المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نصائحُ لطالبِ العلمِ الشيخ صالح آل شيخ حفظه الله


ابو مسلم السلفي
2012-08-02, 12:02
نصائحُ لطالبِ العلمِ الشيخ صالح آل شيخ حفظه الله النصيحة الأولى :
الإخلاصُ ، بأن يُخْلِصَ الرجاءَ في ربِّه الكريم ، فيفتح قلبَه للعلم والاستفادة ، والقلبُ تأتيه الشواغلُ والخواطرُ ، فبينما هو ينصِتُ إذ يأتيه خاطرٌ يقطعُ عنه الاستفادة يريد أن يجمعَ نفسه فيصعبَ فتختلطَ عليه الفوائدُ فيلغي الأخيرُ الأولَ .
فإذًا لا بد من حسن اللجوء إلى الله - جلَّ وعلا - والدعاءِ في أن يمنحك الفِقهَ في الدين ، والاستفادةَ والصبرَ على العلم ؛ لأن العلم لا بدّ له من صبرٍ ، وهذا بحاجةٍ إلى الإخلاص والصدق مع الله - جلَّ وعلا - وحسنِ التوجّه ؛ لأن طلب العلم عبادةٌ .
« وإنَّ الملائكةَ لَتَضَعُ أجنحَتَها لطالبِ العلمِ رِضىً بما يَصْنَعُ ، وإنَّ العالمَ لَيَسْتَغْفِرُ له مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرضِ حتى الحيتانُ في الماءِ » (1) .
وهذه فضيلة عظيمة .
فَأَحْسِنْ - يا طالبَ العلمِ - الظنَّ باللهِ - جل وعلا - واللجوءَ إليه ، بأن يفتح الله - جل وعلا - قلبَك للعلمِ ، وأن يرسِّخَ العلمَ في قلبك .
_________
(1) قطعة من حديث أخرجه أبو داود 3641 ، والترمذي 2683 ، وابن ماجه 223 من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه .

النصيحة الثانية :
إعدادُ العدة ، كالقلم والورقِ .
فالقلمُ يتعاهدُه قبلَ الدرس .
وقد ركّز على ذلك " الخطيبُ " في ( جامع الجامع ) ، و " ابنُ عبد البر " في ( الجامع لبيانِ العلمِ وفضله ) وغيرهما .
ومن القصور أن يحضر الطالبُ ، وينسى القلمَ ، أو يكون فارغًا من الحبر .
وأما الورق فأن يعدَّ لكل فن دفترًا أو دفاترَ ، وتكونَ منسقة ، مرتبة ، وهذا كله يتبع ترتيب الذهن .
فإذا كان الطالب مشوشًا في ذهنه ظَهَرَ أثرُ ذلك في علمه ودفاتره .
وينبغي على الطالب أن لا يكتبَ عددًا من العلوم في كراسة واحدةٍ ، وأن يبتعد عن كتابة الحواشي على الكتاب فتتزاحم الكتابةُ فلا يهتدي إلى الرجوع إليها .
لهذا سئل الإمامُ أحمدُ عن الكتابة بالخط الصغير ، قال : أكرهُهُ ؛ لأنه لا يدري متى يُحتاج إليه ، فربما احتاج إليه فلم يستطع استخراجَهُ . وهذا صحيح .
والحواشي على الكتب تأتي غير مستقيمة ، ونازلة ، ومتداخلة مع أسطر الطباعة وقد يكون الخطُّ غيرَ حسن .
والورقُ - والحمد لله - في هذه الأيام متوفرٌ ، ورخيصٌ .
وأما الكتابةُ في الكراريس فلها نظام :

يأخذُ المتنَ الذي يدرسه بأن يجعل عليه أرقامًا متسلسلةً ، من واحد إلى الأخير . وكلُّ مسألةٍ علَّقَ عليها المُعلِّمُ يجعلها في صفحة مستقلة . ويكتب تعليقًا آخر في صفحة مستقلة . ولو كانت سطرًا واحدًا ، ولا يقالُ : الصفحةُ فارغةٌ ؛ لأنه قد يحتاج إليها يومًا ما .
عندما يريد أن يُفَصِّل في هذه المسألة والشيخ لم يُفَصِّلْ فيها . فيكتب أصلَ المسألة ثم يضيف معلوماته .
وتكون هذه الشروح أساسًا لشرح كبير للطالب فيما يستقبل من عمره - إن شاء الله تعالى - .

النصيحة الثالثة :
الطالب الذي لا يستطيعُ حضورَ الدورات جميعًا وإنما يريد أن يختار بحسب فراغه .
فعليه أن يختار الفنَّ الذي يحتاجُ إليه في دينه لتكملة ملكته العلمية .
فمثلاً قد يكون الطالبُ لم يدرسِ التوحيدَ ، أو دَرَسَهُ من مدة ويريد أن يسترجعَه . فتكونُ هذه المادةُ له هي الأساسَ في الاختيار ، ويجعلُ بقيةَ الوقت للموضوعات والفنون الأخرى .
فإذًا لا بدَّ من اختيار الوقت والفنِّ الذي يناسب طالبَ العلم .

النصيحة الرابعة :
تحضير الدرس تحضيرًا جيدًا .
كيف يحضِّر والدروسُ متواليةٌ ومتتابعةٌ ؟
يكون تحضيرُه بحفظ المتنِ قبلَ سماع الشرحِ من الشيخ ، وبذلك يتكوّن تكوينًا علميًا صحيحًا .
- ويكون تحضيره بالنظر في المسائل التي يحتاج إليها ، بأن يقرأ أسطرًا أو صفحةً فيلحظ المسائل الغريبةَ فيستعد لفهمها من المُعلِّم ، ولا يُشْتَرَطُ أن يكون تحضيرُ الطالب كتحضير المُعلِّم .
- وليس المقصود من هذا الاستعدادِ أنه يتعلّم فقط ، وإنما المقصودُ منه أن يقارنَ ملكتَه بما يعطيه المُعلِّمُ . وبهذه الطريقة تَنْمُو ملكةُ الطالبِ مع طولِ الزمن .
يحضّر وينظُرُ كيفَ تعامَلَ الشيخُ مع الكتاب ، وكيف هو تَعَامَلَ معه .
فمثلاً : الكتابُ المقررُ ( بلوغُ المرامِ ) والموضوع فيه ( كتابُ الصلاة ) حضّر حديثًا منه بالرجوع إلى ( سُبُل السلامِ ) و ( فتح الباري ) وغيرهما ، فينظر الطالب : ما الحصيلةُ التي وَصَلَ إليها . ثم يقارنُ : كيف تعاملَ الشيخُ مع هذا الحديث . لا شك أنه سيخرج بفوائد ربما تكون غائبةً عنه .

والذي ينبغي أن يختار المُعلِّمُ من طلابه من يحسن التدريسَ ، ويزيدَه عنايةً ، ويبيِّنَ له كيف يعلِّمُ ، وكيف يدرِّسُ ، وكيف يرتبُ المسائلَ .
قد يأتي طالبٌ إلى معلِّمه قائلاً له : أنا حضرتُ عندك في الدورة في العام الماضي ، وسمعتُ منك شرحَ ( بلوغ المرام ) أو شرحَ ( الأربعين النووية ) ... فالمُعلِّمُ قد ينسى لكثرة الطلاب ، وقد يذكر .
ولكنه لا ينسى الطالبَ المجدَّ ؛ لأنه يكوِّنُ عنه فكرةً في تعامله الحسن مع المتنِ ، ومع فهمِ الحديثِ ، وفي أدبهِ مع معلِّميه .

النصيحة الخامسة :
كتابةُ الفوائدِ من المُعلِّمِ
ولا يتَّكِلُ الطالبُ على ما سُجِّلَ في الدورات السابقة .
وعلى الطالب أن لا يقولَ : لا داعي إلى الكتابة ، والتسجيلُ موجود .
وهذا غَلَطٌ كبير يقع فيه بعضُ الطلاب ، وكتابةُ الطالب مع الشيخِ مؤثرةٌ في استعداداته العلمية ، وفي سلوكه العلمي كما ينبغي ، فلا بدَّ للعلم من مشقةٍ ومكابدةٍ ومجاهدةٍ .
وفي الكتابةِ تتكون ملكةٌ في تلخيصِ العلمِ ؛ لأنه لا يستطيع أن يكتب حرفيًا ما يقوله المُعلِّمُ ، ولهذا ينبغي التفريقُ بين ما نَقَلَهُ الطالبُ إملاءً وبين ما سَمِعَهُ . فقد يكون في كتابة تلخيصِ ما سَمِعَهُ نقصٌ كبيرٌ عما قاله المُعلِّم .
إذًا ما المقصود من الكتابة ؟
المقصود أن يتدربَ الطالبُ على ملكة التلخيص ، فيسمع ثم يلخص ، يُلاحظُ في أول الأمر أن الشيخَ يسرعُ ولم يستطع الطالبُ أن يكتبَ . وفي المرة الثانية يستطيع الطالبُ أن يكتبَ ، ولكن فاتَتْهُ أشياءُ ، وهكذا يأتيه وقتٌ يكتبُ باستيعابٍ ويستطيعُ الاختصارَ على أروع مثالٍ ؛ لأن الملكةَ ترتبت عنده . وهذا ما يكون إلا بِدُرْبَةٍ .
وكيف تكون الدُّرْبةُ ؟

تكون الدُّربةُ بالإضافة إلى ما ذُكِرَ بأنْ لا يعتمدَ على التسجيل .

النصيحة السادسة :
الرحمةُ بين الطلاب
قد يكون في هذه الدوراتِ العلميةِ طبقاتٌ مختلفةٌ من الحاضرين :
( 1 ) فمنهم من يَحْضُرُ للعلم .
( 2 ) ومنهم من يَحْضُرُ مبتدئًا .
( 3 ) ومنهم من يَحْضُرُ لمجلس الذكر ويستمع ( وبخاصة إن كان بعد الفجر أو في أوقات الإجابة ) .
( 4 ) ومنهم من يَحْضُرُ لفائدةٍ ما ، ويكتفي بأيِّ شيءٍ يُحَصِّلُهُ .
والذي ينبغي في الحقيقة أن يتعاهدَ طلابُ العلم بعضَهم بعضًا ، فيعلِّمَ الطالبُ أخاه المبتدئَ الطريقةَ ، ويُسْدي إليه النصيحةَ .
ولهذا ينبغي أن يرحمَ بعضُنا بعضًا في الدروس العلمية ، وفي العلم جميعًا .
وربما ابتدأ العلماء متونَهم بالوصية لطالب العلم بالرحمة .
ولهذا تجد في إجازات الحديث أولَ ما ينقلون حديثَ : « الراحمونَ يرحمُهم الرحمنُ ، ارحموا من في الارض يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السماء » (1) هذا الحديث هو المعروف عند العلماء بالمسلسل بالأوَّلِيَّةِ ؛ لأن كلَّ شيخٍ يقول عن شيخه : حدثنا شيخُنا فلانٌ ، وهو أولُ حديث سمعته منه .
قال : حدثني شيخي فلانٌ ، وهو أولُ حديثٍ سمعته منه .
إلى أن يصل إلى طبقة أتباعِ التابعين كلها أول .
_________
(1) أخرجه أحمد في « مسنده » برقم 6494 ( 11 : 33 ) ، والترمذي برقم 1924 ، والحاكم في « المستدرك » ( 4 : 159 ) . من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .

سؤال : لماذا يتعلمون حديث « الراحمون يرحمهم الرحمن ... » ؟
الجواب : اعلم - رحمك الله - أن من خصال طالب العلم التي يبارك اللهُ - عز وجل - بها ويرحمُهُ اللهُ - جلَّ وعلا - أن يكون رحيمًا بمَنْ حولَه يرشدهم ، ويعلمهم ، ويعينهم .. الخ .

فإذا كنت في طلبك للعلم رحيمًا بالخَلْقِ وبزملائك وبأصدقائك وبالحضور في التعاون والخير فأبشرْ برحمةِ اللهِ - جلَّ وعلا - لك بوعده الصادق بقولِ نبيه - عليه الصلاة والسلام - : « الراحمونَ يرحمهم الرحمنُ .. » .
الخاتمة
وأسالُ اللهَ - جلَّ وعلا - أن يجعلكم مباركين ، وأن ينفع بكم .
ومعنى أن يجعلَ اللهُ فلانًا مباركًا ، كما في قول اللهِ - تعالى - في سورة مريم (1) حكايةً عن قول عيسى - عليه السلام - : { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ } هو بأن تكون معلِّمًا للعلم .
قال العلماءُ في تفسيرها : المباركُ من عبادِ الله هو الذي يعلِّمُ الناسَ الخيرَ (2) . فأسألُ اللهَ أن يجعلكم مباركين ، وأن ينفع بكم ، وأن تكونَ هذه الدروسُ العلميةُ مفيدةً لملقيها ، ومفيدةً للمتلقي ، وأن يباركَ في الجميع ، وأن يلهمكم الرشدَ والسدادَ ، وأن يمنحنا وإياكم الفِقْهَ في الدين ، والتزامَ السنة ، وأن لا يكلنا لأنفسنا طرفةَ عينٍ .
إنه سبحانه جواد كريم . اللهم اغفر لنا جميعًا .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .
_________
(1) الآية : 31 .
(2) انظر تفسير ابن كثير ( 3 : 120 ) .

من كتاب " الوصايا الجلية للاستفادة من الدروس العملية" للشيخ صالح آل شيخ حفظه الله

مسافرة الى الله
2012-08-02, 13:45
بارك الرحمن فيكاخي وسددخطاك وحفظ الشيخ واعانه على الحق