المختار العروسي البو
2009-02-27, 08:16
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بســــــم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) }
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار "
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن الله تعالى بيّن في دينه الذي ارتضاه شرعة لنا ما نفعل وما لا نفعل، وحدد فيه التكليف من الواجب والحلال(المباح) والحرام والمندوب (المستحب) والمكروه. ـ مع الأخذ بتعريف الدين كما جاء في كتاب التعريفات. للمؤلف : علي بن محمد بن علي الجرجاني. الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت. الطبعة الأولى ، 1405هـ. من تحقيق : إبراهيم الأبياري عدد الأجزاء : 1. صفحة 141. إذ يقول فيه: "الدين والملة متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فإن الشريعة من حيث إنها تطاع تسمى دينا ومن حيث إنها تجمع تسمى ملة ومن حيث إنها يرجع إليها تسمى مذهبا وقيل الفرق بين الدين والملة والمذهب أن الدين منسوب إلى الله تعالى والملة منسوبة إلى الرسول والمذهب منسوب إلى المجتهد." ـ
قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) ﴾ سورة المائدة. من باب أن الإسلام دين وعلم. كمال الدين لا زيادة ولا نقصان فيه، وما كان من حال حادثة فتقع تحت المقاصد الشرعية لتأخذ بإجماع أو قياس أو اجتهاد. وتمام النعمة من باب العلم والبحث العلمي فلا تتم النعمة إلا بنعمة أخرى أو أكثر. والإسلام جمع الدين والعلم فهو يشكل التلازم بين الدين والعلم. وقد ذكرنا هذا في موضع آخر مما طرقناه في رسائلنا .
والنصوص الشرعية الصريحة في ذلك واضحة لا غبار عليها وخاصة فيما تعلق بالأمر والنهي، وما كان فيها التضمين للنقيض. فلا يتضمن الأمر النهي ولا النهي يتضمن الأمر،وإنما القاعدة الأصولية القائلة:{الأمر بالشيء نهي عن ضده}فنقيض الأمر منه لا لغيره. وذلك لأجل أن يصل العامة لفهم النص على ما هو عليه من غير زيادة ولا نقصان مصداقا لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) ﴾ سورة الأنعام. التفصيل العلمي. قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) ﴾ سورة الطارق. كلام الله تعالى فصل بين الحق والباطل مما ارتضاه كونا ومما ارتضاه شرعا.محكم ظاهر مبين صريح.
قال تعالى:﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) ﴾سورة الأنعام الجدال في ما هو معلوم، جهل بنوعيه. والحجة القرآنية مفصَّلة مفصِّلة لكل شيء.
قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) ﴾سورة الأنعام. التفصيل في ما حَرَّم الله تعالى على عباده مضبوطا محددا معدودا. كما أوجب عز وجل الرخصة رحمة منه. وليس ما حُرِّم من قبْل أو ممن سواه.
قال تعالى:﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) ﴾سورة الأنعام. الحجية التشريعية والعلمية وغيرها من باب بيانها وبلاغها المفصَّل.
قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33 ﴾سورة الأعراف. الأصل في الأشياء الإباحة والحرام معلوم معدود محدود.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) ﴾سورة الأعراف. التفصيل في كتاب الله هداية دلالة والله الموفق.
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) ﴾سورة يونس. التفصيل العلمي.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) ﴾سورة يونس. التفصيل الذي يلاحظه الناس كافة مشاهدة عينية وهو اليوم علم قائم بذاته، وأعني ما تعلق بالآية.
قال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) ﴾سورة هود. لا وجود للثغرة أو النقص فهو محكم الدلالة مفصلها.
قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) ﴾سورة الروم. التفصيل في الكسب والمعاملات وكل شيء إلى الله عز وجل.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) ﴾ سورة البقرة. يخاطبنا الله عز وجل بما يوافق طبيعتنا فكل ما هو بيِّن لا يُستطاع إخفاؤه ولو من أثره. فهل يُعقل أن يكتم ما حفظ الله عزوجل وجعله محفوظا من غيره.مع العلم أن السنة النبوية الشريفة داخلة في البيان ـ بيان التفسيرـ. وكذا بيان التبديل، وبيان التغيير، وبيان الضرورة. فمن كان قبل الإسلام وكتم فملعون بأمر الله عز وجل و أظهر الله تعالى كذبه في كتابه الكريم، وأما بعد الإسلام فمن كتم فكذبه ظاهر في الدنيا والآخرة لما كان من حفظ الكتاب والله لاعنه واللاعنون. قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾ سورة الحجر.
وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَوَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185) ﴾ سورة البقرة. وتدخل في باب بيان التغيير من حال الاستثناء رخصة في تعطيل العمل بالحكم مؤقتا. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ﴾آل عمران. متعلقة بالمعاملات من أن الحكم قد يؤخذ بالقرائن الظاهرة الدالة عن النية والقصد.
ففي هذه الآيات بيان وبلاغ ببيان وتفصيل ووضوح من غير لبس فيها، إلا من أراد أن يأخذ المتشابه فيما يوافق هواه.
فهذه النصوص الصريحة لا تحمل التأويل من أي باب طرقناها، وذلك لما كان من التفصيل في الآيات التشريعية أو العلمية أو الاجتماعية أو غيرها. وجعل الله آيات متشابهات في كتابه الكريم قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) ﴾ سورة آل عمران من باب أن نأخذها فهماً بالمحكم المبيَّن المفصل ما استطعنا إليه سبيلا، ولا يكون الرأي فيها من باب إعمال العقل فالعقل بطبيعته قاصر عن إدراك العلم بكله وفي جميع ميادينه ومجالاته. حكمة الله ولا مبدل لحكمته تعالى عما يصفون قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) ﴾ سورة الإسراء
فالبيان والبلاغ المفصل في القرآن الكريم جلي كجلاء الضوء في وضح النهار، وتبيان الأمر والنهي بتفصيل دقيق جامع أهم ما فيه. على أن يَأخذ المسلم النص اعتقادا وإدراكا عمليين.
والوضوح في الأمر والنهي من غير تضمين أحدهما الآخر كل منهما على حدا، بمعنى: الأمر متعلق بالطاعة والنهي متعلق بالمعصية. ومن المعلوم أن الطبيعة البشرية الإنسانية في إقامتها الطاعة قد تأتي المعصية، وفي إتيانها المعصية قد تقيم الطاعة. ومن القاعدة الشرعية: الأصل في الأشياء الإباحة. نرى أنها أي هذه القاعدة مفتوحة، وذلك أن الله عز وجل قد ضبط ضبطا مفصلا دقيقا معلوما معدودا محدودا لما كان من الأمر ولما كان من النهي، وجعل المباح واسعا مفتوحة سبله. وما الله تعالى بعاجز على أن يضمِّن المنهي عنه المباح أو أن يضمِّن الأمر المباح، أو أن يضمِّن المباح الأمر أو النهي. والمثال على ذلك لا تشرب الخمر نهي أتي الزكاة أمر شرب اللبن مباح. والقول في قوله تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾ سورة العنكبوت. فأمر الله بالتلاوة فيه التأمل والفهم والإدراك والعمل بما في الكتاب من أمر ونهي، أي العلم بالشيء قبل القيام به ليكون صحيحا يرجى قبوله منه تعالى. ثم جاء الأمر بإقامة الصلاة لما كان من العلم بها في كتابه وذلك بالقيام أمام وجه الله تعالى نقدم له الطاعة كما أمر قال :" صلوا كما رأيتموني أصلي." ( صحيح ). وهذا يصبغ الحضور الإلهي الدائم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا مما يرسخ ذكره تعالى وتذكره الدائم المستمر فيمنعنا هذا من الوقوع في الفحشاء والمنكر. ونؤمن بعلم الله بما نصنع، إلا أن ما نصنعه متعلق بإرادة الإنسان وقدرته في إقامة ما ارتضاه الله شرعا لعباده. أي تحمل المسؤولية بشقيها القانونية والأدبية والجزاء من جنس العمل.ورحمة الله وسعت كل شيء وجعلنا الله تعالى وإياكم ممن تشملهم رحمته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾ سورة الشعراء آمين آمين.
ومن هذا وغيره مما هو ظاهر من النصوص القرآنية، فكل أمر من الله لا يحمل النهي عن نقيضه وذلك لما فصله وبينه الله عز و جل من النهي.
قال سبحانه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)﴾ سورة آل عمران والتأمل في هذه الآيات قد يوصلنا إلى الفهم التالي: أن الآيات متعلقة بما يحدثه الإنسان من عمل دال على ما كان من النية، و ليست متعلقة بالأمر والنهي. ثم إن الخطاب موجه غلى عامة المسلمين وذلك من الآية 133 والتي من بين ما فيها والله أعلم. اللفظ سارعوا الدال على أن الأمر موجه إلى كل مسلم بدون استثناء، والمسارعة من السرعة طلبا للوصول إلى غاية مرجوة وغايتنا رضا الله عز وجل إن شاء الله تعالى، ومن المعلوم أن السرعة في العلوم الفيزيائية تساوي المسافة تقسيم الزمن {سر= س/ز} الزمن معلوم وهو عمر الإنسان. والمسافة تعبير عن الانتقال من مكان إلى مكان آخر الخاضع لفترة زمنية بفعل الحركة ولكل حركة سرعة، وهذا كله يعبر عن عمل لنخلص إلى أن العمل هو الـمُوصل للغاية، والغاية من نص الآية الوصول إلى مغفرة من رب العالمين، لعلمه بخلقه عز وجل.ومنه فهذا الخطاب للمطيع والعاصي بأن يسأل المغفرة من رب العالمين سؤالا عمليا،فإن أحسن السؤال العملي، بمعنى تقديم الإتيان بالأمر والابتعاد عن النهي بنية الإخلاص لله عز وجل. فهذا ممن يجازيهم الله تعالى جزاء المتقين. والمسارعة تكون حسب القدرة والإرادة لأنها تعبر عن عمل. والآية متعلقة بالزمن في علاقة الإنسان بالله عز وجل. ومن هذا نعتبر أن وحدة قياس عمر الإنسان هي العمل.
وفي الآية 134 يبين الله بضعا من صفات المتقين الظاهرة كقرائن نستدل بها على النية.
وفي الآية 135 يخاطب صنفا ثالثا ليبين التائب المعتقد بمغفرة الله له، بشرط تحقيق عناصر التوبة.
قال تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)﴾ سورة الذاريات. ففروا الفرار إحداث عمل. ولا يكون الفرار إلا من خوف باعتماد وسيلة. والخوف أنواعه معلومة، ووسيلته إتيان الأمر والابتعاد عن النهي. حتى وإن كان الخوف من مصاب الدنيا الذي نواجهه بالصبر. ثم إن الفرار رجوع إلى الله تعالى في الدنيا بإتباع كتابه وسنة نبيه وفي الآخرة الرجوع إليه إيمانا منا باليوم الآخر.
وقال تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)﴾ سورة الحديد. مضمار السباق معلوم محدود ومن خرج عنه خرج عن السباق. ثم إن المتسابقين أصحاب مراتب لأن فيهم القوي وفيهم الضعيف وفيهم الذكي وفيهم الغبي و.........{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } في الدنيا والآخرة. والحاصل لا يكون إلا من جُهد وجَهد والجائزة جنة للمتقين. والسؤال ماذا نقول عن الذي خرج من مضمار السباق رغم علمه بالقوانين المسطرة المعلومة الضابطة للسباق؟ نقول له لا تخرج عن مضمار السباق والتزم بقوانينه قدر المستطاع لنجد لك عذرا، مستشهدين بما كان من نواهي. وإن أصر فدليل الخروج وخروجه إنكار وتعدي. قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فيها وله عَذَابٌ مُهِينٌ(14) ﴾ سورة النساء. فالتسابق بالمعروف وهذا هو الأصل فيه.
وقال عز من قائل: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾ سورة البقرة. وهذه الآية متعلقة بالمكان، بمعنى أن المكان ليس بعائق عن الإيمان وليس بعائق في حال العمل بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه وسبيل المؤمنين.
و الخيرات معلومة غير معدودة لما كان من أن الأمر معلوم محدود مضبوط لا نقص ولا زيادة فيه مطلقا، والنهي كذلك معلوم محدود مضبوط إلا من باب الحال الحادثة. فمن خرج عن استباق الخيرات نأتي له بشواهد نصيّة تقول بالنهي عن ذلك، ولا نقحم النهي من منطلق تضمينه استباق الخيرات لأن نصوص النهي واضحة جلية لا غبار عليها.
بســــــم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) }
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار "
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن الله تعالى بيّن في دينه الذي ارتضاه شرعة لنا ما نفعل وما لا نفعل، وحدد فيه التكليف من الواجب والحلال(المباح) والحرام والمندوب (المستحب) والمكروه. ـ مع الأخذ بتعريف الدين كما جاء في كتاب التعريفات. للمؤلف : علي بن محمد بن علي الجرجاني. الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت. الطبعة الأولى ، 1405هـ. من تحقيق : إبراهيم الأبياري عدد الأجزاء : 1. صفحة 141. إذ يقول فيه: "الدين والملة متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فإن الشريعة من حيث إنها تطاع تسمى دينا ومن حيث إنها تجمع تسمى ملة ومن حيث إنها يرجع إليها تسمى مذهبا وقيل الفرق بين الدين والملة والمذهب أن الدين منسوب إلى الله تعالى والملة منسوبة إلى الرسول والمذهب منسوب إلى المجتهد." ـ
قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) ﴾ سورة المائدة. من باب أن الإسلام دين وعلم. كمال الدين لا زيادة ولا نقصان فيه، وما كان من حال حادثة فتقع تحت المقاصد الشرعية لتأخذ بإجماع أو قياس أو اجتهاد. وتمام النعمة من باب العلم والبحث العلمي فلا تتم النعمة إلا بنعمة أخرى أو أكثر. والإسلام جمع الدين والعلم فهو يشكل التلازم بين الدين والعلم. وقد ذكرنا هذا في موضع آخر مما طرقناه في رسائلنا .
والنصوص الشرعية الصريحة في ذلك واضحة لا غبار عليها وخاصة فيما تعلق بالأمر والنهي، وما كان فيها التضمين للنقيض. فلا يتضمن الأمر النهي ولا النهي يتضمن الأمر،وإنما القاعدة الأصولية القائلة:{الأمر بالشيء نهي عن ضده}فنقيض الأمر منه لا لغيره. وذلك لأجل أن يصل العامة لفهم النص على ما هو عليه من غير زيادة ولا نقصان مصداقا لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) ﴾ سورة الأنعام. التفصيل العلمي. قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) ﴾ سورة الطارق. كلام الله تعالى فصل بين الحق والباطل مما ارتضاه كونا ومما ارتضاه شرعا.محكم ظاهر مبين صريح.
قال تعالى:﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) ﴾سورة الأنعام الجدال في ما هو معلوم، جهل بنوعيه. والحجة القرآنية مفصَّلة مفصِّلة لكل شيء.
قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) ﴾سورة الأنعام. التفصيل في ما حَرَّم الله تعالى على عباده مضبوطا محددا معدودا. كما أوجب عز وجل الرخصة رحمة منه. وليس ما حُرِّم من قبْل أو ممن سواه.
قال تعالى:﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) ﴾سورة الأنعام. الحجية التشريعية والعلمية وغيرها من باب بيانها وبلاغها المفصَّل.
قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33 ﴾سورة الأعراف. الأصل في الأشياء الإباحة والحرام معلوم معدود محدود.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) ﴾سورة الأعراف. التفصيل في كتاب الله هداية دلالة والله الموفق.
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) ﴾سورة يونس. التفصيل العلمي.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) ﴾سورة يونس. التفصيل الذي يلاحظه الناس كافة مشاهدة عينية وهو اليوم علم قائم بذاته، وأعني ما تعلق بالآية.
قال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) ﴾سورة هود. لا وجود للثغرة أو النقص فهو محكم الدلالة مفصلها.
قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) ﴾سورة الروم. التفصيل في الكسب والمعاملات وكل شيء إلى الله عز وجل.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) ﴾ سورة البقرة. يخاطبنا الله عز وجل بما يوافق طبيعتنا فكل ما هو بيِّن لا يُستطاع إخفاؤه ولو من أثره. فهل يُعقل أن يكتم ما حفظ الله عزوجل وجعله محفوظا من غيره.مع العلم أن السنة النبوية الشريفة داخلة في البيان ـ بيان التفسيرـ. وكذا بيان التبديل، وبيان التغيير، وبيان الضرورة. فمن كان قبل الإسلام وكتم فملعون بأمر الله عز وجل و أظهر الله تعالى كذبه في كتابه الكريم، وأما بعد الإسلام فمن كتم فكذبه ظاهر في الدنيا والآخرة لما كان من حفظ الكتاب والله لاعنه واللاعنون. قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾ سورة الحجر.
وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَوَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185) ﴾ سورة البقرة. وتدخل في باب بيان التغيير من حال الاستثناء رخصة في تعطيل العمل بالحكم مؤقتا. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ﴾آل عمران. متعلقة بالمعاملات من أن الحكم قد يؤخذ بالقرائن الظاهرة الدالة عن النية والقصد.
ففي هذه الآيات بيان وبلاغ ببيان وتفصيل ووضوح من غير لبس فيها، إلا من أراد أن يأخذ المتشابه فيما يوافق هواه.
فهذه النصوص الصريحة لا تحمل التأويل من أي باب طرقناها، وذلك لما كان من التفصيل في الآيات التشريعية أو العلمية أو الاجتماعية أو غيرها. وجعل الله آيات متشابهات في كتابه الكريم قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) ﴾ سورة آل عمران من باب أن نأخذها فهماً بالمحكم المبيَّن المفصل ما استطعنا إليه سبيلا، ولا يكون الرأي فيها من باب إعمال العقل فالعقل بطبيعته قاصر عن إدراك العلم بكله وفي جميع ميادينه ومجالاته. حكمة الله ولا مبدل لحكمته تعالى عما يصفون قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) ﴾ سورة الإسراء
فالبيان والبلاغ المفصل في القرآن الكريم جلي كجلاء الضوء في وضح النهار، وتبيان الأمر والنهي بتفصيل دقيق جامع أهم ما فيه. على أن يَأخذ المسلم النص اعتقادا وإدراكا عمليين.
والوضوح في الأمر والنهي من غير تضمين أحدهما الآخر كل منهما على حدا، بمعنى: الأمر متعلق بالطاعة والنهي متعلق بالمعصية. ومن المعلوم أن الطبيعة البشرية الإنسانية في إقامتها الطاعة قد تأتي المعصية، وفي إتيانها المعصية قد تقيم الطاعة. ومن القاعدة الشرعية: الأصل في الأشياء الإباحة. نرى أنها أي هذه القاعدة مفتوحة، وذلك أن الله عز وجل قد ضبط ضبطا مفصلا دقيقا معلوما معدودا محدودا لما كان من الأمر ولما كان من النهي، وجعل المباح واسعا مفتوحة سبله. وما الله تعالى بعاجز على أن يضمِّن المنهي عنه المباح أو أن يضمِّن الأمر المباح، أو أن يضمِّن المباح الأمر أو النهي. والمثال على ذلك لا تشرب الخمر نهي أتي الزكاة أمر شرب اللبن مباح. والقول في قوله تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾ سورة العنكبوت. فأمر الله بالتلاوة فيه التأمل والفهم والإدراك والعمل بما في الكتاب من أمر ونهي، أي العلم بالشيء قبل القيام به ليكون صحيحا يرجى قبوله منه تعالى. ثم جاء الأمر بإقامة الصلاة لما كان من العلم بها في كتابه وذلك بالقيام أمام وجه الله تعالى نقدم له الطاعة كما أمر قال :" صلوا كما رأيتموني أصلي." ( صحيح ). وهذا يصبغ الحضور الإلهي الدائم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا مما يرسخ ذكره تعالى وتذكره الدائم المستمر فيمنعنا هذا من الوقوع في الفحشاء والمنكر. ونؤمن بعلم الله بما نصنع، إلا أن ما نصنعه متعلق بإرادة الإنسان وقدرته في إقامة ما ارتضاه الله شرعا لعباده. أي تحمل المسؤولية بشقيها القانونية والأدبية والجزاء من جنس العمل.ورحمة الله وسعت كل شيء وجعلنا الله تعالى وإياكم ممن تشملهم رحمته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾ سورة الشعراء آمين آمين.
ومن هذا وغيره مما هو ظاهر من النصوص القرآنية، فكل أمر من الله لا يحمل النهي عن نقيضه وذلك لما فصله وبينه الله عز و جل من النهي.
قال سبحانه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)﴾ سورة آل عمران والتأمل في هذه الآيات قد يوصلنا إلى الفهم التالي: أن الآيات متعلقة بما يحدثه الإنسان من عمل دال على ما كان من النية، و ليست متعلقة بالأمر والنهي. ثم إن الخطاب موجه غلى عامة المسلمين وذلك من الآية 133 والتي من بين ما فيها والله أعلم. اللفظ سارعوا الدال على أن الأمر موجه إلى كل مسلم بدون استثناء، والمسارعة من السرعة طلبا للوصول إلى غاية مرجوة وغايتنا رضا الله عز وجل إن شاء الله تعالى، ومن المعلوم أن السرعة في العلوم الفيزيائية تساوي المسافة تقسيم الزمن {سر= س/ز} الزمن معلوم وهو عمر الإنسان. والمسافة تعبير عن الانتقال من مكان إلى مكان آخر الخاضع لفترة زمنية بفعل الحركة ولكل حركة سرعة، وهذا كله يعبر عن عمل لنخلص إلى أن العمل هو الـمُوصل للغاية، والغاية من نص الآية الوصول إلى مغفرة من رب العالمين، لعلمه بخلقه عز وجل.ومنه فهذا الخطاب للمطيع والعاصي بأن يسأل المغفرة من رب العالمين سؤالا عمليا،فإن أحسن السؤال العملي، بمعنى تقديم الإتيان بالأمر والابتعاد عن النهي بنية الإخلاص لله عز وجل. فهذا ممن يجازيهم الله تعالى جزاء المتقين. والمسارعة تكون حسب القدرة والإرادة لأنها تعبر عن عمل. والآية متعلقة بالزمن في علاقة الإنسان بالله عز وجل. ومن هذا نعتبر أن وحدة قياس عمر الإنسان هي العمل.
وفي الآية 134 يبين الله بضعا من صفات المتقين الظاهرة كقرائن نستدل بها على النية.
وفي الآية 135 يخاطب صنفا ثالثا ليبين التائب المعتقد بمغفرة الله له، بشرط تحقيق عناصر التوبة.
قال تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)﴾ سورة الذاريات. ففروا الفرار إحداث عمل. ولا يكون الفرار إلا من خوف باعتماد وسيلة. والخوف أنواعه معلومة، ووسيلته إتيان الأمر والابتعاد عن النهي. حتى وإن كان الخوف من مصاب الدنيا الذي نواجهه بالصبر. ثم إن الفرار رجوع إلى الله تعالى في الدنيا بإتباع كتابه وسنة نبيه وفي الآخرة الرجوع إليه إيمانا منا باليوم الآخر.
وقال تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)﴾ سورة الحديد. مضمار السباق معلوم محدود ومن خرج عنه خرج عن السباق. ثم إن المتسابقين أصحاب مراتب لأن فيهم القوي وفيهم الضعيف وفيهم الذكي وفيهم الغبي و.........{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } في الدنيا والآخرة. والحاصل لا يكون إلا من جُهد وجَهد والجائزة جنة للمتقين. والسؤال ماذا نقول عن الذي خرج من مضمار السباق رغم علمه بالقوانين المسطرة المعلومة الضابطة للسباق؟ نقول له لا تخرج عن مضمار السباق والتزم بقوانينه قدر المستطاع لنجد لك عذرا، مستشهدين بما كان من نواهي. وإن أصر فدليل الخروج وخروجه إنكار وتعدي. قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فيها وله عَذَابٌ مُهِينٌ(14) ﴾ سورة النساء. فالتسابق بالمعروف وهذا هو الأصل فيه.
وقال عز من قائل: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾ سورة البقرة. وهذه الآية متعلقة بالمكان، بمعنى أن المكان ليس بعائق عن الإيمان وليس بعائق في حال العمل بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه وسبيل المؤمنين.
و الخيرات معلومة غير معدودة لما كان من أن الأمر معلوم محدود مضبوط لا نقص ولا زيادة فيه مطلقا، والنهي كذلك معلوم محدود مضبوط إلا من باب الحال الحادثة. فمن خرج عن استباق الخيرات نأتي له بشواهد نصيّة تقول بالنهي عن ذلك، ولا نقحم النهي من منطلق تضمينه استباق الخيرات لأن نصوص النهي واضحة جلية لا غبار عليها.