المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في رحاب قوله تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }


جمانة اناهيد
2009-03-04, 00:12
بــسم الله الرحمن الرحيم

الســلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في رحاب قوله تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }



في سورة الطلاق أو سورة النساء الصغرى - كما تسمى - وردت

أربع آيات كريمة ، ربطت بين الفعل والجزاء ، ورتبت النتيجة

على

أسبابها ومقدماتها ؛الآية الأولى ، قوله تعالى:
{ ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب }
(الطلاق:2-3)
والثانية ، قوله سبحانه:
{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه }
(الطلاق:3)
والثالثة، قوله عز وجل:
{ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا }
(الطلاق:4)

الرابعة، قوله تعالى:
{ ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا }
(الطلاق:5)

ولنا مع هذه الآيات بضع وقفات:

الأولى :
أن الجزاء في ثلاث من هذه الآيات رُتب على تقوى الله ؛

وتقوى الله في معهود الشرع ، فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى

عنه، وهي رأس الأمر كله ، وفي وصية رسول الله صلى الله عليه

وسلم لبعض صحابته ، قوله عليه الصلاة والسلام : ( اتق الله

حيثما كنت ) رواه أحمد و الترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح .


الثانية :
جاء قوله تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه }

تكملة لأمر التقوى ؛ فإذا كانت تقوى الله سبب لتفريج الكربات ،

ورفع الملمات، وكشف المهمات ، فإن في توكل المسلم على ربه

سبحانه ، ويقينه أنه سبحانه يصرف عنه كل سوء وشر، ما يجعل

له مخرجًا مما هو فيه ، وييسر له من أسباب الرزق من حيث لا

يدري؛ وأكد هذا المعنى ما جاء في الآية نفسها ، وهو قوله تعالى :

{ إن الله بالغ أمره } أي : لا تستبعدوا وقوع ما وعدكم الله حين

ترون أسباب ذلك مفقودة ، فإن الله إذا وعد وعدًا فقد أراده ، وإذا

أراد أمرًا يسر وهيأ أسبابه .

وقد وردت عدة أحاديث تشد من أزر هذا المعنى ؛ من ذلك ما رواه

أبو ذر رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم:

( إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم ، ثم تلا قوله تعالى: { ومن

يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } فما زال

يكررها ويعيدها ). رواه أحمد و الحاكم وغيرهما .


وروى الإمام أحمد في "مسنده" عن ثوبان رضي الله عنه ، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد ليحرم الرزق

بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا

البر ) .








الثالثة :
أن الله سبحانه وعد عباده المتقين الواقفين عند حدوده ، بأن

يجعل لهم مخرجًا من الضائقات والكربات التي نزلت بهم ؛ وقد شبَّه

سبحانه ما هم فيه من الحرج بالمكان المغلق على المقيم فيه ، وشبَّه

ما يمنحهم الله به من اللطف وتيسير الأمور، بجعل منفذ في المكان

المغلق ، يتخلص منه المتضائق فيه .



الرابعة :
في قوله تعالى سبحانه : { من حيث لا يحتسب } احتراس

ودفْعٌ لما قد يُتوهم من أن طرق الرزق معطلة ومحجوبة ، فأعْلَم

سبحانه بهذا ، أن الرزق لطف منه ، وأنه أعلم كيف يهيئ له أسبابًا ،

غير مترتبة ولا متوقعة ؛ فمعنى قوله تعالى : { من حيث لا

يحتسب } أي : من مكان لا يحتسب منه الرزق ، أي لا يظن أنه

يُرزق منه .




الخامسة :

تفيد الآيات المتقدمة ، أن الممتثل لأمر الله والمتقي لما

نهى الله عنه ، يجعل الله له يسرًا فيما لحقه من عسر؛ واليسر انتفاء

الصعوبة ، أي : انتفاء المشاق والمكروهات ؛ والمقصود من هذا

تحقيق الوعد باليسر، فيما شأنه العسر .


السادسة :
في قوله تعالى : { ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم

له أجرًا } أعيد التحريض هنا على التقوى مرة أخرى ، ورتَّب عليه

الوعد بما هو أعظم من الرزق ، وتفريج الكربات ، وتيسير

الصعوبات، وذلك بتكفير السيئات ، وتعظيم الأجر والثواب .




وبعد : فإن للتقوى أثرًا أي أثر في حياة المؤمن ، فهي مفتاح كل

خير، وهي طريق إلى سعادة العبد في الدنيا والآخرة ، يكفيك في

ذلك، قول الله عز وجل: { ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا

عليهم بركات من السماء والأرض } (الأعراف:96) ) وكان من

دعائه صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى

والعفاف والغنى ) رواه مسلم ، نسأل الله أن يجعلنا من الملتزمين

بشرعه ، ومن المتقين لأمره ونهيه .

متفائل
2009-03-04, 05:35
موضوع طيب

بارك الله فيك

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى

BENT ZGOUM
2009-03-04, 07:26
http://www.alamuae.com/gallery/data/media/123/0163.gif

المختار العروسي البو
2009-03-04, 12:24
بسم الله الرحمان الرحيم
جزاك الله خيرا عما قمت به من مجهود ولكن علينا أن نلتمس صالح العلم حتى يكتمل الأجر إن شاء الله تعالى.

فللوصول إلى فهم الآيات التي قلت في رحابها، علينا إدراك واعتقاد بعض المفاهيم وأولها مفهوم التوكل والذي الأصل فيه متعلق باليقين ثم إن التقوى لها من التداخل معهما ما لا نستطيع فصله إلا من باب القدرة والاستطاعة. ومن باب أولى وحتى نستطيع الولوج في معاني القرآن الكريم استئناسا منا غير ملم ولا وافٍ لما فيه. علينا ترتيب الطرح وأخذ كل آية بما تحمله مع مراعاة ارتباطاتها بمجموع مما في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ومن هذا نحاول أن نتطرق إلى ما كان من العنوان والخوض في غماره لعلنا بذلك نزيد التوضيح توضيحا.
فالآية التي قلت في رحابها قوله تعالى:{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} سورة الطلاق واعتمدت على جزء منها فيما كان من قوله تعالى:{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}فهاتين الآيتين متعلقتين بالعلاقات الاجتماعية فيما كان من البناء الأسري في تكامله والجمع بين
متناقضه، ثم كان التعميم من حيث حسن الظن بالله وحسن الظن بالعباد. وحسن الظن بالعباد لوجود نظام كوني متكامل متداخل حسب الرؤية البشرية لا يمكن الإلمام بها، وهذا ما تعكسه العلاقة بالله في ما كان من التوكل واليقين والتقوى وغير ذلك.
وهنا يطرح السؤال ما اليقين. ؟وما التوكل. ؟ وما التقوى. ؟
قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173 فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}آل عمران
قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58)الفرقان
قال تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}إبراهيم
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}آل عمران
عن ابن عباس أيضا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: (اللهم لك أسلمت، بك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا تموت والجن الإنس يموتون) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وهذا لفظ مسلم واختصره البخاري.
عن ابن عباس أيضا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: ( حسبنا اللَّه ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا اللَّه ونعم الوكيل) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ومن هذا نقول: اليقين إدراك جازم للأشياء من معرفتها و العلم بقوانينها، ليكون منه الحال تعبر عن الالتزام حسب القدرة و الإرادة وفق ما هو موجود و متاح، يرسخ في الشعور علما بحقيقة قوانين الأشياء، يستمد مما ترسب من القناعات المرتبطة بمصادر التشريع الأساسية .
والتوكل منبعه اليقين من أن الله سبحانه و تعالى مع الأشياء بصفاته العليا وأسمائه الحسنى، ليكون التوكل صورة عن اليقين، و هنا نلتمس التلازم بين اليقين و التوكل فالتوكل إذا هو تعبيـر عن الاعتماد عـلى الله عز وجل كفاية وحسبا في جلب المنافع ودفع المضار من خلال الرجوع إلى الله عز وجل في مخبر الإنسان ومظهره ليحقق الأداء الصالح. والتوكل أنواع منها المحمود ومنها المذموم.
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} آل عمران
قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)}التغابن
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70)}الأحزاب
قال تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)}الطلاق
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}الأنفال
ومن هذا نقول: التقوى شعور مُدرك من محاولة إتيان الالتزام الشرعي، مصحوب بالرجاء من الله على مستوى الجزاء طلبا لأفضله، ويلازمها البعد عن الفتنة في الدين والدنيا.
فهي إدراك للحق والعمل به من غير تردد و الرجوع في قياس العمل إلى ما جاء في النصوص المبنية و الضابطة له، طلبا للصلاح فهي اقتناع فإتباع فطاعة فالتزام و لا يكون بناءها إلا على أساس الصدق.
والقول في ما كان من قوله تعالى:{....... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ...........} ففيه شقين أولا: أن يجعل الله المخرج مما فيه المؤمن . وثانيا: أن يرزقه من حيث لا يحتسب.
فالأول متعلق باللفظ يجعل، واللفظ يجعل في كل القرآن الكريم متعلق بالقوانين مهما كانت مادية، اجتماعية ........... فالمخرج هنا وفق مجموع هذه القوانين الكونية لا يخرج عنها السبب و عامل اتخاذه ويكون الحال من التبصير توفيقا من الله. وأما الرزق فهو متعلق بقوله تعالى:{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) }سورة هود والدلالة في: من حيث لا يحتسب، فهي متعلقة بالمستقبل وفق التوقيت الطبيعي وهي من علم الغيب ولكن الله تعالى قد ضمنها لكل خلقه من غير استثناء والجزاء الحسن لمن كان من المسلمين للقاعدة القائلة لا إيمان بلا عمل ولا عمل بلا إيمان. ولا أطيل الحديث في هذا.
ولا ننسى القاعدة الشرعية القانونية القائلة: الجزاء من جنس العمل والمسلمون يعتمدون في فهم هذه القاعدة من خلال قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما جاهر إليه."
اعتمدنا في نق الأحاديث على كتاب رياض الصالحين.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
توقيع: المختار العروسي البوعبدلي

الجواد الغريب
2009-03-04, 12:32
بارك الله فيك وجزاك كل خير
وجعل هذا الموضوع القيم في ميزان حسناتك