messa85
2012-09-04, 18:40
يعتبر المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي واحدا من رجالات القرن العشرين الذين شغلوا أنفسهم بقضايا أمتهم، وسعوا إلى بلورة الحلول والاقتراحات الكفيلة بإخراج الأمة المسلمة من تخلفها الشامل المركب، ودفعها إلى معانقة العصر بفاعلية، فقد قدم مالك بن نبي - رحمه الله - مشروعا فكريا متكاملا في وقت كان فيه العالم الإسلامي يعارك فلول الاستعمار، أو يعيش مخلفاته التي كبلت حركته، وسممت أجواءه الثقافية والفكرية بإفراز نخبة منه حاولت إفهام الرأي العام المسلم بأن القوة في اتباع سبل الغرب وتقليد أنموذجه الحضاري. وقد وقف مالك بن نبي ضد هذه الدعوات اليائسة والمضللة، وصاغ مفهوم "القابلية للاستعمار"، مقتنعا بأن الهزيمة الحقيقية للجيل المسلم الذي جايله، وكل جيل استوفى شروطه نفسها، هي هزيمة نفسية لا تزول إلا بتغيير ما بالنفس مصداقا لقوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (الرعد : 11) .
وفي إطار مشروعه الفكري العام وتحديد نوعية وطبيعة المشكلات التي يواجهها المجتمع الإسلامي، وقف مالك بن نبي عند قضية المرأة التي تعرضت لكثير من التشويه، خصوصا مع اتساع دائرة التأثر بالنموذج الحضاري الغربي وموقع المرأة الأوربية فيه .
تحديد طبيعة المشكلة
ينبغي القول بادئ ذي بدء: إن قضية المرأة عند مالك بن نبي تندرج ضمن منظومته الفكرية العامة التي حددها في مشكلة الحضارة، بأبعادها الشاملة، السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. فمشكلة الحضارة عنده قضية لا تتجزأ، وأي تجزيء لها يقود حتمًا إلى طرح المشكلات طرحا خاطئًا، ومن ثم تحديد وسائل خاطئة للعلاج. إن مالكًا يعتبر أن العالم الإسلامي أضاع وقتا طويلا، وجهدا كبيرا بسبب عدم التحديد المنهجي الصحيح للمرض الذي يتألم منه منذ قرون عدة، وذلك عائد إلى التجزيئية التي عزلت القضايا عن بعضها ونظرت إلى كل واحدة على حدة .
من هنا وقف مالك من قضية المرأة موقفه من القضايا الأخرى، وقد أطلق تسمية "مشكلة المرأة" في كتابه "شروط النهضة"، وذلك انسجامًا مع منظومته الفكرية التي تدور حول مشكلة الحضارة عموما من ناحية، وللتدليل على مقدار التضخيم الذي كان من نصيب موضوع المرأة في العالم الإسلامي، سواء من أنصار التحرر الذي يصل بالمرأة إلى درجة التحلل، أم من أنصار التزمت الذي يغلق بصره أمام حقائق الإسلام .
اعتبر مالك بن نبي أن ليس هناك مشكلة للمرأة معزولة عن مشكلة الرجل، فالمشكلة واحدة، هي مشكلة الفرد في المجتمع، فقد حاول الكثيرون، بوحي من الفكر العربي التجزيئي، النظر إلى قضية المرأة كقضية مستقلة، ومن ثم خلقوا معركة مفتعلة بين أفراد المجتمع الواحد، ووضعوا المرأة في مواجهة الرجل، وهذه قمة التجزيئية وتشويه حقيقة الصراع الحضاري، لأنه يضع الزوجة في مواجهة الزوج، والبنت في مواجهة الأب والأخت في مواجهة الأخ وهلم جرا، فيتحول الصراع من صراع المجتمع ضد التخلف الحضاري والاغتراب إلى صراع داخل المجتمع نفسه، مما يلهيه عن التصدي للتحديات في بناء متماسك.
وتقود هذه الطريقة في تشخيص المشكلات وتحديد معالمها إلى منظور كمي، ذلك أن وضع جدار فاصل بين المرأة والرجل يؤدي ضرورة إلى البحث عما يفرق ويجمع بينهما، وبعد ذلك إلى إيجاد ما ينقص المرأة إزاء الرجل، وهل هي أكبر أو أصغر منه، أو تساويه في القيمة . ويعتبر مالك أن هذه الأحكام ما هي إلا افتئات على حقيقة الأمر ومحض افتراء (1).
موقفان ودافع مشترك
ميز مالك بن نبي بين موقفين متقابلين من قضية المرأة: موقف المتمسكين بإبعاد المرأة عن المجتمع وإبقائها في وضعها التقليدي الذي كرسته التقاليد، وموقف الداعين إلى أن تخرج المرأة في صورة تلفت إليها الغرائز. ورأى أن موقفي هذين الفريقين يصدران عن دافع واحد هو الغريزة. وهذان الموقفان لا يساهمان في حل المشكلة، بل ربما زادا الطين بلة. وإذا كان موقف الداعين إلى التحرر على النمط الغربي واضح الأخطار على المجتمع الإسلامي بسبب ما يؤدي إليه من ترسيخ للتبعية وتبليد للحس الإسلامي وضرب الهوية الخاصة للأمة، فإن الموقف الثاني قد يكون أشد خطرا لأنه يعطي لأعداء الأمة المبررات للخوض في سمعة الإسلام والتشكيك فيه، ويجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
من أجل ذلك يستبعد مالك هذين الموقفين لأنه "لا أمل لنا أن نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة"(2) ويقول: "إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع وبالتالي تدهورها، أليست هي عضوا فيه؟ فالقضية ليست قضية فرد، وإنما هي قضية مجتمع" (3) .
يتبع
وفي إطار مشروعه الفكري العام وتحديد نوعية وطبيعة المشكلات التي يواجهها المجتمع الإسلامي، وقف مالك بن نبي عند قضية المرأة التي تعرضت لكثير من التشويه، خصوصا مع اتساع دائرة التأثر بالنموذج الحضاري الغربي وموقع المرأة الأوربية فيه .
تحديد طبيعة المشكلة
ينبغي القول بادئ ذي بدء: إن قضية المرأة عند مالك بن نبي تندرج ضمن منظومته الفكرية العامة التي حددها في مشكلة الحضارة، بأبعادها الشاملة، السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. فمشكلة الحضارة عنده قضية لا تتجزأ، وأي تجزيء لها يقود حتمًا إلى طرح المشكلات طرحا خاطئًا، ومن ثم تحديد وسائل خاطئة للعلاج. إن مالكًا يعتبر أن العالم الإسلامي أضاع وقتا طويلا، وجهدا كبيرا بسبب عدم التحديد المنهجي الصحيح للمرض الذي يتألم منه منذ قرون عدة، وذلك عائد إلى التجزيئية التي عزلت القضايا عن بعضها ونظرت إلى كل واحدة على حدة .
من هنا وقف مالك من قضية المرأة موقفه من القضايا الأخرى، وقد أطلق تسمية "مشكلة المرأة" في كتابه "شروط النهضة"، وذلك انسجامًا مع منظومته الفكرية التي تدور حول مشكلة الحضارة عموما من ناحية، وللتدليل على مقدار التضخيم الذي كان من نصيب موضوع المرأة في العالم الإسلامي، سواء من أنصار التحرر الذي يصل بالمرأة إلى درجة التحلل، أم من أنصار التزمت الذي يغلق بصره أمام حقائق الإسلام .
اعتبر مالك بن نبي أن ليس هناك مشكلة للمرأة معزولة عن مشكلة الرجل، فالمشكلة واحدة، هي مشكلة الفرد في المجتمع، فقد حاول الكثيرون، بوحي من الفكر العربي التجزيئي، النظر إلى قضية المرأة كقضية مستقلة، ومن ثم خلقوا معركة مفتعلة بين أفراد المجتمع الواحد، ووضعوا المرأة في مواجهة الرجل، وهذه قمة التجزيئية وتشويه حقيقة الصراع الحضاري، لأنه يضع الزوجة في مواجهة الزوج، والبنت في مواجهة الأب والأخت في مواجهة الأخ وهلم جرا، فيتحول الصراع من صراع المجتمع ضد التخلف الحضاري والاغتراب إلى صراع داخل المجتمع نفسه، مما يلهيه عن التصدي للتحديات في بناء متماسك.
وتقود هذه الطريقة في تشخيص المشكلات وتحديد معالمها إلى منظور كمي، ذلك أن وضع جدار فاصل بين المرأة والرجل يؤدي ضرورة إلى البحث عما يفرق ويجمع بينهما، وبعد ذلك إلى إيجاد ما ينقص المرأة إزاء الرجل، وهل هي أكبر أو أصغر منه، أو تساويه في القيمة . ويعتبر مالك أن هذه الأحكام ما هي إلا افتئات على حقيقة الأمر ومحض افتراء (1).
موقفان ودافع مشترك
ميز مالك بن نبي بين موقفين متقابلين من قضية المرأة: موقف المتمسكين بإبعاد المرأة عن المجتمع وإبقائها في وضعها التقليدي الذي كرسته التقاليد، وموقف الداعين إلى أن تخرج المرأة في صورة تلفت إليها الغرائز. ورأى أن موقفي هذين الفريقين يصدران عن دافع واحد هو الغريزة. وهذان الموقفان لا يساهمان في حل المشكلة، بل ربما زادا الطين بلة. وإذا كان موقف الداعين إلى التحرر على النمط الغربي واضح الأخطار على المجتمع الإسلامي بسبب ما يؤدي إليه من ترسيخ للتبعية وتبليد للحس الإسلامي وضرب الهوية الخاصة للأمة، فإن الموقف الثاني قد يكون أشد خطرا لأنه يعطي لأعداء الأمة المبررات للخوض في سمعة الإسلام والتشكيك فيه، ويجعل المرأة حين تفكر في الحرية لا تجد أمامها إلا النموذج الغربي الحاضر أمامها.
من أجل ذلك يستبعد مالك هذين الموقفين لأنه "لا أمل لنا أن نجد في آرائهما حلا لمشكلة المرأة"(2) ويقول: "إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع وبالتالي تدهورها، أليست هي عضوا فيه؟ فالقضية ليست قضية فرد، وإنما هي قضية مجتمع" (3) .
يتبع