bilalhamza
2012-09-30, 09:43
نظام الأهرامات وأهم التوجهات الفكرية السياسية المعاصرة
قبل التحدث عن الصيغة التوافقية التي يقترحها هذا النظام مع أصحاب أهم التوجهات الفكرية المقترحة لبناء أنظمة سياسية مثالية، لابد من الإشارة إلى الهويات في هذا النظام:
1.الهويات في هذا النظام:
من المعلوم انه في أي دولة حديثة، هناك ما يعرف بالجنسية التي تمنح من قبل الدولة للأشخاص المنتمين إليها وفق شروط معينة تحددها القوانين السارية فيها من اجل تمييزهم عن غيرهم بحقوق وواجبات تجعل منهم مواطنيها، وبالنظر للهيكلة الفريدة لشكل الدولة وفق نظام الأهرامات، كان من الضرورة أن نعيد الصياغة لهذا الشكل القانوني من الهوية، سواء بإلغائها، أو ترسيم هويات أخرى إلى جانبها.
ومن هنا فالجانب القانوني للهويات في الدولة من الجيل الثاني تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
أ.هويات فرعية: وتتمثل في هوية الهرم.
وهي الهوية التي يمنحها كل هرم مستقل في الدولة للأفراد والمؤسسات الناشطة تحت سلطته، بحيث يميزهم عن غيرهم من الناشطين في الأهرامات الأخرى، بما يخولهم لان يكونوا مواطنين هرميين من حيث كونهم منتجين، فينالوا بذلك حقوقهم و يؤهلهم بأن يطالبوا بها، ويقوموا بواجباتهم، ويمكن غيرهم من محاسبتهم عليها، و تختلف معايير منح هذه الهوية من هرم لآخر، فقد تكون مبنية على شهادات علمية في الاختصاص، كما قد يتعدى ذلك إلى احتواء كل الكفاءات الممكن الاستفادة من قدراتها حتى ولو لم تملك شهادة علمية؛ وربما تبرز أهمية هذه الهوية في حالة اندماج هرمين، حيث يصبحان هرم واحد، وبالتالي فمنتجيهما أصحاب هوية واحدة، مستقلة عن كل الهويات الأخرى كالدينية أو العرقية، فلا وجود للتمايز بينهم إلا من خلال الكفاءة والعمل، أي أن أصحاب الهوية الإنتاجية تجمع بينهم رابطة واحدة هي وحدة المهنة، مما يجعل الجميع سواسية في الحقوق والواجبات، ولا يكون هناك تمايز إلا في الكفاءة والعمل، ومنه فوجود رتب بين العمال لا يؤثر في المساواة بينهم أمام قوانين الهرم.
والعبرة من استحداث هويات فرعية ليس التفريق بين أفراد الأمة، وإنما لحاجة دعتها الضرورة، فمتى انتفت الحاجة إلى التقسيم جنحنا إلى التجميع والتكتيل، فنجد أن الحقوق المتعلقة بها متعلقة بالهرم وليس بغيره، كما أن وجودها يعطي مرونة لحركية الاندماج بين الدول، بالإضافة إلى مزايا أخرى كتعزيز الانتماء المهني المبني على التنوع بدل الانطواء في الانتماءات العاطفية فحسب، وبناء على هذه الهوية يمكن للهرم الدفاع عن مواطنيه ومؤسساته أمام هرم آخر من حيث كونهم منتجين، أو مستهلكين في إطار المجال الذين ينشط فيه ، وفي حالة كونهم منتجين أو مستهلكين فيما يخرج عن هويتهم الإنتاجية فان البديل يتمثل في الهوية العامة، والتي يمنحها مجلسي المنتجين والمستهلكين، والتي سبق وأشرنا، تخول أصحاب الهوية الفرعية الوقوف في وجه الهرم دفاعا عن هرم آخر دون أن يؤثر في وضعهم من حيث كونهم 'مواطنين له'.
ب.هويات عامة: وتتمثل في:
ب.1.هوية الدولة: وهي تشبه ما يسمى بالجنسية التي تمنحها الدول اليوم لكل من يدين بالولاء للدولة، وتمنح هذه الهوية هيئة الحكماء.
ب.2.هوية المستهلكين: وهي هوية تمنح لكل من له صفة الاستهلاك لإحدى أهرامات الدولة سواء أكانوا يملكون هوية الدولة أم لا يملكونها، وسواء أكانوا أفراد أو مؤسسات، ومن هنا فهذه الهوية مرهونة بصفة الاستهلاك، متى زالت هذه الصفة تسقط الهوية عن صاحبها.
أما الجهة المسؤولة عن منح هذه الهوية فهو مجلس على مستوى هيئة الحكماء، سميناه بمجلس المستهلكين.
ب.3.هوية المنتجين العامة: وهي هوية لا تختلف في مميزاتها عن هوية المستهلكين، أما الجهة المانحة لها فهو مجلس موازي لمجلس المستهلكين على مستوى هيئة الحكماء، غير أن الفرق الجوهري يكمن في انتقال أصحابها من صفة الاستهلاك إلى صفة الإنتاج.
والغاية من استحداث هاتين الهويتين الجامعتين، وعدم إسناد للهرم مهمة الدفاع عن مواطنيه المتخصصين، في كل صفاتهم الإنتاجية أو الاستهلاكية الخارجة عن مجال تخصصهم، هو أن الهدف من الفصل بين القطاعات ليس خلق انقسامات بين الشعب الواحد، وإنما لتسهيل نشاطات كل قطاع.
أما الغرض من كل هذه الهويات، سواء الجامعة أو الفرعية، فهو خلق نوع من التوازن في الدولة بين مختلف الانتماءات حتى في نفس الفرد الواحد صاحب الانتماءات المتعددة، وكذلك خلق نوع من المرونة تحرر الفرد من قيود الهوية الواحدة من اجل الدفاع عن حقوقه، والاقتراب أكثر من الناس الذين يشاطرونه نفس الانتماء مهما كان شكله مما يساهم في الاندماج.
2.نظام الأهرامات والشيوعية:
لا أنكر في البداية قبل الحديث عن علاقة نظام الأهرامات بهذه الإيديولوجية، أن مصطلح الشيوعية قد يثير في نفوس الكثيرين بعض الاشمئزاز الفكري، نظرا للتصور السوداوي المرتبط بهذا المفهوم، والمستمد من الجرائم التي كانت ترتكبها الأنظمة الشيوعية، كما قد يبعث في أنفس البعض شعورا بالرثاء الممزوج بالتشفي والارتياح جراء الاعتقاد الشائع، حتى من قبل المستقلين فكريا عن أعداء الشيوعية التقليديين، بانقراض الشيوعيين وانفراط عقدهم.
ومن هنا يبرز التساؤل عن الغاية من محاولة التوفيق بين نظام وليد يحاول أن يعلن عن وجوده، بفكر 'سيئ السمعة'، حيث كلما أمكن التوفيق بينهما كلما تلونا معا بلون الليل الداكن، فتكون بذلك هذه المقارنة وأد غير مسؤول لنظام الأهرامات، كما أنها خطوة غير مبررة في ظل غياب شريحة واسعة من الشيوعيين، يمكن التضحية بغيرهم لكسب رضاهم ودعمهم.
- الإجابة عن هذه التساؤلات المنطقية جدا، يكمن في أن الهدف من هذه المقارنة ليس استمالة الشيوعيين فحسب، والذين هم في نظري أكثر عددا بكثير مما قد يتصور البعض، حتى ولو بشكل غير رسمي، بل هي محاولة إثبات أن أي فكرة جاءت لإزالة مشكلة، والتطلع للأفضل؛ حتى ولو كان البديل الذي جاءت به خاطئ، أو كانت لإثبات حقيقة؛ حتى ولو كان التطبيق الذي انتهجته غير منصف، أو للدفاع عن حق؛ حتى ولو كانت الطريقة المتبعة لإحقاقه، أشنع من الباطل الذي تحاربه، فان النية صحيحة، ولا يجب ننبذ أو نحارب أصحابها مباشرة، وإنما اقتراح البديل الأمثل لتطبيقها وتبيين الخطأ الذي وقعوا فيه أولا.
ومنه فنظام الأهرامات، جاء ليشاطر كل فكرة في هدفها السامي، دون أن يقصي أحد حتى ولو كانت صورة ذلك المذهب أو الاتجاه مشوهة لدى الكثيرين، حيث أن الشيوعية حتى ولو دعت للصراع وعدم الاستقرار، فإنها تنطلق من فكرة حسنة، تتمثل في رفع شعار نصرة المقهورين واثبات العدل الاجتماعي، وهذا الشعار في حد ذاته هو الذي دفع بالكثيرين إلى تبني مبادئها والتضحية بالنفس والنفيس من اجل تحقيقها، كما أن اللبرالية مهما قيل عنها، وشبه أربابها بمصاصي الدماء، فان أساسها هو الإيمان بحق الفرد في العمل والسعي إلى الاستقلال برأس ماله من اجل الاستثمار، وهذه الفكرة مشروعة ولا يحق إنكارها لشوائب لحقت بها كالإفراط في الحرية وتأليه الفرد، كما أن فكرة الحكم لله أو حق الشعوب في التمتع والتميز بخصوصيتها، أيضا لا يمكن إنكارها بحجة أن الهادفون إلى تحقيقها لم يوفقوا في اختيار الدرب الصائب لذلك.
ومن هنا فالتحرر الحقيقي الذي ينشده هذا النظام هو الإنعتاق والتحرر من التقوقع في أطر فلسفية ضيقة، وبدأ مرحلة جديدة من التعايش والتكامل بين الأفكار والطموحات.
-وبالعودة إلى الشيوعية نجد أن نظام الأهرامات يتوافق بشكل أو بأخر مع أطروحات الشيوعيين من خلال نقطتين أساسيتين:
أ.توحيد طبقة العمال:
حيث نستشهد دائما في هذا الصدد بصيحة كارل ماركس المدوية في أرجاء المعمورة حيث يقول: " يا عمال العالم اتحدوا".
أي أن الهدف من هذا النداء الذي يرمي للتكتل هو تكوين قوة عمالية لمواجهة البورجوازية من خلال ثورة لم يعد يؤمن بها حتى من بقي من الشيوعيين اليوم، نظرا للحقوق التي أصبح يحضا بها العمال، وكذا تعدد وسائل النضال النقابي، في ظل قوانين تكفل حق الإضراب، والإعلام والمعارضة في الكثير من البلدان حتى المتخلفة منها. بيد انه رغم ذلك لا تزال صيحة ماركس تتردد في نفوس هؤلاء، إيمانا منهم بدولة العمال التي لابد أن تأتي حسبهم ولو من خلال مادية تاريخية معدلة بالظروف الحالية، أما المبرر لقيامها فهو الأمر الذي يبقى مبهما مما يجعل طرحهم غير قابل للتسويق.
ومن خلال هذا النظام يمكن أن تتحقق طموحاتهم في توحيد هذه الطبقة من خلال ما أسميناه بهوية المنتجين، والتي سبق وان قلنا أن الغاية منها هو خلق ارتباط روحي أساسه الانتماء للمهنة، قد يقلل ويخفف من العصبيات الإثنية والعرقية، كما أن هذه الهوية الإنتاجية، تضمن لنا إلى حد ما صفة العالمية الشاملة التي عجزت كل الهويات إلى اليوم تحقيقها بشكل دائم.
ب.زوال الدولة:
يجب التذكير أولا أننا عند محاولتنا احتواء فئة معينة لا ننظر إلى النداء في حد ذاته الذي تدعوا إليه، وإنما إلى الأسباب التي دعتهم إلى تبنيه، فان كانت الأسباب معقولة والوسائل المتبعة خاطئة، كان بالمكان اقتراح البديل الأكثر واقعية، ومن هنا ونظرا لعدم مسايرة الجيل الأول من الدولة لطموحات الشيوعيين و من يسمون بالفوضويين بشكل عام، دعا هؤلاء إلى زوال الدولة، وهذا من الناحية الواقعية غير ممكن، لان الدولة في حد ذاتها مجرد نظام، والنظام كما هو معلوم أكثر من ضروري في أي مجتمع من المجتمعات، فكان البديل هو انه بدل إلغاء الدول يجب تغييرها بنوع آخر فكان هذا النموذج. فالمبرر الذي جاء به الشيوعيون لزوال الدولة، هو كونها أداة في يد القوى البرجوازية لقهر طبقة العمال، وفي النموذج الجديد للدولة هنالك حقيقتا سلطة لأصحاب المال والأعمال، إلا انه في مقابل ذلك هناك سلطة مضادة في صالح العمال، من حيث كونهم منتجين أو مستهلكين، ودور الدولة هو خلق توازن منفعي بين جميع الأطراف.
3.نظام الأهرامات واللبرالية:
إن الأمر الذي سيسهل علينا انتقاد كون الدولة مجرد حارس لمؤسسات الخواص، لاسيما الاقتصادية منها، أن هذه الفكرة لم يعد يؤمن بها حتى أشد الناس لبرالية، وهذا بعد الفراغ الخطير الذي ولده غياب الدولة عن تنظيم النشاط الاقتصادي، وما انجر عنه من أزمات، ليس في الاقتصاد فحسب وإنما على مستوى كل الأصعدة.
ولكن رغم هذا الإيمان الذي لم يعد فيه أي ريب في أن تدخل الدولة في الاقتصاد بالأخص وفي كل المجالات، أصبح يشكل أكثر من ضرورة، إلا أن هناك هاجس داخلي في نفوس اللبراليين، يقوم بدور المعترض على عدم اكتفاء الدولة عن مجرد لعب دور الحارس فقد إلى دور أوسع، وهذا التخوف لم يأتي من فراغ، وإنما لان الطبيعة المركزية للدول الحالية تجعل من الصعب التمتع بمزايا اللبرالية مع مزايا التخطيط المركزي، لهذا فهذا التخوف له ما يبرره.
ومن هنا وبغض النظر عن حقيقة وجود تدخل الدولة في تسيير الاقتصاد في اكبر الدول لبرالية، رغم ما يحاول الترويج له على خلاف ذلك، وبالعودة لنظام الأهرامات فان دور القطاع الخاص لا يختلف في شيء عن دوره في الأنظمة اللبرالية، إلا أن هذا القطاع سيستفيد من إرشاد وتوجيه دولة لا تشبه الفزاعة التي كان يخشاها الكثيرون، وإنما كما أصبح معلوم مما سبق؛ من خلال استقلال جزئي للمخططون والمشرعون في درجة بين استقلالية اللبراليين و تبعية الاشتراكيين عن الدولة، بل والأكثر من ذلك مساهمة مختلف المؤسسات في صناعة القرارات بالمشاركة مع المتخصصين في القطاع.
4.نظام الأهرامات وإشكالية تطبيق الشريعة الإسلامية:
مع اختلاف الأنظمة الموجودة اليوم في الدول العربية والإسلامية، لا يزال الناس يطرحون أسئلة محيرة يمكن أن تكون أهمها؛ كيف يمكن الثقة في الإسلاميين إذا وصلوا إلى السلطة بعد أن ادخلوا بعض البلدان في دوامة من الدماء ، كما أن هذه الشعوب مع شريحة واسعة من المثقفين، ترى أن هؤلاء الإسلاميين لا يملكون أي برنامج سوى القول بان الإسلام هو الحل، وهو الأصلح لكل زمان ومكان، بدون أن يحددوا الهياكل والشرايين التي ستسري فيها الأوامر الإلهية بشكل يعطي لكل ذي حق حقه، ولا يعترض على ذلك احد من الناس مهما كان اتجاهه ومستواه العلمي. وفي الوقت ذاته نجد أن نفس هذه الشريحة النخبوية التي تعارض حكم الإسلاميين، يعتقدون في أنفسهم أن الإسلام هو الحل وهو شعور يمتزج بشعور آخر يدفعهم للنفور من أصحاب الشعارات الإسلامية.
اضن أن هذا التناقض هو قمة الحيرة التي تعانيها مختلف اتجاهات الرأي العام العربي على الخصوص، كما أن السؤال المحير الآخر هو ما هو السبيل للتمتع بالنظام الديمقراطي رغم تناقضه مع الشريعة الإسلامية في كثير من النقاط، وفي نفس الوقت تطبيق تعاليم الإسلام ليتحقق الهدف المنشود وهو قوله تعالى "إن الحكم إلا لله" ؟.
يحاول نظام الأهرامات أن يمنح لهؤلاء المنادون بتطبيق الشريعة المحمدية الفرصة في حث المجتمع على تعاليم الإسلام، دون أن تقع عليهم مسؤوليات الارتقاء بالاقتصاد والتدخل في أمور معقدة على الصعيدين المحلي والدولي ليس لهم خبرة ولا قدرة على الخوض فيها، وتتمثل هذه الخطوة في خلق هرم خاص بالشريعة المحمدية، تنسجم فيه جميع التيارات الإسلامية، وتحاول أن تقدم الأسس التي يدعون من خلالها إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، دون إثارة حساسية المعارضين لهم، مع عدم التنازل عن حكم من أحكام الله كما يفعل البعض منهم اليوم حينما يقدمون على نسخ آيات بدون ناسخ، وتحريف المعاني لتتماشى مع قيم الغرب.
ولا يمكن أن تبرز ملامح الدولة التي يصبون إليها إلا من خلال توضيح مهام هرم الشرع الإسلامي، والتي يمكن أن نحصر بعضها في المساهمة في تسيير هرم القضاء في الدول الإسلامية، والذي يأخذ قوانينه من كتاب الله وسنة نبيه، كما يملك حق الاعتراض على مستوى هيئة الحكماء، وحق مراقبة الأهرامات الناشطة في بلاد الإسلام، والتكفل بما هو مخول لوزارات الشؤون الدينية في الدول الحالية من تكوين للائمة والمصلحين، وفرض مادة الشريعة الإسلامية على مستوى جميع التخصصات، حتى يعمل كل ناشط في مختلف الأهرامات وفقا لهذا الدين، أو على الأقل لابد أن يعلم كل مختص مقاصد الشريعة حتى يسعى لتحقيقها، كما عليه أن يعلم الخطوط الحمراء التي لابد أن لا يجتازها، إلا في حالة حدوث أمور مستجدة في المجال، والذي على هرم الشريعة أن يكون له اجتهاداته فيها لضمان تطور الشريعة مع العصر الحديث، ويتكيف هرم الشرع مع الأهرامات الأخرى، مع تعميل العقل فيما لا نص له في الكتاب والسنة، و الابتعاد عن المفاهيم التي هي موضع نقاش واختلاف، تفرق أكثر مما تفيد، ومن ثمة الإتيان بغيرها.
ومنه فهرم الشرع قد يكون مجرد هرم ثانوي تابع لهرم الأديان حتى ولو كان يشكل الإسلام دين الأغلبية في الدول التي فيها عدة ديانات، كما قد يكون هرم كلي، وفي الحالتين فالهرم مستقل في تسيير شؤون المسلمين في ما يخص دينهم، وهو لا يختلف في تنظيمه عن الأهرامات الأخرى، حيث نجد له فروع حسب الأهرامات الأخرى، فنجد مؤسسات إسلامية خاصة بالتشريع لهرم الزراعة، وأخرى لهرم البيئة... وفي هذه النقطة أعتقد أنه لا ضير أن يستعير العلماء بعض المناهج في القطاعات الأخرى لاستخلاص الأحكام الشرعية في إطار النصوص، أو حتى الاعتماد على دراسات في مجال معين لنفس الغرض باعتبار أنه لا تعارض بين العقل والنقل، كالاعتماد على علماء الطب في تحديد مثلا عدد الرضعات الكافية للتأكد من ثبوت الأمومة بالرضاعة، وهكذا..
كما قد يكون لهرم الشرع نظام خاص في حالة تعدد المذاهب والطوائف الإسلامية في الدولة الواحدة، كأن ينشأ هرم ثانوي لكل طائفة، أو يخلق نوع من التوافق.
ويمكن القول في الأخير أن وجود هرم للدين قد يفهم منه عزل الدين عن السياسة أو عن الدولة في إطار ما يسمى بالعلمانية، بيد أن هذا الفصل الذي نتحدث عنه لا يشبه الفصل الأول في شيء، باعتبار أنه فصل إداري فحسب، ويبقى التفاعل قائم سواء بين المؤسسات الدينية والمجتمع ككل من جهة، أو بين هذه المؤسسات ومختلف القطاعات بما يضمن عدم التعدي على الحدود التي عينها الله لعباده، بل سيصبح للأحكام الشرعية قبول أكبر حتى لدى عدم المتدينين إذا دعمتها ونادت إليها أهرامات مثل هرم الصحة، أو البيئة، أو أي هرم من الأهرامات التي وقفت على الحكمة منها بالدليل العقلي.
5.نظام الأهرامات والقومية:
من أهم التيارات التي لعبت أدوار بارزة في الحِراكات الشعبية، وطبعت التوجهات النخبوية في أوطاننا العربية خلال القرنين الماضيين، لاسيما إبان فترة الاحتلال الأجنبي وما يليها مباشرة، نجد فكرة القومية العربية، والرغبة في تكوين كيان عربي موحد في مواجهة الأطماع الخارجية، وبناء مجد قومي على غرار ما حدث في دول غربية مثل الوحدتين الألمانية والايطالية؛ ولكن رغم مشروعية أحلام العرب، إلا أن هذه الأحلام تبقى مجرد شعارات، تصطدم بتطلعات أخرى مثل المنادون بدولة على أساس ديني وليس قومي، أو على أساس مدني، أو اقتصادي، ونظرا لحدة الخلافات لم يتحقق أي هدف، حتى أنه في السنوات الأخيرة لم نعد نسمع في أوساط الشباب المثقف وغيره، مثل هذه التوجهات، أي أنه من لم يكفر منهم بهذه الشعارات، لا نجده يعطيها الاهتمام الكافي ولا الحماس الذي كان عند النخب الهرمة، والذي بدأ يخبوا كذلك عند هذه الأخيرة شيئا فشيئا، لأنهم أدركوا أن كل ما قاموا به من جهود، وقدموا في سبيله من تضحيات عبر عقود طويلة لم يحقق لهم ما كانوا يصبون إلى تحقيقه.
ومنه إذا نظرنا إلى فكرة القومية كمفتاح للتحقيق كل تلك الأحلام التي ضن القوميون أنه يمكنه تحقيقها، سنجد أن هذا المفتاح أصغر بكثير من الآمال التي عقدت عليه، والتي تتمثل بجملة واحدة، في إحياء مجد أمة بأكملها، ومن هذا الإدراك لابد من إعادة هذا العنصر إلى حجمه المعقول، وإدماجه في حلقة التفاعل في الدولة، ليلعب دور محدد في شكل هرم للغات، على غرار الأدوار التي تؤديها الأهرامات الأخرى، حيث يساهم في حماية اللغة وتطويرها، والسعي إلى الاندماج مع أهرامات اللغة من نفس النوع في الدول الأخرى، كما يمكن أن يتحقق حلم القوميون في بناء دولة قومية، ولكن بشكل مؤقت من خلال دولة الأولوية التي سيأتي بيانها..
قبل التحدث عن الصيغة التوافقية التي يقترحها هذا النظام مع أصحاب أهم التوجهات الفكرية المقترحة لبناء أنظمة سياسية مثالية، لابد من الإشارة إلى الهويات في هذا النظام:
1.الهويات في هذا النظام:
من المعلوم انه في أي دولة حديثة، هناك ما يعرف بالجنسية التي تمنح من قبل الدولة للأشخاص المنتمين إليها وفق شروط معينة تحددها القوانين السارية فيها من اجل تمييزهم عن غيرهم بحقوق وواجبات تجعل منهم مواطنيها، وبالنظر للهيكلة الفريدة لشكل الدولة وفق نظام الأهرامات، كان من الضرورة أن نعيد الصياغة لهذا الشكل القانوني من الهوية، سواء بإلغائها، أو ترسيم هويات أخرى إلى جانبها.
ومن هنا فالجانب القانوني للهويات في الدولة من الجيل الثاني تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
أ.هويات فرعية: وتتمثل في هوية الهرم.
وهي الهوية التي يمنحها كل هرم مستقل في الدولة للأفراد والمؤسسات الناشطة تحت سلطته، بحيث يميزهم عن غيرهم من الناشطين في الأهرامات الأخرى، بما يخولهم لان يكونوا مواطنين هرميين من حيث كونهم منتجين، فينالوا بذلك حقوقهم و يؤهلهم بأن يطالبوا بها، ويقوموا بواجباتهم، ويمكن غيرهم من محاسبتهم عليها، و تختلف معايير منح هذه الهوية من هرم لآخر، فقد تكون مبنية على شهادات علمية في الاختصاص، كما قد يتعدى ذلك إلى احتواء كل الكفاءات الممكن الاستفادة من قدراتها حتى ولو لم تملك شهادة علمية؛ وربما تبرز أهمية هذه الهوية في حالة اندماج هرمين، حيث يصبحان هرم واحد، وبالتالي فمنتجيهما أصحاب هوية واحدة، مستقلة عن كل الهويات الأخرى كالدينية أو العرقية، فلا وجود للتمايز بينهم إلا من خلال الكفاءة والعمل، أي أن أصحاب الهوية الإنتاجية تجمع بينهم رابطة واحدة هي وحدة المهنة، مما يجعل الجميع سواسية في الحقوق والواجبات، ولا يكون هناك تمايز إلا في الكفاءة والعمل، ومنه فوجود رتب بين العمال لا يؤثر في المساواة بينهم أمام قوانين الهرم.
والعبرة من استحداث هويات فرعية ليس التفريق بين أفراد الأمة، وإنما لحاجة دعتها الضرورة، فمتى انتفت الحاجة إلى التقسيم جنحنا إلى التجميع والتكتيل، فنجد أن الحقوق المتعلقة بها متعلقة بالهرم وليس بغيره، كما أن وجودها يعطي مرونة لحركية الاندماج بين الدول، بالإضافة إلى مزايا أخرى كتعزيز الانتماء المهني المبني على التنوع بدل الانطواء في الانتماءات العاطفية فحسب، وبناء على هذه الهوية يمكن للهرم الدفاع عن مواطنيه ومؤسساته أمام هرم آخر من حيث كونهم منتجين، أو مستهلكين في إطار المجال الذين ينشط فيه ، وفي حالة كونهم منتجين أو مستهلكين فيما يخرج عن هويتهم الإنتاجية فان البديل يتمثل في الهوية العامة، والتي يمنحها مجلسي المنتجين والمستهلكين، والتي سبق وأشرنا، تخول أصحاب الهوية الفرعية الوقوف في وجه الهرم دفاعا عن هرم آخر دون أن يؤثر في وضعهم من حيث كونهم 'مواطنين له'.
ب.هويات عامة: وتتمثل في:
ب.1.هوية الدولة: وهي تشبه ما يسمى بالجنسية التي تمنحها الدول اليوم لكل من يدين بالولاء للدولة، وتمنح هذه الهوية هيئة الحكماء.
ب.2.هوية المستهلكين: وهي هوية تمنح لكل من له صفة الاستهلاك لإحدى أهرامات الدولة سواء أكانوا يملكون هوية الدولة أم لا يملكونها، وسواء أكانوا أفراد أو مؤسسات، ومن هنا فهذه الهوية مرهونة بصفة الاستهلاك، متى زالت هذه الصفة تسقط الهوية عن صاحبها.
أما الجهة المسؤولة عن منح هذه الهوية فهو مجلس على مستوى هيئة الحكماء، سميناه بمجلس المستهلكين.
ب.3.هوية المنتجين العامة: وهي هوية لا تختلف في مميزاتها عن هوية المستهلكين، أما الجهة المانحة لها فهو مجلس موازي لمجلس المستهلكين على مستوى هيئة الحكماء، غير أن الفرق الجوهري يكمن في انتقال أصحابها من صفة الاستهلاك إلى صفة الإنتاج.
والغاية من استحداث هاتين الهويتين الجامعتين، وعدم إسناد للهرم مهمة الدفاع عن مواطنيه المتخصصين، في كل صفاتهم الإنتاجية أو الاستهلاكية الخارجة عن مجال تخصصهم، هو أن الهدف من الفصل بين القطاعات ليس خلق انقسامات بين الشعب الواحد، وإنما لتسهيل نشاطات كل قطاع.
أما الغرض من كل هذه الهويات، سواء الجامعة أو الفرعية، فهو خلق نوع من التوازن في الدولة بين مختلف الانتماءات حتى في نفس الفرد الواحد صاحب الانتماءات المتعددة، وكذلك خلق نوع من المرونة تحرر الفرد من قيود الهوية الواحدة من اجل الدفاع عن حقوقه، والاقتراب أكثر من الناس الذين يشاطرونه نفس الانتماء مهما كان شكله مما يساهم في الاندماج.
2.نظام الأهرامات والشيوعية:
لا أنكر في البداية قبل الحديث عن علاقة نظام الأهرامات بهذه الإيديولوجية، أن مصطلح الشيوعية قد يثير في نفوس الكثيرين بعض الاشمئزاز الفكري، نظرا للتصور السوداوي المرتبط بهذا المفهوم، والمستمد من الجرائم التي كانت ترتكبها الأنظمة الشيوعية، كما قد يبعث في أنفس البعض شعورا بالرثاء الممزوج بالتشفي والارتياح جراء الاعتقاد الشائع، حتى من قبل المستقلين فكريا عن أعداء الشيوعية التقليديين، بانقراض الشيوعيين وانفراط عقدهم.
ومن هنا يبرز التساؤل عن الغاية من محاولة التوفيق بين نظام وليد يحاول أن يعلن عن وجوده، بفكر 'سيئ السمعة'، حيث كلما أمكن التوفيق بينهما كلما تلونا معا بلون الليل الداكن، فتكون بذلك هذه المقارنة وأد غير مسؤول لنظام الأهرامات، كما أنها خطوة غير مبررة في ظل غياب شريحة واسعة من الشيوعيين، يمكن التضحية بغيرهم لكسب رضاهم ودعمهم.
- الإجابة عن هذه التساؤلات المنطقية جدا، يكمن في أن الهدف من هذه المقارنة ليس استمالة الشيوعيين فحسب، والذين هم في نظري أكثر عددا بكثير مما قد يتصور البعض، حتى ولو بشكل غير رسمي، بل هي محاولة إثبات أن أي فكرة جاءت لإزالة مشكلة، والتطلع للأفضل؛ حتى ولو كان البديل الذي جاءت به خاطئ، أو كانت لإثبات حقيقة؛ حتى ولو كان التطبيق الذي انتهجته غير منصف، أو للدفاع عن حق؛ حتى ولو كانت الطريقة المتبعة لإحقاقه، أشنع من الباطل الذي تحاربه، فان النية صحيحة، ولا يجب ننبذ أو نحارب أصحابها مباشرة، وإنما اقتراح البديل الأمثل لتطبيقها وتبيين الخطأ الذي وقعوا فيه أولا.
ومنه فنظام الأهرامات، جاء ليشاطر كل فكرة في هدفها السامي، دون أن يقصي أحد حتى ولو كانت صورة ذلك المذهب أو الاتجاه مشوهة لدى الكثيرين، حيث أن الشيوعية حتى ولو دعت للصراع وعدم الاستقرار، فإنها تنطلق من فكرة حسنة، تتمثل في رفع شعار نصرة المقهورين واثبات العدل الاجتماعي، وهذا الشعار في حد ذاته هو الذي دفع بالكثيرين إلى تبني مبادئها والتضحية بالنفس والنفيس من اجل تحقيقها، كما أن اللبرالية مهما قيل عنها، وشبه أربابها بمصاصي الدماء، فان أساسها هو الإيمان بحق الفرد في العمل والسعي إلى الاستقلال برأس ماله من اجل الاستثمار، وهذه الفكرة مشروعة ولا يحق إنكارها لشوائب لحقت بها كالإفراط في الحرية وتأليه الفرد، كما أن فكرة الحكم لله أو حق الشعوب في التمتع والتميز بخصوصيتها، أيضا لا يمكن إنكارها بحجة أن الهادفون إلى تحقيقها لم يوفقوا في اختيار الدرب الصائب لذلك.
ومن هنا فالتحرر الحقيقي الذي ينشده هذا النظام هو الإنعتاق والتحرر من التقوقع في أطر فلسفية ضيقة، وبدأ مرحلة جديدة من التعايش والتكامل بين الأفكار والطموحات.
-وبالعودة إلى الشيوعية نجد أن نظام الأهرامات يتوافق بشكل أو بأخر مع أطروحات الشيوعيين من خلال نقطتين أساسيتين:
أ.توحيد طبقة العمال:
حيث نستشهد دائما في هذا الصدد بصيحة كارل ماركس المدوية في أرجاء المعمورة حيث يقول: " يا عمال العالم اتحدوا".
أي أن الهدف من هذا النداء الذي يرمي للتكتل هو تكوين قوة عمالية لمواجهة البورجوازية من خلال ثورة لم يعد يؤمن بها حتى من بقي من الشيوعيين اليوم، نظرا للحقوق التي أصبح يحضا بها العمال، وكذا تعدد وسائل النضال النقابي، في ظل قوانين تكفل حق الإضراب، والإعلام والمعارضة في الكثير من البلدان حتى المتخلفة منها. بيد انه رغم ذلك لا تزال صيحة ماركس تتردد في نفوس هؤلاء، إيمانا منهم بدولة العمال التي لابد أن تأتي حسبهم ولو من خلال مادية تاريخية معدلة بالظروف الحالية، أما المبرر لقيامها فهو الأمر الذي يبقى مبهما مما يجعل طرحهم غير قابل للتسويق.
ومن خلال هذا النظام يمكن أن تتحقق طموحاتهم في توحيد هذه الطبقة من خلال ما أسميناه بهوية المنتجين، والتي سبق وان قلنا أن الغاية منها هو خلق ارتباط روحي أساسه الانتماء للمهنة، قد يقلل ويخفف من العصبيات الإثنية والعرقية، كما أن هذه الهوية الإنتاجية، تضمن لنا إلى حد ما صفة العالمية الشاملة التي عجزت كل الهويات إلى اليوم تحقيقها بشكل دائم.
ب.زوال الدولة:
يجب التذكير أولا أننا عند محاولتنا احتواء فئة معينة لا ننظر إلى النداء في حد ذاته الذي تدعوا إليه، وإنما إلى الأسباب التي دعتهم إلى تبنيه، فان كانت الأسباب معقولة والوسائل المتبعة خاطئة، كان بالمكان اقتراح البديل الأكثر واقعية، ومن هنا ونظرا لعدم مسايرة الجيل الأول من الدولة لطموحات الشيوعيين و من يسمون بالفوضويين بشكل عام، دعا هؤلاء إلى زوال الدولة، وهذا من الناحية الواقعية غير ممكن، لان الدولة في حد ذاتها مجرد نظام، والنظام كما هو معلوم أكثر من ضروري في أي مجتمع من المجتمعات، فكان البديل هو انه بدل إلغاء الدول يجب تغييرها بنوع آخر فكان هذا النموذج. فالمبرر الذي جاء به الشيوعيون لزوال الدولة، هو كونها أداة في يد القوى البرجوازية لقهر طبقة العمال، وفي النموذج الجديد للدولة هنالك حقيقتا سلطة لأصحاب المال والأعمال، إلا انه في مقابل ذلك هناك سلطة مضادة في صالح العمال، من حيث كونهم منتجين أو مستهلكين، ودور الدولة هو خلق توازن منفعي بين جميع الأطراف.
3.نظام الأهرامات واللبرالية:
إن الأمر الذي سيسهل علينا انتقاد كون الدولة مجرد حارس لمؤسسات الخواص، لاسيما الاقتصادية منها، أن هذه الفكرة لم يعد يؤمن بها حتى أشد الناس لبرالية، وهذا بعد الفراغ الخطير الذي ولده غياب الدولة عن تنظيم النشاط الاقتصادي، وما انجر عنه من أزمات، ليس في الاقتصاد فحسب وإنما على مستوى كل الأصعدة.
ولكن رغم هذا الإيمان الذي لم يعد فيه أي ريب في أن تدخل الدولة في الاقتصاد بالأخص وفي كل المجالات، أصبح يشكل أكثر من ضرورة، إلا أن هناك هاجس داخلي في نفوس اللبراليين، يقوم بدور المعترض على عدم اكتفاء الدولة عن مجرد لعب دور الحارس فقد إلى دور أوسع، وهذا التخوف لم يأتي من فراغ، وإنما لان الطبيعة المركزية للدول الحالية تجعل من الصعب التمتع بمزايا اللبرالية مع مزايا التخطيط المركزي، لهذا فهذا التخوف له ما يبرره.
ومن هنا وبغض النظر عن حقيقة وجود تدخل الدولة في تسيير الاقتصاد في اكبر الدول لبرالية، رغم ما يحاول الترويج له على خلاف ذلك، وبالعودة لنظام الأهرامات فان دور القطاع الخاص لا يختلف في شيء عن دوره في الأنظمة اللبرالية، إلا أن هذا القطاع سيستفيد من إرشاد وتوجيه دولة لا تشبه الفزاعة التي كان يخشاها الكثيرون، وإنما كما أصبح معلوم مما سبق؛ من خلال استقلال جزئي للمخططون والمشرعون في درجة بين استقلالية اللبراليين و تبعية الاشتراكيين عن الدولة، بل والأكثر من ذلك مساهمة مختلف المؤسسات في صناعة القرارات بالمشاركة مع المتخصصين في القطاع.
4.نظام الأهرامات وإشكالية تطبيق الشريعة الإسلامية:
مع اختلاف الأنظمة الموجودة اليوم في الدول العربية والإسلامية، لا يزال الناس يطرحون أسئلة محيرة يمكن أن تكون أهمها؛ كيف يمكن الثقة في الإسلاميين إذا وصلوا إلى السلطة بعد أن ادخلوا بعض البلدان في دوامة من الدماء ، كما أن هذه الشعوب مع شريحة واسعة من المثقفين، ترى أن هؤلاء الإسلاميين لا يملكون أي برنامج سوى القول بان الإسلام هو الحل، وهو الأصلح لكل زمان ومكان، بدون أن يحددوا الهياكل والشرايين التي ستسري فيها الأوامر الإلهية بشكل يعطي لكل ذي حق حقه، ولا يعترض على ذلك احد من الناس مهما كان اتجاهه ومستواه العلمي. وفي الوقت ذاته نجد أن نفس هذه الشريحة النخبوية التي تعارض حكم الإسلاميين، يعتقدون في أنفسهم أن الإسلام هو الحل وهو شعور يمتزج بشعور آخر يدفعهم للنفور من أصحاب الشعارات الإسلامية.
اضن أن هذا التناقض هو قمة الحيرة التي تعانيها مختلف اتجاهات الرأي العام العربي على الخصوص، كما أن السؤال المحير الآخر هو ما هو السبيل للتمتع بالنظام الديمقراطي رغم تناقضه مع الشريعة الإسلامية في كثير من النقاط، وفي نفس الوقت تطبيق تعاليم الإسلام ليتحقق الهدف المنشود وهو قوله تعالى "إن الحكم إلا لله" ؟.
يحاول نظام الأهرامات أن يمنح لهؤلاء المنادون بتطبيق الشريعة المحمدية الفرصة في حث المجتمع على تعاليم الإسلام، دون أن تقع عليهم مسؤوليات الارتقاء بالاقتصاد والتدخل في أمور معقدة على الصعيدين المحلي والدولي ليس لهم خبرة ولا قدرة على الخوض فيها، وتتمثل هذه الخطوة في خلق هرم خاص بالشريعة المحمدية، تنسجم فيه جميع التيارات الإسلامية، وتحاول أن تقدم الأسس التي يدعون من خلالها إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، دون إثارة حساسية المعارضين لهم، مع عدم التنازل عن حكم من أحكام الله كما يفعل البعض منهم اليوم حينما يقدمون على نسخ آيات بدون ناسخ، وتحريف المعاني لتتماشى مع قيم الغرب.
ولا يمكن أن تبرز ملامح الدولة التي يصبون إليها إلا من خلال توضيح مهام هرم الشرع الإسلامي، والتي يمكن أن نحصر بعضها في المساهمة في تسيير هرم القضاء في الدول الإسلامية، والذي يأخذ قوانينه من كتاب الله وسنة نبيه، كما يملك حق الاعتراض على مستوى هيئة الحكماء، وحق مراقبة الأهرامات الناشطة في بلاد الإسلام، والتكفل بما هو مخول لوزارات الشؤون الدينية في الدول الحالية من تكوين للائمة والمصلحين، وفرض مادة الشريعة الإسلامية على مستوى جميع التخصصات، حتى يعمل كل ناشط في مختلف الأهرامات وفقا لهذا الدين، أو على الأقل لابد أن يعلم كل مختص مقاصد الشريعة حتى يسعى لتحقيقها، كما عليه أن يعلم الخطوط الحمراء التي لابد أن لا يجتازها، إلا في حالة حدوث أمور مستجدة في المجال، والذي على هرم الشريعة أن يكون له اجتهاداته فيها لضمان تطور الشريعة مع العصر الحديث، ويتكيف هرم الشرع مع الأهرامات الأخرى، مع تعميل العقل فيما لا نص له في الكتاب والسنة، و الابتعاد عن المفاهيم التي هي موضع نقاش واختلاف، تفرق أكثر مما تفيد، ومن ثمة الإتيان بغيرها.
ومنه فهرم الشرع قد يكون مجرد هرم ثانوي تابع لهرم الأديان حتى ولو كان يشكل الإسلام دين الأغلبية في الدول التي فيها عدة ديانات، كما قد يكون هرم كلي، وفي الحالتين فالهرم مستقل في تسيير شؤون المسلمين في ما يخص دينهم، وهو لا يختلف في تنظيمه عن الأهرامات الأخرى، حيث نجد له فروع حسب الأهرامات الأخرى، فنجد مؤسسات إسلامية خاصة بالتشريع لهرم الزراعة، وأخرى لهرم البيئة... وفي هذه النقطة أعتقد أنه لا ضير أن يستعير العلماء بعض المناهج في القطاعات الأخرى لاستخلاص الأحكام الشرعية في إطار النصوص، أو حتى الاعتماد على دراسات في مجال معين لنفس الغرض باعتبار أنه لا تعارض بين العقل والنقل، كالاعتماد على علماء الطب في تحديد مثلا عدد الرضعات الكافية للتأكد من ثبوت الأمومة بالرضاعة، وهكذا..
كما قد يكون لهرم الشرع نظام خاص في حالة تعدد المذاهب والطوائف الإسلامية في الدولة الواحدة، كأن ينشأ هرم ثانوي لكل طائفة، أو يخلق نوع من التوافق.
ويمكن القول في الأخير أن وجود هرم للدين قد يفهم منه عزل الدين عن السياسة أو عن الدولة في إطار ما يسمى بالعلمانية، بيد أن هذا الفصل الذي نتحدث عنه لا يشبه الفصل الأول في شيء، باعتبار أنه فصل إداري فحسب، ويبقى التفاعل قائم سواء بين المؤسسات الدينية والمجتمع ككل من جهة، أو بين هذه المؤسسات ومختلف القطاعات بما يضمن عدم التعدي على الحدود التي عينها الله لعباده، بل سيصبح للأحكام الشرعية قبول أكبر حتى لدى عدم المتدينين إذا دعمتها ونادت إليها أهرامات مثل هرم الصحة، أو البيئة، أو أي هرم من الأهرامات التي وقفت على الحكمة منها بالدليل العقلي.
5.نظام الأهرامات والقومية:
من أهم التيارات التي لعبت أدوار بارزة في الحِراكات الشعبية، وطبعت التوجهات النخبوية في أوطاننا العربية خلال القرنين الماضيين، لاسيما إبان فترة الاحتلال الأجنبي وما يليها مباشرة، نجد فكرة القومية العربية، والرغبة في تكوين كيان عربي موحد في مواجهة الأطماع الخارجية، وبناء مجد قومي على غرار ما حدث في دول غربية مثل الوحدتين الألمانية والايطالية؛ ولكن رغم مشروعية أحلام العرب، إلا أن هذه الأحلام تبقى مجرد شعارات، تصطدم بتطلعات أخرى مثل المنادون بدولة على أساس ديني وليس قومي، أو على أساس مدني، أو اقتصادي، ونظرا لحدة الخلافات لم يتحقق أي هدف، حتى أنه في السنوات الأخيرة لم نعد نسمع في أوساط الشباب المثقف وغيره، مثل هذه التوجهات، أي أنه من لم يكفر منهم بهذه الشعارات، لا نجده يعطيها الاهتمام الكافي ولا الحماس الذي كان عند النخب الهرمة، والذي بدأ يخبوا كذلك عند هذه الأخيرة شيئا فشيئا، لأنهم أدركوا أن كل ما قاموا به من جهود، وقدموا في سبيله من تضحيات عبر عقود طويلة لم يحقق لهم ما كانوا يصبون إلى تحقيقه.
ومنه إذا نظرنا إلى فكرة القومية كمفتاح للتحقيق كل تلك الأحلام التي ضن القوميون أنه يمكنه تحقيقها، سنجد أن هذا المفتاح أصغر بكثير من الآمال التي عقدت عليه، والتي تتمثل بجملة واحدة، في إحياء مجد أمة بأكملها، ومن هذا الإدراك لابد من إعادة هذا العنصر إلى حجمه المعقول، وإدماجه في حلقة التفاعل في الدولة، ليلعب دور محدد في شكل هرم للغات، على غرار الأدوار التي تؤديها الأهرامات الأخرى، حيث يساهم في حماية اللغة وتطويرها، والسعي إلى الاندماج مع أهرامات اللغة من نفس النوع في الدول الأخرى، كما يمكن أن يتحقق حلم القوميون في بناء دولة قومية، ولكن بشكل مؤقت من خلال دولة الأولوية التي سيأتي بيانها..