تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : موقف الأمير عبد القادر من مدينة تلمسان .


اكوزيوم
2012-08-11, 22:59
الهاء


تلمسان مدينة واقعة في الشمال الغربي من الجزائر ،كان لها عبر التاريخ القديم و الحديث أهمية كبرى ، تأسست في عهد الرومان و إتخذها فيما بعد بنو عبد الواد عاصمة لهم ، و أصبحت مركز إشعاع ديني و علمي في آن واحد ، و أقيمت فيها حديثا مصانع و منشآت حضارية متعددة.
و كان للمدينة مكانة خاصة و مرموقة في نفسية الأمير عبد القادر لا لجمال طبيعتها الخلابة أو لخصب أراضيها و و كثرة خيراتها ، أو لعراقة تاريخها و قوة حصونها فحسب ، وإنهما لموقعها الإستراتيجي سلما و حربا أيضا .
و يتجسد تمسك الأمير بالمدينة في موقفه حين عقدت اتفاقية صلح بينه و بين الجنرال بيجو التي عرفت بمعاهدة تافنا عام 1838 وقد شملت على خمسة عشرة بندا من بينها:
أن يعترف الأمير بسلطة فرنسا على مدينتي الجزائر و وهران ،و أن تعترف فرنسا بسلطة الأمير على إقليم وهران و إقليم تيطري ، و القسم الذي لم يدخل تحت حكم فرنسا من إقليم مدينة الجزائر .
و نص البند التاسع من المعاهدة ، على أن تتخلى فرنسا عن مدينة تلمسان ، و ينقل ما فيها من الذخائر الحربية و الأمتعة العسكرية التي تخص الفرنسيين الى وهران .
و قد حرص الأمير على إحترام بنود المعاهدة ، لا سيما البند التاسع الذي أعتبره عنصرا من عناصر نجاح المعاهدة ، و رأى الإخلال به يعصف بالمعاهدة كلها .و هذا ما يفسر لنا الحوار الذي جرى بينه و بين الجنرال بيجو بعد توقيعها ، فقد سأله بيجو قائلا:
هل أمرت ايها الأمير ، برجوع علاقات التجارة في الجزائر و المدية ؟
فأجابه الأمير: لا أفعل هذا إلا بعد أن ترد لي تلمسان .
فقال بيجو : تعلم جيدا ، بأني لا أقدر على ردها لك إلا بعد تصديق الملك على المعاهدة .
فأجابه الأمير : فإذن ليس لك قوة على إجراء المعاهدة .
فقال بيجو : نعم لي قوة على ذلك ، و لكن يقتضي أن يصادق الملك على ما أجريه ، حيث يكون ذالك كفالة منه فإنه إذا صدق عليها منى فقط ثم أتى بعدي جنرال آخر فسيبطلها .
فاجابه الأمير : إن لم ترجع لي تلمسان كما وعدتني في المعاهدة فلا أرى إحتياجا لإجراء الصلح ، بل لا يكون ماجرى ، إلا من قبيل هدنة مؤقتة.
و أستمر الحوار بينهما ، متناولا جوانب أخرى ، ثم إنتهى على أن ينتظرا الجواب من فرنسا .
و حين جاء الرد بالإيجاب ، دخلت بنود المعاهدة حيز التنفيذ و تحقق دخول الأمير مدينة تلمسان مظفراً ، فعمّت البهجة قلوب الجزائريين خاصة ( سكان تلمسان) حيث أقاموا إحتفالات النصر و الترحيب بمقدمه و شاركهم الأمير أفراحهم.
و بهذه المناسبة العظيمة ، تغنى الأمير بقصيدته التالية:

الى الصون مدت تلمسان ، يداها *** و لبت ، فهذا حسن صوت نداها
و رفعت عنها الإزار ، فلج به *** و برد فؤادا من زلال نداها
و ذا روض خديها ، تفتق نوره *** فلا ترض من زاهي الرياض ، عداها
و يا طالما ، عانت نقاب جمالها *** عداة ، و هم - بين الأنام - عداها
و كم رائم رام الجمال الذي ترى *** فأرداه منها ، لحظها و مناها
و حاول لئم الخال ، من ورد خدها *** فضنت بما يبغي ، و شط مداها

و كم خاطب لم يدع كفئا لها و لم *** يشم طرفا من وشي ذيل رداها
و آخر لم يعقدعليها ، بعصمة *** و ما مسها مسا ، أبان رضاها
و لم تسمح العذرا اليه ، بعطفة *** و لم يتمكن من جميل سناها
و شدّت نطاق الصد ، صونا لحسنها *** فلم يتمتع من لذيذ لماها
و أبدت له مكرا و صدا ، و جفوة *** و سدت عليه ما نوى ، بنواها
و خابت ظنون ، المفسدين بسعيهم *** و لم تنل الأعداء ، هناك مناها
قد انفصمت من ((تلمسان )) حبالها *** و بانت و آلت ، لا يحل عزاها
سوى صاحب الأقدام في الراي و الوغى *** و ذي الغيرة الحامي الغداة ، حماها
و علمت الصدق منها ، بأنها *** أنالتني الكرسي ، و حزت علاها
و لم أعلمن في القطر غيري كافلا *** و لا عارفا في حقها و بهاها
فبادرت حزما و انتصاراً ، بهمتي *** و أمهرتها حبا ، فكان دواها
فكنت لها بعلا ، و كانت حليلتي *** و عرسي و ملكي ، ناشرا للواها
و وشحتها ثوبا ، من العز رافلا *** فقامت بإعجاب ، تجر رداها
و نادت : أعبد القادر المنقذ الذي *** أغثت أناسا ، من بحور هواها
لأنك أعطيت المفاتيح ، عنوة *** فزدني ، أيا عز الجزائر ، جاها
و وهران ، و المرساة ، كلا بما حوت *** غدت حائزات - من حماك - مناها

شرح المفردات:

- الصون- كناية عن طهر المدينة و شرف أهلها .
- مدت- بالبناء المجهول .
- الإزار - ما يستر الجسدمن الثياب.
- زلال- عذب.
- نور - بفتح النون و تسكين الواو - زهر الورود و الشجر .
- عانت - روى في النزهة و التحفة (( صانت )). نقاب : حجاب .
-أرداه- رماه قتيلا .
- مناها - روى((مداها)) أي جمع مدية و هي السكين .
في هذا البيت أشار إلى تكالب جيوش الاعداء على تلمسان عبر الأزمنة و تمكن المدينة من دحرهم حاسئين .
- لئم خال - يعني تدنيس و إستغلال خيراتها .
- شط مداها - بعد منالها ، و عز طابها على الغاصبين .
-خاطب - يريد بهحاكم المدينة .
- رداها - من الرداء و هو الثوب .
ملاحظة:
يرى شارح الديوان أن القصيدة تنتهي بإنتهاء هذا البيت و أن الأمير كلّف كاتبه قدور محمد بن رويلة بإكمالها فأنشد قدور الأبيات الأرعة عشر التالية .إلا أن مصادر القصيدة لم تُشر الى هذا من قريب أو من بعيد ، و أوردت نص القصيدة كاملا على النحو الذي أُثبت .
مما يرجح صحة نسبها -كاملة-الى الأمير ، عدم شعور القارئ المُتأمل بأي تغيير فني أو نفسي يعتري القصيدة ، فالالفاظ مستمدة من قاموس الأمير اللغوي الخاص به و المعاني تنبع من أعماق شخصه بجلاء و الاسلوب يترقرق من صلب بنيته الشعرية المعهودة و يكاد يربط بين أجزائها خيط نفسي رفيع يشد بعضها الى بعضها الآخر و قد خلت من إضطرابات شعورية ، نلمسها في قصائد عديدة من ديوانه - و مع ذلك لم يشك أحد في صحة نسبها إليه لأسباب فنية مختلفة.-
-العذرا- بتخفيف همزتها ، هي الفتاة التي لم تُمس .
-سناها- من السناء و هو العطاء او الضوء و البهاء .
-النطاق - الرباط يشد على وسط المراة ، كناية من الصون و حماية الشرف .-ألمي - أراد به المذاق أو الطعم . و أللمي لغة سواد باطن الشفتين ، و هو مستحسن.
- نوى - أراد .
-نواها- حقيقتها و صميمها .فقد سدت السبل أمام مستهدف شرفها و النيل من قيمتها .
المفسدين- اشارة الى المُنافقين ، و الذين في قلوبهم مرض ممن وقفوا الى جانب الغاصبين.-
-أنفصمت حبالها - أنقطعت أسباب إنتماء الزمرة الفاسدة الى تلمسان و تجردت من قيمتها الوطنية .
رأي و الوغى - يعني حالتي السلم و الحرب. -
-الغداة-حماها روى في التحفة (( حماة حماها )) . و قوله : (( حامي حماة حماها)) من قبيل فخر القائل :
و منا لم يزل في كل عصر *** رجال ، للرجال هم الرجال
-أنالتني الكرسي - كناية من رغبة أهلها في الدخول تحت حكمه و قبولهم إمارتهم عليهم .
- بهاها- بهائها .إفتخار الشاعر بمقومات شخصه و ميزات قيادته واضحة في البيت .
- أمهرتها - قدمت مهر زوجها .فكان دواها ، روى في التحفة (( شفاء دواها )).
- بعلا - زوجا .
-حليلتي- إمراتي .
- ناشرا للواها - زيادة لام التعدية اضعفت التركيب .
- و شحتها ثوبا - يريد أن يكسبها منزلة عالية .
- الثوب الرافل - الفضفاض الذي يجرى ذيله على الأرض و في ذلك دلالة على العز و الترف.
- بحور- روى في التحفة (( البحار )).
- أعطيت - بالبناء المجهول .
- عنوة - قسرا .أي أنك دخلت المدينة و تسلمت زمام أمورها بقوة رجالك و صلابة مقاومتك .
- بما حوت - روى في التحفة (( بمن حوت )).
- حائزات - جمعها الشاعر جمع مؤنث سالما لتلائم الوزن ، و ليس في ذلك غرض بلاغي و حقها أن تكون (( حائزات )).

************ :
المراجع المعتمدة :
-1-تحفة الزائر .
-2- ديوان الأمير عبد القادر الجزائري .
- ديوان المطبوعات الجزائرية -
للأستاذ / د : زكريا صيام .

tafethi
2012-09-21, 21:29
شكرا على الموضوع

الجليس الصلح
2012-10-25, 06:59
بوركت على الموضوع

ابن التيطري
2012-11-03, 22:06
شكرا على المعلومة

LaGuerr
2012-11-18, 01:56
شكرا على المعلومة