المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صديق!


برابحة عبد الفتاح
2012-10-02, 18:31
الصداقه كالحب ، كسر لعزلة القلب ،وتدمير لصقيع الغربه .. والصداقه في الطفوله تأتي بلا إختيار أو جهد وفي الكبر هي إختيار وحريه . كما أن الكبار لهم صداقات صغيره ،والصغار لهم صداقات كبيره. وماأجمل أن يكون لك صديق خالص الصداقه ، تستحم على شواطئه همومك ،ومشاعرك ،واحاسيسك ، فالطريق لا يطول أبدا متى ماوجد الإنسان الصحبه الطيبه ،والصداقه الدافئه ،إنني أظل دوما أفتش عن صديق حقيقي حينما أمنحه زهره الحب، والود لا تتحول في يده هذه الزهره ، مع مرور الزمن الى خنجر يطعنني به في لحظه ضعفي ،وحزني ،وإنكساري .. فكلما فقدت صديقا غاليا أتألم كثيرا كثيرا وأحزن بشده إذ أن نسيان الصديق أو فقدانه أمر محزن للغايه ، فلايمتلك الإنسان صديقا كل يوم ،فالصداقه حدث نادر لايجوز أبدا نسيانه ... وكلما عثرت على صديق طيب ودود ،شعرت بالفرح الطفولي العميق ،وأحسست لحظتها أن الحياه منختني عمرا إضافيا بمعرفه مثل هذا الصديق .
وتبقى الصداقه هي أحلى واعذب العلاقات الإنسانيه ،حتى الزواج شرط من شروط السعاده فيه أن تكون العلاقه مابين الزوجين علاقه صداقه ،وليست فقط علاقه حب .. فالزواج حين يكون" صداقه " يفقد تدريجيا قيوده ، وينطلق ليبدو العالم بهيجا ، والمنفى عشا ، والوحده تأملا ، والرفقه عشقا .. حتى تربيه الأبناء لا تكتمل إلا إذا كان الوالدين صديقين لأبنائهما ، يتفهمان مشاعرهم ، ورغباتهم ،واحزانهم ، كما ان الصداقه مع النفس لا تقل أهميه عن الصداقه مع الاخرين ، الصداقه مع النفس تعني حبك لذاتك ،وفهمك إياها ، فلو كرهتها لن تستطيع أن تحب أي شخص آخر .

قول أبوالطيب المتنبي :" شر البلاد مكان لا صديق به " أما " أملي ديكنسون " فعبر عن الصداقه بقوله :" الأصدقاء أوطان صغيره " والقائد الفرنسي " نابليون " باح ذات ليله بحزنه ،وشجنه الى زوجته حينما قال لها :" لقد نلت من المجد والسلطه مالم ينله احد قط ،وبالرغم من ذلك فهاأنذا لا اجد حولي صديقا مخلصا أستطيع الأعتماد عليه سواك " والحق .. أن الصداقه ضروره لاأحد يستطيع أن يستغني عنها أبدا .. لأن لها طابع خاص ، ونكهه مختلفه ،تضفي على النفس السرور ، والحس الحبور ، وتمنح الذات عالما آخر من التلقائيه ، والعفويه ، والموده الصافيه ، والصحبه الخالصه .
إن الصداقه تحتاج الى مهاره نادره في الحفاظ عليها وصيانتها ، وليست البراعه في صنع هذه الصداقه بل في المحافظه عليها، والعمل على بقائها واستمرارها ،إنها كالمال سهل أن تكسبه ، صعب أن تحافظ عليه ، إن الصداقه هي طاقه تحسب بمقدار الصفح ، والتسامح ، والتضحيه ، والمجامله ،فالصداقه الحقيقيه تقوم على الأخذ والعطاء بنفس القدر .
إن الصداقه ضروره ملحه ، وحاجه ماسه للقلب ، والروح ،والوجدان ،فهي إكسجين الحياه ،وإكسير العلاقات الإنسانيه وصدق الإمام الشافعي حينما قال :
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
الصداقه .. هي الحب بغير أجنحة .
الحب إمتلاك والصداقه حريه . الحب أنانيه والصداقه تضحية .
صديق اليوم هو صديق الغد .. أما الحب فإنه عندما يرحل لا يعود ابدا .
الصداقه درجات فهناك صديق ، وصديق غال ، وصديق عزيز جدا
أما الحب فإنه كتله واحده ، لايعرف أنصاف الحلول ، ولا يقبل القسمه على إثنين
من يغرس مجامله يحصد الصداقه ، من يغرس العطف يجني الحب .
قد تكبر الصداقه فتصير حبا ، ولكن الحب لايمكن أن يصغر ويتحول الى صداقه .
ومن الممكن أن يتحول المحبون الى اعداء ، ولكن ليس الى أصدقاء .
ومثلما أن هناك حب من أول نظره ، هناك أيضا صداقه من أول جلسه .
وفي الأخير .. فإن أول صديق مثل أول حبيب يصعب الأحتفاظ به الا في الذاكره .

رغم أن " شكسبير " قال عن الصداقه معظمها زائف ،ورغم ان العثور على الصديق الطيب ، الودود يحتاج الى أن نبحث كثيرا كثيرا حتى نجده ، ونعثر عليه ،ورغم أيضا أن الطريق الضيق لا يوجد به أصدقاء لأن الصديق المزيف كالظل يقترب عندما نمشي بالضؤ ،ويغيب عندما يغطينا الظلام ...
إلا أن الصداقه حقيقه وواقع ، ملموس ،نحتاج فقط الى أن نفهم الحكمة اللاتينية التي تقول :" من كان صديق نفسه أصبح الجميع أصدقاءه " بمعنى أن المرء إذا كان يريد أن يكون له أصدقاء يحبونه ، ويحرصون عليه ، يجب ان يبدا من نفسه، فيزرع فيها حب الخير، والمبادئ النبيلة ، وأن يحاول الأبتعاد عن سؤ الظن ، وتصيد الأخطاء، والهفوات ، فالمجامله تكسب الأصدقاء ، كما أنه من الذكاء مدح الصديق علنا ، ومعاتبته سرا ، فالصديق يحتاج دائما الى المعاملة اللطيفه ، حتى يبقى بجوارنا ، والى قبول أخطاءه وهفواته، والصفح عنها بموده، وطيبه، ووداعه .. والوحده هي دائما عقاب الحياه لمن لم يحسن صحبه الأخرين، ولم يرع لهم حقا وكان شديد الوطأه عليهم وفي علاقته بهم .