المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ..انتظار مستحيل


صرخة صمت
2012-10-04, 13:57
إنتظار مستحيل


...كانت تجلس قابعة في ذلك المكان المعهود ، مقابل بوابة الخروج ، ربما تفكر في الهروب لكن كيف ؟ كيف لعجوز ثكلى أن تفكر في مثل هذا الأمر ؟ خاصة و أن لا مأوى لها خارج هذا المكان.

...غموض كان يعتري تلك العينان اللتان أخفتهما تجاعيد السنين الخمسين المرة و كيف قد لا تكون مرة و هي الآن متواجدة في مقبرة الأحياء ... اقتربت ، جلست بالقرب منها ، و لم أطرح أي سؤال ... كنت فقط أحاول سماع نبض قلبها فهدوءها القاتل لم يكن يعبر عن إنسان على قيد الحياة لكن سمعته ، كانت دقاته تعزف نغمة موسيقية حزينة ، تليق كعنوان لمـأساة قد عاشتها في آخر لحظات حياتها ، ربما فارقت شخصا عزيزا على قلبها ... و ربما هو نفسه كان سبب حزنها ... و ربما هو نفسه الذي تنتظر مجيئه كل يوم ... توقعات كان يجب أن أجد لها مخرجا ... ربما قرأت في عيناي تلك الرغبة في الولوج إلى عالمها فقررت أن تروي لي بهدوء مشوار حياتها التعيس ... في البداية تلفضت باسم أحمد.

....ربما كان أحمد هو سبب حياتها هاته و ربما كان القدر كذلك ، اغرورقت عيناها بالدموع و راحت تحكي كيف عانت لوعة الفراق ، و كيف تحملت سنين الحرمان و الوحدة بعد أن غادرها أغلى ما لديها في الوجود ، شمعة دربها و نور ليلها ابنها أحمد الذي كان يقيم نهاره في المذاكرة و ليله في قلب صفات المذلة التي يتلقاها وإياها ... لكن ... و كما كانت تروي : فجأة رحل عني ، و دون سابق إنذار ، رحل و عمره لا يتجاوز السادسة عشر سنة ... تركها وحيدة تقاسم الدهر آلامها و أحزانها.

...نعم ، إنها أناة المحرومين التي تنبعث من صميم إنسانة وحيدة لا تعرف للسعادة طريقا ... و إذا استغربت و سألتها بنغمة من اللوم و العتاب كيف أنه تمكن من تركها أجابتك قائلة : إنه ابني ، فلذة كبدي ، رحل عني صغيرا و بكيته يومها بدل الدمع دما .. كانت تذرف دموعا لطالما أخفتها و لكن سنين الحرمان أجبرتها على ذلك.

صرخة صمت
2012-10-04, 13:58
....لكن رغم أنها كانت تدافع عنه إلا أنها كانت تسأل نفسها بحسرة ، ألم و حزن شديد : لما قد يتركني رغم محبتي الكبيرة له ؟ قالت و قالت ... ثم أكملت الحكاية ... و هنا تكمن المفاجأة ، أحمد على قيد الحياة ، عمره لا يتجاوز الرابع و العشرين سنة ، شاب وسيم يمتاز بقدراته العالية و أخلاقه السامية ، يقول أن الفراق شيء صعب و لكن ما عساه يفعل فهو هناك في ديار الغربة قد كون نفسه ليعود لأمه و يمحي الفقر و الذل من عينيها ، و يرتمي في أحضانها فالشوق و الحنين إليها يحطمان قلبه ، رغم ذلك كان صابرا من أجل لقمة العيش ... كانت هاته الكلمات مدونة في رسالة ، هي الأولى التي تتلقاها الأم من أحمد بعد مدة سبع سنين ... أما آخر رسالة ، فكانت في أول أيام الشتاء حيث رسم الفرحة في قلب أمه الثكلى باخبارها أنه سيعود بعد أسبوع ... و جاء ذلك اليوم الذي كانت تنتظره بأحر من الجمر و لكن ... انقضى النهار و أقبل الليل بجلبابه الأسود ، الحالك ... رعد ، برق و رياح كلها كانت توحي بأن شيء ما سيحصل ... و تسلل الخوف إلى قلبها لكن كانت تطمئن نفسها بالقول أنه يمكن أن يصل ليلا ... و راحت تصف لي ألم الإنتظار : جلست مظطربة أمام موقدي الصغير أستأنس به علني أنسى الهم الذي كان يراودني و القلق الذي أبى أن يفارقني ... و مر الليل و بزغ الفجر و لم يعد ؟؟

...كنت لا أزال أوهد نفسي أنه سيصل و بقيت أنتظر ... شغلت المذياع علي أكسر ألم الإنتظار و فجأة سمعت خبر سقوط طائرة على إثر الجو العصيب ... و كانت طائرته القادمة من بلاد الغربة ... أتراه رحل ؟؟ أتراه رحل إلى الأبد دون أن يودعني ؟؟ ألن أعانقه ؟؟ ألن أحضنه و أعبر له عن اشتياقي له ؟؟ ألن أرقص معه على موسيقى الحب و الأمل بدل موسيقى الحزن و اليأس التي حطمت حياتنا السابقة ؟؟

...إحساس قاتل بالألم طوق منطقة قلبي ... حرارة كانت تسري في جسدي ... و لم أعد قادرة ... و حين أفقت وجدت نفسي في المستشفى ... بقيت ليال هناك ، أنظر دون ملل إلى النافذة و لكن ؟

...عدت لذلك البيت الذي أصبح يحمل في صميم جدرانه مآسي كثيرة تذكرني بين الحين و الآخر أني فقدت كل شيء ... كنت أدخل غرفته ، أبحث بين دفاتره عن رائحته ، أقلب صفحات أوراقه المبللة بدموع الألم من شدة الذل ... أجلس من جديد بالقرب من موقدي أنتظر و أنتظر دون أن أعرف أني كنت أنتظره أم كنت أطل من النافذة على ألمحه بين تلك الرياح القوية الممتزجة بالتراب ... كنت أشغل المذياع مرارا فعلهم ينفون خبر سقوطها... لكن ... و مرضت مجددا ، دخلت المشتشفى ، بقيت هناك لمدة أسبوعين أعاني مرض الإنتظار ... و حين خرجت ، أتذكر أني حين وصلت إلى بيتي وجدته ترابا ، ركاما و حطاما ... فقد قتلته العاصفة الهوجاء دون جهد ... و ها أنا الآن هنا... انتهى بي المطاف في دار العجزة ... لكن هذا لا يعني أني نسيت شخصا طال أمل لقاءه و حين آن اختطفته أيادي القدر ليصبح في زمن كان ، بل لازلت مؤمنة أنه سيعود ... أجل سيعود ...

...و قرأت في عينيها ذلك الحلم ، تلك الرغبة في رؤيته ... ذلك الألم الذي لم يفارقها طوال حياتها ... و تركتها خلفي تواصل الإنتظار.... و أنا أتساءل : أهو انتظار مستحيل ؟؟ و هل سيكون الأمل ضحية هذا الإنتظار ؟
أسئلة أدخلتني دوامة ... ربما ... لكن هل ستحيى حياتها بهاته الربما ؟؟
من المجموعة القصصية : نداء من مقبرة الأحياء
صرخة صمت

zineb.alg
2012-10-09, 14:42
الانتظااار هو ان نموت ببطء