مشاهدة النسخة كاملة : من أحلى الأيّام
أبو تقي الدّين
2012-09-12, 22:14
من أحلى الأيّام..
01 ...
القراءة في الطريق...
من أحلى الأيّام في حياتي تلك الأيّام التي قضيتها رفيقا للكتب، أتصفحها وأقرأها بنهم وكانت نعم الرفيق وخير الصاحب ، بل كثيرا ما كنت أشعر بالوحشة والغربة عندما أتنقل من مكان إلى آخر ولا يصحبني كتاب أو مجلّة أو حتى جريدة دسمة المادة جمّة الفائدة والنفع..
ومما أذكره في هذا المقام قراءتي لعشرات الكتب إن لم أقل مئات ..وأنا أتنقل عبر الطريق إلى أماكن عملي المخ
تلفة وخلال مرحلة الدراسة الطويلة، قرأت كتبا كثيرة وعديدة ومتنوّعة لكن أكثرها علوقا بالذاكرة كتاب ( الأغاني ) لأبي الفرج الأصفهاني هذا الكتاب العجيب الغريب حبّبني في قراءته الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي – رحمه الله – عندما ذكر أنّه من مراجعه الكبرى في الأدب وأنّه كلما أراد الكتابة نظر فيه مدّة من الزمن حتى يستقيم له الأسلوب على نسق الأوّلين..
أذكر أنّني قرأت منه حوالي أربعة عشر مجلدا وأنا في طريقي إلى عملي بمدرسة الحوش التي تبعد عن بسكرة حوالي خمسين كيلومترا، وكنت أستغلّ مدّة الانتظار في محطة الحافلات لأقرأ ثم أواصل القراءة في الحافلة مرّة أخرى ..وكان بعض الأصدقاء والمرافقين يعجبون من انغماسي في القراءة ، ويقولون ماذا تقرأ ..؟ وماذا تستفيد من كلّ هذه القراءة ؟ فأناقشهم أحيانا واكتفي بالابتسام أحيانا أخرى حتى لا تضيع منّي دقيقة واحدة في الطريق ..لاسيما إذا كان المحاور ساخرا أو مستهزئا.. !!
يتبـــــــــــع ...
إكرام ملاك
2012-09-12, 22:54
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فعلا جميلة هي قراءة الكتب
مرحبا بيك صراحة دخلت الموضوع لاني اول مرة اراك فيها
و ممكن اكون مخظاة فالاعضاء كثيرون
دمت مميزا بالتوفيق
http://yanabeea.net/up_rosom/yana468.gif
الامل بالله
2012-09-13, 09:56
شكرااا لك
بارك الله فييييك
فعلا هي من اجمل الايام
أبو تقي الدّين
2012-09-20, 16:18
من أحلى الأيّام..
.. ...02
القراءة في الطريق..
بعض الذين شاهدوني وأنا أقرأ كتاب الأغاني استغربوا الأمر، وقالوا لي: كيف تقرأ كتابا خاصا بالأغاني وأنت إنسان متدّين ( كنت حينها مرسلا لحيتي ) فابتسم لكلامهم وأقول: إنّ في هذا الكتاب من الأغاني لا يساوي عشرة بالمائة، والباقي كلّه شعر وأدب وتراجم وأخبار من أندر وأروع الأخبار الأدبيّة...ثمّ إنّ الأغاني التي فيه هي من روائع الشعر العربي الذي لا يقلّ جودة وقوّة وحسن سبك عن الشعر الجاهلي..
وقد ذكرت أنّ أوّل من لفت انتباهي إلى قراءة كتاب الأغاني ( حصلت على طبعة منه بمكتبة البلديّة من 25 مجلدا ) هو الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي وقد ذكر ذلك في بعض كتبه وتكرر منه الأمر عدّة مرّات، ولما كنت في إحدى المرّات أحمل الكتاب معي لقراءته في الطريق ( أقصد في الحافلة)، التقيت بأحد المثقفين الفضلاء وتعرّفت عليه بسبب كتاب الأغاني الذي لفت انتباهه في يدي، وكان هذا المثقف هو الشيخ العيد قديدة من مشونش ( إمام بالمسجد العتيق ومؤلف كتاب فقه الصلاة)، وقال لي لو أنّك تقرأ أيضا كتابا آخر لا يقلّ عنه أهميّة وروعة إنّه كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للممقرّي فأثار في نفسي الفضول وتطلعت إلى الحصول عليه ..
03 ...
القراءة في الطريق..
اشتهر عن الأوربيين أنّهم يقرأون في عربات ( الميترو ) وفي الحافلات، ومن ثمّ ظهر ما يسمّى بكتاب الجيب ذي الحجم الصغير والفائدة الجمّة، وقد أدهشتني هذه العادة عندهم كثيرا وقلت في نفسي: نحن أمّة اقرأ ونحن أولى بالقراءة منهم، لنحقق في أنفسنا مقتضى قوله تعالى " اقرأ.."
قلت فيما سبق أنّني قرأت حوالي أربعة عشر مجلّدا من كتاب الأغاني أثناء تنقلاتي بين عملي والبيت، وقد يستغرب بعض النّاس هذا الأمر ولكن الذين جرّبوا نهم القراءة والإدمان عليها لا يرون في ذلك أي عجب، لكن لا بأس أن أذكر أنّني كنت في عامي الأوّل في التعليم وأنّني كنت في التاسعة عشرة من العمر، وكانت رحلتي إلى عملي تستغرق ما يقارب الساعتين أحيانا آو أكثر، أغيّر خلالها الحافلة ثلاث مرّات..
كنت أنتقل بالحافلة من بلديتي شتمة ( شط الماء ) إلى مقرّ الولاية بسكرة خلال نصف ساعة تقريبا، فاستغل تلك المدّة في القراءة ثم أستقلّ الحافلة أيضا في مدّة نصف ساعة أخرى إلى دائرة سيدي عقبة، وكذلك أقضيها في القراءة وفي سيدي عقبة أبقى منتظرا سيارة لتنقلي إلى بلديّة الحوش ما بين عشرين دقيقة إلى نصف ساعة، فاتخذ لي زاوية في أحد المقاهي القريبة وأواصل القراءة، كما أقرأ في السّيارة إذا وجدت مكانا مناسبا ولم يزحم السائق السيارة براكب إضافي.. كانت رحلة عمل متعبة ولكنّها رحلة قراءة مفيدة بلا شك..وقد استمرّ معي الأمر على ذلك المنوال غالبا مدّة إحدى عشرة سنة..قرأت فيها كتاب الأغاني والكامل للمبرّد وعيون الأخبار لابن قتيبة وغيرها من عيون كتب التراث والأدب الحديث أيضا.. وسيأتي الكلام عن بعضهما وما يحفه من طرائف وأقاصيص..
ومن طرائف ما أذكره في هذا الأمر أيضا أنّني كنت مسافرا إلى العاصمة في شهر ديسمبر في بداية التسعينيات، لحضور تجمع شعبي لجمعيّة الإرشاد والإصلاح بقاعة ( حرشة ) فأخذت معي كتابين كان أحدهما لتوفيق الحكيم وقرأتهما في الطريق ( يستغرق قطع الطريق بين بسكرة والعاصمة في الحافلة أكثر من ثماني ساعات غالبا )، وكنّا في التجمع نفترش الأرض لشدّة الزحام وكثرة المشاركين، فوضعت الكتابين قريبا منّي فلما نهضت من مكاني بعد التجّمع نسيت الكتابين، ..وعندما ذكرتهما بعد ذلك قلت هنيئا لمن وقعا في يديه..
يتبــــــــــــــــــع.....
أبو تقي الدّين
2012-10-19, 14:40
من أحلى الأيّام
04...
القراءة في الطريق..
انتقلت في عامي الثاني بقطاع التعليم إلى بلديّة أوماش والتي تبعد عن بسكرة حوالي 20 كم، وبطبيعة الحال الانتقال إليها يستغرق زمنا قد يضيع هدرا إذا لم تستغل مسافة الطريق في قراءة مفيدة، وكان لابدّ من التزوّد لهذه الرحلة الطويلة والتي دامت أربع سنوات لابدّ من التزوّد لها بمكتبة صغيرة متنقلة كنت أحملها في محفظتي الصغيرة ، لكن في هذه الرحلة صاحبني مجموعة من الأصدقاء المثقفين، شعرت في بادئ الأمر أنّهم سيعيقونني عن القراءة التي أدمنت عليها ،غير أنّي سرعان ما اكتشفت أنّ اثنين منهم أكثر شغفا بالقراءة منّي وأنهم أشدّ حرسا على طلب العلم..
وكنّا كثيرا ما نقطع قراءاتنا بمناقشات رائعة ومتميّزة لا تزال آثارها وفوائدها عالقة بالذهن إلى اليوم ، ومن ذلك أنّ تلك المناقشات كانت سببا في ترسيخ المعلومات التي نأخذها من الكتب وإثرائها ، كما كانت سببا في قراءتنا لكثير من الكتب التي لم نطلع عليها من قبل أو لم نسمع بها أصلا..
قال لي أحد هؤلاء الأصدقاء ذات مرّة: إنّ الجنّ يصيبون الإنسان بالمسّ مسّا حقيقيا ، أيّ أنّه مسّ ماديّ..
وقد ذهب إلى هذا الرأي كثير من العلماء، لكنّني خالفته الرأي وقلت أنّ الصواب هو أنّ المسّ مسّ معنوي ( أي وسوسة ) ولا يعقل أن يكون المسّ ماديّا ولا دليل عليه من الكتاب والسنّة..
فقال الصديق الفاضل: هناك أدلة كثيرة عليه..
قلت : كلّها أدلّة ظنيّة لم يتفق على دلالتها العلماء ..ولا يوجد دليل واحد على المسّ الماديّ المباشر ، قطعي الثبوت قطعي الدلالة ..
فقال: سآتيك بكتاب يبرهن على ذلك بأدلة قاطعة ..
فقلت اتني به وعجّل ..
فوعدني أن يأتي به من الغد ..
وانتظرت أن يأتي بكتابه بشغف بالغ..
05..
القراءة في الطريق..
كتبت في الحلقة الرابعة من هذه الذكريات التلقائيّة عن أحلى الأيّام مع الكتب والتي بدأتها مع ( القراءة في الطريق ) وسأواصلها إن شاء الله تعالى..
كان صديقي المثقف جدّا والمدمن على القراءة مثلي قد وعدني أن يحضر لي كتاب الدكتور عبد الرزاق نوفل والذي هو بعنوان ( الإسلام والعلم ) ، وذلك ليقنعني أنّ الدكتور عبد الرزاق نوفل يثبت بالأدلّة القاطعة أنّ مسّ الجنّ مسّ حقيقي ( ماديّ ) ، وفعلا أحضر الكتاب وفتحه أمامي ليبحث عن الصفحة المطلوبة والتي فيها الدّليل القويّ والبرهان الواضح ، فلما وجدها وسلّمني الكتاب لأقرأ فيه - وكانت الحافلة تسير متجهة إلى أوماش نحو طريق العمل - بدأت أقرأ بإمعان إذ بي أكتشف أنّ الدكتور عبد الرزاق نوفل ينقل كلام غيره ليبطله لا ليؤيده فقلت لصديقي لقد جئتني بدليل يدعم رأيي ويدحض رأيك فاختطف منّي الكتاب ونظر فيه ..فوجد الأمر كما قلت له ، فتعجب كيف لم ينتبه لذلك ..ولكنّه ظلّ متمسكا برأيه .. وأهمّ شيء في الأمر كلّه أنّني استعرت منه الكتاب وأظنّ أنّي قرأت بعض فصوله في الحافلة ، وتشعب بنا الأمر إلى الحديث عن رأي ابن تيميّة في الموضوع وتلميذه ابن القيّم ورأي الغزالي ( المعاصر ) الذي تبنيّت أنا رأيه في الموضوع .. واكتشفنا بعد حوار طويل أنّ هذا الأمر ظلّ محلّ خلاف قرونا طويلة ولم يبت فيه برأي حاسم ..فقلنا لبعضنا كيف الوصول إلى الحق وهنا جاء دور الحديث عن أصول الاستدلال والتدليل في القرآن والسنّة ولذلك حديث طويل ( عريض )..
يتبــــــع
أيمن عبد الله
2012-10-31, 12:23
بارك الله فيك أخي عبد الله
ونفع الأمة بما اعطاك من فهم وعلم وقلم واسلوب أدبي جميل
القراءة النافعة واهمها استغلال الاوقات التي تضيع منا من غير شيء نافع
واصل أخي الكريم
الكـ الطيبة ـلمة
2012-10-31, 12:52
استمتعت بما أوردت
كنت حضرت عدة نقاط لأدرجها لكنني توقفت حتى لا افسد نكهة ما قرأت.
بارك الله فيك ..........سأكون في زمرة المتتبعين لأثر ما سبق.
***************
فكرني موضوعك بغصة برنامج "ما آخر كتاب قرأت "على قناة النهار مع رجالات البرلمان و نسائه و فضيحتهم المجلجلة
http://sphotos-f.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash3/c66.0.403.403/p403x403/581413_194510820682210_1932403647_n.jpg
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir