تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : صفحة من مذكرات امرأة ... (من الواقع )


سعدالله محمد
2009-03-04, 13:22
غربة

لا أعلم كيف أبدأ فقد نسيت كيف يبدأ المرء حكايته ، لا بأس سأحكي كيفما شئت ، لن أهتم بالطريقة الصحيحة فقد سئمت الحرص والعناية سأقول أي شيئ أحسست به يريد أن يتحرر من صدري ، سأبدأ بتلك الأيام البعيدة والتي يبدو أنها كانت أسعد الأيام ....أيام الطفولة ..

في ذلك الزمن بدأت أتعرف على احساس لم أعلم حينها أنه سيصاحبني الى غاية هذه الساعة التي أكتب فيها هذه الأسطر ، ولم أعلم حينها أيضا أنه سيرهقني وسيرميني للحيرة ، ذلك الجرف الهاوي الذي لا قرار له ، في تلك الفترة عشت بالعاصمة مسقط رأسي والتي بدت أنها هي موطني لكن الواضح هو انني امضيت طفولتي غير مرغوبة من طرف الصحبة والجيران فكل محاولاتي للاندماج معهم والانخراط في جماعتهم كان يقابل بالتجاهل لا لشيء اٍلا لأن لهجتي تختلف عن لهجتهم ، لم أسعد بطفولتي من أجل ذلك الرفض الذي عانيت منه في صمت الى أن فوجئت يوما ما أننا سنرحل من العاصمة وسنتركها الى غير رجعة وضمرت لذلك حزنا كبيرا وودعت كل شيء ألفته فيها وكل الأمكنة التي فتحت عليها عيني واعتدت رؤيتها وبالفعل كانت الفترة التي فصلت مابين سماعي لخبر الهجرة وموعد الرحيل لا تتجاوز الأسبوع وكان تأثير ذلك على نفسي كبير فقد أبيت هذا القرار الذي لم أكن أستطيع تبديله وتأثرت كثيرا لفراق المدينة التي ألفتها ..

وبعد الرحيل وضعنا رحالنا في مدينة صغيرة كانت بالنسبة لي أشبه بالقرية وبالنسبة لوالدي كانت مسقط رأسيهما لذلك فقد قرت أعينهما بها وفرحوا كثيرا لترك العاصمة ، ولم أكن أعلم حينها بأن رفضي لهذا الأمر سيطول الى غاية شبابي ، والعجيب أنني لم أستطع التأقلم حتى في هذه المدينة التي كانت غريبة عني في كل شيء ، والسبب هذه المرة لم تكن لهجتي وانما في تعليمات الوالد الصارمة والتي حرمتني من اقامة أي علاقة مع أي شخص دون عائلتي ، وحرم علي حتى محادثت زميلاتي أو قريناتي وتوصل الأمر به الى أن حرمني حتى الاحتكاك بابنة خالتي أو أي بنت من قريباتي وبالمقابل كان يجالسني كثيرا ويتحدث معي طويلا ، وضللت على ذلك الحال الى أن بلغت سن الشباب وصارت علاقتنا غير منتهية فكنت مودع أسراره والصديق الوحيد له في هذه الدنيا وملجأه اذا ضاقت به الدنيا وأتذكر عيناه كيف اغروقت لما ودعته واتجهت نحو الباب وأنا أزف الى زوجي ، كان زواجي مبكرا بالنسبة لأقرنائي ومبكرا أيضا بالنسبة لنفسيتي ولكن سبب قبولي الأول هو أن زوجي كان يقطن العاصمة وتصورت بأنني سأضع حدا لاحساسي بالغربة ..

ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن فلقد عشت مع زوجي الذي قدم من العاصمة وكان المفروض أن يعود اليها عشت معه في نفس مدينتي الصغيرة مدة تفوق العشر السنوات وفي هاته الفترة حدث شيء لم أتوقعه ، انهم اخوتي الصغار، فلقد كبرت أخواتي بسرعة في تلك الفترة وأصبحن صديقاتي الوحيدات في هذا الوجود وتعلقت بهن وتمسكت بموعد زيارة أهلي من أجل مجالستهن والحديث اليهن واكتشفت أنني لا أستطيع الابتعاد عنهن فترة طويلة لذا فقد تعددت زياراتي لبيت أهلي كثيرا وزاد تعلقي بهن عن الحد المعقول وأغدقت عليهن بمختلف الهدايا كما قاسمتهن أفراحهن وأحزانهن بكل جوارحي الى أن فوجئت مرة بزوجي وهو يفاتحني بأمر مصيري وهو هجرتنا الى العاصمة حيث يسكن والديه ، ولأنهما وحيدين وشبه عاجزين ..

وبالفعل فقد كان موعد الهجرة شهرا بعد سماعي بالنبأ وكانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي اختلطت فيها الأحاسيس ولم أستطع أن أفرح تماما برجوعي الى العاصمة لأنني سأفارق اخواتي وهكذا كان الأمر مختلطا علي الى غاية اللحظة الأخيرة اختلطت فيها دموع الفراق مع فرحة التوجه للعاصمة ، وبعد الهجرة المعاكسة استقريت في مدينة صغيرة قرب العاصمة وكانت مدينة جميلة تقع على ضفاف المتوسط وسكنت في منزل فاخر .

وأمضيت الآن ثلاث سنوات بها ، كنت فيها كثيرا ما أشتاق لأهلي ولكنني لم أكن من المتضمرين أو الشكايين فقد كتمت مشاعر الغربة داخل صدري واجتهددت في العناية بأسرتي والسهر على راحتها وكنت الملجأ الآمن لها والناصح المساند وأعطاني الله سبحانه وتعالى قدرة خاصة على امتصاص كل سلبياتهم وتحملتها وحولتها الى جو دفئ وآمن حتى صرت بفضل الله القطب الجامع للعائلة بمافيهم الجد والجدة ، ولكن ما بيني وبين نفسي كانت هناك آلام نفسية لا تفتر تضهرفي كل مرة ، واكتشفت أن قربي من مسقط رأسي لم يساعدني في تحمل مشقة الابتعاد عن أهلي وصرت أحس بأن المدينة التي تسكنها عائلتي هي موطني وليست المدينة التي ولدت بها ، وكان الأمر مزعجا لم أستطع التعايش معه وصرت أشعر بأن قدماي لا تضعان على الارض وأنهكتني رعاية الآخرين وكتمان مشاعري فكانت اللحظات الوحيدة التي أنتظرها في حياتي هي الفترة الوجيزة التي أقضيها عندعائلتي أيام العطل الدراسية ، فكنت أشحن همتي وأقوي عزيمتي في تلك الفترة ..

ولكن للأسف لم يدم الأمر على ذلك الحال كثيرا فسرعان ماتبدلت النفوس وطرأ أمر لم يكن في الحسبان يوما ، لقدهبت ريح المذهبية في بيتنا وصارالحديث عنها يحصل في المقام الأول وبدأت مشاعر الأفراد تتحيد شيئا ما الى مذهبهم الجديد والأسوء أن هذا المذهب يعادي كل ما كنا عليه سلفا وينسفه نسفا ، فصارت الجلسة التي كنت أنتظرها بفارغ الصبر لأنفس فيها عن أفكاري ومشاعري ، صرت فيها أداهن من حولي وأحيانا أدفع عن نفسي هجوما لاذعا ..

وهكذا صار أمري كله غربة في غربة ، غريبة في بيت أهلي ، غريبة مع زوجي ، غريبة مع أهله ، غريبة في مدينتي ، غريبة في ديني ، لا أحد يريد أن يتحدث حديثي، ولا حتى أن ينصت اليه ، أنهكني العطاء ، أكاد أحيانا لا أجد الجهد لذلك وأفقد أحيانا الرغبة في الاستمرار ، تعبت من الطيران وتحتي بحار شاسعة ..
تعبت.... والله سبحانه يدري ماأقول .....

سعدالله محمد
2009-04-01, 21:34
هل هو دلال أم معانات ؟؟
ومانوع هذه الآلام ؟ هل هي قاسية أم عادية ؟؟