عقبة القسنطيني
2012-08-25, 11:14
جزيرة موريس
في إحدى الجزر الإفريقية الواقعة في المحيط الهندي على مقربة من جزيرة ((مدغشقر)) و على مدى غير بعيد من جزائر ((سيشيل)) و هي جزيرة قفراء بلقع ليس بها إلا قليلا من السكان السود متفرقين في جبالها و غاباتها يستعبدهم بضعة من أفراد من المهاجرين الأوروبيين النازلين بينهم و يسخرونهم في حراثة الأرض و استنباتها و استخراج معادنها و استنباط أمواهها و تقليم أشجارها ، كما هو شان المستعمرين الأوروبيين في جميع الأصقاع التي يعيشون فيها.
يرى المقبل على هذه الجزيرة شرقي الجبل القائم خلف عاصمتها ((بور لويس)) واديا مستطيلا مسورا بسور طبيعي من الآكام و الصخور قد تراءت في وسطه أطلال كوخين دارسين لم يبق منهما إلا أنصاف جدرانهما ، و بضعة جذوع ناخرة سوداء متناثرة حولهما ، و يرى الأرض المحيطة بها مختلفة الألوان ما بين سوداء و خضراء و صفراء ، مختلفة السطوح ما بين أنجاد و أغوار ، و أحافير و أخاديد ، و منعرجات و مستدقات ، إلى كثير من الجداول و الغدران القائمة و المتداعية ، كأنما كان يعيش فيها قبل اليوم قوم يتولون حرثها و زرعها و تقسيمها و تخطيطها ، ثم ضربها الدهر بضرباته فرحل عنها ساكنوها أو رحلوا عن العالم اجمعه.
و لم يكن لذلك الوادي على اتساعه و انفراجه إلا فجوة واحدة من ناحيته الشمالية ، و على يساره ذلك الجبل العظيم الذي يسمونه جبل الاستكشاف ، لأنهم كانوا يرقبون من قمته السفن القادمة إلى الجزيرة ، و بسفحه تقع مدينة ((بور لويس)) قصبة الجزيرة و مقر حاكمها الفرنسي ، و هي مدينة صغيرة نصف متحضرة يتفرع عن يمينها طريق لاحب عريض ينتهي بضاحية ((بمبلموس)) و هناك الكنيسة المسماة بهذا الاسم قائمة بمماشيها المتدرجة المتصاعدة المحفوفة بأشجار الخيزران وسط أفيح فسيح ، ثم الحرجات و الآجام بعد ذلك منبسطة ممتدة إلى ساحل البحر ، حيث يرى هنا خليج ((تومبو)) أي خليج القبر ، و على يمينه رأس يسمى ((كاب ماليرو)) أي الرأس البائس ، ثم الخضم الفسيح بعد ذلك تنتشر على صفحته عدة جزر صغيرة مقفرة كأنها السفن السابحة على سطح الماء ، و اكبر ما فيها جزيرة ((كوان دمير)) تتهادى بينها كأنها البرج العظيم.
و لا يزال يسمع المقبل على ذلك الوادي حين يدنو منه عصار الرياح الضاربة في بطون الجبال و أحشاء الغابات و ذوائب الأشجف و دمدمة الأمواج المتوثبة على صخور الشاطئ و هضابه حتى إذا وصل إلى مكان الكوخين انقطع عن سمعه كل شيء فلا يحس إلا صدى ضعيفا لحفيف سعف النخل و لا يسمع إلا وسوسة الأمطار المتساقطة برفق و لين على رؤوس الصخور الملساء فترسم على جوانبها المكسوة بالطحلب ألوان الطيف ثم تنحدر عنها متسللة إلى حيث تسقي أحواض الأزهار المهملة التي لا تمتد إليها يد ، و لا يقتطفها مقتطف ثم تفضي بعد ذلك إلى الغدران و الأفنية فتمدها بالجم الكثير من أمواهها و إلى خمائل الأشجار و حفائف الأعشاب ، فتتسرب في أحشائها تسرب الأفاعي الرقطاء في بطون الرمال و لا يرى بين يديه إلا هضابا شماء قد نبتت في سفوحها و على قممها و بين فروجها مجاميع الأشجار الباسقة التي تعابث أشعة الشمس أوراقها الخضراء المترعة و تكسوها بما شاءت من ضروب الألوان ذهبيها و فضيها و أرجوانيها و ناريها ، و لا تنحدر إلى قاع الوادي و تنبسط في أرجائه إلا وقت الظهيرة ، فإذا أدبر النهار و طفلت الشمس للإياب كان منظر الأصيل أبدع منظر رآه الرائي في جمال ألوانه ، و انسجام أظلاله ، و رقة أضوائه و تلهب افقه و ذهاب العين بين أرضه و سمائه في أبهى من الحلة السبراء و الروضة الغناء ، فإذا انحدرت الشمس إلى مغربها خيم السكون على كل شيء من ماء و هواء ، و كوكب و نجم ، و استحال المنظر إلى وحشة مخيفة كوحشة القبور ، لا نأمة فيها و لا حركة ، و لا بارق ، و لا خافق.
في إحدى الجزر الإفريقية الواقعة في المحيط الهندي على مقربة من جزيرة ((مدغشقر)) و على مدى غير بعيد من جزائر ((سيشيل)) و هي جزيرة قفراء بلقع ليس بها إلا قليلا من السكان السود متفرقين في جبالها و غاباتها يستعبدهم بضعة من أفراد من المهاجرين الأوروبيين النازلين بينهم و يسخرونهم في حراثة الأرض و استنباتها و استخراج معادنها و استنباط أمواهها و تقليم أشجارها ، كما هو شان المستعمرين الأوروبيين في جميع الأصقاع التي يعيشون فيها.
يرى المقبل على هذه الجزيرة شرقي الجبل القائم خلف عاصمتها ((بور لويس)) واديا مستطيلا مسورا بسور طبيعي من الآكام و الصخور قد تراءت في وسطه أطلال كوخين دارسين لم يبق منهما إلا أنصاف جدرانهما ، و بضعة جذوع ناخرة سوداء متناثرة حولهما ، و يرى الأرض المحيطة بها مختلفة الألوان ما بين سوداء و خضراء و صفراء ، مختلفة السطوح ما بين أنجاد و أغوار ، و أحافير و أخاديد ، و منعرجات و مستدقات ، إلى كثير من الجداول و الغدران القائمة و المتداعية ، كأنما كان يعيش فيها قبل اليوم قوم يتولون حرثها و زرعها و تقسيمها و تخطيطها ، ثم ضربها الدهر بضرباته فرحل عنها ساكنوها أو رحلوا عن العالم اجمعه.
و لم يكن لذلك الوادي على اتساعه و انفراجه إلا فجوة واحدة من ناحيته الشمالية ، و على يساره ذلك الجبل العظيم الذي يسمونه جبل الاستكشاف ، لأنهم كانوا يرقبون من قمته السفن القادمة إلى الجزيرة ، و بسفحه تقع مدينة ((بور لويس)) قصبة الجزيرة و مقر حاكمها الفرنسي ، و هي مدينة صغيرة نصف متحضرة يتفرع عن يمينها طريق لاحب عريض ينتهي بضاحية ((بمبلموس)) و هناك الكنيسة المسماة بهذا الاسم قائمة بمماشيها المتدرجة المتصاعدة المحفوفة بأشجار الخيزران وسط أفيح فسيح ، ثم الحرجات و الآجام بعد ذلك منبسطة ممتدة إلى ساحل البحر ، حيث يرى هنا خليج ((تومبو)) أي خليج القبر ، و على يمينه رأس يسمى ((كاب ماليرو)) أي الرأس البائس ، ثم الخضم الفسيح بعد ذلك تنتشر على صفحته عدة جزر صغيرة مقفرة كأنها السفن السابحة على سطح الماء ، و اكبر ما فيها جزيرة ((كوان دمير)) تتهادى بينها كأنها البرج العظيم.
و لا يزال يسمع المقبل على ذلك الوادي حين يدنو منه عصار الرياح الضاربة في بطون الجبال و أحشاء الغابات و ذوائب الأشجف و دمدمة الأمواج المتوثبة على صخور الشاطئ و هضابه حتى إذا وصل إلى مكان الكوخين انقطع عن سمعه كل شيء فلا يحس إلا صدى ضعيفا لحفيف سعف النخل و لا يسمع إلا وسوسة الأمطار المتساقطة برفق و لين على رؤوس الصخور الملساء فترسم على جوانبها المكسوة بالطحلب ألوان الطيف ثم تنحدر عنها متسللة إلى حيث تسقي أحواض الأزهار المهملة التي لا تمتد إليها يد ، و لا يقتطفها مقتطف ثم تفضي بعد ذلك إلى الغدران و الأفنية فتمدها بالجم الكثير من أمواهها و إلى خمائل الأشجار و حفائف الأعشاب ، فتتسرب في أحشائها تسرب الأفاعي الرقطاء في بطون الرمال و لا يرى بين يديه إلا هضابا شماء قد نبتت في سفوحها و على قممها و بين فروجها مجاميع الأشجار الباسقة التي تعابث أشعة الشمس أوراقها الخضراء المترعة و تكسوها بما شاءت من ضروب الألوان ذهبيها و فضيها و أرجوانيها و ناريها ، و لا تنحدر إلى قاع الوادي و تنبسط في أرجائه إلا وقت الظهيرة ، فإذا أدبر النهار و طفلت الشمس للإياب كان منظر الأصيل أبدع منظر رآه الرائي في جمال ألوانه ، و انسجام أظلاله ، و رقة أضوائه و تلهب افقه و ذهاب العين بين أرضه و سمائه في أبهى من الحلة السبراء و الروضة الغناء ، فإذا انحدرت الشمس إلى مغربها خيم السكون على كل شيء من ماء و هواء ، و كوكب و نجم ، و استحال المنظر إلى وحشة مخيفة كوحشة القبور ، لا نأمة فيها و لا حركة ، و لا بارق ، و لا خافق.