المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة القرن الفرنسيّة تزوّر تاريخ الجزائر


فوزي مصمودي
2012-08-09, 10:53
موسوعة القرن الفرنسية ( لاروس )

تزوّر تاريخ الجزائر وتبتر نشيدها وتلصق التقتيل بجبهة التحرير

فوزي مصمودي


في طبعة أنيقة ومجلد ضخم وورق مصقول وملوّن و في( 1350 صفحة ) من القطع الكبير صدرت حديثا ( 2011 ) الطبعة الثانية من ( موسوعة القرن ) مترجمة عن النسخة الفرنسية ( Larousse ) عن الدار المتوسطية للنشر بتونس ، وهذا بمساهمة وزارة الثقافة الفرنسية والمركز الوطني للكتاب ، مما يضفي عليها الصفة الرسمية.
و بالرغم من ثراء و غنى هذه الموسوعة وتنوّعها وأهميتها العلمية و تعدد أبوابها لتشمل أغلب المعارف الإنسانية و المدعّمة بالصّور و الوثائق النادرة و الخرائط و الرسومات التوضيحية و الإحصاءات الحديثة ، إلا أن القائمين عليها من العلماء والباحثين و المؤرخين الفرنسيين عمدوا بصفة ممنهجة و منظمة إلى تشويه التاريخ الجزائري وقلب حقائقه والإساءة إلى رموزه ، منطلقين من المدرسة الكولونيالية والنظرة الاستعلائية الاستعمارية التي لم يتمكنوا من التخلص من رواسبها.
ونكتفي هنا ببعض ما ورد في باب ( العالم الجيوستراتيجي ) في القسم الخاص بالجزائر ( ص ص 701 - 703 ) حيث عمدت في البداية إلى بتر النشيد الوطني بحذف مقطع ( يا فرنسا قد مضى وقت العتاب ) خلافا لكل دول العالم التي نشرت الموسوعة نشيدها كاملا. مع تصحيف كلمة ( الماحقات ) فصارت ( الساحقات ) كما أخطأت في سنة ميلاد صاحب النشيد شاعر الجزائر مفدي زكرياء و ثبتت دون رويّة سنة ( 1966 ) بدلا من 1908 و بالتحديد في 12 جوان ، ليكون هذا الشاعر الذي ملأ الدنيا و شغل الناس قد عاش – حسب الموسوعة - 11 عامًا فقط ! على اعتبار أنه توفي في 17 أوت 1977 ومما يزيد في عدم دقّتها ذكرها أن النشيد الوطني اعتمد رسميا عام 1986 ، وكأنّي بالجزائر لم تنل استقلالها إلا هذه السنة !
وعند حديثها عن المؤسسات الرسمية للدولة الجزائرية افتتحت بـ (المجلس الأعلى للأمن) لتقحم – متعمّدة - عبارة » الذي صادق على تعليق انتخابات 1992 « دون أن تثبّت السنة الصحيحة لهذه الانتخابات والمتمثلة في 1991 و بالتحديد في 26 ديسمبر.
ومما يؤسف عليه أن القائمين على هذه الموسوعة لا يفرقون بين رئيس الدولة ( المعيّن ) وبين رئيس الجمهورية ( المنتخب ) بقولهم » رئيس الدولة ينتخب بالاقتراع لمدة 05 سنوات « معتمدة - كما أشارت - في هذه المعلومات على دستور ( 1980 ) ولا أدري كذلك من أين جاءت بهذه السنة التي لم تشهد فيها الجزائر ميلاد أي دستور أو ميثاق ! مما يجعلها تحت طائلة مساءلة المؤرخين و الدارسين ، ويضع مصداقيتها على المحك أمام الموسوعات العالمية الجادة.
كما حاولت تقديم قراءات خاطئة عن دلالات ألوان العلم الجزائري ، حيث ذكرت أن » اللون الأحمر للدلالة على الاشتراكية « ولا ندري المصادر التي اعتمدتها في هذه القراءة للأحمر ، بالرغم من أنّ هذا اللون قد تم إقرارهُ في أبجديات الحركة الوطنية ومنذ ظهور هذا العلم خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ، وقبل أن يتم تبنّي الطرح الاشتراكي في مؤتمر طرابلس في 1962.
وعند تطرقها إلى الأمازيغ نبّهت بكل خبث على أنهم " يسجلون نموا ديموغرافيا سريعا " مما يجعل القارئ يتساءل عن سرّ إقحام هذه العبارة الأخيرة ، وما الهدف من ورائها ؟ ، وكأنّي به إيحاء لشيء لا يعلمه سوى القائمون على الموسوعة.
وعند تناولها التاريخ القديم للجزائر أثنت على الفترتين الرومانية والبيزنطية ، بل وصفت الفترة الرومانية بأنها كانت " مزدهرة ومتحضرة " نعم كانت كذلك ولكن بالنسبة للمستوطنين الرومان و مواطني جنوب أوروبا ، على غرار أحفادهم المستوطنين الفرنسيين من بعدهم ، الذين جثموا على أرضنا و مقدّراتنا من 1830 إلى 1962 . وغضّت الطرف عن المجازر التي ارتكبوها في حق الأهالي الأمازيغ و درجات الإذلال الذي تعرّضوا له طيلة أزيد من ستة قرون ، وبمقابل ذلك ألصقت صفة التدمير بالواندال فقط ، و افترت على الفاتحين العرب بأنهم " كوّنوا طبقة مهيمنة " في إشارة مفضوحة إلى أنّ العرب استعبدوا السكان الأمازيغ ، و هذا أمر عار عن الصحة إثارة منها للفتنة و تأجيجا للنعرات التي تمكن الإسلام أن يقضي عليها ، و يكوّن اللحمة التي عضّدت بين العرب و الأمازيغ إلى اليوم.
كما تطاولت على الدولة الزيانية وعلى العهد العثماني بالجزائر ، ووصفت الأتراك و الأخوين عرّوج و بربروس بالقراصنة ، وأهانت البحارة الجزائريين على غرار ( الرايس حميدو ) دون أن تفصح عن اسمه أو أسماء رفقائه و وصفتهم بالقراصنة الذين " أغنوا الخزينة الجزائرية بموارد القرصنة في البحر المتوسط ". و لكي تنال من الفترة الذهبية للبحرية الجزائرية و تتجاهل التقسيمات الإدارية الرسمية للدولة الجزائرية المستقلة قبل 1830 ممثلة في بايلك الشرق ( قسنطينة ) و بايلك التيطري ( المدية ) و بايلك الغرب ( مازونة ثم معسكر ثم وهران ) و دار السلطان بالعاصمة ، و أجهزتها الإدارية المختلفة ، فقد جاء في نفس الصفحة ( 702 ) أن البلاد قسمت إلى " مقاطعات تابعة إلى الأولياء الصالحين و إلى موانئ حرة " محاولة التأكيد على أنّ الجزائر لم تكن دولة مستقلة موحدة إلا بعد عام 1962 و كأنّ الفضل في توحيد البلاد يعود إلى الفرنسيين !
أما علاقة فرنسا الاستعمارية بالجزائر المستقلة فقد أرجعتها الموسوعة المذكورة إلى عام 1827 متجاهلة المعاهدات التي أبرمت بين الدولتين قبل ذلك بكثير و التي فاقت الأربعين معاهدة واتفاقية و عشرات المندوبين و القناصل الفرنسيين المعتمدين لدى الدولة الجزائرية قبل 1830 ، و تناست ديون الجزائر على فرنسا و التي لن تسقط بالتقادم. مدّعية أن الداي حسين لطم القنصل الفرنسي ( دي فال ) أثناء مفاوضات بينهما ! و هذا افتراء على التاريخ و قلب للحقائق.
وعند حديثها عن الأمير عبد القادر اتهمته بكل صراحة ووقاحة أنه أعلن الحرب على فرنسا عام 1839 ! و كأنّ الأمير هو من جهّز حملة عسكرية ضخمة و شنّ هجوما كاسحا على فرنسا ذات يوم من عام 1830 ! ولتؤكد زورًا أنه البادئ بخرق معاهدة التافنة التي أبرمت عام 1837 ، بالرغم من أن جميع المؤرخين و حتى بعض الفرنسيين المنصفين منهم ، يؤكدون أن بني جلدتهم هم من خرق هذه المعاهدة بعد تمكّنهم من احتلال عاصمة بايلك الشرق قسنطينة ، و طرد أحمد باي منها في أكتوبر 1837 لتبرّر للسفاح الجنرال بيجو غزو الجزائر كرد فعل طبيعي على موقف الأمير من المعاهدة حسب زعمها ، و ليرتكب بيجو وجنوده جرائمهم ضد الإنسانية و يطبقوا سياسة الأرض المحروقة التي انتهجوها والتي أغفلتها الموسوعة.
وكامتداد للقوانين التي تمجد فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر كقانون 23 فيفري 2005 الذي أقرّته الجمعية الفرنسية نيابَة عن الشعب الفرنسي ، فقد ردّدت الموسوعة نفس الأسطوانة و بأن الاحتلال الفرنسي " مكّن البلاد الجزائرية من نهضة لا جدال فيها " متجاهلة ملايين الشهداء و مثلهم من اليتامى و الأرامل و المعطوبين ، و المجاعات والأمراض و الأوبئة و سياسة التجهيل و الفرنسة و التنصير و الممارسات اللإنسانية التي قنّنتها .. وأزيد من 11 مليون لغم مازالت تحصد أرواح الأبرياء إلى اليوم و آثار الإشعاعات التي خلفتها في صحرائنا بعد إجرائها لـ 17 تجربة نووية ، منها 4سطحية برقان بولاية أدرار ، و 13 باطنية بجبال عين يكّر بولاية تمنراست.
ودون علم سلخت الموسوعة قرنا كاملا من مسار الحركة الوطنية و نضال رجالاتها ، حيث أخّرتها إلى عام 1930 بدلا من عام 1830 التي بدأت مع عثمان خوجة و الكبابطي و ابن العنّابي و ابراهيم بن مصطفى باشا و الدكتور محمد بن العربي الشرشالي و الشيخ محمد بن رحال الندرومي ... و المقاومات الشعبية المسلحة التي كانت رافدا من روافد الحركة الوطنية .كما تجاهلت مجازر 8 ماي 1945 وعمليات التقتيل التهجير و التدمير التي اقترفها الجيش والمستوطنون خلال تلك الأيام الدامية في عهد الجنرال ديغول ، و استبدلت مصطلح " المجزرة " بـ " الثورة " بقولها " ثورة منطقة قسنطينة سنة 1945 " لتبرّر ما اقترفه مجرمو الحرب من الفرنسيين.
وكعادة جل الفرنسيين من عسكريين و مؤرخين و مواطنين فقد سلكت الموسوعة مسلكهم و وصفت ثورة نوفمبر 1954 بـ "حركة التمرّد "و جنت على جبهة التحرير الوطني حاملة لواء المقاومة و الثورة آنذاك بأنها جبهة قامت بتنظيم " عمليات الاغتيال و التقتيل " و التي كانت دائما حسب الموسوعة تعقبها الأساليب المتسرّعة التي يتبعها الجيش الفرنسي ! و كأنّي بالعمليات الإرهابية التي كان يقوم بها هذا الجيش و المستوطنون كانت ردّا على هذه العمليات و لا تستحق سوى عبارة '' متسرّعة '' !.
كما نالت من أول رمز لجزائر الاستقلال ، الرئيس أحمد بن بلة – رحمه الله - عندما اعتبرته " فرض نفسه " رئيسًا للجزائـر ! متجاهلة الانتخاباتالعامة التي أجريت يوم 15 سبتمبر 1963 و زكّاه الشعب خلالها بحصوله على الأغلبية المطلقة بـ ( 5.805.103 صوتا ).
ولم تكتف هذه الموسوعة بما ذكرنا ، بل عمدت إلى سلخ اسم العاصمة ( الجزائر ) من خريطة البلاد ، مكتفية بتثبيت نقطة سوداء مكانها ، بمقابل ذلك ثبّتت أسماء كل عواصم العالم.
إلى جانب الكثير من الأخطاء في الأطر الزمنية المتعلقة بالدول الإسلامية المتعاقبة التي ظهرت بالجزائر و في كتابة الأعلام و أسماء الولايات و المدن و المناطق الجزائرية ، التي يكون قد وقع فيها معدو الموسوعة أو من أشرف على ترجمتها من التونسيين ، و التي وقفنا على الكثير منها.
لاشك أن توزيع و ترويج مثل هذه المطبوعات بالجزائر و نشرها بين القرّاء ،بعدما أفلتت من الرّقابة يزيد من افتراء هؤلاء القوم على تاريخنا والتطاول على رموزنا ، مما يتوجّب على القائمين على استيراد و توزيع هذه الكتب مراجعتها بدقة ، و التريّث قبل الترخيص لها ، كهذه الموسوعة التي وجدت لها خلسة مكانا في الطبعة الأخيرة بالمعرض الدولي للكتاب المقام بالجزائر.