مشاهدة النسخة كاملة : جميلة بوحيرد - حصريًا -
جميلة بوحيرد
يعتبر حي القصبة بموقعه و معالمه و هندسته شاهدا على ذاكرة الأمة و تاريخ الشعب الجزائري لإحتوائه أكبر تجمع عمراني لمباني يعود تاريخ بنائها الى العهد التركي ، و منها : قصر " مصطفى باشا " و قصر " دار الصوف " و قصر "دار القادوس"و قصر " سيدي عبد الرحمان" و " دار عزيزة بنت السلطان" و قصر " دار الحمرة " الذي تحول الى دار للثقافة الى جانب قصر "أحمد باي "الذي يستغله المسرح الوطني ، و عُرف الحي إبان ثورة التحرير بالحي المُشتبه فيه دائما من طرف المُستعمر نظرا لأنه كان مخبئا جيدا للثوار و المُجاهدين لسهولة الإختفاء في بعض المباني القديمة ، ومن ثمة عرف حي القصبة حكاية شعب إبان الثورة التحريرية حيث كتبت بحروف من الدم حكاية الثوار و المناضلين الجزائريين و الشهداء مثل زيغود يوسف ،و محمد بومنجل ، و العربي بن المهيدي، و فاطمة زرداني ، و ديدوش مراد و شلغوم العيد.
في احدى بيوت هذا الحي وُلدت جميلة بوحيرد يوم 09 يونيو (جوان )1935، و نشأت في أسرة متماسكة جدا ، والدتها السيدة " بية " رحمها الله تونسية الأصل من مدينة صفاقس التونسية الجنوبية ، و تحديدا من عائلة بوعكاز الرقيق و هو ولي صالح ، لذلك كانت جميلة تقول دوما : التونسيون " أخوالي".
أما والدها فهو السيد عمر بوحيرد أصيل المدينة الساحلية " جيجل" (259 كلم جنوب شرق الجزائر العاصمة) ،كانت تربُطها علاقة مذهلة مع والدها و مع عالمه : فقد كان رجلا رياضيا في تفكيره و في تصرفاته و نموذجا للرجل الواعي المثقف و الثائر المحب لوطنه ، كان يذهلها كما تقول و هو يتلاعب بمعاني الكالمات ، عبره وعت الحب و الوطن و الثورة و النضال ، قصدت المدرسة قبل أن تتم عامها السادس ، كان التلاميذ يرددون في طابور الصباح " فرنسا أمنا " لكن الطفلة جميلة بوحيرد كانت تصرخ و تقول : " جزائر أمنا " ، يومها أخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من الطابور و عاقبها عقابا شديدا لكنها لم تتراجع.
كانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها ، أنجبت والدتها سبعة شبان توقي منهم إثنان وبقي منهم : (نورالدين ، إلياس ، هادي ، عزيز ، نادر ) ، واصلت تعليمها في مدرسة "الأنديجين"( الأهالي )و لأنها كانت تعشق الأناقة و تصاميم الأزياء التحقت بمعهد الخياطة و التفصيل " بسوسطارة "الجزائرية و لولا الثورة كما تقول " لكنتُ كوكو شانيل الجزائر ".
والدها رحمه الله و منذ كان عمرها أربع سنوات زرع فيها حبه المعنوي و المادي للرياضة ، مارست الرقص الكلاسكي لعدة سنوات ، و كانت بارعة في ركوب الخيل الى أن أندلعت الثورة الجزائرية .
كأي فتاة جزائرية كان يسكنها الحب الكبير فأصرت على أن تمد جذورها في تربة وطنها ، و شجعها على ذلك عمها " مصطفى بوحيرد " فأنضمت الى جبهة التحرير الجزائرية للنضال ضد الإحتلال الفرنسي و هي في العشرين من عمرها ، عملت في البداية كأمينة سر "لعبان رمضان " و نظرا لشجاعتها الكبيرة إلتحقت بصفوف الفدائيين في مجموعة " ياسف سعدي " و كانت أول المتطوعات للموت بزرعها القنابل في طريق الإستعمار الفرنسي ، بالتنسيق مع زميلة الكفاح " جميلة بوعزة "التي كانت تسلمها القنابل فتقوم بتفجيرها كما حدث في 09 نوفمبر 1957 بنهج ميشلي -شارع ديدوش مراد حاليا - ، و في 26 يناير 1957 بحانة كوك هاردي . و نتيجة لبطولتها أصبحت المطاردة رقم واحد ، كما كانت السكرتيرة الخاصة بل و الذراع الأيمن لياسف سعدي الذي إرتبك كثيرا و تشتت صفوفه عندما أُلقي القبض عليها يوم 09 أبريل 1957 بشارع سيفنكس عندما سقطت على الأرض تنزف دما بعد إصابتها برصاصة في الكتف و ألقي القبض عليها ، و بدأت رحلتها مع العذاب من 9 إلى 26 أبريل 1957 ، و أي عذاب ؟؟؟
****************** :
......يتبع.....
لكن الطفلة جميلة بوحيرد كانت تصرخ و تقول : " فرنسا أمنا "
اعتقد أن هناك خطأ هنا ...
على كل .. بانتظار البقية ... اعجبني النص كثيرًاا ... بارك الله فيك
اعتقد أن هناك خطأ هنا ...
على كل .. بانتظار البقية ... اعجبني النص كثيرًاا ... بارك الله فيك
شكرا جزيلا للأخت الكريمة
rola.29
بالفعل حدث خطأ في الكتابة
ولقد قُمتُ بتعديله
تعذيبها
و بعد إصابتها حملت و نُقلت الى المُستشفى و ضمدت جراحها حيث كان استجوابها الأول و هي لم تزل على عربة العمليات الجراحية و قد تعرضت من 09 - 26 من أفريل الى إستجواب و تعذيب متواصلين و ذلك في المستشفى العسكري المُسمى ( مايو) أو في الدارتين اللتين حبست فيهما من قِبل جنود المظلات و قد قاست لمدة ثلاثة أيام 17-18-19من أفريل وقد إستجوبها منذ وصولها الى المُستشفى عدة أشخاص بينهم ثلاثة ضباط و ثلاثة من مفتشي الشرطة و ثلاثة من جنود المظلات .ولم يترددوا في ضربها بقبضات أيديهم على جرحها لحملها على الكلام ، و في ذات يوم وضعها الملازم ( ديبر ) عارية أمام الضباط وجند المضلات و بدأ ............و يقول لها " إنه سيأتي لها بجندي سنغالي استخدم عدة مرات مع نساء المسلمات "، و كلما حاولت أن تُقصيه و تدفع يده ضربها الملازم على جراحها و على وجهها و أخذ الجميع يضحكون ، و في 17-18 من أفريل و في نحو التاسعة مساءا جاء الضباط الثلاثة و مظليان و وضعوها في سيارة بعد أن عصبوا عينيها و قادوها الى جهة مجهولة و كانت الدار التي و قفوا عندها ليست ببعيدة عن المطار (البيت الأبيض)...تُعرفُ عندنا اليوم بدار البيضاء .
و هناك أُلقيت في غرفة و ضربت ثم وضعها الضباط و جنود المظلات عارية و ربطوها الى مقعد بعد أن وضعوا خرقا رطبة تحت الأغلال عند المعصميين و الذراعيين و على الصدر و الفخدين و الكعبين و الساقين و وضعوا عندئذ أسلاكا كهربائية في مواضع حساسة منها و في أذنها و في فمها و داخل اليدين و على فم النهدين و جبهتها ، و في الساعة الثالثة صباحا أُغمى عليها و أخذت تهدي ، و في نهار 18 من أفريل ضربت من جديد و ربطوا إبهامها بسلك حديدي و سيروا التيار الكهربائي، و في يوم 19 تابعوا التعذيب و أصبح جرح ثديها الذي أخترقته الرصاصة يوم أصيبت - كله مفتوحا و في كل مرة يقود جنود المظلات عملية التعذيب الرهيبة بإشراف النقيب ( غرازياتي ) و كان أحد الضابطين و هو ذو لهجة جزائرية يستجوبها و الآخر يسجل حيث أعد محضرا تضمن إعترافات لم تصدر عنها بل زُور المحضر من قِبل ضابط البوليس ( جورج فان ).
و في يوم 21 قادوها الى الأبيار لدى الشرطة النظامية و هناك تجد (جميلة بوحيرد) أخاها الصغير( الهادي) البالغ عمره أحد عشر عاما وقد استجوبا عن مكان وجود ياسف و رفاقه .
و لقد كتبت الى قاضي التحقيق العسكري في 16 ماي 1957 تشكو من أنه بعد انقضاء أكثر من خمسة أسابيع على القبض عليها ،و شهر على إختطاف جنود المظلات لها ، و ثلاثة أسابيع على مثولها أمام المحكمة ...لم يُتحذ أي تدبير بحق الذين ضربوها و ساموها العذاب و أهانوها ، أولئك الذين خطفوا أخاها الصغير و معه إبن أخ ياسف سعدي ، و قد كتبت في 18 يونيو بأنها رفعت شكوى في يوم 27 من أفريل الى عميد قضاة التحقيق تُلفت نظره الى ضرورة إجراء كشف طبي سريع ، و طلبت إليه بإلحاح إيفاد طبيب على الفور و لكن القاضي انتظر عشرة أيام لإبلاغ الطبيب ليأتي و يراها و يقرر في دعابة سمجة انه لم يجر شيئ مطلقا أثناء هذه الأيام العشرة ،و مع ذلك فقد لاحظ الدكتور (غودار) على فخد الضحية وعلى جنبها الأيمن ندبتين طولهما 06 سنتم عزاهما إلى إحتكاك أو سقوط أو ضربة عصا .، و لكن جميلة تقرر أنهما من آثار السلاسل التي قيدوها بها عندما كانت تتلوى من الألم لتفرح الضباط الذين كانوا ينكلون بها .
و الدكتور ( غودار )يعرف ذلك جيدا لأن الحروق كانت في نواحي جسمها الشديدة الحساسية كما تشهد أخواتها في الأسر ، و لا سيما الدكتورة (جانين بلخوجة )التي كانت معتقلة معها و التي قامت بفحصها في السجن المدني في مدينة الجزائر إبان رفع نظام السرية عنها في 16 من مايو و قد جاء تقريرها بشعا رهيبا يعدد الإصابات الأليمة بجسم (جميلة) .
للأسف الدكتور ( غودار) أنكر في تقريره الطبي أثار التعذيب الجسمي و النفسي للضحية .
*********** :
.........يتبع .......
المحاكمة و الدفاع
بدأ قاضي التحقيق ( بافوار )في إستجواب جميلة بوحيرد في إطار تحقيق يخص صُلب القضية ...و كان القاضي حينها لا يعلم بوجود الأستاذ ( فرجيس ) و هو المحامي الذي كلفه أهل جميلة شرعيا للدفاع عنها .
و كانت جميلة في ذلك الوقت تجيب عن أسئلة قاضي التحقيق و هي تجهل أنّ لديها مستشارا قضائيا ،و عندما شاهدها محاميها لأول مرة استولى عليه الرعب لأنه لم يرى تحت زرقة اللطمات إلاً وجها فارقته كل رغبة في الحياة ، أما هي فلم تعد تعلم بأنها وحيدة أمامي القاضي.
طلب المحامي فرجاس من القاضي أن يقرأ عليه إعترافات جميلة التي أدلت بها ..أنتفضت جميلة عند السطر الأخير الذي كان ينص على صنع القنابل لأنها لم تتكلم قط عنها و لكنها قالت : (( هم جنود المضلات أرادوا ذلك )).
و بعد نقاش دار بين قاضي التحقيق و المحامي فرجاس انتهي باحتجاج المحامي عن ماصدر من إعترافات كاذبة ...نتجَ عنها إنسحاب المحامي و أعلن القاضي بعدها أنه سيتجوب المُتهمة في غيابه ( يقصد غياب الأستاذ فرجاس ).
مُنع المحامي فرجاس من زيارة موكلته جميلة ، ليس هذا فقط بل تعرض رفقة المُدافعون عن جميلة ( غواطرا ، و ميشال موتية)من عملية الإختطاف التي باءت بالفشل ، من قبل جماعة من الفرنسيين المتعصبين المقيمين في الجزائر.
سارعت الإدارة الفرنسية - باريس - الى تحديد موعد الجلسة في الأيام (11،12،13)من شهر يوليو لسببين هما :
-انفجار قنبلة في ضواحي العاصمة في أحد الملاهي ،و قد أثار الدم المراق تعطشا في جميع أنحاء البلاد للرد على الدم بالدم.
-و نظراً لإنعقاد جلسة الأمم المتحدة في ذلك الشهر الذي تم تحديد تاريخ جلسته في شهر سبتمبر .
ماهي الإتهامات التي يحتوي عليه ملف جميلة؟
ألقت فرنسا القبض عن محمد طالب المسؤول عن صناعة القنابل في الجزائر العاصمة ، أكد ( تحت التعذيب )أن القنابل التي كان يصنعها كان يُسلمها لياسف سعدي ليقوم هذا الأخير بتوزيعها على الأخوات الفدائيات ،لكنه لم يُشيرالى إسم جميلة في تفجير ( ميلك - بار )...و هذا يدل على أن إتهام جميلة جاء نتيجة لتزوير إعتراف محمد طالب من قِبل المضليين .
و هناك أيضا ضد جميلة بوحيرد تُهمة أخرى إتهمتها بها رفيقة دربها جميلة بوعزة حيث أتهمتها على أنها هي التي ألقت القنبلة في مقهى ( كوك هاردي )...لكن يبدو أن المضليين قد عذبوا الفدائية جميلة بوعزة الى درجة الجنون لتُدلي بهذا الأعتراف الا أنها تراجعت عنه لاحقا .
و توجد تُهمة أخرى ضد جميلة وراءها المناضلة الشيوعية في الحزب الشيوعي الجزائري تدعى ( ريموند بيشار ) و قد كان مرور إسمها في أوراق الدعوة مفاجئا و سريعا ، تُوفيت رموند بيشار بعدها في ظروف غامضة لم تحضر بسببها جلسة المحاكمة،ويُقال أن شهادة ريموند جاءت لضرب الحزب الشيوعي الجزائري أنذاك و توريطه في قضية المتفجرات !!!
و نُشيرهنا أن محامي الضحية جميلة بوحيرد الأستاذ فرجاس قد تمَّ منعه من حضورجلسات التحقيق و كذا جلسة الحكم .
*********** :
يُتبع...........
أضواء على المحاكمة
لقد أنزل النقيب ( غرزياني ) بجميلة سجينته الجريحة ضروب التعذيب و رئيس العسكريين الجنرال ( ماسو) لا يعاقب المعذبين و لا يحتج ، و في المكان الذي عذبت فيه جميلة بوحيرد أعد محضر تضمن إعترافات لم تصدر عنها و إن في الأمر تزويرا و المزور هو ضابط البوليس ( جون فان ) ، إن هذه الإعترافات مزورة الى حد أنهم لم يجرؤوا على إلحاقها بالملف بل ألحقوا نسخا عنها .
و قد أقر الدكتور ( غودار ) الطبيب لدى محكمة الجزائر بأنه إما جاهلا و إما شاهد زور و إما الإثنان معا .و كذلك أقر القاضي ( بافوايو )بأنه كان يلفظ أثناء المحاكمة أكاذيب غايتها القتل ، و أعترف القضاة و السجانون بدورهم و أن ( جميلة بوعزة ) المجنونة و التي أتهمت وحدها ( جميلة بوحيرد ) لم تصل الى المحكمة إلا محقونة ، فالسجن كان يتولى حقنها مرتين في كل يوم صباحا و مساءا قبل أن ترسل الى المحكمة و السيد ( روانار ) رئيس المحكمةالعسكرية قد إنحرف بالدعوى رويدا رويدا بعيدا عن سبيل العدل ،و المحامي ( لانية ) الذي قد تكلم بالنيابة عن ( جميلة بوحيرد ) نزولا عند رغبة القضاة و ذلك ضد إرادتها التي أفصحت عنها بوضوح و تأكيد ، و قد ترافع بإجرام عن تلك التي كانت تصيح ببرائتها و سط كل ضروب التعذيب التي نزلت بها . و أعلن ( لانيه) أنها مذنبة ليثبت عدالة القضاة مع أنه تكلم قبل الحكم عليها بالإعدام بيومين ، و قد رفض القضاة كل إستجواب و كل فحص من قبل الخبراء ، كما رفضوا الاستماع الى شهود الدفاع أو الى أية مرافعة ، و لكي يقرروا حسب روحهم و ضميرهم صحة التهم الملقاة على( جميلة بوحيرد ) لم يقبل هؤلاء القضاة الاستماع الى قرارالاتهام ثم الى شاهد من شهود الاتهام و هو شرطي لدي السيد ( روبير لاكوست )الحاكم الفرنسي و أخيرا الى الخطاب التلخيصي للمدعي العام المذيل بملحق من الأستاذ (لانية) المحامي الذي أختارته المحكمة للدفاع عن جميلة.
و قد وقفت المحكمة الى جهة المدعي العام و الأستاذ ( لانية) فقررت أن ( جملة بوحيرد )بمجرمة و هذا ليس الا مداورة لتبرير صدور الاعدام عليها و هكذا نرى خمسة ضباط و نقبيين ثم العقيد ( سينيو ) و القائد ( فرانكي )اجتمعوا تسعة لكي يلقوا على آلة القتل التي ركبوها فتاة لا ذنب لها إلا شرفها و إباؤها و مع الأسف الشديد فقد أظهر هؤلاء العسكريون شراسة قصوى في منع أية محاولة لإثبات براءة المتهمة في المرافعة
عنها أو حتى ذكرها على مسامعهم و ليس لهذا التصرف إلا تفسير واحد بعد أن أوقفوا على سر المؤامرة . و بعد أن عرفوا براءة جميلة أصدر القضاة حكمهم عليها في الخفاء قبل بداية الدعوى .
**************** :
يتبع........
الحكم
و عندما تلى حكم الإعدام على (جميلة بوحيرد) أغرقت في الضحك فصاح رئيس المحكمة لا تضحكي فالأمر جد خطير ، ثم نقلت القضية إلى محكمة الاستئناف العسكرية في مدينة الجزائر و لكن هذه قرّرت في يوم 08 من أغسطس 1957 أن ما قامت به محكمة الجزائر العسكرية إنما هو عمل تام الشروط أي عادل و لقد أظهر القضاة في محكمة الإستئناف شراسة قصوى عندما حاول المحامون مناقشة أمرين الآتي ذكرهما :
-1- لقد قيل أن الجلسة التي عقدت في ليل 13-14 يوليو تتوافر فيها شروط العلنية التي يقتضيها القانون بسبب حظر التجول فالجمهور كان يتألف من جنود المظلات فحسب ، فصرح قضاة الاستئناف أنهم يعدون هذه الحيثية غير مهمة فقد ظلت أبواب القاعة مفتوحة ، و كأنما كل ما يلزم هو إقامة حواجز من الشرطيين الواقفين في الأمكنة المناسبة خارج سور القصر حتى تترك أبواب السور مفتوحة .
-2- أما فيما يتصل بمنع محامي الدفاع عن المرافعة فقد برره مفوض الحكومة في الاستئناف بحجج تافهة قائلا إن مهمة اللجان الحربية صعبة للغاية ليس من وقت للتضييع و كل شيئ حسن و .
.... هكذا سيسجل هذا الحكم بالإعدام بين الذكريات الشنيعة التي تجرها وراءها كل أمة طاغية على مدى تاريخها و سيكون رهيبا أن يدرس الأولاد في الكتاتيب الإسلامية كره فرنسا و ذلك في التصريح الأخير الذي أدلت به ( جميلة بوحيرد ) إلى القضاء عند إنتهاء المرافعات (أيها السادة إني أعلمكم سوف تحكمون علي بالإعدام لأن الذي تخدمونهم متعطشون للدم و مع هذا فإني بريئة
....أحب وطني و أريد أن أراه حرا....ستحكمون علي بالإعدام مثلما قتلتم إخواني بن مهيدي ، و بومنجل و غيرهما ، ....إلخ).
تطور القضية
تطورت قضية جميلة بوحيرد تطورا كبيرا فلقد صادق رئيس الجمهورية الفرنسية و عين صباح الجمعة 08 مارس 1958 موعدا لتنفيذ الحكم و ما كادت الصحف العالمية تنشر هذا النبأ حتى هب الرأي العام بحكوماته و هيئاته و شعوبه يستنكر هذا الحكم و يحتج عليه مطالبا بإبدال حكم الإعدام على فتاة جزائرية لا ذنب لها إلا إخلاصها لوطنها .و في 05 مارس 1958 اجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة و ناقشت مأساة جميلة بعد أن تلقت ملايين برقيات الإستنكار من كل بلاد العالم كما قامت المظاهرات الصاخبة من أجل أشجع فتاة عربية عرفها تاريخ النضال ، و إتصلت بعض الحكومات العربية و في مقدمتها الجمهورية العربية المتحدة بسفارات فرنسا ناقلة إليها شعور العرب إذا تم الحكم على جميلة بالاعدام ، و كذلك أحتج زعماء العالم و في طليعتهم زعيم العروبة الرئيس جمال عبد الناصر، و كان رد الفعل بالجزائر عنيفا و ما كاد المناضلون يطلعون على عزم فرنسا حتى وجهوا إنذارا الى السلطات الفرنسية بالجزائر يخيرونها فيه أنهم في حالة تنفيذ الاعدام في حق جميلة سيقابلون ذلك بإعدام أربعة ضباط فرنسيين هم الآن أسرى في أيديهم .
و كذلك وصلت إلى المسؤولين الفرنسيين في فرنسا و في الجزائر رسائل تهديد تؤكد لهم ان دم جميلة لن يذهب هدرا و لا بد من الأخذ بالثأر لها في ابنائهم و بناتهم .
إزاء هذا السيل الطامي الذي كان يبدا من النصح و التحذير و ينتهي بالتهديد و الإنتقام رأت الحكومة الفرنسية نفسها مضطرة الى التريث فألغى الرئيس ( كوتي )رئيس الجمهورية موافقته على الإعدام و أرسل ملف القضية الى لجنة العفو و هي جزء من المجلس الأعلى للقضاء في فرنسا مع طلب بوجوب إجراء درس سريع و عميق للقضية . كما أن الوزير الفرنسي لشؤون الجزائر أوصى بإرجاء تنفيذ الاعدام و قامت لجنة قضائية بدراسة القضية و في 13 مارس 1958 و بعد أن قضت جميلة في سجنها في الجزائر ثمانية اشهر تنتظر مصيرها بدل الحكم بالنفي المؤبد .
************:
........يتبع.......
جميلة في فرنسا
...و أخيرا انتشلت جميلة من أخطارتلك المنافي النائية التي اضرت بها حيث نقلت الى السجن (بو) في الجنوب الغربي لفرنسا و حين أشتدت بها آلام في رأسها لم يعرف الأطباء سببها ، نُقلت الى مستشفى ( فران ) قرب باريس و هناك تحسنت صحتها و ظلت معنوياتها عالية ، و هناك لم يمسها أي تعذيب فإن ألف مسجون جزائري بسجن ( فران ) يحرسونها.
في سجن فران ألتقت جميلة بوحيرد بإبن البشير الإبراهيمي المدعو أحمد طالب الذي كان سجين في سجن فران و كان طبيبا...سمحت له الظروف من أن يطمئن على حالة جميلة الصحية..(1).
طلبت جميلة من أخيها أحمد طالب أن يزودها بالكتب و أن يعطيها دروسا في اللغة العربية.
أما عن ياسف سعدي الذي يقول عنه الفرنسيون إنه المسؤول عن الحركة الارهابية و الذي قبض عليه في خريف سنة1957 كتب في سجن فران مذكراته عن ( معركة الجزائر مع جنود المظلات) و نشره له (جان بول سارتر )، و قد أفرج عنه في سجن (فران) في يوم 11من أفريل سنة 1962 كما أفرج عن البطلة جميلة بوحيرد يوم 08 أفريل من سنة 1962.
*********** :
(1) ألقي القبض على أحمد طالب الابراهيمي ابن العلامة الشيخ الابراهيمي في باريس في فبراير سنة 1958 ، حيث كان يدرس الطب هناك و يعمل في الحركة السرية و مرض فنقل الى مستشفى فران عام 1961 و هناك إلتقى بالمجاهدة جميلة بوحيرد.
....يتبع...
هي و الزعماء
تقول جميلة بوحيرد :
إلتقيتُ جمال عبد الناصر رحمه الله و كان لقاء مهيبا ،لكن لم تعحبني سياسته بل و أعتبره السبب في موت العديد من المصريين الأبرياء ، كما إلتقيت حافظ الأسد رحمه الله و قبلت منه وساما أعتز به كثيرا ، وأكن للشعب السوري الأحترام و التقدير .و في العراق قابلت الجنرال قاسم لقد كان رجلا ودودا ،أما الشعب العراقي فقد إستقبلني استقبالا تاريخيا ،و فاجأني الشاعر الكبير بدر شاكر السياب بقصيدة رائعة "الى جميلة" في ديوانه أنشودة المطر ، الزعيم الليبي معمر القذافي كان متحمسا لعروبته و كان ذلك يعجبني ، أما الآن فلم أعد أستسغي سياسته، لقد أحبطني بأساليبه المهادنة و أحاول أن أجد له تبريرات ....لكن ذلك لم يمنعني من زيارة ليبيا عدة مرات لأن الشعب الليبي يحبني كثيرا و يبجلني ، و أحس هناك بأنني أزور بناتي و أولادي.
الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رحمه الله كان شخصية سياسية مركبة و في الوقت نفسه مرنة يقبل النقد و هذه صفة عادة لا تتوفر في الزعماء ، له إنجازات يذكرها التاريخ و له سلبيات كثيرة جعلتني لا أتجاوب معه خاصة في السنوات الأخيرة ،زرتُ الكويت و بيني و بين الشعب الكويتي مودة و محبة و لكن للأسف لم تتواصل ، أتمنى زيارة الإمارات لأني سمعت عنها الكثير .
و قالت أيضا...:
قابلت الزعيم الحبيب بورقيبة في الجزائر و ليس في تونس ، عندما سمعت أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة سيزور الجزائر فرحت كثيرا ، وإتصلت بالرئيس هواري بومدين و أبديت رغبتي في ملاقاته فحضر من سلمني دعوة لحضور حفل إستقبال على شرف الرئيس التونسي في قصر الجمهورية .و كنتُ في الموعد.
خلال البروتوكول قدمني بومدين للزعيم بورقيبة بقوله : " هذه السيدة نصفها تونسي خذوها عندكم و ريحونا منها ...إنها جميلة بوحيرد ".
فتح بورقيبة ذراعيه قائلا :" تعالي عزيزتي...جميلة أيتها الرائعة كم تمنيت رؤيتك ."
لقد كان سعيدا بلقائي و كذلك زوجته وسيلة التي كانت تفرح كثيرا لمناداتي لها " بالخالة ".
********** :
.......يتبع.......
vBulletin® v3.8.10 Release Candidate 2, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir