هيا الجزائر
2012-09-16, 23:28
السلامـ عليكُمـ و رحمة الله و بركآتُه
16سبتمبر/أيلُول 1982
اَلْذكرى اَلْثلاثُون لِمَجزرة صَبرآ و شَتيلآ
رائحة البقايا البشرية لرجال ونساء وأطفال، راكدة في نفوس أحياء نجوا، إنما لا تخرج من عشرات الصور التي تؤرخ الأيامـ الأربعة الحزينة.
الصور تحمل الأسى، والألم، والدم الجاف فوق الحصى..
لا تعود الصورة لتحكي لنا، أين أصبح هؤلاء؟ كيف دفنوا موتاهم؟ كيف فقدوا أولادهم؟ كم بحثوا تحت الركام، وفي المجاري، وبين النفايات؟ وكم جثة مشوهة قلبوا ليجدوا حبيباً أو قريباً؟
مجزرة صبرا وشاتيلا حاضرة في مئات الصور، لكن كيف تحضر اليوم في حيّزها المكاني والزمني؟ كيف هي تلك الأزقة التي شهدت المجزرة الجماعية؟ كيف بنيت البيوت التي سويت بالأرض؟ كيف عادت الحياة إلى الحياة، بعدما جمّدها الذبح والقتل الصامت.
تغيرت الأماكن، من دون أن تخلع عنها ذاكرتها. بعضها لم يعد موجوداً، وبعضها الآخر بُنيت أمامه أبنية جديدة، فلم يعد ظاهراً. إنما على الرغم من ذلك يستحيل على أبنائها أن ينسوا شكلها القديم، أو ينسوا أن أمامها أو فيها، قتلت عائلاتهم.
كيف لنهاد سرور أن تنسى اليوم الذي طرق الإسرائيليون باب منزلها، وقتلوا إخوتها شادي وفريد وبسام وهاجر وشادية، التي لم يتعد عمرها السنة ونصف السنة؟. وكذلك قتلوا جارتهم ليلى وكانت حاملا بأشهرها الأخيرة.
نهاد التي كانت في الخامسة عشرة من عمرها، تقول إنه "بعد ثلاثين سنة، كنت أظن أن أثر المجزرة خفّ في نفسي وتخطيت جزءا من ترسباتها في داخلي، إنما اليوم وأنا أمرّ أمام زقاق منزل أهلي.. يعود ذلك الشعور نفسه. الشعور بالاختناق.. وأكاد أشمّ رائحة الدم".
مأساة قتل أفراد عائلة نهاد لم تنته هنا، ففي اليوم التالي عاد الإسرائيليون ليعذبوا أختها سعاد (14 عاما) ويغتصبوها تكرارا على مرأى من والدها (كما روت سعاد بنفسها في مؤتمرات صحافية سابقة)، ثم عادوا وقتلوا والدها، الذي كان قد أصيب في اليوم السابق بإصابة غير بليغة. ورفعت سعاد سرور في العام 2001 دعوى قضائية في بلجيكا على وزير الدفاع الإسرائيلي (آنذاك) آرييل شارون.
اليوم تقف نهاد في زقاق منزل أهلها في مخيم شاتيلا، وتروي مأساة العائلة باقتضاب، وكأنها غير مستعدة لتكرار أثرها في النفس. بيدها اليسرى تشير إلى المنزل وتعود لتتقدم خطوات، مشيرة بيدها اليمنى إلى مجزرة جماعية أخرى في الحي عينه. مجزرة راح ضحيتها 14 مدنياً، بينها عائلة أبو رضا فياض، الآتية من مجدل زون في جنوب لبنان (والذي نجا من المجزرة وتوفي منذ فترة قصيرة)، إلى جانب جثث أخرى.
صراخ يخرج من الصورة
كل عائلة تملك صورها. هم يحتفظون بمجلات وقصاصات ورقية وصحف. كأنهم يحتاجون إلى التماس الماضي عبر صورة. وكأن أم حسين (ميريانا برجي) تستعيد صوتها في مشهد مجمد. هي في صورتها الشهيرة، تنتحب فوق جثث زوجها وابنها وابن شقيق زوجها. "وجدتهم تماماً في البقعة التي تركتهم فيها".
أمام الملجأ في حي العرفان، على مقربة من منزلي. كان ذلك صباح الأحد، في اليوم الأخير للمجزرة. صرخت، وبكيت وكأني لا أصدق موتهم، واليوم وأنا في الثالثة والسبعين من عمري، مازلت أجد فقدهم غريباً".
تقول المرأة: "سريعا قمت بدفنهم، استعنت بالصليب الأحمر والدفاع المدني، تعرفت عليهم وقمنا بدفنهم، لأني كنت مشتتة بين جثث ثلاث أمامي، وبين اختفاء ابني الآخر منذ أيام".
عادت أم حسين لتجد ابنها جريحاً في "مستشفى الجامعة الأميركية". وكان قد أصيب برصاص القنص. تنفست الصعداء لفترة وجيزة، لتعود وتخسر ابنيها الآخرين برصاص القنص بعد المجزرة.
"هذه قصتي وهذه صورتي"، تقول السيدة السبعينية. "أقصد، هذه مأساتي".
بحثا عن صورة
في الشارع الرئيسي لمخيم شاتيلا، وقفت كل من زهور عكاوي من "جمعية بيت أطفال الصمود" ونهاد سرور الناجية من المجزرة، تساعداننا في البحث عن تاريخ صورة. كنا نبحث عن متجر مدمر، ألقيت أمامه جثة لرجل بساق واحدة.
"إنه أبو محمد الدوخي"، تجزم السيدتان. وقد قتل الرجل أمام دكانه للسمانة، وكان معروفا، لأن رجله كانت مقطوعة قبل المجزرة، وساعد ذلك في التعرف على جثته". اليوم، اختفى متجر أبو محمد، وشيّد مكانه (تقريبا) مبنيان صغيران، لوّنا بالأصفر والبرتقالي الداكن، يشغلهما متجر لبيع الهواتف الخلوية وآخر للألبسة وثالث للدراجات النارية.
تقول شحادة إنه بعد المجزرة كانت كل عائلة فلسطينية تخفي أبناءها الشباب أو الزوج أو الأب، خوفاً من قتلهم أو خطفهم ولم يكن هناك سوى الشابات والأمهات ليزيلوا الركام ويعيدوا بناء سقف يؤويهم. اليوم، لا يشبه المخيم نفسه بشيء. كان ركاماً وحطاما كاملاً".
كنا كالنمل، الذي يحاول أن يحمل الصخور، ننقل الأحجار الثقيلة والدمار في عربات يدوية، نقلة تلو الأخرى، وكلما أنهينا بيتا، ساعدنا جيراننا في الحي نفسه أو حتى ذلك المقابل".
العمل هذا ساعدنا أن ننسى، كان لزاما علينا ألا نفكر بالموت. لم نكن نملك رفاهية الوقت، كنا نعمل ليل نهار، وكنا نعرف أن مصابنا الجماعي يمنعنا من التحامل على بعض. لم نكن نملك إلا خياراً واحدا: الصمود.
http://www.assafir.com/Photos/Photos15-09-2012/148581203.jpg
http://www.assafir.com/Photos/Photos15-09-2012/148581205.jpg
http://sphotos-f.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/c0.0.500.239.02728351127/p843x403/264173_519346908081490_1988011170_n.jpg
منقول مع بعض اَلْتعديـل
16سبتمبر/أيلُول 1982
اَلْذكرى اَلْثلاثُون لِمَجزرة صَبرآ و شَتيلآ
رائحة البقايا البشرية لرجال ونساء وأطفال، راكدة في نفوس أحياء نجوا، إنما لا تخرج من عشرات الصور التي تؤرخ الأيامـ الأربعة الحزينة.
الصور تحمل الأسى، والألم، والدم الجاف فوق الحصى..
لا تعود الصورة لتحكي لنا، أين أصبح هؤلاء؟ كيف دفنوا موتاهم؟ كيف فقدوا أولادهم؟ كم بحثوا تحت الركام، وفي المجاري، وبين النفايات؟ وكم جثة مشوهة قلبوا ليجدوا حبيباً أو قريباً؟
مجزرة صبرا وشاتيلا حاضرة في مئات الصور، لكن كيف تحضر اليوم في حيّزها المكاني والزمني؟ كيف هي تلك الأزقة التي شهدت المجزرة الجماعية؟ كيف بنيت البيوت التي سويت بالأرض؟ كيف عادت الحياة إلى الحياة، بعدما جمّدها الذبح والقتل الصامت.
تغيرت الأماكن، من دون أن تخلع عنها ذاكرتها. بعضها لم يعد موجوداً، وبعضها الآخر بُنيت أمامه أبنية جديدة، فلم يعد ظاهراً. إنما على الرغم من ذلك يستحيل على أبنائها أن ينسوا شكلها القديم، أو ينسوا أن أمامها أو فيها، قتلت عائلاتهم.
كيف لنهاد سرور أن تنسى اليوم الذي طرق الإسرائيليون باب منزلها، وقتلوا إخوتها شادي وفريد وبسام وهاجر وشادية، التي لم يتعد عمرها السنة ونصف السنة؟. وكذلك قتلوا جارتهم ليلى وكانت حاملا بأشهرها الأخيرة.
نهاد التي كانت في الخامسة عشرة من عمرها، تقول إنه "بعد ثلاثين سنة، كنت أظن أن أثر المجزرة خفّ في نفسي وتخطيت جزءا من ترسباتها في داخلي، إنما اليوم وأنا أمرّ أمام زقاق منزل أهلي.. يعود ذلك الشعور نفسه. الشعور بالاختناق.. وأكاد أشمّ رائحة الدم".
مأساة قتل أفراد عائلة نهاد لم تنته هنا، ففي اليوم التالي عاد الإسرائيليون ليعذبوا أختها سعاد (14 عاما) ويغتصبوها تكرارا على مرأى من والدها (كما روت سعاد بنفسها في مؤتمرات صحافية سابقة)، ثم عادوا وقتلوا والدها، الذي كان قد أصيب في اليوم السابق بإصابة غير بليغة. ورفعت سعاد سرور في العام 2001 دعوى قضائية في بلجيكا على وزير الدفاع الإسرائيلي (آنذاك) آرييل شارون.
اليوم تقف نهاد في زقاق منزل أهلها في مخيم شاتيلا، وتروي مأساة العائلة باقتضاب، وكأنها غير مستعدة لتكرار أثرها في النفس. بيدها اليسرى تشير إلى المنزل وتعود لتتقدم خطوات، مشيرة بيدها اليمنى إلى مجزرة جماعية أخرى في الحي عينه. مجزرة راح ضحيتها 14 مدنياً، بينها عائلة أبو رضا فياض، الآتية من مجدل زون في جنوب لبنان (والذي نجا من المجزرة وتوفي منذ فترة قصيرة)، إلى جانب جثث أخرى.
صراخ يخرج من الصورة
كل عائلة تملك صورها. هم يحتفظون بمجلات وقصاصات ورقية وصحف. كأنهم يحتاجون إلى التماس الماضي عبر صورة. وكأن أم حسين (ميريانا برجي) تستعيد صوتها في مشهد مجمد. هي في صورتها الشهيرة، تنتحب فوق جثث زوجها وابنها وابن شقيق زوجها. "وجدتهم تماماً في البقعة التي تركتهم فيها".
أمام الملجأ في حي العرفان، على مقربة من منزلي. كان ذلك صباح الأحد، في اليوم الأخير للمجزرة. صرخت، وبكيت وكأني لا أصدق موتهم، واليوم وأنا في الثالثة والسبعين من عمري، مازلت أجد فقدهم غريباً".
تقول المرأة: "سريعا قمت بدفنهم، استعنت بالصليب الأحمر والدفاع المدني، تعرفت عليهم وقمنا بدفنهم، لأني كنت مشتتة بين جثث ثلاث أمامي، وبين اختفاء ابني الآخر منذ أيام".
عادت أم حسين لتجد ابنها جريحاً في "مستشفى الجامعة الأميركية". وكان قد أصيب برصاص القنص. تنفست الصعداء لفترة وجيزة، لتعود وتخسر ابنيها الآخرين برصاص القنص بعد المجزرة.
"هذه قصتي وهذه صورتي"، تقول السيدة السبعينية. "أقصد، هذه مأساتي".
بحثا عن صورة
في الشارع الرئيسي لمخيم شاتيلا، وقفت كل من زهور عكاوي من "جمعية بيت أطفال الصمود" ونهاد سرور الناجية من المجزرة، تساعداننا في البحث عن تاريخ صورة. كنا نبحث عن متجر مدمر، ألقيت أمامه جثة لرجل بساق واحدة.
"إنه أبو محمد الدوخي"، تجزم السيدتان. وقد قتل الرجل أمام دكانه للسمانة، وكان معروفا، لأن رجله كانت مقطوعة قبل المجزرة، وساعد ذلك في التعرف على جثته". اليوم، اختفى متجر أبو محمد، وشيّد مكانه (تقريبا) مبنيان صغيران، لوّنا بالأصفر والبرتقالي الداكن، يشغلهما متجر لبيع الهواتف الخلوية وآخر للألبسة وثالث للدراجات النارية.
تقول شحادة إنه بعد المجزرة كانت كل عائلة فلسطينية تخفي أبناءها الشباب أو الزوج أو الأب، خوفاً من قتلهم أو خطفهم ولم يكن هناك سوى الشابات والأمهات ليزيلوا الركام ويعيدوا بناء سقف يؤويهم. اليوم، لا يشبه المخيم نفسه بشيء. كان ركاماً وحطاما كاملاً".
كنا كالنمل، الذي يحاول أن يحمل الصخور، ننقل الأحجار الثقيلة والدمار في عربات يدوية، نقلة تلو الأخرى، وكلما أنهينا بيتا، ساعدنا جيراننا في الحي نفسه أو حتى ذلك المقابل".
العمل هذا ساعدنا أن ننسى، كان لزاما علينا ألا نفكر بالموت. لم نكن نملك رفاهية الوقت، كنا نعمل ليل نهار، وكنا نعرف أن مصابنا الجماعي يمنعنا من التحامل على بعض. لم نكن نملك إلا خياراً واحدا: الصمود.
http://www.assafir.com/Photos/Photos15-09-2012/148581203.jpg
http://www.assafir.com/Photos/Photos15-09-2012/148581205.jpg
http://sphotos-f.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/c0.0.500.239.02728351127/p843x403/264173_519346908081490_1988011170_n.jpg
منقول مع بعض اَلْتعديـل