جرح أليم
2012-08-06, 17:33
بسم الله الرحمن الرحيم
يا مسلم! هذا حكم (قتل الأسير) في شريعتك
فتبا لمعاهدة جنيف!
لم أزل منذ فترة طويلة أحدث نفسي بأهمية التنبيه على هذا الحكم من أحكام شريعتنا الغراء المُحكمة ألا وهو حكم (قتل الأسير)، وسبب هذه الرغبة المتزايدة في نفسي كثرة ما يتردد في وسائل الإعلام بين حين وآخر، ومناسبة وأخرى من معارضة ومصادمة لحكم الله في هذه القضية، بل زاد الأمر حين فاح تبجح مَن يُسمون بالمبشرين -وصدقوا لكن بالنار لمن اتبعهم- بتصوير هذا الحكم على أنّه من المستشنعات والرذائل، وانتهاك حقوق النفس الإنسانية، حتى تسابق العالم بقيادة دول الكفر –الـمُحكِّمة لزبالات الأذهان- إلى إقامة المعاهدات الدولية لتجريم هذا الفعل، ووصمه بكل قبيح ودنيء ، وكأن القوم أصحاب عهود ومواثيق، بل لكأنّ القوم أصحاب مبادئ وأخلاق، وما الأمر إلا قاعدتهم الميكافيلية الغاية تبرر الوسيلة.
وعلى أية حال:
- لعل بعضهم أراد وضع نيشانا يظهر الوداعة والبراءة على صدره المليء بدماء المسلمين وغيرهم من المظلومين والمقهورين.
- أولعلهم أرادوا تهدئة ضمائرهم القلقة بعد تلك الحروب العالمية بهذه المعاهدات التى مع بطلانها لا تلقى طريقها إلى التنفيذ إلا حيثما شاءوا وأرادوا.
- بل لعلها وسيلة ووليجة تتيح للدول المتسلطة على العالم معاقبة ومحاكمة مَن خرج عن مخططاتها وأهدافها.
وإلا فكم عدد القتلى في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان ... بل كم أعداد الهلكى والمشردين في ( بورما – أركان ) منذ عقود تطاولت، ومع هذا لم نسمع لهذه الغيرة على الإنسانية صوتا ولا نفسا، وإنما هي المصالح تحركهم، وإلا فهل دم الإنسان في ليبيا يختلف عن دم الإنسان في بورما وسوريا بل مئات الآلاف في الصومال ودول القرن الأفريقي التي تعاني المجاعات الحادة!! ، فما الفرق بين كل هؤلاء على مذهبهم (الإنساني)؟!! الذي لا يفرق بين البشر بالنظر إلى (عِرق) أو(دين) أو(لغة) أو(بشرة) أو (جنس)..الخ؟
الجواب : لا فرق! سوى مصالحهم وأهواءهم التي تتجارى بهم .
لا أريد الخروج عن هدف المشاركة فلذا أقول :
إنّ شريعة (قتل الأسير) أخذت حظها من التجريم والمحاربة من قبل أعداء الإسلام بعد الحرب العالمية الثانية حيث استشرت ظاهرة قتل الأسرى بأعداد كبيرة كانت تصل أحيانا لعشرات الآلاف دفعة واحدة، سواء بالقتل المباشر أو بتعريضهم للصقيع أو الحر الشديد أو الجوع ، ولذا فبعد الحرب العالمية الثانية انتشرت الدعوة لهذه الاتفاقية وتم الاتفاق عليها بتأريخ 12 آب/أغسطس 1949م، ثم بدأ العمل بها 21 تشرين الأول/أكتوبر 1950م، وأقتطف بداية وقبل الشروع بعض نصوص هذه الاتفاقية :
أولا مَن هم أسرى الحرب بالنظر لهذه الاتفاقية:
(أ) أسرى الحرب بالمعني المقصود في هذه الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو:
1. أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات المسلحة.
2. أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلا، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه المليشيات أو الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:
(أ) أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه،
(ب) أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد،
(ج) أن تحمل الأسلحة جهرا،
(د) أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
3. أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.
4. الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءا منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها.
5. أفراد الأطقم الملاحية، بمن فيهم القادة والملاحون ومساعدوهم في السفن التجارية وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع، الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخرى من القانون الدولي.
6. سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهرا وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها.
ما هي حقوقهم بحسب الاتفاقية:
المادة 13
يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات. ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكا جسيما لهذه الاتفاقية. وعلى الأخص، لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني ...وبالمثل، يحب حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات، وعلى الأخص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير.
وتحظر تدابير الاقتصاص من أسرى الحرب.
المادة 14
لأسرى الحرب حق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال... يحتفظ أسرى الحرب بكامل أهليتهم المدنية التي كانت لهم عند وقوعهم في الأسر. ولا يجوز للدولة الحاجزة تقييد ممارسة الحقوق التي تكفلها هذه الأهلية، سواء في إقليمها أو خارجه إلا بالقدر الذي يقتضيه الأسر.
المادة 15
تتكفل الدولة التي تحتجز أسرى حرب بإعاشتهم دون مقابل وبتقديم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية مجانا.
المادة 16
مع مراعاة أحكام هذه الاتفاقية فيما يتعلق برتب الأسرى وجنسهم، ورهنا بأية معاملة مميزة يمكن أن تمنح لهم بسبب حالتهم الصحية أو أعمارهم أو مؤهلاتهم المهنية، يتعين على الدولة الحاجزة أن تعاملهم جميعا على قدم المساواة، دون أي تمييز ضار على أساس العنصر، أو الجنسية، أو الدين، أو الآراء السياسية، أو أي معايير مماثلة أخرى.
المادة 17
...
ولا يجوز ممارسة أي تعذيب بدني أو معنوي أو أي إكراه على أسرى الحرب لاستخلاص معلومات منهم من أي نوع. ولا يجوز تهديد أسرى الحرب الذين يرفضون الإجابة أو سبهم أو تعريضهم لأي إزعاج أو إجحاف
المادة 18:
لا يجوز سحب النقود التي يحملها أسرى الحرب إلا بأمر يصدره ضابط وبعد تقييد المبلغ وبيان صاحبه في سجل خاص، وبعد تسليم صاحب المبلغ إيصالا مفصلا يبين فيه بخط مقروء اسم الشخص الذي يعطي الإيصال المذكور ورتبته والوحدة التي يتبعها. وتحفظ لحساب الأسير أي مبالغ تكون من نوع عملة الدولة الحاجزة أو تحول إلى هذه العملة بناء على طلب الأسير طبقا للمادة 64.
ولا يجوز للدولة الحاجزة أن تسحب من أسرى الحرب الأشياء ذات القيمة إلا لأسباب أمنية. وفي هذه الحالة تطبق الإجراءات المتبعة في حالة سحب النقود.
تحفظ في عهدة الدولة الحاجزة الأشياء والنقود التي تسحب من الأسرى بعملات مغايرة لعملة الدولة الحاجزة دون أن يطلب أصحابها استبدالها، وتسلم بشكلها الأصلي إلى الأسرى عند انتهاء أسرهم ا.هـــ إلى آخر الاتفاقية الطويلة.
أقول:
كل ما ميزته (باللون الأحمر) في المواد السابقة ففيه مخالفة للشريعة الإسلامية ، سواء شريعة أخذ الغنائم ، أو جواز قتل الأسير ، أو جواز ترهيب الأسير لاستخلاص المعلومات كما هدد علي –رضي الله عنه-المرأة التي كانت تحمل الرسالة إلى مشركي مكة، ومخالفات أخرى، وكل هذا ولم أتجاوز المادة الثامنة عشرة ، وعدد مواد الاتفاقية يبلغ مائة وثلاث وأربعين مادة، فضلا عن ثلاث ملحقات مليئة بمثل هذا الباطل، ولكن لن أتطرق في هذه المشاركة إلا لبيان مسألة قتل الأسير لأنها تلاقي من التشنيع الحظ الأكبر، فأقول مستعينا بالله عز وجل:
يقول الله عز وجل :
((مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (6) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)))
قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري:
يقول تعالى ذكره: ما كان لنبي أن يحتبس كافرا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمن.
و"الأسر" في كلام العرب: الحبس، يقال منه: "مأسور"، يراد به: محبوس. ومسموع منهم: "أباله الله أسرا". (1)
وإنما قال الله جل ثناؤه [ذلك] لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، يعرفه أن قتل المشركين الذين أسرهم -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر ثم فادى بهم، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم. ا.هــ
وقال سبحانه ((فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)) وقال تعالى ((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)) وقال عز وجل ((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ))
فهذه الآيات لم تفرق بين حال وحال بل هي عامة لكل حال وموضع، ويستثنى ما أتت به النصوص الأخرى من النساء والصبيان والشيوخ والرهبان ونحوهم، وأما المحاربون فالآية نصت على قتلهم في كل موضع.
وأما الأدلة من السنة فكثيرة:
* جاء في ذكر حادثة أسرى بدر : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟»
قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمِ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ- شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] إِلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] فَأَحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ
* وجاء في حادثة بني قريظة : : لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»فَجَاءَ، فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، قَالَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ المَلِكِ» أخرجه البخاري ومسلم
* وجاء حادثة فتح مكة : عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ»
أخرجه البخاري وبوب عليه: بَابُ قَتْلِ الأَسِيرِ، وَقَتْلِ الصَّبْرِ ، وبوب عليه من حديث جابر-رضي الله عنه-: بَابُ الفَتْكِ بِأَهْلِ الحَرْبِ
والحوادث في السيرة كثيرة كلها تدل على جواز قتل الأسير ، قال الإمام الشوكاني في الدراري:
وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القتل للأساريوأخذ الفداء منهم والمن عليهم ثبوتا متواترافي وقائع ففي يوم بدر قتل بعضهم وأخد الفداء من غالبهم ا.هـ
الإجماع:
نقل بعضهم الإجماع على جواز قتل الأسير ، فقال ابن تيمية –رحمه الله-:
أما قتل الأسير و استرقاقه فما أعلم فيه خلافا لكن قد اختلف العلماء في المن عليه و المفاداة هل هو باق أو منسوخ ؟ على ما هو معروف في مواضعه و هذا لأنه إذا نقض العهد عاد كما كان و الحربي الذي لا عهد له إذا قدر عليه جاز قتله و استرقاقه ا.هــــ [الصارم المسلول]
وهذا الإجماع يظهر أنه لا يتم فقد روي عن الحسن وعطاء الخلاف إلا أن يُحمل كلامهم في كراهة قتل الأسير على التنزيه وترك الأفضل والأولى، وربما يُحمل على قتل الأسير في غير الحرب فقد ذكر المحاسبي في "فهم القرآن" ما نصه:
حدثنا مبشر عن صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله الحرازي أن الأسير كان معه فلم يقتله وأبو سفيان عن معمر عن الحسن قال لا يقتل الأسير إلا في الحرب ا.هــ
وقد ادعى الحسن بن محمد التميمي إجماع الصحابة على عدم جواز قتله؟!! كما في "بداية المجتهد" لابن رشد وهذا من أعجب الإجماعات التي مرت بي !
وأما أقوال العلماء في هذه المسألة فكثيرة جدًا وفيها تفصيلات وتفريعات ، وكثرة هذه النقول بسبب اهتمام القرآن الكريم وتنصيصه على هذا الحكم الشرعي ، ثم بسبب لصوق هذا الحكم الشرعي بفريضة الجهاد التي كان السلف يعايشونها في حياتهم ، وقاموا بها خير قيام ، وما زال الأمر كذلك حتى في العصور المتأخرة فما كانت تخلو تلك العصور من جهاد للكفار، ومن آخرها حروب الدولة السعودية بحقبها الثلاث، فحاربت أعداء التوحيد وأنصار الشرك.
فإذا عرفت أخي المسلم حكم الله في (قتل الأسير) فهنا تتمات وفوائد مهمة:
- اختلف العلماء هل يُلزم الإمام بقتل الأسرى؟ أم له المنّ والفداء ؟ أم ليس له المن والفداء إلا بعد الإثخان؟ خلافٌ ، فمنهم من ذهب إلى أنّ قوله تعالى : (( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)) منسوخ بآية القتل، ومنهم من رجح عدم النسخ ورجح القتل على ما سواه، ومنهم من عكس، والصواب:
أنّ آيات الباب محكمة ، والأمر راجع لنظر الإمام بما فيه مصلحة الدولة الإسلامية ، قال الشافعي في "الأم":
وكان له الْقَتْلُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ كما كان ذلك له في أَحْرَارِ رِجَالِهِمْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّهُ عليه وسلم- قد مَنَّ وَفَادَى وَقَتَلَ أَسْرَى الرِّجَالِ وَأَذِنَ اللَّهُ -عز وجل- بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِيهِمْ فقال فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتى اذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ا.هـ
قال الترمذي في جامعه:
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَغَيْرِهِمْ أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الأُسَارَى، وَيَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَيَفْدِي مَنْ شَاءَ ا.هـ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سلّام:
«وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْآيَاتِ جَمِيعًا مُحْكَمَاتٌ لَا مَنْسُوخَ فِيهِنَّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَاضِيَةِ فِيهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا بِالْآيَاتِ كُلِّهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا نَعْلَمُ نُسِخَ مِنْهَا شَيْءٌ...- إلى أن قال:- وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْأُسَارَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ مِنْ أَحْكَامِهِمْ شَيْءٌ وَلَكِنْ لِلْإِمَامٍ، يُخَيَّرَ فِي الذُّكُورِ وَالْمُدْرِكِينَ بَيْنَ أَرْبَعِ خِلَالٍ وَهِيَ:
1- الْقَتْلُ
2- وَالِاسْتِرْقَاقُ
3- وَالْفِدَاءُ
4- وَالْمَنُّ،
إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِذَلِكَ مَيْلٌ بِهَوًى فِي الْعَفْوِ وَلَا طَلَبُ الذَّحْلِ فِي الْعُقُوبَةِ وَلَكِنْ عَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ "» [الناسخ والمنسوخ]
وهذا كلام متين من إمام كبير ومحدث فذ.
وبهذا قال النحاس في كتابه:
القول الثالث أن الآيتين جميعا محكمتان وهو قول ابن زيد وهو صحيح جيد بيِّن لأنّ إحداهما لا تنفي الأخرى...فيكون الإمام ينظر في أمور الأسارى على ما فيه الصلاح من القتل أو المن أو الفداء وقد فعل هذا كله رسول الله في حروبه ا.هـــ
ثانيا: إنّ مناط الترجيح ما يحصل به مصلحة دولة الإسلام كما سبق من كلام أبي عبيد والنحاس، قال الحافظ في الفتح:
وقد تقدم أن الإمام يتخير متبعا ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين بين قتل الأسير أو المن عليه بفداء أو بغير فداء أو استرقاقه ا.هــ
وهذا من عظمة هذه الشريعة الحكيمة التي تنظر إلى مآلات الأمور ، فهؤلاء الأسرى قد يكونون عونًا لدولهم بعد فك أسرهم، وربما كانوا سببا لهزيمة المسلمين، فكيف يحسن بالعاقل الـمُدرك للغايات أن يقوّي أسباب هلاك دولته بيده، ولقد شاهدنا هذا في حروب الحوثيين المتتالية في قُطرنا الحبيب، فما زال العفو يصدر عنهم ثم يعودون لقتال أهل السنة والإسلام حتى صارت شوكتهم كما يرى القاصي والداني، فحاصروا أهل التوحيد واستباحوا الدماء والأعراض فالله المستعان على ما يصفون.
وقد شرع الإسلام بنحو من هذا في الخوارج فكان حكم الله فيهم بعد بيان الحق لهم ودرء شبهتم القتل والتشريد قال نبينا –عليه الصلاة والسلام-: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» وفي رواية: أَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ»
قال الحافظ في الفتح: أي قتلا لا يبقي منهم أحداإشارة إلى قوله تعالى ((فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gif )) ا.هـ
وفي مسلم بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قَتْلِ الْخَوَارِجِ : فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وبوب البخاري : باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم"
قال ابن تيمية –رحمه الله-:
وَأَمَّا قِتَالُ الْخَوَارِجِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَأَهْلِ الطَّائِفِ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا يُحَرِّمُونَ الرِّبَا فَهَؤُلَاءِ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الشَّرَائِعِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَؤُلَاءِ إذَا كَانَ لَهُمْ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ أَسِيرِهِمْ وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ وَالْإِجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ بِبِلَادِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْصِدُوهُمْ فِي بِلَادِهِمْ لِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. ا.هــ مج 28/ 551
قال علاء الدين الحنفي:
"فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ وَهَزَمَهُمْ ، فَإِنْ هَزَمَهُمْ وَلَهُمْ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إلَيْهَا فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يَتْبَعَ مُدْبِرَهُمْ وَيُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَيَقْتُلَ أَسِيرَهُمْ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّاهُمْ يَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَا.ه "معين الحكام"
فإذا تأملت هذا الحكم الشرعي وجدته قاطعا لأسباب الفتنة في المجتمع المسلم، ولعل أهل الكفر عرفوا هذا فأرادوا منع ولاة أمر المسلمين من قطع دوابر الفتن بهذه الاتفاقيات ؛ لتظل بلدان الإسلام في محن وفتن لا تنتهي، فإذا ما أقدم على منع المظاهرات والثورات والخروج وأقام الحدود، قالوا: هذا انتهاك لحقوق الإنسان، وحقوق الأسرى، وربما يصل به الأمر إلى المحاكم الدولية، ولو أنصفوا لكان زعماؤهم أولى بالضيافة في تلك السجون والمعتقلات.
ومع هذا فنقول إذا كان في الدولة ضعف لا تستطيع معه دفعهم، أو في ترك قتالهم دفع لمفسدة أعظم من بقائهم فلولي الأمر فعل ما يراه محققا للمصلحة ودافعا للمفسدة ، وهذا من حكمة هذه الشريعة التي تراعي اختلاف الأحوال ، وقد بوب البخاري "باب من ترك قتال الخوارج للتأليف ولئلا ينفر الناس عنه" ، وقد ترك علي-رضي الله عنه- قتالهم لتغلغهم في جيشه وبسبب ذا وقعت الفتنة بين الصحابة –رضوان الله عليهم- وهم بين الأجر والأجرين.
فإذا كان هذا حكم الله في الخوارج المسلمين ، فكيف بأهل الكفر والشرائع المنسوخة والمبدلة.
فائدة: كما يجوز قتل أسرى الكفار فكذلك الإجهاز على الجرحى في المعركة على خلاف تلك الاتفاقية، قال الحافظ:
وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أنّه كان مع أبيه يوم اليرموك فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم ا.هــ
وهذا سند ظاهره الصحة.
- التنبيه الثاني: أنّا وإن قلنا بجواز قتل الأسرى فلا يعني هذا ترك حسن المعاملة فقد قال الله في وصف الأبرار ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gif إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) ))
وبوب البخاري : بَابُ الكِسْوَةِ لِلْأُسَارَى " ثم قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى، وَأُتِيَ بِالعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، «فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصًا، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ لِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ ا.هـ
أي عندما هلك ابن أُبي وجاء ولده عبد الله –رضي الله عنه- يطلب من النبي-صلى الله عليه وسلم- قميصه ليكفنه به.
ثم زيادة على هذا ، فقد سبق الإشارة إلى جواز المنّ على الأسير فقال سبحانه ((فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) .
وعلى كل فليس حال الحرب كحال السلم، وإلا فهذه الشريعة قد حفظت للكفار حقوقهم كما هو معلوم في حق (الذمي، والمستأمن ، والمعاهد) حتى قال نبينا –عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
وأخيرا فبهذا ظهر لك أخي المسلم أنّ جواز قتل الأسير مُقرر بالشرع، موافق للعقل، محقق للحكمة والمصلحة، فَعُض على هذه الشريعة بالنواجذ ولا تتقهقر أمام هجمات أعداء الإسلام، واصدع بها كما صدع بها نبيك –عليه الصلاة والسلام- في جبال مكة، ولا تستحيي من أي حكم شرعي ولا تهتز فهي والله شريعة رب العالمين الحكيم العليم، وهو كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وأما شنشنة بعض أهل الصليب على عوام المسلمين من كون هذه الشريعة مليئة بالقتل والدماء، فأكتفي هنا ببعض نصوص التوراة والإنجيل -اللذين بأيدي الناس اليوم ، والذي يسمونه (الكتاب المقدس)- وقد حرفوه ودسوا فيه الكفر والعدوان ولكن لا يزال فيه بقية تشهد لها نصوص الوحي وأخرى بين بين، وفي هذه النصوص ما يُسكِت هؤلاء الصليبين ويكبتهم ، فإن هم ارتضوها وحيا فذاك، وإن قالوا مدسوسة في كتابنا المقدس فقد شهدوا ببطلان كتابهم وتحريفه، فدونك بعض هذه النقول:
جاء في سفر التثنية:
20: 10 حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح
20: 11 فإن اجابتك الى الصلح و فتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير و يستعبد لك
20: 12 وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها
20: 13 وإذا دفعها الرب الهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف
20: 14 و أما النساء و الاطفال و البهائم و كل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك و تأكل غنيمة اعدائك التي أعطاك الرب إلهك
20: 15 هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا
20: 16 و أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما ا.ه
وفي ( صموئيل الأول )
3 :11-15 :
فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً طِفْلاً وَرَضِيعاً, بَقَراً وَغَنَماً, جَمَلاً وَحِمَاراً وَأَمْسَكَ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ حَيّاً, وَحَرَّمَ جَمِيعَ الشَّعْبِ بِحَدِّ السَّيْفِ")
وفي (حزقيال 9: 6)
وَاضْرِبُوا لاَ تُشْفِقْ أَعْيُنُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا اَلشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ. اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ.)
وفي (متى 10: 34 )
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً )
( لوقا 19: 27 )
"أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي").
ونصوص أخرى كثيرة تركتها للاختصار، وفي نهاية هذا المقالة أختم بفتويين للإمامين ابن باز والعثيمين –رحمهما الله تعالى-:
قال الشيخ ابن باز:
وكذلك الأسرى إذا أسروا منهم أسرى، وولي الأمر له الخيار، إن شاء قتل الأسرى، وإن شاء أعتق الأسرى إذا رأى مصلحة في ذلك أطلقهم، وإن شاء استرقهم فجعلهم غنيمة، وإن شاء قتلهم إذا رأى مصلحة في القتل، وإن شاء يفدي بهم، إذا كان عند الكفار أسرى للمسلمين، فيأخذ من المشركين الأسرى، المسلمين، ويعطيهم أسراهم أي تبادل الأسرى، أو يأخذ منهم أموالا لفك أسراهم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقد كان عنده صلى الله عليه وسلم أسرى، قتل بعضهم، وفدى بعضهم، وكان من جملتهم النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط فقتلهما بعد انتهاء الوقعة، والبقية فدى بهم وأمر المسلمين أن يفدوا بهم، ويأخذوا الفدو من المشركين في مقابل ترك أسراهم، ومنهم من عفا عنه عليه الصلاة والسلام، فالعفو جائز لولي الأمر إذا رأى مصلحة، وجائز له القتل إذا رأى مصلحة، وجائز له الاسترقاق إذا رأى مصلحة، وجائز له الفدو. ا.هــ مجموع فتاواه 22/ 344
وقال ابن عثيمين –رحمها لله -:
س 67: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ماذا يفعل بالأسير من العدو؟
فأجاب بقوله:
يجوز أخذ فدية عن قتل الأسرى من العدو. ويجوز أيضاً أن يفدى أسير كافر بأسير من المسلمين.
ويعامل الأسرى بأمور:
الأمر الأول: أن يقتلوا صبراً.
الأمر الثاني: أن يُؤخذ فدية من المشركين برجال مسلمين.
الأمر الثالث: أن يفدوا بمنفعة، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأسرى بدر حيث أطلقهم عليه الصلاة والسلام على أن يعلِّموا أهل المدينة (1) .
الأمر الرابع: أن يفدوا بمال.
الأمر الخامس: أن يطلقوا وهو: المنّ بدليل قوله: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) .
وهذه الأمور التي ذكرنا للإمام أن يختار منها حسب المصلحة؛ لأن القاعدة الشرعية: أن منْ تصرَّف لغيره فإنه يجب عليه اتباع الأصلح في حق ذلك الغير. بخلاف من تصرف لنفسه فإنه مخيَّر تخيّر تشهّي.
مثل: خصال الكفارة في الأيمان فإنها على سبيل التشهي.
ومثل: فدية الأذى فإنها على سبيل التشهي فللمرء أن يفعل ما يشاء.
وعلى هذا نقول: إذا رأى الإمام أن يقتل الأسرى من أجل مصلحة تقوية المسلمين وإذلال الكفار فالواجب أن يقتل الأسرى، حتى لو أُعطي من المال الشيء الكثير، فإنه لا يجوز للإمام أن يقبل الفدية.
وإذا رأى الإمام أن من المصلحة أن يأخذ مقابل الأسرى فدية مال، فإنه يأخذ فدية مالية.
وإذا رأى الإمام أن من المصلحة فداء رجال من المشركين بأسرى من المسلمين فإنه يجوز.
وإذا رأى الإمام أن من المصلحة أن يمنّ على الأسرى فلا بأس.
وهذه الأمور ترجع إلى كل قضية بعينها وتسمى مثل هذه المسألة عند أهل العلم: قضايا الأعيان، وليس لها حكم عام أو لفظ عام يستدل بعمومه، وقضايا الأعيان قد يكتنفها من الأشياء ما يجعل حكمها هكذا، ولو اختلف الأمر لاختلف الحكم. ا.هــ مجموع فتاواه 25/ 384.
وإلى هنا ينتهي المراد والحمد لله رب العالمين
أقول : جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبا صهيب على ما نفعت به
يا مسلم! هذا حكم (قتل الأسير) في شريعتك
فتبا لمعاهدة جنيف!
لم أزل منذ فترة طويلة أحدث نفسي بأهمية التنبيه على هذا الحكم من أحكام شريعتنا الغراء المُحكمة ألا وهو حكم (قتل الأسير)، وسبب هذه الرغبة المتزايدة في نفسي كثرة ما يتردد في وسائل الإعلام بين حين وآخر، ومناسبة وأخرى من معارضة ومصادمة لحكم الله في هذه القضية، بل زاد الأمر حين فاح تبجح مَن يُسمون بالمبشرين -وصدقوا لكن بالنار لمن اتبعهم- بتصوير هذا الحكم على أنّه من المستشنعات والرذائل، وانتهاك حقوق النفس الإنسانية، حتى تسابق العالم بقيادة دول الكفر –الـمُحكِّمة لزبالات الأذهان- إلى إقامة المعاهدات الدولية لتجريم هذا الفعل، ووصمه بكل قبيح ودنيء ، وكأن القوم أصحاب عهود ومواثيق، بل لكأنّ القوم أصحاب مبادئ وأخلاق، وما الأمر إلا قاعدتهم الميكافيلية الغاية تبرر الوسيلة.
وعلى أية حال:
- لعل بعضهم أراد وضع نيشانا يظهر الوداعة والبراءة على صدره المليء بدماء المسلمين وغيرهم من المظلومين والمقهورين.
- أولعلهم أرادوا تهدئة ضمائرهم القلقة بعد تلك الحروب العالمية بهذه المعاهدات التى مع بطلانها لا تلقى طريقها إلى التنفيذ إلا حيثما شاءوا وأرادوا.
- بل لعلها وسيلة ووليجة تتيح للدول المتسلطة على العالم معاقبة ومحاكمة مَن خرج عن مخططاتها وأهدافها.
وإلا فكم عدد القتلى في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان ... بل كم أعداد الهلكى والمشردين في ( بورما – أركان ) منذ عقود تطاولت، ومع هذا لم نسمع لهذه الغيرة على الإنسانية صوتا ولا نفسا، وإنما هي المصالح تحركهم، وإلا فهل دم الإنسان في ليبيا يختلف عن دم الإنسان في بورما وسوريا بل مئات الآلاف في الصومال ودول القرن الأفريقي التي تعاني المجاعات الحادة!! ، فما الفرق بين كل هؤلاء على مذهبهم (الإنساني)؟!! الذي لا يفرق بين البشر بالنظر إلى (عِرق) أو(دين) أو(لغة) أو(بشرة) أو (جنس)..الخ؟
الجواب : لا فرق! سوى مصالحهم وأهواءهم التي تتجارى بهم .
لا أريد الخروج عن هدف المشاركة فلذا أقول :
إنّ شريعة (قتل الأسير) أخذت حظها من التجريم والمحاربة من قبل أعداء الإسلام بعد الحرب العالمية الثانية حيث استشرت ظاهرة قتل الأسرى بأعداد كبيرة كانت تصل أحيانا لعشرات الآلاف دفعة واحدة، سواء بالقتل المباشر أو بتعريضهم للصقيع أو الحر الشديد أو الجوع ، ولذا فبعد الحرب العالمية الثانية انتشرت الدعوة لهذه الاتفاقية وتم الاتفاق عليها بتأريخ 12 آب/أغسطس 1949م، ثم بدأ العمل بها 21 تشرين الأول/أكتوبر 1950م، وأقتطف بداية وقبل الشروع بعض نصوص هذه الاتفاقية :
أولا مَن هم أسرى الحرب بالنظر لهذه الاتفاقية:
(أ) أسرى الحرب بالمعني المقصود في هذه الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو:
1. أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات المسلحة.
2. أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلا، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه المليشيات أو الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:
(أ) أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه،
(ب) أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد،
(ج) أن تحمل الأسلحة جهرا،
(د) أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
3. أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.
4. الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءا منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها.
5. أفراد الأطقم الملاحية، بمن فيهم القادة والملاحون ومساعدوهم في السفن التجارية وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع، الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخرى من القانون الدولي.
6. سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهرا وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها.
ما هي حقوقهم بحسب الاتفاقية:
المادة 13
يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات. ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكا جسيما لهذه الاتفاقية. وعلى الأخص، لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني ...وبالمثل، يحب حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات، وعلى الأخص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير.
وتحظر تدابير الاقتصاص من أسرى الحرب.
المادة 14
لأسرى الحرب حق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال... يحتفظ أسرى الحرب بكامل أهليتهم المدنية التي كانت لهم عند وقوعهم في الأسر. ولا يجوز للدولة الحاجزة تقييد ممارسة الحقوق التي تكفلها هذه الأهلية، سواء في إقليمها أو خارجه إلا بالقدر الذي يقتضيه الأسر.
المادة 15
تتكفل الدولة التي تحتجز أسرى حرب بإعاشتهم دون مقابل وبتقديم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية مجانا.
المادة 16
مع مراعاة أحكام هذه الاتفاقية فيما يتعلق برتب الأسرى وجنسهم، ورهنا بأية معاملة مميزة يمكن أن تمنح لهم بسبب حالتهم الصحية أو أعمارهم أو مؤهلاتهم المهنية، يتعين على الدولة الحاجزة أن تعاملهم جميعا على قدم المساواة، دون أي تمييز ضار على أساس العنصر، أو الجنسية، أو الدين، أو الآراء السياسية، أو أي معايير مماثلة أخرى.
المادة 17
...
ولا يجوز ممارسة أي تعذيب بدني أو معنوي أو أي إكراه على أسرى الحرب لاستخلاص معلومات منهم من أي نوع. ولا يجوز تهديد أسرى الحرب الذين يرفضون الإجابة أو سبهم أو تعريضهم لأي إزعاج أو إجحاف
المادة 18:
لا يجوز سحب النقود التي يحملها أسرى الحرب إلا بأمر يصدره ضابط وبعد تقييد المبلغ وبيان صاحبه في سجل خاص، وبعد تسليم صاحب المبلغ إيصالا مفصلا يبين فيه بخط مقروء اسم الشخص الذي يعطي الإيصال المذكور ورتبته والوحدة التي يتبعها. وتحفظ لحساب الأسير أي مبالغ تكون من نوع عملة الدولة الحاجزة أو تحول إلى هذه العملة بناء على طلب الأسير طبقا للمادة 64.
ولا يجوز للدولة الحاجزة أن تسحب من أسرى الحرب الأشياء ذات القيمة إلا لأسباب أمنية. وفي هذه الحالة تطبق الإجراءات المتبعة في حالة سحب النقود.
تحفظ في عهدة الدولة الحاجزة الأشياء والنقود التي تسحب من الأسرى بعملات مغايرة لعملة الدولة الحاجزة دون أن يطلب أصحابها استبدالها، وتسلم بشكلها الأصلي إلى الأسرى عند انتهاء أسرهم ا.هـــ إلى آخر الاتفاقية الطويلة.
أقول:
كل ما ميزته (باللون الأحمر) في المواد السابقة ففيه مخالفة للشريعة الإسلامية ، سواء شريعة أخذ الغنائم ، أو جواز قتل الأسير ، أو جواز ترهيب الأسير لاستخلاص المعلومات كما هدد علي –رضي الله عنه-المرأة التي كانت تحمل الرسالة إلى مشركي مكة، ومخالفات أخرى، وكل هذا ولم أتجاوز المادة الثامنة عشرة ، وعدد مواد الاتفاقية يبلغ مائة وثلاث وأربعين مادة، فضلا عن ثلاث ملحقات مليئة بمثل هذا الباطل، ولكن لن أتطرق في هذه المشاركة إلا لبيان مسألة قتل الأسير لأنها تلاقي من التشنيع الحظ الأكبر، فأقول مستعينا بالله عز وجل:
يقول الله عز وجل :
((مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (6) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)))
قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري:
يقول تعالى ذكره: ما كان لنبي أن يحتبس كافرا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمن.
و"الأسر" في كلام العرب: الحبس، يقال منه: "مأسور"، يراد به: محبوس. ومسموع منهم: "أباله الله أسرا". (1)
وإنما قال الله جل ثناؤه [ذلك] لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، يعرفه أن قتل المشركين الذين أسرهم -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر ثم فادى بهم، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم. ا.هــ
وقال سبحانه ((فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)) وقال تعالى ((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)) وقال عز وجل ((وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ))
فهذه الآيات لم تفرق بين حال وحال بل هي عامة لكل حال وموضع، ويستثنى ما أتت به النصوص الأخرى من النساء والصبيان والشيوخ والرهبان ونحوهم، وأما المحاربون فالآية نصت على قتلهم في كل موضع.
وأما الأدلة من السنة فكثيرة:
* جاء في ذكر حادثة أسرى بدر : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟»
قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمِ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ- شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] إِلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] فَأَحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ
* وجاء في حادثة بني قريظة : : لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»فَجَاءَ، فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، قَالَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ المَلِكِ» أخرجه البخاري ومسلم
* وجاء حادثة فتح مكة : عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ»
أخرجه البخاري وبوب عليه: بَابُ قَتْلِ الأَسِيرِ، وَقَتْلِ الصَّبْرِ ، وبوب عليه من حديث جابر-رضي الله عنه-: بَابُ الفَتْكِ بِأَهْلِ الحَرْبِ
والحوادث في السيرة كثيرة كلها تدل على جواز قتل الأسير ، قال الإمام الشوكاني في الدراري:
وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القتل للأساريوأخذ الفداء منهم والمن عليهم ثبوتا متواترافي وقائع ففي يوم بدر قتل بعضهم وأخد الفداء من غالبهم ا.هـ
الإجماع:
نقل بعضهم الإجماع على جواز قتل الأسير ، فقال ابن تيمية –رحمه الله-:
أما قتل الأسير و استرقاقه فما أعلم فيه خلافا لكن قد اختلف العلماء في المن عليه و المفاداة هل هو باق أو منسوخ ؟ على ما هو معروف في مواضعه و هذا لأنه إذا نقض العهد عاد كما كان و الحربي الذي لا عهد له إذا قدر عليه جاز قتله و استرقاقه ا.هــــ [الصارم المسلول]
وهذا الإجماع يظهر أنه لا يتم فقد روي عن الحسن وعطاء الخلاف إلا أن يُحمل كلامهم في كراهة قتل الأسير على التنزيه وترك الأفضل والأولى، وربما يُحمل على قتل الأسير في غير الحرب فقد ذكر المحاسبي في "فهم القرآن" ما نصه:
حدثنا مبشر عن صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله الحرازي أن الأسير كان معه فلم يقتله وأبو سفيان عن معمر عن الحسن قال لا يقتل الأسير إلا في الحرب ا.هــ
وقد ادعى الحسن بن محمد التميمي إجماع الصحابة على عدم جواز قتله؟!! كما في "بداية المجتهد" لابن رشد وهذا من أعجب الإجماعات التي مرت بي !
وأما أقوال العلماء في هذه المسألة فكثيرة جدًا وفيها تفصيلات وتفريعات ، وكثرة هذه النقول بسبب اهتمام القرآن الكريم وتنصيصه على هذا الحكم الشرعي ، ثم بسبب لصوق هذا الحكم الشرعي بفريضة الجهاد التي كان السلف يعايشونها في حياتهم ، وقاموا بها خير قيام ، وما زال الأمر كذلك حتى في العصور المتأخرة فما كانت تخلو تلك العصور من جهاد للكفار، ومن آخرها حروب الدولة السعودية بحقبها الثلاث، فحاربت أعداء التوحيد وأنصار الشرك.
فإذا عرفت أخي المسلم حكم الله في (قتل الأسير) فهنا تتمات وفوائد مهمة:
- اختلف العلماء هل يُلزم الإمام بقتل الأسرى؟ أم له المنّ والفداء ؟ أم ليس له المن والفداء إلا بعد الإثخان؟ خلافٌ ، فمنهم من ذهب إلى أنّ قوله تعالى : (( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)) منسوخ بآية القتل، ومنهم من رجح عدم النسخ ورجح القتل على ما سواه، ومنهم من عكس، والصواب:
أنّ آيات الباب محكمة ، والأمر راجع لنظر الإمام بما فيه مصلحة الدولة الإسلامية ، قال الشافعي في "الأم":
وكان له الْقَتْلُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ كما كان ذلك له في أَحْرَارِ رِجَالِهِمْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّهُ عليه وسلم- قد مَنَّ وَفَادَى وَقَتَلَ أَسْرَى الرِّجَالِ وَأَذِنَ اللَّهُ -عز وجل- بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِيهِمْ فقال فَضَرْبَ الرِّقَابِ حتى اذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ا.هـ
قال الترمذي في جامعه:
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَغَيْرِهِمْ أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الأُسَارَى، وَيَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَيَفْدِي مَنْ شَاءَ ا.هـ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سلّام:
«وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْآيَاتِ جَمِيعًا مُحْكَمَاتٌ لَا مَنْسُوخَ فِيهِنَّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَاضِيَةِ فِيهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا بِالْآيَاتِ كُلِّهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا نَعْلَمُ نُسِخَ مِنْهَا شَيْءٌ...- إلى أن قال:- وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْأُسَارَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ مِنْ أَحْكَامِهِمْ شَيْءٌ وَلَكِنْ لِلْإِمَامٍ، يُخَيَّرَ فِي الذُّكُورِ وَالْمُدْرِكِينَ بَيْنَ أَرْبَعِ خِلَالٍ وَهِيَ:
1- الْقَتْلُ
2- وَالِاسْتِرْقَاقُ
3- وَالْفِدَاءُ
4- وَالْمَنُّ،
إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِذَلِكَ مَيْلٌ بِهَوًى فِي الْعَفْوِ وَلَا طَلَبُ الذَّحْلِ فِي الْعُقُوبَةِ وَلَكِنْ عَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ "» [الناسخ والمنسوخ]
وهذا كلام متين من إمام كبير ومحدث فذ.
وبهذا قال النحاس في كتابه:
القول الثالث أن الآيتين جميعا محكمتان وهو قول ابن زيد وهو صحيح جيد بيِّن لأنّ إحداهما لا تنفي الأخرى...فيكون الإمام ينظر في أمور الأسارى على ما فيه الصلاح من القتل أو المن أو الفداء وقد فعل هذا كله رسول الله في حروبه ا.هـــ
ثانيا: إنّ مناط الترجيح ما يحصل به مصلحة دولة الإسلام كما سبق من كلام أبي عبيد والنحاس، قال الحافظ في الفتح:
وقد تقدم أن الإمام يتخير متبعا ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين بين قتل الأسير أو المن عليه بفداء أو بغير فداء أو استرقاقه ا.هــ
وهذا من عظمة هذه الشريعة الحكيمة التي تنظر إلى مآلات الأمور ، فهؤلاء الأسرى قد يكونون عونًا لدولهم بعد فك أسرهم، وربما كانوا سببا لهزيمة المسلمين، فكيف يحسن بالعاقل الـمُدرك للغايات أن يقوّي أسباب هلاك دولته بيده، ولقد شاهدنا هذا في حروب الحوثيين المتتالية في قُطرنا الحبيب، فما زال العفو يصدر عنهم ثم يعودون لقتال أهل السنة والإسلام حتى صارت شوكتهم كما يرى القاصي والداني، فحاصروا أهل التوحيد واستباحوا الدماء والأعراض فالله المستعان على ما يصفون.
وقد شرع الإسلام بنحو من هذا في الخوارج فكان حكم الله فيهم بعد بيان الحق لهم ودرء شبهتم القتل والتشريد قال نبينا –عليه الصلاة والسلام-: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» وفي رواية: أَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ»
قال الحافظ في الفتح: أي قتلا لا يبقي منهم أحداإشارة إلى قوله تعالى ((فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gif )) ا.هـ
وفي مسلم بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قَتْلِ الْخَوَارِجِ : فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وبوب البخاري : باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم"
قال ابن تيمية –رحمه الله-:
وَأَمَّا قِتَالُ الْخَوَارِجِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَأَهْلِ الطَّائِفِ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا يُحَرِّمُونَ الرِّبَا فَهَؤُلَاءِ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الشَّرَائِعِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَؤُلَاءِ إذَا كَانَ لَهُمْ طَائِفَةٌ مُمْتَنِعَةٌ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ أَسِيرِهِمْ وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ وَالْإِجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ بِبِلَادِهِمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْصِدُوهُمْ فِي بِلَادِهِمْ لِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. ا.هــ مج 28/ 551
قال علاء الدين الحنفي:
"فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ وَهَزَمَهُمْ ، فَإِنْ هَزَمَهُمْ وَلَهُمْ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إلَيْهَا فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يَتْبَعَ مُدْبِرَهُمْ وَيُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَيَقْتُلَ أَسِيرَهُمْ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّاهُمْ يَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَا.ه "معين الحكام"
فإذا تأملت هذا الحكم الشرعي وجدته قاطعا لأسباب الفتنة في المجتمع المسلم، ولعل أهل الكفر عرفوا هذا فأرادوا منع ولاة أمر المسلمين من قطع دوابر الفتن بهذه الاتفاقيات ؛ لتظل بلدان الإسلام في محن وفتن لا تنتهي، فإذا ما أقدم على منع المظاهرات والثورات والخروج وأقام الحدود، قالوا: هذا انتهاك لحقوق الإنسان، وحقوق الأسرى، وربما يصل به الأمر إلى المحاكم الدولية، ولو أنصفوا لكان زعماؤهم أولى بالضيافة في تلك السجون والمعتقلات.
ومع هذا فنقول إذا كان في الدولة ضعف لا تستطيع معه دفعهم، أو في ترك قتالهم دفع لمفسدة أعظم من بقائهم فلولي الأمر فعل ما يراه محققا للمصلحة ودافعا للمفسدة ، وهذا من حكمة هذه الشريعة التي تراعي اختلاف الأحوال ، وقد بوب البخاري "باب من ترك قتال الخوارج للتأليف ولئلا ينفر الناس عنه" ، وقد ترك علي-رضي الله عنه- قتالهم لتغلغهم في جيشه وبسبب ذا وقعت الفتنة بين الصحابة –رضوان الله عليهم- وهم بين الأجر والأجرين.
فإذا كان هذا حكم الله في الخوارج المسلمين ، فكيف بأهل الكفر والشرائع المنسوخة والمبدلة.
فائدة: كما يجوز قتل أسرى الكفار فكذلك الإجهاز على الجرحى في المعركة على خلاف تلك الاتفاقية، قال الحافظ:
وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أنّه كان مع أبيه يوم اليرموك فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم ا.هــ
وهذا سند ظاهره الصحة.
- التنبيه الثاني: أنّا وإن قلنا بجواز قتل الأسرى فلا يعني هذا ترك حسن المعاملة فقد قال الله في وصف الأبرار ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (http://www.ajurry.com/vb/images/smilies/icon_cool.gif إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) ))
وبوب البخاري : بَابُ الكِسْوَةِ لِلْأُسَارَى " ثم قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى، وَأُتِيَ بِالعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، «فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ قَمِيصًا، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ لِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ ا.هـ
أي عندما هلك ابن أُبي وجاء ولده عبد الله –رضي الله عنه- يطلب من النبي-صلى الله عليه وسلم- قميصه ليكفنه به.
ثم زيادة على هذا ، فقد سبق الإشارة إلى جواز المنّ على الأسير فقال سبحانه ((فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) .
وعلى كل فليس حال الحرب كحال السلم، وإلا فهذه الشريعة قد حفظت للكفار حقوقهم كما هو معلوم في حق (الذمي، والمستأمن ، والمعاهد) حتى قال نبينا –عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
وأخيرا فبهذا ظهر لك أخي المسلم أنّ جواز قتل الأسير مُقرر بالشرع، موافق للعقل، محقق للحكمة والمصلحة، فَعُض على هذه الشريعة بالنواجذ ولا تتقهقر أمام هجمات أعداء الإسلام، واصدع بها كما صدع بها نبيك –عليه الصلاة والسلام- في جبال مكة، ولا تستحيي من أي حكم شرعي ولا تهتز فهي والله شريعة رب العالمين الحكيم العليم، وهو كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وأما شنشنة بعض أهل الصليب على عوام المسلمين من كون هذه الشريعة مليئة بالقتل والدماء، فأكتفي هنا ببعض نصوص التوراة والإنجيل -اللذين بأيدي الناس اليوم ، والذي يسمونه (الكتاب المقدس)- وقد حرفوه ودسوا فيه الكفر والعدوان ولكن لا يزال فيه بقية تشهد لها نصوص الوحي وأخرى بين بين، وفي هذه النصوص ما يُسكِت هؤلاء الصليبين ويكبتهم ، فإن هم ارتضوها وحيا فذاك، وإن قالوا مدسوسة في كتابنا المقدس فقد شهدوا ببطلان كتابهم وتحريفه، فدونك بعض هذه النقول:
جاء في سفر التثنية:
20: 10 حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح
20: 11 فإن اجابتك الى الصلح و فتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير و يستعبد لك
20: 12 وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها
20: 13 وإذا دفعها الرب الهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف
20: 14 و أما النساء و الاطفال و البهائم و كل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك و تأكل غنيمة اعدائك التي أعطاك الرب إلهك
20: 15 هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا
20: 16 و أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما ا.ه
وفي ( صموئيل الأول )
3 :11-15 :
فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً طِفْلاً وَرَضِيعاً, بَقَراً وَغَنَماً, جَمَلاً وَحِمَاراً وَأَمْسَكَ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ حَيّاً, وَحَرَّمَ جَمِيعَ الشَّعْبِ بِحَدِّ السَّيْفِ")
وفي (حزقيال 9: 6)
وَاضْرِبُوا لاَ تُشْفِقْ أَعْيُنُكُمْ وَلاَ تَعْفُوا اَلشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ. اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ.)
وفي (متى 10: 34 )
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً )
( لوقا 19: 27 )
"أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي").
ونصوص أخرى كثيرة تركتها للاختصار، وفي نهاية هذا المقالة أختم بفتويين للإمامين ابن باز والعثيمين –رحمهما الله تعالى-:
قال الشيخ ابن باز:
وكذلك الأسرى إذا أسروا منهم أسرى، وولي الأمر له الخيار، إن شاء قتل الأسرى، وإن شاء أعتق الأسرى إذا رأى مصلحة في ذلك أطلقهم، وإن شاء استرقهم فجعلهم غنيمة، وإن شاء قتلهم إذا رأى مصلحة في القتل، وإن شاء يفدي بهم، إذا كان عند الكفار أسرى للمسلمين، فيأخذ من المشركين الأسرى، المسلمين، ويعطيهم أسراهم أي تبادل الأسرى، أو يأخذ منهم أموالا لفك أسراهم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقد كان عنده صلى الله عليه وسلم أسرى، قتل بعضهم، وفدى بعضهم، وكان من جملتهم النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط فقتلهما بعد انتهاء الوقعة، والبقية فدى بهم وأمر المسلمين أن يفدوا بهم، ويأخذوا الفدو من المشركين في مقابل ترك أسراهم، ومنهم من عفا عنه عليه الصلاة والسلام، فالعفو جائز لولي الأمر إذا رأى مصلحة، وجائز له القتل إذا رأى مصلحة، وجائز له الاسترقاق إذا رأى مصلحة، وجائز له الفدو. ا.هــ مجموع فتاواه 22/ 344
وقال ابن عثيمين –رحمها لله -:
س 67: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ماذا يفعل بالأسير من العدو؟
فأجاب بقوله:
يجوز أخذ فدية عن قتل الأسرى من العدو. ويجوز أيضاً أن يفدى أسير كافر بأسير من المسلمين.
ويعامل الأسرى بأمور:
الأمر الأول: أن يقتلوا صبراً.
الأمر الثاني: أن يُؤخذ فدية من المشركين برجال مسلمين.
الأمر الثالث: أن يفدوا بمنفعة، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأسرى بدر حيث أطلقهم عليه الصلاة والسلام على أن يعلِّموا أهل المدينة (1) .
الأمر الرابع: أن يفدوا بمال.
الأمر الخامس: أن يطلقوا وهو: المنّ بدليل قوله: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) .
وهذه الأمور التي ذكرنا للإمام أن يختار منها حسب المصلحة؛ لأن القاعدة الشرعية: أن منْ تصرَّف لغيره فإنه يجب عليه اتباع الأصلح في حق ذلك الغير. بخلاف من تصرف لنفسه فإنه مخيَّر تخيّر تشهّي.
مثل: خصال الكفارة في الأيمان فإنها على سبيل التشهي.
ومثل: فدية الأذى فإنها على سبيل التشهي فللمرء أن يفعل ما يشاء.
وعلى هذا نقول: إذا رأى الإمام أن يقتل الأسرى من أجل مصلحة تقوية المسلمين وإذلال الكفار فالواجب أن يقتل الأسرى، حتى لو أُعطي من المال الشيء الكثير، فإنه لا يجوز للإمام أن يقبل الفدية.
وإذا رأى الإمام أن من المصلحة أن يأخذ مقابل الأسرى فدية مال، فإنه يأخذ فدية مالية.
وإذا رأى الإمام أن من المصلحة فداء رجال من المشركين بأسرى من المسلمين فإنه يجوز.
وإذا رأى الإمام أن من المصلحة أن يمنّ على الأسرى فلا بأس.
وهذه الأمور ترجع إلى كل قضية بعينها وتسمى مثل هذه المسألة عند أهل العلم: قضايا الأعيان، وليس لها حكم عام أو لفظ عام يستدل بعمومه، وقضايا الأعيان قد يكتنفها من الأشياء ما يجعل حكمها هكذا، ولو اختلف الأمر لاختلف الحكم. ا.هــ مجموع فتاواه 25/ 384.
وإلى هنا ينتهي المراد والحمد لله رب العالمين
أقول : جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبا صهيب على ما نفعت به