halimhard
2009-03-05, 00:34
* مدارس الشعر العربي الحديث *
بدأت مع النصفالثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بشائر نهضة فنية في الشعر العربي الحديث،وبدأت أول أمرها خافتة ضئيلة، ثم أخذ عودها يقوى ويشتد حتى اكتملت خلال القرنالعشرين متبلورة في اتجاهات شعرية حددت مذاهب الشعر العربي الحديث، ورصدتات
جاهاته.
وكان لما أطلق عليه النقاد مدارس الشعر أثر كبير في بلورة تلكالاتجاهات التي أسهمت في بعث الشعر العربي من وهدته كما عملت على رفده بدماء جديدة،مستفيدة من التراث العالمي آخذةً ما يوافق القيم والتقاليد.
وتعد مدرسةالإحياء والديوان وأبولو والمهجر والرابطة القلمية والعصبة الأندلسية وجماعة مجلةالشعر أشهر هذه المدارس، إذ إنها قدمت الجانب النظري وأتبعته بالجانب العمليالتطبيقي؛
فكان نقادها يُنَظِّرُون وشعراؤها يكتبون محتذين تلك الرؤىالنقدية
. وسنورد هنا كلمة موجزة عن كل مدرسة من هذه المدارس.
- - - - -
* مدرسة الإحياء *
مدرسة الإحياء: يمثِّل هذه المدرسة من جيل الرواد محمود سامي البارودي، ثم أحمد شوقي، ومنعاصره أو تلاه مثل:
حافظ إبراهيم وأحمد محرم وعزيز أباظة ومحمود غنيم وعليالجندي وغيرهم.
وهذه المدرسة يتمثّل تجديدها للشعر العربي في أنها احتذتالشِّعر العباسي، إذ تسري في قصائد شعرائه أصداء أبي تمام والبحتري والمتنبيوالشريف الرضيّ.
فتجديدها إذن نابع من محاكاة أرفع نماذج الشعر وأرقى رموزهفي عصور الازدهار الفني، وبخاصةالعصرالعباسي.
لا ينبغي تجاهل عنصر الطاقة الذاتية الفذّة التي كانتلدى كل من رائدي هذه المدرسة خاصة، وهما: البارودي وشوقي.
لقد قرآ التراثالشعري قراءة تمثل، وتذوقا هذا التراث، وأعانتهما الموهبة الفذّة على إنتاج شعرجديد لم يكن لقارىء الشعر الحديث عهد به من قبل، إذ قبيل اشتهار البارودي عرف الوسطالأدبي شعراء أمثال:
علي الليثي ، وصفوت الساعاتي ، وعبدالله فكري ،
غلبت على أشعارهم الصنعة اللفظية، واجترار النماذجالفنية في عصور الضعف، والاقتصار على المناسبات الخاصة مثل تهنئة بمولود، أو مداعبةلصديق، هذا إلى مدائح هؤلاء الشعراء للخديوي وغيره، مع افتقار إبداعاتهم الشعريةللتجربة والصدق الفني.
لقد ابتعد الشعر العربي إذن، قبل البارودي، عنالنماذج الأصيلة في عصور الازدهار، كما افتقد الموهبة الفنية.وبشكل عام، فإن فنالشعر قبل البارودي قد أصيب بالكساد والعقم.
ولقد برزت عوامل شتى أعادتللشعر العربي، على يد البارودي وشوقي، قوته وازدهاره، فإلى جانب عامل الموهبة، فإنمدرسة البعث والإحياء كانت وليدة حركة بعث شامل في الأدب والدين والفكر؛
!!!
إذ أخرجت المطابع أمهات كتب الأدب ـ خاصة ـمثل:
الأغاني ، ونهج البلاغة ، ومقاماتبديع الزمان الهمذاني،كما أخرجت دلائل الإعجازوأسرار البلاغةلعبد القاهر الجرجاني،
وكان الشيخمحمد عبدهقد حقق هذه الكتب وسواها، وجلس لتدريسهالطلاب الأزهر ودار العلوم، فضلاً عن الصحوة الشاملة في شتَّى مرافقالحياة،
والاتصال بالثقافة الحديثة وصدور الصحف والمجلات، وانتشارالتعليم.
ولقد عبر البارودي عن مأساة نفيه، في أشعاره، بأصدق تجربةوأروع لغة، وترك ديوانًا عده الدارسون بكل المقاييس، البداية الحقيقية لنهضة الشعر،والصورة الجلية لرائد مدرسة الإحياء والبعث.
وإذا كانالباروديقد أعاد للشعر العربي ديباجته، فإن أحمد شوقي ، فيحدود نزعته التقليدية ، قد مضى بما خلفه البارودي أشواطًا بعيدة بمسرحه الشعريوقصصه التعليمي على لسان الحيوان، وقصائده الوطنية والعربية والإسلامية، وبتعبيرهالشعري عن أحداث عصره وهمومه.
كما كان لثقافته الفرنسية أثر واضح فيما أحدثهمن نهضة شعرية تجاوزت الحدود التي وقف البارودي عندها، وكان شوقي قد قرأ كورني وراسين و لافونتين ، بل قرأ شكسبير ، وتأثر به كثيرا في مسرحه الشعري.
ومعهذا، فإنأحمد شوقيلم يتجاوز النزعة الغنائية، حتى فيمسرحه الشعري، وبدا واضحًا أن شوقي قد جعل من المسرح سوق عكاظ عصرية، يتبادل فيهاشخوص مسرحياته إلقاء الأشعار في نبرة غنائية واضحة.
- - - - -
* جمــاعة الـديـوان *
جماعةالديوان: أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الكتاب النقدي الذي أصدره عباسمحمود العقّاد وإبراهيم عبد القادر المازني (1921م) وشاركهما في تأسيس هذه الجماعة عبد الرحمن شكري.
انظر: العقاد، عباس محمود؛المازني، إبراهيم عبد القادر؛ شكري، عبد الرحمن.
تُعد هذه الجماعة طليعةالجيل الجديد الذي جاء بعد جيل شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران.
وكانتالجماعة التي تزعمتها قد تزودت بالمعارف والثقافة الغربية، وقد حرصت هذه الجماعةعلى أشياء ودعت إليها ، منها:
الدعوة إلى التعبير عن الذات بتخليص الشعر من صخب الحياة وضجيجها .
2- الدعوة إلى الوحدة العضوية في الشعر بحيث تكون القصيدة عملاً متكاملا ً.
3- الدعوة إلى تنويع القوافي والتحرر من قيود القافية الواحدة .
4- العناية بالمعنى والاتجاه التأمُّلي والفلسفي
. 5- تصوير جواهر الأشياء والبعد عن مظاهرها .
6- تصوير الطبيعة وسبر أغوارها والتأمُّل فيما وراءها.
والديوان كتاب في النقد، شارك في إخراجه العقاد والمازني، وكان العزم على أن يخرج هذا الكتاب في عشرة أجزاء، غيرأنه لم يخرج منه سوى جزءين.
وهو كتاب موجّه نحو نقد القديم، حاول فيه العقاد تحطيم زعامة شوقي الشعرية؛
فهاجم أساليب شوقي، وعاب شعره وشعر حافظ إبراهيم في السياسة والاجتماع، لكون عواطفهما سطحية تقف عند القشور دون اللُّباب، ولكون الشعر الصحيح هو الذي يتعمق وراء القشور ويعبّر عن سرائر الأمة وجوانبها النفسية، لأنها مكْمَنُ المشكل .
وقد هاجم العقاد، في الجزء الأول أيضًا، الصَّحافة ¸التي أقامت لشوقيوزنًا، وجعلت له في كل يوم زَفّة•.
أما الجزء الثاني فقد تصدّى فيه المازني للمنفلوطي وحاول أيضًا تحطيمه واسمًا أدبه بالضَّعف، ووصمه بكل قبيح، واتهمه بأنه يتجه في أدبه اتجاه التّخنُّث.
وتجاوب مع تيار العقاد والمازني،ميخائيل نعيمة رائد التجديد في الأدب المهجري، وأخرج، بعد عامين، كتابه النَّقدي الغربال (1923م).
ومضى فيه على طريقة المازني والعقاد في الهجوم على القديم والدعوة إلى الانعتاق منه.
لم يكتب لهذه الجماعة الاستمرار، ولو كتب لها ذلك لكان من الممكن أن يكون تأثيرها عميقًا على الحركة الأدبية.
ولكن دبّ الخلاف بين اثنين من مؤسسيها، المازني وشكري، حين اتّهم المازني شكريًّا بأنه سرق عددًا من قصائد الشعر الإنجليزي وضمنها بعض دواوينه، وقد كشف المازني هذه القصائد وحدد مصادرها، فما كان من شكري إلا التصدي للمازني في كتابه صنم الألاعيب.
واحتدم الصّراع بينهما، فاعتزل شكري الأدب ثم تلاه المازني، وبقي العقاد في الديوان وحده.
ثم إن العقاد نفسه رجع عن كثير من أفكاره، خاصة تلك المتعلقة بعمود الشعر، وذكر أنه أمضى في التيار الجديد نحوًا من ثلاثين سنة، ومع ذلك، فإن أذنه لم تألف موسيقى الشعر الجديد وإيقاعه.
- - - - -
بدأت مع النصفالثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بشائر نهضة فنية في الشعر العربي الحديث،وبدأت أول أمرها خافتة ضئيلة، ثم أخذ عودها يقوى ويشتد حتى اكتملت خلال القرنالعشرين متبلورة في اتجاهات شعرية حددت مذاهب الشعر العربي الحديث، ورصدتات
جاهاته.
وكان لما أطلق عليه النقاد مدارس الشعر أثر كبير في بلورة تلكالاتجاهات التي أسهمت في بعث الشعر العربي من وهدته كما عملت على رفده بدماء جديدة،مستفيدة من التراث العالمي آخذةً ما يوافق القيم والتقاليد.
وتعد مدرسةالإحياء والديوان وأبولو والمهجر والرابطة القلمية والعصبة الأندلسية وجماعة مجلةالشعر أشهر هذه المدارس، إذ إنها قدمت الجانب النظري وأتبعته بالجانب العمليالتطبيقي؛
فكان نقادها يُنَظِّرُون وشعراؤها يكتبون محتذين تلك الرؤىالنقدية
. وسنورد هنا كلمة موجزة عن كل مدرسة من هذه المدارس.
- - - - -
* مدرسة الإحياء *
مدرسة الإحياء: يمثِّل هذه المدرسة من جيل الرواد محمود سامي البارودي، ثم أحمد شوقي، ومنعاصره أو تلاه مثل:
حافظ إبراهيم وأحمد محرم وعزيز أباظة ومحمود غنيم وعليالجندي وغيرهم.
وهذه المدرسة يتمثّل تجديدها للشعر العربي في أنها احتذتالشِّعر العباسي، إذ تسري في قصائد شعرائه أصداء أبي تمام والبحتري والمتنبيوالشريف الرضيّ.
فتجديدها إذن نابع من محاكاة أرفع نماذج الشعر وأرقى رموزهفي عصور الازدهار الفني، وبخاصةالعصرالعباسي.
لا ينبغي تجاهل عنصر الطاقة الذاتية الفذّة التي كانتلدى كل من رائدي هذه المدرسة خاصة، وهما: البارودي وشوقي.
لقد قرآ التراثالشعري قراءة تمثل، وتذوقا هذا التراث، وأعانتهما الموهبة الفذّة على إنتاج شعرجديد لم يكن لقارىء الشعر الحديث عهد به من قبل، إذ قبيل اشتهار البارودي عرف الوسطالأدبي شعراء أمثال:
علي الليثي ، وصفوت الساعاتي ، وعبدالله فكري ،
غلبت على أشعارهم الصنعة اللفظية، واجترار النماذجالفنية في عصور الضعف، والاقتصار على المناسبات الخاصة مثل تهنئة بمولود، أو مداعبةلصديق، هذا إلى مدائح هؤلاء الشعراء للخديوي وغيره، مع افتقار إبداعاتهم الشعريةللتجربة والصدق الفني.
لقد ابتعد الشعر العربي إذن، قبل البارودي، عنالنماذج الأصيلة في عصور الازدهار، كما افتقد الموهبة الفنية.وبشكل عام، فإن فنالشعر قبل البارودي قد أصيب بالكساد والعقم.
ولقد برزت عوامل شتى أعادتللشعر العربي، على يد البارودي وشوقي، قوته وازدهاره، فإلى جانب عامل الموهبة، فإنمدرسة البعث والإحياء كانت وليدة حركة بعث شامل في الأدب والدين والفكر؛
!!!
إذ أخرجت المطابع أمهات كتب الأدب ـ خاصة ـمثل:
الأغاني ، ونهج البلاغة ، ومقاماتبديع الزمان الهمذاني،كما أخرجت دلائل الإعجازوأسرار البلاغةلعبد القاهر الجرجاني،
وكان الشيخمحمد عبدهقد حقق هذه الكتب وسواها، وجلس لتدريسهالطلاب الأزهر ودار العلوم، فضلاً عن الصحوة الشاملة في شتَّى مرافقالحياة،
والاتصال بالثقافة الحديثة وصدور الصحف والمجلات، وانتشارالتعليم.
ولقد عبر البارودي عن مأساة نفيه، في أشعاره، بأصدق تجربةوأروع لغة، وترك ديوانًا عده الدارسون بكل المقاييس، البداية الحقيقية لنهضة الشعر،والصورة الجلية لرائد مدرسة الإحياء والبعث.
وإذا كانالباروديقد أعاد للشعر العربي ديباجته، فإن أحمد شوقي ، فيحدود نزعته التقليدية ، قد مضى بما خلفه البارودي أشواطًا بعيدة بمسرحه الشعريوقصصه التعليمي على لسان الحيوان، وقصائده الوطنية والعربية والإسلامية، وبتعبيرهالشعري عن أحداث عصره وهمومه.
كما كان لثقافته الفرنسية أثر واضح فيما أحدثهمن نهضة شعرية تجاوزت الحدود التي وقف البارودي عندها، وكان شوقي قد قرأ كورني وراسين و لافونتين ، بل قرأ شكسبير ، وتأثر به كثيرا في مسرحه الشعري.
ومعهذا، فإنأحمد شوقيلم يتجاوز النزعة الغنائية، حتى فيمسرحه الشعري، وبدا واضحًا أن شوقي قد جعل من المسرح سوق عكاظ عصرية، يتبادل فيهاشخوص مسرحياته إلقاء الأشعار في نبرة غنائية واضحة.
- - - - -
* جمــاعة الـديـوان *
جماعةالديوان: أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الكتاب النقدي الذي أصدره عباسمحمود العقّاد وإبراهيم عبد القادر المازني (1921م) وشاركهما في تأسيس هذه الجماعة عبد الرحمن شكري.
انظر: العقاد، عباس محمود؛المازني، إبراهيم عبد القادر؛ شكري، عبد الرحمن.
تُعد هذه الجماعة طليعةالجيل الجديد الذي جاء بعد جيل شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران.
وكانتالجماعة التي تزعمتها قد تزودت بالمعارف والثقافة الغربية، وقد حرصت هذه الجماعةعلى أشياء ودعت إليها ، منها:
الدعوة إلى التعبير عن الذات بتخليص الشعر من صخب الحياة وضجيجها .
2- الدعوة إلى الوحدة العضوية في الشعر بحيث تكون القصيدة عملاً متكاملا ً.
3- الدعوة إلى تنويع القوافي والتحرر من قيود القافية الواحدة .
4- العناية بالمعنى والاتجاه التأمُّلي والفلسفي
. 5- تصوير جواهر الأشياء والبعد عن مظاهرها .
6- تصوير الطبيعة وسبر أغوارها والتأمُّل فيما وراءها.
والديوان كتاب في النقد، شارك في إخراجه العقاد والمازني، وكان العزم على أن يخرج هذا الكتاب في عشرة أجزاء، غيرأنه لم يخرج منه سوى جزءين.
وهو كتاب موجّه نحو نقد القديم، حاول فيه العقاد تحطيم زعامة شوقي الشعرية؛
فهاجم أساليب شوقي، وعاب شعره وشعر حافظ إبراهيم في السياسة والاجتماع، لكون عواطفهما سطحية تقف عند القشور دون اللُّباب، ولكون الشعر الصحيح هو الذي يتعمق وراء القشور ويعبّر عن سرائر الأمة وجوانبها النفسية، لأنها مكْمَنُ المشكل .
وقد هاجم العقاد، في الجزء الأول أيضًا، الصَّحافة ¸التي أقامت لشوقيوزنًا، وجعلت له في كل يوم زَفّة•.
أما الجزء الثاني فقد تصدّى فيه المازني للمنفلوطي وحاول أيضًا تحطيمه واسمًا أدبه بالضَّعف، ووصمه بكل قبيح، واتهمه بأنه يتجه في أدبه اتجاه التّخنُّث.
وتجاوب مع تيار العقاد والمازني،ميخائيل نعيمة رائد التجديد في الأدب المهجري، وأخرج، بعد عامين، كتابه النَّقدي الغربال (1923م).
ومضى فيه على طريقة المازني والعقاد في الهجوم على القديم والدعوة إلى الانعتاق منه.
لم يكتب لهذه الجماعة الاستمرار، ولو كتب لها ذلك لكان من الممكن أن يكون تأثيرها عميقًا على الحركة الأدبية.
ولكن دبّ الخلاف بين اثنين من مؤسسيها، المازني وشكري، حين اتّهم المازني شكريًّا بأنه سرق عددًا من قصائد الشعر الإنجليزي وضمنها بعض دواوينه، وقد كشف المازني هذه القصائد وحدد مصادرها، فما كان من شكري إلا التصدي للمازني في كتابه صنم الألاعيب.
واحتدم الصّراع بينهما، فاعتزل شكري الأدب ثم تلاه المازني، وبقي العقاد في الديوان وحده.
ثم إن العقاد نفسه رجع عن كثير من أفكاره، خاصة تلك المتعلقة بعمود الشعر، وذكر أنه أمضى في التيار الجديد نحوًا من ثلاثين سنة، ومع ذلك، فإن أذنه لم تألف موسيقى الشعر الجديد وإيقاعه.
- - - - -