تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نشر الإشاعات لبقية السلف للشيخ الإمام العلامة الفوزان


فقير إلى الله
2012-09-09, 11:03
حكم نشر الإشاعات قبل التأكد
من موقع بقية السلف للشيخ الإمام العلامة الفوزان

السؤال : الإشاعات أمرها خطير ، وبعض الناس يجري خلف هذه الإشاعات ، ويقوم بنقلها على علاِّتها في المنتديات والمجالس والإنترنت ، ولا يلقي لها بالاً ، حدثونا عن خطر الإشاعات في الشريعة الإسلامية ؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد ، فإن المسلم عليه أن يحفظ لسانه من الكلام الذي لا مصلحة فيه ، أو فيه مضرة عليه أو على غيره ، ومن ذلك الإشاعات ، سواءً كانت الإشاعات السيئة ، سواءً كانت تتعلق بالأفراد أو تتعلق بالأمة ، فإن على المسلم أن يتثبت ولا يتحدث بها إلا عند الضرورة ، قال الله سبحانه وتعالى : (يا أيها الذين آمنوا إن جاكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ، فعلى المسلم إذا بلغه عن أخيه شيءٌ سيءٌ أن يكتمه ، وأن لا يشيعه حتى ولو كان صِدقاً ، ولو كان ما نُقِلَ إليه صدق وفيه مضرة على أخيه فإنه يستر أخاه ويناصحُه فيما بينه وبينه ، ولا يُشيع عنه الأخبار السيئة ولو كانت واقعة ، لأن هذا أيضاً يدخل في الغيبة ، وقد قال الله تعالى : (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله توابٌ رحيم) ، والنبي صلى الله عليه وسلم فسر الغيبة بأنها "ذكرك أخاك بما يكره" ، قالوا يا رسول الله : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ ، قال : "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" ، يعني كذبت عليه بالبهتان ، فأنت آثمٌ على كل حال ، سواءً كان فيه ما تقول أو ليس فيه ما تقول ، لأنك لا تخرج إما عن الغيبة وإما عن الكذب ، وكلاهما جريمة ، هذا في حق الأفراد ، وكذلك في حق المجتمع ، حق الأمن وما يُخِلُ بالأمن ، فعلى المسلم أن يكتم ما يحصل من الأحداث ، ومن الإشاعات ولا يُخوِّف الناس بها ، أو يروجها بين الناس ، هذه طريقة المنافقين ، هم الذين يتصيدون الإشاعات ويشيعونها ليُروعوا المسلمين ويخوفوهم ، قال تعالى : (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليمٌ بالظالمين) ، وقال تعالى : (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم ) هذا وعيدٌ شديد ، فالمسلم لا يكون مروجاً للإشاعات والأخبار السيئة التي تروع المسلمين ، وإذا كان هذا الخبر أو هذا الحدث على المسلمين منه خطورة ويحتاج إلى علاج ، فليس علاجه بنشره بين الناس الذين لا يملكون له العلاج ، وإنما هذا يُرجع فيه إلى أُولي الأمر ، يُرجع فيه إلى أُولي الأمر ليعالجوه ويدرؤوا خطره ، قال تعالى : (وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً) ، فعلى كل حال المسلم يحفظ لسانه ولا يتكلم بالشائعات ، ولا ينشر المخازي ، ويستعمل الصمت والستر ، ويستعمل الدعاء بالصلاح للإسلام والمسلمين ، وشأن المسلمين ، هكذا يكون المسلم .

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:04
رابط الملف الصوتي
http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/default/files/14321224_01.mp3

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:14
منقــــــــــــول

حكم نشر الشائعات بين الناس ( فتوى شرعية ) يرى الشيخ محمد بن حسن ، عضو هيئة التدريس في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ان هناك اناس يعملون على بثّ الشائعات في المنتديات، مشيراً إلى ضرورة التثبت في ما تحويه هذه المواقع من شائعات تهدف إلى نشر الفتنة بين المسلمين.


وقال إن الله سبحانه وتعالى حذّر عباده من إطلاق الألسن بغير علم ومعرفة بما يقوله الإنسان

قال تعالى: «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا»

والناس يستقبلون الشائعة وهم على صنفين، صنف يقوّم صاحب الشائعة حتى يعرف حقيقة أمره، فإذا تبين له أنه فاسق، التزم تعاليم الإسلام في وجوب التثبت من خبر الفاسق، حيث يقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».
فيقوّم هذا الصنف من الناس تلك الاخبار والشائعات على ضوء هذا التوجيه الإسلامي العظيم، فإذا ثبت أن ما قيل حق وصحيح، فإنه ينظر في عواقب شائعته ونشرها

لئلا تحدث فتنة في شائعة الخبر، فقد تحدث بنشره اضرار أشد من معرفة مصدر هذا الخبر وغرض ناشره..

أما الصنف الثاني فهم الذين لا يتثبتون من الأخبار سواء كانت عن طريق الإذاعات أو التلفاز أو الإنترنت، فإنه بمجرد سماعه لتلك الشائعات يصبح بوقاً مسخراً ينشر تلك الأخبار ولا يبالي أهي صدق أم كذب، حق أم باطل، ألها مردود إيجابي أم سلبي.

لذلك نقرأ في كتاب الله عز وجل تحذير هؤلاء اللامبالين بالشائعة وتوجيههم إلى ما يجب أن ينظر فيه من قبله

فيقول تعالى: «أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً»

فإذا كان هذا الأمر في تدبّر القرآن الكريم وأصله ومصدره حق، لكن استنباطات الناس منه قد تختلف، فكيف لا ينظر إلى كلام الناس، وفي الوقت نفسه فإن كلمة الحق لا غبار عليها ولا تحتمل أي نوع من أنواع التكذيب أو الشك، أما ما كان مصدره الناس فيمكن أن يكون فيه اختلاف كثير وخطر عظيم والله سبحانه وتعالى أوجب علينا نحن أمة الإسلام أن نرد أمر الأخطار إلى ولي الأمر وإلى من يقدرون على تحليل الألفاظ ومناقشتها مناقشة موضوعية

إذ يقول سبحانه: «ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم»

وقد حذّر القرآن الكريم من التلاعب بأخبار الشائعات


حيث قال سبحانه: «ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلا قليلا»

ومعلوم أن الشيطان يشمل شيطان الجن والانس، وإذا اتضح لنا هذا، فإن هناك شيئاً مهماً يجب علينا نحن المسلمين أن نضعه أمام بصائرنا وأبصارنا، وهو أن غالب من ينشرون في الإنترنت لا يخلون من أوصاف توجب ردّ كلماتهم ورفضها، فمنهم من هو فاجر ومنهم غافل لا يعرف شيئاً عما يجري في الساحة، فتراه مثلاً يتلقف الخبر أو الكلام ثم يبثه بين الناس، وهذا شيء لا شك أنه من أخطر ما يضر المجتمع

فالحذر الحذر من نشر الشائعات بين الناس ايا كانت ويجب على المسلم الحق ان يتقي الله فيما يقول وينقل ويعلم يقينا ان الله سبحانه مطلع على جميع افعاله واقواله وانه محاسب على ذلك

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:16
حكم نشر الشائعات والأخبار الكاذبة دون تثبت



الحمد لله يقول الحق وهو يهدي السبيل والصلاة والسلام على نبينا الجليل وعلى آله وصحبه وسلم ثم إما بعد ...،



فإن من أعظم الجرائم التي حذر منها كل من القرآن والسنة ترويج الشائعات ، والتي من شئنها هدم الدول فضلا عن البيوت وما تحمله في طياتها من قتل معنوي وإرهاب للناس.



قال الحق تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) (6) الحجرات

و في قراءة أخرى ( فتثبتوا ).

فهنا نداء من الله لأهل التكليف من المؤمنين بالتبيُن و التثبت عند تلقي الأخبار و حتى عند نشرها، فلا يحل للمسلم أن ينشر خبرا دون أن يكون متأكدا من صحته ، بل نقول : ليس كل ما يعرف يقال ، بل من الحكمة أن نتعلم (متى نتكلم ومتى نسكت).



فإن مما علمنا أشياخنا بارك الله في أعمارهم ورحم من مات منهم – أن نكتم بعض العلم عن بعض الناس حتى لا يكون لهم فتنة .



قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم ((كفى بالمرء كذِباً أن يُحدِّثَ بكل ما سمع))(1) .قال ابن حبان عند ذكر الخبر السابق : "في هذا الخبر الزجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم على اليقين صحته ثم يحدث به دون ما لا يصح" (2)

قلت (أبو أنس) : ذلك بأنه قد ينقل كذبا ويشيع فتنة بقصد أو بغير قصد.

بل إنه من أعظم الفساد كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى



وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعى عن قيل وقال ) أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبيّن0



إخوتي في الله

كم اكتوى المسلمون بنار الشائعات ولنتأمل حادثة الإفك، وهي إشاعة اشاعها الفاجر عبد الله بن أبي بن سلول وتداولها المنافقون وتأثر بها بعض المسلمين والمسلمات بغير تفكير ووعي و لقد ظل المسلمون شهراً كاملاً تعطصرهم فتنة عاصفة، ويكفينا أن الله سبحانه كَذّبَهَا في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وصدق الله سبحانه إذ يقول: {لا تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} فكانت درسا تربويا عظيما لكل من ينقل الأخبار بغير تثبت.



نعم ... الشائعات كانت السبب الرئيس في هزيمة المسلمين في غزوة أحد عندما أشاع المشركون مقتل النبي – صلى الله عليه وسلم – .



الشائعات كانت السبب الرئيس في مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عندما أشاع ابن سبأ اليهودي أن عثمان يحرف القرآن .



والشائعات دائما كانت ولا تزال مصدرا لكل وقيعة وفتنة.

ونلخص لكم بعض ما نقله أهل العلم في طرق وخطوات التثبت
أ - النقطة الأولى: التثبت:
و من طرق التثبت:
1- إرجاع الأمر لأهل الاختصاص:
يقول الله تعالى: ( و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ).
قال الشيخ السعدي: ( هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم غير اللائق ، و أنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة و المصالح العامة ؛ ما يتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا و لا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم ؛ أهل الرأي و العلم و العقل الذين يعرفون المصالح و ضدها.
فإن رأوا في إذاعته مصلحة و نشاطا للمؤمنين و سرورا لهم و تحرزا من أعدائهم : فعلوا ذلك.
فان رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة و لكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه ) ا. هـ فكم من إشاعة كان بالمكان تلافي شرها بسؤال أهل الاختصاص.

2- التفكر في محتوى الإشاعة:
و لو أعطينا أنفسنا و لو للحظات في التفكر في تلك الإشاعات لما انتشرت إشاعة أبدا.

ب‌- النقطة الثانية: الناقل للإشاعة من الفاسقين.
في الآية السابقة يقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...) فجعل الله من نقل الخبر دون تثبت من الفاسقين.
و ذلك لان هذه الأخبار ليس كلها صحيح، بل فيها الصحيح و الكاذب، فكان من نقل كل خبر و أشاعه؛ داخل في نقل الكذب، لذا جعله الله من الفاسقين.
فالعاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال.
و لا كل ما يعلم يصلح للإشاعة و النشر.
بل قد يكون الخبر صحيحا و لكن لا مصلحة في نشره أبدا، كما مر معنا في كلام الشيخ السعدي.

ت‌- النقطة الثالثة: التفكر في عواقب الإشاعة.
هلا تفكرت في نتائج الإشاعة.
هلا تدبرت في عواقبها.

يقول بعض أهل العلم وهو مستنبط من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية:
والذي ينبغي على المسلم عند سماعه مثل هذه الإشاعات والأخبار:

1. أن يقدم حسن الظن بأخيه المسلم، وهو طلب الدليل الباطني الوجداني، وأن ينزل أخاه المسلم بمنزلته، وهذه هي وحدة الصف الداخلي: {لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً}.

2. أن يطلب الدليل الخارجي البرهاني: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}.

3. أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره؛ فإن المسلمين لو لم يتكلموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها، ولم تجد من يحييها إلا من المنافقين: {ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا..}.

4. أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبداً، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة، والتي لها أثرها الواقعي، كما قال تعالى: {وإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً}[ النساء: 83].

5. عدم سماع ما يقوله الكذابون، والمنافقون، والمغتابون، وأصحاب القلوب المريضة، وعدم الرضى بذلك، كما هو منهج السلف -رضوان الله عليهم-.

أحبتي في الله:
اعلموا : أن الفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، فصار الأكابر عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى: {واتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} ولعلكم رأيتم أو سمعتم الاعتداءات على الشيخ محمد حسان في ميدان التحرير.

أحبتي في الله
إذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله تعالى.
وما نراه الآن من فتنة إنما هو من قلة علمنا بالله وسننه الكونية

أخيرا أقول لإخواني وأخواتي اتقوا فيما تنقلون من أخبار فإن الله سائلكم يوم القيامة فأعدوا للسؤال جوابا.

وفقكم الله
وكتب ونقل أبو أنس / أمين بن عباس
عفا الله عنه وعنكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في المقدمة (1/10/5)، أبو داود (5/265-266/4992)، ابن حبان (1/213-214/30) والحاكم (1/112) من حديث أبي هريرة.
(2) المجروحين ، [ج1 ، ص6].

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:18
الإشاعة: خطرها و علاجها


محمد الجابري

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسوله الأمين و بعد فبين الحين و الأخر نسمع عن إشاعات تبث و تنشر و أكاذيب تبعث و ترسل.
هذه الإشاعات التي لها خطر عظيم و شرير كبير.
فكم دمرت من مجتمعات و هدمت من أسر، و فرقت بين أحبة.
كم أهدرت من أموال، و ضيعت من أوقات.
كم أحزنت من قلوب، و أولعت من أفئدة، و أورثت من حسرة.
و إذا أردت أن تعلم عظيم شرها، فانظر في حادثة الإفك: كيف أن النبي صلى الله عليه و سلم مكث شهرا كاملا وهو مهموم محزون، لا وحي ينزل يبين له حقيقة الأمر، و لا يعرف عن أهل بيته إلا الطهر و العفاف.

و لقد فتن كثير من المسلمين بنشر هذه الإشاعات و ترديدها دون نظر في النتائج، و دون نظر في الشرور الناتجة عنها.

لقد عالج الإسلام قضية الإشاعة عن طريق ثلاث نقاط:
أ‌- النقطة الأولى: التثبت.
ب‌- النقطة الثانية: الناقل للإشاعة من الفاسقين.
ت‌- النقطة الثالثة: التفكر في عواقب الإشاعة.

و قبل البدء في تفصيل هذه النقاط لابد من التنبيه على لأمر مهم جدا، ألا وهو : أن الله سبحانه و تعالى جعل العلاج لقضية الإشاعة من خلال الناقلين لها من المؤمنين أنفسهم دون التركيز على مصدر الإشاعة و ذلك لان مصدر الإشاعة قد يكون من أهل النفاق أو من الكفار أو من الأعداء، و هؤلاء لا حيلة معهم، فان من دأبهم نشر الإشاعة لإضعاف المسلمين.
نعم قد ورد تحذير للمسلمين أن يكذبوا الكذبة ثم يبثوها ( كما في حديث جابر بن سمرة عند البخاري).
لكن هذه الإشاعات ما كان لها أن تنتشر لو قابلها المؤمنون بالمنهج الرباني لتلقي الأخبار و تلقي الإشاعات.

و إليك تفصيل تلك النقاط:
أ - النقطة الأولى: التثبت:
يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...) و في قراءة أخرى ( فتثبتوا ).
فأمر الله بالتبين و التثبت، لأنه لا يحل للمسلم أن يبث خبرا دون أن يكون متأكدا من صحته.

و التثبت له طرق كثيرة؛ فمنها :
أ- إرجاع الأمر لأهل الاختصاص:
يقول الله تعالى: ( و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ).
قال الشيخ السعدي: ( هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم غير اللائق ، و أنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة و المصالح العامة ؛ ما يتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا و لا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم ؛ أهل الرأي و العلم و العقل الذين يعرفون المصالح و ضدها.
فإن رأوا في إذاعته مصلحة و نشاطا للمؤمنين و سرورا لهم و تحرزا من أعدائهم : فعلوا ذلك.
فان رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة و لكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه ) ا. هـ فكم من إشاعة كان بالمكان تلافي شرها بسؤال أهل الاختصاص.
هذه الإشاعة الأخيرة التي انتشرت عن إدخال شمام به فيروس الايدز؛ ترى الواحد منا يرسل عشرات بل مئات الرسائل لهذه الإشاعات و لا يكلف نفسه أن يتصل على طبيب فيسأله: هل يمكن أن ينتقل هذا الفيروس به الطريقة ؟ لو أرجعنا هذه الإشاعة لولاة الأمر عبر الجهات المختصة لوجدنا عندها العلم بحال تلك الإشاعة.
ب- التفكر في محتوى الإشاعة:
إن كثير من المسلمين لا يفكر في مضمون الإشاعة الذي قد يحمل في طياته كذب تلك الإشاعة، بل تراه يستسلم لها و ينقاد لها و كأنها من المسلمات.
و لو أعطينا أنفسنا و لو للحظات في التفكر في تلك الإشاعات لما انتشرت إشاعة أبدا.
لقد بين الله حال المؤمنين الذين تكلموا في حادثة الإفك فقال سبحانه: ( إذ تلقونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس به علم ).

انظر يا أخي:
( إذ تلقونه بألسنتكم ) أنه من البديهي أن الإنسان يتلقى الأخبار بسمعه لا بلسانه ، و لكن أولئك النفر من الصحابة لم يستعملوا التفكير، لم يمروا ذلك الخبر على عقولهم ليتدبرا فيه، بل قال الله عنهم أنهم يتلقون حادثة الإفك بألسنتهم ثم يتكلمون بها بأفواههم من شدة سرعتهم في نقل الخبر و عدم التفكر فيه.

و لو تفكر الصحابة قليلا لوجدوا أنه من أمحل المحال أن يكون في فراش أطهر الخلق شيء يعيبه، كيف يمكن أن تتهم زوجة أفضل البشرية الذي اصطفاه الله بتهمة الفاحشة؟ إن هذا لا يعقل أبدأ.

ب‌- النقطة الثانية: الناقل للإشاعة من الفاسقين.
في الآية السابقة يقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...) فجعل الله من نقل الخبر دون تثبت من الفاسقين.
فمجرد نقل الأخبار دون التأكد من صحتها موجب للفسق؛ و ذلك لان هذه الأخبار ليس كلها صحيح، بل فيها الصحيح و الكاذب، فكان من نقل كل خبر و أشاعه؛ داخل في نقل الكذب، لذا جعله الله من الفاسقين.
و قد صرح النبي بذلك ففي صحيح مسلم : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ).
فالمؤمن لابد له من الحذر في أن يكون عند الله من الفاسقين( الكاذبين ).
و كفى - و الله - بذلك كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب.

فالعاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال.
و لا كل ما يعلم يصلح للإشاعة و النشر.
بل قد يكون الخبر صحيحا و لكن لا مصلحة في نشره أبدا، كما مر معنا في كلام الشيخ السعدي.

ث‌- النقطة الثالثة: التفكر في عواقب الإشاعة.
و عودة مرة ثالثة للآية السابقة في سورة الحجرات يقول الله تعالى: ( أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
هلا تفكرت في نتائج الإشاعة.
هلا تدبرت في عواقبها.

اعلم أخي:
إن كل خسارة، كل هم و غم أصاب أخاك المسلم، كل أموال أهدرت بسبب إشاعتك التي نشرتها أو ساعدت في نشرها فلك نصيب من الإثم فيها.
هذه الإشاعة الأخيرة ( إشاعة فيروس الايدز في الشمام )
كم من الأموال خسر أصحاب الشركة.
كم من الهم أصابهم.
كل ريال أهدر، و كل فاكهة أتلفت، و كل خسارة حدثت فلك نصيب منها.
( فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)
و يظهر الندم في الدنيا لمن تفكر في عاقبة نشر الإشاعة، و يظهر في الآخرة للغافلين عندما يجدون الجبال من السيئات كتبت عليهم ( و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم )

فيا أخي:
( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا أن كنتم مؤمنين ).

أخوكم محمد الجابري

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:22
الأضرار والأخطار المترتبة على نشر الشائعات المغرضة بين أفراد المجتمع

مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات سيتحدث كل من فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود والشيخ محمد بن سعد السعيد والشيخ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد عن موضوع هام جِدًّا وهو الأضرار والأخطار المترتبة على نشر الشائعات المغرضة بين أفراد المجتمع.
كلمة الشيخ إبراهيم الحمود
مفهوم الشائعة وأسباب انتشارها في المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وشق سمعه وبصره وهداه النجدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد، إن موضوعنا يهم كل مسلم ومسلمة، وله صلة وثيقة بحياة المسلم وأخلاقه، ويؤثر سَلْبًا في وَحْدَة المسلمين وتآلفهم، ويتضح هذا من عنوان موضوعنا، ولا يخفى أن الشائعات لها خطر عظيم على الفرد والمجتمع، ولا تَخْفَى أهمية هذا الموضوع في حياة المسلمين، فالشائعة كما تعلمون آفة من الآفات التي تعمل على تقويض المجتمع ونشر الفوضى والاضطراب بين أفراده، وقد خُصِّص لي من هذا الموضوع أحد جوانبه المهمة التي تُصَوِّر لنا حقيقةَ الشائعات وتُبَيِّن لنا أسباب انتشار الشائعة بين أفراد المجتمع.
تعريف الشائعة:
أقول وبالله التوفيق: الشائعةُ مِن شاع الخَبَرُ، إذا ذاع وانتشر. ففيها معنى الانتشار والتكاثر، وقد تعددت الأقوال في بيان حقيقتها وبيان مفهومها وتحديدها، فقيل: هي نبأ مجهول المصدر، سريع الانتشار، ذو طابع استفزازي في الغالب. وقيل: هي مجموع سلوكيات خاطئة سريعة الانتشار، تُثِير البَلْبلة والفتنة في المجتمع. وقيل: هي معلومة ضَالَّة مُضَلِّلة تَصْدُر من فردٍ، ثم تنتقل إلى أفراد، ثم إلى المجتمع، فهي محمولة على الضلال، وهي مجموعة أخبار مُلَفَّقة تعمل على نشر الفوضى بين الناس. وقيل: هي رواية مُصْطَنَعة يَتِمُّ تَناوُلُها بأيِّ وسيلة متعارف عليها، دونَ النظر لمصدرها.
وأقرب ما قيل في بيان مفهوم الشائعة وتحديدها ومفهوم حقيقتها أنها أقاويل وأخبار يتناقلها الناس بقصد الإرجاف، صحيحةً كانتْ أو غيرَ صحيحةٍ.
بالنظر إلى تلك التعاريف السابقة في بيان مفهوم الشائعة نجد أنها متقاربة من حيث المعنى وإنِ اختلفت ألفاظها، فالشائعة قد تكون ذاتَ مصدرٍ، لكنه غير موثوقٍ فيه ، أو يكون موثوقًا فيه، لكن القائل غيَّر وبدَّل، سواء كان هذا التغيير أو التبديل بالنقص أو الزيادة، بقصدٍ أو بغير قصدٍ، فجاءت على خلاف الواقع. وقد قيل: آفة الأخبار رواتها.
أيها الإخوة، لقد ابْتُلِي فِئَام( 1) من الناس بتلقف الروايات وافتعال الأحاديث في هذا الزمن بشكل لافت للنظر والانتباه، ومَن كانت هذه حالَهُ فهو أبعد الناس عن التقوى.
وقد ساعد على انتشار الشائعات في وقتنا الحاضر تَنَوُّع الوسائل وتَعَدُّدها عن طريق البثِّ المباشر بوسائله المختلفة، بحيث تصل الشائعة إلى مَن وُجِّهت إليه في زمن قياسيٍّ، والشائعة ليست دائمًا خبرًا كاذبًا أو قِصَّةً مُلَفَّقة، وإنما قد تكون وَاقِعيَّةً تستحق الكتمان، وغير قابلة للنشر، لِمَا في نشرها من الخطر والضرر على الفرد والمجتمع؛ لأنها تستهدف كثيرًا من الحالات والجوانب، فهي تؤثر على الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وهناك ما يُسَمَّى بحرب الشائعات، وهذا أثره كبير، وخطره شديد في علاقات الدول بعضها مع بعض، وهي تسمى الحرب النفسية، أو الحرب المعنوية.
والشائعات ليست وليدة هذا اليوم، وإنما هي معروفة بقِدَم الإنسان، لكنها أخذت تَتطور وتزداد مع تَطَوُّر الحضارات القديمة والحديثة، وهذا شيء مُشاهَدٌ فيما نلحظ الآن من الشائعات التي نسمع بها بين فترة وأخرى في شتى الوسائل.
ومَن يقرأْ تاريخ الأنبياء عليهم السلام وقصصهم مع قومهم في القرآن الكريم يَدْرِكْ أثر الشائعات وخطرها على الدعوة إلى الله، فمثلا - على سبيل المثال، لا الحصر - نوح عليه السلام رماه قومه بالضلال والجنون قال الله تعالى حكاية عنهم: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الأعراف : الآية 60] وفي موضع آخر: ﴿ وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾ [سورة القمر : الآية 9].
وهود عليه السلام اتَّهَمه قومُه بالسفاهة والكذب قال الله تعالى حكاية عنهم: ﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ ﴾ [سورة الأعراف : الآية 66] حتى وصل بهم الأمر إلى أن اتهموه في عقله - عياذا بالله - يقول الله جل وعلا حكاية عنهم أيضًا: ﴿ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ [سورة هود : الآية 54].
وموسى عليه السلام قالوا عنه: ساحر. وقد حكى الله جل وعلا وذكر ذلك على لسان فرعون: ﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [سورة الشعراء : الآية 34 - 35].
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين لم يسلم من تلك الشائعات الكاذبة الْمُلَفَّقة، فقد ابْتُلِي بحادثة الإفك، وكلنا يعلم هذه الحادثة، وكادت أن تؤثر في بعض النفوس، لولا أنَّ الله جل وعلا فضحهم وبَيَّن كذبهم، وبَرَّأ عائشة رضي الله عنها من فوق سبع سماوات، بَرَّأَها بآيات تُتْلَى إلى يومِنا هذا.
كذلك لما أشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أَثَّرَ ذلك على صفوف المجاهدين، والأمثلة على هذا كثيرة، ولعل من يأتي من إخواني يتحدث عنها إجمالا وتفصيلا.
وقد جاء التحذير - أيها الإخوة - من تلقف الشائعات والترويج لها صريحًا في قول الله جل وعلا: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [سورة الحجرات : الآية 6] فسمى الله ناقل الشائعة فَاسِقًا، ولا يخفى دور الفاسق في الإفساد في الأرض، وحَقٌّ على من سمع الشائعة أن يتثبت وأن يتأكد من صحة الخبر، وعليه أن يسأله نفسه هل في إعلانه مصلحة أم أن المصلحة في الكتمان؟!
ولقد جاء التحذير من الشائعة في السنة المطهرة أيضًا كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». ( 2)
وفي حديث آخر عند أبي داود: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَموا»( 3)، فكم أوقدت الكلمة الخبيثة من فتنة! وكم أهلكت من أمة! لا سيما إن كان مستثمروها من الفساق الذين يُرَوِّجون للباطل تحت شعار حرية الكلمة، وأي حرية هذه حين يجد أهل الباطل مَسْلَكًا لترويج أكاذيبهم، يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه من أجل التمويه والتضليل، فيَلْبِسون الحقَّ بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون
إن من يتولى كِبْر الشائعات وترويج الأكاذيب وقلب الحقائق لا يعرف قدر مسئولية الكلمة، فالحرية أيها الإخوة لا تعني الخوض في الباطل، فالإنسان مسئول أمام الله عز وجل عما يقول وعما يفعل، قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [سورة ق : الآية 18].
وقال جل من قائل: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [سورة الإسراء : الآية 36].
فكم من كلمة قالت: لصاحبها دعني. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ»( 4) نعوذ بالله وما قرب إليها من قول أو عمل.
وقد قال الشاعر:
إِذا رُمْتَ أَنْ تَحْيَا سَليمًا مِنَ الرَّدَى
وَدِينُكَ مَوْفورٌ وَعِرْضُكَ صَيِّنُ
فَلا يَنْطِقَنْ مِنْكَ اللِّسَانُ بِسَوْءَةٍ
فَكُلُّكَ سَوْآتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسُنُ
أسباب انتشار الشائعات وداوفعها:
إن انتشار الشائعة بين أفراد المجتمع له دوافع كثيرة، وهذه الدوافع قد تكون دوافع نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وتتعرض الشائعة في أثناء التداول إلى التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص.
ولنذكر أهم أسباب انتشار الشائعة - وهذا على سبيل المثال لا الحصر لئلا يطول بنا المقام - من تلك الأسباب:
السبب الأول: اتباع الهوى الهوى.
والمقصود بالهوى هوى النفس الأَمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فصاحب الهوى يعمل على نشر ما يوافق هَوَى نفسِه، ولو كان على حساب إلحاق الضرر بغيره، فهو لا يهمه إلا مصلحة نفسه فقط، وإشباع غريزته السيئة، ولا يهمه ما يحصل بعد ذلك من خطر على البشر، ولهذا أنكر الله جل وعلا على من هذا صنيعه، فقال تبارك وتعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [سورة الجاثية : الآية 23]، وقال جل وعلا: ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [سورة ص : الآية 26].
فمَن يعمل على نشر الشائعة دون النظر في العواقب إنما يعمل ذلك لموافقة هوى نفسه، ولا يخفى علينا خبر هوى النفس الأَمَّارة بالسوء.
السبب الثاني: الجهل.
ونعني الجهل بعواقب الأمور، فمن أراد أن يقدم على عمل لا بد أن يكون عنده بُعْدُ نظرٍ ليعلم ما يمكن أن يُؤدِّيَ إليه هذا العمل من المفاسد؛ إذ لا يليق به أن يقتصر على فهمه القاصر، فقد يظن الإنسان أن ما ينشره من الأكاذيب والأقاويل حقائق مُسَلَّمة لا تقبل الجدل، لكن في الحقيقة هي أكاذيب مُلَفَّقة، فالجهل بعواقب الأمور من أهم دوافع انتشار الشائعات في المجتمع، وأحيانا قد يؤدي به جهله إلى أن يطلق الشائعة من باب الْمُزاح والدعابة، إن أولئك الذين يطلقون الشائعات على سبيل المزاح والدعابة لا تلبس شائعاتهم أن تتلقفها الآذان الصاغية المحبة للفساد والإفساد بين الناس، ثم سرعان ما تنتشر انتشار النار في الهشيم، تسابق الريح من هنا وهناك حتى تعم الآفاق، ومَن كانت هذه حاله وهذه مهنته ولا يتمعر وجهه من الخوض في الباطل يكون من الذين خلعوا ربقة الحياء من أعناقهم؛ لأن كل همه إثارة المشاكل وخلق القلاقل بين الناس.
السبب الثالث: النفاق:
إن النفاق سبب من أسباب الإرجاف، قال جل وعلا في الآية: ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 60].
والنفاق مرض القلب، وهو سبب الويلات والنكبات، فما من فتنة إلا وكان للمنافقين يد فيها، وما حادثة الإفك من ذلك ببعيد، وهي خير شاهد على ذلك، وقد وصف الله المنافقين بالعداوة للمؤمنين، ومن يرد إلحاق الأذى ونشر الفوضى فهو عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، كما قال جل وعلا عن حالهم: ﴿ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [سورة المنافقون : الآية 4] فهم أهل إرجاف وكذب وبهتان، يُخْفُون ما لا يُبْدُون، والحقيقة أن هذه الشائعات المغرضة إنما تصدر ممن لا خلاق له.
السبب الرابع: الفراغ.
إنَّ الفراغ القاتل يؤدي بلا شك إلى ترويج الشائعات بطرق ووسائل مختلفة، ومن هذه الطرق وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والجوال ويكون ذلك بغرض التسلية والتهكم، ولذلك شواهد كثيرة من رسائل "البلوتوث" عياذًا بالله.
كثير من الشائعات تنقل عن طريق البلوتوث، وتنقل عن طريق مواقع الدردشة في الإنترنت وهذه المواقع ما هي إلا ويلات على البشر، وخاصة الشباب منهم الذين جعلوها مسرحًا لآرائهم وأفكارهم الهدامة، فهم يتناقلون فيها القيل والقال، والزور والبهتان، وخدش الحياء، لا شك أن هذا سوء استخدام للفراغ الذي هو نعمة من الله جل وعلا ومِنَّة مَنَّ اللَّهُ بها على الإنسان، وكما جاء في الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»( 5)
ولا يخفى علينا أن تجريح الآخرين ونشر معايبهم في تلك الوسائل يُعَدُّ أيضًا من الغيبة المحرمة؛ لأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره، فمن ينقل هذه الأقاويل الملفقة عن طريق تلك الوسائل ويذكر معايب أخيه فهذا من الغيبة المحرمة، والله جل وعلا يقول: ﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾ [سورة الحجرات : الآية 12] ويزداد خطرها وإثمها إذا تحولت هذه الغيبة إلى شائعة وانتشرت بين الناس على وجه التشهير والفضيحة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السبب الخامس: الرغبة في حب الظهور.
إن حب الظهور مرض نفسي، وهو من الحيل العقلية التي يلجأ إليها ضعاف النفوس من أجل إبراز أنفسهم على حساب الآخرين، يعني يعمل الواحد منهم على إبراز نفسه بنشر هذه الشائعات وإن كان فيها ضرر على غيره نتيجة لِمَا يعانيه من الفشل في حياته العامة، مُعْتَقِدًا أن ذلك يُعوِّض ما يشعر به من نقص، ولا شك أن هذا اعتقاد غير صحيح، ومسلك باطل، فرحم الله امْرَءًا عرَف قَدْر نفسه.
السبب السادس: الشعور بالكراهية للآخرين.
إن الشعور بالكراهية للآخرين وخاصة مَن لهم نفوذ ومكانة في المجتمع سبب في زرع الشائعات ، فيعمل مُرَوِّج الشائعة على نشرها من باب الكراهية والبغضاء لذلك الإنسان ذي النفوذ حتى يسيء إلى سمعته بين الناس، وذلك لِمَا يَرَى عليه من نِعَم الله من المكانة والمنزلة، وهذا يعد من باب الحسد على هذه النعمة، فيأخذ في ترويجع الشائعات الكاذبات عنه حتى يسيء إلى سمعته، ويكون هذا أحيانا من باب الانتقام لنفسه بإلحاق الضرر بأخيه.
وخلاصة القول أن هذه الأسباب يجمعها سبب واحد، وهو ضعف الوازع الديني، فإن الإيمان متى وَقَر في قلب العبد فإنه لا يرضى بأذية لأخيه المسلم، فالإيمان يُرَبِّي صاحبه على الأخلاق الفاضلة، أما إذا خف ميزان الإيمان في قلب العبد - عياذًا بالله – فعندئذ يصبح العبد عرضة لكل ما مِن شأنه الإساءة والإفساد، ومن ذلك الإفساد والإساءة تلقف الشائعات ونشرها، فلا شك أنَّ ضعف الوازع الديني هو رأس الأمر كله في نشر هذه الشائعات الكاذبة.
اللهم احفظ بلادنا من حقد الحاقدين ونوايا المغرضين، واحفظ قلوبنا من النفاق، وأعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب، اللهم أرنا الحق حَقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئ الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، وأوصي نفسي وجميع إخواني المسلمين بتقوى الله عزو وجل، وأذكرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»( 6)
أحسن الله إليكم، وبارك فيكم على ما أدليتم به وتفضلتم به، لا شك بعد هذا العرض من الشيخ عن الشائعة وعن أسباب انتشارها أصبح في أذهاننا مدى أخطارها وأضرارها على المجتمع، ولا شك أنها كثيرة.
كلمة الشيخ محمد السعيد
خطر الشائعات على الفرد والمجتمع
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، أيها الأحبة في الله أحييكم بتحية الإسلام الطيبة تحية أهل الجنة، تحية فيها سلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقد تفضل فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم ببيان أسباب الشائعات، فجاء من المناسب أن نتكلم عن أخطارها وأن نحذر منها، فالشائعات لها خطر عظيم وأمر جسيم على الفرد والمجتمع وعلى مستوى الدول والحكومات، فيكفي من خطر الشائعات أنها تدخل في باب الغيبة والنميمة، وقد حذرنا الله من ذلك أيما تحذير، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾ [سورة الحجرات : الآية 12].
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ». قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ قَالَ « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ».( 7)
إن سبب نزول قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾ [سورة الحجرات : الآية 12] أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا. تَعْنِى أنها قَصِيرَة. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ». ( 8) أي: غيرته.
وهي لم تقل شيئًا إلا أنها قالت كذا وكذا، يعني تقصد بأنها قصيرة، فما بالكم بمن يُرَوِّج الشائعات الكبيرة، ويسعى في نشرها وتشويه سمعة الناس والطعن في أعراضهم وأخلاقهم وقدراتهم وعلمهم، ويسعى إلى انتشار ذلك ما استطاع إليه سبيلا، فهي أيضا تدخل في باب النميمة، وقد قال تعالى: ﴿ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [سورة القلم : الآية 10 - 11].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ»( 9) وفِي لَفْظٍ: «نَمَّامٌ». والقتات الذي ينقل الكلام من شخص إلى شخص، أو مِن قَوْم إلى قَوْمٍ على سبيل الإفساد.
وتدخل الشائعات في باب الكذب، والله حذرنا من الكذب قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَاذِبُونَ ﴾ [سورة النحل : الآية 105].
أكد على كذبهم وافترائهم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» ( 10)
هل ترغب يا عبد الله أن تكون من الكاذبين الذين يحملون الأخبار الملفقة غير الصحيحة؟! لأن الشائعة إما أن تكون كَذِبًا مَحْضًا وإما أن تكون أخبارًا ملفقة تحتمل الصدق والكذب، أي تكون مزيجًا من الأخبار المشوهة غير الموثوقة، وغالبًا ما تكون الشائعات يكتنفها الغموض والسرية والسرعة في نشر الخبر، والهدف الإساءة إلى الآخرين، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم محذرًا: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». ( 11)
ويقول صلى الله عليه وسلم: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَموا»( 12) فهو يسمع أيَّ خبر خيرًا كان أو شَرًّا، أو فيه مصلحة للمسلمين أو للأفراد أو فيه مضرة، وينقل هذا الخبر على عواهنه بدون التأكد، وبدون التريث، وبدون أن ينظر هل في نشر هذا الخبر مصلحة للمسلمين أم فيه مضرة؟ فإذا كان فيه مصلحة نسعى إلى نشره، وإذا كان فيه مضرة ويجر إلى فتنة وفساد فيتوقف الإنسان، ولقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتحدث ويكذب في حديثه بأن فيه خصلة من خصال النفاق قال صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَااؤْتُمِنَ خَانَ».(13 )
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»(14 )
لذلك وجب أن نتثبت في نقل الأخبار حتى لا نسعى في نقل الكذب ونكون من الكاذبين قال الله عز وجل: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [سورة الحجرات : الآية 6] ومعنى تبينوا : تثبتوا.
لقد حَذَّرنا الله من نقل الخبر بدون التثبت فقال: ﴿ أَن تُصِيبُوا ﴾ [سورة الحجرات : الآية 6] أي: لئلا تصيبوا. فالتساهل في نقل الخبر قد يكون سببًا لإصابة الآخرين، ويكون فيه ضرر لهم، سواء شعرت أم لم تشعر، والله عز وجل حذرنا من أذية المؤمنين، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 58]
وفي الحديث: «مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ».( 15) ومعنى ما لا يعنيه: ليس منه فائدة
فالنبي صلى الله عليه وسلم بَيَّن لنا هذه الأمور وحذرنا منها أيما تحذير، لقد جاء الإسلام بالتعقل والتثبت، قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [سورة الإسراء : الآية 36].
وقال جل من قائل: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [سورة ق : الآية 18] ، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [سورة الانفطار : الآية 10 - 12].
والشائعة لها آثار وأخطار نفسية؛ فهي سبب في إحداث الأضرار النفسية والعقلية للإنسان، لا الجسدية، فقد يكون هذا الشخص الذي تَلَقَّى هذه الشائعة وحِيكَت ضِدَّه ضعيف الإيمان، ضعيف الصبر، ضعيف التحمل، فلا يستطيع الصبر، فربما تؤثر على نفسيته، فينطوي على نفسه ويعتزل الناس، وربما تطور الأمر إلى أن يضرب عن الأكل والشرب وتسوء صحته وتتدهور من يوم إلى يوم حتى يئول به الأمر إلى الوفاة، أو إلى الجنون، أو الخبل حتى يمشي يحاكي نفسه.
وأعظم من اصطلى بنار الشائعات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضلُ خلق الله على وجه الأرض، وذلك في حادثة الإفك، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم شَهْرًا كاملاً وهو في حَيْرة من أمره، حتى نزل الوحي من السماء يُبَرِّئ أُمَّنا عائشة رضي الله عنها من هذه الفرية التي خاض فيها البعض.
ولَمَّا توفي النبي صلى الله عليه وسلم اشتغل الكفار والمنافقون بإشاعة وهي كيف يموت النبي، لو كان نَبِيًّا ما مات، ولرد عن نفسه الموت، حتى خرج عمر بن الخطاب ومعه سيفه يقول: من ادعى ذلك فسأقطع رأسه. واضطرب الناس ولم يتحملوا الموقف، حتى خرج أبو بكر رضي الله عنه وخطب خطبته فقال: مَن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. جاء بالخبر اليقين وتلا قوله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 144] إلى آخر الآيات. فثَبَت الصحابة ورَضُوا بما كتب الله وبما قسم الله؛ لأنه رضوان الله عليه ذكرهم وجاءهم بالخبر اليقين والصحيح.
ويقول أحد من اصطلى بنار الشائعة: حصل بيني وبين جاري خلاف بسيط، فحقد علي، فرأيت بعد فترة أن جماعة الحي لا يسلمون عَلَيَّ، ولا يَرُدُّون عَلَيَّ السلام، وصاروا لا يَدْعُونَنِي إلى اجتماعاتِهم وندواتِهم المعتادة، فأحسست أن في الأمر شيئًا، فبعد أيام دخل ولدي عَلَيَّ فَزِعًا وهو يقول: يا أبي، ما معنى كلمة مُرَوِّج؟ قلت: ماذا تقول؟ مَن قال لك هذه الكلمة؟ قال: قالها لي ولدُ الجيران - حصل بين هذا الطفل وطفلٍ آخر من الجيران خلاف، فقال له: يا ولد المروج – قال: فاضْطَرَبَتْ أعصابي واضْطَرَبَتْ نفسي وصِرْتُ في حَيْرة من أمري، حتى حاولت أن أعرف الخبر، وإذا به قد أشيع عني أني مُرَوِّج مُخَدِّرات، وأنا بريء من هذه الفرية، فضاقت بي الأرض بما رَحُبت، حتى إنَّ صاحب العقار رفض أن يجدد لي العقد؛ لأنه سمع بهذه الشائعة، فخرجت واستأجرت في حَيٍّ آخر؛ لأنه لم يكن لي وجه أقابل به الناس وقد انطلقت هذه الفرية عَنِّي وشاعت في الحي.
فانظروا إلى الشائعات كيف تسبب البلبلة وتسبب الفرقة وتسبب الخصام وتسبب الحقد والحساسية بين أفراد المجتمع.
والشائعات لها آثار اقتصادية سيئة، فقد تؤثر على اقتصاد البلد وتسبب انهيارًا للأثرياء وغيرهم، وقد سمعنا أن من أسباب الانهيار الاقتصادي في العالم الذي تسمعونه الآن من بعض المحللين إشاعة بعض الشائعات ضد الأثرياء وضد بعض المؤسسات التجارية، حتى وصل الأمر إلى ما تسمعون به الآن.
من الأمثلة في ذلك: يأتي صاحب مصنع عنده صناعة كاسدة لا يُشْتَرَى منه، وليس للناس رغبة في منتجه فيدبر شائعة أو أكذوبة أن المصانع الفلانية والفلانية تستعمل في هذه المنتجات مواد كيماوية تضر بصحة الإنسان، سواء كان مشروبًا أو مأكولاً أو ملبوسًا، فيعرض الناس الذين سمعوا بهذه الشائعة عن الشراء من هذه المنتجات خوفًا على أنفسهم وصحتهم، فتُصاب هذه المصانع وهذه المنتجات بالخَسارة، وربما أقفلت أبوابها وأوقفت إنتاجها، كل ذلك من أجل أن يُدِيرَ مَصْنَعه ويَجْعله مُنْتِجًا على حساب الضرر بالآخرين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»( 16) وقد يكون هدف الشائعات الإخلال بالأمن، فتكون سببًا في بلبلة الناس واضطرابهم، وخاصة في البلدان التي فيها حروب، فيستخدمها الأعداء ضد أعدائهم، فيروجون شائعات عبر وسائل الإعلام من تلفاز وإذاعة ومحطات فضائية وشبكات إنترنت أن البلد الفلاني قتل منه كذا وكذا من الأفراد، وسقط منهم عددًا من الطائرات، واحترقت دبابات، وتهدمت بيوت ومساكن، فيحدث هزيمة نفسية للجنود المقاتلين، ويصابون بالاضطراب والحيرة في أمرهم، والجبهة الداخلية تهتز، فيتولد عند الناس والشعب البغضاء لحاكم البلد أو لرئيس الجمهورية، فربما تقوم ثائرتهم وتتحرك الفتن، وربما تقوم المسيرات للانقلاب على ذلك الحاكم.
وتمتد الشائعات فتنال من كبار الشخصيات والوزراء، والعلماء والمشايخ وطلبة العلم والدعاة إلى الله، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حتى تحصل الفجوة والهوة بين العلماء وبين الناس، فتهتز الثقة بين الناس والعلماء، فيذهبون يستفتون الجهلة، ويستفتون أولئك الذين يخرجون عبر المحطات الفضائية ممن ليس عنده علم فيفتونهم، ويتركون علماء البلد؛ لأن هناك مَن يُشَوِّه سُمْعتهم ويطعن في مِصْداقيتهم، ويطعن في علمهم.
فانظروا كيف تصل الشائعات من الخطر إلى هذا المدى، بل تصل إلى أمور كثيرة يضيق المجال لسردها، ويضيق الوقت لعدها، نسأل الله أن يُجَنِّبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأل الله أن يوفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات، وأن يُرِيَنا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لا شك أن المجتمعات طالها ما طالها من هذه الشائعات، وسيحدثنا الشيخ الدكتور فهد الفهيد عن حماية المجتمع من الشائعات وطرق علاج ذلك.
كلمة الشيخ الدكتور فهد الفهيد
حماية المجتمع والأفراد من الشائعات
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد تحدث صاحبا الفضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الحمود وفضيلة الشيخ محمد السعيد عن الشائعات وقد أفادا وأجادا فيما يتعلق بأسباب الشائعات وعظم خطرها وأضرارها، وألخص الحديث فيما يتعلق بحماية المجتمع والأفراد من هذه الشائعات.
طرق حماية المجتمع من الشائعات:
أولا: صيانة اللسان.
إذا عرفنا أن الشائعات أصلها نميمة وكذب وأخبار قد زِيدَ فيها ونُقِص منها، وغُيِّرت عن وجهها، نتذكر ما جاء في النصوص من القرآن والسنة من وجوب حفظ اللِّسان، قال الله جل وعلا: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [سورة الإسراء : الآية 36].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»( 17)
فهذا أول علاج للشائعات، وهو علاج نَاجِع يقطع دابرها، ويُطْفِئ نارها، ويميت شَرَّها في مكانه، فإذا وصلت إليك أَمِتْها بأن تحفظ لسانك، ولا تتكلم بها، ولا تَرْضَى لأحدٍ أن يتكلم بها.
ثانيا: الحذر من سوء الظن.
يُعَدُّ الحذر من سوء الظن من أسباب علاج الشائعات، فالواجب على المسلم أن يكون سليم الصدر لإخوانه المسلمين خُصوصًا ولاة أمورهم وعلماءَهم ودعاتِهم والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وأهلَ الخير والصلاح، بل وجميع عموم المسلمين والمسلمات، فإحسان الظن واجب، وإساءة الظن بالمسلمين مُحرَّمة شَرْعًا، قال تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة الحجرات : الآية 12].
ثالثا: التماس الأعذار وحسن النية.
إذا بلغك عن أحد كلام أو سمعته وتوثقت من صحته، فالواجب عليك أن تحمله على أحسن المحامل، وأن تبحث له عن الأعذار، فربما يكون له عذر أو أمور قد احتفت بها القرائن، فيكون لكلامه أو لتصرفه عذر تعذره به، فلا تظن بأخيك شَرًّا، فأنت قادر على أن تحمل كلامه أو فعله على أحد مَحامل الخير.
رابعا: الرد إلى رسول الله وولاة الأمر عند وصول الشائعة.
يجب علينا أن نرد الأمور إلى رسول الله أو ولاة أمورنا، وننظر كيف يتعامل الشرع مع مثل هذه الأمور. قال الله تعالى في الشائعات التي تخيف المسلمين: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا ﴾ [سورة النساء : الآية 83].
فيا أيها المسلمون ربنا يدلنا على خيرنا وصلاحنا وسعادتنا، وينهانا عما فيه شَرٌّ لنا فقوله: ﴿ أَذَاعُوا بِهِ ﴾ [سورة النساء : الآية 83] يعني تحدثوا به في المجالس والأماكن ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ ﴾ [سورة النساء : الآية 83].
هذا هو المشروع لكل مؤمن ومؤمنة، إن كان الأمر أَمْرًا شَرْعِيًّا دِينِيًّا فَيُرَدُّ إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته إلى ورثته من العلماء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».(18 )
وكذلك يُرَدُّ الأمر في مثل ذلك إلى ولاة الأمور، كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾ [سورة النساء : الآية 83]. فهم أهل الشأن والاختصاص، فولاة الأمور هم أهل الخبرة فيما يتعلق بالأعداء وبغير ذلك من الأمور العسكرية أو الحربية أو الاقتصادية.
وكما تفضل فضيلة الشيخ محمد السعيد عندما ذكر أن كثيرًا من الناس ينقل الأخبار عن الدول المعادية والتي تقوم هي بنشرها لتبث الفرقة في بلاد المسلمين وتزعزع أمنهم، فالواجب على المسلمين أن يردوا الأمر إلى أُولي الأمر.
خَامِسًا: عدم مجالسة المرجفين( 19).
يجب على المسلم عدم مجالسة المرجفين في الأرض أو الاستماع إليهم عبر القنوات والإذاعات أو قراءة كلامهم في المنتديات أو الصحف والنشرات، فهم حريصون كل الحرص على أن يصلوا إليك أيها الإخوة ليؤثروا فيك. فالواجب على المسلم الابتعاد عنهم وعدم مجالستهم، ويجب عليه ألا يستمع إليهم حتى يسلم من هذ الشر والفساد، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 68] وقال تعالى: ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 60].
فيجب الحذر من المرجفين، وإياك إياك أيها المسلم أن تصدق المرجفين في الأرض.
سادسا: إدراك عظم الشائعة وخطرها وضررها.
إذا صدق الإنسان ما يقوله مروج الشائعات من أن فلانا وقع في الفواحش أو أن فلانا صدر منه أمر مستقبح أو أن فلانا وقع منه كذا وكذا ونحو ذلك من قبائح الأمور، إذا أدركت عظم كم الضرر الذي يقع عليك وعلى المسلمين من تلك الشائعات، أدركت خطرها، وأدركت أنه يجب عليك السكوت والنصح لمن بلغك عنه أمر مستقبح وذلك بعد التأكد والتثبت.
فيجب على المسلم أن يقف وقفة حازمة أمام هؤلاء الكذبة والمروجين للأخبار الباطلة، بل يجب ذلك على أفراد المجتمع وولاة الأمور وأهل العلم، فإذا وقف المجتمع كله ضدهم باءوا بالفشل والخسران.
أيها المسلمون إن من يروج الشائعات تهون عليه المعاصي في المجتمع المسلم، مما يجعله يدل عليها ويصف أماكنها، ونوجه رسالةً لكل إعلامي وصحفي، وإلى كل من يكتب في المنتديات والإنترنت أو يتكلم في القنوات بأن يتقي الله عز وجل، فكم سمعنا أخبارًا مُفْزِعة كان مَن سبق مِن الصالحين في هذه البلاد وبلاد المسلمين لا يسمع بها إلا مرة في الأمد الطويل، واليوم مع كل أسف ينشرون أخبارًا شِبْه يومية عن فواحش أو عن أمور حدثت وربما لم تثبت، وربما تكون من قبيل الكذب على أصحابها، ألا يدري هؤلاء أنهم يشجعون على الفواحش، وأذكرهم بقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النور : الآية 19].
حتى لو كانت تلك الأخبار التي تنشر من قبيل الصدق فلا يحق لك أن تشيع عن أصحابها وتفضحهم، فالدين النصيحة، وليس الفضيحة، يقول بعض العلماء لمن يأمر بالمعروف ويهنى عن المنكر: اجتهد في ستر العصاة، فإن ظهور عوراتهم وَهَن في الإسلام، وأحق شيء بالستر العورة.
أيها الإخوة في الله، كم من الناس ارتكب المعاصي بعد أن كان غافلا عنها بسبب ما رآه أو سمعه عنها في بعض الصحف والمحطات الإذاعية وبعدما علم أماكنها وصفتها من هذه الوسائل، فالواجب على المسلم أن يحذر من ذلك أشد الحذر.
سابعًا: الثقة في المسلمين.
من أسباب علاج هذه الشائعات الثقة في المسلمين عامَّةً والثقة في بلادهم، والثقة في ولاة الأمور، والثقة في علماء الإسلام الراسخين، وعدم قبول كلام الأعداء فيهم، فإن الثقة بهم هي الأصل، فالأصل في المسلم السلامة، وأما ما طرأ على ذلك فهو عارض.
أيها الإخوة في الله إذا سمعنا قول الله عز وجل: ﴿ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [سورة الحجرات : الآية 6] وقوله سبحانه: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ﴾ [سورة النساء : الآية 94] فحينئذ يتوقف المسلم، يتوقف لقوله: ( فَتَبَيَّنُوا). فعندما تنقل كلامًا فيه قال فلان، وقيل كذا، وكتبوا كذا، وأنت لم تتثبت ولم تتبين فعليك أن تتذكر أنك محاسب عند الله عز وجل على ما تتلفظ به، قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [سورة ق : الآية 18] وقال صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». (20 )
فمن ينقل كل ما يسمع بدون تثبت فهو من الكاذبين، فالمسلم يتثبت ويتأكد، وعلى المسلم الحذر من الظلم والجهل، فهذان الصفتان من لوازم صفات الإنسان الذي قال الله تبارك وتعالى عنه: ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 72].
فاحذر من نفسك ففيها الظلم وفيها الجهل، إياك إياك أن تطيع دواعي النفس، فعالج ما في نفسك من الظلم بتقوى الله عز وجل، وبالعدل والإنصاف، وعالج ما في نفسك من الجهل بالعلم، والتحري والتثبت، وحفظ اللسان وحفظ الفؤاد، نسأل الله جل وعلا أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يحفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين، وألا يشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، ونسأل ربنا سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يصلح ولاة أمورنا، وأن يوفق علماءنا، وأن يجمع شملنا، وأن يؤلف بين قلوبنا، ومن كان يريد بنا وبالمسلمين سوءا نسأل الله أن يرده خاسئًا، اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، لقد تحدث المشايخ الفضلاء جميعًا في موضوع واحد ألا وهو الشائعات وخطرها على الأفراد والجماعة، وتقاسموا هذا الموضوع، كلٌّ تحدث عن جانب من جوانبه، وهذا الموضوع في الحقيقة موضوع هام وحساس، والعمل على أسباب علاجه أو التنبيه عن أخطاره يجب أن يتكرر، وأن يعاد المرة تلو الأخرى؛ لأن هذا المبدأ خَيِّر جِدًّا ومؤثر على الناس في أمور دينهم ودنياهم، لقد أمرنا الله جل وعلا بالصدق حيث قال: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [سورة التوبة : الآية 119]، وحذرنا جل وعلا من الكذب، فقال في حق الكذابين: ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [سورة البقرة : الآية 10] وقال جل من قائل: ﴿ وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [سورة الزمر : الآية 60].
وأمرنا ربنا أن نتثبت من الأخبار حين ترد إلينا، وألا نقبلها بمجرد سماعها، بل نمحص وندقق، ولا نشيع كل ما سمعنا، قال جل من قائل: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [سورة الحجرات : الآية 6].
ونبينا صلى الله عليه وسلم حذرنا من ترويج الشائعات فقال: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَموا»( 21) وقال صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ». ( 22)
فالتبثت في الأخبار ونقلها والحكم عليها يحتاج إلى تثبت، فلا تحكموا على شيء من سماع، فربما يكون المتكلم مسيئًا وحاقدًا ومغرضًا لا يهمه إلا ترويج الباطل، فقد ينسب الخطأ والجهل والكذب إليك وأنت بريء منه.
فالكذب أمره عظيم، ويصف النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيته حال المُعَذَّبين من أهل الكذب فيقول: «أَمَّا الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»( 23) . وقال صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلَّذِى يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ»( 24)
أيها الإخوة الشائعات شأنها كبير، وأعظمها أن تشيع عن مسلم أمرًا هو بريء منه، وتنسب إليه ما لم يتكلم به، وما لم يعمل به، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة النور : الآية 19].
فالذي يحب إشاعة الفواحش ونشرها وتلفيقها وينسبها إلى المؤمنين كَذِبًا وافتراءً هو ممن يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، والله حذرنا من إيذاء المؤمنين حيث قال: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 58].
وقال جل وعلا مُتوَعِّدًا هؤلاء: ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 60 - 61].
فالمرجفون في المدينة هم الذين يشيعون الفاحشة، يكذبون كذبة ويروجون الأكاذيب والأباطيل، ويسوقونها طعنا في الأبرياء وتلفيقا لهم، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [سورة النساء : الآية110 - 112].
كم من شائعات أغرت الناس وأغوتهم، وكم من شائعات وقع الناس بأسبابها في الخطإ، وكم قُدِح في أناس أبرياء وإشيع عنهم ما لم يقولوه، ونُسِب إليهم ما لم يأمروا به أو يفعلوه، إنما يقصد هذه الأشياء المغرضون وأهل الحقد والحسد، والذين في قلوبهم مرض، ينتصرون لأنفسهم على حساب إذلال الآخرين والإساءة إليهم، فالواجب علينا أن نتقي الله ونحذر هذه الشائعات الباطلة، وكم من محطات فضائية ومنتديات خبيثة تشيع الفاحشة والكذب والباطل والزور، نسأل الله العافية.
فيا أيها المسلم إذا جاءك عن شخص أنه عمل عملا سيئا وقال قولا سيئا فعليك أن تتثبت، فلعل الناقل حاقد، ولعل الناقل جاهل، ولعل الناقل سَيِّئ الحفظ، ولعل الناقل سَيِّئ السمع أو سَيِّئ الفهم، فيعبر عما يظنه.
وإذا نسب إلى عالم فتوى تراه زلت بها قَدَمُه فاتصل به واسأله عما قيل، فلعل ناقلا أساء القول، أو أساء التصرف، فالمهم ألا نقبل الشائعات.
والذين يحاولون القدح في الولاة ويشيعون عنهم ما لم يفعلوه وما لم يقولوه لأجل نشر الفوضى وملء القلوب حِقْدًا وبغضاء مُغْرِضون مرجفون لا خير فيهم؛ لأن المسلم ينصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين، ينصح لعموم المسلمين بالنصيحة الصادقة الهادفة في قنواتها المعتبرة، لا يطلب بها شهرة ولا رياء، ولكن يقصد إصلاح الحق، وإيصال كلمة الحق بأدب واحترام، هكذا المسلم في أخلاقه وتعامله، نسأل الله أن يرزقنا الصدق في أنفسنا والتفكر في عيوبنا قبل أن نفكر في عيوب الآخرين، فعلينا أن نتبصر في عيوب أنفسنا ونصلح ما أخطأنا فيه، فلعل ذلك يكون هو الخير، وفقني الله وإياكم لما يرضيه.
أسئلة:
سؤال:
ما حكم الجلوس في بعض المجالس التي يُطْعَن فيها ويُشَكَّك في حكام هذه البلاد وينشر ذلك في المجالس عنهم لأجل التقليل من هيبتهم وزعزعة الأمن وجزاكم الله خيرا؟
جواب:
إذا احتوى المجلس على أناس يطعنون في الولاة ويقدحون فيهم ويفترون الكذب عليهم، ففي هذا الموضوع أمران:
الأمر الأول: نصيحتهم وتحذيرهم من بأس الله ونقمته، وأن اغتياب الولاة أمام الجهلة والعامة وتلفيق التهم لهم إنما يصدر عن أناس عقولهم قاصرة، ويجب أن يُبَيَّن لهم أن هذا أمر خطير، فحذرهم من ذلك، فإن أبوا وإلا فابتعد عنهم، ولا يمكن أن تصاحبهم فيُقْتَدَى بك، وأنت تعلم شرهم وبلاءهم، هؤلاء جلساء سوء، وهذا مجلس سَيِّئ، فالمجلس الذي يُقْدَح فيه في الولاة ويُسَبُّ الولاة فيه مجلس سُوءٍ؛ لأن الولاة نعمة من نعم الله على المسلمين، فضلهم كبير، بهم يقيم الله العدل، وبهم يردع الله الظالم عن ظلمه، وبهم تقام الحدود وتحمى الثغور، ويؤمن الناس على دينهم ودمائهم وأموالهم، الولاة نعمة من نعم الله، ورحمة من الله بالمسلمين، الولاة رحمة من الله وفضل وإحسان، الولاة لهم فضل كبير، والذي يقدح فيهم أو يحاول التنقص منهم فإنما هو مغرض ومحب للفوضى، ولو عاد هذا المنتقد لنفسه لرأى في نفسه من الأخطاء ما هو جدير به أن يصلحها.
فعليك بالنصيحة لهم فإن قبلوا النصيحة وأعرضوا عن هذا الباطل وإلا فاعتزلهم، لأجل ألا يَقْتَدِيَ بك غيرُك وتكون بذلك من الذين يُكَثِّرُ سَوَادَهم، فإن هؤلاء هم جلساء السوء؛ ولو كان فيهم خير لنصحوا لله بالطرق الشرعية، أما بالغيبة ومجالس السوء والطعن في الولاة وتنقيص قدرهم من الناس هذا ما يقدم عليه إلا جاهل مغفل، أو في قلبه مرض نسأل الله العافية.
سؤال:
ما هي النصيحة لأصحاب الصحف الإلكترونية من منتديات الإنترنت الذين يقومون بنشر الشائعات في هذه المنتديات وجزاكم الله خيرًا؟
جواب:
الأصل في هذه المنتديات ألا تقبل أخبارها، فهي منتديات يُفْرِغ كلٌّ فيها همه ، فليست هي من وسائل الثقة، وليست وثائق معتبرة، ولا مصادر مُعَوَّل عليها، هذه المنتديات لمجاهيل، كل إنسان يقوم بعمل منتدى ويملي فيه ويخطب ويكتب فيه ما يريق له، فليست مصادر معتبرة، هي مصادر مجهولة لا يعول عليها ويعتمد عليها في الأخبار، لأن صاحبها معتمد على غير هدى.
سؤال:
ينقل عن سماحتكم في بعض منتديات الإنترنت وبعض المجالس أنكم أفتيتم بجواز التصوير الفوتوغرافي، فما صحة ذلك وجزاكم الله خيرا؟
جواب:
التصوير المجسم لا يشك أحد في تحريمه، والتصوير الذي بلينا به الآن كما تعلمون، كتصوير المرضى بالأشعة، والكاميرات التي تراقب الطرق وتراقب الأمن وتراقب المستشفيات، أصبح هذا التصوير الآن ليس مجرد تصوير فقط، بل أصبح أمرًا يحتاجه الناس في كل أحوالهم، فمراقبة الطرق بالكاميرات ومراقبة المستشفيات ومراقبة الأسواق ومراقبة المجتمعات العامة من الأمور المهمة، مثلا كما في الحرم - شَرَّفه الله - غرفة المراقبة يرون فيها أيَّ حركة لأي شخص خارج عن المعقول، يرونه في الحال، ويطلعون عليه، فبه حفظ الله الأمن، وبه استتب الأمر، فجنس الكاميرات هذه التي أصبحت ضرورة للناس ماذا يعمل الناس بها، لا شك أنها ليست للتصوير والتفكه، فهناك أشياء فُرِضت ووجدت وأصبحت ضرورية الآن في جميع شئون الحياة، فجنس هذه الأمور لو قلت: إنها حرام ماذا يعمل الناس؟ هذه وسائل تُعِين على اكتشاف الجرائم، وتساهم في التخطيط إلى غير ذلك من الضروريات، فهي أصبحت من الأشياء التي لا يستغنى عنها الآن.
سؤال:
ما هي الحكمة من إشاعة خبر الإفك في القرآن؟
جواب:
الله جل وعلا حكيم عليم، لقد أشاع المنافقون فرية الفاحشة فرية الكذب، أشاعوها عن أم المؤمنين رضي الله عنها انتقامًا من رسول الله وتشويهًا لفراش رسول الله وزعزعة لمقام النبوة، اشترك فيها المنافقون واليهود، وبعض من ضعف إيمانه من بعض الصحابة وقل إدراكه وتصوره، فاشترك فيها المنافقون واليهود وبعضٌ من أفراد المؤمنين - عفا الله عنهم وتاب عليهم لما تابوا - فالقضية في حادثة الإفك أن عبد الله بن أبي بن سلول كان يعيد ويزيد في القصة إذا كان في مجلس، ما كان يقذف، وإنما كان يقول: ماذا سمعتم؟ ماذا جرى؟ ماذا قيل؟ ماذا كذا؟ يشيعها في المجالس ويعيدها، كلما خَبَت كررها مِرارًا وتَكْرارًا لذلك قال الله فيه: ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة النور : الآية 11] أربعون يومًا والناس في تَخَبُّطهم، والمصطفى في أَلَم، والصديق وأهل بيته في غَمٍّ شديد، اشتد الأمر، فكشف الله الغمة ورفع الهم، وجاءت الآيات تُبَرِّئ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من كل ما نسب إليها، وبينت أن كل ما نسب إليها كذب وافتراء، وقال الله للصديق: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [سورة النور : الآية 11] فنزل في أمر المؤمنين آيات تتلى في محارب المسلمين، فنزل قرآن يتلى في براءتها وعِزِّ وشَرَفِ بَيْتِها، ونَعْيًا لبعض المؤمنين الذين سلكوا هذا المسلك وإرشادًا لهم إلى الخير وتحذيرًا لهم من العودة، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [سورة النور : الآية 14 - 15]، فبرأ الله فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وحَدَّ الذين قذفوا، وبقي المنافقون؛ لأن الحد لا ينفع فيهم، فبقوا على آثامهم، وكبت الله شرهم والحمد لله، فهي حكمة الابتلاء والامتحان.+
سؤال:
ما نصيحتكم لأناس يشيعون الشائعات عن علمائنا الكبار في بعض المجالس ويصفونهم بأنهم عملاء، لا هَمَّ لهم إلا الدنيا، وأنهم جامية فما حكم ذلك وجزاكم الله خيرا؟
جواب:
أيها الإخوة الأقوال كثيرة، كلٌّ يتحدث بما يهوى، لكن كما قال الله: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [سورة ق : الآية 18]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ ﴾ [سورة النور : الآية 24 - 25] كون الإنسان ينبسط في أعراض الناس ويصفهم بما هم بُرَآء منه، لا شك أن هذا خطأ عظيم، وخطر كبير، وخير لذلك المسلم ألا يتكلم بما لا يعلمه، فالتحدث عن الناس ووصفهم بالعمالة كأن يقول: علماء السلطة. بلا بينة ولا برهان يعد من أكبر الآثام، فالعلماء مع السلطة يد واحدة، فعلماء هذ البلد مع قيادتهم شيء واحد، وجسد واحد يشد بعضهم أزر بعض، ويعين بعضهم بعضًا، ولا انفصام ولا انفصال بينهم، بل هم فئة واحدة، وهذا هو الأصل، أن العلماء والقادة يد واحدة على الخير، والقيام بالواجب، والذين يقولون ويفترون هم بين جاهل وبين حاسد ومغرض، نسأل الله أن يعافي الجميع من كل سوء.
************************************************** ************************************************** *********************
( 1) الفِئام الجماعة من الناس. لسان العرب: فأم .
( 2) أخرجه مسلم (1/10 ، رقم 5).
( 3) أخرجه أحمد (5/401 ، رقم 23451) ، وأبو داود (4/294 ، رقم 4972)، وصححه الألباني .
( 4) أخرجه البخاري (5/2377 ، رقم 6113) .
( 5) أخرجه البخاري (5/2357، رقم 6049) .
( 6) أخرجه البخاري (5/2240 ، رقم 5673) ، ومسلم (1/69 ، رقم 48) .
( 7) أخرجه مسلم (4/2001 ، رقم 2589) .
( 8) أخرجه أبو داود (4/269 ، رقم 4875) ، والترمذي (4/660 ، رقم 2502) .
( 9) أخرجه البخاري (5/2250 ، رقم 5709) ، ومسلم (1/101 ، رقم 105).
( 10) أخرجه البخاري (5/2261 ، رقم 5743) ، ومسلم (4/2012 ، رقم 2607).
( 11) سبق تخريجه.
( 12) سبق تخريجه .
( 13) أخرجه البخاري (1/21 ، رقم 33) ، ومسلم (1/78 ، رقم 59).
( 14) أخرجه البخاري (1/21 ، رقم 34) ، ومسلم (1/78 ، رقم 58) .
( 15) أخرجه الترمذي (4/558 رقم 2317) وقال : غريب . وابن ماجه (2/1315 ، رقم 3976). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3/60.
( 16) أخرجه أحمد (1/313 ، رقم 2867) ، وابن ماجه (2/784 ، رقم 2341).
( 17) سبق تخريجه .
( 18) أخرجه أحمد (5/196 ، رقم 21763) ، وأبو داود (3/317 ، رقم 3641) ، والترمذى (5/48 ، رقم 2682) ، وابن ماجه (1/81 ، رقم 223) .
( 19) هم الذين يكثرون من الأخبار السيئة واختلاق الأقوال الكاذبة حتى يضطرب الناس. انظر المصباح المنير رجف.
( 20) سبق تخريجه.
( 21) سبق تخريجه .
( 22)سبق تخريجه.
( 23) أخرجه البخاري (1/465 ، رقم 1320) ، ومسلم (4/1781 ، رقم 2275) .
( 24) أخرجه أحمد (5/5 ، رقم 20058) ، وأبو داود (4/297 ، رقم 4990) ، والترمذى (4/557 ، رقم 2315) وقال : حسن.

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:30
وهذا إمامنا عبد العزيز ابن باز

التثبت في الأمور- الشيخ بن باز



http://www.youtube.com/watch?v=JIPolUzdIdc

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:33
خطورة الكذب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.. أما بعـد:-
أيها الأحبـة:-
نتحدث عن داء عضال، ومرض خطير لا يكاد يسلم منه أحد إلا من رحمه الله، هذا الداء هو داء الكذب. الكذب أيها الأحبـة من سمات الكافرين الذين قال تعالى عنهم {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة: 39) .
وقال تعالى { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ( ق: 18). فما من لفظ يتلفظ به اللسان إلا وهو مسجل في كتاب، وقال تعالى مبيناً أن العذاب الأليم لمن كان كاذباً فقال سبحانه وتعالى { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } (البقرة: 10). ولقد نفى المولى جل وعلا الإيمان عن أناس يفترون الكذب فقال سبحانه وتعالى { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } (النحل: 105).
والكذب مستقبح شرعاً وعقلاً، وتأباه الفطرة السليمة، فإنك ما زلت توقر المرء ما دام صادقاً فإن كذب سقط من عينك.
أيها الأحبة: لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدق طريق إلى الجنـة، والكذب طريق إلى النار ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)1
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الكذب إحدى خصال النفاق والعياذ بالله فقال كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهـن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر).
وفي حديث سمرة بن جندب الطويل بيان لعقوبة من يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق، وقد جاء ذلك في الرؤيا التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم ومما جاء في الحديث (فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلقٍ لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب، حتى يصبح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى) وفي نهاية الحديث بيان الذنب الذي ارتكبه ذلك الرجل وفيه: (فإن الرجل يغدوا من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق)2 . وفي رواية (فيصنع به إلى يوم القيامة). (ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ولقد كان الرجل يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة)3 .
أيها الأحبة: كم من أمور يظنها الناس أنها ليست بكذب وهي كذب من ذلك: دعوة الطفل الصغير لأخذ شيء والداعي لا يملكه فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله تعالى أعطيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(وما أردت أن تعطيه؟!!) قالت: أعطيه تمراً، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة)4 ومن ذلك: التحدث بكل ما يسمع؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)5 ومن ذلك: التحدث بالكذب لإضحاك الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ويل للذي يحدث فيكذب، ليضحك به القوم ويل له ويل له)6
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن يضعني الصدق –وقلما يضع- أحب إليّ من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل)7
وصح عنه عليه الصلاة والسلام قال: لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح، ويترك المراء وإن كان صادقاً)8
قال أبو عبد الله الإمام أحمد: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل9
وقال ابن القيم:
إياك والكذاب، فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس وقال أيضاً: فإن الكاذب يصور المعدوم موجوداً والموجود معدوماً، والحق باطلاً، والباطل حقاً، والخير شراً، والشر خيراً، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب. وقال أيضاً: ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. وقال أيضاً: إن أول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها، يعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيتحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكـة)10
وقال صالح بن عبد القدوس:
واختر صديقاً واصطفـيه تفاخراً *** إن القرين إلى المقـارن ينسب
ودع الكذوب ولا يكن لك صاحباً *** إن الكذوب لبئس خلاً يصحب11
وقال آخر:
وما شيءٌ إذا فكرت فيه ** بأذهب للمروءة والجمـال
من الكذب الذي لا خير فيه *** وأبعد بالبهاء من الرجال12

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

1 - أخرجه البخاري ومسلم.

2 - أخرجه البخاري مع الفتح برقم 7047.

3 -رواه أحمد والترمذي واللفظ له وكذا رواه غيرهما وهو في الصحيحة برقم (2052).

4 - أخرجه أبو داود وأحمد وهو في الصحيحة برقم (545).

5 - رواه مسلم.

6 - رواه أحمد وأبو داود وهو في صحيح أبي داود 4175.

7 - أدب الدنيا والدين 255.

8 - رواه أحمد والطبراني، وقال الألباني صحيح لغيره

9 - المصدر السابق 1/20.

10 - انظر الفوائد.

11 - الترغيب والترهيب 4/52-53.

12 - أدب الدنيا والدين 253.

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:35
الضوابط الشرعية في نقل الأخبار
للشيخ محمد صالح المنجد وفقه الله للحق


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد :-
فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وأنعم عليه نعماً، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(الإسراء: من الآية36) . وجعله محاسباً بهذا على حواسه التي أتاه إياها ، وفي العالم اليوم يتعامل الناس بحواسهم مع ما حولهم من الأحداث والأخبار، وقد صار لهذه الأخبار وقعٌ كبير في النفوس، لما حصل من تطور هذه الوسائل التي تنقلها ، وصار الخبر ينتشر مشافهةً ، وكتابةً ، وبوسائل عظيمة من هاتف وجريدة ومجلة وإذاعة وتلفاز وشريط مسجل، وشبكة نسيج، تمتد خطوطها في أنحاء العالم ، ومواقع خاصة بهذا ، وقنوات له كذلك ، فصار للأخبار من السحر والأثر والمكانة بين الناس ما صار، وصار يُنفق في إعدادها، والتخصص بها، والتقارير من أجلها، والشاشات ثلاثية الأبعاد التي تجعل المشاهد كأنه يعيش وسط الحدث، واحتف بهذا من المزينات والمؤثرات، وسحر الإعلام ما يجعل المشاهد يأخذ كل ما يسمع، {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}(المنافقون: من الآية4). وقد خشي النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأمة من تأثير عليم اللسان، والنفس تحب معرفة ما غاب عنها، وتكون متلهفة لعامل الإثارة الموجود في الأخبار ، من التتابع والتنوع والجلب من جميع أنحاء العالم، وقد أدرك أعداؤنا جيداً هذه الصنعة، وعملوا بها واحترفوها، واستعملوا في حرب المسلمين من أنواع المؤثرات ما استعملوا، ومن ذلك الكذب في هذه الأخبار، حتى صارت لعبة لهم، وحرب دعائية يشنونها، وقد قال عليه الصلاة والسلام ((إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار)) ، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث البرزخ ((فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيَشُقُّ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا هَذَانِ؟ قَالا: هذا الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) رواه البخاري . فهذا الذي يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، والآخر الملك الذي يتولى تعذيبه في البرزخ حتى يبعث الله الناس يوم القيامة ليكون الجزاء الأشمل والأعم والأدوم.
وكثيرٌ من المراسلين وصانعي الأخبار ينطبق عليهم ما ورد في هذا الحديث، وبعضهم ينطبق عليه حديث الكاهن، الذي يتلقف الخبر من الشيطان، فيكذب معه مائة كذبة، ومن أنواع المنكرات فيها تزييف الحقائق وقلبها، هذا الذي يأتي بخبر الميت حياً، والحي ميتاً، وكم من خبر شاع بين الناس ولاكته أنفسهم ومصدره أفاك أثيم، يُزخرف الخبر، أو يجعل فيه إضافات من المكر، وقد قال الله : {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ}(ابراهيم: من الآية46) . تأثير وشراء ذمم، وهكذا إخطبوط رهيبٌ في العالم، يجري بشراء ما يلزم، وكذلك تسريبات وتضليلٌ وتخطيطٌ وتضليلٌ مضاد، وهكذا يُجتزئ خبر هنا، ويبتر هناك ، وينتقى هنا، وتترك تفصيلات أخرى مهمة، ذكر بعض الحقائق وإخفاء أخرى، إبراز لبعض الجوانب وكتم لأخرى، تركيز وتسليط الضوء على شيء وإهمال الآخر، واستخدام الصورة صار اليوم واضحاً جداً في الخبر وتأثيره، وكذلك تغيير التوجهات والقناعات، والصورة قد تكون ناقصة لهوى معين عند صانعي الأخبار، على مذهب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ }(النساء: من الآية43). ثم يسكتون عن ذلك، ولذلك يوجد لدى القوم غُرف لغسيل الخبر، والتزوير والتلفيق، وأيضاً فإن كثرة الأوهام والأخطاء في نقل بعض الأخبار عند بعض الناس، هذا يثبت وهذا ينفي وهذا يؤكد وهذا يشكك، ويحصل التضارب وتتزاحم الأكاذيب، ويحدث التحوير والتغيير والزيادة والنقصان، حتى يصبح الخبر ككرة ثلج تتدحرج، وهذا ما يشيع بين الناس أموراً لا حقائق لها، أو أصلها صحيح لكنها مبتورة أو مغيرة، قال الحسن البصري - رحمه الله - : خرج عندنا رجل بالبصرة، فقال: لأكذبن كذبه يتحدث بها الوليد !!، قال الرجل: فما رجعت إلى منزلي ( أي هذا الكذاب ) حتّى ظننت أنها حق لكثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها.
ثم هناك انحياز في تحليل الخبر، وتحليل مبطّن، وتعليقات على الحدث، قال ابن القيم - رحمه الله - : وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل.
وقد عبّر بعضهم عن العسل بالتعبير الذي يجذب أو ينفر
تقول هذا جناءُ النحل تمدحه ... وإن تشأ قلت: ذا قيء الزنابير
مدحا وذما وما جاوزت وصفهما ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
فهذا عبّر عن العسل بجنى النحل، وآخر عبّر عن العسل بقيء الزنابير، وهذه كلمة الزنابير وما يعني جرسها في النفس والقيء، وما تعني هذه الكلمة في النفس تفيد تنفيراً ، وجنى والنحل من الكلمات المحبوبة في النفس.
نظروا بعين عداوة لو أنها عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا
وقال الآخر :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
قال ابن القيم - رحمه الله - : والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل (أي ما هو المؤثر والمفرّق) وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عليه.
وقديماً قالوا : وما آفة الأخبار إلا رواتها، فهم يفسرونها على ما يهوونه، قال السبكي - رحمه الله - :" كثيرا ما رأيت من يسمع لفظة فيفهمها على غير وجهها.
واليهود أعداؤنا يسيطرون اليوم على كثير من الوكالات والقنوات ومصانع الأخبار والإعلام، من عندهم يبدأ الخبر، فهم مصدره، وهم مصنعه، وهم مروجوه، لما أدركوا أثره عمدوا إلى هذه المصانع والمعامل، وإلى وسائل النشر، وإلى هذه الأمور الحديثة التي تؤثر في النفس جداً، وبعضهم يريد أن تروى الأخبار بغير انحياز مطلقاً، وبكل حيادية لدرجة المساواة بين أهل الحق وأهل الباطل، فلو وصفت معركة أحد فقلت فيها حمزة - رضي الله عنه - ، وأبو جهل – لعنه الله- لقال لك هذا انحياز، ولا يجوز عنده أن تقول جيش المسلمين وجيش الكفار، بل ينبغي أن تقول : الفريق الأول والفريق الثاني، فأين إذاً أثر الدين الذي أنزله الله، أين أثره في النفوس وفي الواقع؟، وهل يقاس صاحب الحق على صاحب الباطل، وإذا طالبنا أهل الباطل بعدم التلاعب بالأخبار، والحيادية فيها وعدم الانحياز، فهل يعني ذلك أن يعامل الحق كما يعامل الباطل؟.
ومن الأمور التي تسبب انتشار هذا الباطل في الأخبار، السعي والتلهف لما يسمى بالسبق الصحفي، لنشر الخبر، وليكون هو أول من أذاعه، وهذا ينافي التأني والتثبت، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ((التأني من الله، والعجلة من الشيطان)) .
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
عباد الله، إنه لابد شرعاً النظر في حال ناقلي الأخبار من حيث العدالة والفسق، خصوصاً عندما لا يكون للخبر إلا مصدر واحد، إما الخبر المتواتر، المستفيض والمشهور، والذي تناقله الجماعات والفئام من الناس، بحيث يستحيل تواطئهم على الكذب، وليس مصدرهم واحداً، وإنما كل واحد منهم مصدر، فهذا يعلم أنه حدث بلا ريب، وأما ما كانت المصادر فيه محدودة فلا بد من معرفة عدالة ناقليه، وكل من كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو وليّ للشيطان، ولذلك طبّق العلماء قواعد الجرح والتعديل في هذه الأخبار التي تنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان لهم في الرواة شروط، من الفطنة والتيقظ والحفظ والتثبت والصدق والأمانة، فلا يكون خبر الراوي عند أهل العلم مقبولاً إلا إذا كان عند الراوي درجة من الصدق والأمانة أولاً، والحفظ والتثبت ثانياً، والفطنة والتيقظ ثالثاً، بحيث لا يغر ولا يخدع، ولذلك عرفوا الخبر الصحيح والحسن من جهة، وكذلك الضعيف والواهي والمكذوب من جهة، وليس عندهم كل صالح في نفسه صالحاً لأخذ الخبر عنه .
قال مالك - رحمه الله - : ( إن من شيوخي من أطلب منه الدعاء، ولا أقبل روايته). لماذا ؟ لأنه ليس من أهل هذه الصناعة – صناعة الحديث - ، وليس عنده من التيقظ والتفطن ما يجعله أهلاً لنقل الحديث.
وهنالك أخبار يقصد من نشرها التشويش والتحريش، وإثارة النزاعات، وكثيراً ما تؤدي إلى أزمات واقتتالات، ومسابات ومشاتمات، وبعض الأخبار صحيحة ولكن نشرها يؤدي إلى إشاعة الفاحشة، وتطبيع الفاحشة لدى الناس، فلو استمر الناقلون للأخبار في الحديث عمن زنا بفلانة وزنت مع فلان، وعما حدث في هذه الفاحشة، ونحو ذلك من الموضوعات، فماذا سينطبع في عقول وأذهان ونفوس السامعين ؟ أن الجو كله ملوث، وأن الناس أغلبهم هكذا، وبالتالي تخف هيبة هذا الحرام، ويصبح أمراً عادياً، ولذلك نعى الله وذم المنافقين وعابهم بأنهم إذا جاءهم أي أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، فليس كل ما يعرف يقال، وليس كل ما يحدث يصح نشره، فنشر بعض الأخبار إشاعة للفاحشة في الذين آمنوا.
ومثل هذه ما يسمى بصحافة الفضائح، وفيها مجلات وجرائد وقنوات متخصصة، تكثر نشر الفضائح، لماذا؟ لتعميم الحالة، وتطبيع القضية عند الناس، وهذا من أخطر ما يحدث اليوم في عالم نشر الأخبار، قضية التركيز على فضائح المشاهير، فيجعلونهم قدوات أولاً، ثم ينقلون فضائحهم ثانياً ، ويعممونها حتى تكون القضية عادية عند الناس.
وأحياناً تكون الإشاعة خطيرة من الجهة الاقتصادية، فكم هوت من أسواق في عالم الأسهم، وحصل التلاعب في المتنافسين والتأثير غير الشريف فيهم، ونشر أخبار من الخسائر وأسرار الأطراف الأخرى التي تؤثر في أسعار أسهمهم وبضائعهم، ومعلوم أن التأثيرات النفسية في الأسواق اليوم مضاعفة الآثار جداً، ولا يتعامل معها بحجمها الحقيقي، ولذلك فإن نشر بعض الأخبار هو إضرار باقتصاديات المسلمين، كما هو واضح الأثر فيهم، وأحيانا تتناقل الأخبار كحرب نفسية يراد منها الإرجاف والتخويف والتهويل وإثارة البلبلة، وإضعاف الروح المعنوية، تمهيداً للانهيار والإجبار على الاستسلام، وإملاء شروط الخصم، والهزيمة والانكسار والخسارة الكبيرة.
أن كل هذه المحاذير توجب علينا أن نتلمس القواعد الشرعية في تلقي الأخبار وروايتها، ونسمع في كثير من الأحيان أخباراً متناقضة، ومتضاربة، ولا يعرف الواحد كيف يميز الصحيح من السقيم، والكاذب من الصحيح، فإذا أضيف إلى ذلك ما يعانيه المسلمون من وجود سّماعين لمن يذيع الأخبار شرقاً وغرباً، ويتلقف خبر كل ناعق، لينشره في موقع على الشبكة أو رسالة جوال، فكيف ستكون النتيجة إذاً ؟ إن مما جاء به الشرع الكريم المطهر، قوله عليه الصلاة والسلام ((من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه)) ومعنى ما لا يعنيه : مالا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة، وقال عليه الصلاة والسلام ((احرص على ما ينفعك)) ، فجمع الخير في هذه الجملة، وجمع الورع في حديث ((من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه))، سواء كان كلاماً أو نظراً استماعاً أو مشياً فكراً ونحو ذلك، والإنسان لا يقدر أن يشتغل باللازم فكيف يتعداه إلى الفاضل، ومن تكلف مالا يعنيه ضيع ما يعنيه، فميّز يا عبد الله ما الذي يعنيك ويهمك ؟ مما لا يعنيك ولا يهمك.
وأيضاً فإن الأخبار تزخر اليوم بأمور عن أحداث في أقاصي الأرض ليس لنا فيها منفعة، لا تهمنا، تحدث أحياناً في آخر الأطراف في الأرض، وأشياء عن مسابقات وأعاجيب ونحو ذلك، مما يطرفون به الأخبار ويضيفون عليها النكهات، ولكن في الحقيقة القارئ للجريدة والمستمع للنشرة يزحم عقله بكثيرً مما لا يعنيه، وهذا خلاف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أمرنا بالإقبال على ما يعنينا، على ما يهمنا وعلى ما ينفعنا في أمور ديننا ودنيانا .
وكذلك ينبغي التأني والتروي، وقد كان من خلق نبي الله سليمان، ما جعله عند مجيء الهدهد إليه بخبر، {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ}(النمل: من الآية22) ، أنه قال له، { سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (النمل:27) ، فلا بد من تطبيق هذه القاعدة، ولا مانع أن يكتب الإنسان الخبر وأن يتروى ولا ينشره حتى يتحقق منه، ولكن شهوة النشر قبل الآخرين تدفع إلى التهور والتسرع فتكون النتيجة آثار خطيرة مضاعفة.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا للرشد، وأن يدلنا على الخير، وأن يرزقنا التقوى، وأن يجنبنا الإثم ما ظهر منه وما بطن ، أنه سميع مجيب، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، سبحانه وتعالى ربنا وخالقنا وإلهنا وسيدنا ومولانا، عز وجل، هو القدوس السلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر، خلقنا ليبتلينا أينا أحسن عملا، فهنيئاً لمن طال عمره وحسن عمله، وأشهد أن محمد رسول الله ، سيد الأبرار، وإمام الأخيار، والشافع المشفّع يوم يقوم الناس لرب العالمين، أشهد أنه رسول الله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه، فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين، اللهم صلي وسلم وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه وأزواجه، وخلفائه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله، لا يجوز نشر الأخبار دون تثبت وتأكد من صحة الخبر، وكفى بالمرء إثماً أن يحدّث بكل ما سمع، وما أكثر الناس الذين يروون أخباراً فإذا سألتهم من أين لكم هذه وعمّن رويتموها، أسقط في أيديهم، وتلعثمت ألسنتهم، لأنهم لم يأخذوها من مصادر موثوقة، بل كانت مجرد أوهام أو أفهام مغلوطة لبعض ما سمعوا، وبعضهم يشيع ويكتب في آخر الإشاعة : هكذا بلغني ولست متأكداً، فلماذا تشيعه إذاً ؟ مثل هذا يرفع إلى كما قال الله : {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}(النساء: من الآية83) ، ولو ردوه إلى من ؟ أهل العلم، هؤلاء أهل العلم سيتثبتون منه، هؤلاء أولي الأمر الذين يأتون به على وجهه، هؤلاء أصحاب القدرات الذين يستنبطونه ويتقصون لمعرفة صحته، هؤلاء أصحاب الخبرة، وقد قال - سبحانه وتعالى – : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات:6). والأخبار إذا سبقت إلى النفوس كان له محل فيها وأثر ، وقد يفرح شخص لخبر أو يحزن منه، وهذه المشاعر له ما بعدها، وتؤثر في الأفعال، والآية تدل على حصول أحد أمرين : أما التثبت أو الندامة، والتثبت : هو تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال هل ثبت أم لا، والتبين التأكد من حقيقة الأخبار و ظروفه وملابساته، والمؤمن وقّاف كما قال الحسن - رحمه الله – حتى يتبين، وأصل العقل التثبت، وقد حرص الصحابة على ذلك وخصوصاً أيام الفتن، وقد حذرنا الله وذكرنا ووعظنا، في هذه الحواس التي آتانا إياها، {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الاسراء:36) .
قال قتادة: لا تقل رأيت ولم تره، وسمعت ولم تسمعه، وعلمت ولم تعلم.
قال البغوي في التفسير: لا تتكلم بالحدس والظن.
قد يسمع الإنسان في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع سيكون فيه بعض تحديثه كذب، وهذا معنى حديث ((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا [ أو إثماً] أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ))
لأنه يسمع الحق والباطل، والصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما يسمع فمعنى ذلك أنه سيكون في حديثه كذبٌ ولابد .
ومن حّدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث يُرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين، أو الكاذبَين، قال ابن حبان - رحمه الله – في قوله عليه الصلاة والسلام ((كفى بالمرء إثماً)): زجر أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته.
قال عبد الرحمن بن مهدي - رحمه الله - : لا يكون الرجل إماماً يُقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع.
وإذا نظرت إلى الحديث الآخر : ( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنَعَ وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ)
فإن قوله : ( وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ) كراهة تداول أقاويل الناس، وتزجية الأوقات بذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام (( بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا ))، المطية التي يتحرك عليها ويتنقل من مكان إلى مكان، زعموا : الزعم هذا الخبر الذي لا يدرى أصحيح أم كذب، وأسوء عادة للرجل أن يتخذ هذا المركب إلى مقاصده، فيخبر بغير تروّي، وقد كان للأخبار الكاذبة آثار سيئة، فلمّا هاجر الصحابة إلى الحبشة، أشيع أن كفار قريش أسلموا، فرجع الصحابة وتكبدوا عناء الطريق، ولما وصلوا مكة لاقوا من قريش صنوف الأذى بسبب خبر كاذب وإشاعة. في غزوة أحد أشيع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتُل، فانكفأ جيش الإسلام، وترك بعضهم القتال، وحصل ما حصل. لما أُشيع خبر الإِفك في عائشة - رضي الله عنه - الطاهرة العفيفة البريئة حصل للرسول عليه الصلاة والسلام وعائشة وأبي بكر والمسلمين جميعاً من البلاء بذلك ما لا يعلمه إلا الله، وأشيع في صلح الحديبية قتل عثمان، ونحو ذلك، بل أن مقتل الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه – كان من أسبابه أخبار كاذبة، روجها عبد الله بن سبأ اليهودي وأعوانه.
وقد كان للسلف طرق عظيمة في التثبت من الخبر، بالإضافة إلى الفطنة والتيقظ؛ الاستحلاف، بل استحلف الأعرابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أركان الإسلام، وكانوا أيضاً يطالبون بالدليل على صحة الخبر، فلما أخبر أبو سعيد عمر - رضي الله عنه – بشيء، قال : والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا.
وأيضاً إرسال من يستثبت من الخبر، فينتظر حتى يأتي الرسول بالحقيقة، وفي غزوة الخندق أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - السعدين للتأكد من نقض اليهود للعهد .
وأيضاً أن يذهب بنفسه ليستيقن الخبر، ولما سمع الصديق خبر وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم بكلمة، حتى دخل عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو مسجى فتأكد بنفسه ثم خرج على الناس فتكلم، وأيضاً تصحيح الفهم والتأكد من ذلك.
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
إذا غاب قلب المرء عن حفظ لفظه فيقظته للعالمين سبات
فلا بد أيضاً فهم الحفظ، فهم اللفظ، فهم الخبر، قال أبو عبيدة في مستمليه وكان قد ابتلي بكاتب مضيّع : كيسان يسمع غير ما أقول، ويقول غير ما يسمع ويكتب غير ما يقول ويقرأ غير ما يكتب ويحفظ غير ما يقرأ .
ولا بد من النظر في القرائن المحيطة بالخبر، وهذه من الأمور المهمة، يقول ابن خلدون: إن الأخبار إن اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور، ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثيرا ما وقع للمؤرخين وأئمة النقل من الأغاليط في الوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًا وسمينًا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط.
ومن الضوابط المهمة، الحرص على عدم ترديد الإشاعات، { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النساء: من الآية83). وهذا تأديب من الله لعباده، أن يردوا هذه الإشاعات والأخبار إلى أهل الرأي وأهل العلم، وأهل النصح وأهل العقل، وأهل الرزانة وأهل الخبرة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا فائدة في نشره نشروه بعد التأكد منه، وإن كانت المصلحة في كتمه كتموه وأمروا بكتمه، فهذه الأخبار الكاذبة والإشاعات، كالعملة المزيفة، يصكها مجرمون عتاة، ويتناقلها العامة والمساكين، وتستمر بأيديهم زمناً دون أن يعلموا ما يفعلون.
فالخلاصة أن لا تكون يا عبد الله مقوياً للإرسال في مثل هذه الأمور، وكذلك فإن الأصل في المسلم براءة الذمة، وهذه من القواعد المهمة، فإنك إن بلغك عن مسلم خبر سيء، فتقول : ما شهدنا إلا بما علمنا، وما هو الأصل في المسلم ؟ العدالة والسلامة ، وهكذا قال أبو أيوب لما بلغه الخبر عن عائشة - رضي الله عنه - ، قالت له امرأته : يا أبا أيوب، ألا تسمع ما يقول الناس عن عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذِب، أكنتِ يا أم أيوب فاعلة ؟ قالت: لا واللهِ ما كنت لِأفعَلَهُ !.. قال: فعائشة واللهِ خيرٌ منكِ . سبحانك هذا بهتان عظيم .
عباد الله ، وقد صار اليوم في نشرات الأخبار إبراز المذيعات المتبرجات وهو حرام، فيجب غض النظر عن صور النساء، وأحياناً تظهر في الأخبار عورات، ولا يجوز إظهار عورة حي ولا ميت، وحتى في الفظائع والحروب لا يراعي حملة الكاميرات والذين يتولون البثّ، قضية مراعاة حرمة الأموات، والجرحى، فتنقل الكاميرات صور من تلك العورات مع أن الواجب ستر العورة المسلم، حياً وميتاً، قتيلاً أو جريحاً، وأحياناً تنشر صور في الاغتصابات والانتهاكات، ولا يجوز نشر صورة هذا أو هذه، لأن مثل هذا لا تجوز إشاعته وهو من باب الفضح، وأيضاً فإنه لا يجوز انتهاك حرمة الأموات في نشر صور أشلائهم، لأن الميت يجب أن يغطى، وليس أن ينقل ما عبث بجثته، وخصوصاً النساء، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى، قَالَ فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرَاهُمْ، فَقَالَ: (الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ) ( أي أدركوا المرأة قبل أن ترى هذه المناظر البشعة، وكان المشركون قد مثلوا بجثث المسلمين، فقطعوا الأنف والأذن، وبقروا البطن ولاكوا الكبد ) ، قَالَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ (صفية بن عبد المطلب أخت حمزة، ماذا سيكون حالها إذا رأت حال أخيها) قَالَ فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلَى. رواه أحمد وهو حديث صحيح.
فإذا كانت الصور تؤثر في النفوس تأثيراً سلبياً فيمنع من النظر إليها، وأما ما كان من الصور يفضح أفعال الكفار، ويكون من باب الحرب الإعلامية عليهم، ومقنعاً للعالم بوحشيتهم، فإنه ينتقى منها ما لا يتعارض مع الشرع فينشر، لأجل إفحام هؤلاء الذين يكذبون على الناس، ويظهرون أنفسهم بمظهر الإنسانية وهم في غاية التوحش، وهذا الزمن ولا شك قامت فيه معركة الصورة، والذي ندعو إليه الضوابط الشرعية، أي ألا يكون نشر الصور بلا ضوابط، وإنما ينبغي أن يعمل فيه بالضوابط الشرعية، نحن نعلم جيداً تأثير الصورة في هذا الزمن، لم تعد الأصوات تكفي كما كان في السابق، كان العربي يسمع القصيدة ويسمع العبارة، فيفقهها ويعرف معانيها ومدلولاتها، اليوم صار عند الناس بسبب الإعلام الثلاثي، كثيرٌ منهم لا يفهمون الخبر إلا إذا أُرفق بالصور، الصوت وحده لا يكفي عند الكثيرين، بل صار هنالك نوع تبلد إذا لم يشرح الخبر بالصورة، وصار شرح المواد بالصور، فلم يعد الكلام كافياً عند الكثيرين، ولذلك فلا بد من استعمال الضوابط الشرعية في عرض الصور، فهذا الذي ينبغي الحرص عليه في عالم صارت فيه اليوم الصورة في غاية التأثير، ونحن مسلمون ينبغي أن نعمل بشرع الله تعالى كل وقت وحين .
عباد الله، ومما يجب على المسلمين أن يشكروا ربهم، إذا أنعم عليهم نعمةً، وإذا نصرهم نصراً ولو مصغراً أن ينسبوا الفضل لله تعالى، فأما نسبته وإهدائه إلى ولي المشركين فهو حرام، وتضييع لثمرة الجهاد والنصر.
وكذلك فإن مما ينبغي حمد الله عز وجل على ما وفق ورجاء المزيد، وأيضاً فإن أدعية المسلمين الموحدين، هي العسكر الذي لا يهزم، والجند الذي لا يغلب، وهذا هو السبب في ثبات المسلمين أمام عدوهم، لا العدد ولا العدة، ولذلك فإنه ينبغي على أهل الإسلام الحرص على التوحيد، وأن يكون التفريق بين المشرك والموحد بارزاً واضحاً في كلامهم ومسيرتهم وحياتهم، لأن القتال في الإسلام كله من أجل هذه القضية، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}(البقرة: من الآية193). يكون شرك، {ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}(لأنفال: من الآية39). وقد يكون بعض المشركين أخطر من اليهود، لخفاء أمرهم، وشدة نكايتهم في الموحدين المسلمين، وما هو الفرق بين كافر وكافر، إذا كان الكل أعداء الإسلام، فينبغي الحذر منهم، ومنابذتهم، ولا يجوز توليهم أبداً ، ومن يتولى هؤلاء أهل الشرك، فإن له منهم نصيب.
وأيضاً نحن نقول اليوم وأولادنا على أعتاب هذه الاختبارات والامتحانات، أنه ينبغي أن يُزرع في نفوسهم مراقبة الله تعالى، فإذا راقب الطالب ربه، فلا تخشى منه، وإذا ضيعت الأمانة، فإن ذلك أثمٌ عظيم، سواء كان ذلك من طالب أو مراقب أو مصحح ، وينبغي أن تكون هذه العملية التعليمية واختبار المستوى بهذه الاختبارات، ومعرفة من يستحق الانتقال من مرحلة إلى مرحلة ، ينبغي أن تكون قائمة على العدل والأمانة، ومراقبة الله عز وجل ، وكذلك ندعو الله بالتوفيق لأولادنا ذكوراً وإناثاً.
اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بأيديهم إلى طريق الحق يا رب العالمين، اللهم دلنا ودلهم عليه، وارزقنا وإياهم إتباعه، أرنا الحق حق وارزقنا إتباعه، وأرنا باطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم طّهر قلوبنا وحصّن فروجنا وكفر عنّا سيئاتنا واغفر ذنوبنا واقضي ديوننا واستر عيوبنا يا رب العالمين، ارحم موتانا واشفي مرضانا، اللهم إن نسألك الأمن في البلاد والنجاة يوم المعاد، يا رب العباد ، سبحانك ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين.

فقير إلى الله
2012-09-09, 11:38
واللبيب تكفيه الإشارة

أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-09-09, 11:53
بارك الله فيك اخي الفاضل عبد العزيز على النقل النافع وصدقت واللبيب تكفيه الإشارة

فقير إلى الله
2012-09-09, 18:46
بارك الله فيك اخي الفاضل عبد العزيز على النقل النافع وصدقت واللبيب تكفيه الإشارة
كلام جميل

أهل الهوى جانبوا الآثار وابتعدوا * عن الهدى واستحبوا الضيق والحرجا
إذا رأى السلفي اشتاط ساكنه * وإن رأى مفسدا من حزبه ابتهجا
تراه يقرأ كتْبا غير صافيةٍ*ففكره من كتاب سامج نتجا
وإن تراه كبيراً فهو مضطربٌ * وعقله قاصر التمييز ما نضجا
ويعشق اللهو والتمثيل واعجباً * تراه بعد وقارٍ هائماً هزجا

مهدي الباتني
2012-09-09, 20:06
جزاك الله خيرا
والله انا نحبك يا فوزان الفوزان
حفظك الله ورعاك

فقير إلى الله
2012-09-10, 13:13
نصيحة إلى الأمة الجزائرية شعباً وحكومة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد – فهذه نصيحة أقدمها لإخواننا في الجزائر أرجو أن تحظى من الكل بالحفاوة والقبول سواء الحكومة والشعب لأنه لاغرض من ورائها إلا مرضاة الله وإلا مصلحة هذا الشعب الذي تربطنا به أقوى رابطة وهي الإسلام .
أولا – أوصيهم بتقوى الله عز وجل وهي وصية الله إلى الأولين والآخرين وهي وصية جميع الأنبياء والمرسلين والمصلحين فلا خير في فرد ولا في أمة فقدت هذه الصفة العظيمة ولاسعادة في الدنيا والآخرة ولا كرامة لمن حرمها ولا ترابط ولا تآخي ولا تكاتف ولا تعاون صادق ولا سعادة ولا راحة نفسية لأمة تجردت منها .
بل لا ترى إلا العداوة والبغضاء وسيطرة الأحقاد والأهواء والتعطش إلى هتك الأعراض وسفك الدماء .
ثانيا- أوصي نفسي وإياهم بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتمسك بهما والعض عليهما بالنواجذ وجعلهما المرجع الأول والأخير في كل الشئون الدينية والدنيوية والعقائدية والتشريعية والسياسية والأخلاقية.
وإقامة الدراسة الشاملة عليهما في كل المدارس من المراحل الابتدائية إلى نهاية الدراسات الجامعية في العقائد والفقه والسياسة وفي الشئون العسكرية يتعاون على ذلك الحكومة والشعب بصدق وإخلاص لله وانطلاقا من الرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا .
وأن يكون مرجع الكل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في حال الوفاق والخلاف ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) .
ثالثا- إنني وكل مسلم صادق يريد للإسلام والمسلمين خيرا نناشد إخواننا المقاتلين أن يضعوا السلاح وأن يبادروا إلى إطفاء نار الفتن والحرب التي لم تفد هذا الشعب ولا الإسلام ولا المسلمين وإنما أنزلت بهم أشد الأضرار .
بل شوهت الإسلام والمسلمين وأفسدت النفوس والأخلاق .
وأرجو من الأطراف كلها حكومة وشعبا وعلماء ومفكرين أن يشمروا عن ساعد الجد في إطفائها .
وإحلال العقيدة الصحيحة والأخلاق العالية ومنها التآخي في الله والتعاطف والتراحم بدل الأهواء والأغراض والأحقاد الظاهرة والدفينة .
وإظهار الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في أجلى وأحلى صوره وواقعه : عقيدة وأخلاقا ومنهجا .
وأكرر رجائي أنا وعلماء الإسلام وكل المسلمين إلى إخواننا في الجزائر حكومة وشعبا أن يحققوا هذه المطالب الغالية التي ترفع رأس الإسلام والمسلمين .
ومنها إطفاء نيران الحرب التي أنهكت هذا الشعب الأبي دينا ودنيا في الأعراض والأموال .
وأرجو من الأطراف كلها الاستفادة من مشروع الصلح الذي بذلته الحكومة الجزائرية والحذر من تضييع الفرصة التي تحقن الدماء وتصون الأعراض وتطفئ نار الفتنة .
وأكرر مناشدتي والمسلمين لإخواننا المقاتلين إننا نناشدهم بالله أن يبادروا بوضع السلاح وبإطفاء نار الحرب والفتنة .
وأن يسهموا في بناء الجزائر دينيا ودنيويا على أساس الوحي الذي جاء به خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم .
وعلى أساس الحكمة والتزكية التي جاء بهما محمد صلى الله عليه وسلم .
ولقد بلغني ممن أثق به أن في أعضاء الحكومة الكثيرين ممن يريدون تطبيق شرائع الإسلام ، فساعدوهم في تذليل العقبات وفي تهيئة الجو الذي يساعدهم على تحقيق ما يريدونه من تطبيق هذه الشريعة الغراء تعليما وتربية وحكما.
وأناشد الحكومة والشعب الجزائري الأبي القيام بهذا الإنجاز العظيم المفروض عليهم وعلى جميع المسلمين .
حقق الله الآمال ووفق الجميع لتصديق الأقوال بالفعال إن ربنا لسميع الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
14/1/1422

فقير إلى الله
2012-09-10, 13:39
أهمية الصدق وضرورته لقيام الدنيا والدين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإن خلق الصدق من أعظم مقومات الدين والدنيا فلا تصلح دنيا ولا يقوم دين على الكذب والخيانة والغش.
والصدق والتصديق هو الرباط الوثيق بين الرسل ومن آمن بهم، قال تعالى: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جزَاءُ الْمُحْسِنِينَ }.
وقال في الكذب والتكذيب : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ }
ولمكانة الصدق والتصديق بالحق عند الله وفي الإسلام ولدى العقلاء وذوي الفطر السليمة وآثارهما الطيبة ولخطورة الكذب والتكذيب بالحق أحببت أن أزجي هذا المقال المستمد من كتاب الله ومن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سيرة وواقع بعض الصادقين المصدقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أسأل أن يعينني ويوفقني للنهوض بكل ما أستطيع من اسداء للنصح والبيان لإخواني المسلمين وأسأله أن يجعلنا جميعاً من الصادقين الحريصين على التمسك به والثبات عليه وأن يجعلنا جميعاً من المبحبين للحق والمتحرين لاتباعه والمصدقين به.
ولعظمة الصدق ومكانته عند الله وعند المسلمين وعقلاء البشر، وصف الله نفسه بالصدق فقال: { قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } .
فهذا ثناء من الله على نفسه بهذا الوصف العظيم فهو صادق في أخباره كلها وفي كلامه كله وفي تشريعاته وفيما قصّه عن الأنبياء وأممهم وفيما قصّه عن بني إسرائيل أنبيائهم ومؤمنيهم وفاسقيهم ومن كفر منهم، وعن تحريفهم لكتاب الله: التوراة والإنجيل واتخاذهم الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله.
وقال تعالى: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } .
وقال تعالى: { وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } .
وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ * ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ } .
وقال تعالى: { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } .
هكذا وصف الله نفسه بهذا الوصف العظيم، الصدق في الأقوال والصدق في الأفعال والصدق في الوعد والصدق في الوعيد.
والصدق في الأخبار عن أنبيائه وأوليائه المؤمنين.
والصدق في الأخبار عن أعدائه الكافرين.
ولقد وصف الله أنبياءه بالصدق، وأيّدهم بالمعجزات والآيات العظيمة برهنة على كمال صدقهم ودحضاً لافتراءات وتكذيب أعدائهم.
ومن أعظم ما أيدهم به إهلاك أعدائهم بالطوفان وبعضهم بالريح الصرصر وبعضهم بالصيحة والرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالغرق، مع إنجاء الأنبياء وأتباعهم فكل هذا من رب العالمين شهادة بصدق أنبيائه وأنهم رسله حقاً، وإهانة لأعدائه وأعدائهم.
وممن وصفهم في القرآن بهذا الوصف: إبراهيم وإسماعيل وإدريس – عليهم الصلاة والسلام -.
قال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } .
وقال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا } .
وقال تعالى: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } .
فالوصف بالصديقيّة بيان لتمكنهم من هذا الوصف وهو الصدق، وأن أقوالهم وأفعالهم ووعودهم وعهودهم قائمة على الصدق.
وكل آية في القرآن الكريم المعجز الذي تحدى به الجنّ والإنس على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك أعظم برهان على صدق محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنه رسول الله حقاً وخاتم النبيين، وشهادة الله له بأنه خاتم النبيين معجزة عظمى ودلالة كبرى على صدقه – صلوات الله وسلامه عليه -؛ إذ ما ادعى النبوة أحد بعده إلا وفضحه الله وأخزاه وكشف عواره وكذبه.
بل ما كذب عليه أحد في قول نسبه إلى رسالته إلا وفضحه الله وأخزاه ببيان أتباع رسالته الصادقين من محدثين وغيرهم.
قال تعالى – في الثناء عليه وعلى ما جاء به من الحق والصدق- :
{ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ } .
فهذه أعظم منزلة أوتيها عبد الله ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم -.
وقد وصف الله عباده المؤمنين الذين صدقوا في إيمانهم وأعمالهم وجهادهم وعهودهم:
{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَءَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }.
وقال تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } .
وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } .
وقال تعالى – في مدح فقراء المهاجرين وكل أصحاب محمد صادقون لا فرق بين مهاجر وأنصاري- :
{ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } .

لقد زكى الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأثنى عليهم كثيراً في محكم كتابه وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم عاطر الثناء في أحاديث كثيرة.
ومن أبرز وأجلى صفاتهم التي وصفوا بها الصدق الذي لا يقوم دين ولا تستقيم دنيا إلا به فنقل إلينا هؤلاء الصادقون ووراثهم بكل صدق وأمانة كتاب الله المتواتر وسنة رسوله متواترها وآحادها الصحيحة الثابتة بما في ذلك سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهاده وغزواته.
والكتب الصحاح والمصنفات والجوامع والمعاجم وكتب العقائد وغيرها تزخر بهذه النقول، قد ميّز فيها أئمة الجرح والتعديل الصحيحَ منها من السقيم حتى تكون الأمّة على صراط مستقيم ومنهج قويم وحياة واعية راشدة.
ونقلوا لنا سير الصحابة الكرام ومناقبهم ومحاسنهم التي برزوا فيها على سائر أمم الأنبياء فكانوا بها خير أمة أخرجت للناس، وكتب فضائل الصحابة ومناقبهم وسائر دواوين السنَّة تزخر بذلك.
وقد مرّ بنا في هذا المقال ثناء الله العام عليهم بصفات جليلة ومنها الصدق، ومقالي هذا لا يتسع لذكر الأخبار الصحيحة بوقائع صدقهم غير أني سأضرب مثلاً بثلاثة منهم تجمعهم حادثة واحدة، وأبرز هؤلاء الثلاثة ذلكم الصحابي الجليل كعب بن مالك، ذلكم الرجل الذي نجاه الله من النار والنفاق ومن سخط الله وسخط رسوله بالصدق وقصته شهيرة وحديثه مشهور وطويل لا يتسع المقام لسرده هنا لكني سأختار منه مقاطع تدل على منزلة هذا الصحابي وأخوانه في هذه الواقعة ويأخذ المسلم منها العبرة والأسوة بهؤلاء الصادقين.

1) (( عن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحداً تخلف عنه إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً واستقبل عدواً كثيراً فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد بذلك الديوان قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب يظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئاً وأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى اللهم عليه وسلم غادياً والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم فيا ليتني فعلت ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني لا أرى لي أسوة إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء)).
ففي هذا المقطع إشادة ببيعة العقبة ومنزلتها في نفسه؛ لأنها بما فيها من معان كبيرة تمثل القاعدة المكينة التي قامت عليها هجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة النبوية وقام عليها نصرة الأنصار وعليها قامت دولة الإسلام وعلى أساسها قام الجهاد وقوة الإسلام والمسلمين ومنها وعنها انبثقت الغزوات والسرايا ثم القضاء على الردّة وانطلاق جيوش الإسلام إلى العالم لتفتح القلوب بنور الإيمان والإسلام وتخرجهم من الظلمات إلى النور فمن هنا أدرك هذا الصحابي الجليل مكانة بيعة العقبة فكان لا يرضى بها بديلاً فهو كما قال: (( وما أحب أن لي بها مشهد بدر )).
تحدث عما اكتنف تخلفه عن غزوة تبوك بشجاعة الصادقين بأسلوب واضح مشرق يفيض بالصدق من قلب امتلأ بالإيمان وروح ومشاعر تتدفق بالنزاهة والصدق الذي لا يعرف مثله لتائب في مثل ذلك الموقف الرهيب الذي ارتكس فيه الجبناء المنافقون فلجأوا إلى الكذب والتمويه بانتحال الأعذار الكاذبة التي سرعان ما فضحهم الله وأخزاهم وأحلهم به دار البوار.
(1) لقد صرّح بأنه لم يكن تخلفه ناشئاً عن فقر وعسر ولا عن عجز وضعف فقد كان يشارك فيما سبق غزوة تبوك من غزوات وهو في حال دون حاله في هذه الغزوة قال:
(( وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتها في تلك الغزوة)).
(2) صرح بالأسباب التي نالت من عزيمته في الجهاد وهي الحر الشديد والسفر البعيد والمفاوز العريضة المهلكة بين المدينة وتبوك والعدد الكثير من روم وعرب يشايعون الروم.
وذكر أن رسول الله جلا للناس أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم.
(3) وصرح بما لعله أهم أسباب تخلفه وهو طيب الثمار والظلال، ثم قال مصرّحاً بما قد يسعه أخفاؤه ولكن نفسه الصادقة أبت إلا أن يصدع به : (( فأنا إليه أصعر )) أي: أن نفسه مالت إليه ، وهذه منزلة عظيمة في الصدق قل جدّاً من يرقى إليها.
(4) وذكر منازعة نفسه وتردده بين اللحاق بركب رسول الله r وأخوانه المجاهدين وبين قعوده تحت الظلال الوارفة والثمار الطيبة.
(5) وذكر ما كان يصيبه في هذا التخلف من آلام الحسرة والحزن بسبب أنه لا يرى له أسوة في التخلف إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، وهذا من أدلة حياة قلبه وصدق إيمانه.

2) (( فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي فلما قيل لي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً فأجمعت صدقه وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلاً فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله حتى جئت فلما سلمت تَبَسَّم تَبَسُّم المغضب ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك قال: قلت: يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت)).
وفي هذا المقطع يذكر لنا وضعه الجديد حيث قفل رسول الله r وقد ظفروا بالعزّة والنصر والأجر فماذا استفاد من هذا التخلف ولو كان من أسبابه طيب الظلال والثمار ومن هم أسوته سوى المغموص عليهم في النفاق والضعفاء والمعذورون.
فيعتصر قلبه الحي من قسوة الألم والأسى.
وفي الوقت نفسه يذكره الشيطان ويملي عليه أنواعاً من الكذب لكن ظلمات الكذب والباطل قد انزاحت عنه بفضل الله عليه وحسن رعايته له بسبب صدق إيمانه وإخلاصه لله رب العالمين فوفقه لأعظم أسباب النجاة بعد الإيمان وهو الصدق ولا سيما عند الأخطار والأحداث المدلهمّة.
قال: ((فلما قيل لي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً فأجمعت صدقه وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً)).
وذكر تلك السنَّة العظيمة التي تكاد تنسى أو نسيت عند كثير من المسلمين ألا وهي صلاة ركعتين في المسجد عند قدوم المسلم من سفر.
وذكر موقف المعذرين أي المنافقين أنه الكذب والتمويه الباطل مؤكدين كذبهم بالحلف فما يسع رسول الله إلا أن يقبل علاينتهم ويكل سرائرهم إلى الله علام الغيوب الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لكن كعباً – رضي الله عنه – بفقهه وعقله أدرك أن الكذب على رسول الله ولو أكد بالأيمان المغلظة لن ينجيه من سخط الله ثم من سخط رسوله أدرك ذلك ببصيرته النيّرة وعقله الثاقب بعد توفيق الله له فأبى إلا أن يجهر بالحقيقة الناصعة.

3) قال (( فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا قال: ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر قال: فخررت ساجداً وعرفت أن قد جاء فرج قال: فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرساً وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور ويقول: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قال: فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله فقال: لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأن وجهه قطعة قمر قال وكنا نعرف ذلك قال: فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بعض مالك فهو خير لك قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر)).
لقد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ليكذبه في العذر ولكن ليقول الحقيقة بملئ فيه؛لأنّه قد زاح عنه الباطل واستقر الحق في أعماق نفسه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماخلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ أي قد اشتريت راحلة الجهاد وأعددت العدة لذلك.
فقال كعب: يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله ، والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك.
واعتذر أخوانه مرارة بن الربيع وهلال بن أميّة بمثل عذره الصادق، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال لكعب.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع المسلم بمقاطعتهم وهجرانهم فنفذوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدقّة بما فيهم أقرب الأقربين إليهم طاعة لله ولرسوله r ويستلبث الوحي وتستمر المقاطعة ويتمادى الابتلاء والإختبار الصعب لمدة خمسين يوماً.
وتترامى الأنباء إلى ملك غسان النصراني فيجد في ظنّه فرصة إلى استمالة كعب ودعوته إلى اللحاق به ليكرمه في زعمه ويواسيه فيأبى إيمان كعب بالله ورسوله وتأبى نفسه الأبية من الاستجابة لهذه المحالة الشيطانية ويدرك بأن هذا أيضاًَ من الابتلاء فيسجر برسالة هذا الكافر التنور كما قال – رضي الله عنه – وجاءهم الفرج صباح خمسين ليلة بتوبة الله عليهم وهم كما قال كعب – رضي الله عنه - على الحال التي ذكر الله تعالى قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت وامتلأ أصحاب محمد r بشرى وسروراً بما أفاض الله على إخوانهم من توبة الله عليهم ورضى الله ورسوله عنهم وتسابق المبشرون، منهم من يمشي على رجليه فيستبطئ فيعلو جبل سلع ويرفع صوته مدوى فيسبق صوته راكب الفرس المنافس له الحريص على سبقه فيذهب كعب إلى رسول الله r وفي طريقه يستقبله أصحاب رسول الله فوجاً فوجاً يهنئونه بتوبة الله عليه.
ويجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه كالقمر تبرق أساريره من السرور، فيقول له: أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك.
وكيف لا يكون ذلك وقد أنقذه الله بالصدق من هلاك ماحق وقع في أتونه من لاذوا بالكذب والأيمان الفاجرة وقلب الحقائق، الله أكبر إن هذا اليوم خير له من بيعته على الإسلام والنصرة في بيعة العقبة تلك البيعة التي يراها أحب إليه من المشاركة في وقعة بدر.
لشدة فرحه بهذه التوبة وشعوره بهذه التوبة وشعوره العميق بهذه النعمة أكّد ذلك بموقف الشاكر لنعمة الله عليه فقال:
(( يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله )).
ذلك المال المغري الذي كان من أسباب تخلفه عن الجهاد، هذا دليل آخر منه على صدق توبته وجدّه في ذلك.
فيقول له رسول الله الرؤوف الرحيم أمسك عليك بعض مالك فماذا صنع؟ لقد انخلع من ماله بالمدينة الذي حبسه عن الغزو في سبيل الله وأبقى سهمه بخيبر ذلك المال البعيد الذي لعله لا دخل له في حبسه.
ويدلي بالسبب القوي في نجاته بل هو في نظره السبب الوحيد في إنقاذه من الهلاك الماحق فقال: (( يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت )).
ويوفقه الله للوفاء بما وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما يراه هو من أركان توبته.
قال: (( فوالله ما علمت أن أحداً من المسلمين أبلاه الله أي أنعم عليه في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله r إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله r إلى يومي هذا)).
ما أروع الصدق وما أنبل الصادقين وبعداً وسحقاً للكاذبين في أي زمان ومكان كيف لا وهو من أعظم دعائم الكفر والنفاق وأضعف أحواله أن يكون من ركائز النفاق عياذاً بالله منه ومن كل ما يسخط الله تبارك وتعالى ثم يقول متحدثاً عن هذه النعمة التي منّ الله بها عليه.

4) ((قال: وقلت: يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت قال: فوالله ما علمت أن أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي قال: فأنزل الله عز وجل { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ } حتى بلغ { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } قال كعب والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد وقال الله { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } )).
فهذه عاقبة الأفاكين ولو كان إفكهم تملقاً واعتذاراً ولم يغن عنهم استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً في حياتهم ولا بعد مماتهم قال تعالى: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم } { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }.
وفي هذا عبرة عظيمة للذين لا يزكون أنفسهم بالتوحيد والإيمان والصدق والأعمال الصالحة وقد يكون في هؤلاء الكذابين المخادعين من يعتقد أن توصله بالكذب والخداع إلى تسامح الرسول عنه والاستغفار له ينجي من بطش الله وإهانة الله له في الدنيا والآخرة، فخيب الله آمالهم وأخزاهم في الدنيا والآخرة.
ولم يغن عنهم استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً.
هذه حقيقة وضحها القرآن في سورة التوبة وغيرها وأكدها رسول الله بقوله لقريش بطناً بطناً ولأفراد أسرته: (( اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً )) فليحذر الكذابون في أي زمان ومكان في إيمانهم وعقائدهم وأقوالهم وشهاداتهم أن يفضي بهم هذا الكذب إلى هوّة الهلاك التي تردى فيها هؤلاء الكذابون.
وفيه عبرة وبشرى للصادقين في إيمانهم وإسلامهم وأعمالهم الصالحة وأقوالهم وشهاداتهم بالنجاة من الهلاك كما نجى كعب وأصحابه – رضي الله عنهم – بالصدق في ظرف يدعو فيه الحال ضعاف الإيمان وضعفاء النفوس إلى الكذب قال تعالى: { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
من ثمار الصدق
وفي الصحيحين عن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرهن قال لا إلا أن تطوع وصيام شهر رمضان فقال: هل علي غيره؟ فقال: لا إلا أن تطوع وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال: هل علي غيرها؟ قال لا إلا أن تطوع قال فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق )).
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال: صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال: فمن خلق الأرض قال الله قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا. قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً. قال: صدق. قال: ثم ولى. قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن. فقال النبي صلى اللهم عليه وسلم: (( لئن صدق ليدخلن الجنة )).
هذان سائلان عاقلان أنعم الله عليهما بنعمة العقل والفطنة وحسن السؤال ولا سيما الآخر منهما، وقد قيل إنه ضمام بن ثعلبة الهذلي فالأول منهما سأل رسول الله عن شرائع الإسلام فأجابه الرسول بما فرضه الله على العباد من أركان هذا الدين بعد الشهادتين، لأن السائل فيما يبدو كان مسلما فأجابه بأن الإسلام هذه المكتوبات.
والسائل يقر بذلك ويلتزمه لأنه يريد أن يعلم هل هناك شيء يجب عليه زائد عما ذكره من هذه الأركان والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له لا إلا أن تطوع، فلما فرق له رسول الله بين الواجبات والتطوعات أقسم بالله أنه لا يزيد على تلك الواجبات ولا ينقص منهن فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم - مبشراً له وللأمة بالجزاء العظيم لمن يقوم بهذه الواجبات حق القيام - : (( أفلح إن صدق ))، أي: طابق فعله قوله، وذلك هو الصدق ففلاحه مترتب على صدقه في المقال والفعال وأنعم بذلك.
وأما السائل الثاني فكان سؤاله أعمق وأبعد مدى من الأول، قال صاحب التحرير وهو محمد بن إسماعيل الأصفهاني السلفي:
(( هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه فإنه سأله أولاً متأكداً من صدق الرسول الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعوتهم إلى الإسلام هل هو صادق أنك مرسل من الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق، ثم سأله عن خالق السماء والأرض ومن نصب هذه الجبال لأنه كسائر العرب كانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية.
فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: الله، الله، الله، في كل ذلك.
ثم استثبت من كل ما بلغه رسولُ رسولِ الله إليهم من شرائع الإسلام: الصلاة والزكاة والصيام والرسول يقول: صدق صدق إلخ.
فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإجابة عن أسئلته قال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن شيئاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن صدق ليدخلن الجنَّة.
فيا لها من ثمرة عظيمة للصدق، الصدق في الاعتقاد والصدق في القول والصدق في التطبيق بالعمل المشروع المتلقى عن الله ورسوله.
فهذه بعض ثمار الصدق يهدون في الحياة الدنيا إلى البر وهو الجامع لكل خصال الخير ويفوزون بالمنازل العالية عند الله تبارك وتعالى ، خالدين في جنات تجري من تحتها الأنهار قد نالوا أعظم مطلوب ، وهو فوق هذه المنازل ألا وهو رضى الله تعالى عنهم
ومن ثماره الهداية إلى البر ثم إلى الجنة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر ليهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً .
ومن ثماره الفوز برضى الله ثم الفوز بجنات تجري من تحتها الأنهار ويظهر ويتجلى فيه نفعه، قال تعالى { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم } .
وقي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا *
فهنيئا للصادقين هذا الفوز العظيم والنعيم المقيم والرضى الأبدي والخلود السرمدي.
جعلنا الله منهم بمنه وفضله ورحمته إنه رؤوف رحيم جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه الفقير إلى عفو الله ومغفرته ربيع بن هادي عمير المدخلي

فقير إلى الله
2012-09-16, 22:54
السلام عليكم

أتدرون ما الدافع لكتابة هذا الموضوع:
النصيحة لعامة المسلمين لما رأيتهم يتبعون الشائعات-الكذب- بمختلف أنواعها أي عن الحكام عن العلماء و هذه أخطرها, عن أحوال الناس و عن نشر الشرور و الفساد_فلان فعل كذا و آخر فعل كذا و الآن يفعلون كذا_ و قد زادت و السلعة الفلانية صارت كذاو ,,,,,,,,,,الخ

و الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مات

دفنوه حيا وبدون الصلاة عليه والعياذ بالله

و البلاد ستعيش في فوضى و,,,,الخ
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,





و الآن حصحص الحق من المصيب

متبع الآثار أم متفرج الأخبار

فقير إلى الله
2012-09-19, 09:18
أين الذين يردون على السلفيين؟
لقد بان الحق

الحق الوظح المبين مع متبع الآثار و الباطل المشين مع متفرج الأخبار

فقير إلى الله
2012-10-17, 22:40
أين ردودكم

فقير إلى الله
2012-10-25, 22:05
لمحاضرين



المحاضر المحاضرات
المحاضر المحاضرات http://islamancient.com/images/cat/lectures.png دروس متنوعة (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=448541)
528 http://islamancient.com/images/cat/lectures.png دروس متنوعة (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=631741)
212

http://islamancient.com/islamancient/table_07.png
http://islamancient.com/islamancient/table_09.png http://islamancient.com/images/spacer.gif http://islamancient.com/images/spacer.gif http://islamancient.com/images/spacer.gif http://islamancient.com/images/spacer.gif http://islamancient.com/images/spacer.gif

المحاضرات

المحاضرة الزوار
اللقاء المفتوح 12 11 1433هـ (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=102088) 268 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png السلفية حقيقتها وسماتها (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=102073) 355 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png الموقف الشرعي من الفلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=102058) 629 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png فتاوى الصيام (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=101935) 596 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png تذكُّر نعمة الله على هذه البلاد (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=101521) 247 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png لقاء مفتوح 13- 4- 1432هـ (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=930) 1591 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/1162.mp3) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png من أهداف الكفار زعزعة الأمن (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=923) 1348 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/1158.mp3) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png نعمة الأمن وحرمة المظاهرات والخروج 15/3/1432هـ (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=918) 1643 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/1153.mp3) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png من آداب طالب العلم (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=868) 1014 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/1095.mp3) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png السحر والسحرة (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=841) 924 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/1067.mp3) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png وأتموا الحج والعمرة لله (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=819) 693 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/1019.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png محاضرة - القوات المسلحة (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=818) 1018 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/1016.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png فاعتبروا يا أولي الأبصار (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=805) 942 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/1004.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png الفتاوى الفقهية في المسائل الرمضانية (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=789) 883 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/988.mp3) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png ما هي الجامية ؟ (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=643) 1924 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/835.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png حرمة التطاول على الأنبياء (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=622) 725 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/807.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png تكريم الإسلام للمرأة (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=621) 847 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/806.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png آثار الذنوب والمعاصي (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=620) 1253 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/805.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png تحري كسب الحلال (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=619) 865 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/804.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png الغلو عند اليهود والنصارى والمشركين (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=618) 738 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/803.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png عدم الإضرار بالمسلمين (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=617) 627 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/802.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png حكم التصوير (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=616) 1396 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/801.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png النحذير من إتباع خطوات الشيطان (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=615) 899 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/799.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png اتباع الصراط المستقيم (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=581) 832 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/800.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png اتباع الصراط المستقيم (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=580) 871 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/761.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png التحذير من الغلو في الدين (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=579) 796 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/760.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png قضية حرية المرأة (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=431) 1064 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/606.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png حرمة الأعراض (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=430) 699 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/610.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png وجوب التمسك بالكتاب والسنة ومنهج السلف (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=429) 1232 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/609.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png الكبائر والتحذير منها (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=428) 932 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/607.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png الغلو أسبابه وآثاره (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=427) 747 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/605.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=426) 890 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/604.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png أسباب نجاة الأمة (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=425) 774 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/603.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png اللقاء المفتوح (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=424) 821 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/602.ra) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png لقاء عبر إذاعة القرآن الكريم (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=410) 837 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/586.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png الجهاد وطاعة ولاة الأمر والتكفير وهجر المبتدع (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=361) 1647 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/446.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png قصتي في طلب العلم (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=357) 1533 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/439.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=209) 2234 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://38.100.87.57/2008/02/fwzan2801a.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=208) 2224 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://38.100.87.57/2008/02/fwzan2801b.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=207) 2214 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://38.100.87.57/2008/02/fwzan2801.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png أصول تلقي العلم وضوابطه (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=166) 2110 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/238.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png فضل رمضان وأحكام الصيام والقيام (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=141) 1283 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/213rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png فتاوى الصيام (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=140) 1224 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://islamancient.com/ressources/audios/212.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png حكم الانتماء للفرق والأحزاب والجماعات والإسلامية (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=77) 2160 http://islamancient.com/images/icons/listen.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/save.png (http://www.islamancient.com/ressources/audios/145.rm) http://islamancient.com/images/icons/send.png (http://islamancient.com/catplay.php?catsmktba=170#) http://islamancient.com/images/icons/fav.png





http://islamancient.com/images/spacer.gif http://islamancient.com/images/spacer.gif http://islamancient.com/images/spacer.gif الأكثر زيارة
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=209)
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=208)
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=207)
حكم الانتماء للفرق والأحزاب والجماعات والإسلامية (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=77)
أصول تلقي العلم وضوابطه (http://islamancient.com/play.php?catsmktba=166)
http://islamancient.com/islamancient/block_03.gif

فقير إلى الله
2013-08-15, 19:01
عشر مقالات مفيدات في التحذير من الكذب و الشائعات لنجباء شبكة سحاب الخير

الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و من والاه و بعد :

فلما كان للشائعات والأكاذيب من الخطر العظيم و الفساد العريض , خاصة إذا كانت بين أبناء المنهج الواحد
و الطريقة الواحدة , أقول لما كان ذلك كذلك جمعت لأحبابنا السلفيين في هذه الشبكة المباركة المفيدة ما كتب في شبكة سحاب من مقالات المشايخ و طلبة العلم و نقولاتهم في الشائعات و بيان خطرها على ديانة السلفي
ناصحا لنفسي و لإخواني فإليكموها :
المقالة الأولى :
الشائعات و موقف السلفي منها للشيخ الفاضل أبو عاصم الغامدي (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=347967&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة الثانية :
كيف النجاة زمن الفتن للشيخ فهمي العارف (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=345456&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة الثالثة :
عواصم يعصم بها السلفي زمن الفتن لعبد الله الخالدي (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=339264&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة الرابعة :
احذر/هل من منهج أهل الحديث والأثر الاعتماد على الشائعات في باب النقد وإسقاط المخالف ؟ للشيخ الفاضل عبد الحميد
العربي (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=335980&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة الخامسة :
عندما تصدق الشائعة و تساء الطنون بالمؤمنين (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=334844&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة السادسة:
المنهج الصحيح في التعامل مع الشائعات و الفتن / لسماحة العلامة المفتي (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=290802&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة السابعة :
وجوب التثبت في الأخبار و احترام العلماء / للعلامة صالح الفوزان (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=336935&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة الثامنة :
التثبت عند الشائعات / للأخت أم عبد العزيز (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=334725&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة التاسعة :
إبطال منهج الإرهابيين المبني على نقل الشائعات و الكذب و التخمين للشيخ أبو عمر العتيبي (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=309668&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)
المقالة العاشرة :
وجوب التثبت في نقل الأخبار و التحذير من الشائعات للشيخ جمال بن فريحان الحارثي (http://www.sahab.net/forums/showthread.php?t=309232&highlight=%C7%E1%D4%C7%C6%DA%C7%CA)

فقير إلى الله
2016-02-23, 23:08
جزاك الله خيرا
والله انا نحبك يا فوزان الفوزان
حفظك الله ورعاك

بارك الله فيك

أسد الرمال1
2016-02-24, 00:17
كلام جميل وبارك الله فيك ,,,وكذلك يجب التنبيه على ما انتشر الآن من داء عضال ينهش السلفية ويقسمها إلى فرق وجماعات باسم التصفية والتربية والجرح والتعديل تقليدا وتقديسا لبعض البشر

فقير إلى الله
2016-02-24, 00:53
??????????????????,

سبل الخيرات
2016-02-24, 09:59
بارك الله فيك

فقير إلى الله
2016-02-24, 10:01
جزاك الله خيرا
والله انا نحبك يا فوزان الفوزان
حفظك الله ورعاك

كلام جميل وبارك الله فيك ,,,وكذلك يجب التنبيه على ما انتشر الآن من داء عضال ينهش السلفية ويقسمها إلى فرق وجماعات باسم التصفية والتربية والجرح والتعديل تقليدا وتقديسا لبعض البشر

بارك الله فيك


بارك الله فيك

بلقاسم 1472
2016-02-24, 21:45
قرأت التّاريخ الإسلامي وتوقفت عند أحداثه ووقائعه مما دوّن وسجل، فوجدت هذا السلوك خاصا بالشيعة والباطنية الذين هم أكذب الناس في العالمين، ويتلقاها كلاب أهل النار من الخوارج والمعتزلة والجهمية والقطبية وخاصة حرورية العلمانين الشيوعيون الملاحدة، وكل من في قلبه زيغ،عينه على سلطة، إن توصل إليها عبث فيها بأسوأ مما سمع من إشاعات خرج بها وأنهك لها عقله المختل بالتأويل والتحريف والوعود الكاذبة.............

فقير إلى الله
2016-03-07, 18:53
قرأت التّاريخ الإسلامي وتوقفت عند أحداثه ووقائعه مما دوّن وسجل، فوجدت هذا السلوك خاصا بالشيعة والباطنية الذين هم أكذب الناس في العالمين، ويتلقاها كلاب أهل النار من الخوارج والمعتزلة والجهمية والقطبية وخاصة حرورية العلمانين الشيوعيون الملاحدة، وكل من في قلبه زيغ،عينه على سلطة، إن توصل إليها عبث فيها بأسوأ مما سمع من إشاعات خرج بها وأنهك لها عقله المختل بالتأويل والتحريف والوعود الكاذبة.............


بارك الله فيك و جزاك خيرا

alg-cool
2016-03-08, 06:56
شكرا لك وجزاك الله خيراً

فقير إلى الله
2016-08-29, 23:21
بارك الله فيك

DZMIDOU
2016-08-29, 23:36
موضوع جميل جدا,,,لا يرضي اصحاب الفتن وابواق التقليد

فقير إلى الله
2016-08-30, 19:12
موضوع جميل جدا,,,لا يرضي اصحاب الفتن وابواق التقليد
بارك الله فيكم