشيء ؟ قالت : نعم هو يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك ؛ قال : ذاك أبي ، وأنت العتبة ؛ أمرني أن أمسكك ، ثم لبث عنهم ما شاء الله ، ثم جاء بعد ذلك ، وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة ؛ قريبًا من زمزم ، فلما رآه قام إليه ، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد ، والولد بالوالد ، ثم قال : يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر ؛ قال : فاصنع ما أمرك ربك ؛ قال : وتعينني ؟ قال : وأعينك ؛ قال : فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتًا ، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها ؛ قال : فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر ، فوضعه له ، فقام عليه ؛ وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ؛ وهما يقولان : ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ . [ البقرة : 127 ] قال : فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت ؛ وهما يقولان : ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ … ) .............................................يتبع