عابر سبيل
2009-03-01, 09:37
السلام عليكم ورحمة الله
كيف تجد قلبك
اخذ المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا , فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم , فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : كيف تجد قلبك ؟ فقال مطمئنا بالإيمان , قال النبي صلى الله عليه و سلم : إن عادوا فعد .
سؤال دائم لابد إن تسأله لنفسك
كيف تجد قلبك ؟
إن لله تعالى في أرضه آنية هي القلوب , فأحبها إلى الله تعالى ....... اصلبها و ارقها و أصفاها اصلبها في الدين , أصفاها في اليقين , ارقها على الإخوان , صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم .
لذلك جعل المولى عز و جل القلب محل الإيمان و الكفر , و الطمأنينة و القلق , و الحب و الكره , فالقلب إما صالحا سليما و إما مريضا ميتا , و القلب السليم هو الذي منحه الله قيادة صاحبه في الدنيا حتى يدخله الجنة . ( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) و إذا فتشنا في هذا القلب السليم و جدنا إن سلامته من سلامة الإيمان , لان سلامة الإيمان تطرد كل ما يسبب فساد القلب , فيصبح قلبا حيا يحسن التلقي عن الله , فيفعل المأمور , و يترك المحظور , و يصبر على المقدور , فإذا انعم عليه شكر , و إذا ابتلى صبر , و إذا أذنب استغفر , لا يقول إلا لله , و لا يعمل إلا لله , فالله وحده هو غايته .
قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم من خير الناس ؟ قال : كل مؤمن مخموم القلب , قيل ما مخموم القلب ؟ فقال : هو التقى النقي الذي لا غش فيه و لا بغى , ولا غدر و لا غل و لا حسد .
انه قلب سليم لا مكان فيه لآفة أو مرض مما يصيب القلوب , و كان علماؤنا الأوائل موفقين عندما قسموا المعاصي إلى معاصي قلوب و معاصي جوارح , أو معاصي بدنية و معاصي نفسية , إن المعاصي البد نية شهوات محدودة الخطر , على قبحها و سوء مغبتها , و مع ذلك فهي أدنى من قسوة القلب التي تهلك الحرث و النسل في سبيل المجد الشخصي و عبادة الذات , و كم قاست البشرية بسبب حكام و زعماء ماتت قلوبهم و عبدوا ذواتهم , و دفعت الإنسانية الثمن من أرواح أبنائها ومن ثرواتها الكثير و الكثير .
إن القلب السليم هو المحور الفذ للقبول و له علامات واضحة تميزه ؟ ومن هذه العلامات :
أولها : هداية القلب : قال تعالى ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه و الله بكل شيء عليم ) ( التغابن : 11 ) إن القلب إذا اهتدى عرف كيف يستقبل الأحداث , إن أصابه خير شكر فكان خيرا لصاحبه , وان أصابه شر صبر فكان خيرا لصاحبه , قلب يتماسك عند النعمة فلا يتكبر و لا يختال , و يتماسك عند الشدة فلا ييأس و لا يتحطم , يخرج من الأمرين ظافرا برضى الله تعالى مستعدا لممارسة مواقف أخرى .
ثانيها : سكينة القلب : قال تعالى ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا ) ( الفتح : 18 ) ترى ما كان حال هذه القلوب حتى يرضى الله عن أصحابها ؟
وقد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصلهم بالله , و يعقد بينه و بينهم بيعة ماضية لا تنقطع بغيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم يبايعون الله – تصور جليل للبيعة – فالواحد منهم يشعر وهو يضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه و سلم إن يد الله فوق أيديهم , فالله حاضر البيعة , و الله صاحبها و الله أخذها , إن هذه الصورة لتستأصل من النفس خاطر النكث في البيعة – مهما غاب شخص رسول الله صلى الله عليه و سلم , فالله حاصر لا يغيب , و هو عليها رقيب , ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) ( الفتح من الآية 10 ) فهو الخاسر في كل جانب و هو الخاسر في الرجاع عن الصفقة الرابحة مع الله , و ما من بيعة بين الله و عبد من عباده إلا و العبد فيها الرابح من فضل الله و هو الخاسر حيث ينكث , فالله يحب الوفاء و يحب الأوفياء , و ما الوفاء إلا وفاء القلب .
تلك المجموعة المؤمنة هي التي سمعت الله تعالى يقول عنها لرسوله صلى الله عليه و سلم ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم واثابهم فتحا قريبا ) ( الفتح : 18 ) و سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لها ( انتم اليوم خير أهل الأرض ) حاول إن تستشرف تلك اللحظة القدسية التي شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلى العظيم إلى رسوله الأمين عن جماعة المؤمنين , يا الله ! كيف تلقوا – أولئك السعداء – تلك اللحظة القدسية و ذلك التبليغ الإلهى ؟ إلى كل واحد منهم , في ذات نفسه , و يقول له : أنت أنت بذاتك , يبلغك الله , لقد رضي الله عنك , و أنت تبايع تحت الشجرة ! و علم ما في قلبك , و رضي عما في نفسك ! فأنزل السكينة عليك , علم ما في قلوبهم من حمية لدينهم لا لانفسهم , و علم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم , و علم ما في قلوبهم من كظم لانفعالاتهم تجاه الاستفزاز , و ضبط لمشاعرهم ليقفوا خلف كلمة رسول الله صلى الله عليه و سلم طائعين مسلمين صابرين ( فانزل السكينة عليهم ) بهذا التعبير الذي يرسم السكينة نازلة في هدوء ووقار , تضفى على تلك القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة , بردا و سلاما و طمأنينة و ارتياحا .
ثالثها : الربط على القلب : قال تعالى ( إنهم فتية امنوا بريهم و زدناهم هدى , وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات و الأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ) ( الكهف 13 – 14 ) قلوبهم ثابتة راسخة , مطمئنة إلى الحق الذي عرفت , معتزة بالإيمان الذي اختارت ( إذ قاموا ) والقيام حركة تدل على العزم و الثبات , ( فقالوا ربنا رب السماوات و الأرض ) فهو رب هذا الكون كله ( لن ندعو من دونه إلها ) فهو واحد بلا شريك ( لقد قلنا إذا شططا ) و تجاوزنا الحق و حدنا عن الصواب , كل هذا يأتي بعد الربط على القلب , و لا ربط إلا على قلب سليم .
إن المؤمن بحاجة إلى وقفة مع القلب , من إن يعتريه شك أو ريب أو دخل أو دخن , أو غيبة أو نميمة و ما أكثر أمراض القلوب و فقد ذكر الإمام احمد عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال ( القلب أربعة , اجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن , و قلب أغلف فذلك قلب الكافر , وقلب منكوس فذلك قلب المنافق , وقلب تمده مادتان , مادة إيمان و مادة نفاق و هو لما غلب عليه منهما )
( و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤف رحيم ) ( الحشر : 10 ) فبسلامة القلوب تفرغت القلوب لربها و آياته , فأحسنت استقبالها و أدركتها على أحسن وجه , إن المسلم التقى النقي لين القلب إلى ذكر الله و يشعر بالوجل منه و يتفاعل مع آيات الله التي تتلى عليه , و يصبح قلبه هو جهاز التلقي فيترجم ما يتلقاه إلى سلوك و عمل و يظل هذا القلب في الانتفاع بوحي الله حتى يصل إلى الدرجات العلى من الصفاء و يمد بالنور الذي يفرق به بين الحق و الباطل , و قد بلغ أصحاب النبي هذه الدرجة العليا و لذلك رأينا آثار و حي الله في نفوسهم , فيقول النبي صلى الله عليه و سلم ( لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم محدثون – يعنى ملهمون – فان كان في أمتي احد فانه عمر )
و لهذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم يقطع كل أسباب انشغال القلب فيقول صلى الله عليه و سلم ( لا يبلغني احد من أصحابى عن احد شيئا , فاني أحب إن اخرج إليكم و أنا سليم الصدر )
عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - إن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا , فأي قلب اشربها , نكت فيه نكتة سوداء , و أي قلب أنكرها , نكت فيه نكتة بيضاء , حتى يصير على قلبين , ابيض مثل الصفا , فلا تضره فتنة ما دامت السماوات و الأرض , و الآخر اسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا , إلا ما اشرب من هواه )
فضرر الذنوب على القلوب كضرر السموم على الأبدان , فهي تضعف في القلب تعظيم الرب , فإذا عرفنا إن سبب المرض هو اقتراف الذنوب , فان علاج القلب من مرضه بالتوبة الصادقة التي تعنى اعترافا بالذنب و كراهيته له و عزما على عدم اقترافه , و الرجاء إن يعفو الله عنه , فبهذه التوبة يذهب المرض و يصقل القلب و يصفوا , فإذا ما صفا القلب , و صار سليما يحسن استقبال وحى الله عز و جل ويبقى الأمر الأهم بعد هذا إلا و هو استمرا هذا الصفاء القلبي .
و لكي يستمر هذا الصفاء القلبي يجب إن نراعى :
أولا : قطع علائق الدنيا وإخراج حب غير الله من القلب , فاحد أسباب ضعف حب الله قوة حب الدنيا فبقدر ما يأنس القلب بالدنيا , ينقص حبه و انسه بالله , لقد حدد النبي صلى الله عليه و سلم – موقفه من الدنيا فقال ( مالي و للدنيا ظ وما أنا في الدنيا إلا كرجل قال تحت ظل شجرة , ثم مضى لشانه )
ثانيا : معرفة الله تعالى , لأنه إذا حصلت المعرفة تبعتها المحبة ,و لا يوصل إلى هذه المحبة إلا التفكر و التدبر , و تفاوت الحب إنما يرجع إلى تفاوت المعرفة , و الجهل بالله سبب كل بلاء .
و لهذا تركها الإمام البنا وصية خالدة , فقال رضي الله عنه : ( و عمل القلب أهم من عمل الجارحة , و تحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا و إن اختلفت مرتبتا الطلب )
نقلته لكم حتى تعم الفائدة
كيف تجد قلبك
اخذ المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا , فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم , فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : كيف تجد قلبك ؟ فقال مطمئنا بالإيمان , قال النبي صلى الله عليه و سلم : إن عادوا فعد .
سؤال دائم لابد إن تسأله لنفسك
كيف تجد قلبك ؟
إن لله تعالى في أرضه آنية هي القلوب , فأحبها إلى الله تعالى ....... اصلبها و ارقها و أصفاها اصلبها في الدين , أصفاها في اليقين , ارقها على الإخوان , صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم .
لذلك جعل المولى عز و جل القلب محل الإيمان و الكفر , و الطمأنينة و القلق , و الحب و الكره , فالقلب إما صالحا سليما و إما مريضا ميتا , و القلب السليم هو الذي منحه الله قيادة صاحبه في الدنيا حتى يدخله الجنة . ( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) و إذا فتشنا في هذا القلب السليم و جدنا إن سلامته من سلامة الإيمان , لان سلامة الإيمان تطرد كل ما يسبب فساد القلب , فيصبح قلبا حيا يحسن التلقي عن الله , فيفعل المأمور , و يترك المحظور , و يصبر على المقدور , فإذا انعم عليه شكر , و إذا ابتلى صبر , و إذا أذنب استغفر , لا يقول إلا لله , و لا يعمل إلا لله , فالله وحده هو غايته .
قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم من خير الناس ؟ قال : كل مؤمن مخموم القلب , قيل ما مخموم القلب ؟ فقال : هو التقى النقي الذي لا غش فيه و لا بغى , ولا غدر و لا غل و لا حسد .
انه قلب سليم لا مكان فيه لآفة أو مرض مما يصيب القلوب , و كان علماؤنا الأوائل موفقين عندما قسموا المعاصي إلى معاصي قلوب و معاصي جوارح , أو معاصي بدنية و معاصي نفسية , إن المعاصي البد نية شهوات محدودة الخطر , على قبحها و سوء مغبتها , و مع ذلك فهي أدنى من قسوة القلب التي تهلك الحرث و النسل في سبيل المجد الشخصي و عبادة الذات , و كم قاست البشرية بسبب حكام و زعماء ماتت قلوبهم و عبدوا ذواتهم , و دفعت الإنسانية الثمن من أرواح أبنائها ومن ثرواتها الكثير و الكثير .
إن القلب السليم هو المحور الفذ للقبول و له علامات واضحة تميزه ؟ ومن هذه العلامات :
أولها : هداية القلب : قال تعالى ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه و الله بكل شيء عليم ) ( التغابن : 11 ) إن القلب إذا اهتدى عرف كيف يستقبل الأحداث , إن أصابه خير شكر فكان خيرا لصاحبه , وان أصابه شر صبر فكان خيرا لصاحبه , قلب يتماسك عند النعمة فلا يتكبر و لا يختال , و يتماسك عند الشدة فلا ييأس و لا يتحطم , يخرج من الأمرين ظافرا برضى الله تعالى مستعدا لممارسة مواقف أخرى .
ثانيها : سكينة القلب : قال تعالى ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا ) ( الفتح : 18 ) ترى ما كان حال هذه القلوب حتى يرضى الله عن أصحابها ؟
وقد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصلهم بالله , و يعقد بينه و بينهم بيعة ماضية لا تنقطع بغيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم يبايعون الله – تصور جليل للبيعة – فالواحد منهم يشعر وهو يضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه و سلم إن يد الله فوق أيديهم , فالله حاضر البيعة , و الله صاحبها و الله أخذها , إن هذه الصورة لتستأصل من النفس خاطر النكث في البيعة – مهما غاب شخص رسول الله صلى الله عليه و سلم , فالله حاصر لا يغيب , و هو عليها رقيب , ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) ( الفتح من الآية 10 ) فهو الخاسر في كل جانب و هو الخاسر في الرجاع عن الصفقة الرابحة مع الله , و ما من بيعة بين الله و عبد من عباده إلا و العبد فيها الرابح من فضل الله و هو الخاسر حيث ينكث , فالله يحب الوفاء و يحب الأوفياء , و ما الوفاء إلا وفاء القلب .
تلك المجموعة المؤمنة هي التي سمعت الله تعالى يقول عنها لرسوله صلى الله عليه و سلم ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم واثابهم فتحا قريبا ) ( الفتح : 18 ) و سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لها ( انتم اليوم خير أهل الأرض ) حاول إن تستشرف تلك اللحظة القدسية التي شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلى العظيم إلى رسوله الأمين عن جماعة المؤمنين , يا الله ! كيف تلقوا – أولئك السعداء – تلك اللحظة القدسية و ذلك التبليغ الإلهى ؟ إلى كل واحد منهم , في ذات نفسه , و يقول له : أنت أنت بذاتك , يبلغك الله , لقد رضي الله عنك , و أنت تبايع تحت الشجرة ! و علم ما في قلبك , و رضي عما في نفسك ! فأنزل السكينة عليك , علم ما في قلوبهم من حمية لدينهم لا لانفسهم , و علم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم , و علم ما في قلوبهم من كظم لانفعالاتهم تجاه الاستفزاز , و ضبط لمشاعرهم ليقفوا خلف كلمة رسول الله صلى الله عليه و سلم طائعين مسلمين صابرين ( فانزل السكينة عليهم ) بهذا التعبير الذي يرسم السكينة نازلة في هدوء ووقار , تضفى على تلك القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة , بردا و سلاما و طمأنينة و ارتياحا .
ثالثها : الربط على القلب : قال تعالى ( إنهم فتية امنوا بريهم و زدناهم هدى , وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات و الأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ) ( الكهف 13 – 14 ) قلوبهم ثابتة راسخة , مطمئنة إلى الحق الذي عرفت , معتزة بالإيمان الذي اختارت ( إذ قاموا ) والقيام حركة تدل على العزم و الثبات , ( فقالوا ربنا رب السماوات و الأرض ) فهو رب هذا الكون كله ( لن ندعو من دونه إلها ) فهو واحد بلا شريك ( لقد قلنا إذا شططا ) و تجاوزنا الحق و حدنا عن الصواب , كل هذا يأتي بعد الربط على القلب , و لا ربط إلا على قلب سليم .
إن المؤمن بحاجة إلى وقفة مع القلب , من إن يعتريه شك أو ريب أو دخل أو دخن , أو غيبة أو نميمة و ما أكثر أمراض القلوب و فقد ذكر الإمام احمد عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال ( القلب أربعة , اجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن , و قلب أغلف فذلك قلب الكافر , وقلب منكوس فذلك قلب المنافق , وقلب تمده مادتان , مادة إيمان و مادة نفاق و هو لما غلب عليه منهما )
( و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤف رحيم ) ( الحشر : 10 ) فبسلامة القلوب تفرغت القلوب لربها و آياته , فأحسنت استقبالها و أدركتها على أحسن وجه , إن المسلم التقى النقي لين القلب إلى ذكر الله و يشعر بالوجل منه و يتفاعل مع آيات الله التي تتلى عليه , و يصبح قلبه هو جهاز التلقي فيترجم ما يتلقاه إلى سلوك و عمل و يظل هذا القلب في الانتفاع بوحي الله حتى يصل إلى الدرجات العلى من الصفاء و يمد بالنور الذي يفرق به بين الحق و الباطل , و قد بلغ أصحاب النبي هذه الدرجة العليا و لذلك رأينا آثار و حي الله في نفوسهم , فيقول النبي صلى الله عليه و سلم ( لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم محدثون – يعنى ملهمون – فان كان في أمتي احد فانه عمر )
و لهذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم يقطع كل أسباب انشغال القلب فيقول صلى الله عليه و سلم ( لا يبلغني احد من أصحابى عن احد شيئا , فاني أحب إن اخرج إليكم و أنا سليم الصدر )
عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - إن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا , فأي قلب اشربها , نكت فيه نكتة سوداء , و أي قلب أنكرها , نكت فيه نكتة بيضاء , حتى يصير على قلبين , ابيض مثل الصفا , فلا تضره فتنة ما دامت السماوات و الأرض , و الآخر اسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا , إلا ما اشرب من هواه )
فضرر الذنوب على القلوب كضرر السموم على الأبدان , فهي تضعف في القلب تعظيم الرب , فإذا عرفنا إن سبب المرض هو اقتراف الذنوب , فان علاج القلب من مرضه بالتوبة الصادقة التي تعنى اعترافا بالذنب و كراهيته له و عزما على عدم اقترافه , و الرجاء إن يعفو الله عنه , فبهذه التوبة يذهب المرض و يصقل القلب و يصفوا , فإذا ما صفا القلب , و صار سليما يحسن استقبال وحى الله عز و جل ويبقى الأمر الأهم بعد هذا إلا و هو استمرا هذا الصفاء القلبي .
و لكي يستمر هذا الصفاء القلبي يجب إن نراعى :
أولا : قطع علائق الدنيا وإخراج حب غير الله من القلب , فاحد أسباب ضعف حب الله قوة حب الدنيا فبقدر ما يأنس القلب بالدنيا , ينقص حبه و انسه بالله , لقد حدد النبي صلى الله عليه و سلم – موقفه من الدنيا فقال ( مالي و للدنيا ظ وما أنا في الدنيا إلا كرجل قال تحت ظل شجرة , ثم مضى لشانه )
ثانيا : معرفة الله تعالى , لأنه إذا حصلت المعرفة تبعتها المحبة ,و لا يوصل إلى هذه المحبة إلا التفكر و التدبر , و تفاوت الحب إنما يرجع إلى تفاوت المعرفة , و الجهل بالله سبب كل بلاء .
و لهذا تركها الإمام البنا وصية خالدة , فقال رضي الله عنه : ( و عمل القلب أهم من عمل الجارحة , و تحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا و إن اختلفت مرتبتا الطلب )
نقلته لكم حتى تعم الفائدة