المؤرخ
2012-09-06, 16:17
من هم ثوار سوريا و على ماذا يثورون؟
من Bassam Al-Kuwatli في 12 نوفمبر، 2011، الساعة 04:47 صباحاً ·
نشر بجريدة القلم 11/11/2011
عندما بدأت الثورات العربية حاولت مجموعات من المعارضة السياسية السورية تحريك الشارع السوري للثورة, و لكن محاولاتها كلها بائت بالفشل و لم تنجح بتحريك أكثر من عشرات من الناس. تتابعت هذه المحاولات و قابلتها السلطات بالإعتقال و الضرب و الإهانة لكل من شارك بها أو حرض عليها. إستمر هذا الوضع إلى أن كتبت مجموعة من الصبية على جدار مدرسة في درعا عبارة رأوها على شاشات التلفاز و من الممكن أنها لم تعني لهم الكثير في ذلك الوقت و هي "الشعب يريد أن يسقط النظام". أعتقل هؤلاء الصبية و تم تعذيبهم كعادة نظام البعث في سوريا. و عندما طلب الأهل إطلاق سراحهم تم تجاهلهم و عندما تظاهروا تم إطلاق النار عليهم و إعتقالهم و من ثم تعذيبهم.
كانت قسوة النظام في درعا و بطشه بأهاليها هو ما حرك بقية المناطق و المدن السورية للتظاهر. بدأت هذه المظاهرات بمطالب إصلاحية ثم نتيجة لإستمرار القمع و القتل ما لبثت تدريجياً ترفع سقف مطالبها لتطالب بسقوط النظام و من ثم بتنحي الرئيس و أخيراً بإعدامه.
كل من ينظر إلى توزع المظاهرات في سوريا فإنه يراها منتشرة في الأرياف و المدن الصغيرة و المتوسطة, بينما لا ترى تظاهرات كثيرة في دمشق و حلب إلا في بعض ضواحيهما الفقيرة. ما سبب هذا الإنتشار و لم لا يشارك أهل المدن الكبرى في هذه التظاهرات و لم لا يطالبون بسقوط النظام؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نعود إلى فترة تحرير الإقتصاد التي بدأت في نهاية فترة حكم الأسد الأب و إمتدت إلى يومنا هذا تحت حكم الأسد الإبن.
بعد حوالي الثلاثين عاماً من تدمير الإقتصاد السوري لصالح قطاع عام غير منتج و قلة من اللصوص المستفيدين من المال العام, أدى هذا الوضع لتدني في الإنتاجية و في مستويات الدخل لمعظم الشعب السوري. لذا كان الهدف المعلن من الإنفتاح الإقتصادي وقف هذا التدهور و تحسين وضع المواطن السوري. أما القائمون على هذا الإنفتاح و في غياب أي رقابة فكان هدفهم هو الإغتناء الشخصي و مراكمة الثروات. بدأت منذ أواخر التسعينات عملية منظمة لفتح الأسواق للإستيراد وتم خلق إحتكارات ينتفع منها رجال الحكومة و أبنائهم, كما قامت هذه المجموعة ذاتها بفرض نفسها مالكاً لكل مشروع كبير يدر الربح كحال شركتي الخلوي الممتلكتان من رامي مخلوف ابن خالة الأسد الإبن, أو كشريك في هذه المشاريع عبر وسائل ضغط و تهديد غير مشروعة. تركت المشاريع الصغيرة و المتوسطة لصالح طبقة تجارية و صناعية في المدن الكبرى ما داموا يدفعون نسب معينة لرجال النظام أما بشكل مباشر أو كرشوات لتسيير أعمالهم. أدى إنتشار هذه الأعمال و زيادة الشركات التجارية العاملة بالإستيراد إلى زيادة بفرص العمل أمام أهل المدن الرئيسية و نرى ذلك خصوصاً في قيام شركتي الخلوي بتوظيف ألاف الموظفين. هذه الزيادة أدت الى إنتعاش نسبي للطبقة الوسطى في هذه المدن.
في نفس الفترة كنا نرى أن الريف و المدن الصغيرة قد تم إهمالها و أن نسب الفقر كانت في زيادة مضطردة. نضيف إلى هذا جفاف عام لحق بالبلاد مترافق مع إنعدام شبه كامل للسياسات المائية رغم تحذير الهيئات الدولية على مدى عقود من هذا الجفاف. أدى هذا الوضع إلى نزوح مئات الألاف من قراهم إلى ضواحي المدن أو إلى مناطق أقل تأثراً بالجفاف. أدى هذا النزوح إلى زيادة الضغط الإقتصادي على سكان هذه المناطق و على فقراء المدن الذين لم ينتفعوا من الوضع الإقتصادي الجديد.
إذاً, هذه الثورة هي ثورة الفقراء الذين همشوا إقتصادياً و سياسياً لعقود طويلة و كان الإقتصاد الجديد بالنسبة لهم القشة التي قصمت ظهر البعير. إنضمت فئات أخرى لهذه الثورة كبعض أفراد الطبقة المتوسطة الذين لم يستفيدوا من هذا الإقتصاد الجديد أو سكان مدينة حماة الذين ذبح الكثيرون من عائلاتهم في الثمانينات و كسكان حمص الذين لم يحتملوا رد النظام على تظاهرات فقرائهم. إنضمت أيضاً مجموعات من المعارضة السياسية التي رأت في هذه الثورة فرصتها في تحقيق التغيير الذي طالما دعت له.
لم تنضم كل مجموعات المعارضة لهذه الثورة فبعض هذه المجموعات يجد أن الثورة تتجاوز مطامحها أو أنها تفتقد القدرة على التعامل مع الوضع الجديد بينما وضعت مجموعات أخرى نفسها تحت تصرف هذه الثورة للقيام بدور سياسي تحتاجه الثورة. لكننا نرى أنه و بمرور الوقت أن مجموعات جديدة تنضم للثورة إما لأنها كانت متضررة بالأصل أو لأنها تتضرر من قمع الدولة أو لأن أخلاقياتها لا تسمح لها بالسكوت على هذا القمع أو أنها تريد التغيير السياسي و قد بدأت ترى أن هذا التغيير ممكن التحقيق.
إذا فإن هذه الثورة بدأت كثورة الفقراء و هي تنتشر تدريجياً بين الفئات الأخرى. و يبدو من كل المؤشرات أنها ستنجح في تحطيم كل الحواجز الطبقية و ستحقق الإنتصار.
من Bassam Al-Kuwatli في 12 نوفمبر، 2011، الساعة 04:47 صباحاً ·
نشر بجريدة القلم 11/11/2011
عندما بدأت الثورات العربية حاولت مجموعات من المعارضة السياسية السورية تحريك الشارع السوري للثورة, و لكن محاولاتها كلها بائت بالفشل و لم تنجح بتحريك أكثر من عشرات من الناس. تتابعت هذه المحاولات و قابلتها السلطات بالإعتقال و الضرب و الإهانة لكل من شارك بها أو حرض عليها. إستمر هذا الوضع إلى أن كتبت مجموعة من الصبية على جدار مدرسة في درعا عبارة رأوها على شاشات التلفاز و من الممكن أنها لم تعني لهم الكثير في ذلك الوقت و هي "الشعب يريد أن يسقط النظام". أعتقل هؤلاء الصبية و تم تعذيبهم كعادة نظام البعث في سوريا. و عندما طلب الأهل إطلاق سراحهم تم تجاهلهم و عندما تظاهروا تم إطلاق النار عليهم و إعتقالهم و من ثم تعذيبهم.
كانت قسوة النظام في درعا و بطشه بأهاليها هو ما حرك بقية المناطق و المدن السورية للتظاهر. بدأت هذه المظاهرات بمطالب إصلاحية ثم نتيجة لإستمرار القمع و القتل ما لبثت تدريجياً ترفع سقف مطالبها لتطالب بسقوط النظام و من ثم بتنحي الرئيس و أخيراً بإعدامه.
كل من ينظر إلى توزع المظاهرات في سوريا فإنه يراها منتشرة في الأرياف و المدن الصغيرة و المتوسطة, بينما لا ترى تظاهرات كثيرة في دمشق و حلب إلا في بعض ضواحيهما الفقيرة. ما سبب هذا الإنتشار و لم لا يشارك أهل المدن الكبرى في هذه التظاهرات و لم لا يطالبون بسقوط النظام؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نعود إلى فترة تحرير الإقتصاد التي بدأت في نهاية فترة حكم الأسد الأب و إمتدت إلى يومنا هذا تحت حكم الأسد الإبن.
بعد حوالي الثلاثين عاماً من تدمير الإقتصاد السوري لصالح قطاع عام غير منتج و قلة من اللصوص المستفيدين من المال العام, أدى هذا الوضع لتدني في الإنتاجية و في مستويات الدخل لمعظم الشعب السوري. لذا كان الهدف المعلن من الإنفتاح الإقتصادي وقف هذا التدهور و تحسين وضع المواطن السوري. أما القائمون على هذا الإنفتاح و في غياب أي رقابة فكان هدفهم هو الإغتناء الشخصي و مراكمة الثروات. بدأت منذ أواخر التسعينات عملية منظمة لفتح الأسواق للإستيراد وتم خلق إحتكارات ينتفع منها رجال الحكومة و أبنائهم, كما قامت هذه المجموعة ذاتها بفرض نفسها مالكاً لكل مشروع كبير يدر الربح كحال شركتي الخلوي الممتلكتان من رامي مخلوف ابن خالة الأسد الإبن, أو كشريك في هذه المشاريع عبر وسائل ضغط و تهديد غير مشروعة. تركت المشاريع الصغيرة و المتوسطة لصالح طبقة تجارية و صناعية في المدن الكبرى ما داموا يدفعون نسب معينة لرجال النظام أما بشكل مباشر أو كرشوات لتسيير أعمالهم. أدى إنتشار هذه الأعمال و زيادة الشركات التجارية العاملة بالإستيراد إلى زيادة بفرص العمل أمام أهل المدن الرئيسية و نرى ذلك خصوصاً في قيام شركتي الخلوي بتوظيف ألاف الموظفين. هذه الزيادة أدت الى إنتعاش نسبي للطبقة الوسطى في هذه المدن.
في نفس الفترة كنا نرى أن الريف و المدن الصغيرة قد تم إهمالها و أن نسب الفقر كانت في زيادة مضطردة. نضيف إلى هذا جفاف عام لحق بالبلاد مترافق مع إنعدام شبه كامل للسياسات المائية رغم تحذير الهيئات الدولية على مدى عقود من هذا الجفاف. أدى هذا الوضع إلى نزوح مئات الألاف من قراهم إلى ضواحي المدن أو إلى مناطق أقل تأثراً بالجفاف. أدى هذا النزوح إلى زيادة الضغط الإقتصادي على سكان هذه المناطق و على فقراء المدن الذين لم ينتفعوا من الوضع الإقتصادي الجديد.
إذاً, هذه الثورة هي ثورة الفقراء الذين همشوا إقتصادياً و سياسياً لعقود طويلة و كان الإقتصاد الجديد بالنسبة لهم القشة التي قصمت ظهر البعير. إنضمت فئات أخرى لهذه الثورة كبعض أفراد الطبقة المتوسطة الذين لم يستفيدوا من هذا الإقتصاد الجديد أو سكان مدينة حماة الذين ذبح الكثيرون من عائلاتهم في الثمانينات و كسكان حمص الذين لم يحتملوا رد النظام على تظاهرات فقرائهم. إنضمت أيضاً مجموعات من المعارضة السياسية التي رأت في هذه الثورة فرصتها في تحقيق التغيير الذي طالما دعت له.
لم تنضم كل مجموعات المعارضة لهذه الثورة فبعض هذه المجموعات يجد أن الثورة تتجاوز مطامحها أو أنها تفتقد القدرة على التعامل مع الوضع الجديد بينما وضعت مجموعات أخرى نفسها تحت تصرف هذه الثورة للقيام بدور سياسي تحتاجه الثورة. لكننا نرى أنه و بمرور الوقت أن مجموعات جديدة تنضم للثورة إما لأنها كانت متضررة بالأصل أو لأنها تتضرر من قمع الدولة أو لأن أخلاقياتها لا تسمح لها بالسكوت على هذا القمع أو أنها تريد التغيير السياسي و قد بدأت ترى أن هذا التغيير ممكن التحقيق.
إذا فإن هذه الثورة بدأت كثورة الفقراء و هي تنتشر تدريجياً بين الفئات الأخرى. و يبدو من كل المؤشرات أنها ستنجح في تحطيم كل الحواجز الطبقية و ستحقق الإنتصار.