تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل الأنس مع القرآن الكريم : مفاهيم يجب أن تُعرف. بقلم المختار العروسي البوعبدلي


المختار العروسي البو
2009-03-06, 12:51
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بســــــم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) }
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " }

فيا أيها الأخ الكريم إن القصد في القول وجه الله حتى يكون الجزاء الحسن من باب أخذ العلم الصحيح من مصادره الأصلية مهما كان في سبيل تحصيل العلم والمعرفة. واليوم نطرق موضوعا قد يهتم له الكثير منا لنصوغه في السؤال التالي : هل توصل العالم إلى ضبط مفهوم الإرهاب؟ أم أنه ما زال هنالك الكثير من التعريفات له التي قد تتناقض تماما؟
وحسب قراءاتي البسيطة المتواضعة ولا أزكي نفسي على الله لم أجد تعريفا مضبوطا يبين المراد من لفظ الإرهاب كمفهوم. ومن هذا الذي نحن في صدد الحديث عنه من خلط بين عدة مفاهيم كاعتبار مصادرة الرأي إرهابا. وربطها بالمفهوم الديني له، وهذا ما لا يقبل من باب التحريف والتزييف واللعب بالألفاظ حتى يؤخذ الدين هزوا. و أن يترك العلم لغير أهله. لعلك يا أخي القارئ صادفت في قراءتك الكثيرة المتعددة ما لم يثلج صدرك فيما كان من خلاف واختلاف في أنماط الفكر الإنسانية، وما كان من خلاف واختلاف في نمطية الفهم والممارسة بالنسبة للتيارات الإسلامية، وبالأحرى الفرق الإسلامية.
وأنصح نفسي وإياك الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الموقف قول الله تعالى في ذكره لفظ الإرهاب، آخذين اللغة العربية مصدر أساسي للفهم دون إقحام المفاهيم والمصطلحات الغربية في الأثر من النقل ومن نتاج العقل العربي المسلم.فنحن أمة تقرأ النقلَ بالعقل ويحكم النقلُ العقلَ
قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} الأنفال
الإعداد مرتبط بالإنفاق، والإنفاق مرتبط بالإرادة والقدرة والاستطاعة، والقوة إحدى ركائز الأمن القومي الداخلي والخارجي وفق ما تقتضيه إستراتيجية البناء المؤسسي والفردي،تحت مفهوم الدولة حسب ما كان من العلم بالجغرافيا من حيث الحدود والطبيعة والموارد والتبادلات البينية الداخلية والخارجية والاجتماع وغير هذا، المحمولة على التشريع المعمول به في الداخل مع مراعاة التداخل فيما كان من العلاقات الدولية بما تقتضيه المصلحة العامة، من غير تفريط في السيادة. ولا نطيل الكلام في هذا الموضع لما نحن في صدد الحديث عنه ألا وهو مفهوم الإرهاب كعربي ومسلم. وللوصول إلى هذا فعلينا الرجوع إلى القرآن الكريم، الذي نعتبره و نعتقده مع السنة الشريفة طبعا المصدر الأول والأخير في التعامل مع ما يعترضنا خلال تناولنا للمفاهيم، هذه المفاهيم التي نؤكد على أنها العامل الأساسي في عملية تكوين وبناء التصور الفردي والجماعي والمجتمعي بصورة أتم.
ومن خلال ما ذكرناه من إعداد وإنفاق وإرادة وقدرة واستطاعة وقوة نخلص إلى لفظ ترهبون المتعلق من جانب الزمن بالحاضر والمستقبل في ما يكون من الوقت الطبيعي وما
يكون فيه من أحداث مستجدة مرتبطة أساسا بالصراع المادي بين المتخاصمين. ومحصور فيما كان من ممارسة الاعتداء قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190 }البقرة
و قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) }البقرة
و قال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }البقرة
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) }المائدة
و قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) }النساء
وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً(1) }الطلاق
فالاعتداء تخطٍ للحدود الإنسانية و القانونية أخلاقيا وعمليا، من محاولة إرغامٍ و فرضٍ لنمط فكري معين و خاص، نتيجة الاختلاف حول المتناقضات، لغاية سلب الثروات و هدم حضارة الـمُعتدى عليه أو تغييرها. أو تغيير القناعات أو جلب المصالح من غير باب شرعي. فالاعتداء فعل إفساد للحال بكل أنواعه و أشكاله، و يكون الاعتداء بين الأشخاص و الجماعات والدول. ودفع الاعتداء واجب شرعي.
قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) }البقرة
والعدوان هنا يأخذ معنى السبق في إتيان الحق على من ظلم.
ومن هذا نرجع إلى لفظ الإرهاب.
فالإرهاب قيمة عملية مضبوطة بقوانين شرعية لا يكون إلا من قوة يُراد منها الإصلاح . وهو بعث شعور الخوف و الوهن في نفس العدو لا المخالف الرأي للانكفاء عن ممارسته العدوانية الباطلة، من غير خروج عن القوانين والتشريعات، فهو قيمة عملية أخلاقية لكف العدو عن الاعتداء ، فإن لم يكن هذا فهو إسترهاب .
و الإسترهاب فعل يراد منه غاية توافق الرؤية العقلية الوضعية لا الدينية الشرعية .
لقوله تعالى: { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)} الأعراف.
واللفظ من قوله "عدو الله ": فهو من كان سباقا في مخالفة دين الحق وشأنه مع الله.
و أما اللفظ من قوله تعالى " عدوكم ": فالعدو هو الذي يمارس فعل الاعتداء عمليا لاستباق النيل ممن يراه خصما .
وما وسود في الفهم العام لمفهوم الإرهاب فهو مستمد من قول الغرب بأن الإرهاب فعل إجرامي إذ هو نتيجة :
أولا: إلى ترجمة خطأ للفظ ( terror بالانجليزية أو terrorism بالفرنسية)
المرتبطة بفعل القتل لغاية دنيوية أو للانتقام أو المتعة .
ثانيا: محاولة قلب وتشويه اللفظ القرآني وتحريف معانيه، حتى أن اغلبنا صار يستهجن لفظة الإرهاب حتى وإن قرأها في الآية الكريمة قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} الأنفال .
وهذه الآية نعتبرها آية تصف وتبرز معنى المقاومة و الممانعة و الردع و السلم، ففيها نص يأمر بردع ورد الاعتداء بكل القوة المتاحة و الموجودة المحدودة الممارسة بنصوص شرعية لا يجوز تعديها.
ثم أنه قد يتحدث المتحدث ويكثر الكلام حول الإرهاب بحيث أنه يريد طرق مفهوم الغلو الذي نقول فيه أنه حاصل الإفراط، ليكون منه المبالغة في الممارسة وخروج الحال عن المراد من التشريع. بمعنى أن لا يكون المتكلم خارجا عن أمر الله فيما تعلق بفكره ونظامه وممارسته.
بعد أن تطرقنا إلى لفظ الإرهاب نأتي إلى مصادرة الرأي وهذا مرفوض شرعا فلا أكراه في الدين ولا إرغام عليه ولا ردة بعد الإسلام وإن كانت فلها حدها المعلوم. وهذا ما يأخذنا إلى التعايش المشترك في حال الاتفاق حول المتناقضات. قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} الحجرات لنخلص مما في معانيها إلى:
أن النظام القبلي فطرة ربانية جبل الناس عليها من غير تمييز لما يعتقدون، فالقبيلة هي التركيبة الأساسية للشعوب، وطبيعة الممارسة داخل القبيلة تضامنية تكتلية جمعية نتيجة لروابط النسب، و الاتفاق شبه الكلي للشخصية العامة، وغيرها من العوامل والروابط، وهذا ما يعطيها صبغة التشابك المتجانس في طبيعة الفكر و النظام و الممارسة. فقول الله تعالى من الآية 13 من سورة الحجرات { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا }نرى فيها أن التعارف يبين حقيقة تبادل المصالح والحاجات وبناء للعلاقات بين الجماعات، والدول وفق استراتيجيات مدروسة تبنى على أساس مراعاة الأمن القومي و..... فهي تتناول القيم الإنسانية الثابتة من غير تناول لطبيعة الاعتقاد، والتعارف يكون فيه مواضع تقاطع ومواضع اختلاف، وقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }، القصد فيها جانب الاعتقاد، و الاعتقاد من باب القيم المتحولة. و قال النبي صلى الله عليه وسلم :{لا فضل لعربي على عجمي، و لا لعجمي على عربي، و لا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى. الناس بنو آدم، و آدم من تراب}
فالتنظيم القبلي، يعد دعامة لترسيخ مبدأ الوحدة، و اتخاذ التنافس قيمة للتعاون الصالح لإصلاح الحال، التنافس الإيجابي الذي يساهم فيه الفرد و الجماعة في التنمية بأشكالها المختلفة، و يكون الأداء مُراقبا محكوما بما اتُفِقَ عنه من دستوريات.
أي ممارسة النظام الداخلي وفق ما تقتضيه طبيعة النظام القبلي، و طبيعة النظام القبلي محكومة بالقواعد العامة و الشاملة المستمدة مما اِعْتُمِدَ من فئة النظام كدستور.
عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم) رواه مسلم والبخاري.
ومن هذا نستخلص حقيقة التعايش المشترك داخل المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المتعددة. فمصادرة الرأي لا تجوز شرعا إلا من باب مخالفة النص الصريح أو التأويل من غير علم. وقد يقول القائل لقد ركزت على لفظ القبيلة ومن باب أول كان لك أن تتناول مفهوم مصادرة الرأي . لأقول الواجب العلم بحقيقة التنظيمات البشرية حتى يكون الأدب في إبداء الرأي واحترام الرأي الأخر. لأن لكل قوم أعرافهم وتقاليدهم ويؤخذ بها ما لم تخالف الشرع. وهذا يدخل في إطار وجوب عدم مصادرة الرأي. ثم إن مصادرة الرأي تكون نتيجة للغلو أو لوجود مصالح قد تمس وهذه مجالاتها كثيرة وأهمها السياسي. هذا الذي يسيطر على كل شيء ويستحوذ النفوس فتصبوا إلى إتيان الأمر بكل الوسائل المتاحة والتي اليوم الكثير والكثير منها غير مشروع لا عرفا ولا شرعا ولا خلقا.
والغلو في كل شيء مذموم غير جائز مهما كان نمط الفكر والنظام والممارسة . وأما ما كان من الرد على المخالف بالكلمة فالأدلة كثيرة على ذلك ومنها ما كان عن البراء قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان بن ثابت : " أهج المشركين فإن جبريل معك " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان : " أجب عني اللهم أيده بروح القدس " . متفق عليه . والهجاء معلوم في لغة العرب. والرد على ممارسته العملية يكون بها .، بمعنى حال الاعتداء. وأما القول في التطرف ففيه: أن التطرف هو الأخذ بالطرف الأقرب أي أول الأمر طلبا للوصول إلى الطرف الأبعد (الأخير) أي آخر الأمر.
قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105}آل عمران، و حبل الله له طرفان، أول طرفيه بداية الإسلام أي شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله، وآخر طرفيه ابتغاء بلوغ الجنة، وما بين الطرفين إنما فكر ونظام وممارسة وفق القاعدة القائلة نحن قوم نقرأ النقل بالعقل ويحكم العقل النقل. فالأخذ بطرف الشيء لا يعني الخروج عن قوانينه وتشريعاته وإنّّما إتيانه حسب الإرادة و القدرة من غير تحريف ولا تزييف له أو فيه، والخروج عنه يعني الإفراط أو التفريط، وعلى هذا فالتطرف هو الأخذ بأول الأمر للوصول إلى آخره، أو الأخذ بأحد الطرفين. وإذا ارتبط لفظ التطرف بلفظ ما فإنه يأخذ معنى ما ارتبط به. ولفظ الطرف يأخذ معاني مختلفة حسب موقعه من الكلام مما قاله عمرو بن العاص في يوم أحد:
سلس إذا نكبن في البيداء * يعلو الطرف علوا
والقول:طرف من أطراف الأرض. والقول طرف السيف. والقول طرفي الإفراط والتفريط ومنه فما بين الطرفين يعبر عن التزام بالشرع بدرجات مختلفة، وأما الخروج عن الطرفين فيكون إفراطا أو تفريطا.والتفريط هو : الإهمال في إتيان القوانين والتشريعات فتركها، والرجوع في الممارسة إلى ما توحي به الغرائز، فـيُتجاوز الحق فيه للعبث.
وأما الإفراط فهو: وهو المبالغة في الأداء بتحميل القوانين و التشريعـات ما ليس فيها، إذ يوصل الإنسـان إلى ممارسة خارجة عن نطاق القوانين الشرعية، ومنه الوصول إلى الغلو في الممارسة.
وأما الاعتدال فهو: الأخذ باليسر في الممارسة من غير تأويل لنصوص الأحكام الشرعية لتتوافق والمصالح والحاجات، بل تكييف المصالح والحاجات لتتوافق و تخدم النصوص الشرعية.
وأما الغرور فهو: قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) }الانفطار.
الغرور هو ذلك الإدراك الإنساني الذي يصاحبه الكبر من فهمه لطبيعة قوانين الأشيـاء،
مما يُكوِّن عنده شعورا بالفوقية عن فهم طبيعة قوانينه في مظهرها التركيبي، و كأن المعرفة بالشيء تعطي حق السمو عنه في المرتبة، و هذا حال أهل الكفر بشتى أنواعه و منه فهو الفهم الحاصل عن عمل عقلي محدود لطبيعة القوانين الـخَلقية للأشياء، لا يتجاوز منه أيْ فهمه فهم الـخَلق من حيث الأداء الوظيفي لها، إنما فهم عملية التسخير للأشياء، و هذا من تعاظم الأنا إن صح القول، الذي تترسب منه النظرة الدونية للغير، فأول الكبر غرور و الغُلو فيه كفر.
والغرور كثيرا ما يقع فيه الإنسان من علم أو بغير علم وقصد .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه اللهم إن أصبنا فمنك وإن أخطأنا فمن أنفسنا ومن الشيطان . الله تقبل منا ما كان من نياتنا وجازانا بها خير الجزاء.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
توقيع : المختار العروسي البوعبدلي