زهيرة
2009-02-19, 21:43
صفة صاحب الذوق السليم
جلال الدين السيوطي
صاحب الذوق السليم من الخطباء
علي الرتبة قصير الخطبة معانيه منتخبة ألطف من نسيم الصبا يعظ نفسه قبل أن يعظ الناس عوذته برب الفلق والناس يخفف الركعتين والجلسة بين الخطبتين يعرف ولا يعرف يبشر ولا ينفر لا يقنط ولا يبعد الآمل ولا يبالغ في الرجوة خوفاً من إبطال العمل بل يعرفهم طريق الإسلام ويرغبهم في الجنة بصفاتها ويحذرهم من النار وآفاتها يردع المتكبرين ويبشر الفقراء والمساكين بأن الجنة لهم فضلاً منه ومنة يعرف لكل شيء خطبة وذلك لمعرفته بطريق الرتبة ويبالغ في نعت الصحابة أجمعين والخلفاء الراشدين يبتدي بأبي بكر وخصائله الملاح ويختم بأبي عبيدة ابن الجراح خطبته لها رونق وسمعة وتؤثر في القلوب موعظته من الجمعة إلى الجمعة إنسان مليح لسانه فصيح لا يحتاج في إنشاء الخطبة إلى مساعدة كأنه قس ابن ساعدة يبتدي بالحمد لله ويختم بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرمن له في الدين تمكين هذا خطيب المسلمين.
ضد ذلك المسلوب الذوق من الخطباء لا يراعي القوافي وحسه من فوق المنبر خافي لا يعرف الناس من العجلة ما يقول كأنه بهلول يتلف التصنيف ويروي الحديث الطعيف كأنه من فقهاء الريف يجعل الخطبة باجمعها وعيد ويذكر العذاب الشديد لا يعرف تأليف الخطبة وليس له رتبة لا تؤثر موعظته في القلوب لأنه من العلم والعقل مسلوب يطيل الخطبتين ويقرأ في كل ركعة بسورتين لا يسلم من اللحن والغلط والناس معه في تعب وشطط كثير الوسواس ومع ذلك يزدري الناس حاله عجيب لا يصلح أن يكون خطيب.
صاحب الذوق السليم من المؤذنين
حسن الصوت أمين لا يطلق نظره إلى حريم المسلمين يعرف الأوقات يعلم الميقات يعرف أسامي النجوم والكواكب مكانه فوق السحاب راكب يعرف عروض البلاد والميل وما زاد في النهار وما نقص من الليل يعرف منازل الشمس والقمر وما للنجم من تأثير إذا ظهر يعرف في تحديد القبلة في الأسفار في الليل والنهار والبر والبحار شاطر حيسوب قهرمان يعرف الأحكام دين صين يتقن صنعة الأذان.
وضد ذلك المسلوب الذوق من المؤذنين ليس بأمين يحب الصغيرين ويمد بصره إلى حريم المسلمين لا يعرف الجيب من الميل ولا ما نقص من النهار ولا ما زاد من الليل لا الزهرة من سهيل ولا الطالع من الغارب ولا أسامي النجوم من الكواكب لا يعرف قوس الليل ولا قوس النهار وحسه يشبه صوت الحمار لا يعرف البروج وهو كثير الخروج إذا أذن بالقرب من الحاري شمتت بالمسلمين اليهود والنصارى ولا يعرف المهلل من المقنطر وهو في صناعته محير يؤذي الأذان بالآذان لا يعرف تحرير القبلة في الأسفار لا في الليل ولا في النهار كثير النوم كسلان يؤذن أي وقت كان قليل العقل خسيف يصلح أن يكون يؤذن في الريف.
صاحب الذوق السليم من القضاة
لا يقبل الرشوة ويترفق في الدعوة لا يسعى في وظيفة ويتأمل ما كان عليه أبو حنيفة ينظر في حال المسكين ويحصل له عليه من المشقة كمن ذبح بغير سكين رضي الخلق سيوس ضاحك غير عبوس يساوي بين الخصمين وينظر في حقيقة الدين لا يميز صاحب ألف دينار على من لا يملك أن يقول حكمت ورب قائل يقول ظلمت لا يراعي في الحكم جار ويخشى أن يحرق بالنار له معان وبيان وفقه وتصريف بإمكان فهو خير إنسان نطقه وخيره يزيد وقد أقامه الله تعالى لمصالح العبيد لا يحكم بإغراء من الأمراء لما سلك طريق العلماء وعزة الفقراء ولا يحكم بأغراض الملوك وقد سلك بهذه الطريقة أحسن سلوك يعلم أن كل ملك لله مملوك فهو خائف من الله متوكل على الله لا يحكم إلا بحكم الله لا يقبل شهادة الزور ولو كان على وزن الخردلة في كل الأمور فهو القاضي لأنه تميز عن القاضيين.
فرحم الله تعالى من تأمل هذه الخصال وجعل بينه وبينها إتصال.
ضد ذلك المسلوب الذوق من القضاة البغلة والكوديان والفرجيه والطيلسان قد فتح له بهم دكان لا فقه ولا معاني ولا بيان عاري من نوع الإنسان كأنه حيوان ألكن اللسان لا يسوي بين الخصمين ويقبل الرشوة ولو كانت فلسين إذا غضب يقول: حكمت ولا يفكر فيمن يقول: ظلمت يحكم بأغراض الأمراء ولا يرافق العلماء ويزدري الفقراء عبد الجاه رجل وجاه قد أفلح من هجاه لا يكشف كربة عامله كبة هيولى مطلقة سالبه كلية فهو من البلية لا يستشير لأحد بشأن كثير الشقشقى ملسان يعرض عن الحق عيان فهو أحد القاضيين قد حرم الجنان يقبل شهادة الزور لا ينظر في عواقب الأمور كأنه لا يؤمن بالبعث والنشور ولا يرى في التنقل من القصور إلى القبو فهو رجل مغرور أو مسحور فلا يفيق من الغفلة كأنه أخذ زماناً من المهلة فهو أضعف من نملة فقد قيل في هذا المعنى: فلا تُؤذِ نملاً إن أرَدتَ كمالكا فإنَّ لها نفساً تَطيبُ كما لَكا ليس هو أهل الوظيفة ولا يتأمل ما قال أبو حنيفة الذي دون الفقه رضي الله عنه فالله تعالى راض عنه ولا رضي يقبل القضاء بعدما جرى له من الأمور ما جرى فهو في الآخرة مسرور ممتع في القصور بالحور وقد رضي عنه الرحمن وأسكنه فسيح الجنان فرحم الله من اتبع النعمان وأعرض عن القضاء في هذا الزمان.
صاحب الذوق السليم من الأمراء
يميل الميمنة على الميسرة في الحرب ويكشف عن الجيوش الكرب سيفه قاطع ودرعه مانع وهو للمسلمين أنفع نافع يوهب المماليك ويتفقد الأرامل والصعاليك فارس الخيل كرمه كالسيل جوامك غلمانه مغلقة مكثر الشفقة كثير الخير والصدقة رماح مليح واعتماده في النشاب مليح يضرب بالسيف ما عنده جور ولا حيف معاملته جيدة وحركاته مؤيدة يخالف الشيطان وهو طوع الإنسان ما عنده لا كير ولا نفاق بشوش طيب الأخلاق لا ينهمك على الأقداح بل ينهمك على الصلاح ذو حشمة وهمة وهيبة ولمة يملك الأمرا أشجع من تسور على أفراسه للعدى كثير الاحتمال عارف بمواقع الرجال في الحرب والنزال يأكل السلطان حلال واقف بباب الفقير كالأسير فهو نعم الأمير.
وضده المسلوب الذوق من الأمراء في الأصل جندي خرا مسخرة بيته مسكرة عيشه مكدرة جوامك غلمانه منكسرة قليل الدين يظلم المساكين ومماليكه ضائعين لا جامكية ولا عليق فهم يخطفون العمائم ويقطعون الطريق ما يؤدي حقاً من الحقوق لا لله ولا لمخلوق فهو شيخ الفسوق بيته من الخير ناشف ما يخدمه عارف إن خدمه أستادار وقع في النار كذلك المهتار والفراش والطشتدار قليل الهمة ما يطلع لخدمة في نفسه غلطان وفي ظنه يبقى سلطان منتن الذقن خسيس أنحس من صاحب الذوق السليم من الأجناد قليل العناد منفعة للعباد لا يتلفظ بستكم ولا بقواد في رمي النشاب وضرب السيف ولعب الرمح أستاذ طيب الكلام ما يلعب بلكام مواظب الخمس ما عنده لا حيف ولا ميل كميت الحرب فارس الشرق والغرب قد عرف مواقع الرجال كثير الاحتمال والنزال سلامه مليح وإيمانه صحيح يتجنب القول القبيح لسانه فصيح من أحسن الجيوش عاقل سيوس ما يستخدم غلام منحوس ما يحاسب عائلته على شيء من الفلوس.
وضده المسلوب الذوق من الأجناد كثير العناد مرصد لظلم العباد يقال له يا سيدي يقول عله ستكم قواد خرباطي عتيق يخطف العمائم ويقطع الطريق زنديق حليق ما له صاحب ولا صديق شرابه الأمراق وصرمه مخرق من الأطباق علق زقاقي لا يصلح منه تبع ولا وشاقي ما يقدر على عليق الفرس وفي قلوب الحكام منه غصص ما له دين يظلم المساكين لا هو عاقل مع العقال ولا مجنون مع المجانين.
كبير ظريف عفيف شريف مشتغل بكمال نفسه وملاعبة زوجته ويعلم فرسه وإصلاح قوسه فذلك أحب المباحات إلى الله يبتغي بذلك وجه الله سيفه قاطع ودرعه مانع ثابت الجنان ليس بجبان ولا باخل ولا منان كثير الإحسان باليد واللسان لكل إنسان يحب الكريم من أهل الهمم يترك الكثافة ويقوي اللطافة لا يعاشر كودن ويتخذ من كل شيء الأحسن من العجب والكبرياء مجرد فهو في أبناء جنسه مفرد كلام أهل العلم عنده مقبول عارف بالأصول فهو مليح وتخيله صحيح.
ضد ذلك المسلوب الذوق من أبناء الترك كثير العلاك تحدثه بالعربي يحدثك بالتركي ولا يعرف الآماجي من اليلكي لا يعرف رمح ولا نشاب يفتح للشر أبواب لعبه لكام ويخبط في الكلام يغير هيئته بالزنظ والمنشفة وغيته القمار بالكنجفة يتلعبط ويتلبك ويغير إسم أحمد بإسم بردبك يقطع الطريق ولا له صاحب ولا صديق مضارب مخانق لوالديه عائق يشرب شخاخ النصارى ويضارب كل من في الحارى.
صاحب الذوق السليم من المتكلمين على الكراسي
ينبه الغافل والناسي أقامه الله لمنافع الناس غسل قلوبهم من الغل والحسد والوسواس ودفع الأرجاس يؤلف بين قلوب العوام بأطيب الكلام ويأمرهم بإفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام ويعلمهم أمور الدين ويصير لهم بذلك الأمان بتمين الموعظة الحسنة للنسوة ويخلصهم بذلك من البلوة يأمرهم بطاعة بعولتهن وحفظ فروجهن من النيران ويوصيهن بإكرام الجيران فهو فقيه مكمل صوفي مجمل قرا ودرع باع نفسه للناس واشترى النفوس بمواعظه من المكوس يعمل الميعاد يذكر يوم المعاد يعرف ولا يعنف يبشر ولا ينفر رجل أمين فذلك واعظ المسلمين.
وضد ذلك المسلوب الذوق من المتكلمين على الكراسي لنفسه وأفعاله ناسي رجل وجاه ألجأه الإفلاس للكذب علىالناس فجلس علىالكرسي ونسي ما فعله بالأمس جمع النسيوات وحكى لهم حكايات وأنشد لهم أبيات ودخل بالزوكرة فيهم وواخا أجمل ما فيهم ويقول يا أخت أنت جميلة ونفقتك قليلة فلابد ما أنفعك بورقة لتزداد لك الكسوة والنفقة وقد فتح باب التبتال في غيبة الرجال وأظهر الوجد والبكاء الكاذب وذلك من أعظم المصائب وإذا دعاه أحد من الأنام لشيء من الطعام يقول أنا صائم فلا يلومني في ذلك لائم ويظهر أه صائم الدهر والله مطلع عليه في السر والجهر وربما غر بعض الناس بتلبيس الخناس يأكل الدنيا بالدين ويتواضع للمتكبرين ويزدري الفقراء والمساكين ويتلفظ بكلام شيطان في هيئة إنسان له أفعال قبيحة وتخالها مليحة من الغوامض فليس هو بواعظ.
صاحب الذوق السليم من الشعراء
لسانه فصيح وتخيله مليح وهجوه قبيح التغزل والاقتباس والحماسة والجناس والطباق والاكتفاء والتشابيه بمعرفة ينظك الموشح والزجل وكان مثل العسل والذوبيت والمواليا والتهاني والمرثيا نظمه سريع عارف بصناعة البديع من أهل الهمم وشعره حكم قال سيد هذه الأمة: «وإن من الشعر لحكمة» .
يسكر بشعره الأنام أعظم من المدام أفديه من نديم يذكرني العهد القديم وصاحب الصحاح اكتب منه الأفصاح يعجب أهل الألباب بالتواضع للأصحاب ولا مكابرة ولا محاورة وله الأمثال السائرة.
وضد ذلك المسلوب الذوق من الشعراء أبياته مكسرة قليل القشمرة يسرق أبيات الناس ويكابر ويدعي وقع الحافر على الحافر لا يعرف صناعة القريض والناس معه في الطويل والعريض قليل العقل خسيف ثقيل الدم كثيف يدعي اللطافة وهو مجبول على الكثافة لا يعرف فناً من الفنون والناس معه في غبون يعترض على الحذاق مجنون سيء الأخلاق قرقاع مطلاق سبحان الخلاق لا يعرف الأوزان ولا فيه نوع من أنواع الإنسان كأنه حيوان.
جلال الدين السيوطي
صاحب الذوق السليم من الخطباء
علي الرتبة قصير الخطبة معانيه منتخبة ألطف من نسيم الصبا يعظ نفسه قبل أن يعظ الناس عوذته برب الفلق والناس يخفف الركعتين والجلسة بين الخطبتين يعرف ولا يعرف يبشر ولا ينفر لا يقنط ولا يبعد الآمل ولا يبالغ في الرجوة خوفاً من إبطال العمل بل يعرفهم طريق الإسلام ويرغبهم في الجنة بصفاتها ويحذرهم من النار وآفاتها يردع المتكبرين ويبشر الفقراء والمساكين بأن الجنة لهم فضلاً منه ومنة يعرف لكل شيء خطبة وذلك لمعرفته بطريق الرتبة ويبالغ في نعت الصحابة أجمعين والخلفاء الراشدين يبتدي بأبي بكر وخصائله الملاح ويختم بأبي عبيدة ابن الجراح خطبته لها رونق وسمعة وتؤثر في القلوب موعظته من الجمعة إلى الجمعة إنسان مليح لسانه فصيح لا يحتاج في إنشاء الخطبة إلى مساعدة كأنه قس ابن ساعدة يبتدي بالحمد لله ويختم بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرمن له في الدين تمكين هذا خطيب المسلمين.
ضد ذلك المسلوب الذوق من الخطباء لا يراعي القوافي وحسه من فوق المنبر خافي لا يعرف الناس من العجلة ما يقول كأنه بهلول يتلف التصنيف ويروي الحديث الطعيف كأنه من فقهاء الريف يجعل الخطبة باجمعها وعيد ويذكر العذاب الشديد لا يعرف تأليف الخطبة وليس له رتبة لا تؤثر موعظته في القلوب لأنه من العلم والعقل مسلوب يطيل الخطبتين ويقرأ في كل ركعة بسورتين لا يسلم من اللحن والغلط والناس معه في تعب وشطط كثير الوسواس ومع ذلك يزدري الناس حاله عجيب لا يصلح أن يكون خطيب.
صاحب الذوق السليم من المؤذنين
حسن الصوت أمين لا يطلق نظره إلى حريم المسلمين يعرف الأوقات يعلم الميقات يعرف أسامي النجوم والكواكب مكانه فوق السحاب راكب يعرف عروض البلاد والميل وما زاد في النهار وما نقص من الليل يعرف منازل الشمس والقمر وما للنجم من تأثير إذا ظهر يعرف في تحديد القبلة في الأسفار في الليل والنهار والبر والبحار شاطر حيسوب قهرمان يعرف الأحكام دين صين يتقن صنعة الأذان.
وضد ذلك المسلوب الذوق من المؤذنين ليس بأمين يحب الصغيرين ويمد بصره إلى حريم المسلمين لا يعرف الجيب من الميل ولا ما نقص من النهار ولا ما زاد من الليل لا الزهرة من سهيل ولا الطالع من الغارب ولا أسامي النجوم من الكواكب لا يعرف قوس الليل ولا قوس النهار وحسه يشبه صوت الحمار لا يعرف البروج وهو كثير الخروج إذا أذن بالقرب من الحاري شمتت بالمسلمين اليهود والنصارى ولا يعرف المهلل من المقنطر وهو في صناعته محير يؤذي الأذان بالآذان لا يعرف تحرير القبلة في الأسفار لا في الليل ولا في النهار كثير النوم كسلان يؤذن أي وقت كان قليل العقل خسيف يصلح أن يكون يؤذن في الريف.
صاحب الذوق السليم من القضاة
لا يقبل الرشوة ويترفق في الدعوة لا يسعى في وظيفة ويتأمل ما كان عليه أبو حنيفة ينظر في حال المسكين ويحصل له عليه من المشقة كمن ذبح بغير سكين رضي الخلق سيوس ضاحك غير عبوس يساوي بين الخصمين وينظر في حقيقة الدين لا يميز صاحب ألف دينار على من لا يملك أن يقول حكمت ورب قائل يقول ظلمت لا يراعي في الحكم جار ويخشى أن يحرق بالنار له معان وبيان وفقه وتصريف بإمكان فهو خير إنسان نطقه وخيره يزيد وقد أقامه الله تعالى لمصالح العبيد لا يحكم بإغراء من الأمراء لما سلك طريق العلماء وعزة الفقراء ولا يحكم بأغراض الملوك وقد سلك بهذه الطريقة أحسن سلوك يعلم أن كل ملك لله مملوك فهو خائف من الله متوكل على الله لا يحكم إلا بحكم الله لا يقبل شهادة الزور ولو كان على وزن الخردلة في كل الأمور فهو القاضي لأنه تميز عن القاضيين.
فرحم الله تعالى من تأمل هذه الخصال وجعل بينه وبينها إتصال.
ضد ذلك المسلوب الذوق من القضاة البغلة والكوديان والفرجيه والطيلسان قد فتح له بهم دكان لا فقه ولا معاني ولا بيان عاري من نوع الإنسان كأنه حيوان ألكن اللسان لا يسوي بين الخصمين ويقبل الرشوة ولو كانت فلسين إذا غضب يقول: حكمت ولا يفكر فيمن يقول: ظلمت يحكم بأغراض الأمراء ولا يرافق العلماء ويزدري الفقراء عبد الجاه رجل وجاه قد أفلح من هجاه لا يكشف كربة عامله كبة هيولى مطلقة سالبه كلية فهو من البلية لا يستشير لأحد بشأن كثير الشقشقى ملسان يعرض عن الحق عيان فهو أحد القاضيين قد حرم الجنان يقبل شهادة الزور لا ينظر في عواقب الأمور كأنه لا يؤمن بالبعث والنشور ولا يرى في التنقل من القصور إلى القبو فهو رجل مغرور أو مسحور فلا يفيق من الغفلة كأنه أخذ زماناً من المهلة فهو أضعف من نملة فقد قيل في هذا المعنى: فلا تُؤذِ نملاً إن أرَدتَ كمالكا فإنَّ لها نفساً تَطيبُ كما لَكا ليس هو أهل الوظيفة ولا يتأمل ما قال أبو حنيفة الذي دون الفقه رضي الله عنه فالله تعالى راض عنه ولا رضي يقبل القضاء بعدما جرى له من الأمور ما جرى فهو في الآخرة مسرور ممتع في القصور بالحور وقد رضي عنه الرحمن وأسكنه فسيح الجنان فرحم الله من اتبع النعمان وأعرض عن القضاء في هذا الزمان.
صاحب الذوق السليم من الأمراء
يميل الميمنة على الميسرة في الحرب ويكشف عن الجيوش الكرب سيفه قاطع ودرعه مانع وهو للمسلمين أنفع نافع يوهب المماليك ويتفقد الأرامل والصعاليك فارس الخيل كرمه كالسيل جوامك غلمانه مغلقة مكثر الشفقة كثير الخير والصدقة رماح مليح واعتماده في النشاب مليح يضرب بالسيف ما عنده جور ولا حيف معاملته جيدة وحركاته مؤيدة يخالف الشيطان وهو طوع الإنسان ما عنده لا كير ولا نفاق بشوش طيب الأخلاق لا ينهمك على الأقداح بل ينهمك على الصلاح ذو حشمة وهمة وهيبة ولمة يملك الأمرا أشجع من تسور على أفراسه للعدى كثير الاحتمال عارف بمواقع الرجال في الحرب والنزال يأكل السلطان حلال واقف بباب الفقير كالأسير فهو نعم الأمير.
وضده المسلوب الذوق من الأمراء في الأصل جندي خرا مسخرة بيته مسكرة عيشه مكدرة جوامك غلمانه منكسرة قليل الدين يظلم المساكين ومماليكه ضائعين لا جامكية ولا عليق فهم يخطفون العمائم ويقطعون الطريق ما يؤدي حقاً من الحقوق لا لله ولا لمخلوق فهو شيخ الفسوق بيته من الخير ناشف ما يخدمه عارف إن خدمه أستادار وقع في النار كذلك المهتار والفراش والطشتدار قليل الهمة ما يطلع لخدمة في نفسه غلطان وفي ظنه يبقى سلطان منتن الذقن خسيس أنحس من صاحب الذوق السليم من الأجناد قليل العناد منفعة للعباد لا يتلفظ بستكم ولا بقواد في رمي النشاب وضرب السيف ولعب الرمح أستاذ طيب الكلام ما يلعب بلكام مواظب الخمس ما عنده لا حيف ولا ميل كميت الحرب فارس الشرق والغرب قد عرف مواقع الرجال كثير الاحتمال والنزال سلامه مليح وإيمانه صحيح يتجنب القول القبيح لسانه فصيح من أحسن الجيوش عاقل سيوس ما يستخدم غلام منحوس ما يحاسب عائلته على شيء من الفلوس.
وضده المسلوب الذوق من الأجناد كثير العناد مرصد لظلم العباد يقال له يا سيدي يقول عله ستكم قواد خرباطي عتيق يخطف العمائم ويقطع الطريق زنديق حليق ما له صاحب ولا صديق شرابه الأمراق وصرمه مخرق من الأطباق علق زقاقي لا يصلح منه تبع ولا وشاقي ما يقدر على عليق الفرس وفي قلوب الحكام منه غصص ما له دين يظلم المساكين لا هو عاقل مع العقال ولا مجنون مع المجانين.
كبير ظريف عفيف شريف مشتغل بكمال نفسه وملاعبة زوجته ويعلم فرسه وإصلاح قوسه فذلك أحب المباحات إلى الله يبتغي بذلك وجه الله سيفه قاطع ودرعه مانع ثابت الجنان ليس بجبان ولا باخل ولا منان كثير الإحسان باليد واللسان لكل إنسان يحب الكريم من أهل الهمم يترك الكثافة ويقوي اللطافة لا يعاشر كودن ويتخذ من كل شيء الأحسن من العجب والكبرياء مجرد فهو في أبناء جنسه مفرد كلام أهل العلم عنده مقبول عارف بالأصول فهو مليح وتخيله صحيح.
ضد ذلك المسلوب الذوق من أبناء الترك كثير العلاك تحدثه بالعربي يحدثك بالتركي ولا يعرف الآماجي من اليلكي لا يعرف رمح ولا نشاب يفتح للشر أبواب لعبه لكام ويخبط في الكلام يغير هيئته بالزنظ والمنشفة وغيته القمار بالكنجفة يتلعبط ويتلبك ويغير إسم أحمد بإسم بردبك يقطع الطريق ولا له صاحب ولا صديق مضارب مخانق لوالديه عائق يشرب شخاخ النصارى ويضارب كل من في الحارى.
صاحب الذوق السليم من المتكلمين على الكراسي
ينبه الغافل والناسي أقامه الله لمنافع الناس غسل قلوبهم من الغل والحسد والوسواس ودفع الأرجاس يؤلف بين قلوب العوام بأطيب الكلام ويأمرهم بإفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام ويعلمهم أمور الدين ويصير لهم بذلك الأمان بتمين الموعظة الحسنة للنسوة ويخلصهم بذلك من البلوة يأمرهم بطاعة بعولتهن وحفظ فروجهن من النيران ويوصيهن بإكرام الجيران فهو فقيه مكمل صوفي مجمل قرا ودرع باع نفسه للناس واشترى النفوس بمواعظه من المكوس يعمل الميعاد يذكر يوم المعاد يعرف ولا يعنف يبشر ولا ينفر رجل أمين فذلك واعظ المسلمين.
وضد ذلك المسلوب الذوق من المتكلمين على الكراسي لنفسه وأفعاله ناسي رجل وجاه ألجأه الإفلاس للكذب علىالناس فجلس علىالكرسي ونسي ما فعله بالأمس جمع النسيوات وحكى لهم حكايات وأنشد لهم أبيات ودخل بالزوكرة فيهم وواخا أجمل ما فيهم ويقول يا أخت أنت جميلة ونفقتك قليلة فلابد ما أنفعك بورقة لتزداد لك الكسوة والنفقة وقد فتح باب التبتال في غيبة الرجال وأظهر الوجد والبكاء الكاذب وذلك من أعظم المصائب وإذا دعاه أحد من الأنام لشيء من الطعام يقول أنا صائم فلا يلومني في ذلك لائم ويظهر أه صائم الدهر والله مطلع عليه في السر والجهر وربما غر بعض الناس بتلبيس الخناس يأكل الدنيا بالدين ويتواضع للمتكبرين ويزدري الفقراء والمساكين ويتلفظ بكلام شيطان في هيئة إنسان له أفعال قبيحة وتخالها مليحة من الغوامض فليس هو بواعظ.
صاحب الذوق السليم من الشعراء
لسانه فصيح وتخيله مليح وهجوه قبيح التغزل والاقتباس والحماسة والجناس والطباق والاكتفاء والتشابيه بمعرفة ينظك الموشح والزجل وكان مثل العسل والذوبيت والمواليا والتهاني والمرثيا نظمه سريع عارف بصناعة البديع من أهل الهمم وشعره حكم قال سيد هذه الأمة: «وإن من الشعر لحكمة» .
يسكر بشعره الأنام أعظم من المدام أفديه من نديم يذكرني العهد القديم وصاحب الصحاح اكتب منه الأفصاح يعجب أهل الألباب بالتواضع للأصحاب ولا مكابرة ولا محاورة وله الأمثال السائرة.
وضد ذلك المسلوب الذوق من الشعراء أبياته مكسرة قليل القشمرة يسرق أبيات الناس ويكابر ويدعي وقع الحافر على الحافر لا يعرف صناعة القريض والناس معه في الطويل والعريض قليل العقل خسيف ثقيل الدم كثيف يدعي اللطافة وهو مجبول على الكثافة لا يعرف فناً من الفنون والناس معه في غبون يعترض على الحذاق مجنون سيء الأخلاق قرقاع مطلاق سبحان الخلاق لا يعرف الأوزان ولا فيه نوع من أنواع الإنسان كأنه حيوان.