مشاهدة النسخة كاملة : عنوان كيف دخل التتر بلاد المسلمين.1.2.3
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-08-07, 03:31
(عنوان كيف دخل التتر بلاد المسلمين [1] : لمحة عامة)
أفتتح ذكر تاريخ الامبراطوريات بهذه الامبراطورية الضخمة لسببين :
أولهما : عدم معرفة أكثر المثقفين بطبيعة هذه الامبراطورية.
ثانيهما : في سرد أجزاء من تاريخها عبرة عظيمه لنا المسلمين حيث انتصرنا عليهم انتصاراً عظيماً ساحقاً في النهاية .
وها أنذا أذكر كلاماً لامثيل له في شأنهم للإمام ابن الأثير الجزريّ صاحب (( الكامل )) في التاريخ ، ثم أذكر مقاطع مهمة في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى ، لوصله بواقعنا المعاصر ، و أختم هذه الحلقات بالحديث عن المعركة العظمى عين جالوت ، ثم أعقب بذكر الأمر المدهش ، ألا وهو دخولهم في الإسلام .
يقول ابن الأثير رحمه الله في كتابه الكامل في التاريخ تحت عنوان : ذكر خروج التتر إلى بلاد الإسلام :
لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها فأنا أقدم إليه رجلاً و أؤخر أخرى ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام و المسلمين ، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ، فياليت أمي لم تلدني ، و يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسياً منسياً ، إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها ، و أنا متوقف ، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعاً فنقول :
هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى و المصيبة الكبرى التي عقمت الأيام و الليالي عن مثلها ، عمت الخلائق و خصت المسلمين ، فلو قال قائل : إن العالم مذ خلق الله سبحانه و تعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقاً فإن لتواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها . ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بختنصر ببني إسرائيل من القتل و تخريب البيت المقدس ، و ما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس . وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا ، فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلواأكثر من بني إسرائيل ، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم و تفنى الدنيا إلا يأجوج و مأجوج ، و أما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه و يهلك من خالفه ، و هؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء و الرجال و الأطفال وشقوا بطون الحوامل و قتلوا الأجنة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي استطار شررها ، وعم ضررها ، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح .
فإن قوماً خرجوامن أطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر وبلاساغون ثم منهم إلى بلاد ما وراء النهر مثل سمرقند و بخارا و غيرهما فيملكونها و يفعلون بأهلها ما نذكره ، ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان فيفرغون منها ملكاًو تخريباً و قتلاً و نهباً ، ثم يتجاوزونها إلى الريّ و همذان وبلد الجبل و ما فيه من البلاد إلى حد العراق ، ثم بلاد أذريبجان و أرانية و يخربونها و يقتلون أكثر أهلها ، ولم ينج إلا الشريد النادر في أقل من سنة ، هذا مالم يسمع بمثله ، ثم لما فرغوا من أذربيجان و أرانية ساروا إلى دربند شروان فملكوا مدتهولم يسلم غير القلعة التي بها ملكهم ، وعبروا عندهم إلى بلد اللان و اللكز و من في ذلك الصقع من الأمم المختلفة فأوسعوهم قتلاً ونهباً و تخريباً ، ثم قصدوا بلاد قفجاق وهم من أكثر الترك عدداً فقتلوا كل من وقف لهم فهرب الباقون إلى الغياض ورؤوس الجبال و فارقوا بلادهم و استولى هؤلاء التتر عليها ، فعلوا هذا في أسرع زمان لم يلبثوا إلا بمقدار مسيرهم لا غير ، ومضى طائفة أخرى غير هذه الطائفة إلى غزنة و أعمالهم و ما يجاورها من بلاد الهند و سجستان وكرمان ففعلوا فيها مثل فعل هؤلاء و أشد .
هذا مالم يطرق الأسماع مثله ، فإن الإسكندر الذي اتفق المؤرخون على إنه ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة إنما ملكها في نحو عشر سنين ، ولم يقتل أحداً إنما رضي من الناس بالطاعة ، وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض و أحسنه و أكثرة عمارة وأهلاً و أعدل أهل الأرض أخلاقاً و سيرة في نحو سنة ، ولم يبت أحد من البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائف يتوقعهم و يترقب وصولهم إليه ، ثم إنهم لا يحتاجون إلى ميرة و مدد يأتيهم فإنهم معهم الأغنام و البقر و الخيل و غير ذلك من الدواب يأكلون لحومها لا غير، و أما دوابهم التي يركبونها فإنها تحفر الأرض بحوافرها ، و تأكل عروق النبات ،لا تعرف الشعير ، فهم إذا نزلوا منزلاً لا يحتاجون إلى شيء من خارج ، و أما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها ، ولا يحرمون شيئاً فإنهم يأكلون جميع الدواب حتى الكلاب و الخنازير و غيرها ، و لا يعرفون نكاحاً بل المرأة يأتيها غير واحد من الرجال ، فإذا جاء الولد لا يعرف أباه .
ولقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم ، منها هؤلاء التتر قبحهم الله ، أقبلوا من المشرق ففعلوا الأفعال التي يستعظمها كل من سمع بها ، نسأل الله أن ييسر للإسلام و المسلمين نصراً من عنده ، فإن الناصر و المعين و الذاب عن الإسلام معدوم ( و إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) ، فإن هؤلاء التتر إنما استقام لهم هذا الأمر لعدم المانع ، و سبب عدمه أن خوارزمشاه محمداً كان قد استولى على البلاد وقتل ملوكها و أفناهم و بقي هو وحده سلطان البلاد جميعها ، فلما انهزم منهم لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميها ( ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ).
ا لكامل في التاريخ ( 9 / 329 )
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-08-07, 03:33
(عنوان كيف دخل التتر بلاد المسلمين [02] : سبب خروجهم إلى ديار الإسلام)
(خروج التتر إلى تركستان وما وراء النهر وما فعلوه ):
في سنة 617 ظهر التتر إلى بلاد الاسلام ، وهم نوع كثير من الترك ، ومساكنهم جبال طمغاج من نحو الصين ، وبينهم وبين بلاد الإسلام مايزيد على ستة أشهر .
وكان السبب في ظهورهم أن ملكهم ويسمى بجنكز خان المعروف بتموجين كان قد فارق بلاده وسار إلى نواحي تركستان وسير جماعة من التجار والاتراك ومعهم شيء كثير من النقرة و القندر وغيرهم إلى بلاد ما وراء النهر سمر قند وبخارا ليشتروا له ثياباً للسكوة ، فوصلوا إلى مدينة من بلاد الترك تسمى أوترار وهي آخر ولاية خوارزمشاه يعلمه بوصولهم ويذكر له ما معهم من الأموال ، فبعث إليه خوارزمشاه يأمر بقتلهم و أخذ ما معهم من الأموال و إنفاذه إليه ، فقتلهم و سير ما معهم وكان شيئاً كثيراً ، فلما وصل إلى خوارزمشاه فرقه على تجار بخارا وسمرقند و أخذ ثمنه منهم ، فلما قتل نائب خوارزمشاه أصحاب جنكز خان أرسل جواسيس إلى جنكز خان لينظر ماهو وكم مقدار ما معه من اليزك وما يريد أن يعمل ، فمضى الجواسيس وسلكوا المفازة و الجبال التي على طريقهم حتى وصلوا إليه ، فعادوا بعد مدة طويلة و أخبروه بكثرة عددهم ، و أنهم يخرجون عن الإحصاء ، و أنهم من أصبر خلق الله على القتال ، لا يعرفون هزيمة ، و أنهم يعملون ما يحتاجون إليه من السلاح بأيديهم ، فندم خوارزمشاه على قتل أصحابهم و أخذ أموالهم .
فبينما الأتراك كذلك إذ ورد رسول من هذا اللعين جنكز خان معه جماعة يتهدد خوارزمشاه و يقول : تقتلون أصحابي و تأخذون أموالهم ، استعدوا للحرب ، فإني واصل إليكم بجمع لا قبل لكم به ، فلما سمعها خوارزمشاه أمر بقتل رسوله فقتل و أمر بحلق لحى الجماعة الذين كانوا معه ، و أعادهم إلى صاحبهم جنكز خان يخبرونه بما فعل بالرسول و يقولون له : إن خوازمشاه يقول لك : أنا سائر إليك ولو أنك في آخر الدنيا حتى أنتقم و أفعل بك كما فعلت بأصحابك ، و تجهز خوازمشاه وسار بعد الرسول مبادراً ليسبق خبره و يكبسهم فمضى وقطع مسيرة أربعة أشهر فوصل إلى بيوتهم فلم ير فيها إلا النساء و الصبيان و الأطفال فأوقع بهم و غنم الجميع و سبى النساء و الذرية ، وكان سبب غيبة الكفار عن بيوتهم أنهم ساروا إلى محاربة ملك من ملوك الترك يقال له كشلوخان فقاتلوه وهزموه وغنموا أمواله و عادوا فلقيهم في الطريق الخبر بما فعل خوارزمشاه بمخلفيهم ، فجدوا السير ، فأدركوه قبل أن يخرج عن بيوتهم و تصافوا للحرب و اقتتلوا قتالاً لم يسمع بمثله فبقوا في الحرب ثلاثة أيام بلياليها فقتل من الطائفتين مالا يعد ولم ينهزم أحد منهم ، و استنفد الظائفتان وسعهم في الصبر و القتال ، هذا القتال جميعه مع ابن جنكز خان ، ولم يحضر أبوه الوقعه ولم يشعر بها ، فأحصي من قتل من المسلمين في هذه الواقعة فكانوا عشرين ألفاً، و أما من الكفار فلا يحصى من قتل منهم ، فلما كان الليلة الرابعة افترقوا ، ورجع المسلمون إلى بخارا فاستعد للحصار لعلمه بعجزه لأن طائفة من عسكره لم يقدر خوازمشاه على أن يظفر بهم فكيف إذا جاؤا جميعهم مع ملكهم ، فأمر أهل بخارا وسمر قند بالاستعداد للحصار و جمع الذخائر للامتناع ، وجعل في بخارا عشرين ألف فارس من العسكر يحمونها و في سمرقند خمسين ألفاًوقال لهم : احفظوا البلد حتى أعود إلى خوارزم وخراسان ، وأجمع العساكر ، و أستنجد بالمسلمين و أعود إليكم .
فلما فرغ من ذلك رحل عائداً إلى خراسان فعبر جيحون و نزل بالقرب من بلخ فعسكر هناك ، وأماالكفار فإنهم رحلوا بعد أن استعدوا يطلبون ماواء النهر فوصلوا إلى بخارا بعد خمسة أشهر من وصول خوارزمشاه وحصروها وقاتلوها ثلاثة أيام قتالاً شديداً متتابعاً فلم يكن للعسكر الخوارزمي بهم قوة ، ففارقوا البلد عائدين إلى خراسان ، فلما أصبح أهل البلد و ليس عندهم من العسكر أحد ضعفت نفوسهم فأرسلوا القاضي وهو بدر الدين قاضيخان ليطلب الأمان للناس فأعطوهم الأمان ، وكان قد بقي من العسكر طائفة لم يمكنهم الهرب مع أصحابهم فاعتصموا بالقلعة ، فلما أجابهم جنكز خان إلى الأمان فتحت أبواب المدينة يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة من سنة ست عشرة وستمائة فدخل الكفار بخارا ولم يتعرضوا إلى أحد بل قالوا لهم : كل ماهو للسلطان عندكم من ذخيرة أو غيره أخرجوه إلينا وساعدونا على قتال من بالقلعة ، و أظهروا عندهم العدل و حسن السيرة ، ودخل جنكز خان بنفسه ، و أحاط بالقلعة ونادى في البلد بأن لا يتخلف أحد ، و من تخلف قتل ، فحضروا جميعهم فأمرهم بطم الخندق فطموه بالأخشاب و التراب و غير ذلك ، حتى إن الكفار كانوا يأخذون المنابر و ربعات القرآن فيلقونها في الخندق ، ثم تابعوا الزحف إلى القلعة و بها نحو أربعمائة فارس من المسلمين فبذلوا جهدهم ومنعوا القلعة اثني عشر يوماً يقاتلون جمع الكفار و أهل البلد فقتل بعضهم ، ولم يزالوا كذلك حتى زحفوا إليهم ، ووصل النقابون إلى سور القلعة فنقبوه ، و اشتد حينئذ القتال و قد تعب من بالقلعة و نصبوا ، وجاءهم مالا قبل لهم به فقهرهم الكفار ، و دخلوا القلعة ، وقاتلهم المسلمون الذين فيها حتى قتلوا عن آخرهم ، ودخل الكفار البلد فنهبوه و قتلوا من وجدوا فيه ، و أحاط بالمسلمين ، فأمر أصحابه أن يقتسموهم فاقتسموهم ، وكان يوماً عظيماً من كثرة البكاء من الرجال و النساء و الولدان ، و تفرقوا أيدي سبأ ، و تمزقوا كل ممزق ، و اقتسموا النساء أيضاً ، و أصبحت بخارا خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس ، و ارتكبوا من النساء العظيم ، و الناس ينظرون و يبكون ، ولا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم شيئاً مما نزل بهم ، فمنعهم من لم يرض بذلك و اختار الموت على ذلك فقاتل حتى قتل ، ومن استسلم أخذ أسيراً ، و ألقوا النار في البلد و المدارس و المساجد ، و عذبوا الناس بأنواع العذاب .
ثم رحلوا نحو سمرقند ، وقد تحققوا عجز خوارزمشاه عنهم ، وهم بمكانة بين ترمذ و بلخ ، و استصحبوا معهم من سلم من أهل بخارا أسارى فساروا بهم مشاة على أقبح صورة ، فكل من أعيا و عجز عن المشيء قتل ، فلما قاربوا سمرقند خرج إليهم شجعان أهله و أهل الجلد و القوة رجالة ، ولم يخرج معهم من العسكر الخوارزميّ أحد لما في قلوبهم من خوف هؤلاء الملاعين ، فقاتلهم الرجالة بظاهر البلد فلم يزل التتر يتأخرون و أهل البلد يتبعوهم و يطمعون فيهم ، وكان الكفار قد كمنوا لهم كميناً ، فلما جاوزوا الكمين خرجوا عليهم وحالوا بينهم وبين البلد ، ورجع الباقون الذين أنشبوا القتال أولاً فبقوا في الوسط و أخذهم السيف من كل جانب ، فلم يسلم منهم أحد ، قتلوا عن آخرهم شهداء رضي الله عنهم ، وكانوا سبعين ألفاً على ماقيل ، فلما رأى الباقون من الجند و العامة ذلك ضعفت نفوسهم ، و أيقنوا بالهلاك فقال الجند وكانوا أتراكاً : نحن من جنس هؤلاء ولا يقتلون فطلبوا الأمان فأجابوهم إلى ذلك ، ففتحوا أبواب البلد ، ولم يقدر العامة على منعهم ، وخرجوا إلى الكفار بأهلهم و أموالهم فقال لهم الكفار : ادفعوا إلينا سلاحكم و أموالكم و دوابكم و نحن نسيركم إلى مأمنكم ، ففعلوا ذلك ، فلما أخذوا أسلحتهم ودوابهم وضعوا السيف فيهم وقتلوهم عن آخرهم ، وأخذوا أموالهم ودوابهم و نساءهم ، فلما كان اليوم الرابع نادوا في البلد أن يخرج أهله جميعهم ومن تأخر قتلوه ، فخرج جميع الرجال و النساء و الصبيان ، ففعلوا مع أهل بخارا من النهب و القتل و السبي و الفساد ، ودخلوا البلد فنهبوا ما فيه ، و أحرقوا الجامع ، وتركوا باقي البلد على حاله ، و افتضوا الأبكار ، و عذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال ، وقتلوا من لم يصلح للسبي ، و كان ذلك في محرم سنة سبع عشرة وستمائة ، وكان خوارزمشاه بمنزلته كلما اجتمع إليه عسكر سيره إلى سمرقند فيرجعون ولا يقدمون على الوصول إليها.
( ذكر مسير التتر إلى خوارزمشاه و انهزامه وموته):
لما ملك الكفار سمرقند عمد جنكز خان ، لعنه الله ، وسير عشرين ألف فارس ، وقال لهم : اطلبوا خوارزمشاه أين كان ولو تعلق بالسماء حتى تدركوه و تأخذوه ، فلما أمرهم جنكز خان بالمسير ساروا وقصدوا موضعاً يسمى فنج أب ومعناه خمس مياه ، فوصلوا إليه فلم يجدوا هناك سفينة ، فعملوا من الخشب مثل الأحواض الكبار ، كلهم دفعة واحدة ، فلم يشعر خوارزمشاه إلا وقد صاروا معه على أرض واحده ، وكان المسلمون قد ملئوا منهم رعباً وخوفاً ، و قد اختلفوا فيما بينهم ، أنهم كانوا يتماسكون بسبب إن نهر جيحون بينهم ، فلما عبروه إليهم لم يقدروا على الثبات ولا على المسير مجتمعين ، بل تفرقوا أيدى سبأ ، وطلب كل طائفة منهم جهة ، ورحل خوارزمشاه لا يلوي على شيء في نفر من خاصته وقصدوا نيسابور ، فلما دخلها اجتمع عليه بعض العسكر فلم يستقر حتى وصل أولئك التتر إليها ، و كانوا لم يتعرضوا في مسيرهم لشيء لا بنهب ولا قتل بل يجدون السير في طلبه لا يمهلون حتى يجمع لهم ، فلما سمع بقربهم منه رحل إلى مازندران وهي له أيضاً فرحل التتر في أثره ، ولم يعرجوا على نيسابور بل تبعوه ، فكان كلما رحل عن منزلة نزلوها ، فوصل إلى مرسى من بحر طبرستان تعرف باب سكون وله هناك قلعة في البحر ، فلما نزل هو و أصحابه في السفن وصلت التتر ، فلما رأوا خوارزمشاه وقد دخل البحر وقفوا على ساحل البحر ، فلما أيسوا من لحاق خوارزمشاه رجعوا ، فهم الذين قصدوا الري وما بعدها ثم منها إلى همذان ، و التتر أثره ، ففارق همذان في نفر يسير ليستر نفسه و يكتم خبره ، وعاد إلى مازندان وركب في البحر إلى هذه القلعة ، ولما وصل خوارزمشاه إلى هذه القلعة المذكورة توفي فيها .
الكامل في التاريخ ، لابن الأثير (9/330- 334)
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-08-07, 03:34
(عنوان كيف دخل التتر بلاد المسلمين [03] : سقوط بغداد)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى : ( استهلت سنة 656، وجنود التتار قد نازلت بغداد صحبة الأميرين اللذين على مقدمة عساكر سلطان التتارهولا كوخان ، وجاءت إليهم أمداد صاحب الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه ، وكل ذلك خوفاً على نفسه من التتار ، ومصانعة لهم قبحهم الله تعالى.
وقد سترت بغداد ونصبت فيها المجانيق والعرادات وغيرها من آلات الممانعة التي لا ترد من قدر الله سبحانه وتعالى شيئاً ، كما ورد في الأثر : ( لن يغني حذر عن قدر )، وكما قال تعالى : ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) ، وقال تعالى http://www.sahab.net/ipb/public/style_emoticons/default/sad.gif إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) .
وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه ، وكانت من جملة حظاياه ، وكانت مولدة تسمى عرفة ، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة ، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً ، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب : إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم ، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز ، وكثرت الستائر على دار الخلافة.
وكان قدوم هولاكو بجنوده كلها - وكانوا نحو مائتي ألف مقاتل – إلى بغداد في ثاني عشر المحرم من هذه السنة ، وهو شديد الحنق على الخليفة بسبب ماكان تقدم من الأمر الذي قدره الله وأنفذه وأمضاه، وهو أن هولاكو لما كان أول بروزه من همدان متوجهاً إلى العراق أشار الوزير مؤيد الدين العلقمي على الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سنية ليكون ذلك مداراة عما يريده من قصد بلادهم فخذل الخليفة عن ذلك دويداره الصغير أيبك وغيره ، وقالوا : إن الوزيرإنما يريد مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الأموال ، و أشاروا بأن يبعث بشيء يسير، فأرسل شيئاً من الهدايا فاحتقرها هولاكو ، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه دويداره المذكور ، وسليمان شاه، فلم يبعثهما إليه ولابالا به حتى أزف قدومه .
ووصل بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ، ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية ، وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة ،لايبلغون عشرة آلاف فارس ،وهم بقية الجيش ، كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد ، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله ، وذلك كله عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي ، وذلك أنه لما كان في السنة الماضية كان بين أهل السنة والرافضة حرب عظيمة نهبت فيها الكرخ ومحلة الرافضة حتى نهبت دور قرابات الوزير ، فاشتد حنقه على ذلك ، فكان هذا مما أهاجه على أن دبر على الإسلام وأهله ماوقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات .
ولهذا كان أول من برز إلى التتار هو فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه فاجتمع بالسلطان هولاكو لعنه الله ، ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصف للخليفة، فاحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورؤس الأمراء والدولة والأعيان ، فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكو حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفساً، فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين ، وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم ، وأحضر الخليفة بين يدي هولاكو فسأله عن أشياء كثيرة فيقال : إنه اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت ، ثم عاد الخليفة إلى بغداد وفي صحبته خوجه نصير الدين الطوسي والوزير العلقمي وغيرهما ، والخليفة تحت الحوطة و المصادرة ، فأحضر من دار الخلافة شيئاً كثيراً من الذهب والحلي والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة ، وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة ، وقال الوزير : متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا عاماً أو عامين ثم يعود الأمر إلى ماكان عليه قبل ذلك، وحسنوا له قتل الخليفة ، فلما عاد من الخليفة إلى هولاكو أمر بقتله، ويقال : إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الدين الطوسي ، وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت وانتزعها من أيدي الإسماعيلية ، وكان النصير وزيراً لشمس الشموس ولأبيه من قبل علاء الدين بن جلال الدين ، وانتخب هولاكو النصير ليكون في خدمته كالوزير المشير، فلما قدم هولاكو وتهيب من قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك فقتلوه رفساً وهو في جوا لق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه ، خافوا أن يؤخذ بثأره فيما قيل لهم ، وقيل : بل خنق ، ويقال :بل أغرق فالله أعلم ، فباؤا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحل والعقد ببلاده .
فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان ، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش ، وكمنوا أياماً لا يظهرون ، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة ، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي وطائفة من التجار أخذوا لهم أماناً بذلوا عليه أموالاً جزيلة حتى سلموا وسلمت لهم أموالهم .
وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس وهم في خوف وجوع وذلة وقلة ، وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريباً من مائة ألف منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف ، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد ، وسهل عليهم ذلك ، وحكى لهم حقيقة الحال ، وكشف لهم ضعف الرجال؛ وذلك كله طمعاً منه أن يزيل السنّة بالكلية ، وأن يظهر البدعة الرافضة ، وأن يقيم خليفة من الفاطميين ، وأن يبيد العلماء والمفتين ، والله غالب على أمره .
وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة ، فقيل : ثمانمائة ألف ، وقيل: ألف ألف وثمانمائة ألف ، وقيل : بلغت القتلى ألفي ألف نفس ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .
وكان دخولهم إلى بغداد في أوائل المحرم ، ومازال السيف يقتل أهلها أربعين يوماً ، وقتل مع الخليفة ولده الأكبر أبو العباس أحمد ، ثم قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن ، وأسر ولده الأصغر مبارك ، وأسرت أخواته الثلاث : فاطمة وخديجة ومريم ، وأسر من دار الخلافة ما يقارب ألف بكر فيما قيل ، والله أعلم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.وقتل أكابر الدولة واحداً بعد واحد وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد.
وكان الرجل يستدعى به من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال ، فيذبح كما تذبح الشاه ، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه ، وقتل الشيوخ والخطباء والأئمة وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد ، وأراد الوزيرابن العلقمي قبحه الله ولعنه أن يعطل المساجد والمدارس والربط ببغداد ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض ، وأن يبنى للرافضة مدرسة هائلة ينشرون علمهم وعَلَمهم بها وعليها ، فلم يقدره الله تعالى على ذلك ، بل أزال نعمته عنه وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة، وأتبعه بولده فاجتمعا - والله أعلم- بالدرك الأسفل من النار .
ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوماً بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس ، والقتلى في الطرقات كأنها التلول ، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد، وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام ، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمناطير والقِنىَ والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم ، وقد أنكر بعضهم بعضاً فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه ، وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى، واجتمعوا تحت الثرى بأمر من يعلم السر وأخفى .
وكان رحيل السلطان المسلط هولاكو عن بغداد في جمادى الأولى من هذه السنة إلى مقر ملكه وفوض أمر بغداد إلى الأمير علي بهادر، فوض إ ليه الرئاسة بها وإلى الوزير ابن العلقمي فلم يمهله الله ولاأهمله ، بل أخذه أحذ عزيز مقتدر ، في مستهل جمادى الآخرة عن ثلاث وستين سنة ، وكان شيعياً جلداً رافضياً خبيثاً، فمات جهداً وغماً وحزناً وندماً ) .
المصدر : البداية والنهاية (13 /200-203 )
أبو عبد الرحمن الجزائري
2012-08-07, 10:06
جزاكم الله خيرا
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-08-07, 10:37
بارك الله فيك
نبض قلبك
2012-08-09, 12:10
جزاك الله خيرا (http://djelfa.info/vb/showthread.php?p=11127162#post11127162)
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-08-11, 19:24
جوزيت خيرا اختاه
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-08-12, 17:45
بارك الله فيك
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
2012-08-15, 20:55
يألله حتى في مواضيع أخرى تعارضون
amlamdja
2012-08-26, 18:56
بارك الله فيك
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir