فوزي مصمودي
2012-08-09, 10:53
موسوعة القرن الفرنسية ( لاروس )
تزوّر تاريخ الجزائر وتبتر نشيدها وتلصق التقتيل بجبهة التحرير
فوزي مصمودي
في طبعة أنيقة ومجلد ضخم وورق مصقول وملوّن و في( 1350 صفحة ) من القطع الكبير صدرت حديثا ( 2011 ) الطبعة الثانية من ( موسوعة القرن ) مترجمة عن النسخة الفرنسية ( Larousse ) عن الدار المتوسطية للنشر بتونس ، وهذا بمساهمة وزارة الثقافة الفرنسية والمركز الوطني للكتاب ، مما يضفي عليها الصفة الرسمية.
و بالرغم من ثراء و غنى هذه الموسوعة وتنوّعها وأهميتها العلمية و تعدد أبوابها لتشمل أغلب المعارف الإنسانية و المدعّمة بالصّور و الوثائق النادرة و الخرائط و الرسومات التوضيحية و الإحصاءات الحديثة ، إلا أن القائمين عليها من العلماء والباحثين و المؤرخين الفرنسيين عمدوا بصفة ممنهجة و منظمة إلى تشويه التاريخ الجزائري وقلب حقائقه والإساءة إلى رموزه ، منطلقين من المدرسة الكولونيالية والنظرة الاستعلائية الاستعمارية التي لم يتمكنوا من التخلص من رواسبها.
ونكتفي هنا ببعض ما ورد في باب ( العالم الجيوستراتيجي ) في القسم الخاص بالجزائر ( ص ص 701 - 703 ) حيث عمدت في البداية إلى بتر النشيد الوطني بحذف مقطع ( يا فرنسا قد مضى وقت العتاب ) خلافا لكل دول العالم التي نشرت الموسوعة نشيدها كاملا. مع تصحيف كلمة ( الماحقات ) فصارت ( الساحقات ) كما أخطأت في سنة ميلاد صاحب النشيد شاعر الجزائر مفدي زكرياء و ثبتت دون رويّة سنة ( 1966 ) بدلا من 1908 و بالتحديد في 12 جوان ، ليكون هذا الشاعر الذي ملأ الدنيا و شغل الناس قد عاش – حسب الموسوعة - 11 عامًا فقط ! على اعتبار أنه توفي في 17 أوت 1977 ومما يزيد في عدم دقّتها ذكرها أن النشيد الوطني اعتمد رسميا عام 1986 ، وكأنّي بالجزائر لم تنل استقلالها إلا هذه السنة !
وعند حديثها عن المؤسسات الرسمية للدولة الجزائرية افتتحت بـ (المجلس الأعلى للأمن) لتقحم – متعمّدة - عبارة » الذي صادق على تعليق انتخابات 1992 « دون أن تثبّت السنة الصحيحة لهذه الانتخابات والمتمثلة في 1991 و بالتحديد في 26 ديسمبر.
ومما يؤسف عليه أن القائمين على هذه الموسوعة لا يفرقون بين رئيس الدولة ( المعيّن ) وبين رئيس الجمهورية ( المنتخب ) بقولهم » رئيس الدولة ينتخب بالاقتراع لمدة 05 سنوات « معتمدة - كما أشارت - في هذه المعلومات على دستور ( 1980 ) ولا أدري كذلك من أين جاءت بهذه السنة التي لم تشهد فيها الجزائر ميلاد أي دستور أو ميثاق ! مما يجعلها تحت طائلة مساءلة المؤرخين و الدارسين ، ويضع مصداقيتها على المحك أمام الموسوعات العالمية الجادة.
كما حاولت تقديم قراءات خاطئة عن دلالات ألوان العلم الجزائري ، حيث ذكرت أن » اللون الأحمر للدلالة على الاشتراكية « ولا ندري المصادر التي اعتمدتها في هذه القراءة للأحمر ، بالرغم من أنّ هذا اللون قد تم إقرارهُ في أبجديات الحركة الوطنية ومنذ ظهور هذا العلم خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ، وقبل أن يتم تبنّي الطرح الاشتراكي في مؤتمر طرابلس في 1962.
وعند تطرقها إلى الأمازيغ نبّهت بكل خبث على أنهم " يسجلون نموا ديموغرافيا سريعا " مما يجعل القارئ يتساءل عن سرّ إقحام هذه العبارة الأخيرة ، وما الهدف من ورائها ؟ ، وكأنّي به إيحاء لشيء لا يعلمه سوى القائمون على الموسوعة.
وعند تناولها التاريخ القديم للجزائر أثنت على الفترتين الرومانية والبيزنطية ، بل وصفت الفترة الرومانية بأنها كانت " مزدهرة ومتحضرة " نعم كانت كذلك ولكن بالنسبة للمستوطنين الرومان و مواطني جنوب أوروبا ، على غرار أحفادهم المستوطنين الفرنسيين من بعدهم ، الذين جثموا على أرضنا و مقدّراتنا من 1830 إلى 1962 . وغضّت الطرف عن المجازر التي ارتكبوها في حق الأهالي الأمازيغ و درجات الإذلال الذي تعرّضوا له طيلة أزيد من ستة قرون ، وبمقابل ذلك ألصقت صفة التدمير بالواندال فقط ، و افترت على الفاتحين العرب بأنهم " كوّنوا طبقة مهيمنة " في إشارة مفضوحة إلى أنّ العرب استعبدوا السكان الأمازيغ ، و هذا أمر عار عن الصحة إثارة منها للفتنة و تأجيجا للنعرات التي تمكن الإسلام أن يقضي عليها ، و يكوّن اللحمة التي عضّدت بين العرب و الأمازيغ إلى اليوم.
كما تطاولت على الدولة الزيانية وعلى العهد العثماني بالجزائر ، ووصفت الأتراك و الأخوين عرّوج و بربروس بالقراصنة ، وأهانت البحارة الجزائريين على غرار ( الرايس حميدو ) دون أن تفصح عن اسمه أو أسماء رفقائه و وصفتهم بالقراصنة الذين " أغنوا الخزينة الجزائرية بموارد القرصنة في البحر المتوسط ". و لكي تنال من الفترة الذهبية للبحرية الجزائرية و تتجاهل التقسيمات الإدارية الرسمية للدولة الجزائرية المستقلة قبل 1830 ممثلة في بايلك الشرق ( قسنطينة ) و بايلك التيطري ( المدية ) و بايلك الغرب ( مازونة ثم معسكر ثم وهران ) و دار السلطان بالعاصمة ، و أجهزتها الإدارية المختلفة ، فقد جاء في نفس الصفحة ( 702 ) أن البلاد قسمت إلى " مقاطعات تابعة إلى الأولياء الصالحين و إلى موانئ حرة " محاولة التأكيد على أنّ الجزائر لم تكن دولة مستقلة موحدة إلا بعد عام 1962 و كأنّ الفضل في توحيد البلاد يعود إلى الفرنسيين !
أما علاقة فرنسا الاستعمارية بالجزائر المستقلة فقد أرجعتها الموسوعة المذكورة إلى عام 1827 متجاهلة المعاهدات التي أبرمت بين الدولتين قبل ذلك بكثير و التي فاقت الأربعين معاهدة واتفاقية و عشرات المندوبين و القناصل الفرنسيين المعتمدين لدى الدولة الجزائرية قبل 1830 ، و تناست ديون الجزائر على فرنسا و التي لن تسقط بالتقادم. مدّعية أن الداي حسين لطم القنصل الفرنسي ( دي فال ) أثناء مفاوضات بينهما ! و هذا افتراء على التاريخ و قلب للحقائق.
وعند حديثها عن الأمير عبد القادر اتهمته بكل صراحة ووقاحة أنه أعلن الحرب على فرنسا عام 1839 ! و كأنّ الأمير هو من جهّز حملة عسكرية ضخمة و شنّ هجوما كاسحا على فرنسا ذات يوم من عام 1830 ! ولتؤكد زورًا أنه البادئ بخرق معاهدة التافنة التي أبرمت عام 1837 ، بالرغم من أن جميع المؤرخين و حتى بعض الفرنسيين المنصفين منهم ، يؤكدون أن بني جلدتهم هم من خرق هذه المعاهدة بعد تمكّنهم من احتلال عاصمة بايلك الشرق قسنطينة ، و طرد أحمد باي منها في أكتوبر 1837 لتبرّر للسفاح الجنرال بيجو غزو الجزائر كرد فعل طبيعي على موقف الأمير من المعاهدة حسب زعمها ، و ليرتكب بيجو وجنوده جرائمهم ضد الإنسانية و يطبقوا سياسة الأرض المحروقة التي انتهجوها والتي أغفلتها الموسوعة.
وكامتداد للقوانين التي تمجد فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر كقانون 23 فيفري 2005 الذي أقرّته الجمعية الفرنسية نيابَة عن الشعب الفرنسي ، فقد ردّدت الموسوعة نفس الأسطوانة و بأن الاحتلال الفرنسي " مكّن البلاد الجزائرية من نهضة لا جدال فيها " متجاهلة ملايين الشهداء و مثلهم من اليتامى و الأرامل و المعطوبين ، و المجاعات والأمراض و الأوبئة و سياسة التجهيل و الفرنسة و التنصير و الممارسات اللإنسانية التي قنّنتها .. وأزيد من 11 مليون لغم مازالت تحصد أرواح الأبرياء إلى اليوم و آثار الإشعاعات التي خلفتها في صحرائنا بعد إجرائها لـ 17 تجربة نووية ، منها 4سطحية برقان بولاية أدرار ، و 13 باطنية بجبال عين يكّر بولاية تمنراست.
ودون علم سلخت الموسوعة قرنا كاملا من مسار الحركة الوطنية و نضال رجالاتها ، حيث أخّرتها إلى عام 1930 بدلا من عام 1830 التي بدأت مع عثمان خوجة و الكبابطي و ابن العنّابي و ابراهيم بن مصطفى باشا و الدكتور محمد بن العربي الشرشالي و الشيخ محمد بن رحال الندرومي ... و المقاومات الشعبية المسلحة التي كانت رافدا من روافد الحركة الوطنية .كما تجاهلت مجازر 8 ماي 1945 وعمليات التقتيل التهجير و التدمير التي اقترفها الجيش والمستوطنون خلال تلك الأيام الدامية في عهد الجنرال ديغول ، و استبدلت مصطلح " المجزرة " بـ " الثورة " بقولها " ثورة منطقة قسنطينة سنة 1945 " لتبرّر ما اقترفه مجرمو الحرب من الفرنسيين.
وكعادة جل الفرنسيين من عسكريين و مؤرخين و مواطنين فقد سلكت الموسوعة مسلكهم و وصفت ثورة نوفمبر 1954 بـ "حركة التمرّد "و جنت على جبهة التحرير الوطني حاملة لواء المقاومة و الثورة آنذاك بأنها جبهة قامت بتنظيم " عمليات الاغتيال و التقتيل " و التي كانت دائما حسب الموسوعة تعقبها الأساليب المتسرّعة التي يتبعها الجيش الفرنسي ! و كأنّي بالعمليات الإرهابية التي كان يقوم بها هذا الجيش و المستوطنون كانت ردّا على هذه العمليات و لا تستحق سوى عبارة '' متسرّعة '' !.
كما نالت من أول رمز لجزائر الاستقلال ، الرئيس أحمد بن بلة – رحمه الله - عندما اعتبرته " فرض نفسه " رئيسًا للجزائـر ! متجاهلة الانتخاباتالعامة التي أجريت يوم 15 سبتمبر 1963 و زكّاه الشعب خلالها بحصوله على الأغلبية المطلقة بـ ( 5.805.103 صوتا ).
ولم تكتف هذه الموسوعة بما ذكرنا ، بل عمدت إلى سلخ اسم العاصمة ( الجزائر ) من خريطة البلاد ، مكتفية بتثبيت نقطة سوداء مكانها ، بمقابل ذلك ثبّتت أسماء كل عواصم العالم.
إلى جانب الكثير من الأخطاء في الأطر الزمنية المتعلقة بالدول الإسلامية المتعاقبة التي ظهرت بالجزائر و في كتابة الأعلام و أسماء الولايات و المدن و المناطق الجزائرية ، التي يكون قد وقع فيها معدو الموسوعة أو من أشرف على ترجمتها من التونسيين ، و التي وقفنا على الكثير منها.
لاشك أن توزيع و ترويج مثل هذه المطبوعات بالجزائر و نشرها بين القرّاء ،بعدما أفلتت من الرّقابة يزيد من افتراء هؤلاء القوم على تاريخنا والتطاول على رموزنا ، مما يتوجّب على القائمين على استيراد و توزيع هذه الكتب مراجعتها بدقة ، و التريّث قبل الترخيص لها ، كهذه الموسوعة التي وجدت لها خلسة مكانا في الطبعة الأخيرة بالمعرض الدولي للكتاب المقام بالجزائر.
تزوّر تاريخ الجزائر وتبتر نشيدها وتلصق التقتيل بجبهة التحرير
فوزي مصمودي
في طبعة أنيقة ومجلد ضخم وورق مصقول وملوّن و في( 1350 صفحة ) من القطع الكبير صدرت حديثا ( 2011 ) الطبعة الثانية من ( موسوعة القرن ) مترجمة عن النسخة الفرنسية ( Larousse ) عن الدار المتوسطية للنشر بتونس ، وهذا بمساهمة وزارة الثقافة الفرنسية والمركز الوطني للكتاب ، مما يضفي عليها الصفة الرسمية.
و بالرغم من ثراء و غنى هذه الموسوعة وتنوّعها وأهميتها العلمية و تعدد أبوابها لتشمل أغلب المعارف الإنسانية و المدعّمة بالصّور و الوثائق النادرة و الخرائط و الرسومات التوضيحية و الإحصاءات الحديثة ، إلا أن القائمين عليها من العلماء والباحثين و المؤرخين الفرنسيين عمدوا بصفة ممنهجة و منظمة إلى تشويه التاريخ الجزائري وقلب حقائقه والإساءة إلى رموزه ، منطلقين من المدرسة الكولونيالية والنظرة الاستعلائية الاستعمارية التي لم يتمكنوا من التخلص من رواسبها.
ونكتفي هنا ببعض ما ورد في باب ( العالم الجيوستراتيجي ) في القسم الخاص بالجزائر ( ص ص 701 - 703 ) حيث عمدت في البداية إلى بتر النشيد الوطني بحذف مقطع ( يا فرنسا قد مضى وقت العتاب ) خلافا لكل دول العالم التي نشرت الموسوعة نشيدها كاملا. مع تصحيف كلمة ( الماحقات ) فصارت ( الساحقات ) كما أخطأت في سنة ميلاد صاحب النشيد شاعر الجزائر مفدي زكرياء و ثبتت دون رويّة سنة ( 1966 ) بدلا من 1908 و بالتحديد في 12 جوان ، ليكون هذا الشاعر الذي ملأ الدنيا و شغل الناس قد عاش – حسب الموسوعة - 11 عامًا فقط ! على اعتبار أنه توفي في 17 أوت 1977 ومما يزيد في عدم دقّتها ذكرها أن النشيد الوطني اعتمد رسميا عام 1986 ، وكأنّي بالجزائر لم تنل استقلالها إلا هذه السنة !
وعند حديثها عن المؤسسات الرسمية للدولة الجزائرية افتتحت بـ (المجلس الأعلى للأمن) لتقحم – متعمّدة - عبارة » الذي صادق على تعليق انتخابات 1992 « دون أن تثبّت السنة الصحيحة لهذه الانتخابات والمتمثلة في 1991 و بالتحديد في 26 ديسمبر.
ومما يؤسف عليه أن القائمين على هذه الموسوعة لا يفرقون بين رئيس الدولة ( المعيّن ) وبين رئيس الجمهورية ( المنتخب ) بقولهم » رئيس الدولة ينتخب بالاقتراع لمدة 05 سنوات « معتمدة - كما أشارت - في هذه المعلومات على دستور ( 1980 ) ولا أدري كذلك من أين جاءت بهذه السنة التي لم تشهد فيها الجزائر ميلاد أي دستور أو ميثاق ! مما يجعلها تحت طائلة مساءلة المؤرخين و الدارسين ، ويضع مصداقيتها على المحك أمام الموسوعات العالمية الجادة.
كما حاولت تقديم قراءات خاطئة عن دلالات ألوان العلم الجزائري ، حيث ذكرت أن » اللون الأحمر للدلالة على الاشتراكية « ولا ندري المصادر التي اعتمدتها في هذه القراءة للأحمر ، بالرغم من أنّ هذا اللون قد تم إقرارهُ في أبجديات الحركة الوطنية ومنذ ظهور هذا العلم خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ، وقبل أن يتم تبنّي الطرح الاشتراكي في مؤتمر طرابلس في 1962.
وعند تطرقها إلى الأمازيغ نبّهت بكل خبث على أنهم " يسجلون نموا ديموغرافيا سريعا " مما يجعل القارئ يتساءل عن سرّ إقحام هذه العبارة الأخيرة ، وما الهدف من ورائها ؟ ، وكأنّي به إيحاء لشيء لا يعلمه سوى القائمون على الموسوعة.
وعند تناولها التاريخ القديم للجزائر أثنت على الفترتين الرومانية والبيزنطية ، بل وصفت الفترة الرومانية بأنها كانت " مزدهرة ومتحضرة " نعم كانت كذلك ولكن بالنسبة للمستوطنين الرومان و مواطني جنوب أوروبا ، على غرار أحفادهم المستوطنين الفرنسيين من بعدهم ، الذين جثموا على أرضنا و مقدّراتنا من 1830 إلى 1962 . وغضّت الطرف عن المجازر التي ارتكبوها في حق الأهالي الأمازيغ و درجات الإذلال الذي تعرّضوا له طيلة أزيد من ستة قرون ، وبمقابل ذلك ألصقت صفة التدمير بالواندال فقط ، و افترت على الفاتحين العرب بأنهم " كوّنوا طبقة مهيمنة " في إشارة مفضوحة إلى أنّ العرب استعبدوا السكان الأمازيغ ، و هذا أمر عار عن الصحة إثارة منها للفتنة و تأجيجا للنعرات التي تمكن الإسلام أن يقضي عليها ، و يكوّن اللحمة التي عضّدت بين العرب و الأمازيغ إلى اليوم.
كما تطاولت على الدولة الزيانية وعلى العهد العثماني بالجزائر ، ووصفت الأتراك و الأخوين عرّوج و بربروس بالقراصنة ، وأهانت البحارة الجزائريين على غرار ( الرايس حميدو ) دون أن تفصح عن اسمه أو أسماء رفقائه و وصفتهم بالقراصنة الذين " أغنوا الخزينة الجزائرية بموارد القرصنة في البحر المتوسط ". و لكي تنال من الفترة الذهبية للبحرية الجزائرية و تتجاهل التقسيمات الإدارية الرسمية للدولة الجزائرية المستقلة قبل 1830 ممثلة في بايلك الشرق ( قسنطينة ) و بايلك التيطري ( المدية ) و بايلك الغرب ( مازونة ثم معسكر ثم وهران ) و دار السلطان بالعاصمة ، و أجهزتها الإدارية المختلفة ، فقد جاء في نفس الصفحة ( 702 ) أن البلاد قسمت إلى " مقاطعات تابعة إلى الأولياء الصالحين و إلى موانئ حرة " محاولة التأكيد على أنّ الجزائر لم تكن دولة مستقلة موحدة إلا بعد عام 1962 و كأنّ الفضل في توحيد البلاد يعود إلى الفرنسيين !
أما علاقة فرنسا الاستعمارية بالجزائر المستقلة فقد أرجعتها الموسوعة المذكورة إلى عام 1827 متجاهلة المعاهدات التي أبرمت بين الدولتين قبل ذلك بكثير و التي فاقت الأربعين معاهدة واتفاقية و عشرات المندوبين و القناصل الفرنسيين المعتمدين لدى الدولة الجزائرية قبل 1830 ، و تناست ديون الجزائر على فرنسا و التي لن تسقط بالتقادم. مدّعية أن الداي حسين لطم القنصل الفرنسي ( دي فال ) أثناء مفاوضات بينهما ! و هذا افتراء على التاريخ و قلب للحقائق.
وعند حديثها عن الأمير عبد القادر اتهمته بكل صراحة ووقاحة أنه أعلن الحرب على فرنسا عام 1839 ! و كأنّ الأمير هو من جهّز حملة عسكرية ضخمة و شنّ هجوما كاسحا على فرنسا ذات يوم من عام 1830 ! ولتؤكد زورًا أنه البادئ بخرق معاهدة التافنة التي أبرمت عام 1837 ، بالرغم من أن جميع المؤرخين و حتى بعض الفرنسيين المنصفين منهم ، يؤكدون أن بني جلدتهم هم من خرق هذه المعاهدة بعد تمكّنهم من احتلال عاصمة بايلك الشرق قسنطينة ، و طرد أحمد باي منها في أكتوبر 1837 لتبرّر للسفاح الجنرال بيجو غزو الجزائر كرد فعل طبيعي على موقف الأمير من المعاهدة حسب زعمها ، و ليرتكب بيجو وجنوده جرائمهم ضد الإنسانية و يطبقوا سياسة الأرض المحروقة التي انتهجوها والتي أغفلتها الموسوعة.
وكامتداد للقوانين التي تمجد فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر كقانون 23 فيفري 2005 الذي أقرّته الجمعية الفرنسية نيابَة عن الشعب الفرنسي ، فقد ردّدت الموسوعة نفس الأسطوانة و بأن الاحتلال الفرنسي " مكّن البلاد الجزائرية من نهضة لا جدال فيها " متجاهلة ملايين الشهداء و مثلهم من اليتامى و الأرامل و المعطوبين ، و المجاعات والأمراض و الأوبئة و سياسة التجهيل و الفرنسة و التنصير و الممارسات اللإنسانية التي قنّنتها .. وأزيد من 11 مليون لغم مازالت تحصد أرواح الأبرياء إلى اليوم و آثار الإشعاعات التي خلفتها في صحرائنا بعد إجرائها لـ 17 تجربة نووية ، منها 4سطحية برقان بولاية أدرار ، و 13 باطنية بجبال عين يكّر بولاية تمنراست.
ودون علم سلخت الموسوعة قرنا كاملا من مسار الحركة الوطنية و نضال رجالاتها ، حيث أخّرتها إلى عام 1930 بدلا من عام 1830 التي بدأت مع عثمان خوجة و الكبابطي و ابن العنّابي و ابراهيم بن مصطفى باشا و الدكتور محمد بن العربي الشرشالي و الشيخ محمد بن رحال الندرومي ... و المقاومات الشعبية المسلحة التي كانت رافدا من روافد الحركة الوطنية .كما تجاهلت مجازر 8 ماي 1945 وعمليات التقتيل التهجير و التدمير التي اقترفها الجيش والمستوطنون خلال تلك الأيام الدامية في عهد الجنرال ديغول ، و استبدلت مصطلح " المجزرة " بـ " الثورة " بقولها " ثورة منطقة قسنطينة سنة 1945 " لتبرّر ما اقترفه مجرمو الحرب من الفرنسيين.
وكعادة جل الفرنسيين من عسكريين و مؤرخين و مواطنين فقد سلكت الموسوعة مسلكهم و وصفت ثورة نوفمبر 1954 بـ "حركة التمرّد "و جنت على جبهة التحرير الوطني حاملة لواء المقاومة و الثورة آنذاك بأنها جبهة قامت بتنظيم " عمليات الاغتيال و التقتيل " و التي كانت دائما حسب الموسوعة تعقبها الأساليب المتسرّعة التي يتبعها الجيش الفرنسي ! و كأنّي بالعمليات الإرهابية التي كان يقوم بها هذا الجيش و المستوطنون كانت ردّا على هذه العمليات و لا تستحق سوى عبارة '' متسرّعة '' !.
كما نالت من أول رمز لجزائر الاستقلال ، الرئيس أحمد بن بلة – رحمه الله - عندما اعتبرته " فرض نفسه " رئيسًا للجزائـر ! متجاهلة الانتخاباتالعامة التي أجريت يوم 15 سبتمبر 1963 و زكّاه الشعب خلالها بحصوله على الأغلبية المطلقة بـ ( 5.805.103 صوتا ).
ولم تكتف هذه الموسوعة بما ذكرنا ، بل عمدت إلى سلخ اسم العاصمة ( الجزائر ) من خريطة البلاد ، مكتفية بتثبيت نقطة سوداء مكانها ، بمقابل ذلك ثبّتت أسماء كل عواصم العالم.
إلى جانب الكثير من الأخطاء في الأطر الزمنية المتعلقة بالدول الإسلامية المتعاقبة التي ظهرت بالجزائر و في كتابة الأعلام و أسماء الولايات و المدن و المناطق الجزائرية ، التي يكون قد وقع فيها معدو الموسوعة أو من أشرف على ترجمتها من التونسيين ، و التي وقفنا على الكثير منها.
لاشك أن توزيع و ترويج مثل هذه المطبوعات بالجزائر و نشرها بين القرّاء ،بعدما أفلتت من الرّقابة يزيد من افتراء هؤلاء القوم على تاريخنا والتطاول على رموزنا ، مما يتوجّب على القائمين على استيراد و توزيع هذه الكتب مراجعتها بدقة ، و التريّث قبل الترخيص لها ، كهذه الموسوعة التي وجدت لها خلسة مكانا في الطبعة الأخيرة بالمعرض الدولي للكتاب المقام بالجزائر.